أدوار المرأة الفلسطينية في الخمسينيات حتى أواسط الستينيات

تاريخ النشر:

2010

أدوار المرأة الفلسطينية في الخمسينيات حتى أواسط الستينيات

1950- 1965

المساهمة السياسية للمرأة الفلسطينية

هذا الكتاب من إصدارمركز المرأة الفلسطينية للأبحاث والتوثيقبفلسطين للباحثةفيحاء عبد الهاديويقع الكتاب في 720 صفحة وينقسم إلى بابين:

الباب الأول هو متن البحث نفسه المبنى على شهادات الرواة والراويات

والباب الثاني هو نصوص بعض شهادات الراويات الشفوية التي تم إجراؤها مع النساء

وينقسم الباب الأول إلى أربعة فصول:

الفصل الأول عن دور المرأة الفلسطينية منذ نهاية الأربعينيات من القرن الماضى حتى أواسط الخمسينيات.

والفصل الثاني عن دور المرأة الفلسطينية منذ منتصف الخمسينيات حتى أواسط الستينيات.

والفصل الثالـث عـن تـطـور قضية المرأة من نهاية الأربعينيات حتى منتصف الستينيات.

أما الفصل الرابع فهو عن نساء في الذاكرة الشعبية:

وتقول الباحثة في مقدمة بحثها: إن البحث تبني رؤية علمية لأسباب اضطهاد النساء التاريخية، رؤية تنبذ فكرة الطبيعة الأنثوية، وتعتمد على تفسير أسباب الاضطهاد التاريخي الذي لحق بالنساء، كما حاول البحث من خلال سماع أصوات النساء أن يبتعد عن النمذجة التي تحيل النساء إلى قوالب متشابهة جامدة، وتطلب منهن رؤيًة واحدًة يفرضها ويحددها خطاب المجتمع الأبوي. تصبح النساء موجودات ومتجسدات على أرض الواقع من خلال حكايتهن.

والبحث هو محاولة جادة لجمع التاريخ الشفوى السياسي للمرأة الفلسطينية من أفـواه معاصري /ات الأحداث والذين شاركن/ وا في أحداثها، ولهذا نجد أن الراويات والرواة عينات منتقاة وليست عينات عشوائيةعينة شاركت في العمل الوطني العام بأي صورة من الصور أو من خلال الانتماء إلى تنظيم محددكمحاولة لاستكمال جوانب النقص الموجودة في التاريخ المدون عن مشاركة النساء السياسية. ويعتبر هذا البحث هو الحلقة الثانية بعد البحث الأول عنالتاريخ الشفوى السياسي للمرأة الفلسطينية في الثلاثينيات“.

وقد تم الجمع شفويًا من الراويات والرواة مـن عـدة مناطق داخـل فلسطين بشمالها وجنوبها ووسطها وقطاع غزة وفلسطين 48، وأيضًا من خارج فلسطين حيث التجمعات الفلسطينية بالوطن العربي (الأردن وسوريا ولبنان ومصر). وتناولت استمارة البحـث تعليمات عن كيفية إجراء المقابلات مع الرواة والراويات وسؤالهن بشكل محدد عن الأحداث التي مرت بها القضية الفلسطينية؛ وعـن أدوار النساء فيهـا؛ وعـن أسماء المشاركات في الأحداث التاريخية بشكل محدد، وعن أسباب مشاركتهن، وعن انتماءاتهن السياسية وكيفيـة شحذ ذاكرتهن عن مشاركة المرأة في العمل الوطني العام.

تناول الفصل الأول دور المرأة الفلسطينية منذ نهاية الأربعينيات من القرن الماضى حتى أواسط الخمسينيات، فترصد الباحثة ارتباط العمل الاجتماعي بالعمـل الـسياسي بصورة وثيقة، فهناك تداخلٌ كبيرٌ بينهما رغم وضوح سمة العمل الاجتماعي بالمفهوم التقليدي منـذ نهاية الأربعينيات حتى منتصف الخمسينيات، ثم وضوح سمة العمل السياسي المنظم منـذ أواسط الخمسينيات حتى أواسط الستينيات، وتستعرض الباحثة مـن خـلال أقـوال الـرواة والراويات أهم مشاركات النساء في هذه الفترة والتي كـان مـن أهمها: تأمين احتياجات المهجّرين من مأكل وملبس ومأوى خارج الوطن، ومحو الأمية، وتعليم الخياطة والتطريز للنساء الفلسطينيات كمحاولة لزيادة دخولهن.

کما شاركت النساء في المظاهرات بفاعلية منذ عام 1948، خاصة المظاهرات المطلبية مثل مظاهرة الطحين ( الدقيق ) التي نادت بتأمين الخبز والعمل للفلسطينيين عام 1951 والتي شاركت فيها النساء بأكثر من 500 امرأة، ومظاهرة نابلس 1950 احتجاجًا على ضم الضفة الغربية للأردن، وبرز أيضًا خلال تلك الفترة دور المرأة كقائدة ومنظمة للمظاهرات من خلال المشاركة في العمل الطلابي المنظم بالأردن في بداية الخمسينيات.

و كان للنساء نصيب من المشاركة في توزيع المنشورات التي ارتبطت بالعمل الجماعي المنظم من خلال الطلبة، ومن خلال الجمعيات والمؤسسات ومن خلال الأحزاب السياسية. وتتناول بعض هذه المنشورات التحريض على النشاطات السياسية مثـل القيام بالمظاهرات والإضرابات فتحدد الموعد والمكان والأهداف، وكان يتم توزيع المنشورات على المحـال التجارية والبيوت والمدارس. أما العمل كحلقة اتصال فكـان للنساء دور في نقل الرسائل السرية ضمن نشاط الأحزاب السياسية. وتستعرض الباحثة أيضًا مشاركة النساء في تقـديـم العرائض كنضال مطلبی کفاحی مرتبط بالعمل المنظم، ولما لم يكن من السهل التوقيع على العرائض لانتشار الأمية بين النساء والرجال فقد ساهمت النساء في أخذ البصمات بجوار اسم الموقعين والموقعات.

وحرصت النساء – خلال تلك الفترة – أيضًا على القيام بالتوعية السياسية والندوات والمحاضرات والدورات التثقيفية والحلقات الدراسية والتي كانت مرتبطة بالعمـل المنظم بعد انتساب بعض النساء إلى الأحزاب، وقد تطلب ذلك قيام بعض النساء بزيارة المخيمات وإثارة الأمل في العودة لفلسطين، والحث على القيام بالمظاهرات، بالإضافة إلى محاضرات توعية بالأمور الصحية أو الاجتماعية.

وساهمت النساء في العمل من أجل الحفاظ على الهوية والتي اعتبرت مـن القـضـايا ذات الأهمية للفلسطينيين خاصة بعد عام 1948، وشكلت قضية وجود خاصة للذين لم يهجّروا وبقوا داخل الأرض المحتلة، إلى جانب قضية المحافظة على اللغة حيث ترتبط الهوية ارتباطًا وثيقًا باللغة. وهذا ما أدركته النساء اللاتي ناضلن من أجـل تثبيت اللغة العربية، والتي تعنى تثبيت الهوية العربية للأراضي الفلسطينية، وتثبيت القومية في محاولات السلب والأسر لة، وقد عبرت النساء في شهادتهن عن استخدامهن أدوات مميزة للحفاظ على اللغة وتعميق الإحساس الوطني مثل تعليم الأناشيد والأغاني الوطنية، هذا وكـان تـعـلـيـم هـذه الأناشيد داخل المدارس سببًا لفصل بعض المدرسات من مدارسهن.

وترصد الباحثة مشاركة النساء في التسلل إلى الوطن، فقـد شـكل التسلل إلى الوطن المهجر معركة سياسية في سياق نضال المهجرين وصمودهم ضد الترحيل والتطهير العرقي، وترسم شهادة بعض الراويات صورة صادقة لأفراد الشعب الفلسطيني الذين أصروا على العودة إلى الوطـن فأطلق عليهم لقـبمتسللينوعوقبـوا بـسبب عودتهم، وتحكى الراويات عن تسللهن داخل الأرض المحتلة ونضالهن من أجل البقاء ومن أجل الحصـول على هوية مما عرضهن للسجن، الأمر الـذي يؤرخ للشعب الفلسطيني (رجالاً ونساًء) ضد مؤامرات التهجير.

تنتقل الباحثة بعد ذلك لترصد من خلال شهادات الراويات والرواة عـن تـلـك الفترة مشاركة النساء بالحقل الأكاديمي حيث كانـت ظـروف التعليم قاسية ومرتبطة بتدهور الأوضاع الاقتصادية للمهجرين، وقد كـان هنـاك دورٌ مميزٌ للمعلمات اللاتي اعتبرن أن دورهن الأساسي بجانب التعليم هو الحفاظ على الهوية وشحذ الذاكرة حتى لا تنسى الأجيال الجديدة تاريخها ووطنها، وتعمل جاهدة على تحقيق حلـم العـودة. كذلك شكلت أوضاع التعليم القاسية تحديًا للنساء لمساعدة الأسر الفلسطينية اقتصاديًا بجانب النضال السياسي. وقد قدمت النساء المعلمات نماذج يحتذى بها، فكان لهن نشاط اجتماعي مميز، ودور في تشكيل الفكر التنويري والوعي السياسي لدى تلميذاتهن، وتعبر بعـض الراويـات عـن رؤيتهن لدورهن كمدرسات بعد النكبة (1948) وكيفية حرصهن على تناول تاريخ القضية الفلسطينية خلال قيامهن بالتدريس. هذا إلى جانـب انـضـام بعـض الطالبات إلى رابطة الطلاب الفلسطينيين التي تم تشكيلها من الطلبة والطالبات الدارسين بالقاهرة، وحكت الراويات عن مدى تطور وعيهن السياسي بالاشتراك بهذه الرابطة.

أما عن المشاركة في الحقل الثقافي، فقد رصدت الباحثة من خلال شهادات بعض الراويات قيامهن بدور ثقافي له طابع تحريضي، وهذا الدور تمثل في:

العمل من خلال الجمعيات الثقافية

أعمال ثقافية تحريضية: ( الخطابــة – تأليف الكتب – الشعر السياسيكتابة المسرحيات – الكتابة الصحفية )

ممارسة محدودة للفن التشكيلي.

العمل بالإذاعة بقراءة نشرة الأخبار

وشاركت أيضًا النساء في الحقل الطبـي الـذي ارتبط بالحقـل العسكري السياسي، ورصدت الباحثة من شهادات الراويات إقبالاً عـلى الـتـدريـب عـلى الإسعافات الأولية ودورات الدفاع المدني خاصة عندما تلوح في الأفق بوادر حرب، وقد حدث ذلك فـيما قبـل نكبة 1948 وبعدها مباشرة، وقد انحصر دور النساء في تقديم الإسعافات الأولية للجرحى، ولكن مع نهاية الأربعينيات وأوائل الخمسينيات تزايدت أعداد النساء اللاتي أقـبلـن عـلى تعلم الإسعافات الأولية من خلال الجمعيات النسائية التي تمارس العمل السياسي بشكله غير المباشر، وقد ارتبط خروج النساء في تلك الفترة بالتقـدم الاجتماعي، حيث صاحب خروج المرأة إلى ميدان العمل الإنساني السياسي حاجة إلى نزع الحجاب عن الوجه لممارسة المهام الاجتماعية السياسية.

وتنتقل بنا الباحثة لترصد بروز دور تنظيمي للنساء ضمن الأحزاب السياسية العربيـة منـذ أواخـر الأربعينيات، فمـنـهـن مـن انـضمت لحركـة القـوميين العرب، أو حزب البعث الاشتراكي، أو الحزب القومي السوري، أو الحزب الشيوعي الأردني، وقد أكـدت بعـض الراويات على طبيعة التنظيم المختلط في هذه التنظيمات، وتلاحظ أيضًا الباحثة تأكيد بعـض الراويات على ربط انتسابهن إلى بعض الأحزاب والدافع على دخولهن من حزب بعينه هو تبني الحزب للقضية الوطنية والعمل على تحرير الأرض، كما تلاحظ الباحثية أيضًا تأثر بعض الراويات بثورة 1952 بمصر في تبنيهن لفكرة القومية العربية.

وقد قامت بعض الأحزاب بداية على اختلاط المستويات الحزبية ( مثل الحزب السوري القومي) ثم اضطر بعد فترة إلى عمل مستوی حزبی نسائی ( عمل مديرية خاصة بالمرأة ) مراعاة للوضع الاجتماعي للمرأة في هذا الوقت، كـمـا تحكى الراويات في شهادتهن عن انضمامهن إلى الأحزاب الشيوعية ( الفلسطيني أو الأردني أو الإسرائيلي) وصارت النساء داخلها خلية كبيرةوقد ارتبطت بعض الجمعيات النسائية – في ذلك الوقت – ببعض الأحزاب مثل جمعية النهضة النسائية، كما تلاحظ الباحثة أن الأحداث الساخنة في بداية الخمسينيات ساعدت على تنمية وعي سياسي مبكر لدى الراويات.

أما عن الجمعيات والروابط والاتحادات فقد شاركت النساء في تأسيسها، فترصد الباحثة امتداد عمل النساء الاجتماعي المنظم منذ نهاية الأربعينيات وأوائل الخمسينيات مع بروز أعلى للطابع السياسي للعمل الوطني، مترافقًا مع عمل النساء المنظم ضمن تنظيمات سياسية حزبية، فأسسن الروابط والجمعيات والاتحادات التي تعنى بتنظيم عمـل النساء السياسي الثقافي الاجتماعي، منها ما استمر في الاسم ( مثل جمعية النهضة النسائية في مناطق 1948 التي تغير اسمها إلى حركة النساء الديمقراطيات)، ومنها مـا تـوقـف بـعـد حظره (مثل رابطة الدفاع عن حقوق المرأة / القدس / أريحا) ومنهـا مـا اسـتمر في العمل نفسه حتى الآن (مثـل الاتحاد النسائي الفلسطيني / لبنان). ورصدت الباحثة أيضًا تأسيس جمعية النهضة النسائية بعد نكبة 1948 حين أحست النساء بضرورة تأسيس عمل منظم يمكنهن من العمل السياسي، فعملن على المحاضرات السياسية، وفتح فصول محو الأمية، وفتح مشاغل خياطة وتطريز. ثم تغير اسم الجمعية إلى حركة النساء الديمقراطيات عندما ضمت نساء يهوديات تشتركن في الرؤية والأهـداف مـع النساء العربيات، وكذلك غيرت النساء اليهوديات اسم جمعيتهن (جمعية النساء التقدميات) وأسسن معًاحركة النساء الديمقراطيات، إلى جانب ذلك ترصد الباحثـة أيضًا تأسيسرابطة الدفاع عن حقوق المرأة القدس / أريحا،وهي مؤسسة نسائية تقدمية نشأت متزامنة مع تأسيس الحزب الشيوعي الأردني عام 1951 والتي أصدرت مجلةاليقظة النسائية، لنشر أهدافها، كما شاركت في إصدار مجلةأنصار السلام” 1951 والتي كانت تطبع بشكل سري. بالإضافة إلى هـذا تأسست جمعية رابطة السيدات الفلسطينيات بسوريا في نهاية الأربعينيات، والتي تركز عملها في الميدانين الخيري والتربوي، كما تأسست في تلك الفترة الجمعية النسائية الفلسطينية بسوريا أوائل الخمسينيات والتي تركز عملها في الميدانين الثقافي والطبي، حيث قامت بتدريب طالبات المدارس على الدفاع المدني والإسعافات بالإضافة إلى النشاط الثقافي. أما في منطقة الخليل فقد تأسست جمعية سيدات الخليـل أوائل الخمسينيات تقدم أنشطة اجتماعية ذات طابع سياسي غير مباشر. وترصد الباحثة أيضًا تأسيس الاتحـاد النسائي العربي الفلسطيني عام 1952 والذي قام بنشاط اجتماعي وسياسي.

وتناولالفصل الثانيدور المرأة الفلسطينية منذ منتصف الخمسينيات حتى أواسـط الستينيات، فتربط الباحثة – من خلال شهادات الراويات – بين ازدياد وعى المرأة السياسي منذ منتصف الخمسينيات وازدياد أعـداد النساء اللاتي انتظمن ضمن اتحادات نسائية وأحزاب سياسية، وكيف كان لاشتراكهن في مؤتمرات محلية وعربية ودوليـة تـأثير في تطوير هذه المؤسسات، وأيضًا في أشكال عمل النساء وفقًا للأحداث والطوارئ.

فبرز الجانب السياسي ليحتل المساحة الأوسع من المشاركة النسائية، وركزت الاتحادات النسائية على النشاطات الاجتماعية التي تخدم أهدافًا سياسية غير مباشرة، أما الأحزاب فقـد ربطت بين الوسائل الاجتماعية وعملها السياسي ربطًا واضحًا، خاصة أن أغلب الاتحادات كانت تابعة بشكل أو بآخر إلى الأحزاب، وكان من أهم القضايا التي واجهت الجمعيات النسائية في تلك الفترة: قضية محو الأمية، وتحكى الراويات عن معاناتهن في إقناع المسئولين عـن المدارس لاستخدامها في محو الأمية، وقضية تشغيل المهجـريـن بـدلاً مـن مدّهـم بالمساعدات المالية والعينية، فبدأن بتعليم النساء الخياطة والتطريز خصوصًا صـنـع الثـوب الفلسطيني كنوع من الحفاظ على الهوية، وقمن بعمل معارض للبيع وتنظيم حفلات الترفيه التي يذهب ريعها إلى الجرحى. کما عملت هذه الجمعيات والروابط والاتحادات عـلى قضية توعية النساء بالقضايا الاجتماعية والسياسية، وترصد الباحثة أيضًا تأسيس هذه التنظيمات لرياض الأطفال كمحاولة للدخول إلى الأسرة الفلسطينية والقيام بتوعية الأهالي. كما قامت بعض النساء بهذه المنظمات بتقديم هدايا رمزية لجيش التحرير الفلسطيني بعد جمع التبرعات لهذا الغرض. وعملت هذه التنظيمات أيضًا – خلال تلك الفترة – على العناية بـأسر الشهداء والمعتقلين، هذا وقد قامت النساء الحزبيات بالربط بين المهام الحزبية والمهـام الاجتماعية وقمن بالتوجه للبيوت للتوعية بالقضية الفلسطينية.

أما عن مشاركة النساء في المظاهرات خلال تلك الفترة – منذ منتصف الخمسينيات – فقد اشتركت نساء فلسطين في أشهر هذه المظاهرات وهي مظاهرة إسقاط حلف بغداد عـام 1955 بين بريطانيا وباكستان وإيران والعراق وتركيا والذي اعتبره الفلسطينيون موجهًا ضد قضيتهم، وقد سقطت في هذه المظاهرات شهيدة فلسطينية مما أشعل حـدة هـذه المظاهرات، كذلك شاركت النساء في مظاهرات التنديد بالعدوان الثلاثي على مصر 1956، وأيضًا شاركن في مظاهرات تندد بالانفصال بين مصر وسوريا، وقد استتبع اشتراك النساء بقوة في هذه المظاهرات خاصة بين طالبات المدارس إلى فصل بعضهن من مدارسهن.

وتستمر الباحثة في رصد عمل النساء السياسي خلال تلك الفترة فتلاحظ ازدياد عـدد النساء اللاتي ساهمن في نقل المنشورات وتوزيعها بل مساهمتهن في كتابتها أيضًا، وقد اعتبر – على سبيل المثال – أن توزيع المنشورات من مهمات النساء المميزة في حركة القوميين العرب في سوريا وغزة. وتحكى شهادة الراويات عن إبداع النساء في إخفاء المنشورات حتى يتم توزيعها بأمان، كما شاركت النساء في تحرير الصحف الحزبية والتي أحيانًا تكون سرية.

واستمر أيضًا خلال تلك الفترة القيام بالمشاركة في التوعية السياسية في عدة دول عربية خاصة لدى صفوف التنظيمات الطلابية في المدن، أما في القرى والمخيمات فقـد استعانت الحركة بالجمعيات الخيرية أو بحاكم القرية أو بنساء ذوات ثقة من أهل القرى لتنفيذ أهدافها في هذه الأماكن من محو الأمية والتوعية والتثقيف السياسي.

ومع ازدياد مشاركة النساء في العمل السياسي طرقت النساء بابًا تحريضيًا جديدًا هو فن الخطابة، وتتوصل الباحثة – من خلال شهادات الراويات والرواة – إلى ارتباط فن الخطابة لدى بعض النساء بالمظاهرات السياسية والتحريض السياسي، وقد تصدت بعض النساء الفلسطينيات للقيام بهذا الدور (إلقاء الخطب الحماسية) خاصة أثناء المشاركة في مظاهرات ضد حلف بغداد.

کما سعت النساء في ذلك الوقت إلى المشاركة في المؤتمرات المحلية والعربية والدولية فترصد الباحثة أن العديد من الراويات تحدثن عن هذه المشاركة دون أن يجدن صعوبة مثلما وجـدن خـلال مشاركتهن في فترة الثلاثينيات والأربعينيات.”ورغـم وجـود تـنـوع في موضوعات المؤتمرات لكن الطابع السياسي كان الغالب عليها، وتعتبر بعض الراويات أن مشاركتهن في هـذه المؤتمرات جـزء من النضال السياسي والعمل الإعلامي للقضية الفلسطينية، وتثبيت دور المرأة الفلسطينية الراغبة في تحقيق التنمية والمساواة والسلام لشعبها. وقد شاركت بعض الراويات في المؤتمرات العربية ومؤتمرات عدم الانحياز ومؤتمرات للأمم المتحدة، وشاركت في مؤتمرات لجنـة أوضاع المـرأة – والتـي كـان بـهـا بنـد خـاص بالمرأة الفلسطينية، كما شاركت شابة فلسطينية في مؤتمر وارسـو للشباب 1956، وفى مهرجان الطلاب العالمي 1957 بموسكو، وشاركت بعض النساء في المؤتمر الأول للمرأة الأردنيـة الذي نظمه الحزب الشيوعي الأردني. أما بالنسبة للمؤتمرات الفلسطينية بفلسطين، فتركز شهادات الراويات على انعقاد المؤتمر التأسيسي للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية في القدس 1965 بعد عام من تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية كقاعدة مـن قـواعـد المنظمـة والـذي شاركت فيه نساء فلسطينيات من عدة دول عربية.

تنتقل الباحثة بعد ذلك لترصد – من خلال شهادات الراويات والرواة – عـمـل المـرأة الأكاديمي خلال تلك الفترة، وتكشف عن ازدياد انخراط النساء في العمل السياسي العـام كنتيجة لازدياد أعداد النساء المتعلمات، وقد ارتبط التعليم بالسياسة، فكان المعلـم ينظـر لنفسه كصاحب رسالة وفكر وقدرة على الحركة والتأثير على الطلاب، وقد برز دور سیاسی مميز للنساء منذ منتصف الخمسينيات منطلقًا من المدارس سـواء في تنمية الحس الوطني، أو تنظيم الطالبات ضمن أطر حزبية، إلى تنظيم المظاهرات. وقد لاحظت الباحثة استعداد المعلمات للتضحية باستقرارهن وأمانهن الشخصى في سبيل الإخلاص للعمل السياسي الوطني، الذي نذرت أنفسهن له، فمنهن من واجهت النفي، ومنهن من واجهت تهديدًا بمنعها من التعليم. كما ترصد الباحثة مساهمة المعلمات منذ منتصف الخمسينيات في النشاط النقابي للمعلمين، وكان العمل النقابي محظورًا في تلك الفترة، كما شاركت النساء في النشاط النقابي للمعلمين في الكويت.

وكما اتسعت مشاركة النساء في العمل السياسي في تلك الفترة اتسعت مشاركة النساء في الحقل الثقافي أيضًا، حيث ترصد الباحثة نشاط النساء داخـل النـوادي الثقافية الاجتماعية سواء داخل فلسطين أو خارجها. كما عملت النساء ضمن اللجان الثقافية ذات الطابعين العلمي والأدبي. وكما في أواخر الأربعينيات فقد استمرت مشاركة النساء في العمـل الثقافي ذي الطابع التحريضي سواء في الشعر أو الكتابة السياسية أو التأليف المسرحي، كــما تطـور عمل النساء الصحفي وشاركت النساء في أكثر من صحيفة سواء داخل فلسطين أو خارجها، وطورت بعض النساء من قدراتهن الصحفية أكاديميًا. وبالنسبة إلى مساهمة النساء في الفـن التشكيلي فقد بدأت بعضهن تسعى للحصول على منح دراسية في هذا المجال، كما اتسعت مشاركة النساء في العمل الإذاعي وأصبحت أكثـر تخصصًا، وساهمت بعـض الناشطات السياسيات في الإذاعة كنشاط سياسي لا مهنى، كوسيلة إعلامية تحريضية.

تنتقل بنا الباحثة لترصد مشاركة النساء في الحقل الطبي فتلاحظ ازدياد إقبال النساء على التدريب على الإسعافات الأولية منذ منتصف الخمسينيات خاصـة في ارتباطه بالعمـل الاجتماعي والعمل العسكري، وذلك من خلال الجمعيات الأهلية، هذا وقد تزامن التدريب على الإسعافات الأولية – عند بعض الراويات – مع التدريب على السلاح سواء كانت المرأة مُدرِبة أو متدربة. وكما ارتبط الحقل الطبي بالحقل العسكرى فقد ارتبط بالحقـل السياسي أيضًا حيث أثّر التدريب العسكرى على نمو الوعى السياسي.

وهنا تنتقل الباحثة إلى تخصيص نقطة مهمة في حياة النساء الفلسطينيات وهي المشاركة في الحقل العسكري الذي صاحب تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964، فقـد شاركت النساء في صناعة المتفجرات والتدريب والتدرب على حمل السلاح وفكـه وتركيبه، والتدريب على الرماية والقتال دفاعًا عن المخيمات. وكان تدريبها على السلاح يـتـم بـشكـل محدود داخل تنظيمات المقاومة بزعم أن دور المرأة يقتصر في الدفاع عن النفس، ومقابل ذلك كان هناك محاولات دءوبة للنساء لإثبات قدراتهن التي لا تقل عن دور الرجال. هذا وقد وضحت مشاركة النساء العسكرية خلال حرب السويس وخلال الثورة بلبنان.

ثم تنتقل الباحثة – كما في الفصل الأول – لترصد دور النساء التنظيمي خلال هـذه الفترة، حيث واصلت النساء تنظيمها ضمن الأحزاب السياسية العربية، فنجـدها ضمن صفوف الحزب الشيوعي الأردني، وحزب البعث العربي الاشتراكي، وبرزت مشاركتها ضمن حركة القوميين العرب منذ منتصف الخمسينيات. وبعد تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية 1964، شاركت المرأة الفلسطينية في التنظيم النسائي لجبهة التحرير الوطني، كا تأسست لجنة المرأة بـفتح، مترافقة مع تأسيس حركة التحرير الوطني الفلسطيني عـام 1965، وقد عرفت النساء المنتميات للأحزاب أن مشاركتهن لها ثمن صـعب مـن الملاحقة والاعتقال وتشويه صورتهن، فقد تعرضت النساء المنتميات للأحزاب الشيوعية للاعتقال، خاصة خلال الهجمة الشرسة على الشيوعيين في العالم العربي بعد الخلاف ما بين عبد الناصر في مصر وعبد الكريم قاسم في العراق، واجهت النساء المنضمات إلى حركة القوميين العرب صعوبات أيضًا، ولم تصل أكثريتهن إلى مراتب قيادية عليا. وقد لاحظت الباحثة في أقـوال الرواة الرجال أنهم يؤكدون وجود علاقات أسرية بين الناشطات السياسيات الحزبيات والرجال السياسيين، بينما تؤكد الراويات أن انتماءهن الفكرى للأحزاب تم بعيدًا عـن انـتمـاء أقاربهن، دون أن ينفين تأثرهن بالأفكـار التـي كـانـت تناقش في إطار العائلة، وأكـدن أن بعضهن انضم للأحزاب ثم تعرفن على أزواجهن هناك.

تنتقل الباحثة بعد ذلك لترصد ما جاء بأقوال الرواة والراويات عن الدور البارز للنساء في تأسيس الجمعيات والروابط والاتحادات سواء التي استمرت منذ نهاية الأربعينيات، أو التي تأسست في منتصف الخمسينيات، فقـد شـهدت هذه الفترة اختلافًا في طبيعـة عمـل النساء، مع زيادة انخراط النساء الحزبيات ضمن هذه الأطر، وتوضح الباحثة أن النشاط ضمن هذه الأطر هو نشاط سیاسی اجتماعی طبقًا للمفهوم الذي تبناه البحث وهـو المفهـوم الواسع للعمل السياسي الذي لا يفصل بين السياسي والاجتماعي، والذي يربط بين الخاص والعام، ولهذا لم يستطع البحث اعتاد منهج التحليل الكمي لاستخراج نتائج الأنشطة، إمـا لأن الرواة تحدثوا عن مجمل أنشطة هذه الأطر دون تخصيص الحـديـث عـن إطـار بعينه، أو لاختلاف تقييم العمل السياسي عند الرواة، فكانوا يفصلون بين العمل السياسي والعمـل الاجتماعي حينًا ويربطون بينهما حينًا آخر، وتتمثل هذه الاتحادات والروابط والجمعيات في:

الاتحاد النسائي العربي الفلسطيني / لبنان: الذي كان له نشاطٌ واسعٌ في لبنان وكان معنيًا بالاهتمام بالمخيمات الفلسطينية، وكـان – حسب أكثـر الـرواة – عـمـل نخبوي بعيدًا عن العمل الجماهيري.

جمعية العائدات / سوريا: وكان لها نشاط مميز في سوريا أوائل الستينيات، وتعمـل في تقديم المساعدات الخيرية، وإن كان لها نشاط سياسي اجتماعـي ثـقـافي، فبجانب فتح مراكز محو الأمية، والخياطة والتطريز، وجمع التبرعات، كانت للعضوات مشاركات في مظاهرة ضد وعدبلفور“.

الجمعية الخيرية / سوريا: وكانـت تـعـمـل عـلى تقـديـم المساعدات إلى الأسر الفلسطينية، وكانت جمعية مختلطة (رجالاً ونساًء).

الجمعية النسائية الفلسطينية / سوريا: التي تشكلت عـام 1962 كرديف نسائی علنى للتنظيم الفلسطينيجبهة التحرير الفلسطينيةالـذي تشكل أواخـر الخمسينيات، وكـان مـن أهـدافها زيارة المخيمات ومحو الأميـة والتـدريـب عـلى التمريض – إلى جانب العمل السياسي بين الأسر الفلسطينية.

رابطة المرأة الفلسطينية/ القاهرة: وكان لها وجود مميز، وأصبحت فرعًا مـن اتحـاد المرأة الفلسطينية منذ عام 1965 ومقره القدس حتى 1967، ثم نُقل إلى بيروت. وكانت أهداف الرابطة السياسية النقابية هي التجمع والتنظيم والعمـل مـن أجـل تحرير فلسطين، وذلك من خلال فصول دراسية، وجمع تبرعات للفدائيين، وإعـداد بيانات وتنظيم المحاضرات والندوات السياسية.

التنظيم النسائي الفلسطيني / الكويت: وتأسس عام 1963، وأهدافه تفعيل دور المرأة بالقضية الفلسطينية وذلك بالحفاظ على التراث الفلسطيني والهوية الفلسطينية وبالتالي المحافظة على القضية الفلسطينية لتظل حية.

اتحاد المرأة الفلسطينية / العراق: تأسس عام 1963 تنفيذًا لقرار اتخذ في اللقـاء النسائي التوحيدي في بيروت بعمل اتحادات نسائية بالبلاد التي بها تجمعات فلسطينية.

الاتحاد النسائي الفلسطيني / غزة: و الذي تكون عام 1964، وكـان مـن أنشطته القيام بالتوعية السياسية الممتزجة بالنشاط الثقافي والاجتماعي.

جمعية المرابطات الخيرية / قلقيلية: تأسست 1959 – 1960 وكانت ذات نشاط اجتماعی– سیاسي مثل جمع التبرعات لأسر المعتقلين والشهداء.

الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية: والذي يعتبر إطارًا موحدًا لجهود النساء وكقاعـدة شعبية من قواعد منظمة التحرير الفلسطينية، وقد لاحظت الباحثة أن معظـم الروابط والاتحادات تم تسجيلها رسميًا ضمن وزارات الشئون الاجتماعية العربية خارج الوطن، في الوقت ذاته عملت كفروع للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية الـذي يمثل المرأة في الوطن والشتات، وكان رافدًا مـن الروافـد الـشعبية لمنظمة التحرير الفلسطينية. وممثلاً شرعيًا للمرأة الفلسطينية. وقد تم تشكيل الاتحـاد بـشكل ديمقراطي بانتخابات حرة للمجلس الإداري وللجنة التنفيذية. وترصـد الباحثة مساهمة النساء الحزبيات داخل الاتحاد ورؤيتهن النقدية لدورهن حيث كان هدفهن قلب مسار العمل النسوى الاجتماعي إلى عمل سياسي بالدرجة الأولى. هذا وقد انتشرت فروع الاتحاد في كل البلاد العربية التي بها تجمعات فلسطينية، إلى جانب عملها بالمخيمات الفلسطينية.

وتستعرض الباحثة فيالفصل الثالثكيفية تناول قضية المرأة منذ نهاية الأربعينيات حتى منتصف الستينيات، وترى الباحثة أن المراحل التاريخية قـد تـداخلت بـصـورة يصعبٍ فصلها إلى المرحلتين الزمنيتين اللتين يتناولها البحث، ومعظم الراويات كـن شـاهدات على تطور قضية المرأة، ولعبن دورًا مميزًا خلالها.

وهناك – كما تلاحظ الباحثة – قاسم مشترك لدى رائدات الحركة النسائية، وهو التأكيد على أولوية السياسة في عملهن، فقد نشأ نضال المرأة وطنيًا نضاليًا سياسيًا بالدرجة الأولى، ولم ينشأ مطلبيًا أو نسائيًا، وغضت النساء الطرف عن مطالبهن النسائية، وكان الاعتقاد السائد أن قضية تحرير الوطن هو تحرير للمرأة والإنسان، وأن النضال السياسي هو طريق انتزاع حقوق المرأة الاجتماعية، خاصة أن نساء فلسطين كـن مناضـلات مـن أجـل الحصول على الوطن. وقد أثبتت المرأة عبر عملها السياسي، بأن المشاركة السياسية هي قضية تهم النساء كما تهم الرجال.

ثم تتطرق الباحثة إلى موقف الأحزاب من قضية المرأة، فتستعرض مواقـف أهـم هـذه الأحزاب من تلك القضية:

بالنسبة إلى الحزب القومي السوري فلم يؤمن بوجود قضية خاصة للمرأة – حسب بعض الراويات – وإن كان قد لجأ لعمل مستوى حزبى نسائي.

وبالنسبة لموقف حركة القوميين العرب فقد تنوعت آراء الراويـات حـول موقف الحركة من قضية المرأة، وقد رأت أغلبهن أنه بالرغم من مشاركة النساء في الحركة لكن قضية المرأة لم تطرح قط داخل أطـر الحركة!، ولم تكـن هنـــــاك قضية غير القضية الوطنية، وإن كان بعد فترة بدأت تظهر ملامح اهتمام بقضايا العمال وقضايا الطلاب وقضايا المرأة، خاصـة فـيما يخص مواجهـة الـصعوبات الاجتماعيـة التـي تواجــه المرأة لعملها بالنضال الوطني، ولكن لم يتم طرحـها كقضية اجتماعيـة. وكان لإصرار المرأة على العــــمل ضمن خــلايا مشتركة مع الرجـــل دور مهـم في تطـور الـوعـى بقضية المرأة.

أما عن موقف حزب البعث العربي الاشتراكي فقد تنوعت آراء الراويـات حـول موقف الحزب من قضية المرأة، واعتبر البعض أن إيمان الحزب بالمساواة بين الرجل والمرأة – كجناحي جسم واحد – يدل على الاهتمام بقضية المرأة داخل الحزب، بينما اعتبرت راويات أخريات أن دور المرأة داخل الحزب كان متواضعًا ناسبين ذلك إلى الثقافة والتربية الاجتماعية السائدة بتلك الفترة.

ثم تستعرض الباحثة مواقف الأحزاب الشيوعية ( الفلسطيني/ غزة والأردني والإسرائيلي ) وترصد أيضًا تباينًا بين الراويات اللائي انتمين إليها، ما بين قائلة بأن هذه القضية تم طرحها مع تأسيس هـذه الأحزاب، وبين قائلة بأن قضية المرأة لم تطرح بشكل محدد ( مما يمثل خلطًا بين مشاركة النساء في هذه الأحزاب وقضية المرأة كقضية في حد ذاتهـا ). هـذا وترصـد الباحثـة أن النساء المشاركات في هذه الأحزاب قد تمردن على المفاهيم الاجتماعية السائدة في تلك الفترة. ولكـن تـلاحـظ الباحثة اختلافًا داخل الحزب الشيوعي الإسرائيلي، الذي ربط مبكـرًا مـنـذ نهاية الأربعينيات بين العمل السياسي وحقوق النساء، حيث طالبت النساء المنتميات إليه الحكومة والكنيست بسن قوانين للمساواة.

ويتحدثالفصل الرابععن نساء في الذاكرة الشعبية الجماعية، فتنـوه الباحثة إلى أنـه بالرغم من أن التاريخ المدون قد ذكر بعض الأسماء لنساء شاركن في العمل السياسي خـلال فترة الخمسينيات وحتى أواسط الستينيات، فإن التاريخ الشفوى أضاف أسماء العـديـد مـن النساء اللائي شاركن في العمل السياسى بشكل فاعـل ( وقد استعرضت الباحثة العديد من هذه الأسماء ) وكان لهن دورٌ مهمٌ في العمل السياسي الفلسطيني.

ومما لاحظته الباحثة من خلال مقابلة الرواة الرجال هو قلة رسوخ أسماء النساء اللاتي نشطن سياسيًا في ذاكرتهم وكانوا يتذكرونهن باسم الزوج أو اسم العائلة، بل إن احدهم كان يتحدث عن دور مميز لامرأة وتعمد عدم ذكر اسمها ثم اتضح أنها شقيقته، وذلك بالمقارنة مع ما استقر من أسماء في ذاكرة الراويات، فهي ذاخرة بأسماء لنساء عملن بهمـة، وذاكرتهن حية في ذكر أدوار قيادية رائدة للنساء في تلك الفترة، وتركن بصمة على القضية الفلسطينية حتى أواسط الستينيات، وأرسى نضالهن الأساس لنضال الجيل الذي تلاه.

ننتقل بعد ذلك للباب الثاني من الكتاب الذي يستعرض نصوص روايات النساء (المقابلات الشفوية)، وتقول الباحثة إن أهمية هذا الجزء في أنه يضع بين أيدي القراء، بعضًا من الوثائق التي استخدمت في البحث لتكون مرجعيًة تاريخيًة، ولم يتم استعراض كل الشهادات التي تم جمعها بل كان من الضرورة انتقاء مجموعة من المقابلات تمثل الحقبة التي يتناولها البحث، وقد راعت الباحثة في انتقاء هذه المقابلات أن تكون ممثلة لمناطق البحث، کما اختارت المقابلات والشهادات التي كشفت عن دور النساء التنظيمي ضمن الأحـزاب العربية في تلك الفترة التاريخية، وتدون كل شهادة اسم الراوية ومحل ميلادها ومحل إقامتهـا ومكان جمع الشهادة والزمن الذي استغرقه التسجيل وتفرغ الشرائط واسم الباحثة الميدانية.

وتكمن أهمية هذا الكتاب فيما أرساه من أهمية الجمع الشفوي لتاريخ ومشاركة المرأة سواء السياسية أو الاجتماعية، حيث يغفل التاريخ المدون عـن ذكـر أدوار مهمة قامت بها النساء، وحتى لو قام بذكر بعضهن فيكون ذلك على استحياء، فالذاكرة الشفوية للشعوب تعتبر عاملاً مهمًا لفهم حركة التاريخ، وهو عمل مكمل وأساسي للتاريخ الرسمى فحتى الأغاني الشعبية والملاحم والسير الشعبية والأمثال تعتبر من مصادر التاريخ الشفوى أيضًا التي واجهت التهميش، وتم الاعتماد فقط على الوثائق، فالتاريخ ليس فقط تاريخ الصفوة، بل هو تاريخ الشعبيين أيضًا، والتاريخ الشفوى يكون فرصـة لتصحيح مـا كـتـب مـن قبـل المؤرخين، وهي وسيلة للتأريخ موجودة منذ القدم واستخدمهاهيرودوتمثلاً في تدوينه للتاريخ، ولكن منذ القرن الماضي بدأ الاهتمام بها خاصة بعد الحرب العالمية الثانية في أوربا وبالأخص في بريطانيا، وتم استخدامها في الولايات المتحدة لتدويــــــن تـاريخ السكان الأصليين لأمريكا (الهنود الحمر)، وأيضًا في جنوب أفريقيـا بعـد إلغاء التمييز العنصري لتصحيح التاريخ الخاص بالأفارقة. وهو فرصة لجمع الكثير من الحقائق المهددة بالاندثار برحيل من عايشوا تلك الأحداث. وما يرد بكتب التاريخ الرسمية عن مشاركة النساء عـادة ما يكون تسجيلاً غير كامل فهو يذكر فقط ما قامت به النخبة من النساء، ويهمل ما دونهن، فالباحثة رصدت ببحثها أن مشاركة النساء مثلاً في عمل الجمعيات الخيرية وعمـل أنشطة كمشاغل الخياطة والتطريز وعمل حفلات الترفيه قد حافظت على الهوية الفلسطينية مثـل الحفاظ على الثوب الفلسطيني والأغاني والرقصات الشعبية الفلسطينية لوطن مهـدد بالضياع، هذا غير ما ورد على لسانهن من لفت النظر إلى المشاركة القوية للنساء في الأنشطة السياسية والاجتماعية كافة كما نوهن عن أدوار لنساء لم تذكر بكتب التاريخ إما سهوًا أو عمدًا أو تقليلاً من شأن هذه المشاركة، فالتاريخ الذكوري يهمل مثل هذه الأدوار باعتبارها أدوارًا ثانويًة وهامشيًة، فما أكثر ما قامت به النساء فعليًا، ولكن ما كتب رسميًا هـو النـذر اليسير.

ومن الموضوعات المهمة التي رصدتها الباحثة أن الخطاب السائد المرتبط بالتأريخ لحركة النساء ومشاركتهن العامة – في ذلك الوقـت – هـو خـطـاب خـاص بالمشاركة في القضايا الوطنية والسياسية دون أن تطرح قضية خاصة بالنساء، وأن هناك خلطًا بـيـن هـذه المشاركة وأن تكون هناك قضية خاصة بالنساء وهذا الخلط ليس مطروحًا فقط مع نساء فلسطين بـل هو موجود في أغلب بلدان الوطن العربي.

کما يبين البحث أن الثقافة المجتمعية السائدة ومعوقات مشاركة النساء لم تتمكن مـن وقف حركة النساء ومشاركتهن بفاعلية في صنع تاريخ بلادهن، وأيضًا ساعد على كيفيـة تفاصيل تاريخية مهددة بالنسيان، بـل أحيانًـا بـالتزوير، فالنساء غالبًـا مـا تحكـى عـن مشاركتها دون أن تسعى لتدوين هذه المشاركة، فالبحث يهتم بما يخص المنظور النسوى للتاريخ، وهو منظور مرتبط بتحليل النوع الاجتماعي. وهناك فجوة حقيقية ما بين التأريخ الرسمي الذكوري الذي يرى أن مشاركة النساء هامشية ومحدودة وبين التأريخ الحقيقي عن مشاركتهن ومساهمتهن في صناعة التاريخ.

ونحن هنا في مصر نحتاج بشدة لرصد أدوار المرأة المصرية السياسية والاجتماعية، فمـن منا لم يسمع عن بطولات نسائية غير مسجلة بكتب التاريخ، مثل مشاركة النساء في القيـام بالمشاركة في المجهود الحربي الشعبي أثناء حرب بورسعيد 1956، أو عما قدمته نساء سيناء خلال فترة الاحتلال بعد 1967 أو أثناء احتلال السويس 1973 بعد حرب أكتوبر، أو عن مشاركة النساء السياسية في التاريخ الحديث والمعاصر سواء العلنية أو السرية، وأيضًا مشاركة النساء في الحركات الاحتجاجية على النكبة 1967 والمطالبة بالحرب والقصاص، واللائي تم اعتقالهن وإقصاؤهن عن أعمالهن أو دراستهن. ونحن كنسويات مطالبات بالعمـل عـلى جمع الشهادات الحية للنساء اللاتي شاركن في هذه الأحداث قبل فوات الأوان. فإنأمة بلا ذاكرة هي أمة بلا تاريخ

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي