استكشاف العقلية الذكورية

تاريخ النشر:

2016

اعداد بواسطة:

استكشاف العقلية الذكورية

کاملا بهاسين*

سؤال وجواب حول الذكورية والأبوية:

  • ما الذي نعنيه بعبارتي «المذكر» و«الذكورية»؟

  • تعني مذكر masculine، طبقا لقاموس أكسفورد الإنجليزي، امتلاك خصائص أو مظهر ارتبط تقليديًا بالرجال، ويقدم قاموس كولينز المترادفات التالية لمذكر,male, manful, manlike manly, mannish, virile, bold, brave, butch, gallant, hardy, macho, muscular, powerful, Ramboesque, red-blooded, resolute, robust, stout-hearted, strapping, strong, vigorous, well belt، وتعني أنه: ذكر، شجاع، ذو عزم، خليق بالرجال، مسترجل، قوي. جريء، شجاع، ذو نخوة، زير نساء، جسور، قوي، قوي ذو عضل، جبار، مفعم بالحيوية، ذو تصميم، غلیظ، ذو قلب جريء. نشـط، قوي البنيان. يا للهول!!! هذه القائمة من المترادفات تقول لنا كيف ترى مجتمعاتنا الشرقية والغربية الرجل الحقيقي، إذن فالذكورة هي تعريف اجتماعي أسبغته المجتمعات على الأولاد والرجال، والذكورة، مثلها مثل الجندر، تصـور اجتماعي. إن الطبيعة تجعل منا ذكرًا أو أنثى. لكن المجتمع هو الذي يصنع منا رجلا أو امرأة، فالمجتمع يحدد كيف ينبغي أن يتصـرف الأولاد/ الرجال، وكيف يلبسـون وكيف يظهرون، أي اتجاهات وخصائص ينبغي أن يحوزوا وكيف يجب أن يعاملوا، إلخ. إذن فـ «الذكورة»، باعتبارها صـفة، هي تصور اجتماعي – ثقافي. وهذا ما يفسر لماذا يمكن أن تختلف صـفات الذكورة، وكثيرًا ما تختلف بالفعل من مجتمع إلى آخر ومن وقت إلى آخر فالذكورة، مثلها مثل الجندر، ليست ثابتة، إذ يُعاد بناؤها باستمرار، وقد تظل تتغير استجابة التغيرات النمط الاقتصادي، أو الكوارث الطبيعية أو الكوارث من صنع البشر، أو الحرب أو الهجرة وهذا يفسِّـر أيضًا لماذا تظهر أشكال مختلفة من الذكورة؛ فالذكورة بين الطبقة العاملة أو البرجوازية أو وسط المثقفين، تختلف تماما عن ذكورة رعاة البقر، وقد تختلف الذكورة عند اليابانيين عنها عند الأوروبيين أو الهنود، وتختلف الذكورة المهمشة عن الذكورة المهنة وهذا ما ينشر لماذا يكون من الأفضل أن تتحدث عن ذُكورات (أي أنماط من الذكورة) بدلا من واحد

  • ما هي الأبوية؟

  • الأبوية هي نظام اجتماعي وأيديولوجي يعتبر الرجال متفوقين على النسـاء؛ نظام يملك فيه الرجال سيطرة أكبر على الموارد وصـنع القرارات، وتتشكل الأبوية تاريخيًا، وقد يكون شكلها ومحتواها ونطاقها مختلفًا باختلاف السباقات والأزمان.

ومثل كل النظم المجتمعية، فالأبوية لهـا أيديـولوجيا وبـليـة تكفلان وضـع الرجال على رأس العائلات، ووراثة اسـم الأسـرة وممتلكاتها. وعلاوة على ذلك فالمؤسسات المجتمعية كلها يسـودها الرجال.

  • قد تختلف الذكورة عبر الزمان، ومن جماعة إلى أخرى، لكنها مرادف للقوة والسلطة والسيطرة والعدوان في الأماكن كلها تقريبا، ماذا يعني ذلك؟

  • بالرغم من أن هناك عدة أشكال من الذكورة؛ فالذكورة عادة تعني امتلاك خصائص مثل: القوة، والحزم، والإقدام، والاستقلالية، والسلطوية والطموح. وتعتبر كل من السلطة والقيادة والسيطرة على الآخرين علامات مهمة على الذكورة حتى على مستوى العالم. «ويعتبر الرجال عادة عدوانيين وحازمين ومستقلين وميالين للتنافس وغير حسـاسـين، وتقوم هذه الخصائص على الاعتقاد بأن هناك شيئا ما في الرجال يتجاوز وضعهم المتعين، وينظر إلى الرجال بوصفهم يمتلكون طبائع تحدد سلوكهم في كل الأوضاع».

قد تتغير الأفكار حول الذكورة، وقد يلبس الرجال زنا مختلفا، وقد تنهار «أخلاقيات الرجل مكتسب الرزق»، لكن هذا التغير لا يغير سلطة الرجل في ذاتها.

إن «الذكورة» دائما متعيِّنة وخاضعة للتغير، «لكن ما لا يتغير»، حسبما يقول آرثر بريتين، «هو تبرير سلطة الرجل وتطبيعها (أي جعلها كشيء من الطبيعة) أو أيديولوجيا الذكورة».

  • ماذا يعني مصطلحا «الذكورية» و«الذكورية المهيمنة»؟

  • تعني الذكورية، في الأيديولوجيا الأبوية، أن الرجال والذكورة متفوقون على النساء والأنوثة، وتؤمن الذكورية بتفوق الذكور وسيطرتهم وتبرر هذه السيطرة، فهي تجعل من الذكورة صـفة طبيعية، مما يجعلها أمرا لا يمكن تجنبه أو المساومة عليه.

تعني «مهيمن» القيادة التي تسيطر وتمسـك بزمام كل شيء. ومن ثم فالذكورية المهيمنة في ذكورية مفرطة في سلطنها. وهذا الشكل من الذكورية يدور حول القوة وتأكيد السلطة على الآخرين إذن فالذكورية تختلف عن الأنثوية لأنها في موقع القيادة والسيطرة، والذكورية المهيمنة تستدعي الخضوع.

  • ألا تخلق وسائل إعلامنا أفكارا أبوية عن الذكورة؟

  • نعم، فالإعلام، مثله مثل التعليم والتفسيرات الدينية، يعزِّز بدوره فكرة الذكورة والأنوثة. يقول إعلان تلفزيوني هندي عن نوع من الدراجات النارية القوية «هذا ذكر بالتأكيد»، ما يعني ضمنا أن الأنثى ليست قوية، فتعريفك للذكر يعني آليا تعريفا لنقيضه.

يروِّج الإعلام للاتجاهات العدوانية والعنيفة من خلال تصـويره للرجال العدوانيين والأقوياء بوصفهم شجعانا، وتعرض شاشات التلفزيون أكثر حلقات المصارعة عنقا، ويجمع الأولاد الصغار الصور الفوتوغرافية ويحاولون تقليد المصارعين الذين يضربون أو يصيبون رجالاً آخرين؛ فقط من أجل المرح، ويسـير الأولاد على درب أبطالهم فيسحقون من هم أضعف منهم، ويصبح الأولاد والفتيات الأضعف أهدافًا سهلة.

  • هل الذكورية والأنثوية لا تتعلقان بالرجال والنساء، وإنما تتعلقان بالسلطة والحرمان منها؟

  • نعم، الأمر كذلك بالفعل، فالذكورية تتعلق بالسلطة، أي السلطة على الآخرين من يستسلم مؤنثًا، ومن يسود مذكرًا، لكن هذا لا يعني أن المؤنث دائما امرأة، والمذكر دائما رجل.

توجد للرجال والنساء هويات متعددة؛ طائفية وطبقية وعرقية وجنسية وتوجه جنسي وحالة اجتماعية وما إلى ذلك، فرجال الطبقة العاملة والرجال السـود، على سبيل المثال، يملكون قوة اقتصادية وسياسية أقل من نساء الطبقة العليا البيض الثريات، كما أن الذكورة تتحدد أيضا بعمر وطائفة وعرق وطبقة الفرد. لكن يمتلك كل الرجال بعض الامتيازات في نظام الجندر بسـبب كونهم رجالاً، ولأن الأيديولوجيا الأبوية تعتبر الرجال متفوقين على النسـاء في نوصي بالتراتب، وليس بالمساواة بين الرجال والنساء.

إن الأبوية تفعل بالرجال والنساء ما يفعله العرق بالبيض وغير البيض، وكذلك تفعل الطائفة والطبقة. إن المشكلة الحقيقية تكمن في هذه النظم الاجتماعية التراتبية وليس في البيولوجيا أو لون الجلد أو الجنس، وينبغي على من اعتبروا متفوقين أن يتعلموا السيطرة ليحافظوا على سلطتهم ليؤبدوا هذه النظم الاجتماعية لذلك لا تحدد الذكورية العلاقات وسـط الرجال والنساء وبيتهم الحسب، بل تقوم أيضا بتحديد العلاقات وسـط الرجال وبينهم، ووسط النساء وبينهم في بعض الأوضاع، وقد أصبح مقبولا اليوم القول إن النساء يبدين في المواقع القيادية، في الفضاءات العامة الذكورية. العدوانية والقوة والسيطرة نفسها التي يبديها الرجال، فالنساء اللاتي وصفن إلى السلطة لم يترددن في توسـل الحلول العسكرية لوقف الإجراءات أو الحقوق الديمقراطية أو استخدام التكتيكات الوضعية غير الأخلاقية لبلوغ أهدافين، إذن فالذكورية ليست أمرا بيولوجيًا!!.

هذا لا يعني سوى أن علينا أن نفهم الذكورة والأنوثة في الرجال والنساء على السواء، والاعتراف بأنهما ليستا خاصيتين بيولوجيتين، وإنما بنتا وعي يمكن أن نجده عند الرجال والنساء على ذلك فإن فَهم الذكورية وتحديها يعني في الأساس فہم السلطة وتحدي كل العلاقات والنظم التراتبية.

  • هل يعني هذا بشكل ما أن الرجال والنسـاء ينبغي أن يكونوا متماثلين؟ وألا تكون هناك فروق بينهما؟

  • لا أنا لا أقول إنه يجب إلغاء الاختلافات بين الرجال والنساء، بل العكس تماما، أقول إن علينا الاعتراف بأن الرجال ليسوا كبعضهم البعض والنساء لسْنَ بدورهن متشابهات، وأنا أعتقد أن الخلافات والاستقطابات الصارمة بين الرجال والنساء قد ألحقت الضرر بكليهما وآذت العلاقة بينهما، وتطرح أليسون م. جاز هذا الأمر بوضوح:

يُعرف الرجال في المجتمع المعاصر بوصفهم فاعلين والنساء بوصفهن خاملات: الرجال مفکرین والنساء يتصرفن على أساس الحدس؛ والرجال فصيحين قادرين على التعبير والنساء عاطفيات الرجال أقوياء والنساء ضعيفات؛ الرجال مسيطرين والنساء خانعاتإلى آخر الغثيان، وبمقدار ما يمتثل الرجال والنساء لهذه التعريفات، بمقدار ما يغتربون عن بعضهم البعض، لأن لهم مصالح متعارضة، فمصلحة الرجال في الحفاظ على سيطرتهم، ومصلحة النساء في مقاومة هذه السيطرة وبقدر ما يمتثل النساء والرجال لتعريف إنسانيتهم على أساس النوع، بقدر ما يغتربون عن أنفسهم. إن مفاهيم الذكورة والأنوثة تجبر الرجال والنساء على الشواء على الإفراط في تنمية بعض مقدراتهم على حساب الآخرين على سبيل المثال يصبح الرجال ذوي نزعة مفرطة نحو التنافس والتباعد عن بعضهم البعض، وتغدو النساء غيريات يكرسـن حياتهن لتربية الأطفال، وسـواءٌ اقتنعنا بما تقول به المدرسة التسوية الليبرالية من أنه قد أتيحت للرجال الفرصة أكثر من النساء لأن يطوروا قدراتهم الإنسانية، أم أخذنا بما تذهب إليه المدرسة النسوية الراديكالية من أن النساء أكثر إنسانية من الرجال، تظل الحقيقة أن كلا الجنسين قد حِيلَ بينهما وبين النمو الكامل والحر لقدراتهما المنتجة فالجنسان هما احتمال إنساني مشوه ومنشطر، وكلاهما مغترب عن إنسانيته.

اعتراضنا الثاني على هذا التصنيف للناس بوصفهما ذكرا وأنثى هو اعتراض على التراتبية التي تصحبهما، فالمجتمع الأبوي لا يقول إن النسـاء والرجال مختلفان فحسب، بل يقيمهما بشكل مختلف، فهو يخلق التراتبيات والتفاوتات التي لا تؤذي النساء والفتيات وحدهن، وإنما العائلات والمجتمع بكامله. ما أعترض عليه هو الانتقاص من قيمة نصف المجتمع البشري.

يمكن أن تكون لدينا اختلافات في أدوار النوع دون أن تكون لدينا سيطرة ذكورية؛ فالمشكلة ليست في الاختلاف وإنما في اللامساواة والتوزيع غير العادل لمصادر القوة.

  • الرجال العدوانيون لا يسيطرون على النساء فحسب، بل يقهرون الرجال الآخرين أيضا. ألا يعني هذا أن الرجال بدورهم يعانون بسبب الذكورية المهيمنة؟

  • صحيح. فالأولاد المهذبون لا يلقون السخرية فحسب، بل قد يستغلون جنسيا أيضا، وقد يُعتدي عليم بواسطة رجال فظين، في ذالك قدر لا يصدق من الملونة والبلطجية على الشباب المسالم بواسطة الذكور القساة في الداخليات والمدارس وأماكن العمل والمؤسسات الذكورية الأخرى.

يتمتع الأولاد والرجال بـالكثير من الامتيازات والقوة في ظل الأبوية، فهم يسيطرون على المؤسسات المجتمعية ومعظم الموارد المادية كلها، وطبقا لإحصائيات منظمة العمل الدولية، يتحكم الرجال عموما في ٩٩% من جميع الممتلكات، ويحصلون على 90% من الدخل الموزع في حين يقومون 33% فقط من إجمالي العمل في العالم، ويحتل الرجال ما يفوق 90% من مقاعد البرلمانات في العالم، وما يزيد عن 80% من المواقع الإدارية، لكنهم أيضـا يرتكبون حوالي 90% من الجرائم العنيفة، وحوالي 100% من حالات الاغتصاب.

لكن سيطرة الرجال لا تتحقق بدون ضغوط أو مشكلات، فالجندرة والقولية تعتقل وتقيد. ليس خيارات الفتيات والنسـاء وحدهن، بل خيارات الأولاد والرجال أيضـا، ولئن يكون المرء معيلاً وحاميًا للأسرة، فهاتان خاصيتان من خواص الذكورية التي تخلق ضغوطا هائلة على الشخص، ومن يمسكون بالسلطة هم دائما خائفون من فقدها، وهم يعانون الضغط المستمر من أجل الدفاع عن هذه السلطة وتفادي الضعف.

تدور أدوار الرجال حول الأداء والإنجاز؛ فالناس ينظرون إليهم. وهم ينظرون إلى أنفسهم، من زاوية الوظائف والمواقع والأنشطة، ونتيجة لهذه التوقعات فهم يقمعون أحاسيسهم ويحاولون أن يكونوا خشنين، متفادين التعبير عن مشاعرهم والتحدث عن بواعث قلقهم الشخصي وشكوكهم لأصدقائهم. هنالك نوع من الإخصـاء العاطفي يقع على الأولاد والرجال؛ فهم يجبرون على ارتداء أقنعة القوة والخشونة وأن يصبحوا غرباء عن أنفسهم، ولأن الرجال ولدوا بالسلطة والمكانة فهم يتعلمون الدفاع عنهما. فمن يملكون السلطة ويؤدون الحفاظ عليها لا يسمحون لأنفسهم بالضعف.

  • هل هنالك رابط بين النظام الاقتصادي الحالي والذكورة والذكورية؟

  • نعم هنالك رابط وثيق بين هذه الظواهر من وجهة نظرنا، فالنموذج الاقتصادي الحالي يشجع ويعزز المنافسة والطموح والإنجاز، إذن فالذكورية تسلم نفسها بسهولة لروحية الرأسمالية.

كان دور النساء في الإنتاج قبل الثورة الصناعية، عندما كان هذا الإنتاج يتم داخل العائلة. مركزيًا، وكانت معارفهن وعملهن ومهاراتهن الإداريـة ضـرورية مثلها مثل معارف الرجال وعملهم ومهاراتهم، وقد فصلت الثورةُ الصناعية العائلة عن العالم الاقتصادي الخارجي، وهَمش هذا الفصل النسـاء «وقد كانت رؤية العالم (التي انبثقت عن هذا التحول) ذكورية بامتياز، وهي رؤية العالم، تنطلق من السوق؛ من عالم الاقتصاد أو «الحياة» العامة. وهي بطبيعتها رؤية خارجية بالنسبة للنساء، قادرة على رؤيتهن آخرًا أو غريبًا».

لا تمثل المرأة، في العالم الرأسمالي المتمحور حول السوق، الآخر والمهمش فحسب، بل هي أيضًا الدوني:

يبدو أن المرأة قد تكون، من منظور ذكوري، متخلفة عن الرجل، ليس لأن هناك دليلا كافيا على ذكائها الأدنى، وإنما بسبب طبيعتها المحبة والمعطاءة. التي يُنظر إليها باعتبارها دليلا على ذكائها الأقل. لقد كان النبيل المتوحش عند روسو مثل المرأة المثالية عنده، متعاطفًا ومعتنيًا بالآخرين وقد وجد داروين «أن المرأة تختلف عن الرجل في ميولها العقلية وبخاصة عنايتها الأكبر بالآخرين وأنانيتها الأقل…. ومن المعترف به عمومًا أن قوى الحدس والإدراك الحسي السريع والتقليد أقوى عند المرأة منها عند الرجل، وبعض هذه الخصائص هي من سمات الأعراق الأدنى، وبالتالي من سمات الحضارات السابقة أو الأدنى.

إن الذكورية تعيش، على الأرجح، لحظة صعود في ظل النظم السياسية والاقتصادية اليمينية الراهنة. ولكي يتسنى للرجال البقاء في هذا النظام يتم تشجيعهم على تنمية «غريزة القتل»، وأن يصبحوا «محاربين اقتصاديين». ولكي يتم إعداد الأطفال للعيش في هذه النظم الاقتصادية تُعلمهم المدارس المنافسة منذ البداية، فيجري تشجيع التنافس منذ البداية في كل المجالات من رياضـة وثقافة ونشـاط أكاديمي، بدلا عن المشاركة والتعاون، وقد اجتاح فيروس «سحق الآخرين لصالح تقدم فرد واحد» One-upmanship المدارس «الجيدة» كافةً، فأصبحت الفردية هي المانترا في كل مكان، حتى داخل العائلات وتقود الفردية والمنافسة إلى العدوانية والتركيز على الذات وحماية المرء لنفسـه وافتراس الآخرين. ومن يقف أولا ويبزّ الآخرين بريقًا وذكاءً هو البطل، أكثر من ذلك الذي يشارك الآخرين ويعاونهم ويساعد على بناء روح الجماعة. فعالم الاقتصاد اليوم يكافئ القوي والمنتصر.

في عصر العولمة، تتعولم الذكورة بدورها، فثقافة الشركات متعددة الجنسيات يسيطر عليا الرجال، وهي ثقافة مفرطة في ذكوريتها، يقول ر. دبليو كونيل: «إن الشكل المهيمن من الذكورية في النظام العالمي الجديد هو الممارسة الجندية لمديري الأعمال الذين يعملون في الأسواق العالمية. والسياسيين، والقادة العسكريين الذين يتفاعلون معهم (وفي العديد من الحالات يندمجون فهم). وسـأسـمي هذه الذكورية «ذكورية البيزنس العابرة للقوميات». ويبدو أن هذه الذكورية العابرة للقوميات تتميز بتصاعد النزعة الفردية والولاءات المشروطة (حتى في حالة الولاء للشركة)، وهي ذكورية تتميز بعقلانية تقنية محدودة (الإدارة) تنأى باضطراد عن العلم، ونشاطية جنسية تتحرر باضطراد، مع ميل متزايد لتسليع العلاقات بالنسـاء (تنعكس في الأعمال الخلاعية التي تقدم في فنادق رجال الأعمال وفي السياحة الجنسية). إن السياسات الدولية والأعمال متعددة الجنسيات يسيطر عليها الرجال بالكامل تقريبا، وهي مشربة بالذكورية من الناحية الثقافية».

إن ما يبرز في صدارة النموذج الاقتصادي الحالي ليس الرجال البيولوجيين، وإنما الذكورة والذكورية المهيمنة، وهؤلاء الرجال الصـاعدون مثيرين للإعجاب وبإمكانهم الإمساك بالسلطة واستخدامها لإحراز الترقي وترويج منتجاتهم وأيديولوجيتهم. وفي هذه الديانة الاقتصادية؛ الربح هو الإله وحرية «القتال» في الأسواق الحرة «عبادة». والأكاذيب والحسابات الملفقة والرشوة والفساد مشروعة إذا جلبت العقود والأسواق والمستثمرين والوظائف، وجرائم الشركات أمر شائع، وما فضائح إنرون وورلدكم وزيرکس سوى رأس جبل الجليد العائم.

إن الحروب الاقتصادية تتحول إلى حروب سياسية، حيث يكون نهب الآخرين وسليم بغرض السيطرة عليهم اقتصاديًا مبرزًا لكافة الأعمال حتى وصولا إلى الحمل عليهم عسكريًا.

  • هل هذا النظام الاقتصادي والسياسي بهتش النساء والخصائص النسوية الإيجابية؟

نعم، يبدو أن هذا ما يحدث، فالكل يجري تشجيعه ليكون طَموحًا ومنافسًا، والمنافسة تتطلب أن يكون الفرد ذاتيًا وعدوانيًا، بل وطاغيًا. وبهذا المعنى فالنموذج التنموي الحالي يدفع العالم بعيدًا عن تلك الخصائص الضرورية للعيش الجماعي والسلام؛ أي خصائص الرعاية والاعتماد المتبادل. لقد خلق الجمع والمنافسة الكثير من الفقر المدقع والبؤس؛ الكثير من العدوان على البيئة، والحروب النزاعات الفظيعة وتدمير حياة الجماعة.

  • ألا يتطلب كل هذا أن ننظر إلى النجاح والقوة بمعنى مختلف؟

  • نعم، ينبغي أن يتغير الكثير من أفكارنا الحالية عن النجاح والقوة. فتعاظم السلطة وكثرة المال وكبر حجم المنظمات هي مؤشرات النجاح اليوم، ولبلوغ مثل هذا النجاح عليك أن تعمل من ١٢ إلى 16 ساعة في اليوم ولسبعة أيام في الأسبوع، وفي ظل هذا السيناريو لا يبلغ النجاح إلا أولئك الذين لا يتحملون أو يشاركون في مسـؤولية تربية الأطفال ورعاية العائلة. ولكي تتواءم النسـاء مع هذا العالم وينجحن فيه، عليهن إما الخروج منه أو إهمال مســؤولياتهن العائلية، والرجال الذين يودون النجاح لا يمكنهم تحمل شيء من مسؤولياتهم باعتبارهم آباء سـوى كسب المال للأسرة، وهم مضطرون أن يكونوا غرباء كلية عن أسرهم؛ لأن هذا النظام لا يتيح لهم وقتا لحياتهم الشخصية. ولكي تنجح النساء في هذا النظام عليهن التواؤم مع عالم الذكور، لذلك ليس غريبا أن تنتهي النساء القياديات في الشركات إلى النظر إلى الأشياء والتفكير والتصرف مثل نسخ من الرجال. إن الجميع، رجالاً ونساء، مجبرون على التواؤم مع قالب الشركة.

  • ماذا بإمكان الرجال فعله لتحدي عدم المساواة بين النوعين والخصائص السلبية الراهنة للذكورية؟

  • التغييرات مطلوبة، على المستوى الشخصي والفردي، وعلى المستوى الاجتماعي والسياسية، فالأبوية تستمر، بوصفها نظاما، لأن هناك رجالا ونساء يساندونها، تمامًا مثلما تستمر العنصرية لأنها تجد تأييد العنصريين. لقد ظل الرجال حتى هذه اللحظة جزءًا من المشكلة، وهم مدعوون الآن لأن يكونوا جزءًا من الحل.

    وعلى الرجال، وبخاصة مَن هم في مواقع السلطة، أن يظهروا التزامهم الشخصي بالمساواة بين النوعين، والتزامهم بوقف العنف عموما والعنف عبد المرأة على وجه الخصوص، وكما تقول تيموثي بينيك إن الرجال هم من يرتكبون الاغتصاب، وهم من يملكون مجتمعين القدرة على وضع حد له ويجب أن تستخدم تلك القوة الهائلة للرجال، فكرنا واقتصاديا وسياسيا، لإنهاء العنف ضد النساء ولتغيير النظم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تخلق العنف وتؤيده.

على الرجال مواجهة أنفسهم ومحاولة هم كيف يستفيدون من الأبوية، شأنهم شأن الكثير من النسـاء، وكيف يستمدون الامتيازات والسلطة بسبب استمرار النظام وتأبيد اللامساواة بين النوعين، وعلى الرجال أن يدركوا أن اللامساواة بين النوعين لا تفيد، في التحليل النهائي، أيا كان: فهي تقود إلى انعدام الثقة والأمان وإلى الازدواجية. وسيحتاج الرجال أن يدركوا أن اللامساواة بين النوعين لا تفيد، في التحليل النهائي، أيا كان: فهي تقود إلى انعدام الثقة والأمان وإلى الازدواجية. وسيحتاج الرجال أن يبدأوا عملية التغيير في علاقاتهم الشخصية وحياتهم العائلية ونشاطاتهم الجنسية. وهذه فرصة تاريخية لهم للانضمام إلى حركة تغيير مسار التاريخ الأبوي، تقول تيموثي بينيك: «قد تسير عجلة التاريخ بسرعة، لكن علينا أن نرى ذلك يحدث بأسرع ما يكون». لقد أسست النساء، عبر العقود الأخيرة، مجموعات لتنمية الوعي عبر العالم، من أجل فهم ظروفهن الاجتماعية والقهر الواقع عليهن وتحديهما، لكن الأبوية والنموذج الاقتصادي الراهن يؤذيان الرجال أيضـا فالسلطة التي قد يحوزها بعض الرجال على المدى القصير. تلحق بهم الأذى على المدى الطويل. وتؤذي علاقاتهم وحيواتهم. ومن المهم أن يحاول الرجال فهم قهرهم وسجنهم الخاص وتحديهما.

  • هل هناك أية مجموعات من الرجال تناقش الهيمنة الذكورية وتتحداها؟

  • ثمة أخبار طيبة هي أن بعض الرجال والمجموعات الرجالية بدأت في السنوات العشـر أو الخمس عشرة الأخيرة تعيد النظر في الذكورية وفي تشكلها، وقد ظهر هذا الاهتمام والانخراط على المستويين الحركي والأكاديمي. ومثلما ظهر حقل للدراسـات النسوية، هناك اليوم حقل متعدد الاختصـاصـات للدراسـات الرجالية يحاول فهم الجندر، خاصـة الذكورية والأنثوية من منظور الرجال، وحقل الدراسات الرجالية متقدم في الولايات المتحدة، وحقل الدراسات الرجالية متقدم في الولايات المتحدة، لكنه ينمو في الهند أيضا. والرجال الذين يساندون النضالات النسوية من أجل المساواة يسمون أحيانا بمناصـري الـنسـوية. وهم أيضا ينتقدون معايير السلوك الاجتماعي والبني الأبوية بهدف دفع جهود النساء الرامية إلى تحقيق المساواة الاقتصادية والسياسية.

يؤمن الرجال المناصرون للنشـوثة بأن النساء يعانين من اللامساواة والتمييز والعنف، حالهم حال النسـويات، في حين يحصـل الرجال على الامتيازات والسلطة ثمارًا للأبوية. وهم يؤمنون أن النموذج السـائد من الأبوية هو نموذج قمعي، ليس فقط للنسـاء بل للرجال أيضـاء لأنه يضـيق خياراتهم. ويعتقد الرجال المناصـرون للنسوية أنه على الرجال تحمل مسؤوليتهم عن سلوكهم واتجاهاتهم التي تعامل الناس حسمه جنسهم sexist.

يرغب هؤلاء الرجال في رؤية عالم تقوم فيه علاقات بين الرجال والنساء يسودها السلام والمساواة والثقة والبهجة، علاقات لا يحصر فيها الرجال أو النساء أنفسهم في أساليب حياة متجهمة أو غير صحية أو مدمرة المروح، شأنهم في شأن النسويات.

مثلما نحاول في الحركات النسوية أن تخلق نوعًا جديدًا من النساء (ينعمن بثمار التمكين وناشطات، وفاعلات لا ضحايا، ومساندات لغيرهن من النسوة، ومتعاونات)، تحتاج إلى نماذج جديدة من الرجال ومن الذكورة تسمح بأنماط السلوك والمشاعر المحرمة عليهم الآن: نماذج لا تقوم على مفاضلات القوة والسيطرة على النساء والرجال الآخرين.

   

* من كتاب، کاملا بهاسين. استكشاف العقلية الذكورية، ترجمة: معدي النعيم، الخرطوم: مركز سالفة المصادر ودراسات المرأة.

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي