الجنسانية من منظور نسوي

تاريخ النشر:

2016

اعداد بواسطة:

مقدمة

الجنسانية من منظور نسوي

“الجنسانية” مصطلح يشير إلى خطاب يتجلى في العديد من التخصصات، ما بين علم النفس والطب والتاريخ والدراسات الدينية والعلوم الاجتماعية والدراسات الثقافية والدراسات النسوية ودراسات الجندر، وغيرها. وتنطلق اختياراتنا للدراسات والمقالات التي يتضمنها هذا الكتاب من داخل الدراسات النسوية، بما تمثله من مساحة معرفية بينية تحتوي على خطابات متنوعة وتتقاطع مع تخصصات علمية وتوجهات فكرية عديدة وتحمل أجندة سياسية. ومن هنا جاء انتقاؤنا لمحتويات هذا الكتاب من منظور نسوي، بحيث تلقي سلسلة الدراسات والمقالات الموجودة هنا أضواء على الجنسانية كمفهوم ثقافي في الأساس وممارسات تتشكل اجتماعيًا، وتتصادم مع سلطات المجتمع الاجتماعية والدينية والسياسية، مع تسليط الضوء تحديدًا على تداعياتها على حياة النساء. إن مصطلح “الجنسانية” (sexuality) يعود استخدامه كمفهوم ثقافي إلى كتاب ميشيل فوكو الرائد “مدخل إلى الجنسانية” (Michel Foucault, An Introduction to Sexuality) الذي صدر بالفرنسية في عام 1976 قبل أن تتم ترجمته إلى اللغة الإنجليزية عام ١٩٧٨، ثم إلى لغات عديدة. وقد كان مدخل فوكو ثقافيًا تاريخيًا ركز فيه على تتبع خطاب الجنسانية وتجلياته من خلال علاقات القوى بين الرغبة الجنسية والمؤسسات الاجتماعية والسياسية، وتحديدًا في أوروبا منذ صعود الطبقة البرجوازية وقيمها الفيكتورية المحافظة في القرن الثامن عشر وما تبعه من تقييد للتعبير عن الهوية والممارسات الجنسية في العصر الحديث وصاعدًا.1 ولكن الحديث عن الجنسانية لم يبدأ عند فوكو، فقد سبقته دراسات عديدة، تناولت جوانب متعددة تتصل بالهويات الجنسية والممارسات الجنسية والسياسات الجنسية، وإن لم تستخدم حينها مصطلحات “الجنسانية” أو “الجندر”. الجنسانية (sexuality) مصطلح مشتق من الجنس (sex) ويشير بالتالي أساس إلى الذكورة والأنوثة، وتتنوع تعريفاته تبعًا للمرجعية التي ينطلق منها، طبية كانت أو نفسية أو دينية أو ثقافية، وتبعًا أيضًا للمنظور الذي يتم تناوله منه، أي المنظور الاجتماعي أم التنموي أم السياسي أم النسوي أم الجندري، وهلم جرا. وتتصل الجنسانية بدورها بمفهوم الجندر (gender) الذي يشير إلى علاقات القوى القائمة على أساس الجنس. ومن التعريفات المباشرة للجنسانية والجندر ما يرد هنا في دراسة ستيفي جاكسون “مقاربات حول الجندر والجنسانية” إذ تقول: “استخدم مصطلح الجندر منذ أوائل السبعينيات ليشير إلى المنظومة الثقافية التي تشكل الأنوثة والذكورة في مقابل الفروق البيولوجية بين الجنسين. وفي العادة يتضمن مفهوم الجنسانية الهويات والرغبات والممارسات الحسية باعتبارها مفهومًا مميزًا ومغايرًا للجندر وإن كان مرتبطًا به. والمفهومان، الجندر والجنسانية، ينطلقان من مفهوم الجنس” (ستيفي جاكسون، 95). وبالتالي تركز ستيفي جاكسون على عدم تعبير الجندر أو الجنسانية عن سمات بيولوجية ثابتة، وإنما ينطلقان من الاختلاف البيولوجي ليتشكل كل منهما اجتماعيًا وثقافيًا، مع ارتباط الجنسانية بالجسد، بينما يستند الجندر إلى علاقات القوى على أساس الجنس وينعكس على الأدوار الاجتماعية. ويتفق جيفري ويكس بشأن دور المجتمع في تشكيل الجنسانية باعتبارها هوية وممارسة وأسلوب حياة، مؤكدًا بدوره على أن “الجنسانية ليست معطى، بل نتاجًا لعمليات من التفاوض والصراع والفعل الإنساني” (جيفري ويكس، ص 74). أما التعريف الأشمل للجنسانية والذي يرد على صفحات هذا الكتاب فهو الوارد في دراسة وصال عفيفي وحسام بهجت، إذ يعرفان الجنسانية بوصفها مصطلحًا يشير إلى “كافة المشاعر والخبرات المتصلة بالجسد والحياة الجنسية وتشكل بالتالي مكونًا أساسيا في كيان النساء والرجال. والجنسانية تمثل تفاعلاً بين العقل والجسد وتتشكل نتيجة تفاعلات متشابكة بين العوامل البيولوجية والنفسية والقيم الدينية والمعتقدات الثقافية والوسط الاجتماعي المحيط” (وصال عفيفي وحسام بهجت، ص ۱۹۱). وفيما يتصل بعلاقة الجندر بالجنسانية، من منطلق الجنس الذي يولد به المرء، والتجارب التي تحدد الميول الجنسية، والهوية التي تتبناها الذات الفردية، وأخيرًا أدوات التعبير عن تلك الذات في الصورة التي يتبناها ويعكسها وأشكال السلوك التي يمارسها، فإننا نجد الفرد، رجلاً كان أم امرأة، يحمل جوانب أربعة، وهي الجانب البيولوجي، الميل الجنسي، الهوية الجندرية، والتعبير الجندري عن تلك الهوية. فمن حيث الجانب البيولوجي، يولد البشر حاملين أعضاء جنسية إما مذكرة أو مؤنثة أو مخنثة (أي تحمل سمات تجمع بين الذكورة والأنوثة)، وتتنوع ميولهم الجنسية، ما بين غيريّ الجنسانية، ومثليّ الجنسانية وثنائيي الجنسانية. أما من حيث الهوية الجندرية، فأكثرها انتشارًا هوية الرجل وهوية المرأة، مع وجود من يحملون هويات أخرى غير نمطية، كهوية الكوير (queer) أو المتحولين جنسيًا (transsexual). وأخيرًا فإن هذا المزيج الذي يجمع بين البيولوجيا والميل الجنسي والهوية يعبر عن نفسه من خلال معايير وأنماط الأنوثة أو الذكورة أو ما بينهما. وهي الجوانب التي تنبع من الجسد وتتشكل اجتماعيًا وتتجلى في الممارسات اليومية. هذا ويركز المنظور النسوي على وضع النساء في تلك المنظومة، كما تضفي الأيديولوجيا النسوية بعدًا سياسيًا بالاشتباك مع المؤسسات الاجتماعية والسياسية وتدخلات السلطة الحاكمة في حياة وأجساد النساء. وكما تخبرنا ستيفي جاكسون، فلقد “كانت قضية الجسد دائمًا مطروحة، بشكل ما أو بآخر في نقاش النسويات حول الجندر والجنسانية، بل وأصبح الجسد الساحة التي يدور عليها ذلك الجدل” (ستيفي جاكسون، ص ۱۰۹). وإذا تأملنا تلك المنظومة من منظور نسوي، فإننا نرى انعكاس جوانبها على كثير من تجارب النساء في الحياة اليومية بمجاليها العام والخاص، فمسألة التحرش على سبيل المثال، والتي بلغت مستويات الظاهرة الاجتماعية (ولم تعد تقتصر على حالات فردية) في مجتمع كمجتمعنا المصري، تتجسد فيها الجنسانية والجندر والنسوية من حيث الجنس والجسد والهوية هو والسلطة. فطرفا حالة التحرش يكونان في العادة ذكرًا وأنثى على المستوى البيولوجي، وفي سياق هيمنة نموذج الميل الجنسي الغيري، مع تبني الذكر معايير الذكورة التقليدية بما فيها من استعراض للقوة بل وممارسة للعنف الجسدي ضد جسد أنثوي. ولا تنتشر ممارسة ذات طابع جنسي كالتحرش دون وجود مؤسسات اجتماعية يسودها خلل في علاقات القوى بين الجنسين، لصالح الرجل وعلى حساب المرأة، وتلقى تلك الممارسة تشجيعًا ثقافيًا ومجتمعيًا بإعلاء نمط الذكورة التي تتسم بالقوة والعنف الجسدي من جانب، والميل دومًا إلى إدانة المرأة الضحية/ الناجية من جانب آخر، وبالتالي التساهل القانوني مع العنف الجنسي وعدم فرض تشريعات تجرم تلك الممارسة باعتبارها انتهاكًا لحقوق المواطنة والإنسان. ولا تقتصر تجليات الجنسانية على ممارسات مجتمعية كالتحرش، وإنما تتعدد سياقاتها التي تتمحور في معظمها حول جسد المرأة، أي انتهاك هذا الجسد وممارسة العنف الجنسي ضده. وتتمثل تلك الممارسات، كما تكشف لنا صفحات هذا الكتاب، في ممارسات مجتمعية تحتل مساحات ملتبسة بين الخاص والعام، تستهدف أجساد النساء تحديدًا، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: ختان الإناث أو التشويه الجنسي للإناث، كشوف العذرية والدخلة البلدي، التحرش والعنف الجنسي في المجال العام، قرار الحمل والإجهاض والصحة الجنسية والإنجابية، الدعارة وجرائم الشرف، وغيرها من مساحات الحياة الجنسية التي يتداخل فيها العام بالخاص، وتخضع فيها الجنسانية لأدوات الضبط الاجتماعي وممارسات السلطة السياسية. وهكذا تضفي الأيديولوجيا النسوية على الجنسانية بعدًا سياسيًا مباشرًا بتحويلها إلى مجال للنزاع السياسي، تكشف فيه النساء عن الخطاب التمييزي ضد النساء وممارساته الاجتماعية ومواقفه التشريعية. فلا تقتصر الجنسانية من المنظور النسوي على قضايا الذات والهوية والميل الجنسي والحالة النفسجنسية، وإنما تنتقل بها إلى مساحات العمل النسوي في مواجهة الممارسات المجتمعية والسياسية القائمة على الظلم والتمييز ضد النساء، والتحكم في جسد المرأة وحرمانها من حقوقها في صحة جنسية وجسد آمن وحياة عادلة. وأخيرًا فإن الجنسانية من المنظور النسوي هي قضية سياسية حقوقية تنطلق من المقولة النسوية السرمدية: إن التجربة الشخصية هي قضية سياسية.  

يأتي هذا الكتاب ضمن سلسلة “ترجمات نسوية” التي تسعى إلى ترجمة أهم الدراسات المؤسسة للتخصصات المعرفية المتنوعة من منظور نسوي. وتتضمن أعداد هذه السلسلة السابقة ما يلي: نحو دراسة النوع في العلوم السياسية، تحرير وتقديم ميرفت حاتم وترجمة شهرت العالم (۲۰۱۰)، النسوية والدراسات الدينية، تحرير وتقديم أميمة أبو بكر وترجمة رندة أبو بكر (۲۰۱۰)، النسوية والدراسات التاريخية، تحرير وتقديم هدى الصدة وترجمة عبير عباس (٢٠١٥). دراسة النوع والعلوم الاجتماعية، تحرير وتقديم هانيا شلقامي وترجمة سهام عبد السلام (٢٠١٥)، النقد الأدبي النسوي، تحرير وتقديم وترجمة هالة كمال (٢٠١٥)، النساء والتحليل النفسي، تحرير وتقديم عفاف محفوظ وترجمة عايدة سيف الدولة (٢٠١٦). وينطلق هذا الكتاب، النسوية والجنسانية، من قناعتنا بأهمية فهم مصطلح الجنسانية في سياق الدراسات النسوية والجندرية، وذلك بالجمع بين المعرفة النظرية والتاريخية، وتجلياتها في سياقات معاصرة قريبة منا ثقافيًا، وهو ما قمنا بترجمته هنا من اللغة الإنجليزية. كذلك رأينا أن نجمع في هذا الكتاب أبرز الدراسات والمقالات التي تتناول الواقع المصري وسبق نشرها هنا وهناك، ما بين مجلات أجنبية ومجلات مصرية وصحف مصرية ومواقع إلكترونية. وهكذا نرى في هذا الكتاب مرجعًا يضم دراسات نظرية ونماذج تطبيقية وتجارب مصرية، قسمناها إلى ثلاثة أجزاء تتجمع بين دراسات رائدة في السياسات الجنسية والجنسانية والجندر، وأخرى في سياق منطقة الشرق الأوسط بثقافاتها المتقاربة ممثلة في إيران وتركيا والعالم العربي، بينما أفردنا الجزء الأخير لمداخلات النسويات المصريات المعاصرات حول الجنسانية.

يبدأ القسم الأول من الكتاب بمقالة كيت ميليت “نظرية السياسات الجنسية” التي تتناول مفهومي الجنس والجندر بالتفصيل، ثم تنتقل إلى كلمة “سياسات” ومعناها وتعريفاتها على أساس العرق والطبقة والطائفة والجنس، وتفرد لهذا بعض المساحة. بعد ذلك تتناول المؤلفة فكرة السياسات الجنسية من خلال عدة محاور منها الأيديولوجية والبيولوجية والاجتماعية وكذلك الطبقة والاقتصاد والتعليم ثم العنف والأنثروبولوجيا والتي تناولت فيها الأسطورة والدين، وأخيرًا تناولتها من الجانب النفسي.

تلي هذا مقالة جيفيري ويكس “اختراع الجنسانية” والتي يبدأها باستعراض تاريخ مفهوم الجنسانية ثم يذهب إلى دراسة ما يقال عنه “جنسي” والحياة الجنسية بأنماطها، من نظام الأسرة والزواج إلى ما غير ذلك. ثم يسأل ثلاثة أسئلة يسعى إلى الرد عليها في مقالته وهي: التشكل الاجتماعي للجنسانية وكيف تؤثر فيها كل من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والأسباب وراء اكتساب الجنسانية الدلالة التنظيمية والرمزية التي اكتسبتها في الثقافة الغربية، والعلاقة بين الجنس والسلطة وكيفية تأثير الطبقة والجندر والعرق على هذه العلاقة.

ثم تأتي مقالة ستيفي جاكسون “مقاربات حول الجندر والجنسانية” التي تشتبك مع تعريف مفاهيم “الجندر” و”الجنسانية” و “الجنس”، موضحة الارتباك اللغوي الذي يجمع بين تعريف كل من هذه المفاهيم. وتُرجع المؤلفة هذا الارتباك إلى الأبوية والغيرية الجنسية، وتقول إن على النسويات كسر السلسلة الأبوية الرابطة بين هذه المفاهيم، كما تقترح خطوات للقيام بهذا. ثم تذهب بعد ذلك إلى التنظير حول المصطلحات الثلاثة، شارحة مفهوم الجندر، ثم البحث في التمييز بينه وبين مفهوم الجنس، وكذلك بينه وبين مفهوم الجنسانية، ثم تتناول المثلية وتجاوز الجندر والجسد.

بعد ذلك تأتي مقالة روث مازو کاراس “الهوية والجنسانية والتاريخ” التي تشتبك فيها مع بعض كتابات ثيو فان دير مير وكارلا فريكيرو وميشيل فوكو عن الجنسانية. وتشتبك بالأخص مع آرائهم المتعلقة بتاريخ الجنسانية. حيث تجد المؤلفة أنه بينما يرى منظرون وجود تحول حديث نسبي أدى إلى ظهور الجنسانية، مع كون تاريخها مبهمًا، إلا أن هناك خطابات تصف الجنسانية في القرون الوسطى وعصور ما قبل الحداثة.

وفي خاتمة القسم الأول من الكتاب، تأتي مقالة عبد الوهاب بوحديبة “الجنسي والمقدس” ليتناول الجنسانية في الإسلام. حيث يستعرض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تتعلق بالجنسانية ويُنظِّر ليس فقط لوجود الجنسانية في الإسلام بل وتمتعها بموقع مميز فيه أيضًا، ويصل بنهاية المقالة إلى قدسية الجنسانية في الإسلام. وتتناول المقالة الجنسانية من جانب الممارسة الحسية الممتعة بين الزوج والزوجة ومنع إيذاء الوظائف الجنسية للنفس أو الغير. هذا ويتطرق بوحديبة بإيجاز إلى بعض النصوص والتفسيرات في اليهودية والمسيحية أيضًا والتي تتناول الجنسانية هي الأخرى.

يبدأ القسم الثاني من الكتاب بمقالة “الجنسانية كمجال للنزاع السياسي في الشرق الأوسط” لبينار إيلكاركان، والتي تناقش نظرة الشرق والغرب إلى المثلية الجنسية وقضايا الجنسانية والمساواة في الجندر. ثم تعرض لكون هذه القضايا في الشرق الأوسط محل جدال سياسي وقانوني. ثم تعرض لعمل منظمات المجتمع المدني الدؤوب في الشرق الأوسط للدعوة للحقوق الجنسية والجسدية ومناهضة الممارسات التقليدية، مع الإشارة إلى أن الغرب يلصق هذه الممارسات بالإسلام، ثم تعرض رأي اليمين المحافظ في العالم، خاصة في الغرب، في قضايا الجنسانية لتخلص إلى كون الجنسانية مجالاً للنزاع السياسي على الساحة العالمية. كما تعرض الخط الزمني لمؤتمرات مختلفة موضحة كيف تحالفت الدول الإسلامية والمسيحية ضد الحقوق الجنسية عبرها، ثم تعرض أخيرًا السياق المتغير في الشرق الأوسط.

تأتي بعد ذلك مقالة “التحدث والكتابة عن جنسانيتنا” لعائشة غول ألتيناي لتتحدث عن فحوص العذرية في تركيا والفعاليات النسوية حول هذه القضية. تبدأ المقالة بالحديث عن بداية انخراط عائشة ألتيناي في العمل النسوي وعن اشتباكها مع قضايا العذرية والجنسانية. ثم تنتقل إلى الحديث عن العذرية وعن فحوص العذرية الإجبارية التي تخضع لها النساء في تركيا في حالات معينة سردتها الكاتبة، ثم تلفت النظر إلى كون هذه الفحوص اعتداء من الدولة ومن المجتمع على أجساد النساء. بعد ذلك، تتحدث عن جماعة نسائية أسستها هي وأخريات نظمن من خلالها لقاءات وفعاليات اختصت بعضها بقضية العذرية واختبار العذرية ومدى تأثيرها على هوية النساء الذاتية وجنسانيتهن، كما تتعرض أيضًا إلى قضايا مثل الشرف والتحرش.

تلي هذا مقالة عبد الصمد الديالمي “الجنسانية في المجتمع العربي المعاصر” والتي تبدأ بمناقشة إشكالية تعريف الجنسانية وقصور تعريف الجنس في الخطاب العربي المعاصر. ونظرًا لتشعب قضايا الجنسانية، فإن الكاتب يقرر اقتصار التناول على البنية العربية للهويات الجنسية، والتطورات الأخيرة للأطر الاجتماعية – من أشكال الزواج الجديدة ومعدلات الدعارة وجنسانية ما بعد الزواج – في سبيل جنسانية عربية جديدة, كما يركز على بعض المشكلات الاجتماعية المتعلقة بالجنس لجرائم الشرف والاضطرابات الجنسية والأمراض المنقولة جنسيًا.

وفي نهاية الجزء الثاني تأتي مقالة “عطايا المهبل” وفيها يحاول نبيل القط أن يؤسس فرضية جديدة يرد بها على فرضية فرويد عن “حسد القضيب”، وهي فرضية “حسد المهبل”، فيقول إن الأعضاء الجنسية الأنثوية محمية داخل الجسم بينما الأعضاء الجنسية الذكرية متدلية معرضة للخطر والأذى. فيتناول الكاتب تكوين الأعضاء الجنسية ومزايا المهبل في مقابل القضيب، سواء في تعددية المتعة أو تنوع الإمكانيات الوظيفية. ويخلص إلى أن الاعتداءات المختلفة على المهبل (من ختان وتحرش واغتصاب) هي دلائل حسد لدى الذكور تجاه المهبل، مستدلاً بذلك على أن نسبة المتحولات جنسيًا (من ذكور إلى إناث) هي ثلاثة أضعاف نسبة المتحولين جنسيًا (من إناث إلى ذكور).

يبدأ الجزء الثالث من الكتاب بمقالة “الحركة النسائية والحقوق الجنسية للمرأة المصرية” لوصال عفيفي وحسام بهجت، فيستهلان الدراسة بالحديث عن الحقوق الجنسية للنساء المصريات كحق لم يحصل على قدر كافٍ من الاهتمام بالمقارنة بباقي الحقوق التي ناضلت لأجلها مجموعات نسوية مختلفة على مدار السنين. ثم تناقش المقالة مدى أهمية الحقوق الجنسية في المقام الأول ثم تعرض الحركة النسائية المصرية منذ بداية القرن العشرين مقسمة إياها إلى عدة فترات: من بداية القرن العشرين إلى منتصفه، ثم فترة الخمسينيات والستينيات، ثم السبعينيات وما بعدها، وأخيرًا التسعينيات وما بعدها. وتنتهي المقالة بالدعوة إلى أجندة نسوية للحقوق الجنسية.

تتبع هذه المقالة دراسة اشتركت في كتابتها عايدة سيف الدولة وآمال عبد الهادي ونادية عبد الوهاب بعنوان “كيد النساء يغلب كيد الرجال” والتي تتناول الحقوق الإنجابية للنساء المصريات ونتائج بحث أجرته المؤلفات الثلاثة فتوصّلن إلى وجود قيم مشتركة تتجاوز الفوارق الجغرافية والثقافية لدى النساء في مختلف المجتمعات المصرية. وتتناول الدراسة مفهوم الحقوق الإنجابية أولاً ثم تذهب إلى دراسة الوضع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والقانوني والبنية الدينية والثقافية للجندر والسلطة ثم تنتقل إلى خدمات الصحة والصحة الإنجابية. بعد ذلك تتعرض لمنهجية ومواقع البحث الذي تناول الاستماع إلى نساء مصريات حول موضوعات كختان الإناث والزواج والعلاقات الجنسية والخلافات الزوجية والطلاق والعمل خارج المنزل والأمومة والاختيارات الإنجابية ومنع الحمل والإجهاض والعنف الزوجي.

يعقب تلك الدراسة مقالة أمل المهندس “ناجيات ولسن ضحايا” التي تعارض فيها استخدام لفظ “ضحايا” في وصف الناجيات من جرائم العنف الجنسي لما تحمله الكلمة من موقف ذكوري. وتقوم الكاتبة بالإشارة إلى العملية البدنية والنفسية التي تمر الناجيات بها منذ لحظة وقوع الجرم وحتى عملية التعافي التي تحدث بعدها. كما تؤكد أن الجرائم الجنسية جرائم عنف قد تترك أثرًا يُذكِّر الناجية بما تعرضت له، وأن المجتمع والإعلام يتعامل مع هذه الجرائم كونها جنسية وليست جرائم عنف. ثم تعرض المقالة العوار القانون المصري فيما يخص هذه الجرائم ورد فعل المجتمع المتباين بين المعتدي كدولة أو المعتدي كفرد من المجتمع، مشيرة إلى الظرف السياسي وتأثيره في التعتيم على جرائم العنف الجنسي.

ثم تتناول مزن حسن في مقالتها “التحرش الجنسي بين الحركة والحراك” قضية التحرش الجنسي، فتبدأ بإلقاء الضوء على تاريخ دخول القضية في حيز النقاش، فتعرض دخوله على استحياء في عام ٢٠٠٥، لتصل إلى ما شهدناه بعد ثورة يناير ٢٠١١ من حراك نسوي يتم بأشكال مختلفة في سبيل القضاء على التحرش الجنسي. وتشير الكاتبة إلى أن التحرش الجنسي يضر بتواجد النساء في المجال العام بأمان وسلامة. كما تعرض أشكال الحراك النسوي الذي يشتبك مع القضية، والتي قسمتها إلى ثلاثة أشكال. وتختم الكاتبة مقالتها بالتأكيد على أن دعم المجموعات المناهضة للتحرش الجنسي وسن قوانين رادعة ضد المعتدين سيؤدي إلى القضاء على التحرش الجنسي كما سيدعم وجود حركة نسوية قائمة على احتياجات المواطنات.

ونختتم الكتاب بمقالة هند زكي وداليا عبد الحميد “استباحة النساء في المجال العام” (وقد سبق نشرها في جزأين) والتي تتناول الوضع الحالي فيما يخص العنف الجنسي ضد النساء في مصر. وتبدأ المقالة بتعريف العنف الجنسي وبيان تجلياته في الواقع المصري، وتحاول الكاتبتان رصد علاقة العنف المجتمعي والعنف المؤسسي وعلاقة المجال الخاص بالمجال العام، وتحصين المجتمع لمرتكبي جرائم العنف الجنسي. ثم تتناول الدراسة الحركة المقاومة للعنف الجنسي ما قبل الثورة وما بعدها، وتطرح إشكالية طبيعة هذه الحركة كجزء من الخطاب والحراك الثوري والإشكالية المتعلقة بقدرة هذه الحركة على الاستمرار.

وهكذا يجمع هذا الكتاب دراسات نظرية ومقالات تعبر عن تجارب حول الجنسانية على مستوى العالم، مع تسليط الضوء على تجليات الجنسانية في الشرق الأوسط والمنطقة العربية، والتركيز على التجربة المصرية. ومن هنا يضم هذا الكتاب دراسات ومقالات سبق نشرها متفرقة، فقمنا بجمعها هنا مع ترجمة ما صدر منها باللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية جنبًا إلى جنب المقالات التي سبق نشرها حول الجنسانية باللغة العربية. وتعبر الدراسات والمقالات التي تم اختيارها في هذا الكتاب، بدرجة ما، عن التنوع القائم في مفهوم الجنسانية وخطاباتها، مع اتفاقها جميعًا على كون الجنسانية تتشكل اجتماعيًا، وانطلاقها من موقف يتبنى العدالة الجندرية إن لم يكن الأيديولوجيا النسوية.

 

1 Michel Foucault (1976). The History of Sexuality, Vol. 1: An Introduction, trans. Robert Hurley, N.Y.: Pantheon Books, 1978, pp. 3- 13.

شارك:

اصدارات متعلقة

أزمات متوازية، ما نصيب النساء منها؟
الانتقام الإباحي.. تهديد رقمي يلاحق النساء ويقتلهن أحيانا
هل يجب علينا الاهتمام بالتغيرات المناخية
نص مليون من العاملين / ات بالخدمات المنزلية منزوعين/ ات الحقوق
التغيرات المناخية تمثل خطر كبير علي صحة الحوامل والأجنية بشكل خاص
“تمكين النساء لمواجهة التغيّرات المناخية”… مبادرة “عالم بالألوان” في مصر
نساء السعودية.. حقوق منقوصة وقمع متواصل
العنف الأسري ضد المرأة
كيف تعزز ألعاب الفيديو الصور النمطية للجندر
عبور الفجوة الجندرية في صناعة الأمن السيبراني