اتحاد المرأة السودانية والحرب في غرف خالية

اتحاد المرأة السودانية والحرب في غرف خالية(*)

السودان والحرب التي نالها التجاهل لفترة طويلة

يُعد السودان أكبر بلد في أفريقيا وأحد أغنى البلدان من حيث موارده الطبيعية. وينحدر الشعب السوداني من أكثر من عنصر، ولديه ثقافات وأديان عديدة. ففي الشمال، هناك خليط من العرب والأفارقة، أغلبهم من المسلمين. وفي الجنوب، تتسم الأغلبية بانحدار أفريقي صرف وكثير منهم مسيحيون، وينتمي آخرون إلى عقائد قبلية.

كان السودان يرزح من 1821 إلى 1956 تحت نير الحكم الكولونيالي: أولاً تحت الحكم التركي المصري، ثم من 1898 إلى 1956 تحت الحكم البريطاني المصري عندما كان السودان بالفعل مستعمرة بريطانية. وقد قام البريطانيون، أثناء وجودهم في بلدنا، بعمل جميع الترتيبات الضرورية لضمان الإبقاء على سياساتهم ومصالحهم الاقتصادية لفترة طويلة بعد رحيلهم، بحيث يستمر بلدنا في أن يكون مصدراً رخيصًا للقوة العاملة والمواد الخام وسوقًا للمنتجات المعتمدة عليها. كما قامت الإدارة البريطانية بتطوير الجزء الشمالي فقط من السودان وأهملت الجنوب. واتبعت، في واقع الأمر، سياسة الفصل السياسي والثقافي بين الشمال والجنوب. هذه السياسة التي زرعت الكراهية بين الشعبين في الجنوب وفي الشمال، كما أدت إلى تعميق انقساماتهما العرقية والدينية. وبالتالي، نجح البريطانيون في جعل شعب الجنوب يحارب الحكومة في الشمال، مما أسفر عن اندلاع الحرب الأهلية في عام 1955 – قبل عام واحد من رحيل الإدارة البريطانية عام 1956.

وبعد الاستقلال في عام 1956، لم تبذل الحكومة السودانية الجديدة أي جهد للقضاء على التمييز العنصري ضد الجنوب، أو لتحقيق العدالة الاجتماعية من أجل وقف الحرب. وبالتالي، استمرت الحرب الأهلية. وفي عام 1957، منحت الولايات المتحدة الأمريكية معونة مالية للسودان، لكن جميع الأطراف السياسية والنقابات العمالية رفضتها. وأشار أغلبية الساسة إلى سياسة الاعتماد على الذات وتطوير مواردنا الوطنية. ولتجنب مواجهة تهمة الفشل إذا ما قبل المعونة الأمريكية، قام رئيس وزراء حزب الأمة الحاكم بتسليم السلطة إلى القائد العسكري، الجنرال عبود، عام 1958. وقد انكشف فيما بعد أن الولايات المتحدة الأمريكية قد خططت ونفذت ذلك الانقلاب العسكري (82:1975 Agee). ووافق النظام العسكري الجديد على قبول المعونة الأمريكية، وأعلن حظر جميع الأحزاب السياسية والنقابات العمالية، ثم قام فيما بعد بحظر اتحاد المرأة السودانية. وحضر إلى السودان كثير من المستشارين الاقتصاديين الأمريكيين، وشرعوا في الهيمنة على السياسات الحكومية، وخاصة السياسة الاقتصادية. وهو الأمر الذي يشير بوضوح إلى أن نوعا جديدا من الكولونيالية سرعان ما وجد طريقه داخل بلدنا بعد حصول السودان على استقلاله السياسي.

وفي أكتوبر 1964، أطاح الشعب السوداني بالنظام العسكري واستعاد الديمقراطية. لكن نميري – وهو ضابط بالجيشقام 1969 بالاستيلاء على السلطة عن طريق انقلاب عسكري آخر. وبعد إبرام اتفاق سلام مع الجنوب في 1972، منحت حكومته وضع الاستقلال المحدود للجنوب في الشئون الثقافية والإدارة الحلية. ولهذا، كانت السبعينيات فترة تتسم بالسلام في السودان. وفي عام 1983، قام د. الترابي، قائد حزب الجبهة الإسلامية، بالاشتراك في حكومة نميري، والتي بدأت عندئذ في تطبيق الشريعة الإسلامية في جنوب السودان، ونتيجة لذلك، اشتعلت الحرب الأهلية مرة ثانية. وفي عام 1985، اندلعت انتفاضة شعبية وأطاح قادة الجيش بنظام نميري، وفي 1986 قام الجيش بتسليم السلطة إلى تحالف يضم مختلف الأحزاب.

وفي عام 1988، قدم العديد من الضباط مذكرة إلى المجلس الأعلى مطالبين بإنهاء الحرب فورًا وتغيير السياسات والقوانين الإسلامية في جنوب السودان. وقد تولى جميع الأحزاب السياسية وممثلي الجيش والنقابات واتحاد المرأة السودانية إعداد اتفاق سلام يتم توقيعه في يوليو 1989. لكن الجبهة الإسلامية الوطنية كانت الحزب الوحيد الذي رفض اتفاق السلام، وتمكن في يونيو 1989 من الاستيلاء على السلطة عبر انقلاب عسكري، وفورا بدأ الحرب مرة أخرى تحت شعار جديد: «الحرب الإسلامية المقدسة».

إن حربًا باسم الإسلام بعد انتهاكا للديمقراطية وحقوق الإنسان، كما تعد أيضاً انتهاكًا للمبادئ الإسلامية؛ فالإسلام دين السلام، ويقوم المسلمون بأداء الصلاة خمس مرات في اليوم، وفي نهاية كل صلاة يكررون عبارة «السلام عليكم». وبالتالي، فإن قتل الأبرياء من الأطفال والنساء والمدنيين باسم الإسلام يعد جريمة.

ولا تزال الحكومة مستمرة في فرض القوانين والتقاليد الإسلامية حتى وقتنا الحاضر. ويبدو واضحا أن هذه الحكومة تشن هذه الحرب لإجبار الجنوب على الانفصال من الشمال. لقد لقي مئات الآلاف من الجانبين حتفهم ونزح عديد من الملايين. كما أنفقت مئات الملايين من الدولارات على هذه الحرب، بينما يموت أطفالنا في الجنوب والشمال من جراء المجاعة. لقد دأبت الحكومة على خطف الطلاب والشباب وإرسالهم إلى منطقة الحرب دون تدريب كاف. إن هذه الحرب، التي استمرت لمدة 34 عامًا، قد نالها التجاهل التام من جانب المجتمع الدولي، وخاصة من جانب حركات السلام الإقليمية والدولية. إنها حرب ضد الفقراء. حرب ليس لها مكان في الإعلام أو جداول أعمال صناع القرار السياسي الدولي. إنها حرب في غرف خالية.

 

لقد تأسس اتحاد المرأة السودانية عام 1952، قبل الاستقلال، بهدف تحرير النساء. كانت النساء تعانين من الحرمان والتمييز الذي انعكس حتى في منزل الأسرة، حيث يتم احتجاز أكبر وأجمل الغرف للرجل وضيوفه. ولا تزال ممارسة ختان الإناث في فترة طفولتهن المبكرة، للسيطرة على الحياة الجنسية والحفاظ على البكارة، مستمرة حتى اليوم. ولم يكن من حق النساء الشابات اختيار أزواجهن، ولم تكن تجري استشارتهن في أغلب الحالات حول زواجهن. وعلاوة على ذلك، كانت قوانين الأسرة مصممة بما يخدم مصالح الرجال، ولم تكن الأمهات والنساء يتمتعن بالحقوق نفسها التي يتمتع بها الآباء. وإلى يومنا هذا يحق للرجل اتخاذ أكثر من زوجة واحدة، كما يحق له تطليق زوجته أو زوجاته في أي وقت. وفي حالة الطلاق، يجبر قانون الطاعة الزوجة على العودة إلى زوجها إذا غير رأيه، بغض النظر عن اهتمامها أو رغبتها. كما يمنح قانون الأسرة للأمهات الوصاية على الأولاد حتى سن 7 سنوات وعلى البنات حتى سن 9 سنوات. وقبل سنوات قليلة، لم يكن هناك أي قانون يجعل الآباء يدفعون نفقة لأطفالهم بعد الطلاق.

ومما يبعث على السخرية، أن الرجال يتخذون أيضًا أكثر من زوجة واحدة حتى في جنوب السودان حيث بعض السكان مسيحيون. ويرجع السبب في ذلك إلى أن النساء يشكلن قوة اقتصادية مهمة. توفر النساء عمالة ذات قيمة في الإنتاج الزراعي والغذائي. وبالتالي، كلما زاد عدد الزوجات لدى الرجل كلما زادت ثروته وعدد أطفاله، وهو الأمر الذي يضفي عليه وضعًا اجتماعيًا أعلى. ويوضح ذلك أن التقاليد والفوائد الاقتصادية تمثل أسبابًا للتمييز ضد النساء أقوى من العوامل الدينية. ومن الزاوية الاجتماعية الاقتصادية، تواجه النساء قمعًا أيضًا. فالنسبة المئوية لأمية النساء أعلى من نسبة أمية الرجال، ويقل عدد الفتيات الملتحقات بالمدارس عن نصف الفتيان الملتحقين بالمدارس.

وفي الستينيات، لم تخرج للعمل سوى أقلية صغيرة من النساء، واقتصر عملهن على مجالي التمريض أو التربية. وكانت المرأة تحصل على 80٪ من أجر الرجل على نوع العمل نفسه، مع تمتعها بالمؤهلات نفسها. كما لا توجد مساواة بين المرأة والرجل من زاوية الفرص المهنية، والتدريب، والترقي، أو المعاش. ليس من حق المرأة العاملة الحصول على إجازة رضاعة مدفوعة الأجر. فالنساء يعملن على أساس عقود يومية تجبرهن على ترك وظائفهن بعد الزواج، مما يجعلهن عرضة للفصل من العمل دون منحهن مهلة كافية. وفي المناطق الزراعية، كان عمل المرأة، ولا يزال، جزءًا من عمل الرجل، وبالتالي لا يحصلن على أجور نظير عملهن في الحقول. ففي غرب السودان، على سبيل المثال، تقوم المرأة بأداء العمل الزراعي كله ولا يفعل الرجل أي شيء. لكن الزوج يحصل بعد الحصاد على الدخل كله، ويتزوج امرأة أخرى. وهذا هو السبب في أن عدد الزوجات اللاتي يقتلن أزواجهن يتعاظم اليوم. وفي شرق السودان، نجد أن الوضع أكثر تخلفا؛ فالإشارة إلى اسم المرأة علانية يعد عارًا على أسرتها.

في بداية عمل اتحاد المرأة السودانية عام 1952، قمنا بإنشاء لجنة تنفيذية ضمت في عضويتها امرأة من الجنوب وامرأة تمثل النقابات العمالية. وهو ما كان يمثل أهمية لتشجيع النقابات على النضال من أجل مساواة النساء العاملات وتقوية الروابط بين النقابات العمالية واتحاد المرأة، بغية النضال المشترك لتحقيق هذا الهدف. وقد كان واضحًا، منذ البداية الأولى، ضرورة الحفاظ على استقلال منظمتنا عن أي حزب أو حكومة، وذلك بهدف تحويلها إلى حركة شعبية تصل إلى النساء والزوجات في جميع القرى بجميع مناطق السودان. وبالتالي، عملنا على تشكيل فروع في أجزاء عديدة من السودان، بما فيها الجنوب. وقد ساعدت لجاننا في المدن الصغيرة على الوصول إلى النساء في بيوتهن، فضلاً عن تدريب الشابات كي يضطلعن بدور الكوادر في أحياء بلداتهن. ودأبنا أيضا على تشكيل لجان في كثير من مدارس البنات الثانوية واتحادات الطالبات في جميع الجامعات. هذا بالإضافة إلى تنظيم دورات تدريبية خاصة للكوادر الشابة.

لقد كان بناء فروع في القرى مهمة عسيرة وحساسة. ولهذا، دأبنا على التوجه إلى زعيم القرية وقادة وقائدات المجتمع المحلي، بما في ذلك إمام الجامع. كما حرصنا على إشراك الرجال في أنشطتنا ومؤتمراتنا. وقمنا، تحت قيادة عضو من اللجنة التنفيذية، بتشكيل لجان برنامجية خاصة لأعضائنا بين الجماهير الشعبية. وتولت هذه اللجان مسئولية إعداد برامجها الخاصة وتنفيذها، كما ساعدت على إشراك عدد من الأعضاء في قيادة الاتحاد.

وفي البداية، وبسبب نقص الخبرة، بدأ اتحاد المرأة السودانية الترويج للعمل الإصلاحي والخيري. لكنه سرعان ما أدرك أن هذا النوع من الأنشطة لن يحل مشکلات النساء، كما لن يقضي جذريًا على الأمية بينهن أو تعزيز المساواة. كما أن العمل الخيري لن يقدر أيضًا على تلبية احتياجات الفقراء. وبالتالي، لن يتمكن من القضاء على الفقر أو التمييز ضد النساء لأنه لا يواجه الأسباب الجذرية. ونتيجة لذلك أدخل اتحادنا تغييرات في منهجه وبرامجه. وبدأنا في إدارة حملة سلمية بجانب عملنا المعتاد. وكان الهدف يكمن في ممارسة الضغط على الحكومة من أجل تغيير سياساتها وقوانينها التي تؤثر على النساء. وفي عام 1953، نظمنا حملة تطالب بمنح النساء الحق في التصويت. فمن خلال حصول المرأة على حقها في التصويت كنا نستهدف تحويل أصوات النساء إلى قوة سياسية تتنافس جميع الأحزاب من أجل الفوز بها. وبُغية رفع وعي النساء، قمت وبعض من زميلاتي بالشروع في نشر مجلة «صوت المرأة». وقد اتخذت مجلتنا المواقف التالية:

  • تحرير المرأة لا يعني الاحتذاء بالنساء الغربيات. كما لا يعني أيضًا نبذ تقاليدنا القيمة وسلوكنا الطيب ومعتقداتنا الدينية. إنه يعني التحرير من الجهل والفقر وجميع أنواع التمييز والاستغلال والمرض والتقاليد المتخلفة.

  • مساواة المرأة لا تعني الاحتذاء بالرجال. بل هي حق أي امرأة في أن تكون ما تريده.

  • الحرية الشخصية والجنسية لن تقضي أبدا على تمييز المرأة أو تحقيق المساواة مع الرجل أو وقف الاغتصاب والإساءة الجنسية للطفل.

  • هناك أسباب وأعراض للتمييز ضد النساء. لكن التركيز على الأعراض لن يؤدي أبدا إلى القضاء على المرض. فالاغتصاب والعنف والختان أعراض للتمييز هي وليست أسبابه. ولهذا، علينا التركيز على إشراك النساء في السياسة وجعلهن قوة سياسية قوية.

  • لا تزال المرأة في البلدان الغربية غير مساوية للرجل، سواء في الحقوق أو في صنع القرار (وفقًا لإحصاءات الأمم المتحدة)، على الرغم من أن البلدان الغربية تُعتبر متحضرة وديمقراطية ومدافعه عن حقوق الإنسان. ويرجع ذلك إلى عدم ارتكاز الديمقراطية في تلك البلدان على العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان. وهذا هو سبب وجود تمييز ضد النساء في الغرب، فضلاً عن التمييز العنصري والاستغلال الطبقي.

  • ليس كل الرجال، بوصفهم ذكورًا، مسئولين عن التمييز ضد النساء، ذلك أن هناك الكثير من الرجال الذين يتعرضون هم أنفسهم إلى التمييز ضدهم واستغلالهم.

  • الإسلام غير مسئول عن التمييز ضد النساء المسلمات وعدم المساواة التي يعانين منها، ذلك أن هناك نساء غير مسلمات ذلك التمييز ضدهن ولسن ومع يجري مساويات للرجال.

  • ولهذا، تُعد النظم السياسة الحاكمة مسئولة عن جميع أنواع التمييز والانتهاكات لحقوق الإنسان. فهذه هي النتائج المباشرة لسياساتهم وتشريعاتهم التي تؤثر على حياة الشعب وحالته.

وكما كان متوقعًا، واجه مطلب الاتحاد في الخمسينيات بمنح النساء الحقوق السياسية معارضة قوية من الجبهة الإسلامية (الموجودة في السلطة اليوم) والمجموعات الإسلامية الأخرى، على أساس أن الإسلام لا يسمح بمساواة النساء بشكل عام. وقد أدركنا أن أفضل طريقة للرد على هذا الهجوم أن نؤسس أطروحاتنا للدفاع عن حقوق المرأة في الإسلام. وبدراستنا للقرآن، أوضحنا أن الإسلام لا يحظر حقوق النساء أو مساواتهن أو اشتراكهن في السياسة. وعلاوة على ذلك، أوضحنا أن الإسلام لا يبيح تعدد الزوجات، كما لا يشتمل على أية أحكام حول بناء دولة إسلامية.

لقد شاركنا في النضال ضد النظام العسكري، ونجحنا في الوقت نفسه في حملتنا: حصلت النساء على الحق في التصويت وفي دخول الانتخابات عام 1964. وقد رشحت امرأتان نفسيهما: كنت أنا إحداهما وكانت الأخرى هي الأخت المسلمة التي عارضت مطلبنا بمنح الحقوق السياسية للنساء. لقد فشلت هي ونجحت أنا، وأصبحت أول امرأة عضوة في البرلمان في السودان وأفريقيا والشرق الأوسط. وفي عام 1965، أدخلنا إلى البرلمان مشروع مرسوم حول الحقوق المتساوية للنساء العاملات. وتأييدًا للمشروع، قام اتحاد المرأة السودانية بتشكيل «لجنة النساء العاملات للمساواة»، والتي ضمت ممثلات عن النقابات والطالبات والمنظمات الشبابية. كما نظمت اللجنة حملة واسعة لدعم حقوق النساء في المساواة، وخاصة لتمرير المرسوم في البرلمان. وقد أسفر هذا الجهد عن حصول النساء عام 1969 على الحقوق التالية:

1- حق المشاركة في جميع المجالات الاقتصادية: وكانت النساء عندئذ قادرات على الدخول إلى مجالات القضاء (وحتى لأن يصبحن قاضيات إسلاميات) والخدمة الدبلوماسية والقوات المسلحة والشرطةإلخ.

2- المساواة في الأجر على العمل نفسه، والمساواة في فرص التدريب والترقي، والمساواة في المعاش.

3- إجازة وضع مدفوعة الأجر بالكامل لمدة 8 أسابيع، وساعات رضاعة أثناء فترة العمل.

4- إلغاء ترتيبات عقود العمل الشهرية للنساء بعد الزواج.

وقد تمثل نجاح آخر للحملة في التغيرات التي شملت قانون الأسرة:

1- اعتماد قانون يعطي الفتيات الحق في استشارتهن قبل الزواج.

2- إلغاء قانون الطاعة.

3 – حق المرأة في الطلاق عند ثبوت تعرضها للإساءة، وأيضًا في حالة عدم رغبتها في استمرار العيش مع زوجها. ومع ذلك، ينص القانون على إعادة المهر إلى الزوج بعد الطلاق.

4- منح الأمهات حق حضانة الأبناء حتى سن 17 سنة والبنات حتى سن الزواج.

5- حق الطفل في الحصول على نفقة والده في حالة الطلاق، شريطة ألا يتجاوز مبلغ النفقة نصف دخل الأب.

ولهذه الإنجازات، منحت الأمم المتحدة اتحادنا جائزة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان عام 1993، وبالتالي، أصبح اتحاد المرأة السودانية أول منظمة نسائية – وحتى الآن الوحيدة – في العالم كله التي تحصل على هذه الجائزة.

ومع الأسف، بمجرد ما حاز النظام العسكري الإسلامي الراهن السلطة عام 1989، قام بحظر اتحاد المرأة السودانية، فضلاً عن حظر الأحزاب السياسية والنقابات المنظمات الأخرى. كما تعرض عشرات الآلاف من النساء والرجال إلى الفصل وجميع من أعمالهم. وقام النظام باعتقال القادة السياسيين والنقابيين وغيرهم من الشخصيات القيادية، وطرد جميع النساء القاضيات والدبلوماسيات والشرطيات وضابطات الجيش، فضلاً عن طرد النساء اللاتي يشغلن مواقع عليا في الوظائف الحكومية. كما ألغى جميع حقوق المرأة، وخاصة جميع الإنجازات السابقة في قوانين الأسرة. لقد ظهر قانون للأسرة يحرم النساء من حقوقهن. وعلى سبيل المثال، يعطى أحد القوانين الوالد الحق في تزويج ابنته حتى إن كانت أقل من سن الزواج، ووقف زواجها عن طريق المحكمة إن لم يكن موافقًا عليه، بغض النظر عن رغبتها. كما جعلت الحكومة الإسلامية ارتداء الحجاب إجباريًا على النساء، وإذا لم تطع أية امرأة الأمر ولم ترتد الحجاب، تتعرض إلى الجلد علانية والطرد من المدرسة أو الوظيفة. وتعاني نساء المنطقة الجنوبية وجبال النوبة في غرب السودان من المزيد، ذلك أنهن يواجهن وأطفالهن الموت والكوارث والمرض والمجاعة والنزوح نتيجة الحرب الأهلية. وعلاوة على ذلك، يشهد الجنوب الاسترقاق والتجارة في البشر كعبيد.

ونتيجة لهذه الديكتاتورية والحرب، يعاني الشعب السوداني من تضخم مرتفع ومجاعة وغياب للرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية، فضلاً عن المياه النظيفة نقص والكهرباء. وقد غادر السودان حتى الآن حوالي 7 مليون نسمة، أغلبهم من المهنيين والمثقفين والقادة السياسيين، سعيًا للجوء السياسي في بلدان أخرى.

وفوق كل ذلك، قامت الحكومة بتنفيذ برامج التكيف الهيكلي التي طرحها صندوق النقد الدولي. وهو ما أدى إلى فرض المزيد من الصعاب الاقتصادية على شعبنا. ففي عام 1976، كان الجنيه السوداني يعادل ثلاثة دولارات أمريكية، لكنك اليوم تدفع 2.5 جنيهًا سودانيًا للدولار الأمريكي الواحد. وقد أدى ذلك إلى تدمير اقتصادي كامل. وبناء عليه، شهد مجتمعنا تغيرات كبيرة، وهو الذي لا يزال يرتكز على الاقتصاد الزراعي. لقد بزغت طبقة رأسمالية طفيلية من الأقلية داخل النظام الحاكم الجديد، ودأب أفرادها على استغلال الذهب والموارد النفطية السودانية وتصديرها من أجل شراء الأسلحة، والاحتفاظ بباقي الربح لأنفسهم. كما اختفت الطبقة الوسطى السودانية، وتعيش الغالبية العظمى من السكان في فقر مدقع، وخاصة النساء والأطفال.

وعلى الرغم من كل هذه المعاناة والصعوبات، نجح الاتحاد في توحيد جميع المجموعات النسائية في إطار «تحالف النساء»، وذلك للعمل معا من أجل حشد المعارضة ضد النظام، ومن أجل استعادة الديمقراطية المرتكزة على العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان والسلام. وفي خارج بلدنا، نقوم بتنظيم أعضاء الاتحاد في مختلف البلدان وإصدار مجلتنا «صوت المرأة». وقد قمنا في لندن بتشكيل «اللجنة السودانية ضد انتهاك حقوق الإنسان للنساء والشباب والأطفال». كما نظمنا حملات وإضرابات، وقدمنا عرائض إلى رئيس وزراء بريطانيا وإلى هيئة الأمم المتحدة، ذلك لجذب الانتباه إلى انتهاكات حقوق الإنسان في السودان، والحصول على الدعم لنضال شعبنا من أجل الديمقراطية والسلام. كما نظمنا في ديسمبر 1996 قافلة سلام إلى المناطق المحررة في جنوب السودان، تبدأ من نيروبي في كينيا، حول «العام العالمي لحقوق الإنسان» – 10 ديسمبر – والعودة بعد أسبوع. وقد شارك فيها عدد ضخم من ممثلي منظمات حقوق الإنسان والصحفيين ووسائل الإعلام من البلدان الغربية. ونظمنا أيضًا قافلة سلام أخرى إلى مؤتمر «نداء لاهاي للسلام» عام 1999. ونخطط لتنظيم قافلة سلام تمر عبر أوروبا للفوز بدعم حركة السلام الأوروبية، بُغية ممارسة الضغط على الحكومة السودانية لوقف الحرب فورًا.

يعاني الرجال والنساء من الحرب الأهلية التي تجاهلها العالم الخارجي. لكن النساء يعانين بطريقتين متمايزتين: من الحرب ومن القمع الواقع عليهـن بوصفهن نساء. لقد تزايد الشكل الخفي لمعاناتهن؛ إذ يوجد صمت في المجتمع الدولي حول الانتهاكات التي تجري ممارستها ضد النساء السودانيات. ولا يوجد فضاء سياسي المجتمع الدولي للكفاح من أجل إنهاء الحرب في السودانحرب في الغرف الخالية.

القراء الأعزاء، إنني أتوجه إليكم باسم أطفالنا ونساءنا وشبابنا وطلابنا، باسم الشعب السوداني الذي يواجه الجوع والمرض والموت، التمس مساندتكم ومساعدتكم. هناك مأساة مؤلمة في السودان، وخاصة في الجنوب وجبال النوبة وشرق السودان.

إننا في حاجة ماسة إلى مساعدتكم:

1- إننا نحتاج إلى النفاذ إلى الإعلام.

2- إننا نحتاج إلى المساعدة لإقناع الحكومات الأوروبية وقف أي دعم لهذا النظام العسكري الإسلامي، والذي أدين مرتين: من الجمعية العامة للأمم المتحدة والمفوضية العليا لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة في ديسمبر 1992 وإبريل 1997. وهناك تقرير من المحققين الكنديين في لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، الذين زاروا السودان مؤخرًا، يثبت أن النظام العسكري السوداني ينتهك حقوق الإنسان. وقد أعلن مؤخراً الرئيس جنرال عمر البشير أن النظام لن يتوقف أبدًا عن تطبيق القوانين الإسلامية. وأقر بأن طائرات النظام الحربية قصفت المدارس في الجنوب، مما أدى إلى قتل المدرسين والتلاميذ. وتدعم كثير من الحكومات الأوروبية هذا النظام الإسلامي. يجب أن تعارض الحكومات الأوروبية أيضاً الحكومة السودانية ولا تشتري ذهبًا أو نفطًا منها.

3- إننا في حاجة ماسة إلى المساعدة المالية لاتحاد المرأة السودانية، سواء داخل السودان أو لعملنا خارج السودان.

4- إننا نحتاج إلى توقيعات على عريضتنا المقدمة إلى هيئة الأمم المتحدة والبرلمان الأوروبي والحكومات الأوروبية لدعم الشعب السوداني بممارسة الضغط على النظام العسكري الإسلامي لوقف الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان على الفور دون شروط.

5 – إنني أحتاج إلى دعمكم للاقتراح الخاص بشن حملة عالمية لإقناع العائلات بعدم شراء ألعاب حربية لأطفالها، ومناشدة وسائل الإعلام الجماهيرية وقف أفلام العنف.

6 – وأخيرًا أناشدكم أن تدعموا جهودنا الرامية إلى تنظيم حملة لوقف الجمعية العامة للأمم المتحدة عن قبول النظم العسكرية كأعضاء في الأمم المتحدة. وهو ما سوف يساعد على وضع نهاية للانقلابات العسكرية.

يمكن الاتصال بفاطمة أحمد إبراهيم عن طريق هيئة التحرير.

فاطمة أحمد إبراهيم: ناشطة حقوق إنسان من السودان وباحثة في مركز الدراسات الأفريقية في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس بالولايات المتحدة الأمريكية.

شهرت العالم: مترجمة

(*) تم نشر هذا المقال في كتاب:

Common Ground or Mutual Exclusion. Edited by Marrianne Braig and Sonia Wolfe. London, Zed Books, 2002.

Agee, P. (1975) Insid the Company: CIA Diary, London: Allon Lane>

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي