الآلية الدولية والطريق ثلاثي الأبعاد

اعداد بواسطة:

الآلية الدولية

والطريق ثلاثي الأبعاد

كريمة كمال

يجب، ألا ننسي التاريخ.. فقراءة التاريخ تشرح وتدلل وتثبت الكثير.. لذا فإذا ما عدنا بذاكرتنا إلى الوراء قليلاً فسوف نتذكر ما جري في مؤتمر حقوق الطفل الذي عقد بالإسكندرية منذ عدة سنوات.. كنا وقتها كمهمومين بقضايا المرأة نسعي إلي حصول المرأة على الحق في الجنسية المصرية لأبنائها إذا ما كانت متزوجة من أجنبي.

في ذلك المؤتمر تردد في الأروقة وبعيدًا عن الميكروفونات أن إحدي المهتمات بتصعيد هذه القضية سعياً إلى حلها قد أسرت الي السيدة الأولي بضرورة السعي لتحقيق هذا الحق الذي هو حق وليس مجرد حلم، وجاء الرد قاطعًا حاسمًا بأنالرئيس يرفض مجرد الحديث في هذه المسألة رفضًا قاطعًا لأنها مسألة أمن قومي” !! ومرت السنوات التي شهدت عشرات الندوات والمؤتمرات والموائد المستديرة وعشرات المقالات والكتابات والتقارير التي تطالب بالحق حتي هللنا بصدور قانون يعطي المرأة المصرية المتزوجة من أجنبي الحق في منح الجنسية المصرية لأبنائها.. فما الذي جري؟ هل خضعت القيادة السياسية لكل هذه الضغوط؟ هل تغير مفهوم الأمن القومي ؟! أم أن هذه الضغوط التي لفتت الأنظار في الداخل والخارج قد صعدت القضية في الخارج فباتت تذكر في تقارير أوضاع المرأة التي تطرح علي الأمم المتحدة، وباتت تتضمن في التقارير التي ترصد الحقوق المنقوصة للنساء في بعض الدول.. هذا هو ما اضطر القيادة السياسية والدولة المصرية للرضوخ.. للضغوط الخارجية.. حقيقة أن هذا الأمر كان يؤخذ علي مصر في كل المحافل الدولية والتقارير الدولية.. كان نقطة تسجل ضد مصر في حق يعد من أهم الحقوق التي تكفلها الدساتير في العالم كله لمواطنيها. وإذا ما تذكرنا أيضًا فسوف نتذكر ما جري في قضية حق المرأة في تولي مناصب القضاء وهي قضية ظلت مثارة علي مدي سنوات طويلة منذ أن صعدتهاعائشة راتبوحتي صدور قرار تعيينتهاني الجباليعضوًا في المحكمة الدستورية العليا وهو ما لفت الأنظار في الداخل والخارج حيث ان أول قاضية تم تعيينها عينت في أعلي سلطة قضائية المحكمة الدستورية العليا وليس محكمة عادية، مما أثبت أن الأمور تهبط من أعلي ولا تصعد من أسفل.. وأن القرار قد تم اتخاذه لوضع حل الحقيقة أن المرأة قاضية في معظم الدول العربية بينما مازالت هذه القضية موضع نقاش, وهي القضية التي أثيرت أيضًا في العديد من المؤتمرات والتقارير حتي تم حلهاهذا التاريخ إن أثبت شيئًا فهو يثبت أن الطريق الذي تخوضه أي قضية من قضايا حقوق المرأة في مصر ليس طريقًا ثنائيًا بالمرة، أي لا يتم ما بين القوي الفاعلة في المجتمع والناشطين في حقوق المرأة من ناحية والسلطة السياسية والدولة المصرية والقائمين علي التشريع من ناحية أخري.. وإنما يتم التفاعل بشكل ثلاثي وليس ثنائيًا حيث يتم التحرك علي مستوي المهتمين والناشطين وتصعد القضية والقضايا إلى المؤتمرات الدولية والتقارير الخارجية مما يشكل حرجًا وضغطًا علي الدولة والسلطة في مصر فتسعي لإحداث التغيير!!

من هنا فإنه علينا مراقبة كل القضايا التي لا يتم تصعيدها بشكل كاف للخارج لنري حجم الاهتمام بها في الداخل والتفاعل معها وطرحها والتحرك في النهاية بشأنها لندرك أنها لا تحظي بأي اهتمام أو تفاعل أو تحرك في اتجاه حلها وعلي العكس القضايا التي تثار علي المستوي الدولي, والتي من هذا المنطلق وحده تحصل علي كل الاهتمام وكل التفاعل وكل التحرك وكأنما هيفضيحةمطلوبلمها“!.

هذا التاريخ وغيره كثير من الوقائع إن كان يثبت شيئًا فهو يثبت أن الآلية الدولية لها قوة ضغط شديدة الفاعلية على الدولة والسلطة السياسية في مصر لأنها تشكل مصدرًا للحرج الوحيد الذي تشعر به الدولة والسلطة وهو ما يدفعها لابطال مصر هذا الحرج بحل المشكلة أو إقرار الحق المنقوص.. وإذا أردنا ان ندرك مدي قوة هذا الضغط الخارجي وتأثيره علي السلطة مصدر علينا أن نرصد الحالات في التي يزداد فيها هذا الضغط ليشكل عبئًا علي السلطة كثيراً ما يدفعها إلي الغضب ويمكننا أن نلاحظ ذلك بوضوح في الضغط الذي يمارس من الخارج علي السلطة والدولة المصرية فيما يخص قضايا الأقباط وهو ما دفع الدولة لمحاولة درئه بأن صكت السلطة السياسية اصطلاح الاستقواء بالخارج واخترعتتهملكل من يضغط عليها من الخارج أو باستخدام الخارج مستخدمة مثل هذا المصطلح ونستطيع ان نلحظ أن السلطة السياسية في مصر تلجأ إلي استخدامه عندما تواجه أي مأزق وتشعر بعبء الضغط الخارجي عليها، سواء في المطالب التي تطرح في مظاهرات أو التي تتضمن في التقارير الدولية أو في رصد حالة حقوق الإنسان في مصر في مثل هذه التقارير مسجلة تدني هذه الحقوق. مثلما جرى ازاء تقرير البرلمان الأوروبي الذي أقام الدنيا ولم يقعدها في مصر.. والمشكلة هنا هي أن كثيرين حتى من دعاة حقوق الإنسان والناشطين في العمل الأهلي يخضعون أحيانًا لتأثير هذهالتهمةويهزهم مصطلحالاستقواء بالخارجفيحاولون دفعه عنهم وكأنه تآمر علي الوطن وليس طريقًا لحل مشاكل هذا الوطن واستعادة الحقوق المنقوصة والمهدرة منه، هذا بالرغم من أنه منطق مغلوط فقضية ومنطق الداخل والخارج بات مختلفًا تمامًا في الآونة الأخيرة بعد أن صارت الآليات الدولية طريقًا لحل المشاكل القومية أو المحلية.. وهكذا قد نجد أحيانًا من يعيبون علي من يلجأ لهذه الآليات الدولية للضغط على الدولة المصرية رغم أن الثابت هو أن هذه الضغوط على الدولة المصرية قد أثبتت أنها وحدها الفعالة في تحريك السلطة السياسية المصرية وفي دفعها لحل القضايا ومنح الحقوق المهدرة والمتأخرة، وبالذات في قضايا المرأة حيث إن السلطة السياسية والدولة المصرية تخضع في هذه القضايا وهذه الحقوق بالذات لابتزاز تيار الإسلام السياسي في الشارع المصري، وكثيرًا ما تحاول المزايدة عليه، لذا فإن الخضوع للعبة السلطة السياسية واعتبار الآليات الدولية تدخلاً فيما يخص الوطن وطعنًا في استقلاليته والتعامل معها كنوع من خيانة الوطن لهو خضوع لمنطق مغلوط تسختدمه السلطة السياسية والدولة المصرية لحماية نفسها، ولا يصح أن يسقط فيه النشطاء الحقوقيون وأصحاب الرأي لأن الآليات الدولية صارت لها شرعية الآليات الداخلية واللجوء إليها يعني بأي حال من الأحوال خيانة للوطن بل هو إنقاذ للوطن من السقوط في الجمود وإهدار الحقوق.. إن الآلية الدولية من مؤتمرات وتقارير هي الآلية الوحيدة القادرة علي كشف الحقائق التي كثيرًا ما تسعي السلطات السياسية في الدولة التي تعاني من غياب الديمقراطية إلي التعتيم عليها وإخفائها!.

شارك:

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي