أهمية الدراسات النسائية في الجامعات المصرية

تاريخ النشر:

2016

اعداد بواسطة:

أهمية الدراسات النسائية في الجامعات المصرية

هالة كمال*

تتناول هذه الورقة جانبا حيونا من قضايا المرأة والنوع الاجتماعي من حيث العوامل الثقافية والاجتماعية المتعلقة بالنهوض بالنساء، مع التركيز على دور التعليم في نهضة النساء، ومن منطلق كون قضايا النسـاء تتجاوز حدود الزمان والمكان، وإيمانا بأن الحركة النسائية في حركة ممتدة تاريخيًا، قد تشهد لحظات صعود وهبوط تبعًا لحركة التاريخ، تسعى هذه الورقة إلى تأكيد أهمية التركيز على قضايا النساء في التعليم، وإفراد مراكز بحثية متخصصة في الدراسات النسائية، ومن هنا تنقسم الورقة إلى جزأين، يتم في الجزء الأول إلقاء نظرة تاريخية على بدايات الحركة النسائية المصرية باعتبارها حركة كانت وما زالت تستهدف النهوض بالمرأة المصرية، وبالتالي الإسهام في تحقیق نهضـة فكرية وثقافية على مستوى المجتمع ككل.1 أما في الجزء الثاني فيتم طرح تصـور مبدئي لبرنامج الدراسات النسائية في الجامعات المصرية، بما يتيح مساحة أكاديمية جادة للبحوث في مجال قضايا النساء، وبالتالي العمل على خلق مجال معرفي يسهم في التعريف بمفاهيم الدراسات النسوية وتشجيعها ونشرها، بحيث تسهم إلى جانب غيرها من مؤسسات النهوض بالنساء في تغيير المفاهيم الرجعية التي لم تعد تواكب حركة تطور العصر والبشـر، وباستدعاء الماضي تسعى هذه الورقة إلى تأكيد دور النخب المثقفة في صياغة مجتمعها من خلال الجهود الفردية والمؤسـسـية وعلى رأسها في هذا السياق المؤسسة الجامعية الأكاديمية. وفي الختام تبين هذه الورقة أهمية قيام مركز للدراسات النسوية المتخصصة في الجامعات المصرية، إحياء لفكرة دراسات الفرع النسائي التي صاحبت تأسيس الجامعة المصرية ثم ما لبثت أن توقفت في بدايات القرن الماضي. 2

 

إن الفكرة المغلوطة السائدة حول مفهوم الحركة النسائية هي أنها تتكون من جهود بعض النسـاء من أجل الحصـول على فئوية قد تتعارض مع مصـالح المجتمع ككل، بل إن كثيرًا ممن يعترفون نظريا بشرعية قيام حركة نسائية تطالب بالمساواة والعدالة الاجتماعية على أساس النوع (الجندر)، إنما يرون أن المطالبة بحقوق النساء هي مرحلة ألا يجب تحتل موقع الأولوية على أجندات العمل السياسـي نظرًا لكونها قابلة للحل تلقائيا بمجرد تطبيق مفاهيم الديمقراطية أو الليبرالية أو الاشتراكية الشـاملة. ومن هنا أرى أهمية التأكيد أن الحركة النسائية هي حركة اجتماعية مبنية على فرضية خضوع النساء لصور من القهر والتهميش والاستبعاد في المجتمع، وهي حركة تسعى من أجل تغيير أوضاع النساء في سبيل العدالة والمساواة.

وفي مصر، عادة ما يتم التأريخ لميلاد الحركة النسائية المصرية بخروج النساء في مظاهرات ثورة ۱۹۱۹ ضـد الاحتلال البريطاني، التي تفجرت عقب نفي سعد زغلول ورفاقه من البلاد في أعقاب تصاعد الخلاف بينه وسلطات الاحتلال، كما تميل المصادر التاريخية إلى إرجاع الأسس الفكرية لتنامي الوعي النسـوي وحقوق المرأة إلى جهود مفكرين مصـلحين من أمثال: جمال الدين الأفغاني. والشيخ محمد عبده، وقاسم أمين. لكن البحث المتأني في مصادر التاريخ الرسمي وغير الرسمي بشير إلى أن خروج نسـاء مـصـر إلى المجال العام مطالبات بالتحرر من قوى الاستعمار قد بدأ قبل عام ۱۹۱۹ بعقود عديدة، كما أن إرهاصات الوعي النسـوي لم تقتصر على الفعل السياسي الحزبي المنظم، ولم تعتمد بالضرورة على أيدي المصلحين الرجال، وإنما عبر ذلك الوعي عن نفسه حينذاك في دعوة المثقفات المصريات على سبيل المثال إلى إعادة النظر في النظم الاجتماعية وحقوق النساء في إطار مشروع النهضة المصرية الشاملة. ومن هنا كان اندلاع ثورة 1919، التي شهدت سير المرأة المصرية في مظاهرة نسائية عامة يوم 16 مارس 1919، بمثابة لحظة تلتها بل وسبقتها لحظات أخرى تقاطعت فيها قضية تحرير الوطن بقضية نساء هذا الوطن.

تشير المصادر التاريخية الرسمية منها وغير الرسمية إلى تنامي وعي النساء المصريات بحقوقهن وتعبيرهن عن هذا الوعي بداية من نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. وإذا كانت بعض نساء الصفوة المثقفة قد اقتبسن الخطاب النهضوي ودعون إلى حصول المرأة على حقوقها في سبيل نهضة البلاد، فإن التأمل في كتابات نساء تلك الفترة وأعمالهن ومطالبهن يكشف عن وجود خيط يجمع بين أهداف رفعة الوطن من ناحية وحقوق المساواة والمواطنة والمعرفة والعمل وقد كانت عين المفكرين والمصلحين من الرجال متجهة صوب النهضة بأبناء وبنات مصر من أجل النهضة بالوطن، وسعيًا إلى التحرر والتخلص من النفوذ الأجنبي ردًا على توظيف الخطاب الاستعماري لقضية المرأة باعتبارها مبرزًا للاستعمار. أما الفكر النسـوي فكثيرا ما عبرت رائداته عن اهتمامهن الأساسي والإضافي بإصلاح المجتمع والنهضة الثقافية والاجتماعية الشاملة، ومن هنا تميز نشاط المثقفات المصريات في بدايات القرن العشرين بالعمل الاجتماعي من خلال الجمعيات المختلفة، والعمل الثقافي عن طريق إصدار الكتب والمجلات النسائية التي تتبنى قضايا المرأة المصرية، وتذكر بث بارون في كتابها عن النبضة النسائية في مصر الدور المهم الذي لعبته الصحافة النسائية بداية من مجلة الفتاة الشهرية لصاحبتها هند نوفل، التي أنشأتها في عام ١٨٩٢ «للدفاع عن حقوق النساء التعبير عن وجهة نظرهن»، وما لبثت أن توالت الإصدارات النسائية الصحافية مثل «أنيس الجليس» عام ١٨٩٨، والعديد من المجلات الأخرى اللاحقة مثل «فتاة الشرق» عام ١٩٠٦ لصاحبتها لبيبة هاشـم، و«الجنس اللطيف لملكة سعد في عام ١٩٠٨. 3 وقد نشأت الصحافة النسائية في مصـر متزامنة مع صعود الحركة الوطنية، وعلى الرغم من عدم تبني تلك الصحف القضايا السياسية بصورة مباشرة، فإنه «مع ظهور حركة وطنية كان لابد من خلق تصور جديد على المجتمع وانتماءاته، وبالتالي إعادة التفكير في الأسرة والأدوار الاجتماعية والثقافية للجنسين، وهي القضايا التي حملتها الصحافة النسائية على عاتقها».4 وأصبحت المجلات النسائية منبرا لمناقشة قضايا تخص علاقة المرأة بالمجتمع، مثل: مسائل الزواج، والطلاق، وتعدد الزوجات. والحجاب، والتعليم. والعمل إلى جانب دورها في تناول شؤون الأسرة والمنزل.

وتؤكد إجلال خليفة الدور الكبير الذي أسهمت به الصحافة النسائية، تحديدًا في بلورة العديد من القضايا التي شغلت الحركة النسائية المصرية. ومنبرًا لعرض نماذج من الحركة النسائية في العالم، حيث خرجت المرأة المصرية إلى مجال الإعلام معبرة عن مواقفها السياسية والاجتماعية والثقافية.5 وقد قامت الصحافة النسائية بالدور الأكبر في إثارة القضايا للجدل والنقاش، وأدت إلى قيام حركة فكرية حول قضايا المرأة والمجتمع، وبرغم قيام المجلات بمبادرات فردية فإنها بوجودها جنبًا إلى جنب قد أسهمت في إحداث تأثير هو أقرب إلى العمل الجماعي الفعال. وفي سياق مجتمع «ربات الخدور» ومع غياب وسائل الإعلام كانت الكلمة المكتوبة وسيلة التواصل بين النساء وتجاوز الحجب فيما بينهن ومجتمعهن، وما في ذلك من شحذ لهممهن وتكثيف جهودهن في النضال من أجل حقوقهن.

إلى جانب العمل الصحفي، وتنامي الوعي النسـوي المعرفي وتناقله على صفحات الجرائد والمجلات، شهدت بدايات القرن العشرين اشتغال النساء بالعمل التطوعي من خلال الجمعيات لما كان يمثله ذلك لهن من احتلال مساحة بين حدود العام والخاص، حيث إن القيام بالعمل الخيري، من رعاية المرضى والأيتام والاهتمام بتعليم الأطفال، هو أقرب من منظور المجتمع إلى مجالات عمل النساء. لكن قيام النساء بهذا العمل قد أتاح لهن مساحة خارج إطار شؤون البيت والأسرة، وأسهم في تواجدهن المشروع في مجال العمل العام كما ظهرت على الساحة التجمعات الثقافية النسائية وقيام «صالونات ثقافية تلتقي فيها النساء لمناقشة شؤونهن ودراسة سبل الارتقاء بأوضاعهن في المجتمع، وإذا كان قد درج على تسمية حلقات النقاش تلك باسم «صالونات» (صالون الأميرة نازلي. وصالون مي زيادة على سبيل المثال)، فإنما يعكس ذلك شـكل تلك اللقاءات لا مضمونها لارتباطها بالطبقة الحاكمة والنخبة المثقفة، لكنه بالنظر إلى تلك «الصالونات» شكلاً ومضمونًا فإننا نتلمس دورها المهم في خلق وعي النساء بقضاياهن وبلورته بصـورة تدريجية تراكمية راسخة، كما أنشئت الجمعيات الثقافية ولعل من أشهرها «اتحاد النساء التهذيبي» الذي أنشئ عام ١٩١٤ بوصفه رد فعل لغلق الفرع النسائي في الجامعة الأهلية، وكان الهدف من إنشـائه إتاحة مجال المحاضرات التعليمية العامة المتبنية لقضية المرأة.

بالرغم من ازدحام الصحافة النسائية بآراء تعكس الجدل الدائر في بدايات القرن العشرين حول قضية المرأة وحقوق النساء، واقتصار ذلك الجهد على المبادرات الفردية والجماعية في الإطار الثقافي والاجتماعي، فإن «ملك حفني ناصـف» قد قامت في إطار خطبة ألقتها في نادي حزب الأمة (عام ١٩٠٩)، في حضـور المئات من السيدات، بتحديد عشـرة مطالب نسائية وجهتها إلى البرلمان، وهي:

1-تعليم البنات الدين الصحيح.

۲جعل التعليم الأولي إجبارنا للجميع وإتاحة فرص التعليم الابتدائي والثانوي للبنات.

3-تعليم البنات التدبير المنزلي ومبادئ الصحة والتربية.

4-تخصيص عدد من الفتيات لدراسة الطب، وأسس التربية والتعليم.

5-إطلاق حرية الفتيات في تعلم العلوم كافة لمن تريد.

6-تربية الفتيات على الصبر والجد في العمل وغيرها من الفضائل.

7-اتباع الطريقة الشرعية في الخطبة، فلا يتزوج اثنان قبل التقائهما في وجود محرم.

8 –اتباع عادة نساء الأتراك في الحجاب والخروج.

9-المحافظة على مصلحة الوطن والاستغناء عن الغريب من الأشياء بقدر الإمكان.

10-على الرجال تنفيذ المشروع.

وقد ظلت قضية تعليم النساء هي القضية ذات الأولوية عبر تاريخ الحركة النسائية المصرية، بدءًا من الدعوة إلى التوسع في إقامة مدارس للبنات، مرورًا بمســاواة الذكور بالإناث في المناهج الدراسية والوظائف التعليمية، وصولاً إلى المطالبة بفتح أبواب الجامعة للنسـاء بداية من الأيام الأولى لنشـأة الجامعة الأهلية وإقامة الفرع النسائي، وعلى الرغم من إغلاق الفرع النسائي بعد سنوات معدودة من نشأته فإن الجامعة المصرية فتحت أبوابها لنساء مصر عام ١٩٢٨ على قدم المساواة بالطلاب، مما أسهم بالتالي في ظهور جيل جديد من النساء اللاتي التحقن بسوق العمل العام، وهكذا شهدت بدايات القرن قيام حركة نسائية بتخرج أول دفعة من طالبات جيل جديد من النسـاء اللاتي التحقن بسوق العمل العام، وبتخرج أول دفعة من طالبات الجامعة المصرية عام ۱۹۳۳، ثم تدرج بعضهن في المواقع الأكاديمية والمناصب العامة تحدث أحمد لطفي السيد من هذه الحركة في صحيفته الجريدة كالآتي 6:

كانت ترمي هذه الحركة النسائية في مصر إلى غرض أصلي كبير هو تربية المرأة المصرية وتعليمها حتى تشعر لذاتها بوجود خاص وشخصية مستقلة لتستكمل حظها هي أيضا من الكمال الذاتي ولتنتفع وتنفع بخير الحرية المفيدة التي ما منعتها إياها شريعتنا ولكن أنانيتنا وفرط غيرتنا.

وقد كانت قضية تعليم الفتيات من أكثر الموضوعات المطروحة على الساحة الثقافية المصرية. فإلى جانب مدرسة المولدات التي أنشأها محمد علي عام ١٨٣٢،7 كانت «المدرسة السيوفية في أول مدرسـة أنشئت للفتيات وتم افتتاحها عام ١٨٧٣ على أن تكون مدة الدراسـة فيها خمس سنوات، ثم أنشئت مدرسة أخرى عام ١٨٧٥ ضمت للسيوفية، وظل الوضع على ما هو عليه إلى أن تحول اسـم المدرسة إلى المدرسـة السـنية منذ عام ١٨٨٩. 8 ومع ذلك ظل المجتمع يتخذ موقفا مستهجنا تجاه تعليم الفتيات؛ حيث تشير «نبوية موسى» على سبيل المثال في كتابها «تاريخي بقلمي» إلى نظرة المجتمع المتمثل في والدتها – إلى تعليم البنات باعتباره «خروجًا على قواعد الأدب والحياء ومروقا من التربية والدين».9 أما فيما يتعلق بأنصـار تعليم الفتيات فقد ساد بينهم أيضًا أكثر من اتجاه بشـأن طبيعة هذا التعليم، إذ رأت الأغلبية قصـر تعليم البنات على مفاهيم التربية وأسـس التدبير المنزلي ومبادئ الدين، بما يهينها للقيام بأدوار الزوجة والأم. أما الاتجاه الآخر وعلى رأسـه رائدة تعليم الفتيات في مصـر نبوية موسـى فكانت تدعو إلى المساواة ما بين الجنسين في التعليم والعمل، كما دعت إلى التحاق الفتيات بالمدارس العليا التي تؤهلهن للعمل فتقول «لقد كنت أعمل جاهدة في أن تتساوى المرأة بالرجل في الوظائف، وفي كل شي».10

وقد شهدت بداية القرن العشرين، وتحديدًا عام ١٩٠٨. إتمام الفتيات المصريات لأول مرة المرحلة الابتدائية، وذلك بحصول ملك حفني ناصيف وفكتوريا عوض على الشهادة الابتدائية من المدرسة الشنية، وشهد عام ۱۹۰۳ تعيين ملك وفكتوريا معلمتين في الشنية بعد نجاحهما في دبلوم المعلمات ثم تبعتهما فيما بعد نبوية موسـى لتعين أول معلمة للغة العربية، ثم أول ناظرة مصرية لمدرسة ابتدائية للبنات عام ١٩٠٩، ثم ناظرة مدرسة معلمات المنصورة عام 1910. 11 وإن كنت قد أفردت بعض الوقت للإشارة إلى المناخ الثقافي السائد أوائل القرن العشرين وأوضاع التعليم المدني الرسمي أي الخاضع للإشراف المباشر من وزارة المعارف فإنما أهدف من ذلك إلى محاولة تقديم السياق العام لتعليم الفنيات في مصر، ذلك السياق الذي خرجت منه رائدات النهضة النسائية المصرية من أمثال: باحثة البادية ملك حفني ناصف، ونبوية موسى، وهما أيضًا من أبرز المحاضرات في الجامعة المصرية عند إنشائها في بدايات القرن العشرين.

تذكر المصادر التاريخية أن اجتماع اللجنة التأسيسية لمشروع الجامعة المصرية قد عقد يوم ١٢ أكتوبر 1906 في منزل سعد زغلول، تم خلاله الاتفاق على دعوة «الأمة المصرية» إلى الاكتتاب للجامعة، وقد جاء في هذه الدعوة ما يلي:

إن جميع الذين يشعرون منا بنقص في تربيتهم العقلية، يرون من الواجب أن التعليم يجب أن يتقدم خطوة في بلادنا نحو الأمام، وإن أمتنا لا يمكنها أن تعد في صـف الأمم الراقية، لمجرد أن يعرف أغلب أفرادها القراءة والكتابة، أو أن يتعلم بعضهم شيئًا من الفنون والصناعات كالطب والهندسة والمحاماة، بل يلزم أكثر من ذلك.

يلزم أن شبابنا الذين يجدون في أوقاتهم سعة، ومن نفوسهم سعة واستعدادًا. يصعدون بعقولهم ومداركهم إلى حيث ارتقي علماء تلك الأمم. الذين يشتغلون آناء الليل وأطراف النهار، بالهدوء والسكينة، لاكتشـاف الحقيقة ونصـرتها في العالم.

هذا هو العمل الذي تريد أن نشرع فيه، ونطلب عليه المساعدة من جميع سكان القطر. 12

كما جاء في الدعوة أن الجامعة المصرية ستكون «مدرسة علوم وأداب، تفتح أبوابها لكل طالب علم مهما كان جنسه ودينه»، كما تم نفي أية «صبغة سياسية» عن الجامعة.13 وقد لاقى المشروع تأييدًا من الصحافة المصرية مثل صحيفة المؤيد و الجريدة اللتين شجعنا الفكرة ودعنا إلى الاكتتاب حتى قبل تكوين لجنة مشـروع الجامعة المصرية، بينما اتخذ المعتمد البريطاني اللورد كرومر موقفًا متحفظًا من مشروع الجامعة، فتذكر «هدى شعراوي» في مذكراتها أن موقف اللورد كرومر القائم على محاربة كل ما من شأنه تقدم البلاد، قد دفعه إلى «تعيين سعد باشا وزیرًا للمعارف ليبعده عن الجامعة التي كان وكيلا لمجلس إدارتها».14

وقد كان مشروع الجامعة يهدف إلى الإسهام في إحداث نهضة فكرية وثقافية في مصر مع الأخذ بالنماذج الجامعية العربية، ومن هنا كان مشروع الجامعة النهضوي في بدايته يعتمد على الاستعانة بأساتذة أجانب من ناحية، وإرسال بعثات من الأطفال إلى إيطاليا وسويسرا وفرنسا وألمانيا بجهود الأمير أحمد فؤاد في سبيل إعداد أساتذة المستقبل،15 كما أرسلت الجامعة بعثات من الشباب بداية من صيف عام ١٩٠٨ ليعود طلابها فينقلوا معارفهم وخبراتهم لجامعتهم، ويتم بالتالي تدريجيًا الاستغناء عن الأساتذة الأجانب. وهو ما عبر عنه عبد الخالق ثروت في خطبته التي ألقاها بمناسبة افتتاح الجامعة قائلاً:

ولما كان من الضروري أن يكون التدريس فيها (أي الجامعة) باللغة العربية عولت اللجنة على أن تبعث بإرساليات إلى البلاد الأوروبية حتى إذا ما أتم أعضاؤها دروسهم واستقصـوا العلوم التي انقطعوا لها هناك عادوا فقاموا بالتدريس باللغة العربية كلٌ في علمه الذي اختص به. 16

وفي ٢١ ديسمبر ١٩٠٨ تم افتتاح الجامعة المصرية في سـراي «جناكليس» مقر إدارة الجامعة الأمريكية حاليًا، والذي حضره الخديوي عباس ومدير الجامعة الأمير فواد، وقد وصف أحمد لطفي السيد ذلك الحدث بوصفه «ذلك الاحتفال الاختياري الذي اجتمع فيه التاج والأمة ليعظموا قدر العلم، وليتبنوا أقدام الجامعة، وليهيمنوا نجاحها».

إن مشروع الجامعة المصرية قد أخذ في حسبانه فئات المجتمع كافة رجالاً وأطفالاً ونسـاء وكعادة المشروعات العضوية الكبرى كان للمرأة مكانها المأخوذ في الحسبان بصفتها شريكة أساسية في بيضة البلاد، وليس أدل على ذلك من وجود قاعة استراحة «محجوزة السيدات»، إلا إنه من الجدير بالذكر أن القاعة لم تكن «محجوزة» إلى أجل غير مسمى، حيث ضمت قاعات المحاضرات منذ بدء الدراسة بالجامعة كلا الجنسين ويورد أحمد عبد الفتاح بدير، في كتابه حول نشـأة الجامعة المصرية، جداول تتضمن المحاضرات وأعداد الطلاب والطالبات منذ العام الأول لافتتاحها ففي الفترة من ٢١ ديسمبر ١٩٠٨ إلى 16 فبراير 1909 كان مجموعة الطلاب المواظبين على حضور جميع المحاضرات يبلغ عددهم ٢٠٢٤ طالبًا وطالبة، منهم طلبة منتسبون (أي منتظمون) وطلبة متطوعون أو مستمعون. 18 وكان عدد الطالبات المنتسبات ٢٢ سيدة إلى جانب المستمعات، ومن اللافت للنظر أن النساء كن يحضرن المحاضرات جنبًا إلى جنب الرجال،19 بالرغم من عدم وجود دلائل بشـأن جنسية هؤلاء الطالبات، حيث تذكر بعض المصـادر حضـور نـسـاء أوروبيات من المقيمات في مصر المحاضرات في الجامعة المصرية. ولا يرد ذكر إحصائي دقيق لحضور المصريات المحاضرات في الجامعة المصرية إلا ابتداء من العام الدراسي ۱۹۰٩١٩۱۰ عند التوسع في المحاضرات ليزيد عددها إلى ثماني محاضرات منها محاضرات خاصة بالنساء أو «درس النسائيات» كما يوردها أحمد عبد الفتاح بدير في جدول مفصل بكتابه».20

تشير إجلال خليفة إلى أن المحاضرات الخاصة بالسيدات جاءت نتيجة «لمطالب الجمعية الأدبية التي رأسـتها هدى شعراوي في بداية كفاحها في مجال الحركة النسائية».21 وتذكر هدى شعراوي في مذكراتها بإيجاز شديد قصة أول المحاضرات الخاصة بالنساء، فتشير إلى زيارة الخطيبة والكاتبة الفرنسية من القائمات بالحركة النسائية مدموازيل مارجريت کليمان لمصر، فدعتها هدى شعراوي إلى إلقاء محاضرة عن المرأة الشرقية والغربية، وتم الاتفاق على أن تكون المحاضرة تحت رئاسـة الأميرة عين الحياة، فتحدد للمحـاضـرة يوم الجمعة 15 يناير ١٩٠٩ في مقر الجامعة المصرية،22 وتصف الحدث كما يلي:

وكانت هذه أول محاضرة ألقيت على جمع من السيدات في الجامعة المصرية وقد لقيت نجاحًا وتقديرًا شجعاني أن أطلب من «الآنسة كليمان»، أن تعود إلينا بعد ذلك لتلقي سلسلة محاضرات مفيدة على سيداتنا، وبخاصة بعد أن رتب سمو الأمير محاضرات خاصة للسيدات أيام الجمع.23

ولعل لبيبة هاشم قد لعبت دورًا في إنشـاء قسم السيدات أو القسم النسائي داخل الجامعة المصرية بدءًا من العام الدراسي التالي 1910 -1911. كما تشير هدى شعراوي إلى قيام ملك حفني ناصف فيما بعد بإلقاء محاضرات في الجامعة ذلك إلى جانب محاضـراتها في قاعة بصحيفة الجريدة.24 ويبدو أنه قد تمت دعوة ملك حفني ناصف إلى إلقاء محاضرات في الجامعة المصرية عن «المرأة المصرية والمرأة الغربية» نشرتها لبيبة هاشم في مجلتها فتاة الشرق في مايو ١٩١٠، وهي مقالة طويلة تناولت مقارنة المرأة المصرية بالغربية في أدوار الحياة المختلفة سعيًا إلى التوفيق بين النموذجين» واستخلاص زيدة الاثنين لنعمل بها». 25 فبعد أن كانت محاضـرات الجامعة تتضمن محاضرات واحدة للسيدات ضمن برنامج المحاضرات العامة تلقيها الآنسة كوفرير، أصبح هناك قسم خاص يعرف بقسم السيدات أو الفرع النسوي أو الفرع النسائي26 في الجامعة المصرية جنبًا إلى جنب قسم الآداب والفلسفة وقسم العلوم الاجتماعية والاقتصادية أما عن محاضرات هذا القسم فكانت كالآتي:

1) علم النفس والأخلاق الخاصة بالنساء، وهي محاضرات تلقيها بالفرنسية الآنسـة کوفریر.

۲) مواضيع عصرية، تلقيها بالعربية السيدة نبوية موسى ناظرة مدرسة معلمات المنصورة.

۳) مواضيع في التربية، تلقيا بالعربية لبيبة هاشم صاحبة مجلة فتاة الشرق.

4) مواضيع طبية في علم حفظ الصحة باللغتين العربية والفرنسية.27

ويلاحظ حدوث تطوير كبير في موضوعات المحاضرات النسائية في الجامعة على مدى العامين الدراسيين الأخيرين من عمر الفرع النسائي الذي تم وقف محاضراته في مايو ١٩١٢، وقد جاء في تقرير عن الجامعة للعام الدراسي ١٩١٢ -1913 التبرير التالي المهم لوقف محاضرات الفرع النسائي بعد الحماس الشديد الذي كان قد ارتبط بإنشاء الفرع:

أما الفرع النسـوي الذي أنشئ بالجامعة، وأنه الكثير من عقائل الأسـرات المصرية، فقد أضطرت الجامعة لوقف التدريس به هذا العام، حتى توفق لوضع الخطة التي تتبعها فيه، بحيث يكون موافقا لحاجات الـسيدات المصريات.28

لكن من المثير للانتباه هنا أن تقرير الجامعة عن العام الدرامـي ١٩١٢ -1913 قد أعلن توقف محاضرات الفرع النسائي، في حين أنه بالرجوع إلى عدد أكتوبر ١٩١٢ من الجريدة نجده يتضمن جدول محاضرات الجامعة المصرية للسنة نفسها، وأنه قد تم قصر محاضرات السيدات على «محاضرات باللغة العربية خاصـة بالسيدات في علم حفظ الصحة سيما حفظ صحة الأطفال والتدبير المنزلي والتاريخ وغير ذلك».29

ويثير هذا التدهور الشديد والمفاجئ في محاضرات الفرع النسائي بالجامعة المصرية أكثر من علامة استفهام. هل يرجع ذلك إلى مرور الجامعة المصرية الأهلية بضائقة مالية أدى تفاقمها فيما بعد إلى تسليمها للحكومة المصرية؟ وهل يرجع إلى ظروف حرب البلقان وبوادر الحرب العالمية الأولى التي دفعت المصريين إلى التقشف فقل الإقبال على محاضرات الجامعة لتوفير مصروفاتها؟ أم كان ذلك نتيجة لظهور أصوات تنادي بإنشاء جامعة خاصة بالنساء، وهي قضية دارت حولها مناقشات عديدة وتباينت فيها وجهات النظر على صفحات الجرائد؟30 أم إن السبب الرئيسي لوقف هذه المحاضرات يرجع، كما تذكر إجلال خليفة، إلى الموقف المحافظ لكثير من الرجال ممن تجمعوا أمام الجامعة للتعرض للنسـاء ومنعهن من حـضـور المحاضرات لما اعتبروه من خروج عن الآداب لخروجهن من بيوتهن وترددهن على الجامعة ؟31 أم إن السبب الحقيقي هو الشعور بتنامي الحركة النسائية المصرية ونهضـة المرأة المصرية نهضـة تعليمية ثقافية قد تدفعها إلى المطالبة بحقوقها الإنسانية بوصفها ذاتًا مستقلة، والخوف من تأثرها بالحركة النسائية العالمية، واتساع مجالات طموحاتها، فتطالب بحريتها وحقوقها السياسية والإنسانية، وبخاصة قد تحولت محاضرات الفرع النسائي إلى منبر يتبنى قضية المرأة باعتبارها قضية ذات الأولوية؟

كانت نبوية موسـى (١٨٨٦١٩٥١) من رائدات تعليم الفتيات في مصـر،32 وقد كانت مؤمنة بضرورة الوعي بخصوصية المرأة وضرورة تأكيد دورها في التاريخ والحياة بشكل عام. ومن هنا كان أن لجأت إلى تأليف مناهج دراســة خاصـة بتلميذاتها، ولعل من أبرز مواقفها في هذا الصـدد هو انتقادها لكتاب «الفوائد الفكرية» لعبد الله باشـا فكري، الذي كان يدرس في المدارس الابتدائية، فقامت بتأليف كتاب «ثمرة الحياة في تربية الفتاة»، الذي تم تحويله فيما بعد إلى كتاب للمطالعة العربية في مدارس البنات.33 وفي مقدمة كتاب المطالعة العربية توضح نبوية موسـى منهجها التعليمي القائم على الاختيار لا الأمر والنهي والإجبار، فتقول:

ولما كنتُ فتاة أشـعر بما تشـعر به الفتيات، وأعرف من أين يتأثرن وما يحرك عواطفهن، ألفت هذا الكتاب لتلميذات السنتين الثالثة والرابعة من المدارس الابتدائية للبنات، وجعلته حاثًا على الآداب في أسلوب لا يظهر فيه أمر ولا نهي، لأن الإنسان إذا أمر بشيء فربما ثقل عليه عمله، أو نهي عن شيء تاقت نفسـه إليه.. لذا شـرحت الأمر الحسـن ومدحته، وبينت الشيء القبيح وذممته وتركت الفتاة تختار لنفسها ما شاءت…».34

ويكشف منبج نبوية موسى التربوي عن وعي بأن يخاطب التعليم خبرات المرأة بعيدًا عن الأدوار النمطية في إطار أدوار الأمومة والحياة الزوجية، فتنتقل بالمرأة إلى الحيز العام من خلال إلقاء الضوء على الأدوار السياسية البارزة التي لعبتها النساء المصريات والعربيات على مدار التاريخ الإنسـاني، كما أنه منهج يتميز بالمرونة ويقوم على مفاهيم الحرية والتفاهم والاختيار لا الأسلوب السلطوي الجامد، الذي يرتكز على الأمر والنهي والإجبار. ولعل كتابها المرأة والعمل35 أيضًا بما يتضمنه من موضوعات حول المرأة المصرية وتاريخ المرأة عبر العصور يمثل مؤشرًا لفكر نبوية موسى الذي يربط التعليم بالعمل، الذي انعكس بلا شـك على مضـمون محاضراتها في الجامعة المصرية، وهي تستهل مقدمة هذا الكتاب بقولها:

لقد بحثت في كتابي هذا عن تاريخ المرأة في بعض الأمم وعن مواهبها الفطرية؛ وما ينجع في تعليمها خصوصًا ما يتعلق بالفتاة المصرية، ثم أظهرت ما يعوز ذلك التعليم، وطرقت بعض مواضيع أخرى لـهـا مـسـاس بعلاقة المرأة بالرجـل مستشهدة بذلك كله على احتياج المرأة إلى العمل لكسب قوتها.36

وقد كان لنبوية موسى. بوصفها أول مصرية تحصل على شهادة البكالوريا، وأول معلمة مصرية للغة العربية، ثم أول ناظرة مصـرية لمدارس البنات، أن تمت دعوتها عند إنشـاء الفرع النسـاني بالجامعة المصرية عام 1910-1911 للاستعانة بها كي تلقي محاضـرات باللغة العربية حوض موضوعات عصـرية متنوعة، ثم طلب منها في العام التالي أن تلقي محاضرات حول التاريخ القديم والحديث، قامت من خلالها بالتركيز على الشخصيات النسائية البارزة في التاريخ المصري والعربي وفي أولى محاضراتها بالجامعة المصرية، التي نشرت في جريدة الأهرام بعنوان «المحاضرات النسائية في الجامعة المصرية» 37 تقول نبوية موسى:

كلفتني إدارة الجامعة هذا العام بتدريس تاريخ مصر، وستعلم منه إن شاء الله حالة نساء الفراعنة، كما يظهر لنا كفاءة المرأة في زمن العرب الفاتحين.

ويسرني أن أقول إن كلا في الأمتين المصرية والعربية قد بلغ الاهتمام بشأن المرأة شأوًا بعيدًا حتى ساوت الرجل أو كادت، ففي الأمة المصرية شاركته في سياسة الملك وتدبير الحروب، كما شـاركته في تعضيد الصناعة وترقية البلادأما في الأمة العربية فقد شاركت المرأة الرجل في حروبه وشجاعته وزاحمته في أسـواق الشعر والأدب

ولعل السر في تقدم قدماء المصريين في العلم والحضارة في رقي نسائهم، كما كان نجاح العرب ناشئا عن رقي المرأة رقيا ضارعت به الرجال، والتاريخ كله شـواهد ساطعة على أن الأمة إنما ترتقي بنسائها وتنحط بانحطاطهن.38

وحين تتحدث عن دور المؤرخين الشرقيين في تدوين التاريخ، تحمل عليهم إغفالهم ذكر إنجازات النساء من الملكات، اللاتي حكمن البلاد فيما مضى من الزمان، فتقول:

انتبه الشرقيون بعد النوم وأرادوا تدوين التاريخ، وقد درسـت آثاره، فأخذوا يترجمون تاريخ مصـر عن الكتب الأجنبية. ومن العجيب أني قرأت بعض هذه الكتب المترجمة، فوجدت أن كتابنا الشـرقيين، سـامحهم الله، قد حذفوا في ترجمتهم كثيرًا مما يتعلق بذكر النساء.39

وهي تشير بذلك تحديدًا إلى ذكر ملكات مصر القديمة، وإنجازاتهن في تاريخ الفراعنة. وهي تحاول تبرير ذلك بقولها إنهم لعلهم قد فعلوا ذلك خشية من تأثير إنجازات النساء في الماضي على ممارسة الرجل المعاصـر سـلطته على المرأة، فتتساءل ساخرة: «أم خافوا أن تسمع نساؤنا ذلك فتعرف ما للمرأة من المكانة العالية وتخرج من ذلك الخمول والهبوط إلى العمل والحياة، فيصـعب عليهم قيادتها كما يزعمون».40

ومن اللافت للنظر أن محاضرات نبوية موسى كانت تمثل في ذاتها إعادة قراءة للتاريخ المصري. وتكشف في الوقت نفسه عن وعيها بالدور الذي يلعبه المؤرخون في عملية التاريخ، وما يصاحب ذلك أحيانًا من تجاهل لأدوار النساء في التاريخ العربي والمصـري واستبعاد لها، فقامت نبوية موسـى بمحاولة إلقاء الضوء على الأدوار التي لعبتها النساء في التاريخ المصري والعربي، بهدف التأكيد على موقع تاريخ المرأة في إطار تاريخ الأمة، وقد كانا التعليم والمعرفة هما السبيل نحو نهضـة النسـاء والمجتمع، وهو ما كانت حريصة على تأكيده دوما، كما كانت تلك رسالتها التي وردت في إحدى محاضراتها ضمن محاضرات الفرع النسائي في الجامعة المصرية حين قالت:

أريد أن تحيا المصريات حياة حقيقية، فيقبلن على العلم ويسعين إليه سعيًا متواصلاً، فلا يمضي زمن حتى أرى في هذه الدار مئات من السيداتوأملي وطيد أن تعضدني السيدات في تلك النهضة الوطنيةوما لنا نحن السيدات إلا ما نستطيع الآن، وهو الاهتمام بنشـر التعليم بيننا وترقية شـؤوننا لبرق بها الوطن العزيزهذه نسـاء أوروبا قد زاحمن الرجال وتطرقت في التمسـك بحقوقها إلى حد بعيد فطلبت حق الانتخاب ونحن بإزائها نائمات.41

إن أولى المحاضرات التي عقدت بالجامعة المصرية للسيدات كانت بمبادرة من هدى شعراوي، رائدة الحركة النسائية المصرية، وكانت المحاضرات الأخيرة قبل وقف الفرع النسائي ذات صبغة نسائية سياسية تحررية. كما أن المحاضرات التي كانت تعقد للسيدات، على مدى سنوات ۱۹۰۹١٩۱۲ في إطار الفرع النسائي. كانت تسير جنبًا إلى جنب الدراسات الأدبية والاقتصادية القائمة في الجامعة المصرية منذ نشأتها، وكانت تحضرها السيدات مع الرجال. كما أن دراسات الفرع النسائي كانت تتميز بخصـوصـية، ليس لمجرد كونها موجهة خصيصًا للنساء، في إطار خطاب نسائي ثقافي شـامل ومتحرر يخاطب المرأة من حيث انتمائها إلى حيزين: العام والخاص، وتنبني بالتالي قضـايا نسـانية بعيدًا عن حدود الخطاب التقليدي الذي يضـع المرأة في دائرة مسـائل التطريز والطهي وغيرها. وهكذا كانت محاضرات الفرع النسائي تتبنى منظورا صرفا، فلم تكن المحاضرات مبنية على كتب أساتذة الجامعة من الرجال برغم ورود هذا الاقتراح حينذاك.

ومن الملاحظ أن هذه المحاضرات تطرقت إلى قضايا ثقافية ونسائية شائكة، في ذلك الوقت من أبرزها التأريخ لدور المرأة المصرية عبر العصـور في محاولة لإثارة همة المرأة المصرية وحماسـها حينذاك في إطار نهضة شاملة، مع ربط حاضر المرأة بماضيها الفعَّال كما تمت إثارة قضايا متعلقة بالعلاقات الثقافية بين الشرق والغرب، وتحديدًا موقع المرأة المصرية حينذاك مقارنة بالمرأة الغربية، حيث كان النموذج الأوروبي من القوى الدافعة للمشروع النهضوي أوائل القرن، كما لعبت هذه المحاضرات دورًا بارزًا في دفع المرأة المصرية إلى الخروج من حدود الحيز الخاص إلى الحيز العام، وهو ما تمثل على مستوى الفعل بخروج النسـاء إلى الجامعة لحضـور المحاضـرات، وعلى مستوى المعرفة من خلال مضمون المحاضرات النسائية. وقد تم تناول قضايا اقتصادية وسياسية مهمة من خلال محاضـرات «رحمـة صـروف»، وكذلك الإشـارات المتكررة بشـأن حقوق المرأة الاجتماعية والسياسية في محاضـرات «نبوية موسـى» على سبيل المثال. وهكذا اتصـفت هذه المحاضـرات بالصبغة الثورية شكلاً ومضمونًا من حيث المضمون المعرفي الذي كان مرتبطا في الأسـاس بمبادئ الحركة النسائية ورائداتها المصريات من أمثال هدى شعراوي، وملك ناصـف ونبوية موسـى وغيرهن، وخروجها في مضمونها عن موضـوعات التعليم الذي اقتبسته الجامعة المصرية عند إنشائها نقلاً عن النموذج الأوروبي.

ومن الجدير بالذكر أنه على الرغم من إلغاء محاضرات الفرع النسائي عام ١٩١٢، فإن صحافة أوائل القرن تشير إلى قيام رائدات الحركة النسائية والثقافية المصرية بإلقاء خطبهن في أماكن أخرى مثل صحيفة الجريدة وجمعية المحبة وحزب الأمة، بل في إطار اتحاد النساء التهذيبي حيث تشير مجلة «الجنس اللطيف» لصاحبتها ملكة سـعد أن ملك حفني ناصـف ألقت على سبيل المثال محاضرة حول «تأثير المرأة في العالم» في إطار الاتحاد في مقر سراي الجامعة المصرية يوم 6 مارس 1914. 42

إذا كان التاريخ لأهم معالم نمو الوعي النسـوي منذ نهايات القرن التاسع عشر يعتمد إلى حد كبير على ما شهدته تلك الحقبة من تزايد في مصادر المعرفة، وطرح قضية المرأة على الرأي العام عن طريق كتابات النسـاء بمبادرات فردية، وتعدد قنوات العمل النسـوي الثقافي والاجتماعي عبر الصحافة والجمعيات، وما نجم عنه من تشكيل تيار معرفي جديد أسهم في بلورة وانتشـار وعي نسـوي جماعي دفع بنساء مصر إلى نقد أوضاعهن، والسعي نحو تغيير أدوارهن الاجتماعية والتمتع بقدر أكبر من الحقوق. ومن ناحية أخرى شهد النصف الثاني من القرن العشرين مظاهر السياسة الداخلية والخارجية للدولة، وما صاحبها من تراجع في فرص العمل وازدياد معدلات البطالة مع تزايد المد الديني، وموقفه تجاه المرأة القائم على تحميل النساء مشكلات المجتمع كافة، والدعوة إلى تنازل النساء عن إنجازاتهن كافة في العقود السابقة، والعودة إلى البيت لإفساح الطريق أمام الرجال ليقوموا بشؤون الوطن والأمة كما شهدت فترة التسعينيات تصاعد الحركة الطلابية بمن فيهم من نساء شاركن بدور فعال في العمل السياسي والحزبي، ما لبث أن تبنين قضية حقوق المرأة باعتبارها رد فعل للنزعة التقليدية الأصـولية المتنامية في المجتمع من ناحية، وغياب قضايا حقوق النسـاء في برامج الأحزاب. ومن ناحية أخرى شـهد المجتمع الدولي ممثلاً في الأمم المتحدة تركيزًا على الاهتمام بقضايا المرأة، التي اتخذت أوضح صورها بدءًا من مؤتمر المكسيك عام 1975. ولم يقتصر التفاعل بين الفكر النسوي المصري في العقود الأخيرة على الاحتكاك بالفكر النسوي الغربي بما يشتمل عليه من مناهج بحث نظرية ومعرفية من ناحية، وممارسـات نسـوية مطبقة على أرض الواقع ممثلاً في القوانين المحلية والاتفاقيات الدولية من ناحية أخرى، ولعل من أبرز خصـائص العقدين الأخيرين على وجه الخصوص النمو المتزايد لدور وفعالية مؤسسات حقوق الإنسان وحركة المنظمات غير الحكومية ونشاط المجتمع المدني في تكوين قوى ضغط دولية ومحلية لتطبيق الاتفاقيات الدولية.

ويتخذ نشاط الحركة النسائية في العقود الثلاثة الأخيرة شكلين رئيسيين:

1-لجان المرأة في الأحزاب السياسية، وهي بالرغم من وجودها في الأحزاب السياسية الرئيسية في مصـر، فإن نشاطها يتحدد في إطار برنامج الحزب، ويتضح من خلال حوار تمّ مع فرخنده حسن، أثناء شغلها منصب أمين عام الحزب الوطني الديمقراطي، أن دور لجنة المرأة وأهدافها تتمثل في «زيادة مشاركة المرأة في الحياة السياسية وعملية صنع القرارمن خلال عقد المؤتمرات والندوات وعبر وسائل الإعلام المختلفة وغيرها من القنوات». 43 وفي حوار مع ليلى الشـال، ممثلة عن اتحاد النسـاء التقدمي بحزب التجمع التقدمي الوحدوي، قامت بتأكيد المفهوم الذي يتبناه حزب اليسـار، من حيث رفض الفصـل بين قضـايا الرجال والنسـاء والتعامل مع قضايا النساء بوصفها قضايا ذات خصوصية في المجتمع من منطلق أن «نضالات الرجال والنساء داخل المجتمع غير منفصلة».44 أما أسمهان شكري فقد أكدت عند حديثها عن لجنة المرأة في حزب العمل أن سياسة لجنة المرأة جزء لا يتجزأ من سياسة الحزب.45

وهكذا يتضح أن لجان المرأة في الأحزاب السياسية الثلاثة السابقة لا تقوم بدور مستقل عن أهداف الحزب، ولعل فيما نسمعه من أمينات المرأة في تلك الأحزاب ما يقرب إلينا جو العمل الذي وجدت نساء مصر أنفسهن يعملن في إطاره من خلال لجنة سيدات الوفد المركزية، ومبررات تكوين مؤسسـات نسـوية مستقلة، وبخاصة في الحالات التي لا تتمتع بها النساء بحرية صنع القرار فيما يتعلق بقضاياهن.

٢المنظمات النسـوية غير الحكومية، وهي منظمات قامت على أساس من العمل المستقل الذي يركز على قضايا النسـاء من أجل السعي نحو مجتمع تسـوده العدالة الاجتماعية والمساواة. وتضمنت هذه المنظمات جمعيات مشهرة بموجب قانون الجمعيات، خاضعة بصورة مباشرة لسلطة وزارة الشـؤون الاجتماعية. وفي محاولة للخروج من قيود سلطة الحكومة؛ شهدت الثمانينيات والتسعينيات قيام مراكز بحثية مسجلة على هيئة شـركات مدنية غير تجارية تتناول معظمها قضـايا المرأة والنوع الاجتماعي من خلال العمل البحثي والميداني؛ إلى جانب منظمات تقدم خدمات صحية وقانونية للنسـاء. وقد تلقت هذه المؤسـسـات ضـربة مع قيام الدولة بتمرير قوانين العمل الأهلي لعام ١٩٩٩ (الذي ثبت عدم دسـتوريته) ثم قانون العمل الأهلي لعام ۲۰۰٢، بهدف تضييق الخناق على جهود منظمات حقوق الإنسـان. فكانت آخر المعارك المستمرة هي تلك السـاعية إلى تغيير قانون العمل الأهلي لما يفرضـه من عقبات أمام قيام مجتمع مدني يتمتع بالحرية والقدرة على الحركة والتغيير.

وهكذا على مر قرن من الزمان يطل العمل النسـوي متمثلا في إثارة النقاش، وطرح قضـايا النساء على الرأي العام، وتظل الناشطات المصريات يطالبن بالمزيد من الحقوق في المجالات نفسها التي سبقتها إلها أجيال قرن مضى. وفي السنوات الأخيرة، مع تصاعد الانتفاضة الفلسطينية واحتلال العراق، إضافة إلى التراجع الاقتصـادي محليا، وسيادة سـياسـات العولمة الرأسمالية والهيمنة الإمبريالية عالميًا، من الملاحظ قيام المنظمات النسائية بالمشاركة في الجهود الساعية نحو الإصلاح والتغيير، ومن الملاحظ أن بدايات الحركة النسائية قد أسهمت في تدريب النساء على مبادئ العمل السـياسـي بما فيه من تحديد الأهداف واختيار القرارات الاستراتيجية، والعمل المنظم والدؤوب في سبيل تحقيق الأهداف على المستوى البعيد، كما أن تجربة العديد من الناشطات النسويات المعاصرات اللاتي لاحظن تكرار تهميش قضيتهن وذوبانها ضـمن قضـايا أخرى بدعوى ترتيب الأولويات، قد أثبتت لهن صحة المقولة التي تؤكد أن «التجربة الذاتية هي خبرة سياسية».

بناء على ما سبق أود أن أطرح تساؤلاً عن مدى كون «الفرع النسائي» في الجامعة المصرية عند نشـأتها من إنجازات مشروع الجامعة المصرية الأهلية، أم إنه كان في الواقع من إنجازات الحركة النسائية المصرية أوائل القرن؟ ومن السياق العام الذي نشأت في إطاره دراسات الفرع النسائي يمكنني الجزم بأن تلك الدراسات المتخصصـة كانت بالفعل من إنجازات الحركة النسائية آنذاك، ممثلة في جهود النخبة المثقفة من النساء المصريات اللاتي سـعين إلى فتح آفاق جديدة أمام نسـاء مصر في سبيل تحقيق نهضتهن، وترسيخ مطالبهن وتغيير واقعهن. حيث قام الفرع النسائي على أيدي الشخصيات الرائدة في مجالات الكتابة والصحافة والتعليم العام، في حين أتاحت الجامعة المصرية بإرادتها والقائمين عليها من صفوة المفكرين الحريصين على نهضة البلاد، وبوصفها معقل النهضة الفكرية والاجتماعية والثقافية مجالاً رحبًا داعمًا لمساعي النساء. وإذا كانت دراسات الفرع النسائي لم تستمر سـوى فترة وجيزة في بدايات القرن الماضي، فلابد لنا اليوم أفرادًا ومؤسـمـات تـشـكل الحركة النسائية المصرية المعاصرة من إحياء تلك الفكرة والعمل على إنجازها، في زمن أصبحت «الدراسات النسائية» فرعًا معرفيًا راسخًا في مختلف جامعات العالم شمالاً وجنوبًا، شرقًا وغربًا. ومن خلال معرفتنا اليوم بمفہوم «الدراسات النسائية» ونماذجها الأكاديمية العالمية، ودورها في دعم الحركة النسائية عالميًا، وبناء على تاريخنا المحلي الخاص، يمكنني القول إن محاضــرات الفرع النسائي بالجامعة المصرية في بدايات القرن العشرين كانت نموذجًا رائدًا لبرامج الدراسـات النسائية Women’s Studies المتضمنة في غالبية المؤسسات التعليمية العالمية اليوم. حيث تتناول برامج الدراسات النسائية موضوعات وقضايا تأخذ المرأة في الحسبان، ومن أهم هذه الموضوعات على سبيل المثال:

1) تاريخ النساء والكشف عن المسكوت عنه في مصادر التاريخ الرسمي.

٢) المرأة في موقعها ضمن إطاري الحيز العام والخبر الخاص من حيث قضايا التعليم والعمل والأسرة والقانون وغيرها،

3) أشكال مقاومة النساء لمختلف صور القهر والسلطة الذكورية.

4) صورة المرأة في الثقافة السائدة مع الكشف عن نماذج تهميش النساء وقوليتين، وغيرها من قضايا تتناولها برامج الدراسات النسائية.46

وإذا كانت المعرفة هي من سبل تمكين النساء والنهوض بالمجتمع، فإن المعرفة المتخصصية في الدراسات الخاصة بقضايا المرأة جديرة بأن تتبناها المؤسسة الأكاديمية لدعم الحركة النسائية وجهود المجتمع المدني، في سبيل نهضة المجتمع معرفيًا وثقافيًا واجتماعيًا وسياسيًا.

من المعروف أن مفهوم «الدراسات النسائية»، بوصفه فرعًا معرفيًا نشأ في الستينيات من القرن العشرين من رحم الحركة النسائية في علاقتها بالنظرية النسوية (feminist theory) والدراسات الإنسانية، يعتبر مجالاً بحثيًا يقوم على مركزية وجهة نظر المرأة، ويعتمد منهجيا على «الدراسـات البيئية» (interdisciplinary studies). وقد تبلورت الدراسات النسائية لتقوم على تحقيق هدفين تعليميين أساسيين متداخلين، يتمثل الهدف الأول في توفير مصادر المعرفة والتحليل فيما يتعلق بحياة النساء بغرض تحقيق تغيير في الأنماط الاجتماعية والثقافية القائمة على التمييز ضد النساء أما الهدف الثاني فهو إنتاج معرفة ناقدة وكاشـفة لأوجه القصور في الأفرع المعرفية المختلفة من حيث تجاهلها العمدي أو غير المقصود لمنظور النساء.47 وفي كلتا الحالتين تجمع الدراسات النسوية بين المعرفة النظرية والتطبيق العملي، أي بين النظريات النسوية وبين خبرات النساء في الحياة اليومية.

وفيما يتعلق بمضمون الدراسات النسائية في المؤسسات الأكاديمية الغربية، تشير ماري ماينارد إلى أن محتوى المواد الدراسية المطبقة في المؤسسات البحثية العربية تشكل عبر ثلاث مراحل:

أولاً: مرحلة «الاستعادة»، أي مواجهة ما تعرضت له النساء من تجاهل وتغييب وتنميط وتهميش في مجالات الدراسات التاريخية والاجتماعية والأدبية والثقافية.

ثانيًا: مرحلة «إعادة الصياغة»، أي إعادة تقييم الموضوعات الأكاديمية، وتضمين النساء في المصادر المعرفية التي يتم إنتاجها في صورة مفاهيم ونظريات. وقد شهدت تلك المرحلة إعادة النظر في الشهر من حيث مدى التداخل بين العوامل المختلفة فيه مثل: النوع، والطبقة، والانتماء العرقي، وغيرها. ثالثًا: مرحلة «التأمل ومراجعة الذات»، أي تبني نظرة نقدية للذات، وبخاصة فيما يتعلق ببعض المفاهيم النظرية وتطبيقاتها على فئات دون الأخرى، ومن أهم القضايا التي تناولتها الدراسـات النسائية في اتخاذ موقف نقدي من مناهج التدريس والتعليم بالتركيز على دراسة خبرات النساء، والتعامل مع التعليم باعتباره أداة تسهم في تمكين النساء اجتماعيًا عبر المعرفة.48

سأحاول فيما يلي وضـع تـصـور لإدخال الدراسات النسائية في الجامعات المصرية. وأود أولاً الإشارة إلى أن بعض الباحثات والباحثين الأكاديميين المتخصصين في الدراسات النسائية يقومون بجهود بحثية فردية، سواء في صورة دراسات أو ترجمات أو إشراف على رسائل للحصول على درجتي الماجستير والدكتوراه تتبع مناهج بحث الدراسات النسائية. لكن بعض الجهود الفردية لا تكون كافية داخل مؤسـسـة لا تدرك أهمية هذا التخصص أو تبالي تحديدًا بقضايا النساء، وبالتالي فمن المهم أن تتبنى الجامعة الدراسات النسائية وتدعمها بحيث تصبح كيانًا نشطًا ومتكاملاً.

وأرى أن البداية قد تكون عن طريق الآتي:

1-القيام بدراسـة ببليوجرافية للتعرف على جميع الرسائل البحثية الأكاديمية التي تتبع منهجًا نسويًا، وتتخصص في الدراسات النسائية.

2-القيام بإعداد قائمة تضـم أسـماء أعضاء هيئة التدريس المتخصصين والمتخصصات في الدراسات النسائية.

3-إقامة مركز للدراسـات النسائية كنواة تبدأ على سبيل المثال في جامعة القاهرة باعتبارها الجامعة الأم، وتحديدًا في كلية الآداب بها، نظرًا لوجود مجموعة صـغيرة بها من أعضاء هيئة التدريس ممن هم على دراية بطبيعة الدراسات النسائية ومناهجها البحثية من ناحية، ونظرًا لطبيعة كلية الآداب التي تشجع قيام مناهج الدراسات البيئية وتطبيقها.

4-أن يبدأ نشـاط هذا المركز على مستوى الدراسات العليا، بتقديم دبلومة متخصـصـة في الدراسات النسائية باعتبارها مرحلة مبدئية.

5-أن يتم دعم هذا المركز بمكتبة متخصصة من المراجع والكتب بمختلف اللغات.

6-أن يقوم المركز بعقد ندوات تثقيفية عامة، بالإضافة إلى إقامة مؤتمرات متخصصة لتشجيع البحث في مجال الدراسـات النسائية، وتبادل المعرفة محليًا وإقليميًا وعالميًا، مع دعم تلك الأبحاث بالنشر والتوزيع.

7-أن يتبنى المركز ترجمة الكتب المتخصصة في الدراسات النسائية من العربية وإليها.

8-أن يتبنى المركز إعادة إصـدار ثراث النساء المصريات من نهايات القرن التاسـع عشـر وحتى منتصف القرن العشرين من كتب، وروايات، ودراسات، وصحف ومجلات متخصصة، لإتاحتها للباحثات والباحثين.

9-أن يتم التأكيد على طبيعة الدراسات النسائية باعتبارها من مجالات الدراسات البينية.

ففي فرع الدراسات التاريخية. يمكن للدراسات النسائية أن تضيف أبعادًا جديدًا للتاريخ من واقع تقيع دور النساء في المسار التاريخي في مصر، وفي فروع اللغات والدراسات الأدبية، يمكن أن يتم التركيز على إبداع النساء في الكتابة وإسهاماتهن في الحركة النقدية والجهود التنظيرية. وفي العلوم الاجتماعية، يمكن التركيز على أوضـاع النسـاء والتعامل مع النوع باعتباره عاملاً جوهريًا مؤثرًا في طبيعة العلاقات الاجتماعية والبنية الثقافية للبيئات والمجتمعات المختلفة. هذا بالإضافة إلى تناول مختلف جوانب الحياة والمؤسسات الاجتماعية من منظور النسـاء، عند مناقشة قضـايا مثل: الأسرة، والعمل، والإعلام، والصحة، والمشاركةوهلم جرا.

إذا عدنا مرة أخرى إلى تجربة الفرع النسائي في الجامعة المصرية في بدايات القرن العشـرين فإننا نجد أن تلك التجربة لعبت دورًا في دعم الحركة النسائية بقدر ما كانت نتاجًا لها. فقد شهدت بدايات القرن العشرين نهضـة داعية للنهوض بالمجتمع ككل رجالا ونساءً، كما شهدت تنامي وعي النخبة المثقفة بأهمية العمل من أجل تحقيق المساواة بين الجنسين في فرص التعليم والعمل والحياة. وقد جاءت دراسـات الفرع النسـاني آنذاك بمثابة مسـاحة إضافية أتاحتها المؤسـسـة الجامعية لنهضة النساء. فكانت المحاضرات نقطة لقاء بين الشخصيات النسائية البارزة في المجتمع والنسـاء المثقفات والسـاعيات إلى المزيد من المعرفة. وقد أسهمت تلك المحاضرات في تنشيط الشخصيات النسائية البارزة في المجتمع والنساء المثقفات والساعيات إلى المزيد من المعرفة. وقد أسهمت تلك المحاضرات في تنشيط الشخصيات النسائية البارزة ودفعهن إلى بذل المزيد من الجهد في التفكير والبحث ونشر المعرفة عن النساء بين النساء، كما قامت علاقة تبادلية بين المحاضرات والمقالات، حيث كثيرًا ما كان يتم نشر المحاضرات في الصحف المصرية، وبالتالي كانت متاحة للقراء والقارئات ممن تمنعهم ظروفهم عن التردد على الجامعة، ويمكن الجزم بأن قيام هذا الفرع النسائي كان له دوره البارز باعتباره ركنًا من الأركان الأساسية والمؤسسة للحركة النسائية المصرية في بداياتها الأولى.

ويدفعني هذا إلى التساؤل عما يمكن أن تحققه الدراسـات النسائية في الجامعات المصرية اليوم. من المؤكد أن قيام تخصص أكاديمي في الدراسات النسائية كفيل بدعم الجهود الفردية والمدنية والرسمية من أجل النهوض بالنساء المصريات في القرن الواحد والعشرين، والعمل على تحويل مسألة النهوض بالمرأة إلى حركة اجتماعية وثقافية شاملة، بحيث تخرج عن طابعها التنموي الحالي، وأرى أن إنشاء مجال للدراسات النسائية يمكن أن يسهم في تحقيق الآتي: التأكيد على أن مسألة الهوض بالمرأة لا تقتصر على تقديم خدمات مادية وعينية للنساء الفقيرات فحسب، وأن الغرض الحقيقي هو إحداث تغيير في أنماط التفكير والتطبيق العملي في الحياة اليومية. فالنهوض بالمرأة لا يقتصر على الجانب التنموي الاقتصادي فقط، بل لابد من إدراك قيمة النهوض الفكري والثقافي للنسـاء. كما أن وجود كيان متخصص في الدراسات النسائية سيسهم في نشر المعرفة الخاصة بقضايا النساء، وجعل قضية حقوق النساء والمساواة بين الجنسين مطروحة على مستوى فكري يسهم في تغيير العقلية التقليدية التي تميز ضـد النسـاء، بالإضافة إلى ذلك فإن قيام كيان أكاديمي متخصـص كفيل بأن يضفي على قضية النهوض بالنسـاء مزيدًا من الجدية، وأخيرًا فإن الدراسـات النسائية مجال سيسهم في إنتاج معرفة جديدة تهدف إلى النهوض بالنساء، وبالتالي المجتمع ككل، فتقوى الحركة النسائية المصرية المعاصرة بتضافر الجهد الأكاديمي المؤسسي مع الجهود الفردية للباحثات، والناشطات النسـويات، ومساعي المنظمات النسائية، ومؤسـسـات المجتمع المدني.

إذا كانت دراسات الفرع النسائي في بدايات القرن العشرين نجحت في التعبير عن أهمية الوعي والعلم والمعرفة ونشرها على مستوى المؤسسـات الثقافية، فإن الدراسات النسائية تحمل اليوم قيمة مهمة في تضمين قـضـايا النهوض بالنسـاء وإدماجها ضمن المؤسسة الجامعية، وتناولها من منطلق ثقافي جاد كفيل بأن يلعب دورًا تبادليًا وتفاعليًا مع الجهود التنموية، وهي دفعة ضـرورية للحركة النسائية المصرية اليوم.

* هالة كمال، أهمية الدراسات النسائية في الجامعات المصرية من منظور النوع الاجتماعي، مجلة طيبة، القاهرة: مؤسسة المرأة الجديدة. ٢٠٠٧. وكانت كاتبة هذه الدراسة قد تقدمت بها إلى كلية الآداب بجامعة القاهرة لطرح فكرة إدخال الدراسات النسائية ضمن برامج الدراسة في الجامعات المصرية، فرشحت الكلية هذه الدراسة للمشاركة في مسابقة المجلس القومي للمرأة في دراسة النوع الاجتماعي، وحازت الدراسة على المركز الثاني في المسابقة في مارس ۲۰۰۷.

1-للمزيد يمكن الرجوع إلى: هالة كمال، «الحركة النسائية حركة سياسية»، طيبة: النساء والسلطة، (القاهرة: مؤسسة المرأة الجديدة)، ٤٤، ٢٠٠٤، ص 7-21.

2-للمزيد عن دراسات «الفرع النسائي» في الجامعة المصرية في بدايات القرن، يمكن الرجوع إلى: هالة كمال. «محاضرات الفرع النسائي في الجامعة المصرية، ۱۹۰۹۱۹۱۲»، من رائدات القرن العشرين، تحرير هدى الصدة القاهرة: المرأة والذاكرة، ۲۰۰۱، ص۱۷۷۱۹۹.

3-بث بارون، النهضة المصرية في مصر: الثقافة والمجتمع والصحافة، ترجمة: لميس النقاش، القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، ١٩٩٩، ص9 وما بعدها.

4-المصدر السابق، ص۱۹.

5-إجلال خليفة، الحركة النسائية المصرية: قصة المرأة العربية على أرض مصر، القاهرة: المطبعة الحديثة، ۱۹۷۳، ص59 وما بعدها.

6-ملك حفني ناصف، النسائيات، (ط: ١٩١۰، ١٩٢٤)، القاهرة: ملتقى المرأة والذاكرة، ١٩٩٨، ص١٤٧.

7-كان من شروط الالتحاق أن يكون عمر الفتاة بين 9-13 سنة، وأن تكون بكرا، ولم تلتحق بها أول الأمر أي مصريات، فبدأت بعشر جاريات حبشيات، وكانت أول دفعة من خريجاتها من اللقيطات! للمزيد يمكن الرجوع إلى: إجلال خليفة، الحركة النسائية الحديثة: قصة المرأة العربية على أرض مصر، ص104.

8-حسن الفقي، سبق ذكره، ص ۸۷.

9-نبوية موسى، تاريخي بقلمي، القاهرة: ملتقى المرأة والذاكرة، ۱۹۹۹، ط ۳.

10-نبوية موسى، تاريخي بقلمي

11-محمد أبو الإسعاد، نبوية موسى ودورها في الحياة المصرية (1886-1951)، سلسلة تاريخ المصريين، ع٦٩. القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، ١٩٩٤، ص۱۲۱۳.

12-أحمد عبد الفتاح بدير، الأمير أحمد فؤاد ونشأة الجامعة المصرية، القاهرة: مطبعة جامعة فؤاد الأول، ١٩٥٠.ص 6-9.

13-أحمد عبد الفتاح بدير، ص۹.

14-مذکرات هدى شعراوي، القاهرة: دار الهلال، ص۱۱۷

15-كانت أولى هذه البعثات عام ١٩٠٨ واستمرت بعدها لعدة سنوات، وقد ورد في تقرير حول «حالة الجامعة المصرية» إشارة إلى بعثات الأطفال إلى فرنسا وإيطاليا لحصولهم على شهادة البكالوريا أو ما يعادلها، مع تكفل إدارة الجامعة بتدريسهم اللغة العربية والدين، وإمكانية مواصلة المبعوثين دراستهم للحصول على الشهادات الجامعة. على أن يتعهدوا بخدمة الجامعة عند عودتهم. في الجريدة، ع 1547، 14 إبريل ۱٩١٢، ص۲

16-مجلة الجامعة المصرية، المجلد الأول، ج۱، ۱ يناير ۱۹۰۹، ص5 -6.

17-أحمد لطفي السيد، «الحفلة الكبرى بافتتاح الجامعة»، الجريدة، ٥٤٤٤، الاثنين ٢١ ديسمبر ۱۹۰۸، القاهرة. ص4.

18-أحمد عبد الفتاح بدير، ص٢٠٩. وفي إعلان بصحيفة الجريدة عن المحاضرات بالجامعة تم تقسيم الطلبة إلى المنتسبين وهم يحضرون كل المحاضرات بغرض الحصول على شهادة من الجامعة، والمستمعين الذين يمكنهم اختيار المحاضرات التي يرغبون في حضورها دون الحصول على أية شهادات: الجريدة.ع 543، ٢٠ ديسمبر ۱۹۰۸، ص 4

19-من الملاحظ أن نص محاضرة Mr. Hugh M. Miller، أستاذ الأدب الإنجليزي بالجامعة المصرية، بتاريخ ٢٣ ديسمبر ۱۹۰۸، موجهة إلى كلا الجنسين بقوله Ladies and Gentlemen في مجلة الجامعة المصرية، المجلد الأول. ج۱، ۱۶، ۱ يناير ۱۹۰۹، ص9 من الجزء الإنجليزي.

20-أحمد عبد الفتاح بدير، ص۲۱۰.

21-إجلال خليفة، الحركة النسائية الحديثة، ص۱۲۱۱۲۲.

22-تشير هدى شعراوي إلى مقر الجامعة باسم «قصر خيري باشا» لا «سراي جناكليس»، مذكرات هدى شعراوي. ص116.

23-مذكرات هدى شعراوي، ص116.

24-مذکرات هدى شعراوي، ص۱۱۸۱۱۹.

25-باحثة البادية، «المرأة المصرية والمرأة الغربية: خطبة الباحثة بالبادية»، فتاة الشرق، الجزء ۸، مایو ۱۹۱۰، ص 283 -296؛ وتتمتها في الجزء 9، يونيو ۱۹۱۰، ص۳۲۷-340.

26-تعددت مسميات هذا القسم عبر السنوات (1909-1912) كما يرد في أحمد عبد الفتاح بدير، ص 125-128، 210 – 212.

27-أحمد عبد الفتاح بدير، ص١٢٥ ١٢٦.

28-أحمد عبد الفتاح بدير، ص۱۳۰.

29-الجريدة، «إعلان عن محاضرات الجامعة المصرية للسنة المكتبية»، ع 1699، 13 اکتوبر ۱۹۱۲، ص6.

30-يمكن الرجوع على سبيل المثال إلى مقالة شكري صادق. «جامعة النساء الشرقيات على بساط البحث»، الجريدة، ع١٠٦٦، ۱۰ سبتمبر ۱۹۱۰.

31-إجلال خليفة، الحركة النسائية الحديثة، ص٨٤.

32-تذكر نبوية موسى قصة سعها للالتحاق بالجامعة المصرية فور افتتاحها، ورفض طلبها، ثم الاستعانة بها لاحقا كمحاضرة في الفرع النسائي، «ذكرياتي: الجامعة قديما وحديثًا، الفتاة، ١٠٤٤، ص ۱۷۱۸.

33-محمد أبو الإسعاد، سبق ذكره، ص۱۹.

34-نبوية موسى، كتاب المطالعة العربية لمدارس البنات، القاهرة: نظارة المعارف، ۱۹۱۱، ط۲ ص 5-6.

35-نبوية موسى، المرأة والعمل، الإسكندرية: المطبعة الوطنية، ١٩٢٠.

36-نبوية موسى، المرأة والعمل، ص3 وما يليها.

37-نبوية موسى، «المحاضرات النسائية في الجامعة المصرية». الأهرام، 16 إبريل ١٩١٢. وقد تمت إعادة نشرها في كتاب الأهرام، شهود العصر، القاهرة: مركز الأهرام للترجمة والنشر، ١٩٨٦؛ هاجر: كتاب المرأة، ع 5 -6، القاهرة: دار نصوص، ۱۹۹۸، ص143-146.

38-نبوية موسى، «المحاضرات النسائية في الجامعة المصرية»، هاجر، ص143-144.

39-نبوية موسى، «المحاضرات النسائية في الجامعة المصرية»، هاجر، ص١٤٥

40-نبوية موسى، «المحاضرات النسائية في الجامعة المصرية»، هاجر، ص١٤٥.

41-نبوية موسى، «المحاضرات النسائية في الجامعة المصري» هاجر، ص143-144.

42-الجنس اللطيف، ۱۹۱۳، ص۲۷۲۲۷۹

43-آمال عبد الهادي ونادية عبد الوهاب، سبق ذكره، ص١٤١.

44-المصدر السابق، ص١٤٣.

45-المصدر السابق، ص١٥٢.

46-للمزيد حول مجالات «الدراسات النسائية» يمكن الرجوع على سبيل المثال إلى:Joy Magezis, Women’s Studies (London: Hodder & Stoughton, 1996)

47-Mary Maynard, “Women’s Studies” in Contemporary Feminist Theories, eds. Stevi Jackson and Jackie Jones (New York University Press, 1998), p. 247.

48-Mary Maynard, pp. 250-252.

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي