الجندر والزمان والمكان

تاريخ النشر:

2007

تأليف:

الجندر والزمان والمكان

المرأة والتعليم العالى (*)

أصبح التعليم العالى في المجتمعات الصناعية أكثر شكلية وتنظيماً، وذلك كنتاج لعلاقته بكل من الدولة وسوق العمل. وتعكس الرؤية السياسية للتعليم العالى جملة المفاهيم المرتبطة بالتطور الاجتماعي والاقتصادي. فعلى سبيل المثال يشرح إيدن فوستر كارتر1 الرؤى المتضادة التي قدمها المنظرون في مجالي التحديث والتبعية فيما يختص بالتعليم العالي في جنوب الكرة الأرضية. ففي حين يركز منظرو التحديث على دور التعليم العالي في إنتاج رأس المال الإنساني في مجال الاقتصاد، وبناء الدولة، وخلق“‘وعى حداثي، يركز منظرو التبعية على عملية خلق طبقة نخبوية من الأكاديميين، وعلى دور التعليم العالي في الضغط من أجل تحقيق الامتثال الإجتماعي.

يتطرق البحث في موضوع المرأة والتعليم العالي إلى مجالات متعددة. فهناك مثلاً اهتمام كبير بالصعوبات التي تواجهها الدارسات اللاتي تخطين مرحلة الشباب من أجل تحقيق التوازن بين شئونهن المادية ورغبتهن في العمل من منازلهن من ناحية ومتطلبات التعليم العالي من ناحية أخرى 2. وفي الوقت نفسه لم تتطرق تلك الدراسات كثيراً إلى ظروف الطالبات الأصغر سناً. وتتناول دراسات المرأة بالتحديد موضوعات مثل فاعلية إستراتيجيات التعليم والتعلم، والأهمية البيداجوجية والمفاهيم المعرفية المرتبطة بالتعليم العالى وتجارب وخبرات المرأة الدارسة 3. وقد تناولت الباحثات أيضًا تطور السياسات التعليمية سواء على المستوى المحلى الضيق أو على مستوى الدولة أو على المستوى العالمي وتطبيقاتها على مستوى المؤسسات4. وقد أثارت تلك الأبحاث عدة أسئلة مهمة فيما يتعلق بتأثير التعليم العالي على المرأة. هل يسهم التعليم العالي في ترسيخ وضع المرأة الاجتماعي، وكيف تغير المرأة وضعها من خلال التعليم العالى؟ وقد دعت الكثيرات من الباحثات إلى إجراء المزيد من الدراسات حول نقاط التماس بين حياة المرأة اليومية والتعليم العالى، إذ سوف يساعد ذلك على إنتاج طرق حديثة في التعليم والتعلم، إلى جانب تطوير طرق جذب المرأة إلى مجال التعليم العالي 5.

وقد انقسمت الرؤية النسوية تجاه التعليم إلى شقين. فهناك الكاتبات اللاتي يرين في التعليم العالى مجالاً لتأكيد غياب المساواة بين الجنسين وإعادة إنتاج العلاقات الاجتماعية الموجودة في المجتمع الأكبر6، حيث تبني بعض مجالات العمل الأكاديمية وغيرها على أساس الفصل والتمييز الأفقي والرأسي بين الجنسين في سوق العمل. وعلى الجانب الآخر، أظهرت الدراسات التي أجريت على الطالبات أنفسهن أنهن يربطن بين التعليم العالى والتحرر من التبعية للمنزل 7. وترى آن وايت 8 أن معظم المنظرين في مجال التعليم إما يجنحون إلى التأكيد على الهيكل الاجتماعي في الوقت الذي يغفلون فيه عامل الفاعلية الإنسانية، أو في حالة تناولهم الهيكل الاجتماعي، كما هو الحال في الدراسات الإثنوجرافية، فهم إما يغفلون تقفى العلاقة بين الهيكل الاجتماعي والفعل الاجتماعي، أو أن الفاعلية الإنسانية تختفى لتفسح مكاناً لفكرة الهيكل الاجتماعي“. ويمكن تصور التعليم العالى على إنه مجال للإنتاج والاستهلاك فيما يتعلق بالمعرفة والمهارات9، ومجال لإعادة إنتاج رأس المال الإنساني والثقافي10. وعليه، ينظر إلى طلاب التعليم العالى على أنهم مستهلكين، ولكن تربطهم علاقة غير محددة بالمؤسسة، ذلك أنهم جزء حيوي من عملية إنتاج المعرفة. وتنظر الباحثات النسويات إلى التعليم العالى كساحة للصراع تتبارى فيها القيم والمفاهيم والمعاني11.

 

ترى باربرا آدم 12 أنه حتى أبسط تحليل لطريقة تنظيم التعليم في المجتمعات المبنية على النموذج الغربي يشير إلى أن كل عناصر ذلك التنظيم موقوتة، ذلك أن نشاطات المشاركين وتفاعلهم مع بعضهم البعض تحكمها منظومة من الأجراس والجداول الزمنية والمواعيد الصارمة، ولهذا فإن طريقة تنظيم التعليم العالى تعكس نسق الإنتاج الاقتصادي من أجل خدمة أهداف نفعية واستراتيجية، وبالتبعية يخضع العاملون والطلاب في مجال التعليم العالي للمفاهيم العامة المتعلقة بالمجتمع والعمل. ولذلك فإن التطورات القانونية والسياسية التي تؤثر في سوق العمل تؤثر عليهم أيضًا“. بالإضافة إلى ذلك، يلعب التعليم العالي دوراً إستراتيجيًا للدولة ولرأس المال عن طريق تقديمه للعمالة المدربة، وترتبط عملية التعليم العالى بقرارات سياسية تتعلق بالقوى الاجتماعية التي سوف تضطلع بمهام تطوير السياسات والإدارة، وقد وسعت سياسات إصلاح التعليم في المملكة المتحدة13 من دور قطاعات الأعمال الخاصة في إدارة التعليم العالى.

ويرتبط الأداء المكاني في التعليم العالى كذلك بعملية الإنتاج الاقتصادي. فعلى سبيل المثال، تعد المؤسسات التعليمية الكبيرة نواة للعملية التعليمية، وقد تميزت على مر العصور بخصوصيتها وانعزالها من الناحيتين المعمارية والجغرافية. ونرى في معظم بلدان العالم عملية فصل المرأة عن الرجل في التعليم العالى: “حتى أواخر القرن 19 لم يكن باستطاعة المرأة الالتحاق بالجامعة، إذ كان يعتقد الأطباء أن ذهابها إلى الجامعة يعرض صحتها للخطر، ويهدد قدرتها على تربية الأطفال14. نرى ذلك الفصل في مجال التعليم العالى أيضاً فيا يختص بالطبقة الاجتماعية و العرقوالسن والصحة البدنية 15. ترى دافني سبينأن انتهاء الفصل بين الجنسين في التعليم في مجتمعات الشمال يرتبط تاريخيًا بانهيار ذلك الفصل في مجال العمل، رغم ذلك فقد استمرت سياسات الفصل على أساس النوع واعتبارات أخرى في التعليم العالي تؤثر على القدرة على الالتحاق بالمؤسسات التعليمية، كما تؤثر على اختيار المناهج واختيار العاملين.

وقد طرأت تغيرات عديدة على التعليم العالي وخاصة فيما يتعلق بإعادة تنظيم سوق العمالة وسياسات العولمة. تناقش كريس كانانالطريقة التي انتشرت بها ثقافة المؤسسات التجارية الكبيرة داخل مؤسسات التعليم العالي، وتفسر ذلك بحاجة رأس المال إلى قوى عاملة أكثر تنظيمًا في وقت أصبح فيه سوق العمل غير منظم بدرجة كبيرة. وقد أثرت تلك التطورات على مجال الإنتاج الاقتصادي وسياسات تحقيق الرفاهية الاجتماعية والتعليم. وقد ناقشت كانان العلاقة المتنامية بين المؤسسات التعليمية والعمالة إلى جانب المتابعة الدقيقة لتلك العلاقات والضغط المتنامي من أجل تفتيت العملية التعليمية وتحويلها إلى وحدات تنظيمية صغيرة. وتذهب أيضاً إلى أن مفهوم الدارسةفي التعليم العالى قد أصبح الآن جزءًا من الأفكار المرتبطة بالفرد داخل المؤسسات التجارية الكبيرة والتي نجدها في أيديولوجيات الليبرالية الجديدة والتي تؤكد مفاهيم الاكتفاء الذاتي والمسئولية والمبادرة والاعتماد على النفس والاستقلالية والاستعداد للمخاطرة وتحين الفرص وتحمل المسئولية عن كل ما يفعله الإنسان16. وقد ركزت حكومة المملكة المتحدة تحت السياسات الجديدة لحزب العمل17 على أمور مثل توسيع فرص الالتحاق بالتعليم، والتعليم المستمر، ومفهوم الطلاب المستهلكين، وارتباط التعليم بسوق العمالة. ولدي تلك المفاهيم القدرة على تغيير الأفكار السائدة المرتبطة بتعليم الكبار عن طريق ربطها بصورة أقوى بمفاهيم العمل والفرد داخل المؤسسات التجارية الكبيرة. وفي الوقت نفسه نجد في كل من المملكة المتحدة والولايات المتحدة ربطًا واضحًا بين جوانب نظام التعليم واستحقاق الرخاء الاجتماعي والاقتصادي، وذلك تحت الرؤية الجديدة لحزب العمل. وعلاوة على ذلك فقد أدى تخفيض الدعم المادي لطلاب التعليم العالي إلى ازدياد اعتمادهم على العمل أثناء الدراسة.

وتربط لينا دومینیللیو آنکی هو جفلتبين التطورات في مجال التعليم العالي (وخاصة التعليم في مجال الخدمة الاجتماعية) وعولمة رأس المال، حيث تربطان المطالبة بتشديد القوانين المنظمة للعمل والتدقيق في تقييم المنتج بنزعة تاريخية إلى أشكال من تنظيم الإنتاج تنعدم فيها حاجة رأس المال إلى الإنفاق على العمال18. ويتضح دور التعليم العالى في إنتاج العمالة في أوجه كثيرة. فعلى سبيل المثال نرى الاهتمام بأمور مثل المهارات القابلة للانتقال والتعليم مدى الحياة والمرونة. وتضطلع الدولة بدور كبير في الترويج لمثل تلك المفاهيم. وقد كانت حكومة الرخاء الاجتماعي والاقتصادي في بداية الثمانينيات من القرن الماضى مرتبطة ارتباطًا شديدًا بالسوق” “وقد استعانت في تقديم خدماتها، خاصة تلك التي تتعلق بالتعليم والصحة، بأساليب إدارة الأعمال 19. وبالرغم من تركيز دومينيللىو هوجفلتعلى التغيرات التي طرأت على تدريب وتعليم الإخصائيين الاجتماعيين، فإن العمليات التي تشيران إليها تنعكس على كل مجالات التعليم العالي، حيث نرى التركيز المتنامي على نقاط منها الأهداف الأدائية، قياس المدخلات والمخرجات، التكلفة، قيمة المدفوعات، تحديد الأدوار والمسئولياتوآليات المراقبة وإعداد التقارير 20. وتسمى الباحثتان تلك التطورات شكلاً من أشكال التبلورية، يتعلق بأحكام القواعد المنظمة للتعليم في مسائل الرخاء الاجتماعي. ويتركز الاهتمام هنا بشكل خاص على التنظيم الزمني.

وعلى هذا نرى أن منظومة من التغيرات قد أدت إلى إعادة تشكيل أنماط الأداء الزماني والمكاني في التعليم العالى، وهي تتضمن ما يلي:

  • التوسع في إتاحة فرص الالتحاق بدون التوسع في المكان وأعداد العاملين.

  • إعادة تنظيم المقررات الدراسية عن طريق إدخال أنظمة الوحدات والفصول الدراسية والساعات المعتمدة، مما قد يضيف مرونة أكبر ويتيح اختيارات أوسع للطلاب، ولكن على حساب تماسك المحتوى الدراسي، كما أنه: ينتج نسقاً يصعب توقعه ويزيد الضغوط على عنصري الزمان والمكان. هناك أيضاً إمكانية التخرج السريع (كما في البرامج التي تمنح الدرجة في عامين).

  • أدى تخفيض الدعم المادي للطلاب إلى زيادة الضغوط الزمنية عليهم، إذ أصبح من المحتم عليهم إيجاد مصادر دخل بديلة.

  • خلقت الاستعانة بالأساليب السائدة في إدارة الأعمال المزيد من الأعباء الإدارية على كل من الهيئات الإدارية والأكاديمية.

  • أثرت التطورات التكنولوجية، والتي تهدف في الأصل إلى تفعيل دور الطلاب في العملية التعليمية (عن طريق التعليم عن بعد والتعليم من المنزل)، على الموارد المتاحة للطلاب وعلى الاتصال المباشر بين الطالب والأستاذ، كما أثرت بشكل أوسع على موارد التعليم العالى وعلى تعيين العاملين به.

ويعد أحد أوجه تلك التطورات ما نراه في اتساع الفجوة بين المدرس والطالب في التعليم العالي. فقد أدت زيادة أعداد الطلاب والتطورات التكنولوجية في التعليم العالى، إلى جانب تطور التعليم عن بعد والتعليم المرتكز حول الطالب في بعض الأحيان، إلى تقليل الاتصال بين المدرس وكل طالب على حدة. ولكن ذلك لا يعد نتاجًا محتومًا لتلك التطورات، إذ أننا نلاحظ الآن تنامي الاهتمام بمهارات التعليم داخل الكثير من المؤسسات التعليمية.

ويتضح هنا التطور الذي طرأ على الأداء الزماني والمكاني في التعليم العالي في عديد من النواحي. ففي الوقت الذي لا تزال فيه الأفكار المرتبطة بالوقت مسيطرة على التعليم العالى، نستطيع أن نرى التأثير الكبير للاتجاه المتنامي نحو تأكيد احتياجات سوق العمل وتقليص الدعم المادي للطلاب إلى جانب التطورات التكنولوجية. وتظهر سيطرة سوق العمل في ثلاثة مظاهر، أولها يخضع كل من الطالب والقائمين على العملية التعليمية للمفاهيم السائدة المرتبطة بالوقت. والثاني أننا نجد أن التغيرات في سوق العمل تشكل العملية التعليمية عن طريق إعادة صياغة مفاهيم التعليم العالى ومحتوى المناهج، وطرق التدريس والتعلم، وثالثها أنه قد بدأت النظرة إلى اعتاد الطلاب على أعمال منخفضة الأجر تتغير من اعتبار ذلك عبئًا على الطلاب إلى اعتباره موردًا من موارد التعليم.

يقودنا استعراض الكتابات السابقة إلى بعض الأسئلة المهمة، كيف تؤثر المفاهيم المرتبطة بالوقت في مجال التعليم العالى على دراسات النساء فيما يتعلق على سبيل المثال بالتقييم وقياس التقدم وتقسيم الدراسة إلى فصول دراسية؟ كيف تؤثر الزيادة في أعداد الطلاب على عملية التواصل، كما يظهر على سبيل المثال في سهولة الاتصال بالمدرسين والحصول على الدعم؟ ما تأثير ثقافة المؤسسات التجارية الكبيرة وما هي علاقة التعليم العالي بالتوظيف والأعمال التجارية؟ كيف أثر تقليص دعم الدولة المادى للطلاب على تجربة النساء في التعليم العالى؟ أما السؤال الرئيسي فهو: “ما هي أنماط الأداء السائدة في مجال التعليم العالي التي تشكل تجربة النساء؟“. نجيب عن ذلك السؤال من خلال البيانات الواردة في الفصل التاسع.

تطورت الأماكن الخاصة بالتعليم العالي واكتسبت معاني كثيرة على مر الزمن. وقد ناقشت فيها تقدم أشكال التغير في مجال أنماط الأداء الخاصة بالتعليم العالى في وقتنا الحالي، حيث يوضح مفهوم التمثيل جملة النتائج المترتبة على التغيرات التي طرأت على التعليم العالى، إذ يتضح مفهوم التمثيل في المناهج الدراسية والبيئة التعليمية. ويتناول الجزء التالى موضوعين، الأول هو المناهج الدراسية والتخصصات الأكاديمية، والثاني هو البنية التعليمية والوسائل التعليمية.

تدرس کیم توماس21 تجربة الدارسين من الرجال والنساء والمعاني التي يكسبونها لنواح معينة من المناهج الدراسية. ويتركز بحثها حول الفصل السائد بين فكرتي الأنوثة والذكورة وفكرتي العلوم والفنون. توضح توماسكيف أسهم ذلك الفصل على مر الزمن في تشكيل المناهج الدراسية، ومن ثم اختيارات الطلاب، وهي ترى أنه بالرغم من انحسار تيار التمييز ضد النساء في التعليم العالي فما زال من الصعب على النساء أن يحققن نجاحًا في تخصصات معينة وعلى مستويات معينة، وذلك كنتيجة للتاريخ الذي تحمله المناهج الدراسية وللنظرة الحالية تجاه ذلك التاريخ، حيث إن المناهج الدراسية تتشكل على مر الزمن من خلال الخلافات حول المعاني. وقد سبق وأشارت الباحثات النسويات إلى قصور التخصصات الموجودة حالياً والتي تعكس أفكارًا قديمة عن العالم والمجتمع وتؤكد التفوق الذكوري والاستعماري والطبقي، نأخذ على سبيل المثال مجالي الاقتصاد والاقتصاد المنزلى، حيث يظهر الفصل بين العلاقات القائمة داخل المنزل واقتصاديات الميدان العام. وقد أكدت الباحثات النسويات أهمية ظهور تخصصات أكاديمية جديدة مثل دراسات النساء ولكنهن أكدن في الوقت نفسه الحاجة إلى المزج بين التخصصات كأداة لخلق مفاهيم أكثر واقعية عن العالم22. وبالرغم من أن تمثيل النساء في التعليم العالى آخذ في الازدياد فمازلنا نرى بوضوح اختلال التوازن في المجالات التي يشغلنها والمكانة الممنوحة لتلك المجالات. فتمثيل المرأة ضعيف في مجالات العلوم الطبيعية والهندسة، في حين نشهد اتساع تمثيلها في مجالات الصحة والعلوم الاجتماعية والسلوكية 23. “يمثل التعليم الحد الفاصل بين مجالات اهتمام النساء العامة والخاصة 24.

وبالرغم من انحسار موجات الفصل بين الجنسين فلن تتحسن الأوضاع إلا إذا تحققت حرية الحصول على المعرفة25. وتقدم لنا المناهج الدراسية العديد من أمثلة الفصل الاجتماعي، مثل تلك المرتبطة بالإثنية والعمر والجنس والطبقة الاجتماعية وهي أمور غالباً ما يتم تحييدها في أنماط الأداء التعليمية 26. وقد أدت إتاحة الفرصة للنساء من أصل إفريقي والعمال في التعليم العالي إلى خلق مساحات لهم بالرغم من التقسيمات الاجتماعية السائدة. ویرى الكثيرون أن تلك الفرص الجديدة تشكل بؤرًا للتغيير داخل المؤسسة ذلك لما لها من تأثير إيجابي على التعليم العالي ككل. ولكن سى إل آر جيمسيوضح التأثير السلبي الكامن في تلك التطورات: “إن الحديث عن الدراسات الإفريقية كما لو كانت مجالاً خاصًا بالسود فقط لهو إنكار للواقع والتاريخ، إذ أننى لا يمكن أن أرى تاريخ السود إلا كجزء من تاريخ الحضارة الغربية. ذلك هو التاريخ الذي يتعين على السود والبيض وكل الدارسين الجادين في مجال التاريخ الحديث وتاريخ العالم ككل معرفته. والقول بأنه مجرد موضوع ذا صبغة عرقية يعد هزلاً بحتًا 27.

لطالما أغفلت طرق التدريس داخل المؤسسة الأكاديمية المرأة والدارسين من الطبقات العاملة 28. نظراً لأن تلك الطرق نفسها ذات طبيعة وعظية وغير تعاونية وتتطلب الكثير من الامتثال. ويلتزم التعليم العالي عددا من التقاليد النظرية، منها ما تلتزم به على وجه الخصوص الجامعات القديمة. نرى على سبيل المثال سيادة فكرة أن المحاضرة هي مصدر لمعرفة الرئيسي، إلى جانب مظاهر أخرى مثل ترتيب الأولويات الذي يضع البحث في مكانة أعلى من التدريس، كما نرى سيادة النموذج المبنى على الإنجازات الشخصية والمناقشة والطرق الجدلية لإنتاج المعرفة 29. هناك بالطبع تقاليد نظرية أخرى في التعليم العالى وهي تلك التي أنتجتها في الغالب الكليات الأصغر حجمًا، ومؤسسات التعليم العالي التي حققت اندماجًا فيما بينها، بالإضافة إلى الاتجاهات الجديدة في مجالات تعليم المرأة والعمال. ولكن يظل من السهل على التقاليد السائدة أن تهدم تلك الاتجاهات. وتتمثل تلك الأفكار في شكلها المحسوس في البيئة التعليمية. فعلى سبيل المثال يسهل شكل قاعة المحاضرات التواصل في اتجاه واحد، في حين لا يسهل كثيرًا مشاركة الجميع بالأفكار. أما المكتبة فلا يسمح فيها بالكلام، بدلاً من أن تكون مكاناً للعمل الجماعي. وبالرغم من تغير مثل تلك الأنماط الأدائية في العملية التعليمية فلا يزال شكل وترتيب حجرات الدرس يعبر عن المعتقدات التقليدية القديمة مما يؤثر بدوره على العملية التعليمية.

وتناقش سوزان جاكسون30 تلك الموضوعات في بحث بعنوان مساحات آمنة المرأة في الجامعة المؤسسة على الجندر: الاختيارات المتاحة والقيود المفروضة، وهي تتناول من خلال مقابلات مع نساء يعملن في برامج الدراسات النسائية تجارب المرأة اليومية سواء في ممرات الجامعة أو من خلال تعاملاتها الشخصية مع مدرسين وداخل الفصول الدراسية. وتلفت جاكسون الانتباه إلى اتجاه واضح نحو تحقير تجارب وخبرات النساء بالإشارة إليها على أنها غير أكاديمية، كما تشير إلى الثقافة الذكورية السائدة داخل المؤسسة والتي تؤثر بدورها على عملية التدريس. وهي ترى أن المكان في الجامعة يخضع لاعتبارات الجندر من خلال أربعة اعتبارات: مادية وجغرافية ومعنوية وفكرية. كما ترى أنه يخضع لاعتبارات الجندر فيما يتعلق بخبرات وتجارب الباحثات الأكاديميات اللاتي أشرن بدورهن إلى عملیات فصل معنوي وفكرى وإلى العزلة الأكاديمية للنساء 31. كما أشار الباحثون إلى نقاط تتعلق بتوازن القوى بين أعضاء هيئة التدريس والطلاب، با في ذلك السيطرة التي قد يمارسها الدارسون من الرجال 32.

يقودنا استعراض الكتابات السابق إلى أسئلة مهمة. ما النزعات المتباينة التي تشكل المناهج الدراسية وتتحكم في اختيارها وكيف تتأثر بآليات الفصل الاجتماعي؟ ما استراتيجيات التدريس والتعليم المستخدمة وكيف تؤثر على المعنيين بها؟ ما الأطر والأماكن والأدوات المستخدمة في التدريس وكيف ينظر إليها ويتم التعامل معها؟ أما السؤال الرئيسي فهو: “ما طرق التمثيل السائدة في التعليم العالي التي تشكل تجارب النساء؟نجيب عن ذلك السؤال من خلال البيانات الواردة في الفصل التاسع.

تظهر لنا عدة أسئلة محورية تدور حول نظرة المرأة للوقت الذي تنفقه في عملية التعليم العالي. ففي مجال العمل تبيع المرأة وقتها للآخرين. أما في البيت فهي تمنح أو تجبر على منح وقتها للبيت. فماذا يعني الوقت في مجال التعليم؟ وكيف تفكر المرأة في هذا الأمر؟ هل تعده وقتاً تنفقه من أجل الآخرين؟ هل هو فرصة لتنمية قدراتها على التفاوض على قيمة وقتها في سوق العمل، أو أنه وقت تنفقه من أجلها هي شخصياً؟ كيف توفر المرأة عنصري الزمان والمكان اللازمين للدراسة؟ هنا تكتسب الخبرات والتجارب المتصلة بال عرقوالسن والمقدرة أهمية متساوية. “تتولد النظرة إلى الذات وتتشكل عن طريق عوامل هيكلية، وهي العوامل التي تنتج بدورها النظرة إلى الهيكل نفسه 33. فعلى سبيل المثال تناقش بيفرلى سكيجز 34 الدور الذي تلعبه الطبقة الاجتماعية ليس فقط كسياق يحث داخله على سلوك معين ولكن كمنظومة للمشاعرتؤثر بقوة في عملية اتخاذ القرار. تنشغل المرأة بإعادة تصور عالمها الاجتماعي والمكاني والزماني حتى يتسنى لها توفير الوقت والمكان لدراستها. وتناقش سكيجز هنا ثلاثة مجالات للبحث هي: عملية اتخاذ القرار بالالتحاق بالتعليم العالي، والنظرة إلى المناهج الدراسية والبنية التعليمية، وتوفير المكان والزمان من أجل الدراسة.

تری آن وايتأن التحليل الأكاديمي للقرارات الخاصة بالالتحاق بالتعليم العالى طالما وقع تحت سطوة الدراسات النفسية المرتبطة بالدوافع، تلك الدراسات التي تجنح إلى التعليمابراز دور الفرد أكثر مما تبرز دور الجماعة، مع إغفال البعد الاجتماعي لقرار العودة إلى التعليم35. أما هايدي ميرزا، فتتبنى نموذجًا اجتماعيًا ترى في إطاره أن هناك حاجة تعليمية جمعية وملحة في أوساط الشابات السود للالتحاق بالجامعة ومتابعة تعليمهن العالى“. وبالرغم من أن بعض المعلقين يرون في ذلك تعبيرًا عن الرغبة في الامتثال فإن ميرزا ترى أن الشابات السود يحاولن خلق ميادين ذات تأثير قوى تكون منفصلة عن، وفي الوقت نفسه مشتبكة مع القهر الموجود في الواقعفالنسوة السود يناضلن من أجل الدخول في سياق التعليم حتى يستطعن تغيير الفرص المتاحة أمامهن ومن ثم زعزعة الأفكار والتوقعات العنصرية36. أما فيما يختص بالدوافع، فتناقش جيليان باسكال وروجر كوكس مجمل العوامل التي تؤثر في قرارات النسوة البيض العودة إلى التعليم، وهما يشيران إلى شبكة من العوامل الاقتصادية المرتبطة بالأسرة ومن بينها الإحباط الذي تولده أمور مثل: الأعمال منخفضة الأجر، والانهيار العائلي، والحاجة إلى الاستقلالية، والنظرة السلبية تجاه دور ربة المنزل بالإضافة إلى النظرة غير المحددة للأمومة. على ذلك، ينظر إلى التعليم العالى على أنه نقطة بداية لمرحلة جديدة تتمثل في تحرر النساء من التبعية للمنزل والعمل منخفض الأجر37.

وقد كتبت كالوانت بوبالعن الضغوط التي تتعرض لها المرأة في آسيا لكي تلزم المنزل وتتزوج وهي في السن التي من المفترض أن تبدأ فيها مرحلة التعليم العالى38. وكذلك تتحدث أوما نارايان عن نظرة الأمهات غير الواضحة تجاه التعليم: “لقد أورثتنا أمهاتنا وتراثنا الثقافي آراء كثيرة ومتضادةفهن على سبيل المثال يمتدحن التعليم في الوقت نفسه الذي يحذرننا فيه من مخاطره39 وتعبر بل هوكزعن فكرة مشابهة: “يشجع الكثير من الآباء والأمهات السود بناتهم على التعليم في ذات الوقت الذي يحذروننا فيه من مخاطره40. وتتجلى هنا النظرة إلى التعليم العالي كطريق للخلاص من القهر قد يؤدي في الوقت ذاته إلى الانفصال عن المجتمعات التي تعيش النساء بداخلها وعن المفاهيم والمعارف التي تنتجها تلك المجتمعات.

وتؤكد كارن ديفيز41 دلالة التعليم العالى في سياق الحصول على عمل مدفوع الأجر. فقد ذهبت معظم النساء اللاتي قابلتهن وينتمين إلى الطبقة العاملة إلى أن العودة إلى التعليم تعد إهدارًا للوقت، ولم ترين فيها طريقًا يؤدى إلى العمل مدفوع الأجر. هنا ترى آن وايتأن المرأة قد تجد المبرر لعودتها إلى التعليم في تحقيق مصلحة الآخرين، فمن الواضح أنه حتى عندما تقرر المرأة أن تعود إلى التعليم، أي عندما يزداد لديها الحافز وتقرر التغيير، فإن ذلك القرار يظل مرتبطاً لدى كثير من النساء باعتبارات عائلية أو مهنية أكثر من ارتباط باحتياجات ورغبات شخصية42.

تناقش روزاليند إدواردز43 نظرة المرأة لمدى ارتباط المناهج الدراسية بتجاربها وخبراتها الأخرى. وتوضح الأبحاث التي أجرتها على المرأة الدارسة أن الأخيرة تنظر إلى الوقت الذي تنفقه على النشاطات المختلفة في صورة تسلسل هرمي. فمثلاً نجد الأساتذة يتناولون تجارب المرأة في مجال العمل في حين لا يتناولون تجربة الأمومة، مما يولد عند الدارسات شعورًا بتدني قيمة الأمومة وبمرتبتها الدنيا في السياقات الأكاديمية44.

أما فيما يتعلق بالبيئة الدراسية فتناقش بل هوكزأفكار النساء السود في مجال التعليم العالى. “ترى الكثيرات منا أنه يتعين علينا فصل أنفسنا عن تجارب قومنا من السود، وعن تجارب السود المقهورين التي مادامت شكلت واقعنا، وذلك لكي نسهل على أنفسنا النجاح الذي ننشده في مجال التعليم45. وقد يحدث ذلك كنتاج للنشاطات الأكاديمية التي تشجع الأكاديميين على التعامل مع أفكار وتجارب الآخرين كمصادر لتوضيح بعض الأطر الذهنية المعدة مسبقاً، وذلك بعد إخضاعها لعملية انتقائية 46. ونرى في كثير من الأحيان نزوع زملاء الدراسة والأساتذة إلى عمليات سطحية لتصنيف وقولبة الطلاب من السود أو الذين ينتمون إلى الطبقة العاملة أو المعاقين. وفي الوقت نفسه قد تساعد رؤية الأمهات الدارسات للبيئة التعليمية على ترسيخ رؤيتهن للمكانة الدنيا للأمومة في التعليم العالي47. مثال على ذلك: قلة وجود خدمات لرعاية أطفالهن، وعدم تمكنهن من معرفة الجداول الدراسية مسبقاً بحيث يمكنهن التخطيط لترك أطفالهن في أماكن أخرى. علاوة على ذلك، قد تتغير رؤية الدارسات للبيئة التعليمية تغييرًا كبيرًا نتيجة لمرورهن بخبرات يتجلى فيها العنف ضد النساء داخل الحرم الدراسي أو خارجه 48.

تتطلب عملية إيجاد الزمان والمكان للمذاكرة من الطالبات إعادة تصور وإعادة تنظيم لعنصري الزمان والمكان في مجالات أخرى في حياتهن. وقد تركز البحث في مجال النساء والتعليم العالي أساسًا على تجارب وخبرات النساء داخل مؤسسات التعليم العالى، وقد قامت بعض الباحثات بتقفى العلاقة بين ميداني التعليم والمنزل49. وقد بحثت روزاليند إدواردز الطرق المعقدة التي تقوم من خلالها النساء بالفصل والربط بين ميداني العائلة والتعليم العالى، إلى جانب دراستها للجهد المعنوى والجهد المبذول داخل المنزل. وقد وجدت أن ربع عدد العينة التي قامت بدراستها قد انفصلن عن شركاء حياتهن بعد انتهائهن من الدراسة. ومن هنا ترى إدواردز أن العائلة والتعليم العالى يمثلان ميدانين جشعين“. فالنساء لديهن وقت قليل في حين يستغرق الاهتمام بشئون شركاء حياتهن معظم وقتهن“. وقد أشارت النساء أنفسهن في بعض المناسبات إلى احتمال استحالة التوفيق بين مطالب الأسرة ومطالب التعليم العالي إذا أخذنا في الاعتبار حجم الوقت الذي يتطلبه كل منهما، خاصة الوقت المطلوب لرعاية الأولاد50. ويرى بعض شركاء الحياة أن التعليم العالى ينتهك خصوصية المنزلمن الناحية المادية والمعنوية على حد سواء. وقد تحدثت النساء عن ضيق الأماكن المتاحة للمذاكرة داخل المنزل، فبعضهن يذاكرن دروسهن في المطبخ، أو مع جهاز تليفزيون مفتوح. كما تحدثن عن أن عددًا محدودًا من الموضوعات الدراسية يمكن مناقشتها مع شركاء حياتهن دون إعطائهم إحساسًا بالتهديد.

وبصفة عامة، لم تنجح المرأة الدارسة في معظم الأحوال في محاولاتها للربط بين ميدانى الأسرة والتعليم العالى عن طريق إثارتها لموضوعات معينة في قاعات الدرس أو في المنزل، أو عن طريق اصطحاب عائلتها في زيارة للجامعة أو استقبال زملائها في الدراسة داخل بيتها. وعليه فإن الدارسات اللاتي قد نجحنهن اللاتي استطعن الإبقاء على السياقين منفصلان. ترى إدواردز أن البحث في مجال التعليم العالى قد اتخذ إحدى الوجهتين: إما إلى مناقشة المأزق الذي تشكله النساء في التعليم العالى أو مناقشة الصعوبات التي يمثلها التعليم العالى للمرأة الدارسة. ولا تمكننا طبيعة المفاهيم الجنسية من الاكتفاء بأحد الطريقين، فكما تری مادلين جروميه51: “يجب ألا تغيب عنا فكرة تلك العلاقة الجدلية، والتي نجد فيها كلاً من البيئة الأكاديمية والبيئة المنزلية تؤثر كل منهما في طبيعة الأخرى، وألا تتحول نظرتنا إلى تلك العلاقة إلى مجرد نظرة سطحية مؤسسة على السببية“. وخلاف ذلك من المهم أن ندرس الطرق التي تستطيع النساء من خلالها التوفيق بين المتطلبات الكثيرة المتوقعة منهن سواء في مجال العمل بالأجر أو العمل المنزلى، إلى جانب البحث في الطرق التي يحاولن بها الفعل وبناء التصورات وإعادة تنظيم مجالات التعليم العالى والمنزل والعمل بأجر وأوقات الفراغ والمجتمع.

نلحظ أن عرض الدراسات السابق لم يشر كثيراً إلى محاولات النساء تغيير الوضع داخل المؤسسة الأكاديمية52 أو إلى التغييرات الراديكالية التي أحدثتها النساء في أنماط الأداء وطرق التمثيل في التعليم العالي. فعلى سبيل المثال بذلت المرأة جهدًا كبيرًا للحصول على جداول دراسية مناسبة، ورعاية ملائمة للأطفال، إلى جانب تغيير المناهج الدراسية والوصول إلى طرق تدريس تتميز بمشاركة الدارسين وتتمركز حول الطالب. وقد كتبت سو جاكسون 53 عن المناهج الدراسية في مجال دراسات النساء كميدان للمرأة الناشطة في التعليم العالي. فالمرأة باعتبارها مركزاً للفعالية لها دور حيوي في إعادة تشكيل وتنظيم التعليم العالى، حيث تقوم بدور مؤثر في إعادة تشكيل النظرة إلى المكان في العملية التعليمية، في حين تطالب بالمزج بين التخصصات وإعادة تقييم المعنى الاجتماعي للتعليم.

يقودنا استعراض الدراسات السابق إلى أسئلة مهم. ما: العمليات التي تتحكم في التحاق الطالبات بالتعليم العالى بما فيها تلك المتعلقة بالمنزل والعمل بأجر وأوقات الفراغ؟ كيف تتعامل المرأة مع المناهج الدراسية والبيئة التعليمية؟ كيف تنظر المرأة إلى عنصر المكان في العملية التعليمية وكيف تستخدم ذلك المكان بما فيه نزل الطالبات ومقار اتحادات الطلاب والمكتبة؟ كيف تتعامل المرأة الدارسة مع الأمور المتعلقة بالوقت والمكان المخصصين للدراسة مع أناس آخرين داخل المؤسسة التعليمية بمن فيهم الهيئات المعاونة والمدرسين والزملاء؟ والسؤال الرئيسي هو: “ما الأنشطة المادية والمعنوية التي تتخذها النساء اللاتي ينتمين إلى مستويات اجتماعية مختلفة فيما يتصل بمؤسسات التعليم العالي حتى يخلقن لأنفسهن الوقت والمكان للدراسة؟نجيب عن هذا السؤال من خلال البيانات الواردة في الفصل العاشر.

ترى كير ديلي أن الإنتاج المعرفي في الجامعات بعد مجالاً للصراع ليس فقط بين المرأة والرجل ولكن بين النساء أنفسهن، فالاختلافات بيننا ليست فقط اختلافات استطرادية أو نظرية. إنها اختلافات مادية وسياسية تجعلنا نرفض طرقاً مختلفة للمعرفة والحياة أو نخضع لهاولكننا أيضاً لا نتوقف عن تعطيل وزعزعة أنماط الأداء والمفاهيم السائدة، بينما نفشل وتهرب ويصيبنا الضعف وتثقلنا الضغوط وننهار أحيانًا“54. وها نحن الآن نرى المفاهيم السائدة في التعليم العالى تتغير، ونرى مفاهيم العمل المرتبطة بالتطور الرأسمالي والقيم الاستهلاكية تلعب دورًا قويًا في تشكيل أنماط الأداء الزمانية والمكانية في التعليم العالى. نرى في التعليم العالى حاليا قواعد تنظيمية أكثر صرامة ونزوعًا إلى تطبيق تكنولوجيا إدارة الأعمال، إلى جانب سيادة قيم ثقافة المؤسسات التجارية الكبيرة. يمر التعليم العالى في الوقت الراهن بعملية إعادة هيكلة فيها يختص بالتنظيم والمناهج وعملية التدريس. وما زلنا نرى الأفكار القديمة فيما يتعلق بالجندر وغيرها من آليات الفصل الاجتماعي، إلى جانب أنماط الأداء التعليمية المرتبطة بتلك الأفكار متمثلة في المنهج الدراسي وفي البيئة التعليمية وطرق التدريس. وتشكل تلك الأنماط السائدة تجارب المرأة في التعليم العالى، والتي تتشكل أيضا بأنماط أدائية أخرى في مجالات أخرى من حياتها. فالمرأة تتحاور مع عالمها الاجتماعي وتعيد تنظيمه وتعيد تشكيل النظرة إليه حتى تتمكن من خلق الزمان والمكان اللذين يتطلبهما التعليم العالي في حياتها.

رندة أبو بكر: أستاذة مساعدة بقسم اللغة الإنجليزية، جامعة القاهرة، لها ترجمات منشورة ومهتمة بالأدب المقارن والأدب الأفريقي.

(*) من كتاب Gender, Space and Time: Women and Higher Education, London: Lxington Books, 2006.

1 – إيدن فوستر کارتر، علم اجتماع التطور، في علم الاجتماع: إتجاهات حديثة، تحرير مايك هارالامبوس (أورمسكيرك: كوروای)، 181.

2 – جيليان باسكال وروجر كوكس، التعليم والتبعية للمنزل،الجندر والتعليم 5، العدد 1 (1993): 17 – 35؛ روزاليند إدواردز، المرأة الدارسة: الفصل والربط بين الأسرة والتعليم (لندن: تيلور آند فرانسیس، 1993)؛ هیلاری آرکسی وإيان مارشانت وشيريل سمل، الكفاح من أجل درجة علمية: خبرات النساء الدارسات في الحياة الجامعية (وحدة الإبداع في مجال التعليم العالى بجامعة لانكاستر، 1994).

3 – ماری ف. بیلنکی وبلايث ماكفيكر ونانسی ر. جولدبرجر وج. م. تاريول، طرق المرأة للمعرفة: تطور الذات والعقل والصوت (نيويورك: باسك بوكس، 1986)؛ كم توماس، الجندر والفرد التابع في التعليم العالي (بكنجهام: جمعية دراسات التعليم العالى ودار نشر التعليم المفتوح، 1990)؛ هيمانی بینرجی ولندا کارتی وکاتی دیلی وسوزان هيلد وكيت ماكينا، علاقات مضطربة: الجامعة كموقع للكفاح النسوى (تورنتو: دار نشر المرأة، 1991)؛ جوان دى جروت وماري ماینار، محررتان، دراسات المرأة في التسعينات من القرن العشرين: طرق مختلفة للفعل (هامبشر: ماكميلان، 1993)؛ روزان بن وجين إليوت وبات والى، محررون، تعليم ريتا وأخوتها: المرأة والتعليم المستمر (ليستر: المعهد القومى للتعليم المستمر للكبار، 1998).

4 – کریسی کانان، ثقافة المؤسسات التجارية الكبيرة والعلاقات الاجتماعية المهنية والتعليم في مجال العمل الاجتماعي في بريطاني،السياسات الاجتماعية التقدية العدد 42 (شتاء 1994/ 1995): 5 -18؛ لينا دومینیللی وآنكى هو جفلت، العولمة وإخضاع العمل الاجتماعي للتكنوقراطيا،السياسات الاجتماعية النقدية العدد 16، رقم 2 (مايو 1996): 45- 62.

5 – فيرونيكا ماكفني، الرقص في الطريق إلى المستقبل: التطورات في مجال تعليم الكبار،في تعليم ريتا وأخوتها: المرأة والتعليم المستمر، تحرير روزان بن وجين إليوت وبات والى (ليستر: المعهد القومي للتعليم المستمر للكبار، 1998)، 16؛ فیف آندرسون وجين جاردنر، التعليم المستمر في الجامعة: القديم والجديد والمستقبل، في تعليم ريتا وأخوتها: المرأة والتعليم المستمر، تحرير روزان بن وجين إليوت وبات والى (ليستر: المعهد القومي للتعليم المستمر للكبار، 1998)، 24.

6 – کم توماس، الجندر والفرد التابع.

7 – باسكال وكوكس، التعليم والتبعية للمنزل“.

8 – آن وايت، النظرة إلى احتياجات الطلاب: مدخل نسوى” (ورقة مقدمة في مؤتمر رؤية عن قرب للتعليم العالى،جامعة وسط لنكشر، 6 – 8 يوليو 1998)، 4.

9 – لز ستانلی، التطبيقات النسوية وصيغ الأنتاج الأكاديمية،في التطبيقات النسوية، تحرير لز ستانلى (لندن: راوتليدج، 1990).

10 – بيفرلى سكجز، تشكيلات الطبقة والجندر: أن تصبح محترمًا (لندن: سيج، 1007)

11 – بينرجي وكارتي وديل وغيرهم، علاقات مضطرية.

12 – باربرا آدم، مراقبة الوقت: التحليل الاجتماعي للوقت (كيمبردج: دار نشر بولیتی، 1995)، 61.

13 – أنظر على سبيل المثال قانون إصلاح التعليم البريطاني 1988.8، والذي أضعف سلطة الأكاديميين في مجالس التمويل الدراسي في مقابل توسيع سلطات الموظفين.

14 – دافنی سبین، مساحات مبنية على الجندر (تشابل هیل: دار نشر جامعة نورث كارولينا، 1992)، 4.

15- چون برد، الطلاب السود والتعليم العالى: الخطاب والواقع (ملتون كينيا: دار نشر التعليم المفتوح، 1996)؛ مايك أوليفر وكولن بارنز، السياسات الاجتماعية: من الإقصاء إلى التضمين (لندن: لونجان، 1998).

16 – كانان، ثقافة المؤسسات التجارية الكبيرة.

17 – التايمز للتعليم العالى 27/ 2/ 1998.

18 – دومينيللي وهو جفلت، العولمة والتكنوقراطيا،” 48.

19 – دومينيللي وهو جفلت، العولمة والتكنوقراطيا،” 50.

20 – دومينيللي وهو جفلت، العولمة والتكنوقراطيا،” 52.

21 – کیم توماس، الجندر والفرد التابع.

22 – رومی بوروا وكائلن كلاود وسابودرا سیشاردی و تی. إس. ساراسوائي وجين تي. بيترسون وأميتا فيرما، محررون، التعامل مع الأمور المركبة: نظرة بينية للمرأة والمنزل والتطور (لندن: سيج، 1994).

23 –

24 – سبين، مساحات مبنية على الجندر، 168.

25 – سبين، مساحات مبنية على الجندر، 223.

26 – ميج ماجوايار، في أوج حياتهن: المرأة المتقدمة في العمر والتعليم العالي،في تخطى الحواجز: المرأة في التعليم العالي، تحرير لويز مورلي وفال والش (لندن: تبلور وفرانسيس، 1996)، 34؛ كرستين زمروزك وبات واونی، دراسات المرأة والمرأة العاملة،في البحث المستميت عن رابطة بين النساء: التحدي والبناء المستمرين، تحرير ماجدالين آنج ليجيت وكرس كورن و هنري ملسوم (لندن: تيلور وفرانسيس، 1997).

27 – سيريل إل. آر. جيمز، الدراسات الإفريقية والطالب المعاصر،في موعد مع الانتصار، تحرير سيريل إل. آر. جيمز (لندن: آلیسون وباسبي، 1969/ 1984)، 194،

28 – كيلي كوت بجنيل، بناء التطبيقات النسوية من النظريات النسوية: أهمية آراء الطالبات، ملتقى دراسات المرأة العالمي العدد 19، رقم 3 (1996): 315- 25؛ سو جاكسون، مساحات آمنة: إختيارات المرأة وحدودها في الجامعة المبنية على الجندر” (ورقة مقدمة إلى مؤتمر دراسات المرأة بعنوان مساحات مبنية على الجندر، يوليو 1998).

29 – جانيس مولتون، نسق فلسفى: الأسلوب التضادي،في المرأة والمعرفة والواقع: دراسات في الفلسفة النسوية، تحرير آن جاری ومارلين بيرسال (لندن: راوتليدج، 1996).

30 – جاكسون، مساحات آمنة.”

31 – روث هوليداي وجابل لیثربی ولیزلی مان وكارن رامزي وجيليان رينولدز، مكان خاص بناءفي خلق التواصل: دراسات المرأة، حركات النساء. حياة النساء، تحرير ماری کینیدی وکیلی لوبلسكا وفال والش (لندن: تيلور وفرانسيس، 1993).

32- جايل ليثربي وين مارشيانك، التحرك بإقدام: مساحات آمنة وأماكن مبنية على الجندر في الدراسات النسوية” (ورقة مقدمة إلى مؤتمر دراسات المرأة بعنوان مساحات مبنية على الجندر، يوليو 1998).

33 – وايت، إحتياجات الطالبات،” 8.

34 – سكيجلا، الطبقة والجندر.

35 – وايت، إحتياجات الطالبات،” 6.

36 – هايدي إس. مرزا، النساء من أصول إفريقة والتعليم: حركة جمعية من أجل التغيير الاجتماعي، في الدراسات النسوية للسود في بريطانيا: مقالات مختارة، تحرير هايدى سافيا مرزا (لندن: راوتليدج، 1997)، 286.

37 – باسكال وكوكس، التعليم والتبعية للمنزل،” 31.

38 – کالوانی بوبال، الجندر والعرق والنظام الأبوى: دراسة حول المرأة في جنوب آسيا (ألدير شوت: آشجیت، 1997).

39 – أوما نارايان، الثقافات المتناحرة: “الأخذ بالنموذج الغربي واحترام الثقافات والدراسات النسوية في العالم الثالث،في الموجة الثانية: مجموعة مقالات في النظرية النسوية، تحرير ليندا نيكلسون (لندت: راوتليدج، 1970/ 1997)، 399.

40 – بيل هوكس، إثارة الموضوع: التفكير بأسلوب تسوى – التفكير من منظور أسود (لندن: شيبا، 1989) 98.

41 – کارن ديفيز، المرأة والوقت: نسج خيوط الحياة اليومية (ألدير شوت: آفیبری، 1990).

42 – وايت، إحتياجات الدارسات،” 10، مؤسسة على آراء ماكينتوش (1990).

43 – روزاليند إدواردز، المرأة الدارسة: الفصل والربط بين الأسرة والتعليم (لندن: تيلور آند فرانسيس، 1993).

44 – روزاليند إدواردز، إتاحة الفرصة ومصادر القوة: تجارب الأمهات الدارسات في التعليم العالي،في المرأة والسياسات الاجتماعية: مقالات مختارة، تحرير كلير أنجرسون وماري كمبر (لندن: ماكميلان، 1997)، 272؛ جاكسون، مساحات آمنة،” 3؛ ماري إف. بیلینکی وبلايث ماكفيكر ونانسر آر. جولدبيرجر وجي. إم. تاريول،، طرق المرأة للمعرفة: تطور الذات والعقل والصوت (نيويورك: باسك بوکس، 1986)، 15.

45 – هوكس، إثارة الموضوع، 99.

46 – كيت ماكينا، موضوعات الخطاب: تعلم اللغة المطلوبة،في علاقات مضطربة: الجامعة كموقع للكفاح النسوي، تحرير هياني بانيرجي وليندا کارتي وكبرى ديلى وسوزان هيلد وكيت ماكينا، (تورنتو: دار نشر المرأة، 1991)، 114، نقلاً عن سميث (1990).

47- إدواردز، إتاحة الفرص ومصادر القوة،” 274.

48 – جاكلين دابليو. وايت وجون إى. همفری، منظور أفقى لدراسة الاعتداءات الجنسية. إعتبارات نظرية ومنهجية،في البحث في العنف الجنسي ضد المرأة: مداخل منهجية وشخصية، تحرير مارتن دي. شفارتس (ثاوسائد أوكس، كاليفورنيا: سيج، 1997)، 23، نقلاً عن كوس وجيدييز و ویسنوسکی (1987)، الذين درسوا 6200 طالباً في التعليم العالى في 2 3 مؤسسة جامعية بالولايات المتحدة ووجدوا أن 53.8 طالبة في مرحلة ما قبل التخرج قد تعرضن للعنف الجنسي في أحد الأوقات.

49 – إدواردز، النساء والتعليم؛ باسكال وكوكس، التعليم والتبعية للمنزل“.

50 – إدواردز، النساء في التعليم، 80.

51 – مادلين جورميه، المفاهيم والتناقضات والمنهج الدراسي،في مقالات مختارة في النظرية النسوية في التعليم الجزء الثالث: المعرفة، المناهج الدراسية والتنظيمات داخل المؤسسة، تحرير ليندا ستون (لندن: راوتليدج، 1994)، 150.

52 – لويز مورلي وفال والش، محررون، تخطى الحواجز: المرأة في التعليم العالى (لندن: تبلور وفرانسيس، 1996)

53 – جاكسون، مساحات آمنة.

54 – كيرى ديلي، أن تترك النعيم المنزلي: العمل من خلال الفلسفة النسوية،في علاقات مضطربة: الجامعة كموقع للكفاح النسوي، تحرير هيماني بانيرجي وليندا كارتي وكيرى ديلى وسوزان هيلد وكيت ماكينا (تورنتو: دار نشر المرأة، 1991)، 62-3.

اصدارات متعلقة

أزمات متوازية، ما نصيب النساء منها؟
الانتقام الإباحي.. تهديد رقمي يلاحق النساء ويقتلهن أحيانا
هل يجب علينا الاهتمام بالتغيرات المناخية
نص مليون من العاملين / ات بالخدمات المنزلية منزوعين/ ات الحقوق
التغيرات المناخية تمثل خطر كبير علي صحة الحوامل والأجنية بشكل خاص
“تمكين النساء لمواجهة التغيّرات المناخية”… مبادرة “عالم بالألوان” في مصر
نساء السعودية.. حقوق منقوصة وقمع متواصل
العنف الأسري ضد المرأة