الحديث عن ثورة النوع الاجتماعي وسياسات الزواج في مصر في بدايات القرن العشرين

تاريخ النشر:

2004

تأليف:

الحديث عن ثورة النوع الاجتماعي وسياسات الزواج في مصر في بدايات القرن العشرين

1– مقدمة:

ربما لا توجد لحظة أخرى في تاريخ مصر في القرن العشرين قد تم الاحتفاء بها كأكبر مد قومي مثل ثورة المصريين في 1919. إن الغضب الجماهيري ومظاهرات الشوارع التي اندلعت في مارس 1919 ضد حكم الاستعمار الإنجليزي كثيرا ما تسرد في كل من الذاكرة الجمعية للوطنيين أو في الدراسات الأكاديمية كلحظة فارقة في تطور القومية المصرية(1).

فعلى سبيل المثال، عادة ما يورد التأريخ الحالي للقومية المصرية أن ثورة 1919 كانت المرة الأولى التي خرجت فيها المرأة المحجبة من عزلتها، نزلت من الحريم لشوارع القاهرة في احتجاج سياسي ضد الاحتلال البريطاني. وبالفعل هناك عدد من الباحثين قد وصف المرأة المصرية بعدم الاشتراك عمومًا في الصراع من أجل الاستقلال الوطني حتى ثورة 1919 (راجع على سبيل المثال Marsot, Philipp, Salim, Al-Subqi )

هذه الرواية الرومانسية والأسطورية، لسوء الحظ، قد انتقصت من شأن العديد من المناقشات العامة والتي شارك فيها كل من الرجال والنساء وقد كان هذا سابقًا على الثورة. ولأن ثورة 1919 قد أصبحت أيقونة للحظة وطنية في التاريخ المصرى، لذا فقد طغت على تحليل مؤسسات ومناقشات أخرى قد ساعدت في تشكيل وتحديد مفاهيم الوطنية في بدايات القرن العشرين للمجتمع المصرى.

وبالمقابل، فإن هذه الثورة تطالب بقراءة مختلفة لتطور الوطنية المصرية في بدايات القرن العشرين. إنها تكتشف الوسائل التي عبر بها الكتاب الرجال والنساء عن مفهوم الأمة المصرية باستخدام الزواج كتعبير مجازي بين أعوام 1899– 1919. وهذه المرحلة مرحلة هامة حيث تكونت أفكار جديدة حول الزواج والقانون والوطنية والنوع الاجتماعي وأعيد تعريفها بشكل غير مسبوق. وأنا أرى أن مجادلات الصحف حول ما سمى «بأزمة الزواج»- والتي ارتأى العديد من أهل الصفوة المصريين أنها تقوض أركان الأسرة والنظام الاجتماعي– قد كانت بمثابة مجال تعلم فيه كل من الرجال والنساء أن يكونوا معاصرين، ووطنيين تقدميين وذلك قبل ثورة 1919 بعقود.

إن دراسة منهجية «لأزمة الزواج»، التي دائمًا ما يشير الكتاب المصريين إليها بلغة المفرد للإشارة إلى زيادة ملحوظة إما في نسبة العزوبية أو زواج القاصرات، سوف تكشف أن الزواج كان مجالا للصراع لتكوين الهوية الوطنية والتي جذبت الاهتمام المتنامي اجتماعيًا وقانونيًا للإصلاحيين الوطنيين والكتاب الصحفيين خلال العقدين الأولين من القرن العشرين. وإذا وضعنا مناقشات الزواج في قلب العملية التي تم التعلم من خلالها وممارسة التجربة الوطنية الحديثة في مصر المحتلة فسيمكننا أن نرى كيف أن النساء و(الرجال) كانوا بالفعل مشاركين سياسيين في تطور الوطنية المصرية قبل نزولهم للشوارع فی ۱۹۱۹ بزمن طويل.

 

إن الدراسات المعاصرة حول الوطنية المصرية قد بدأت تعتمد على تطور نظری حدیث لبعض الباحثين من أمثال بيندكت أندرسون ورنست جيلنر وإريك هوسبون والتي وسعت من إطار تحليل الوطنية. فعادة، كانت الدراسات التاريخية حول الوطنية المصرية منغمسة في التركيز على تاريخ النظريات السياسية والمؤسسات والشخصيات النخبوية (راجع على سبيل المثال Ahmed, Ghurbal, Goldschmidt, Al-Rafa’i, Ramadan, Safran, Vatikiotis, & Zayid)

بينما أعـادت الأدبيات الحديثة كتابة الأعمال القديمة بصورة فعالة، وما ينقص هذه الدراسات هو تحليل دقيق لتفاعل الأدوار بين النساء والرجال المصريين (راجع على سبيل المثال Beinin & Lockman, Coury, Gershoni & Jankowski).

هذه التفسيرات تميل إلى افتراض وجود تقابل حاد بين ثنائية المجال «العام» الوطني للرجال والمجـال الثقافي «الخاص» للنساء والأسرة وفي هـذا ترديد لرأی بارثا تشاترچی حول المجال الداخـلى / الخارجي للوطنيـة البنجالية الهندية والتي سعت لوضع «مسألة المرأة» في المجال الداخلي الروحاني وجعلت مركزهـا داخـل المنزل وتجسدها الأنوثة (The Nation & Its Fragments 116-134). وحتى بـث بارون والتي جـادلت بأن مشاركة النساء في ثورة 1919 لابد وأن ترى كاستمرار للمواقف التي سبق واتخذتها الصحافة النسائية في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين إلا أنها تدعى أن الصحافة الوطنية الذكورية كانت السياسة محور اهتمامها، بينما كتبت النساء مواضيع تتعلق بالمنزل بالدرجة الأولى(The Women’s Awakening in Egypt 61) وبالتأكيد سعت الباحثات أمثال ليلى أحمـد ومارجو بدران وبث بارون وسلمة بوتمان لإنقاذ النسويات المصريات من التعتيم التاريخي وذلك بالاعتراف بمساهمتهـن الهامة في الوطنية المصرية ولكن التركيز الرئيسي لهذه الأعمال منصبٌّ على أدوار وحياة نساء الطبقة العليا والمنظمات النسائية النخبوية مثل الاتحاد النسائي المصرى (EFU) واضعين حدًا قاطعًا بين النسوية المصرية والوطنية. وبينما تقدم الأدبيات الحالية رؤية هامة عن تطور الوطنية المصرية في القرن العشرين إلا أننى سأبتعد عنها بطريقتين هامتين، الأولى: سوف استخـدم الزواج كعدسة لدراسة تكوين ومنطوق الوطنية في مصر المستعمرة. ولسوء الحظ، فإن الدراسات حول الوطنية المصرية كثيراً ما تتجاهل الروابط الأساسية التي تصنع والتي تحطم الأسرة. وذلك على الرغم من اعتراف الباحثين حول الوطنية بأن «الأمة قد تم تصويرها بشكل ثابت عبر رموز مجازية للأسرة» (Eley & Suny 26). وكما تشير إتيان باليـبار فإن الموضوع الكبير للتاريخ الحديث للأسرة هو ظهور الأسرة «النووية» أو «الصغيرة» وهو يتجاهل «السؤال الأكثر أهمية» للباحثين حول الوطنية وهو: اختراق العلاقات الأسرية عن طريق تدخل الأمة– الدولة، وهذا يعني «تأميـم الأسرة» (۱۰۲، ۱۰۱). ولكننا لا نستطيع البـدء بالحديث عـن الأسرة أو الأمة بدون دراسـة الزواج: فالزواج هو المؤسسة الرئيسية للأسرة المصرية المتخيلة والمتباينة الجنس. وهي بامتدادها تشكل الأمة. وعليه، فإن دراسات الباحثين من أمثال مارلين بوث وكلاريسا لی بولارد والتي تؤكد أن تكوين الأسرة الحديثة أساس لمجتمع مدني، مما يجعل نموذج هذه الأسرة كمؤسسة لا خلاف عليه. وإننا فقط عن طريق دراسة الروابط الزوجية والتي صورت بأنها تعيش «أزمة» يمكننا فهم المنطوقات المتعددة والمتناحرة بالنسبة للأسرة والأمة المصرية، ونفهم كذلك كيف يفهم المصريون حقوقهم وواجباتهم بكونهم رعايا الدولة المتزوجين. إن تحليل «أزمة الزواج» في بدايات القرن العشرين سوف يساعدنا على توضيح العناصر المتضاربة في القومية المصرية والخلافات التي دارت حول سيطرة نموذج الأسرة «الحديثة».

ثانيا: إننى أبتعد عن الأدبيات الحالية حول القومية المصرية لأننى أستخدم النوع الاجتماعي كأداة رئيسية وكهدف للتحليل في نفس الوقت. وباستخدامي للنوع الاجتماعي كفئة للتحليل فإنني متأثرة بماري هـ. بلويت والتي تعرف النوع الاجتماعي بأنه «السلوك الملائم للذكر والأنثى والذي نتج عن جـدل سياسي وأصبح ثابتًا اجتماعيًا كتعبير عن الطبيعة الأصيلة للرجال والنساء» (92). واستنادًا إلى تعريف بـلويت، فقد بحثت الوسائل التي عالج بها كل من الرجال والنساء المصريين مفاهيم الرجولة والأنوثة لتتلاءم بصورة أفضل مع مصالحهم كأزواج وزوجات ووطنيين. لقد تحـريت الطرق المتعددة والمتعارضة لمفاهيم الأنوثة والذكورة والتي صاغتها النخبة في الصحف وكيف مزجوا معاني الزواج والشخصية القومية كلاً مع الآخر. ولأن النساء قد تم تجاهلهن تقليديًا في التأريخ المصرى فإن الدراسات السابقة قد ركزت تمامًا على أدوار وأحوال النخبة من النساء. أبحاث قليلة هي التي استخدمت بشكل فعال تحليل النوع الاجتماعي وذلك على الرغم من أن الباحثين في مجالات أخرى قد كتبوا بعض الأعمال الريادية وذلك منذ صدور كتاب النساء Influential Gender and Politics of History لجيمس سكوت.

لقد أدرك سكوت وغيره من الباحثين أهمية دراسة النوع الاجتماعي بجانب غيره من فئات التحليل مثل الطبقة والجنس والعرق. وحتى بين الجيل الجديد من مؤرخي النوع الاجتماعي نجد أن دراسات النوع الاجتماعي قد أغفلت بشكل كبير بنية الذكورة. ولكن مفاهيم الذكورة والأنوثة دائمًا ما يعاد نشرها ومناقشتها في علاقة كل منها بالآخر. وعليه فالباحثون لا يمكنهم الفهم الكامل لكيفية حدوث تجديد لأحدها دون دراسة الآخر.

إن الزواج على الأخص يعتبر وسيلة من أكثر الوسائل فاعلية في دراسة النوع الاجتماعي والوطنية في محيط معیاری متباين الجنس ولكنه مهمل بصورة كبيرة. وكما أشارت نانسی ف. كوت «إن المنظومة الكاملة من الرموز والمعاني التي نطلق عليها النوع الاجتماعي تعتمد وتأخذ بصورة كبيرة من البنية التي يقدمها الزواج. فتحويل كل من الرجال والنساء إلى زوجات وأزواج يحدد لكل من الجنسين الطريقة التي يتعامل بها مع العالم» (3).

وعلى الرغم من ذلك، فإنني لا أعنى أن الزواج لعب الدور الوحيد في تكوين النوع الاجتماعي في مصر المستعمرة. فبالقطع، يتكون النوع الاجتماعي عبر العديد من المؤسسات والخطابات والعمليات ولكنني أرى أن الزواج يكشف إحدى العمليات الحيوية والتي من خلالها يكتسب النوع الاجتماعي ويمارس في مصر المستعمرة. إن هوية النوع الاجتماعي وهوية الزواج متداخلتان: فالنوع الاجتماعي يتأثر بشدة بهوية الرجال والنساء المشكلة في صورة الأزواج والزوجات. والذكورة والأنوثة تتشكل بصورة كبيرة عبر الهوية الزوجيـة للأزواج والزوجات. وعليه فإن الطرق التي يتحول بها الرجال إلى أزواج والنساء إلى زوجات سوف تقدم لنا رؤية نقدية لدراسة تكون النوع الاجتماعي في بدايات القرن العشرين. وبالمثل، فإن النوع الاجتماعي هو أداة نافعة لدراسة الزواج والقومية. وكما أكد كل من إلاى وصنى فإن علينا أن ندرس أبعاد النوع الاجتماعي ومعانى الخطاب الوطني بصورة أكثر جدية، لأن ذلك يظل غيابا يدعو للدهشة في معظم الأدبيات البحثية.. ذلك المنطق الدقيق والمعقد والمتخفى لكل من الأنوثة والذكورة في تكوين الهوية القومية.. إنه يتطلب اعترافا واضحا (۲۷).

إن كلا من مارجو بدران ولورا بيير وبروس ديون Margot Badran, Laura Bier and Bruce W. Dunne هؤلاء القلة من الباحثين الذين تناولوا «أزمة الزواج» في مصر، قد نقلوا الاهتمام المتزايد في الثلاثينيات بمسألة العزوبية: إن أعدادًا ضخمة من رجال الطبقة المتوسطة العليا فضلوا العزوبية على الزواج إما بسبب أزمة 1930– ١٩٣٢ الاقتصادية والتي جعلت الزواج غير ممكن من الناحية المادية بالنسبة للرجل الأعزب، أو بسبب إتاحة المتنفس الجنسي عبر إتاحة البغاء، مما يمنع الرجال من طلب الزواج. إن التركيز على العزوبية من زاوية أزمة الثلاثينيات الاقتصادية أو البغاء، يبالغ في تبسيط الدلالات المتعددة لـ «أزمة الزواج». فبينما تميزت الثلاثينيات بحملات لإلغاء البغاء المرخص إلا أنه لم يكن هناك جديد حول ترخيص البغاء أو دعاوى لإلغائه في مصر(2). وبالمثل، فإن الكساد الاقتصادي في بدايات الثلاثينيات لم يكن الأول الذي تعانيه المستعمرة المصرية في ظل الاحتلال البريطاني. فقد سبق وعانت مصر من أزمة اقتصادية في عام 1907، أثرت سلبًا على سوق الزواج. إن التغيرات الاقتصادية تؤثر بشكل ثابت على اتفاقيات الزواج: فبالنسبة للطبقة المتوسطة المتنامية نتج عن دخول الاقتصاد الانجليزي– المصرى للسوق العالمي اهتمام شديد برأس المال والاستهلاك حيث أصبحت المستعمرة المصرية سوقًا للمنتجات الأوروبية. ووفقا لبارون فقد تحسر العديد من المعلقين في بدايات القرن العشرين على هذا الوضع، حيث أصبح المال «الكـل في الكل» (“The Making and Breaking of Marital Bonds” 279). إن رجال الطبقة المتوسطة وبخاصة هؤلاء الذين يحصلون على رواتب حكومية زهيدة اشتكوا من عدم قدرتهم على تحمل أعباء الزواج. ولقد لاحظت بارون أن الصحف النسائية قد صـورت هؤلاء الرجال كأنهـم «فارون من الزواج» وذلك في وقت مبكر، في نهايات ۱۸۹۰ (۲۷۹).

وبالفعل، كان هناك قارئ، هو محمد البرديسي، مهتم بزيادة العزوبية إلى الدرجة دفعته لكتابة رسالة لجريدة الأهرام، وهي قد تكون أكثر الجرائد اليومية القومية المقرؤة في ذلك الوقت، وقامت الجريدة بنشر الرسالة في الصفحة الأولى تحت عنوان «الشباب وبغضهم للزواج»(3). في هذه الرسالة أوضح البرديسي أن «أزمة الزواج» لها أهمية قصوى لديه لأن «مؤسسة الزواج كانت دائمًا حجر الزاوية الأساسي في تطور الحضارة.. وهي مسئولة عن حفظ الجنس البشرى وهدوء الضمير الإنساني» (1). وكان خوفه الأعظم منصبًا على أن الرجال لن يتزوجوا ولن ينتجوا أطفالاً للأمة المصرية المقبلة. وعلى الرغم من ذكره لعدة أسباب لعزوف الشباب عن الزواج ومن بينها قلة النساء المتعلمات جيدًا والمبالغة في المهور، فقد ألقي باللوم أيضًا على الركود الاقتصادي. وادعى البرديسي أن غالبية الشباب يكسبون خمسة جنيهات شهريًا، ويتطلب الأمر زمنًا طويلاً للادخار، من هذا المبلغ الضئيل مبالغ كافية للمهر وتكاليف الزواج، ناهيك عن المصاريف اللازمة لتنشئة أولادهم» (1).

لم يستهدف النقد في رسالة البرديسي العزاب الذين يفرون من الزواجكما أصرت Baron، ولكنه استهدف النساء غير المتعلمات والاقتصاد والأهل الماديين الذين يطلبون مهورًا مرتفعة ممن يطلبون بناتهم للزواج. إن الاهتمام بالعزوبية لا يمكن فهمه جيدًا بدون تحليل الاتهام الداخلي للمجتمع المصرى بـ «نقص النساء المتعلمات» و«المبالغة» في المهور. قارئ آخر– إبراهيم أحمد فتحى– تحسر أيضًا على «نفور الشباب من الزواج» واعتبره «ميكروبًا قد أصاب المتعلمين والفلاحين معًـا». ولكنه عارض بشـدة تفسير البرديسي لـ «أزمة الزواج» (۱-2). دحض فتحى ادعاء البرديسي بأن المجتمع المصرى يفتقد لنساء متعلمات ورجال برواتب كافية ولكنه وبنبرة قومية جلية أضاف «إن المصريين باستطاعتهم أن تكون لديهم مشاريع ووظائف.. ولكننا عندما ننظر حولنا نجد أن الشركات والمحال التجارية في أيدى الأجانب» (٢). وبينما ربط فتحى مباشرة بين «أزمة الزواج» والاحتلال البريطاني إلا أنه لام الرجال المصريين أيضًا:

فلو أن المصريين استغلوا إمكاناتهم بجدية وكثافة فإنهم يستطيعون إثبات وجودهم في التجارة وجمع ثروة طائلة. إن شباب هذه الأيام يقضون أوقاتهم في المقاهي وأماكن اللهو.. يبددون ما لديهم من مال، بينما يستطيعون لو اقتصدوا أن يدخروا مبالغ كبيرة من المال الذي ينفقونه في المقاهي، والشيشة، والشراب، واللهو (٢).

وبينمـا تناول فتحى الوضع الاقتصادي تحت الاحتلال البريطاني بنبرات مناهضة للاحتلال، إلا أن انتقاده لم يستهدف لا النساء الجاهلات ولا الأسر المادية ولكـنه استهدف العزاب أنفسهم. وأكثر من هذا، أنه دعاهم مباشرة لأن يصبحوا رعايا أكثر إنتاجية وذلك حتى يعالجوا «أزمة الزواج».

بالـفعـل، ومنذ وقت مبكر في ۱۸۹۰، تحسر مراسلـو الصحف والمصلحون الاجتماعيون على ارتفاع معدل العزوبية وانخفاض معدلات الزواج المصرية. فعلى سبيل المثال، في رسالته الشهيرة عام 1899 حول المرأة المصرية «تحرير المرأة» تناول قاسم أمين، وهو قاض مسلم وزعيم وطني، مشكلة العزاب. وهذه الرسالة التي استخدم فيها أمين براهين إسلامية لتبرير دعوته لإصلاح أوضاع المرأة، كثيرًا ما يحتفى بها على اعتبار أنها النص المؤسس للنسوية في مصر. وكثيرًا ما اعتبر أمين «أبو النسوية العربية» وذلك بسبب دعوته لإنهاء حجاب المرأة وعزلتها وإنهاء سوء استخدام الرجال لحق الطلاق والتعدد (Abdel Kader 8, Cole 401, Haddad 160, Tignor 341). انتقد العديد من مؤرخي النسوية المبالغة في التركيز على نص أمين والذي أدى إلى الاعتقاد الخاطئ بأن النساء المصريات لم يكن منخرطات في الجدل حول قضايا النساء (Ahmed 162 0 163, Badran 18– 19, Baron, The Women’s Awakening in Egypt 4-6). ولكن يبدو أنهم قد أجمعوا على أن «قضية المرأة»، والتي تميزت بأنها الجدل الذي انبثق بين المفكرين المصريين في بدايات القرن العشرين، قد تناولها الرجال أولا حتى لو أن النساء سرعان ما شاركن فيه. (Badran 16– 19, Kandiyoti 3, Shakry 129-131). ووفقا لما قالته بدران «كان البحث عن تفسير لتأخر وطنهم هو الدافع للرجال للتحدث بصيغ نسوية» (16). إن اهتمام الرجال الوطنيين بحقـوق النساء والذي تركز حول قضايا مثل التعليم، الحجاب وتعدد الزوجات كان يصور على أنه تزامن مع برنامج أوسع لـ «التقدم» والتناغم بين الإسلام والحداثة (Kandiyoti 3) وبينما ركز باحثون آخرون فقط على تفسير أمين لتخلف المرأة المصرية، فإنني مهتمة أكثر بكيفية تفسيره للرجل المصرى وخاصة العازب بالمقارنة مع المرأة المصرية وذلك في سياق خلق رعايا وطنيين وعصريين في المستقبل. وبالفعل، يصعب فهم بنية الرجولة المصرية بدون دراسة تجاورها الآني مع الأنوثة المصرية والتي من خلالها تعرف تعريفًا ثابتًا كما ذكر أمين:

«إن كل رجل يظن أن الزواج سوف يمنحه رفيقةسوف يصاب بالإحباط. إنه من المستحيل بالنسبة له تحقيق هذه الصحبة بالزواج. وهذا يفسر سر النفور من الزواج والذي نلاحظه بين القادرين من الشباب من حولنا. إن زيادة عدد الرجال المثقفين هو نتيجة للاهتمام بتنشئة الصبيان. إن زيادة عدد الرجال المثقفين سوف يستوجب تطبيق الطرق السليمة لتنشئة النساء؛ طرقا تعتمد على أسس التعليمليست مبالغة أن ندعى أن الجيل الجديد من الشباب يفضل العزوبية على الزواج لأنهم لا يعتقدون أن الزواج بصورته الحالية سوف يحقق أيًا من أحلامهم. أنهم يرفضون الارتباط بامرأة لم يسبق لهـم رؤيتها. ما يفضلونه في الزوجة هو أن تكون صديقة يمكن أن يحبوها وأن تحبهم (۸۱۸۲). لقد قدم «أمين» سببين «لتفضيل» الرجال للعزوبية على الزواج: أولاً: نقص النساء الملائمات المتعلمات واللائي يمكنهن تحقيق صحبة مشبعة. وثانيًا: عادة الزواج المرتب والتي تحول دون التقاء الخطيبين قبل يوم الزفاف. إن قيامه بالتعبئة ضد نموذج المرأة الجاهلة يعمل من خلال منظومة معقدة من الافتراضات حول تخلف مصر، خاصة في علاقتها بتعليم وتقدم نسائها. ولكن نقـده لم يوجه للنساء أنفسهن بل للمجتمع المصرى برمته. وباستخدامه لفظ التفخيم «نحن» فإنه يدعو أقرانه المصريين لحسن تنشئة وتعليم بناتهم. وبالمثل فإنه يدعو إلى نبذ الزواج المرتب، وهذا لا يستلزم «التطبيق الأعمى للقيم الغربية» ولكن على العكس فيه «عودة للأسس الدينية وتقاليد المسلمين الأوائل» والتي «سوف تساند الشباب وتساعدهم على تحقيق أهدافهم» (83).

وكما لاحظ باحثون آخرون، فإن «أمين» لم يكن بالضرورة «نسويا» منشغلا بمصالح النساء. ففي الفقرة السابقة، كان اهتمامه منصبا على الرجال العزاب وليس على عنوسة النساء. فبالنسبة لهذا القومي البارز «زيادة عدد الرجال المثقفين» سيكون خسارة لمستقبل الأمة إن لم يجدوا الزوجات الملائمات (1). إن أفكار «أمين» تحتاج لأن توضع في محيط استعماري حيث «الأمهات الجاهلات السذج قد أصبحن يشكلن مشكلة كمـا أصبحت الأمومة رمزًا لتخلف الأمة» (SHAKRY 135).

وكما أوضحت أمنية شاكري وتيموثي ميتشل فإن الأمومة في مصر المستعمرة كانت أساسية لتكوين الهوية القومية واستتبع ذلك تكوين سلسلة من الممارسات العقلانية والتي ميزت النساء كتجسيد للتخلف المصرى وكمجال للحداثة في نفس الوقت أكد «أمين» من عدة نواحٍ فكرة تشاترچي حول «العهد المزدوج» الذي عانى منه الفكر القومي المناهض للاستعمار. فلكي يشكل نفسه کوطنی، تؤكد تشاترچي، كان على الفكر المناهض للاستعمار أن «يظهر كذب الادعاء الاستعماري بأن الشعوب المتخلفة غير مؤهلة لحكم نفسها في ظروف العالم الحديث. ولقد رفضت القومية تلك الدونية المزعومة من قبل المحتلين. كما أكدت أن الأمة المتخلفة تستطيع «تحديث» نفسها مع احتفاظها بهويتها الثقافية. وعليه أنتجت خطابا تتحدى فيه ادعاء الاحتلال بالهيمنة السياسية، إلا أنها أيضًا ارتضت ذات المعطيات الفكرية بشأن «العصرية»؛ تلك التي ترتكز عليها السيطرة الاستعمارية (30) (Nationalist Thought and the Colonial World) وبالطبع نلحظ تأكيد «أمين» على احتفاظ مصر بهويتها الثقافية حينمـا وضع دعوته للإصلاح من خلال تقاليد إسلامية عقلانية. وكما لاحظت شاكرى فإنه حتى المصلحين المتأثرين بالغرب قد وضعوا مشروعاتهم دفاعا عن الإسلام ونقدا للتقليد. وكانت مشروعاتهم كثيرًا ما تصاغ للتدليل على أن «الإسلام الحق» متلائم تمامًا مع العصرية» (148).

وقد يكون «أمين» قد انتحل الافتراضات الاستعمارية حول «تخلف» المجتمع المصرى والنساء، إلا أنه كان سريعًا في الإشارة إلى أن ممارسات مثل الزواج المرتب ليست ممارسات إسلامية. فمن وجهة نظره «الإسلام الحق» متناغم تمامًا مع الزواج «العصري» الذي سيمكن الرجال المصريين من الزواج وإنتاج مواطنين للأمة في المستقبل.

لم تستخدم «أزمة الزواج» في الإشارة فقط للرجال الذين لم يسبق لهم الزواج ولكنها استخدمت أيضًا للإشارة للرجال الذين يتزوجون القاصرات. ففي بدايات القرن العشرين طرحت عدة مشاريع وقوانين لإعادة تنظيم قوانين الأحوال الشخصية الإسلامية بخصوص الزواج والطلاق(4). وصدرت التشريعات الرئيسية في قوانين 1931، ۱۹۲۹، ۱۹۲۳، 1920(5).

وعلى الرغم مـن أن العديد من الباحثين قد ناقش هذه الاصطلاحات القانونية التي أثرت على الزواج والطلاق، إلا أن تناولهم ظل على الأغلب وصفيا لما استتبعته هذه القوانين (ANDERSON, BADRAN, ESPOSITO, HATEM, SONBOL)

قلة وإن وجدوا، هم الذين ناقشـوا كيف ولـم طرحت هذه القوانين ومـن الذي طرحها، وكيف كان رد فعل الجمهور العريض على هذه القوانين، وأين يمكن أن تتوافق هذه القوانين مع منظومة القومية المصرية. وفوق هذا، وباستثناء بارون، تجاهل الباحثون الجدل الصحفى حول الزواج في العقدين الأولين من القرن العشرين وكذلك التشريع الرئيسي الخاص بالزواج والذي تم اقتراحه عام 1914. إن التشريع الخاص بالزواج في هذه المرحلة لا يمكن فهمه قبل دراسة المناظرات العامة في بدايات القرن العشرين والتي مهدت الساحة لتمرير هذه القوانين. وعلى الرغم من أن المقترح التشريعي الخاص بالزواج لعام 1914 لم يقر كقانون إلا أنه يرمز للمحاولة الأولى الهامة للإصلاحيين القوميين المصريين لتمرير تشريع ينظم الزواج. إن مقترح عام 1914 هام هنا لأنه يرمز لبداية محاولات الوطنيين المصريين لبناء رؤية جديدة للزواج «الحديث» لخلق أسرة وطنية. ففي مارس 1914 قدم النائب زكريا بك نامق مشروع قانون بخصوص الزواج للمجلس التشريعي(6) ومن بينها مقترح لتحديد السن القانوني لزواج الفتيات بستة عشر عاما. أشعل مشروع القانون اعتراضات واسعة كما أشعل عدة أسابيع من المناقشات العامة في الصحف، حيث ناقش الصحفيون والقراء على السواء السن المناسبة لزواج الفتيات وكذلك الواجب الوطني وأهداف ومعاني الزواج (۷).

أثار سن الزواج على وجه الخصوص ردود فعل ساخنة حيث ناقش القـراء السن الملائمة للزواج في مقالات الصفحات الأولى ورسائل للمحرر، طارحين وجهات نظرهم وكذلك مقترحاتهم. وبينما بدأت مناقشات ١٩١٤ بكتاب رجال، إلا أن جدلا حول السن المناسبة لزواج الفتاة كان قد دار بين الكاتبات في العقد السابق حيث لاحظن أن الفتيات اللائي يتزوجن في سن صغيرة يكـنّ عرضة للحمـل العسير والقاتل وعرضة لأمراض مثل الهيستريا (راجع على سبيل المثال (NASIF ۳۲).

كان نامق يعتقد أيضًا أن القاصرات يعرضن صحتهن للخطر بالزواج المبكر وعليه فقد استشار العديد من الأطباء لتحديد السن «المعتدلة» بستة عشر عاما، وذلك على الرغم من إدراكه أن هذه السن المقترحة سوف تلاقي رفضًا شديدًا بين المسلمين (PISK 6) وكما أوضحت بارون، لم تجد السلطات الإسلامية أي أساس في القانون الإسلامي لتحديد قيود لأدنى سن لأن الرسول محمد تزوج أصغر زوجاته وعمرها ست سنوات (The Making & Breaking of Marital Bonds 281). وحتما حاول أطباء المسلمين تفنيد الاكتشافات الطبية التي تؤكد أن زواج القاصرات يشكل خطراً. أحد هؤلاء الأطباء، محمد صدقی جادل قائلاً: إن الحمل يسرع بنمو الجسم كله وهذا هو السبب أننا نجد أجسام الشابات تنمو بمعدل أكبر بعد الإنجاب من مثيلتها في العمر والتي لم تتزوج. إن النساء الصغيرات الصحيحات لديهن غزارة من الدماء القوية التي تقذفها بمنبه منعش يخترق الأجسام الضعيفة للرجال المسنين وينشط دماءهم الواهنة ويقوى أعضاءهم الضعيفة. إن المعارف العلمية تذكر لنا أمثلة لرجال مسنين استعادت شعورهـم البيضاء لونها ونمت أسنانهم مرة أخرى من جراء زواجهم بنساء صغيرات. ولا يوجد شك في أن صحة الفتاة في سن البلوغ تكون في أوجهـا وعليه سيكون لذلك تأثير قوى على الرجال أكثر من أي وقت آخر. وعليه يستفيد الزوج بتحسن صحته بينما تستفيد الزوجة من ماله ومركزه (1). وعلى الرغم من مثل هذه الأسباب الطبية «المقنعة» إلا أن محرري الأهرام ساندوا مشروع نامق قائلين: إن الزواج ليس فقط من أجل النسل، كما لا أن يجب أن نجلب الذرية للوجود فقط ولكن على العكس، فإن مسئوليتنا أن نتأكد من أن ذريتنا قوية ونشيطة وإن تنشئتها سليمة فهل يمكن أن يتحقق هذا الهدف بالزواج من نساء صغيرات السن ؟ نحن نقول لا وألف لا ! فنحن نستطيع أن نبني صرحا قويا ضخما من مواد قوية. إن الأمة القوية يمكن أن تبنى فقط من ذرية كبيرة، حسنة التنشئة ومتعلمة. ومثـل هذه الذرية يمكن أن تكون فقط من أمهات ناضجات. إن الأمة تحتاج لنساء ناضجات وليس لفتيات زواج القاصرات»، ۱).

مرة أخرى، نری تعبئة الأمهات من خلال الخطاب الوطني، وهذا يؤكد وجهة نظر شاکري وميتشل بأن الأمومة في مصر المحتلة كانت أساسية لتكوين الهوية القومية. ورغم ذلك، ففي هذه الفقرة لم تكن الأمومة مذكورة ضمن ممارسات استطرادية تركز على الأمهات غير المتعلمات والجاهلات بالمقارنة مع مثيلاتهن الأوروبيات ولكن عبر علاقة الأمومة بالسن والنضج. ومن أجل إقناع المسلمين المصريين برفع سن زواج الفتيات صاغ المحررون مناقشات من خلال خطاب وطني حول «أمة قوية» وذلك حتى يروق لكل المصريين.

وعلى الرغم من المساندة الواسعة التي حظى بها مشروع نامق بين القوميين إلا أن المشروع تعرض لهجوم عنيف حتى أجبر نامق علـى سحبه (Risk 6) إلا أن سحب مشروع نامق لم يضع النهاية لإصلاح أمور الزواج. وهذا ما أكده إقرار هيئة المدونة المصرية وإجراءات المحاكم الشرعية ١٩٢٣ بتحديد السن القانونية لزواج النساء بستة عشر عاما (Anderson 225, Baron “The Making and Breaking of Marital Bonds” 281, 51 52).

ترى باحثات نسويات أن ما نجم عن الإصلاحات الخاصة بالزواج في العشرينيات، وبعبارة أميرة سنبل، كان السبب وراء ما تعانيه المرأة المصرية من استعباد في الوقت الراهن، وأن الأمر أريد به أن تدعم النساء دولة جديدة ترعى النظام الأبوى (11). ولقد أشارت مريناليني سينهـا لنقطة شبيهة في حالة الهند المحتلة حيث جادلت بأن تمرير الإصلاحات الخاصة بالزواج لـم يكن معنيا بالضرورة بتحسين أوضاع النساء ولكن مرينالينى سينها تشير إلى أن مرسوم منع زواج الأطفال لعام ١٩٢٩ كان أكثر اهتمامًا بالالتزام بالعصرية ولقد صنع نقطة تحول حاسمة بين انعدام شرعية الاحتلال كمصدر للتمدن وحلول الوطنية الجديدة للهند المعاصرة (207). إن حالة مشروع 1914 وما دار حوله من مناقشات تشى بتوترات شبيهة وملابسات للعصرية الاستعمارية في الحالة المصرية.

وبالفعل، عند مناقشة الجدل الذي دار حول مشاريع القوانين مثل مشروع 1914 بصورة منظمة سوف يبدو واضحًا أن الاصلاحيين المصريين سعوا إلى تحديد وإعادة تعريف قوانين الزواج من أجل خلق وجود شرعي للأسرة «العصرية». كان هدفهم على ما يبدو هو خلق رعايا وطنيين متزوجين يشكلون عائلات قومية سوف تكون أساسا لدولة حرة خالية من الأمراض الاجتماعية. ولكن حقيقة أن مقترح 1914 لم يقر تشى بأن النموذج الوطني للزواج الناضج كان يلاقي اعتراضا شديدًا خاصة في مجتمع يحظى فيه زواج القاصرات بإجازة دينية. وفي مقابل ما يراه الباحثون من أن رؤى الزواج والأسرة التي ترعاها الدولة كانت تخطيطية ومسيطرة فإن الجدل حول مشروع قانون ١٩١٤ يكشف أن هذه الأفكار السائدة لم تمر بدون تحدِ(8).

عندما تحسر الكتاب المصريون في بدايات القرن العشرين على «أزمة الزواج» والحاجة إلى الإصلاح، كانوا كثيراً ما يستخدمون الزواج كتعبير مجازي لمناقشة التغيرات الأوسع اجتماعيًا واقتصاديًا وسياسيًا والتي اكتسحت المجتمع المصرى أثناء هذه الفترة المضطربة. وعلى الرغم من أن الكتاب الذين تمت دراستهم في هذه الورقة يمثلون شريحة صغيرة من المجتمع المصرى، وعلى الرغم من أن مناظراتهـم ووسائلهم وآرائهم لم تكن متماسكة، فلقد استخدموا عددًا من الاستراتيجيات المضمنة في الكثير المتعدد من الخطابات: دینی، مدنی، وطني، مناوئ للاستعمار واقتصادي. إلا أن الفرضية التي تجمعهم جميعًا هي أن إصلاح الزواج سوف يسهل عبور مصر للحداثة. فعن طريق «تحديث» الزواج يستطيع الوطنيون المصريون وضع نهاية للاستعمار البريطاني والحصول على الاستقلال. وسواء استخدموا الزواج لنقد المجتمع والآباء أو أدوار الرجال كعزاب والنساء كأمهات إلا أن كل هؤلاء الكتاب كانوا يعبرون عن رؤى متضاربة حول الأسرة التي تمثل موقعا تستطيع المستعمرة المصرية من خلاله أن تمارس الإصلاح وأن تثبت أنها «عصرية» وعليه تستحق الاستقلال السياسي.

وعندما تحسر الصحفيون المصريون والمصلحون الوطنيون على أسباب «أزمة الزواج» فإنهم لم يكونوا يشيرون فقط لقلقهم بشأن زيادة نسبة العزوبية أو بشأن زواج القاصرات، بل كانوا يستخدمون الزواج كوسيلة لتصور الأمة المصرية بعد انتهاء الاحتلال وللتعبير عن مخاوفهم بشأن مستقبلها. فلن يسبب الفساد في هذه المؤسسة سرقة الأرواج المناسبين والآباء لهذه الأمة فقط بل يمكن أيضًا أن يهدد إنتاج مواطني المستقبل. وعلى الرغم من أن مناقشات «أزمة الزواج» كثيرًا ما تضع النساء المصريات في قلب عملية الإصلاح، فإن كلاً من النساء والرجال قد حملوا المسئولية كاملة عن «الأزمة» وآثارها الضارة على مستقبل الأمة المصرية. فالرجل المصرى بوصفه «متحضرا» وأحد الرعاية المخلصين قد وجه لأداء دوره السياسي بالزواج من مصرية وتعليم بناته بينما وجهت المرأة المصرية لتحسين تعليمها وكفاءتها المنزلية لكي تجتذب زوجا مصريا. وعليه، فإن الجدل العام حول «أزمة الزواج» يكشف تعـدد واختلاف الآراء للوطنية المصرية في بدايات القرن العشرين وكيف فهمت النخبة المصرية الترابط بين هويتهم الزوجية والوطنية، فإن هذه المناقشات تكشف إحدى الطرق المحورية التي تم من خلالها تعلم وممارسة خبرة المعاصرة والوطنية في مصر المحتلة قبل ثورة 1919 بوقت طويل.

حنان خلوصى: طالبة دكتوراة مشتركة بقسمي التاريخ ودراسات الشرق الأوسط بجامعة نيويورك، وهي حاليًا في زيارة للقاهرة لجمع المادة لرسالة الدكتوراة.

إيمـان عبد الواحد: عضوة مؤسسة بمؤسسة المرأة الجديدة.

(۱) استهل الوطنيون المصريون ثلاث سنوات من الصراع من أجل الاستقلال مع بداية ثورة 1919 عندما تقاعست بريطانيا عن رفع حالة الحماية التي فرضتها إبان الحرب العالمية الأولى. فعلى الرغم من آن بريطانيا احتلت الإقليم العثماني المصري عسكريا فی ١٨٨٢ وأنشأت به نظامًا استعماريًا جديدًا فإن الإقليم لـم يوضع تحت الحماية العسكرية حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى في 1914. وفي عام ۱۹۲۲ منح البريطانيون مصر استقلالا صوريا ووقع دستور في عام ١٩٢٣.

(۲) إن الاعتراف بالبغاء وتنظيمه قد وجد بصـور متعددة منذ القرن التاسع عشر وأضافت إليه سلطات الاستعمار البريطاني نظامًا رسميًا يحكمه في 1905. ولقد أبقت الحكومة المصرية على القوانين الاستعمارية في مكانها بعـد حصول مصر على الاستقلال الصوري من الحكم البريطاني في عام ١٩٢٣ وذلك حتى ألغى تنظيم الدولة للبغاء رسميا في 1953 (Badran206, Tucker 151-155).

(3) إن هذا الاقتباس وغيره مما تم من المقالات والخطب هو من ترجمتى إلا إذا كان الاقتباس من مصدر ثان. وبالنسبة للأسماء والكلمات العربية المنقولة للإنجليزية فقد اتبعت في النقل نظام الجريدة الدولية لدراسات الشرق الأوسط.

(4) إن المصريين قدموا كل تلك المشاريع القانونية والقوانين. وعلى عكس الهند المستعمرة، لم يحاول المسئولون البريطانيون الإصلاح أو جعل النظام القانوني الإسلامي في مصر «انجليزيا» وذلك على الرغم من كثرة انتقاداتهم للمحاكم الشرعية (Brown 38). ولقد أوضح الحاكم الانجليزى لمصر في الفترة من 1883– 1907 اللورد كرومر ذلك «لو كان لهم (المحاكم الشرعية) أن يتحسنوا فعلى حركة الإصلاح أن تأتى من الداخـل. لابد وأن يبادر بها المصريون أنفسهم. فأي محاولات جادة لفرض الإصلاح بالضغط من الخارج سوف تكون شديدة الحمق وعلى الأغلب سوف تبوء بالفشل» (515).

(5) كان قانون ١٩٣٨ هو آخر تشريع ضخم يتناول الأسرة حتى عام 1979 عندما منح مرسوم رئاسي لأنور السادات النساء بعض المكاسب الضئيلة بالنسبة لحقوق الطلاق، فقط ليتم إلغاؤه بعد عدة سنوات (Hatem 19)

(6) أنشأ المجلس التشريعي في 1913 باندماج المجلس الأعلى واللجنة التشريعية، وكان يضم إصلاحيين وطنيين، محاميين، وإقطاعيين والذين كانوا ينشدون الإصلاح الداخلي كوسيلة لاستقلال مصر Baron, The Women’s Awakening in Egypt 33).

(7) يوجد العديد من المقالات لا يمكن ذكرها هنا ولكنها كلها نشرت في الجرائد اليومية والأهرام من ضمنها وذلك طوال شهر مارس 1914.

(۸) بوتمان Botman على سبيل المثال تناقش قائلة «السياسيون المدنيون كانوا معارضين للتدخل في المجال الخاص للأسرة (49). وادعت حاتم Hatem أن التحالف الوطني الذي تشكـل ضد البريطانيين عـزز من النظام القانوني الأبوى: فبينما عـزز النظام الأبوي البازغ من اشتراك النساء في «المجال العام» فإن التزام الدولة بالفكر الوطني عمل ضد التغيير في المجال الخاص واستمر في التحكم في المجال الخاص عبر قانون الأحوال الشخصية (٢٦).

Abdel Kader, Soha. Egyptian Women in a Changing Society, 1899-1986. Boulder: Lynne Rienner Publishers, 1987.

Ahmed, Jamal Mohammad. The Intellectual Origins of Egyptian Nationalism. London: Oxford University Press, 1960.

Amin, Qasim. The Liberation of Women and The New Woman, 1899.

Transl. Samiha Sidhom Peterson, Cairo: The American University in Cairo Press, 2000.

Anderson, Benedict, Imagined Communities: Reflection on the Origins and Spread of Nationalism. New York: Verso, 1983.

Andeson. James N. D. “Law Reform in Egypt:1850-1950.” Political and Social Change in Modern Egypt: 1850-1950. Em. P. M. Holt. London: Oxford University Press, 1968.

Badran, Margot. Feminists, Islam, and Nation: Gender and the Making of Modern Egypt. Princeton: Princeton University Press, 1995.

Balibar, Etienne. “The Nation Form: History and Ideology: Race, Nation, Class: Ambiguous Identities. Transl, Chris Turner, Eds, Etienne Balibar and ImmanuelWallerstein, London: Verso, 1991.

Baron, Beth, :The Making and Breaking if Marital Bonds in Modern Egypt.: Women in |Middle Eastern History: Shifting Boundaries in Sex and Gender. Eds. Nikki R. Keddie and Beth Baron. New Haven: Yale University Press, 1991. 275-291.

———-. The Women’s Awakening in Egypt: Culture, Society, and the Press, New Haven: Yale University Press, 1994.

Beinin, Joel, and Zachary Lockman. Workers on the Nile: Nationalism, Communism, Islam, and the Egyptian Working Class, 1882-1954.

Princeton: Princeton University Press, 1987.

Bier, Laura, “Prostitution and the Marriage Crisis

Bachelirs and Competing Masculinities in1930s Egypt.” Paper presented at the Middle Eastern Studies Association 2001 Annual Conference, San Francisco, CA, November 20, 2001.

Blewett, Mary H. “Manhood and the Market: the Politics if Gender and Class among the Textile Workers of Fall River, Massachusetts, 1870-1880. “Work Engendered: Toward a New History if American Labor, Ed, Ava Baron, Cornell University press, 1991. 92-113.

Botman, Selma, Engendering Citizenship in Egypt. New York: Columbia University Press, 1999.

Booth, Marilyn. May Her Likes Be Multiplies: Biography and Gender Politics in Egypt. Berkeley: University of California Press, 2001.

Brown, Nathan. The Rule of Law in the Arab World: Courts in Egypt and the Gulf. Cambridge University Press, 1997.

Chatterjee Partha. The Nation and Its Fragment: Colonial and Postcolonial Histories, Princeton: Princeton University Press, 1993.

———-. Nationalist Thought and the Colonial World: A Derivative Discourse? London: Zed Books, 1086.

Cole,Juan. : Feminism, Class, and Islam in Turn-of-the-Century Egypt”. International Journal of Middle Eastern Studies 13 (1981): 387-407.

Cott, Nancy F, Public Vows: A History of Marriage and the Nation. Cambridge: Havard University Press, 2000.

Coury, Ralph M. “Who ‘Invented’ Egyptian Arab Nationalism? “ International Hournal of Middle Eastern Studies 14 (1982): 429-281 and 459-479.

Cromer, Evelyn Baring. Modern Egypt, Vol. London: MacMillan and Company, 1908.

Dunne, Bruce W. “Sexuality and the ‘Civilizing Process’ in Egypt. “ Diss. Georgetown University. 1996.

Eley, Geoff, and Ronald Grigor Suny. “Introduction: From the Moment of Social History to the Work of Cultural Representation.” Becoming National” A Reader. Eds. Geoff Eley and Ronald Grifor Suny, New York: Oxford University Press. 1996. 3-37

Esposito, John L. Women in Muslim Family Law. 2nd ed. Syracuse: Syracuse University Press, 2001.

Gellner, Ernest. Nations and Nationalisms, Ithaca: Cornell University Press, 1983.

Gershomi, Israel, and James P. Jankowski. Egypt, Islam, and the Arabs: The Search for Egyptian Nationhood, 1900-1930. New York: Oxford University Press, 1986.

——–. “Introduction, “ Rethinking Nationalism in the Arab Middle East. Eds James Jankowski and Israel Gershoni, New York: Columbia University Press, 1997. ix-xxvi.

——-. Redefining the Egyptian Nation, 1930-1945. New York: Cambridge University Press, 1995.

Goldschmidt, Arthtr Jrthur Jr. Modern Egypt: The Formation of a Nation-State. Boulder: Westview Press, 1998.

Haddad, Yvonne Y. “Islam, Women and revolution in Twentieth-Century Arab Thought. “The Muslim ‘world 74 (1984): 160.

Hatem, Mervat, “The Enduring Alliance of Nationalism and Patriarchy in Muslim Personal Status Laws: The Case of Modern Egypt.Feminist Issues 6, 1 (1986): 19-43.

Hobcbawn, Eric. Nations and Nationalisms Since 1780: Programme, Myth, Reality. Cambridge: Cambridge University Press, 1990.

Kandiyoti, Deniz.” Introduction.”Women, Islam, and the State. Ed. Deniz Kandiyoti. Philadelphia” Temple University Press, 1991. 1-21.

Marsot, Afaf Lutfi al-Sayid. “The Revolutionary Genntelwomenin Egypt” Women in the Muslim World. Ed. Lois Beck and Nikkie R. Keddie. Cambridge: Harverd University Press, 1978. 261-276. Mitchell, Timothy. Colonising Egypt. Berkeley: University of California Press. 1991.

Philipp, Thomas. “Feminism and Nationalist Politics. “Women in the Muslim World. Ed. Lois Beck and Nikkie R. Keddie. Cambridge: Harvard University Press, 1978. 277-294.

Pollard, Clarissa Lee, “Nurturing the Nation: The Family Politics of the 1919 Egyptian Revolution, “Dissertation, Uinversity of California. 1997.

Rizl, Uunan Labib, “Al-Ahram” A Diwan of Contemporary Life.” Al-Ahram Weekley 388 July 1998: 1-7.

Safran, Nadav. Egypt in Search of a Political Community. Cambridge : Harvard University Press, 1961.

Scott, Joan Wallach. Gender and the Politics of History. New York: Columbia University Press, 1988.

Shakry, Omnia. “ Schooled Mothers and Structured Play : Child Rearing Turn-of-the-Century Egypt,” Remaling Women: Feminism and Modernity in the Middle East. Ed. Lila Abu-Lughod. Princeton: Princeton Universty Prfess, 1998. 126-170.

Sounbol, Amira El Azhari. “Introduction” Women, the Family, and Divorce Laws in Islamic History Ed. Amira El Azhari Sonbol. Syracuse: Syracuse University press, 1966. 1-20.

Tignor, Robert. Modernization and the British Rule in Egypt. 1882-1914. Princeton: Princeton University Press, 1966.

Tucker, Judith E. Women in Nineteenth-Century Egypt, Cambridge: Cambridge University Press, 1985.

Vatikiotis, p. J. The History of Modern Egypt from Muhammad Ali to Mubarak. Baltimore” Johns Hopkins University Press, 1991.

Zayid, Mahmud, Egypt’s Struggle for Independence. Beirut: Khayats, 1965.

1– البرديسي، محمد. «إعراض الشبان عن الزواج». رسالة إلى المحرر. الأهرام، 15 ديسمبر، ۱۹۱۳: ۱.

۲– الرافعي، عبد الرحمن. ثورة 1919. الأجزاء 1-3. القاهرة: دار المعارف، 1949، 1955، 1967.

3– رمضان، عبد العظيم محمد إبراهيم. تطور الحركة الوطنية المصرية. أجزاء ٢– ٤. القاهرة: دار الكتاب العربي، ۱۹۸۷.

4- «زواج البنات الصغيرات» كلمة المحرر. الأهرام. ۱۸ مارس 1914: 1.

5- سالم، لطيفة محمد. المرأة المصرية والتغير الاجتماعي 1919– 1954. القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1984.

6– السبكي، آمال كامل. الحركة النسائية في مصر، ١٩١٩– ١٩٥٢. القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1986.

۷– صدقی، محمد توفيق. «سن الزواج للبنات: دراسة علمية، دينية وقانونية» الأهرام، ۱۲ مارس 1914: 1.

۸– غربال، محمد شفيق. تاريخ المفاوضات المصرية والبريطانية، ۱۸۸۲۱۹۳۹. القاهرة: القلم، ١٩٥٢.

۹– فتحى، إبراهيم أحمد. «إعراض الشبان عن الزواج» رسالة إلى المحرر. الأهرام، 19 ديسمبر، ۱۹۱۳: ۱۲.

۱۰– ناصف، ملك حفنى. النسائيات. القاهرة: الجريدة، 1910.

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي