التكنولوجيا والإنتاج والقوة

تاريخ النشر:

2009

ترجمة:

التكنولوجيا والإنتاج والقوة (*)

سینثیا کوکبورن

ترجمة: دعاء عبده**

لكي نفهم علاقة الجنسين المختلفة بالتكنولوجيا اليوم علينا أن ندرك صلة التكنولوجيا بالطاقة وعلاقتها بظهور نظم القوى في الماضى فلم تشر شواهد علم الآثار إلى أي بعد فطرى بين المرأة والتكنولوجيا.. برغم الصورة النمطية لرجل الكهف في العصر الحجري ساحبا امرأته من شعرها بجواره وممسكًا بيده الأخرى عصا التكنولوجيا“. واليوم عندما نعرض ظهور المجتمعات الإنسانية يتحول تركيزنا من الرجل الصياد إلى المرأة القاطفة، ومن المؤكد أن النساء كن أول زارعات للبساتين وانبتن نباتات معينة داخل وحول قراهن بغرض الاستفادة منها.وربما يكن قد ابتكرن واستخدمن المعزقة والمجرفة والرفش والمحراث. وإذا كان صيد الحيواناتالكبيرة أو الصغيرةفي مقابل الرعي والبستنة والزراعة قد أحدث تقسيمًا بسيطًا في العمالة. فإننا لسنا بحاجة لنفترض أن ذلك أعطى لجنس دون الأخر ميزة احتكار المهارات التكنولوجية.

وعندما تطورت المجتمعات الإنسانية في أجزاء مختلفة من العالم خلال أوقات متعددة، مارةً بمراحل شديدة التشابه صنفها علماء الآثار وفقًا للمواد الخام السائدة، كالعصر الحجري والعصر البرونزي وعصر الحديد، فالارتباط بالتكنولوجيا خلق مراحل متتالية للمنظومة الاجتماعية. ويبدو أن المرأة كانت محورًا لمنظومة الحياة الاجتماعية حتى أواخر العصر الحجري الحديث. ولكن في أثناء انتقال العصر الحجري الحديث إلى العصر البرونزي من الممكن أن نلاحظ التحول نحو هيمنة الذكر في كثير من الحضارات التي خلفت آثارًا. ففي المجتمع السلمي والقائم على المساواة النسبية الذي كانت فية المرأة مركزا للحكم، أفسحت العشائر المجال أمام مجتمع مركزي متنامٍ هرمى الطبقات مبنى على الزراعة والحرب والعبودية. فأخضع الرجال النساء واستبعدوهن من مهن وحرف متعددة وأقصوهن عن مناصبهن بالسلطة الدينية والسياسية. وظهور المجتمع الطبقى مرتبط بالتحول إلى خط النسب الأبوى تحديد النسب عن طريق دم الأبوانتساب المرأة بالزواج إلى نطاق عائلة زوجها، ومرتبط أيضًا بزيادة تقسيم العمالة وظهور مهن وحرف خاصة.

والمهن الجديدة المرتبطة بعلم المعادن تحديدا كانت بالغة الأهمية، وبالتالى أهمية المعادن ومهارات مصهر المعادن وسباك المعادن والحداد بالنسبة للجيش وللاستغلال الزراعي للحكام والطبقات الحاكمة. ويبدو أنه في المجتمعات الذكورية تعتبر تلك المهن كالرجل. فالمهارات التكنولوجية هي مصدر القوة، وحيث يملك الرجل كل وسائل القوى بدءًا من الدولة حتى الزواج، فكان مثيرًا للدهشة أن تجد امرأة تمتلك القوى الميكانيكية، إن «أعظم خمس أدوات وهي: العتلة والوتد والمفك والعجلات والمستوى المائل» تلك التي بإمكانها تحريك الجبال وبناء الأهرامات، كانت أسلحة الرجل التقنية.

لم يحدث ذلك في مهد الحضارة؛ ولكن في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر حينما تفجرت التكنولوجيا في أقاصي غرب أوروبا، فإنه لمثير للاهتمام تتبع التقسيم التكنولوجي للعمل بحسب النوع كما حدث هناك، حيث انتشر بسرعة استخدام الحديد في القرنين الثامن عشر والتاسع عشرًا. ومن الجلى أن دور النساء في العمل برغم أهميتهالتي استمرت منذ ذلك الحينكان مقتصرًا على نشاطات معينة مرتبطة بالاستهلاك المنزلى كإعداد الطعام ورعاية الأطفال، والنساء كن مسئولات عن الغزل والصباغة والحياكة والاعتناء بالحديقة وتربية المواشي وزراعة الأرض. أما الرجل فهو صائغ الذهب وصانع السلاح والحداد، فهو يصنع المحراث وحديدة المحراث وشص الصنارة والمثقاب والإبرة وهو النجار المسئول ليس فقط عن الأدوات والأوعية بل عن المنازل والسفن أيضا.

في أواخر القرون الوسطى نجد أن النساء الريفيات قد استخدمن في أعمال منتجات الألبان والبستنة وإعداد الطعام والحرف النسيجية كتسريح الصوف والغزل والحياكة، بينما عمل الذكور بالأرض وتربية المواشي وإصلاح التحويطة والمصارف والمعدات. ومن بين تلك المعدات أصبح هناك المزيد والمزيد مصنوعًا من الحديد. أضحى الحديد وبسرعة أساس التكنولوجيا المهيمنة. وهناك إجماع من مؤرخي الزراعة أن فلاحي القرون الوسطى استخدموا كمية من الحديد كانت لتبدو غير معقولة لأى من سكان الريف السابقين. وكان دكان الحداد ضرورة لكل قرية وكانت هناك مهن قليلة أكثر ارتباطاً بالذكورة من مهنة الحداد.

إن المدن التي تزايدت أهميتها في القرنين الثالث عشر والرابع عشر كانت مركزًا لحرف متخصصة تحت سلطة الدولة الإقطاعية. ووضعت نقابات الحرفيين والتجار القواعد التي من خلالها يمكن للمبتدئين أن يصبحوا معينين ومتدربين، ويستمر العمل. وشملت النقابات التقنيات المهارية المنتجة لسلع بغرض الاستهلاك كالطباعة على سبيل المثال ولكنها شملت أيضًا المهن التي تنتج الآلات والمعدات كالنجارة والصناعة ومختلف أنواع الحدادة. كانت النقابات عبارة عن ذكور في شخصيتها، بينما عملت النساء على نطاق واسع بالحياة الاقتصادية للمدن، ولكن غالبًا في نطاقات محددة بالنوع. تلك التخصصات التي جعلتها التقاليد الاجتماعية نسائية، فكن خادمات للبيوت وغسالات وخبازات وصانعات جعة وصاحبات نزل؛ تلك الأدوار في نطاق التجارة المتعلقة بالحياة المنزلية كالطعام والغزل والبضائع والخدمات المقدمة للاستهلاك المنزلي.

لكن تقسيم العمل بحسب النوع لم يكن مطلقًا في تلك الفترة. فلقد أدرجت النساء إلى جانب الرجال في قوائم العمل كمشتغلات بأنواع محددة من الإنتاج كصناعة الأحذية على سبيل المثالوفى مجالات معينة من التجارة كتاجرات للأجواخ والشموع وأيضًا الحديد“. وهو القالب الذي نراه اليوم، وبه تصنفت النساء بمهن قليلة وانتشر الرجل بالكثير. وهذا واضح في العصور الوسطى، فعلى سبيل المثال ذكرت استطلاعات الإقرار الضريبي لأكسفورد عام 1380 ست حرف تعمل بها النساء إلى جانب الرجال. وذكرت ما لا يقل عن 81 حرفة إقتصرت على الرجال. استخلصت أليس كلارك من دراستها (1982) لمهن القرون الوسطى أن النساء اشتغلن ببعض المهن المهارية وشبه المهارية ولكن لا يوجد أي أثر باقٍ لأى منظمة تتضمنهن.لم تكن النساء حقيقةً يشكلن تهديدًا لحقوق الذكر المهنية. إلا أن تشريع الملك إدوارد الثالث أعفى النساء بوضوح من البيان القائل بأنه لا يجب على الرجل ممارسة أكثر من مهنة واحدة. لكن المفهوم من نية الملك ومجلسه أن النساء سيكن منتجات الخمر وخبازات وممشطات للصوف وغازلات وعاملات الصوف وقماش الكتان والحرير وقاطعات للصوف وسائر الأشغال اليدوية ذات المنفعة ولهن أن يعملن بكل الأعمال اليدوية بحرية ويعملن كما فعلن من قبل ذلك الوقت.

دور النقابات امتد إلى ما فوق المهنة ليشمل المنظمة الاجتماعية بالمدينة. فالمرأة كان بإمكانها أيضًا أن تصبح عضو بنقابة دون الممارسة الفعلية لحرفتها. والابنة من الممكن أن تأخذ حق الإرث في عضوية نقابة والدها، من أجل المميزات المدنية المعطاة. والبعض أصبح صبيًا لدى معلم بنقابته وذلك ليعمل خادمًا منزليًا لدى زوجته. وكثيرًا ما ترث الأرامل مشاريع أزواجهن وفي بعض الأحيان يشتهرن بالبيطارات أو الحدادات. المرأة الاستثنائية فقط كانت لتحطم العرف وتقوم وحدها بتنفيذ ذلك العمل، لكن التصرف السائد للأرملة هو أن تدير العمل بينما يقوم العمال المهرة والصبيان بتنفيذ الجوانب المهارية العملية من العمل.

 

في هذا الجانب من بداية تقسيم العمل يمكننا تمييز المهارات الخاصة التي كانت لها أهمية مميزة في الإنتاج ووبالتالى أحدثت أثرًا عظيمًا لأولئك الذين امتلكوها. أكثر من الأثر الذي أحدثته القدرات الإنتاجية العادية. إنها تلك المهارات التي كانت مطلوبة لصنع الأدوات والمعدات والأسلحة. وبعبارة أخرى فأنهم استعانوا بالكفاءة في إنتاج أو تعديل المنتجات الأخرى، أى معدات العمل، وفي النهاية سنرى أن تلك المهارات تتطور إلى المهارات التي تصنع الماكينات ولاحقًا إلى تلك التي تكون أنظمة الكمبيوتر.

فلماذا على تلك المهارات منح المزيد من القوة عن غيرها: أكثر من المعرفة اللازمة لتنشئة الأطفال مثلاً أو لنسج الملابس أو حرث الأرض؟ الإجابة أولاً متعلقة بنظم القوى الطبقية، فهؤلاء الذين يملكون وسائل الإنتاج سواء ملاك العبيد والأباطرة أو ملاك الأراضي، من النبلاء الإقطاعيين أو أصحاب المصانع الرأسماليين يعملون على صناعة ثرواتهم بالربط جنبًا إلى جنب بين العمالة والأدوات، العمالة والميكنة. وقد يكون من المتوقع أيضًا أن يدفعوا جيدًا، نقودًا أو طعامًا، حرية أو مكانة لأصحاب المهارات التي يحتاجونها لتحقيق هذا الربط والاستمرارية ولتحسين الإنتاج. ومواهب أخرى في عالم آخر يمكن أن تقدر قيمتها بقدر أعلى. ولكن منذ بداية المجتمعات الذكورية الطبقية أصبحت الأولوية هي السيادة في الكفاح من أجل الملكية والتحكم في الفائض المتاح، تلك الأولوية أجبرت تطور التكنولوجيا على اتخاذ طريق محدد. وكثيرًا ما أصبحت الصوبة الزراعية مكانًا للصراع.

ثانيًا: إن الذين امتلكوا المهارات كان لديهم مصدر قوة فوق كل شخص لا يملكها. فهؤلاء الرجال قادوا أناسًا آخرين اعتمدوا عليهم للمحافظة على بيئتهم ومعدات عملهم. فكانوا في موقع عرقلة أو تحذير أو إرشاد أو إعادة توجيه للمنتجين الآخرين خلال مراحل العمل. واحتاجوا درجة من السلطة بين الرجال الآخرين من تلك الطبقات التي تعمل يدويًا. سيتضح أيضًا أن المهارات عززت قوة الرجل على المرأة. لم تكن النساء خاضعات بشدة للرجال في الأسرة البطريركية فقط بل كن معتمدات عليهم في الشئون المهمة والعملية في الأمور الحياتية. وعرفت المهارات التكنولوجية كملكية ذكورية مما كان سببًا ونتيجة للهيمنة الذكورية.

دائمًا ما يقدم تاريخ الاختراعات مخترعي العصور القديمة والوسطى وعصر النهضة من الرجال، والسؤال عن الفترة التي لعبت بها المرأة أو لم تلعب دورًا في الاختراعات التكنولوجية لسؤال شائك فالنساء كن غالبًا مخفيات من التاريخ“. حيث كان المؤرخون رجالاً.

أعمال «اوتمن ستانلي» (1983) تعيد التأكيد على ابتكارية المرأة، وهي تقترح بأنه يجب أن نكون شكيين تجاه مؤرخي التكنولوجيا الذكور ونبحث عن النساء الخفيات. ويجب علينا أيضًا أن نؤكد أكثر الأنشطة التي ساهمت فيها النساء بشكل ملحوظ بأفكارهن كإعداد الطعام والمداواة وصنع الملابس ورعاية الأطفال. ولكن بعد كل هذا فالأهمية التي نسبت لأي نشاط إنتاجي هي خيار ذكوری.

تری «ستانلي» 1981 أنه يمكننا الافتراض بأن عبارة كل شيء يجرى على قدم المساواةتنطبق على الذين يشتغلون في عملية اختراع الآلات.. وبينما يبدو ذلك أقرب إلى الصواب بالنسبة للمراحل المبكرة من التاريخ الإنساني، لكنه يغفل السمات الأساسية للمجتمعات البطريركية والطبقية اللاحقة. النساء كن مستبعدات منهجيًا من كل مصادر القوة، بما فيها التكنولوجيا التي هيمنت على مناطقهن النسائية من الإنتاج. فتطور صناعة النسيج مثلاً كان مشروع الرجل وليس المرأة.

عام 1490 نسب إلى ليوناردو دافنشي اختراع ذراع للمغزل، وجوهان جورجن حفار الخشب، وفى براوينستويج اخترع عجلة نسج أتوماتيكية جزئيًا تُستخدم ذراع حولها عام 1530. إن طريقة التفكير تلك التي أدت لظهور هذه الاختراعات لم تنشأ في الأساس من مجال غزل الخيوط، ولكن من التآلف مع نوعيات أخرى من الأدوات والتقنيات. فمسألة فارق السرعة على سبيل المثال كانت تبحث حينها في صناعة الساعات، ومفهوم دولاب الموازنة وحزام الانتقال استخدما في تطوير الطواحين. إن المعرفة التكنولوجية هي أساسا المعرفة القابلة للتحولفهي تحمل للاستفادة من نوع من الإنتاج إلى آخر، فهي مجال في حد ذاتها. فنظم المساعدة والتصميم في الكمبيوتر صممت لاستخدامها المعادن ولاءمت استخداماتها مع النسيج، والروبوت الذي طور من أجل الاستخدام في صناعة السيارات يحفز التطورات التي ستحل المشكلات الإدارية في تخزين البضائع. فينتقل الرجال من صناعة إلى صناعة حاملين المعرفة بين حواجز المؤسسة والقطاع. وبعد ذلك، كان الرجال وليست النساء هم من يملكون الحراك الحراك العقلى والمهنى والعضلي والرؤية العامة التي يمنحها ذلك الحراك. طبعًا في وقت آخر سيوجد رجال أمثال هارجرف وأركرايت وكرومبتون وكاي، والذين سيهيئون آلات النسيج المنزلية للمصنع وللاستخدام الميكني.

فما يتعلق بالمسألة هنا ليس إبداعية النساء. فمما لاشك فيه أن النساء لديهن القدرة ليكن واسعات الخيال ومبتكرات كالرجال، فكثيرًا ما كان لدى النساء الأفكار لتطوير الأدوات والميكنة التي عملن عليها. ونادرًا ما كان لديهن المهارات الحرفية اللازمة لتطويع الخشب أو المعدن لتنفيذ التحسينات التي تصورنها. وبرغم تملق المؤرخين الدائم للتطورات التكنولوجية للمخترعين الذكور، فهي ليست في الحقيقة سلسلة من الأفكار البارعة أيضا. لهذا فالفهم المادي للتاريخ يعطى للشخصى أهمية أقل من الإجتماعي. فتعقب التغير التكنولوجي لا يحتاج إلى التركيز على الأفراد برغم بطولتهم، ولكن على مجمل العملية الاجتماعية والتي تلعب فيها البيئات المؤسسية والاقتصادية أدوارًا رئيسية. غالبًا ما كانت العملية الاجتماعية للتقدم التكنولوجي عملية ذكورية.. إن النقص في قوى النساء الاجتماعية والاقتصادية ربطهن للأسفل بدور منتج سلع الإستهلاك الفوري. ولقد عملت النساء لدى الرجال منذ العصر البرونزي سواء كان الرجل هو رب الأسرة أو مالك العبيد أو اللورد الإقطاعي. ومن الواضح أنهن أنتجن بوسائل تكنولوجية من صنع الرجل فكن خاضعات لذلك الشكل الخاص لسيطرة الرجل المادية كجنس استولى على دور صانع الآلات للعالم.

الانطلاق الذي كان على وشك تغيير العالم بشكل كبير لكلٍ من النساء والرجال لم يكن اختراعًا تقنيًا، بل كانتالرأسمالية وهي مجموعة جديدة تمامًا من العلاقات الاجتماعية، والتي أوجدت الوسائل المنظمة لجمع العلم والتكنولوجيا معا وتسخيرهما للإنتاج. فأثناء القرنين السادس عشر والسابع عشر تغيرت شخصيتي الاقتصاد الزراعي للريف والاقتصاد الحرفي للمدن، وكلاهما أساسًا مبنى على أشكال منزلية من الإنتاج، فمن بين الفلاحين المؤدين للخدمات وأساتذة الرابطات ظهرت طبقة جديدة من المنتجين واسعى النطاق. ونمت طبقة التجار في الحجم والتأثير، وتراكمت الثروة عن طريق التجارة بإنجلترا وبالخارج. وتزايد البحث عن وسائل جديدة لتكوين المزيد من الثروة. وأفسحت الحرف المستقلة المجال أمام التصنيع، بينما أصبح التجار رجال أعمال ولم يعودوا يشترون من المنتجين فقط بل يوظفونهم عمليًا.

في البداية أعطت الرأسمالية الجديدة المادة الخام لمنتجين متفرقين ليعملوا عليها بمنازلهم، وبتلك الطريقة استمر النظام المنزلى للعمل لفترة خلال طريقة الإنتاج الجديدة. واستمر تنفيذ الكثير من إنتاج النساء تحت سلطة الأب أو الزوج. ولكن في نهاية المطاف. رأى رجال الأعمال فائدة من تجميع المنتجين داخل ورش ومصانع حيث يستطيع رب العمل أن ينعم بالتنظيم الدرجي للعمال ويراقب الإنتاج عن كثب.

وبسبب الاستهانة من قيود النظام النقابي، وجدت طبقة أرباب العمل الجدد أنه من الممكن والمفيد أن يستحدثوا تقسيم فرعى لعملية الإنتاج، فالسلعة التي كانت من قبل تنتج بواسطة حرفى واحد متوليًا كل الأجزاء المختلفة من العملية، أصبحت نتاجسلسلة من العمال اليدويين كل منهم يكرر جزءًا محددًا من المهمة ثانية مرات ومرات بآلة واحدة ولكن بعض تفاصيل المهمات كانت أكثر تطلبًا للمهارة عن غيرها. لهذا تباينت أنواع القوى العاملة، فبعضها ظل مكلفًا نسبيًا ومهاريًا بينما البعض الآخر أصبح أقل مهارية، ودعيت فئة جديدة للمشاركة من الأيادي غير الماهرة كليةً، كانت غالبًا من النساء أو الأطفال والذين جاء معظمهم من فائض السكان الذين خلعوا من الأرض بالثورة الزراعية.

بدأ التغيير اللافت بالحدوث في العلاقة بين المنتجين وتقنياتهم. فالحرفي الذي امتلك في الماضى أدواته وحرس سر استخدامها، متضمنة الأدوات التي يمتلكها هؤلاء الرجال الذين صنعوا المعدات التي يستخدمها المنتجون الآخرون. بينما في المصانع الجديدة امتلك رب العمل أدوات العمال ووظف العامل ليستخدمها. فكان التغيير تاريخيا بالنسبة لكثير من الحرفيين الذين ذات مرة اشتروا الخامات بنقودهم وعملوا بأدواتهم الخاصة وباعوا لزبائنهم. الآن الذي اشتروه وكل ما كان عليهم بيعه هي قوتهم العالي.

قدمت المبادرة الرأسمالية والجدير بالذكر أنها كانت مبادرة ذكوريةإلى حيز الوجود هذه الفئة الجديدة من العاملين بأجر والتي لم تعرف في العالم الإقطاعي. فتم سحب رجال الطبقتين داخل صراع مزمن. وربما امتلك رأس المال معدات الإنتاج لكن الرجال العاملين وحدهم ملكوا حرفة معرفة استخدامها فأصبحت كيف وعن طريق من ولأى مدة وبأى مقابل تستخدم هذه الأدوات والتقنياتهي بمثابة أسس الكفاح الذي كان المحرك الأساسي للتاريخ في الـ 300 أو الـ 400 سنة اللاحقة.

ومع هذا كان لدى الطبقة العالية طريق طويل لتقطعه. لن تبدأ التكنولوجيا فقط في معارضة مصالح طبقة أرباب العمل وطبقة العمال، بل ستكون أيضًا وسيلة في تشكيل طبقة العمال الجديدة كطبقة مقسمة ومنظمة. فآلات الأغراض العامة وضعت للحرفي للاستخدام في عملية الإنتاج غير المقسمة، فغيرت تلك الآلات وبسطت أيضًا وتضاعفت لتلائم المهام التفصيلية الجديدة. فتوحدت الآلات البسيطة مع مصدر القوى وتقنية التحول لتنتج الماكينةوسريعًا ما ارتبطت الماكينة بغيرها من الماكينات داخل نظام المصنع، والذي هو لديه نفسهسمات الماكينة. وتم تهيىء العمل الأساسي للكثير من إمكانات التجميع الحديثة لأجل مالك وسائل الإنتاج الميكانيكية الجديدة.

قدمت الميكنة للرجال كجنس، فرصًا لم تكن متاحة للنساء، وبالفعل كان للتقنيات المحددة التي احتكر توليها الرجال أثر خاص في الإنتاج. وهؤلاء الذين شكلوا المواد بطريقة تقليدية من المواد نفسها التي صنعت منها الآلات، سيهيئون مهاراتهم لعصر الماكينة الجديد. إن ما احتاجه رأس المال لشغل مكان الحدادين والصناع كان الميكانيكيين والمهندسين“. حتها الرجال فقط هم من امتلكوا العرف والثقة وفي حالات كثيرة أخرى أيضًا مهارات التحويل ليصنعوا تلك القفزة. الرجال أيضًا وبشكل حصرى هم من أصبحوا فني الصيانة والميكانيكيين ومهندسي الإنتاج في المصانع الجديدة، متحكمين بقوى الإنتاج الرأسمالية.

خص ماركس هؤلاء العمال الرئيسيين في مصنع الماكينة الجديد، فأشار إلى التقسيم الأساسي بين مشغلى الماكينات الذين عينوا فعليًا على الماكينات ووجودهم غير المتطلب للمهارة، لكنه دون ظهور العامل الجديد تاريخيًا في طبقات الأشخاص والذي كان عمله الاعتناء بالماكينة كلها وتصليحها من وقت لآخر، كالمهندسين والميكانيكيين والنجارين وهكذا. فتلك طبقة عليا من العمال بعضهم درس بشكل علمي والبعض الآخر منهم تربي على حرفة. وهي تتميز عن طبقة عمال المصنع وتحسب معها فقط. هذا التقسيم للعمالة تقنى بحت. وهؤلاء الرجال التقنيون كانوا الفئة الوحيدة من العمال الذين يمتلكون القوة التي لم تنتقص بسبب إدخال الميكنة. وأن ميكانيكيًا واحدًا مع الكثيرين من مشغلي الماكينة غير المهرة منخفضي الأجر يستطيع تنفيذ عمل الكثير من العمال المهرة، فيستطيع رأس المال التوفير ليدفع جيدًا نسبيا للوافد الجديد التقنى“.

ومع ذلك فالحداد والصانع قديمو الطراز، والميكانيكي والمهندس حديثو الطراز، لعبوا جزءًا آخر في تاريخ الإنتاج. فأحيانا ما يصيب الماكينة عطل مادامت صناعة الماكينة نفسها ظلت مسألة براعة يدوية. وبسبب الحجم المتنامي للمحركات الرئيسية واستخدام الحديد والصلب بكميات ضخمة. من تلك التي لابد أن تصاغ وتلحم وتقطع وتثقب وتشكل، فصار حتميا أن تخترع الماكينات التي عن طريقها تبنى الماكينات.

ومع ذلك كانت المهارات مطلوبة لتصميم وتطوير تلك الماكينات التي تصنع الماكينات لتأدية عمل الرجال والنساء. وفى حين وجود فئة من الرجال المهرة وهم المهندسون والميكانيكيون الذين يراقبون الماكينات التي تنتج وسائل الاستهلاك في عملية المصبينتقل زملاؤهم المهندسون والميكانيكيون إلى المنبع لبناء الماكينات المؤثرة، أو بضائع رأس المال الصناعي التي تنتج وسائل الإنتاج للآخرين.

إن الحركات الاتحادية التي أدت إلى إبطال المنظمة الجماعية بواسطة العمال تم إلغاؤها عام 5- 1824 وبعد ذلك كون العديد من الذكور العاملين بحرفة واحدة نقابات عالية، مركبي الطواحين والميكانيكيين وفئات أخرى من المهارة التقنية. أقواها كانت صانعو محرك البخاروالتي تأسست عام 1826 وفيما بعد عرفت بالميكانيكيين القداميوفى 1851 التحمت الكثير من الجمعيات الصغيرة مع بعضها مشكلة نقابة جديدة. كجمعية المهندسين المتحدين والتي احتوت الحدادين ومركبي الطواحين ومصممي النماذج، فكانت نقابة مقصورة على المهرة اتسمت بإشتراكات العضوية المكلفة وبالمساعدات السخية. وأصبحت مثالاً يحتذى لنقابات المهاريين الأخرى. وسرعان ما أصبحت جمعية المهندسين المتحدين واحدة من أكبر النقابات في البلاد سنة 1891 وبلغ عدد أعضائها72000.

وفي خلال ذلك امتد مجال الصناعة نفسها ليشمل أنواعًا مختلفة من العمل المعدني كالقطاعات الثقيلة لبناء السفن والقاطرات وصناعة الآلات الميكنية وأخيرًا القطاعات الخفيفة التي تنتج السلع الإستهلاكية كالدراجات. وفي عام 1870 نظم أرباب العمل أنفسهم في رابطة أرباب تجارة الحديدلمكافحة النقابات العمالية. حاول أرباب العمل عن طريق دورات الابتكار التكنولوجي المتكررة، أن يسهلوا عمل الصناعة الهندسية ويحرروا أنفسهم من الاعتماد على مهندسي الحرف. وفي المقابل كافح العمال المهرة من جمعية المهندسين المتحدين والنقابات الهندسية الأخرى ليبقوا على التنظيم الحرفي للعمل بما فيه نسبة المتدربين إلى المهرة المتفق عليها، وليمنعوا تفتيت أرباب العمل للعملية العمالية واستخدامهم عمالة غير ماهرة على الماكينات.

وكان المفيد من تحقيق ذلك التقسيم للعمل وتسهيل حرف المهندسين هو خلق نوع جديد من المهندسين المحترفين المتعلمين رسميًا والذين بلغوا منزلة رفيعة، أمثال «أسامبارد كينجدم برونيل» والذين لقبوا بمهندسي عصر القناة والطرق والسكك الحديدية. وقرب نهاية القرن التاسع عشر وضع مهندس الصيانة ذو المكانة العالية نفسه بين الميكانيكي ورب العمل في عملية التصنيع المبنية على العلم. وازدهرت كل الصناعات الجديدة التي ليست لها أسس حرفيه كالهندسة الكهربائية والكيميائية، والتي لم يكن فيها المهندس موظفًا رئيسيًا فقط ولكن غالبًا كمدير أيضا.

سيتضح من هذا التاريخ أن الجماعة الماهرة حسنة الاضطلاع هي بأل حال من الأحوال، وعلى حد تعبير ماركس طبقة عليا من العمالفهي متنوعة ومنظمة هرميا وتتنقل عناصرها المكونة باستمرار في مكانات متصلة. والمهارات التقنية مدفوعة عن طريق رأس المال للتكيف والتغير، وأصحاب تلك المهارات لا يحدثون أثرًا فقط في مهارات الآخرين ولكن أيضًا في مهاراتهم. واستجاب الرجال المهرة لمجالات الاختصاص المحددة المحمية وكنتيجة لذلك تفككت القوى المتضامنة للنقابات.

كانت بعض الفئات من الرجال التقنيين دائمًا في طليعة طبقة المهرةوبالتالى فهم مطلوبون. والبعض يعمل للحيلولة بينه وبين الوفرة التقنية المهيبة ومعرفته القديمة وانتهاء الطريقة التي اعتادا العمل بها. والتحدى بالنسبة لهم جميعًا هو أن يجعلوا العلم التقنى يبقى على المهارات الرائجة ويحتفظون بدور المهيمن على الميكنة، التي عن طريقها ينتج الأشخاص في كل من نقطتي التصنيع والاستخدام. تلك التقنيات التي نجحت في أن تعمل جيدًا بنفسها، يتطور دورها أكثر فأكثر من التحكم في الميكنة إلى التحكم في عملية العمالة ومن ثم التحكم في البشر.

إن حلول الميكنة التي تعمل بالطاقة كان من ناحية مناقضًا عميقًا للرجال كجنس ونظر إليه البعض بعين الكراهية فقط، فلقد كان العدو الذي مكن رأس المال من الاستغناء عن مهارات الرجال الماهرين، والقوة العضلية للعامل اليدوى، أما من الناحية الأخرى فقد شكلت المهارات التقنية الثروةبالنسبة للرجال كجنس، كما شكلت الميكنة نفسها ثروة الطبقة المهيمنة. فيمكن تعزيز قوة الرجال على النساء فقط عن طريق التقدم التقني.

نحن نعلم أن النساء قد شاركن باستمرار في نسبة كبيرة من الإنتاج العام. وأن الجزء الأعظم من ذلك كان في إنتاج الغذاء والملابس سواء للاستهلاك الفوري أو للبيع. وبالطبع أيضًا مارست النساء تقريبًا كل المهام الإنجابيةالمتعلقة برعاية الطفل وتدبير شئون المنزل والتي بالتأكيد لم تكن مصنفة كعمل.

وكان يتم توظيف النساء أيضًا في أثقل أنواع العمل اليدوى تحديدًا عندما يكن عزباوات فاستخدمن كخادمات منزليات وكعاملات في الزراعة، وعملن بالحقول وحتى في حمل الفحم وفصل الرصاص وكسر المعادن داخل المناجم. والكثير من النساء أجبرن على العمل أو العوزكنتيجة لانتهاء علاقات النظام الإقطاعي القديم والذي طرد القطاع الأدنى. فالنساء ساكنات الأكواخ اللائي يكسبن رزقهن من رقعة النبات وحقوق الرعي فوق الأرض المشاع أصبحن بلا أرض، عن طريق حركة التطويق التي وضعت الأرض في مزارع واسعة النطاق. والكثير والكثير من النساء في المدن اللائي كن يعملن كمستقلات أو في نطاق الإنتاج الأسرى فقدن أسباب العيش بسبب تنافس العمال الذين ينتجون أكثر. وبسبب عمل المصنع المبني على الخطوط الرأسمالية تدمرت حرف الإنتاج المتحضرة في الريف. وفي البداية أصبحت النساء منافسات للرجال داخل مدنهم، وحينما تقدم التصنيع لاحقن للعمل داخل المصانع. لكن النساء كن غير مدربات داخل المنظمة الحرفية والكثير منهن يسهل قيادتهن وهذا نتج عن خضوعهن داخل المنزل. فاستفادت من ذلك طبقة أرباب العمل الجديدة، بمعنى أنهم استولوا عن طريق النساء على جزء من مسيرة الرجال من الطبقة العاملة.

إن أثر الثورة الصناعية والاستخدامات الخاصة للنساء كما يتصورها قادة الصناعة الجدد كانت مضادة للنساء أنفسهن، فبعض النتائج كانت سلبية تمامًا، فالنساء والأطفال تم استغلالهم وإيذاؤهم بفظاعة في سعار الإنتاج الرأسمالي. فمحت طرق التصنيع المشروعات الصغيرة للنساء كتقصير الأقمشة بالتعريض للشمس أو باستخدام بعض المواد الكيميائية، وتخمير الجعة. وكانت الأنواع النسائية من الإنتاج خاضعة تمامًا لمبدأ هيمنة الذكر. فعملية صنع الملابس والطعام والشراب كما تم تكييفها إجتماعيًا وآليًا باتت من ناحية المؤسسة الاجتماعية أكثر خضوعًا لمعرفة الرجال الخاصة بالميكنة، أكثر من الإنتاج المنزلى للمرأة والذي أصبح أكثر خضوعًا لمعرفة الرجال الفردية بالأدوات.

وبینما ازداد التصنيع تم اجتذاب الكثير والكثير من النساء للعمل. فنشأ توافق كبير مع الأيديولوجية القديمة لمكان المرأةلتؤكد أن علاقة النساء بالعمل والكسب ليست أكثر من شيء مؤقت. فالموضوع الرئيسي بالنسبة لتلك الأيدولوجية كان الافتراض بأن دور المرأة الملائم هو الزوجة والأم. تلك كانت أفكار الطبقة الوسطى والتي كانت لها صلة حقيقية قليلة بالنسبة لوضع النساء من الطبقة العاملة، فشكلوا أيديولوجية الفترة بدقة وهيمنوا على الاتجاهات المنتشرة نحو النساء العاملات وصاغوا العبارات التي عبرت خلالها أولئك النساء عن تجربتهن الخاصة. وكنتيجة لذلك عملت النساء ولكنهن لم يستطعن أن يطمحن نحو الإنجازات العظيمة التي حلم بها رجال العصر الفيكتوري.

ومع هذا فالأكثر إيجابية كان تطور قوة النساء العالية الذي أتى بفرص عملية للنساء للتخلص من كلٍ من تلك الأيديولوجية النوعية والمظاهر الأكثر مادية لهيمنة الذكر. وهذا عنى أولاً الخروج من مجال الأسرة البطريركي الضيق إلى ميدان المؤسسة البطريركية الأكثر عمومية. وهذه ليست نقلة هيئة كما تبدو. فالنظام الإقطاعي وبدايات نظام التصنيع المنزلى الرأسمالي أيضًا جعلوا البيت أبعد ما يكون عن المكان الخاص، بمعنى أن المنزل يصبح حقيقة مكانًا خاصًا فقط عندما يغادره الإنتاج. وكما نعلم فعبارات منزل وعملوعام وخاصكانت بمثابة الحقيقة الثقافية الجميلة للثورة الصناعية. لكن العامل الأكثر أهمية كان العدد المتنامي للأزواج والآباء الذين فقدوا جزءًا من سيطرتهم على بناتهم وزوجاتهم، لأنهم أصبحوا يعتمدون جزئيًا على دخل جنته جماعة النساء تلك تحت سلطة رجل آخر.

ثانيًا، بدأت نساء كثيرات بكسب أجور مستقلة وإن كانت في كثير من الأحيان كافية، لكنها سريعًا ما تندرج ضمن دخل المنزل تحت تصرف قائد المنزل. وأعطى ذلك للنساء موارد مالية مستقلة بشكل متزايد. وطوال القرن التاسع عشر كان عدد السكان من النساء أكبر منه بالنسبة للرجال وازداد الفائض من 1851 حتى 1901. ولم تتمكن جميع النساء من الزواج، والكثير منهن ترملن. وبحلول 1911 عمل 54% من النساء العزباوات للحصول على الأجور.

وكان التغير الثالث هو أن النساء لم يتبعن أنواع عملهن التقليدية فقط داخل المصانع ولكنهن أيضًا نوعن أدوارهن في الإنتاج. وبرغم هذا تواجدن بأعدادهن الكثيرة في الغزل ومصانع النسيج وصناعة المربى والحلوى، وأنواع أخرى واسعة النطاق من إنتاج الطعام. وفي وقت لاحق كن ينتجن أنواعًا أخرى من السلع. وحتى في السنوات المنزلية المبكرة للإنتاج الرأسمالي، بدأت النساء بالقيام بأعمال غير متطلبة للمهارة وثقيلة ومضجرة في المعادن كصنع المسامير والصواميل والبراغي والمفكات والأبازيم والقواطع وركابات السروج. وفي عام 1769 كتب «ديفو» عن منطقة الجزء الأوسط الغربي من البلاد، أن في عام 1769 كان لكل مزرعة دكان حداد واحد أو أكثر وأن تلك الدكاكين لم تكن تنتج فقط لاستهلاك المزرعة بل لأجل الرأسماليين. وعندما بدأت تنظم حرف الحديد داخل نظام المصنع تبعتها النساء. وفي عام 1841 قدر عدد النساء في مقاطعة بيرمنجهام اللائي استخدمن في صناعة المعادن بـ 10000 امرأة. وبعد 25 سنة كان هناك 2050 عدن كعاملات في أعمال الحظائر والأخريات عملن بالسلسلة الخفيفة للتجارة في صقل النحاس وصنع المبارد والخوابير.

وبعد ذلك وبينما يتجه الإنتاج للتصنيع كانت النساء ينتشرن بمجالات الإنتاج الجديدة. والمهم حينها، مهما كان الدور الذي لعبنه داخل تلك الصناعات الجديدة، هو أنهن تصنفن داخل ثلاثة أنواع من المهن. فلقد لاحظ هيتشنز من زيارات المصانع غير النسيجية في بداية ذلك القرن. أن الرجال والنساء دائمًا ما كانوا يقومون بأعمال ليست متماثلة ولكن أنواع مختلفة من العمل. والعمل الذي كان ينفذ بواسطة المرأة. يبدو أنه يقع بالتحديد داخل ثلاثة أنواع. أول طبقة لهن كانت العمل الخشن والصعب كتحضير وجمع المواد أو نقلها من جزء لآخر في المصنع. والثانية وضع اللمسات الأخيرة وتحضير البضائع للبيع، كالفحص والطي واللف والرزم. أما المجموعة الثالثة من الوظائف فكانت وظائف الإنتاج الروتينية بواسطة الماكينات. ذلك العمل الذي ينفذ بواسطة الماكينات مع أو بدون قوة، وهذا يحوى مجموعة كاملة من العمالة وتنوعًا لانهائي من المشكلات. الاتجاه نحو الماكينة في أعمال الكبس وأعمال التشكيل وقطع المعادن والطباعة والعمليات المختلفة من أعمال النحاس وصناعة الأقلام والكي بالماكينة في المغاسل وصناعة الأنية المجوفة والأوعية القصديرية والدلاء بأنواع مختلفة. لم يشر هيتشز إلى أن الميكانيكيين الذين أبقوا هذه الماكينات مدارة لم يكونوا نساء. فمن الممكن أن نعتبره من المسلم به أن تلك الوظائف خصت الرجال.

التأثير الأخير والبارز للثورة الصناعية على النساء كان هو الإلقاء بهن في حالات كثيرة في منافسة مباشرة مع الرجال من أجل العمل، فبعض الوظائف الجديدة المبنية على الميكنة في أواخر القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر، على الرغم من أنها تتطلب قدرة تحمل كبيرة، لم تعد تقتضى مجرد قوة عضلية. فأرباب العمل استطاعوا وغالبًا ما أحلوا النساء والأطفال محل الرجال. ونظمت طوائف الحرف غالبًا على أساس استبعاد الرجال الآخرينفاستبعاد النساء كان أقل من أن يؤخذ في الحسبانواضطرت نقابات الحرف المتطلبة للمهارة أن توجه طاقاتها نحو تجنب النساء. وتمكن الرجال من القيام بالقليل لمنع جذب رأس المال للنساء ليعملن في المصانع الجديدة. أيضًا كان على جهود الرجال أن تتوجه لعزل حضر النساء وتدعيم التقسيم النوعي للعمل داخل المصنع. وعمد العمال الذكور فعليا إلى حصر النساء داخل مهن غير متطلبة للمهارة ومتدنية الأجور. ففي الطباعة مثلاً قيد منظمو الحروف والمتعهدون بالماكينات النساء بعملية تجليد الكتب والعمليات الأخرى المتعلقة بإنهاء الطباعة حيث كان يتم استغلالهن بقسوة عن طريق أرباب العمل.

إن أكثر الاتهامات إدانة لرجال الطبقة المتوسطة المهاريين ونقاباتهم أنهم استبعدوا النساء من العضوية ومنعوهن من اكتساب الكفاءات التي كانت لتؤمن لهن معيشة كريمة. فكتبت «فيريجينيا بيني» عام 1869 إن قدر النساء كان سيتغير كثيرًا لو أنهن تمكن من دخول المهن والحرف التي احتكرها الرجال فبتدريب عشرة آلاف امرأة لدى صانعي الساعاتووضع بعض الآلاف منهن بمكاتب التلغراف الكهربية بجميع أنحاء البلاد وتعليم ألف منهن بالمعاهد الميكانيكية، ستختفى الصورة البائسة للخياطة ولن تعد صورة الوصيفة الذاوية ولا المربية المدمرة موجودة. لم يكن الرجال مخطئين في إدراكهم للنساء كسلاح بيد أرباب العمل من الممكن عن طريقة خفض أجورهن. بينما كان خطأهم في رد فعلهم فبدلاً من مساعدة النساء في إكتساب المهارات وتنظيم قواهن، أضعفوا النساءوعلى المدى الطويل أضعفوا الطبقة العاملة بأسرهاعن طريق الاستمرار في استغلالهن منزليا ومساعدة رب العمل في استغلالهن كسوق عمل ثانوية لم يتم منع النساء من مناطق الخبرة الخاصة بالرجال فقط بل أصبحت مهارات النساء الخاصة وبشكل عام مقدرة بأقل من قيمتها بالمقارنة بالرجال.. مقدرة بأقل من قيمتها وأقل من ثمنها.

في القرون القديمة رسخ الرجال بالأذهان فكرة الفجوة الشاسعة بين النساء والتكنولوجيا. وبالرغم من أن جمعية المهندسين المتحدين خلال القرن الثامن عشر لم تر أن النساء قد يشكلن تهديدًا للمهندسين، فإن أنواع الأعمال متوسطة المهارة التي أوجدتها مكننة الهندسة في ميكنة المعدن الرئيسية لم يعتبرها أرباب العمل أماكن خاصة بالرجال، لذلك حاولوا إحلال النساء محل الرجال بها، وتسللت طبقة الصناع اليدويين الذين كانوا من الرجال إلى الأعمال الهندسية. لم تشتمل مطالب الحركات النسائية في العصر الفيكتوري والإدواردي على المهارات التقنية من أجل النساءولم يحدث هذا حتى الحرب العالمية الأولى. حيث تم إدخال النساء إلى إعداد الذخائر وسائر الصناعات الثقيلة من أجل إطلاق الرجل للجبهة. ذلك يعني أن النساء بدأن في الاقتراب من المجال الذكوري للمهارة التقنية وبالتالى خشين لكونهن ولأول مرة يعملن كمخففات للمحاليل“.

ذكرت صحيفة ليبي جازيت عام 1917 “أن واحدة من بين ثلاث نساء عاملات قد حلت محل رجل ودخلت النساء عددًا من الصناعات إلى جانب إعداد الذخائر:

فسحجن بالفأرة وقمن بصوغ القوالب وحفرن وعشقن في المناشر وقدن الشاحنات في المطاحن ومعاصر الزيت ومطاحن الدقيق وصنعن مواد التنجيد وأنابيب الإطارات وعبأن البيرة وصنعن الأثاث وعملن في مصانع الأسمنت وكسرن الحجر الجيرى وحملن القوالب في مصانع الفولاذ وعملن كمبرشات في أحواض صناعة السفن ووجدن بمصانع السيارات والمحاجر والتعدين قرب السطح وصناعة الأحجار. وظل التعدين تحت الأرض وشحن وتفريغ السفن وسبك الحديد والصلب مهن الذكور فقط.

(Solden, 1978 p. 102)

ويقول هذا الكاتب إن النساء قد حطمن أسطورة كونهن غير قادرات على العمل المتطلب للمهارة.

تم القيام بتحدٍ حقيقي لتحقيق سابقة فريدة بجمعية المهندسين المتحدين وذلك على يد الحركة الراديكالية لممثلى العمال أثناء الحرب وبعدها. وكان إحراز تقدم في قضية المرأة أمرًا منطقيًا بالنسبة لممثلى العمال الذين طمحوا إلى تحويل جمعية المهندسين المتحدين من نقابة حرفية إلى نقابة صناعية تشتمل جميع الطوائف الصناعية. وبرغم ذلك قوبل التعهد الذي منحتة الحكومة للاتحاد بالترحاب، وهو بأن يستغنى عن العاملات في مجال تخفيف المحاليل في نهاية الحرب. وبذلك تم طرد آلاف السيدات من عملهن ونتج عن هذا ارتفاع البطالة بين السيدات بشكل أسوأ بكثير من الذي حدث بسبب الركود الاقتصادي لعام 1920.

وفى عام 1922 أصبحت جمعية المهندسين المتحدين نقابة المهندسين المتحدين ولكنها ظلت لا تعترف بعضوية النساء، وفي غضون ذلك امتد دور النساء في صناعة الهندسة خلال سنوات الحرب مشكلات خط القوة العمالية التجميعي شبه المهاري داخل المصانع منتجات السلع الإستهلاكية الكهربية الحديثة. ومرة أخرى حلت النساء محل الرجال أثناء الحرب العالمية في كثير من المهن الهندسية المهارية وغير المهارية وهذه المرة كان موقف الرجال التقليديين في النقابة أمرًا من الماضي. وتم قبول النساء على مضض كجزء من الأعضاء في 1 يناير سنة 1943. وعام 1944 بلغ قطاع النساء بالنقابة 139000.

ومع ذلك لم يعن القبول بالنقابة أن أولئك النساء اللائي انضممن خلال الحرب إلى الوظائف المهارية كن مستعدات لاعتبارها مهنهن إلى الأبد. ولكن بعد الحرب كان متوقعًا من النساء أن ينسحبن شاكرات مرة أخرى إلى الحياة المنزلية. ومعظمهن فعل ذلك. أما أولئك اللائي ظللن بالعمل أنزلن إلى المهن غير المهارية أو شبه المهارية ووجدت النساء أنفسهن مخاطبات من قبل أيديولوجية التأنيث والتدجين، وأصبح ربط النساء بالقوة التكنولوجية أمرًا سخيفًا كما كان سابقًا. وفي عام 1950 وفي الستينيات تغير موقف المرأة ثانية، لأن الازدهار الاقتصادي أدى للطلب على عمالتهن. والنساء أنفسهن وحتى المتزوجات منهن بدأن بالتطلع نحو الاستقلال والالتحاق بأعمال ووظائف بأعداد أكبر من ذي قبل. وبحلول الركود الذي ضرب الاقتصاد البريطاني في أواخر عام 1970 ازدادت نسبة النساء ومثلن 42 في المائة من القوة العالية. وتوقعت تصريحات الوزراء المحافظين من النساء أن يقمن بالتصرف اللائق ويعدن للمنزل تاركات فرص العمل الضئيلة المتاحة للرجال. لكن هذه المرة تجاهلتها النساء. فلقد تغير وعى النساء جذريًا منذ فترة ما بعد الحرب وأثر هذا على الرأي العام بشكل كلي، وقوت التشريعات الداعمة في بداية 1970 قبضة النساء أكثر فاستمررن في العمل برغم أنها كانت غالبًا أعمالاً بدوام جزئي وبأجور أقل. وكذلك انخفض عدد الموظفين من الذكور بنسبة 14 بالمائة بين عامي 1971 و1983 وارتفع عدد النساء بنسبة 7%.

وتمثل المخرج من الركود الاقتصادي البريطاني المدعوم بقوة من جانب الحكومة في تبنى الفكر النقدي في الاستغناء عن العمال وتخفيض أجور الباقين والاستثمار في تقنيات الكترونية جديدة عالية الإنتاجية. وفي مثل هذا الموقف الذي يشتمل على رجال تم إضعاف جانبهم عن قصد داخل سوق العمالة، وأرباب عمل غير معترضين بل وإيجابيين نحو توظيف النساء، و نساء قد بدأن في إظهار ثقة جديدة تجاه حقهن في العمل.. توقعنا بعد كل ذلك رؤية النساء يدخلن التدريبات التقنية والوظائف المتطلبة للمهارة و لكن هذا ما لم يحدث.. ولابد أن ينبهنا ذلك لنتساءل السؤال الأكثر عمقًا عن كيفية بقاء هيمنة الذكر موضع نقاش دائم وعن كيفية تكرار عملية تقسيم العمالة بحسب النوع على مر الزمن.

من كتاب:

(*) Inventing Women:: Science, Technology and Gender, Edited by Gill Kirkup and Laurie smith keller, Cambridge: polity Press, 1992.

**قاصة ومترجمة.

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي