الدراسات النسوية المعاصرة ودراسات الشرق الأوسط

تاريخ النشر:

2015

اعداد بواسطة:

الدراسات النسوية المعاصرة ودراسات الشرق الأوسط *

اكتسب الاعتراف بالطبيعة العالمية لإنتاج الأفكار وتداولها وضعًا يضعها في مقام البديهية التي لا نزاع عليها، لكن ما زالت توجد محاولات قليلة مدهشة لتحليل نقاط التقاطع، والحوار، والمواجهة بين الخطابات الصادرة عن مواقع اجتماعية تاريخية محددة، خاصة ما يقع منها خارج الغرب.1 ولم تنج الدراسات النسوية من هذه التهمة رغم تصريحها بالالتزام بتجاوز الحدود بين الأفكار, سواء بالمعنى الجغرافي أو التحليلي للحدود. ويغلب علينا أن نظل منغلقين داخل نظرتنا الضيقة للأمور (parochialism) بينما نستهلك مفردات لغوية قد تبدو متماثلة على السطح، رغم أنها كثيرًا ما تختلف في تداعياتها، ومعانيها، وما تولده من مشاعر وصور في ذهن المستمع وفي عواقبها السياسية باختلاف السياقات التي تعيش ونعمل فيها. ورغم اتضاح ضرورة التأمل النقدي في طبيعة وتاريخية السياقات التي تنتج فيها المعرفة، وهي عملية صعبة، فإن هذه العملية تكاد تكون لم تبدأ في الدراسات النسوية في الشرق الأوسط. وهذا الفصل مكرس أساسًا للمضي قدمًا في هذا المسعى.

وسوف أفحص فيما يلي الطريقة التي تجلت بها التطورات التي حدثت في الدراسات النسوية في الدراسات التي أجريت في الشرق الأوسط وحوله، ومدى ظهورها فيها، وما إذا كانت تلك الدراسات بدورها قد عدلت من طرقنا في الرؤية والتفكير. وسأقدم حججًا عن أن الدراسات النسوية في الغرب والدراسات التي تناولت النساء في الشرق الأوسط كانت تتبع مسارات متوازية ومتداخلة إلى حد ما, وأن دراسات الشرق الأوسط قد تميزت بالانتقائية فيما ضمته إلى نفسها من جداول أعمال أعرض نطاقًا تولدت عن النقد النسوي، دمجتها مع مناظرات نشأت محليًا ولها أسس راسخة في الخصوصيات التاريخية والسياسية المحلية.

أنا لا أزعم أن الخطاب النسوي في الشرق الأوسط قد ظهر بالضرورة استجابة للتيارات الفكرية الغربية، أو في حوار أو مواجهة معها، بل إني أعترف بالآثار التي قد تنجم إدخال دراسات المرأة تحت لواء المؤسسات الأكاديمية، وفي المؤسسات الدولية والشبكات العابرة للحدود الدولية بمختلف الأشكال. سأحاول أولا أن أرسم الخطوط العريضة للزخم الأساسي للدراسات النسوية المعاصرة وأن أجري تقييمًا للدراسات التي أجريت في الشرق الأوسط وعنه فيما يتعلق بكل من هذه التطورات النظرية وغيرها من جداول الأعمال الدولية والمحلية. وسأنهي بحثي بتقييم لمنظور المستقبل.

التطورات في الدراسات النسوية

تماشت تطورات الدراسات النسوية منذ ستينيات القرن العشرين مع الموجة الثانية من النشاط النسوي في الغرب، لكن تطورها لم يكن متساويًا سواء عبر تخصصات العلوم الاجتماعية أو في مختلف المواقع الجغرافية. من ثم، ليس من الواقعي أن نحاول تقديم تفسير شامل لهذا المجال، إذ إن تقديمنا لمثل هذا التفسير لن يحرج بالضرورة عن الخطوط العريضة له وعن أن يكون انتقائيًا . وإني لا أعرف هذه الأوجه من القصور وأتذكرها أقترح تقسيم البحث بحيث يعطي ثلاث فترات زمنية أساسية ليست متتابعة زمنيًا بالضبط، لكنها تمثل لحظاتمختلفةمن التنظير النسوي.

 

تميزت هذه المرحلة ببذل جهود لإنشاء مجال دراسات المرأةوقدمت توثيقًا ونقدًا على نطاق واسع لتحيز العلوم الاجتماعية للتمحور حول الذكور (androcentric bias). وقدمت الباحثات النسويات تفسيرات لكيف كان غياب النساء كفاعلات اجتماعيات، وكتابة نظريات علمي الاجتماع والتاريخ من منظور الرحال نقط ضعف شديدة في الأطر التي تستخدم للتفسير في فروع هذين العلمين.

تميزت هذه المرحلة الأولى بتعديل مسار سجلات التاريخ عن طريق إتاحة الفرصة للنساء للتعبير عن وجهات نظرهن وخبراتهن2. وقد أنتجت حركة النساء التاريخية في سبعينيات القرن العشرين أعمالاً تمثل علامات على الطريق، مثل كتاب شيللا روبوثام (Sheila Rowhotham) المعنون الأشكال الخفية للتاريخ وكتاب ريناتا بريدينثال وكلوديا كونتز ((Renata Bridenthal and Claudia Koontz) المعنون الظهور للعيان .3

وقد انخرطت عالمات (وعلماء) الأنثروبولوجيا بالمثل في نقد ما في فروع هذا العلم من تصنيفات واقتراضات4. وقد كان كتاب ميشيل روزالدو ولويز لامفير (Michelle Rosaldo and Luise Lamphrere) المعنون المرأة، والثقافة والمجتمع وكتاب رينا راب ريتر (Reyna Rapp Reiter) المعنون نحو أنثروبولوجيا للنساء نقطة تحول في علم الأنثروبولوجيا النسوي5 . وقد أحيا عالمات (وعلماء) الأنثروبولوجيا النقاش حول أصول تدني منزلة النساء التي تبدو عامة في جميع أنحاء العالم. وقد خلص البعض إلى أن عدم المساواة بين النوعين كان عامًا بينما ذهب البعض الآخر ممن راجعوا بحث إنجلز (Engels) إلى أن علاقات المساواة النسبية التي شاعت بين السكان الأصليين الذين يعيشون في ظل اقتصاد مشاعي قد طرأت عليها تحولات بفعل الاستعمار الكولونيالي والعلاقات المالية المعقدة. ورغم أن النزاع حول أصل تدني منزلة النساء قد ألقي الانقسام في صفوف المتحاورين ولم يصلن (ويصلوا) فيه إلى اتفاق جامع مانع بدرجة ما, فقد حفز تقديم تأويلات جديدة البيانات الأنثروبولوجية.

وقد اهتمت عالمات (وعلماء) النفس أساسًا بأن معظم التعميمات في فرعهم العلمي قد قامت على أساس بيانات وملاحظات مستمدة من ذكور، وأن المعيار الإنساني كان في حقيقته معيارًا ذكوريًا. فمثلاً، نقد کتاب کارول جيليجان ((Carol Gilligan المعنون بصوت مختلف نظرية کوهلبيرج (Kohlberg) القائلة بوجود مراحل للنمو الأخلاقي والتي أخذت النماذج الذكورية كمعيار، وأشارت المؤلفة إلى أن الرجال والنساء يظهرون أنماطًا مختلفة للتوجهات الأخلاقية.6 وقد واجه علم النفس عمومًا والتحليل النفسي خصوصًا تنديدًا شديدًا باعتبارهما جزءًا من الجهاز الأيديولوجي الذي يصدِّق على الأدوار التقليدية النوعين باسم الضبط والصحة العقلية. لكن التحليل النفسي استعاد صحته على يد بعض النسويات (والنسويين)، سواء في نسخته الفرويدية / اللاكانية (كحالة جولييت ميشيل Juliet Mitchell) وبعض معتنقات (ومعتنقي) ما بعد البنيوية) أو في النوع الذي يتعلق منه بعلاقة الذات بالموضوع (مثل حالة نانسي تشودورو(Nancy Chodorow)..7 لكن بقيت انقسامات شديدة بين مختلف فصائل التحليل النفسي وبين النُهُج النسوية المستمدة من علم النفس عمومًا ونقادها ما بعد البنويين، مما يشير إلى أنها في نهاية المطاف ذات نزعة جوهرية (essentialism).8

وفي العلوم الاقتصادية، جرى تمحيص شديد التصنيفات العمالة والقيمة، وخاصة ما يقول منها إن عمالة النساء غير مدفوعة الأجر لم تكن تؤخذ في الحسبان، ومن ثم تحولت إلى عمالة غير مرئية. أما بين الماركسيين، فقد أثار النقاش الذي يسمى النقاش حول العمل المنزليأسئلة مهمة تتعلق بموقع عمل النساء غير مدفوع الأجر ووظيفته في علاقته برأس المال، خاصة فيما يتعلق بدورهن في الإنجاب، أي إعادة إنتاج القوى العاملة. وقد وثقت إستر بوزراب (Ester Boserup) في دراستها الرائدة عن الأنماط العالمية المعنونة دور النساء في التنمية الاقتصادية مدى الإسهام الفعلي لعمالة المرأة في اقتصاديات العالم الثالث والآثار المتفاوتة للحداثة على الرجال والنساء.9 أما دراسات المرأة في التنمية التي ازدهرت في سبعينيات القرن العشرين فقد كان حريًا بها أن يكون لها وقع مؤثر معتبر على العمل في الشرق الأوسط، كما سنرى فيما بعد. وقد حفز هذا النَهج – في سياق أوسع – توثيق الفجوات بين النوعينمن خلال الدراسات العديدة التي أجريت عن النساء في التنمية في العالم الثالث التي بدأت خلال عام المرأة العالمي في ١٩٧٥ وفي عقد الأمم المتحدة للنساء الذي تلاه.

وقد حدثت مراجعات نسوية أيضًا في علم الاجتماع 10 والعلوم السياسية 11 أدت بحلول ثمانينيات القرن العشرين إلى نقد نظرية المعرفة التي أكدت أن الطريقة التي يبني بها العلم المعرفة متأثرة هي نفسها بالنوع.12 وقد أدى هذا إلى البحث عن مناهج بحث نسوية وطرق بديلة لتعريف العلاقات بين الذات والموضوع في البحوث الاجتماعية.13

وقد قدمت هذه المرحلة التحدي الأول للتيار السائد في العلوم الاجتماعية وأنتجت حصادًا غزيرًا من الدراسات التي أظهرت النساء للعيان كفاعلات تاريخيات، واجتماعيات، واقتصاديات، وسياسيات. وقد نضحت هذه المرحلة أيضًا وخرجت من محاولة احتواء منظور النساءالي إخضاع فئات التحليل المركزية لفروع الدراسات للتمحيص النقدي.

رغم عدم وجود حدود واضحة تفصل هذه المرحلة عن سابقتها، فإننا يمكننا أن نذهب إلى أن محاولات تفسير عدم المساواة بين النوعين قد تبلورت حول اتجاهات محددة في النظرية النسوية وتطبيقاتها، وتجلت في هذه المحاولات تأثيرات ماركسية / اشتراكية، وآثار التحليل النفسي، وظهر فيها – في وقت أحدث – التأثر بما بعد البنيوية.

وقد حددت النسويات الليبراليات أن أسباب تدني منزلة النساء ترجع إلى القيود العرفية والقانونية التي تحول دون وصول النساء إلى المجال العام، وأنواع التحير (ضد جنس النساء)، ووضع قدراتهن في قوالب نمطية. وقد تولد عن هذا النَهج دراسات إمبيريقية قيمة عن حياة النساء في بيوتهن وفي مجالات أعمالهن وعن ما يتعرضن له من مختلف أوجه التمييز والتنميط بسبب جنسهن. لكن نقاد هذا النَهج أفادوا أنه فشل في تقدير ما لتدني منزلة النساء كنوع من طبيعة نظامية عميقة الجنور، وأنه فشل في تقديم إطار لتفسير ذلك.

وفي مسار البحث عن هذا الإطار، حدثت تباينات مهمة فرقت بين مسارات النسويات الراديكاليات والنسويات الاشتراكيات. استدعت النسويات الراديكاليات فكرة النظام الأبوي بوصفه نظامًا عامًا موجودًا في كل زمان ومكان، يتميز بسيادة الرجل، ويؤدي لزيادة حدة القهر الواقع على النساء كجماعة من جراء التحكم في طبيعتهن وحياتهن الجنسية وقدرتهن الإنجابية. وتجلت في جداول أعمال أبحاثهن قواعدهن النظرية مع اهتمام خاص بقضايا مثل: الأمومة، والعلاقات الجنسية القسرية بين طرفين مختلفي الجنس، والاغتصاب، والعري والعنف المنزلي.14 وكان أهم نقد وجه لفكرة النظام الأبوي هذه أنها مالت نحو نزعة بيولوجية جوهرية لم تقدم إلا أقل القليل من الأسس اللازمة لفهم أوجه التنوع التاريخية والثقافية.15 وقد حاولت النسويات العاملات في إطار ماركسي حل هذه المشكلة بربط النظام الأبوي بمختلف أنماط الإنتاج، لكن الكثير من هذه التفسيرات دمجت الاستغلال القائم على أساس النوع ذا الطبيعة الخاصة في الاستغلال الطبقي وأخضعته له. أما النسويات الاشتراكيات فقدمن مزيدًا من التصحيح بتنظيرهن للرأسمالية والنظام الأبوي كنظامين منفصلين من نظم الاستغلال، وإن كانا معتمدين على بعضهما البعض. ثم تلت ذلك فترة من النقاش المكثف فيما يتعلق بطبيعة العلاقات بين الرأسمالية والنظام الأبوي.16 وبحلول منتصف ثمانينيات القرن العشرين تزايد ظهور العلامات الدالة على عقم هذا النقاش، رغم ما قدمه من بعض الإسهامات المهمة.17

ومع ذلك، زادت مساحة الدراسات الإمبريقية التي تناولت العلاقات بين التقسيم الدولي المتغير للعمل وتقسيم العمل على أساس الجنس، حيث بدأت الباحثات والنشطات المهتمات بالتنمية في العالم الثالث في استخدام ما اكتسبنه من استبصار هائل من النظرية النسوية العربية بمختلف الأمور، مع اهتمامهن في نفس الوقت بقضايا ذات أهمية فورية وذات علاقة بالأمور المحلية.18 وتزايد ظهور القضايا المتعلقة بالنوع والطبقة على جداول الأعمال العالمية والدولية في ارتباطهما بأوجه عدم المساواة وإساءة التوزيع على نطاق العالم أجمع.19 وشككت الكثيرات (والكثيرون) أيضًا فيما تدعيه النظريات النسوية الموجودة من عالمية القضايا – تلك النظريات التي أخرجتها أساسًا باحثات (وباحثين) بيض من الطبقة الوسطى – وذلك بالقاء الأضواء على خصوصية خبرات نساء العالم الثالث.20

وفي غضون ذلك، أدى اكتساب النسوية للأيديولوجية ما بعد البنيوية إلى التشكك في فكرة وحدة النساء كفئة واضحة بذاتها، وفي قهرهنكظاهرة توحد بينهن. وقد تجلى في فكر ما بعد البنيويين خليط من التأثيرات (كانت بعضها متناقضة) تتراوح ما بين تفكيكية دريدا (Derrida)، إلى نظرية الخطاب عند فوكو (Foucault)، والتحليل النفسي عند لاكان (Lacan)، وما بعد الحداثة لدى ليوتار (Lyotard)، وذهبوا إلى أن أهم أهداف المشروع النسوي يجب أن يكون تحليل بنية فئة المرأةمن خلال وجوه الواقع الفعلي التي تؤدي إلى إنتاج الاختلاف الجنسي, وتحليل كيفية إعادة إنتاج تدني منزلة النساء من خلال ممارسات، وخطابات، ومؤسسات عديدة.21 حقًا، لقد أشار باريت وفيليبس (Barrett and Philips) إلى وجود فجوة تفصل النظرية النسوية لسبعينيات القرن العشرين عن النظرية النسوية لتسعينياته، وإلى أن الهجمات القوية للنقاد ما بعد البنيويين على فئات تصنيف مثل: القهر، والنظام الأبوي، والفرق بين الجنسين نفسه قد زعزعت ثبات أركان الإجماع السابق22. وعند الوصول إلى نقطة التشكيك في كل السرديات العامة عن تحرير المرأة والمرأةكفئة، يمكن أن تبدو النسوية نفسها إشكالية من حيث كونها مشروعًا سياسيًا قابلاً للنجاح، وهي مسألة أدت إلى بذل محاولات كثيرة للتنظير للروابط الموجودة بين النسوية وما بعد الحداثة.23 والنقاش حول هذا الموضوع ليس جامعًا مانعًا بأي شكل من الأشكال، فالبعض يعبرن (ويعبرون) عن شكوكهم في الحكم على مفهوم التبعية بأنه إشكالي عند نفس المنعطف التاريخي الذي تبدأ عنده الجماعات المهمشة (النساء، والسود، والشعوب الخاضعة للاستعمار) في العثور على سبيل الرفع صوتها،24 وتعتنق أخريات (وآخرون) ما بعد البنيوية كمصدر لجداول أعمال نسوية مثمرة.25 لكن كان من الآثار المتزايدة وبعيدة المدى لهذه النقاشات حدوث تحول تدريجي لكنه مهم – من المرأةإلى النوعكفئة تحليل مركزية.

بحلول منتصف ثمانينيات القرن العشرين، تحول منطاق المجال تحولاً جوهريًا من دراسات المرأة إلى دراسات النوع، وبالتحديد تحليلات الطرق التي تصطبغ بها كل جوانب المجتمع البشري بصبغة النوع، من ثقافة، إلى علاقات. وتذكرنا دراسة ليندا نيكولسون ((Linda Nicholson بأن مصطلح النوعيستخدم في المجال النسوي بطريقتين متميزتين، بل متناقضتين حقًا. فمن جهة يستخدم هذا المصطلح لتصوير ما أنشأه المجتمع في الفرد، في مقابل مصطلح الجنسالذي يفترض أنه بديهية بيولوجية. ومن جهة أخرى، يشير مصطلح النوعإلى أي بناء اجتماعي له علاقة بالتميز بين الذكر والأنثى، بما في ذلك الأبنية التي تفصل أجساد الإناتعن أجساد الذكور“.26 ووفقًا لهذا التعريف، من المفترض أن الجنس يمكن أن يندرج تحت النوع ولا ينفصل عنه، حيث إن أبنيتنا للجسد نفسها عرضة للتأويل الاجتماعي وإعادة التعريف اجتماعيًا. وهكذا تحول النوع إلى فئة جامعة مانعة على نحو متزايد، تشير إلى التعبير عن الفرق [بين النساء والرجال] في مجال من مجالات علاقات القوة. أو أن الأمر كما عبرت عنه دراسة جوان سكوت (Joan Scott) تعبيرًا بليغًا واضحًا يتمثل في أن النوع عنصر من مكونات العلاقات الاجتماعية القائمة على إدراك الفوارق بين الجنسين، والنوع سبيل أولى للدلالة على علاقات القوة.27

وتقدم دراسة جودیث لوربر (Judith Lober) أيضًا تعريفًا للنوع على أنه مؤسسة اجتماعية متغلغلة تمامًا من شأنها أن تنشئ أنماطًا لتوقعات الأفراد، وتنظم عمليات الحياة اليومية، وهي مغروسة في صميم التنظيمات الاجتماعية الكبرى للمجتمع، مثل الاقتصاد، والأيديولوجية، والأسرة والسياسة، كما أنها كيان مستقل بذاته وفي حد ذاته” .28

قابل البعض هذا التحول من التشديد على الجنس إلى التشديد على النوع بالترحاب الممزوج بشيء من التشاؤم باعتباره نبذًا تامًا للمبدأ المحوري للنسوية، ألا وهو المبدأ القائل بأن النساء يكَوَّن فئة موحدة، وأنه من الممكن إقامة مشروع لتحرير النساء يدور حول هموم هذه الفئة، وخاصة بعد الخلاف الذي تولد عن إعادة تعريف مجال دراسات المرأة ليضم دراسات الرجال وأشكال الذكورة (سواء في علاقتها بتدني منزلة النساء أو بغير ذلك من أشكال القوة والسيطرة المحتمية بالمؤسسات).29 وقد استقبلت الباحثات (والباحثون) “دراسات الرجال الجديدةاستقبالاً اختلط فيه القبول بالرفض، إذ شعرن (وشعروا) أن هذا المجال الذي يبدو أنه يبني نفسه كملحق للنسوية، يستولي على أعظم ما جادت به بصيرتها، لكنه لا يقر لها بالفضل إلا بشكل محدوده ويتنافس معها على الموارد المؤسسية النادرة.30 وعمومًا، تحذرنا دراسة جروت وماینارد (Groot and Maynard) من الاتجاه نحو نزع الطابع السياسي على مجال دراسات المرأة، لأن هذا يجعل الكتابات عن النوع تستخدم بشكل متزايد بطريقة حميدة ومحايدة دون أن تتناول مسائل القوة والميزات، وتدني منزلة النساء“.31

أما خارج المجال الأكاديمي الغربي، وفي الشرق الأوسط على وجه الخصوص، حيث البنية التحتية لدراسات وبحوث المرأة ما زالت في طور النشأة، فتقل جدًا مخاطر هذه الحدود الفاصلة، مما يفسح مجالاً أكبر للحكم على الميزات التحليلية المتضمنة في مختلف النُهُج. وإني لأتفق في هذا الاعتبار مع دراسة جوان آكر (Joan Acker) على أن التركيز على النوع قد فتح منظورات جديدة على مؤسسات مثل الدولة، والعلم، والمنظمات العسكرية والرسمية، وهي ساحات من المعتاد استبعاد النساء منها، ونادرًا ما خضعت للتحليل بطريقة تحيط علمًا بالنوع.32 ومن الواضح أنه من الممكن استخدام هذه المنظورات على نحو قوي ولتوسيع المدى الذي يمكن أن يصل إليه النقد الاجتماعي النسوي. فدراسة كونيل (R. W. Connell)، مثلاً، تعطينا رؤی مهمة عن التقاطعات بين النوع وغيره من المؤسسات الاجتماعية، بما في ذلك الدولة.33 وتوضح دراسة سينثيا كوكبورن (Cynthia Cockburn) عن التغير التكنولوجي الديناميكيات المعقدة الداخلة في إعادة إنتاج الذكورة والامتياز، كما توضح ما بين الاثنين من روابط.34 والسؤال الذي ما زال يبحث عن إجابة يتعلق بالمدى الذي حفزت به الحركة التحليلية زيادة إدخال منظورات النوع في العلوم الاجتماعية، وهو هم جاد لا يمكن تناوله في هذا الفصل.

وفيما يلي، سأضع دراسات الشرق الأوسط مقابل هذا الاستطراد الموجز العام عن دراسات المرأة والنوع، بغرض تقييم خواصها النوعية، ونقاط قوتها، وأوجه قصورها، والاتجاهات التي يمكن أن تأخذها في المستقبل، وسأقيم الحجة على أن النُهُج النسوية في الشرق الأوسط قد تميزت بأنها شديدة المحلية، متشبثة بتاريخها وخصوصياتها، كما أنها عالمية من حيث كونها قد دخلت في حوار مع الموجات والأنشطة النسوية الأوسع نطاقًا، سواء بالتعاون أو بالمعارضة.

اتخذت الدراسات والدعوة النسوية في الشرق الأوسط منذ بداية القرن العشرين وحتى الآن مسارًا محددًا تجلى فيه انخراطه في الحوار المحلي وحواره مع موجات فكرية أوسع نطاقًا. ومن المحال محاولة تفسير هذا المسار دون ممارسة العنف ضد اللكنات المحليةالتي اكتسبتها النسوية في مواقع معينة واستجابة لأحداث تاريخية معينة.35 حقًا إن أحد أهم السمات البارزة للدراسات في هذه المنطقة أنها ظهرت على خلفية من التأمل المسيس والمشحون بشحنة عاطفية عالية في أهم الأحداث السياسية ونقاط التحول التي لها تأثير قوي، وإن كان خفيًا في بعض الأحيان، وأبرزها الأحداث التاريخية الخاصة بالتحرر من الاستعمار، رغم أن الأحداث المعاصرة تشكل أيضًا الحقل الخطابي لهذه الدراسات.

تُعَرَّف دراسة سينثيا نيلسون (Cynthia Nelson) مثلاً نكسة ١٩٦٧ التي مني بها العرب في حرب الأيام الستة ضد إسرائيل بوصفها إحدى هذه اللحظات التاريخية التي أثارت التأمل الذاتي النقدي بين المثقفين العرب. 36 وقد ترك النضال المستمر للفلسطينيين من أجل تقرير المصير الوطني تأثيرًا عميقًا بالمثل بل ومثيرًا للفرقة أحيانًا على العلماء والباحثين في المنطقة. وتقدم نشأة الجمهورية الإسلامية في إيران نقطة تحول أخرى، وساحة لتجديد النقاش والتأمل الذاتي، ليس بين الباحثين والعملاء الإيرانيين فحسب، بل أيضًا بين قاعدة أعرض من الباحثين والعلماء والنسويات. وقد استلهمت النسويات في المنطقة أيضًا في كتاباتهن واهتماماتهن أشكال النضال الأكثر محلية والأقل ظهورًا للعيان، وأحيانًا لا يمكن إلا للآذان التي اعتادت التقاط اللكنات المحليةبدقة لدربتها عليها أن تدرك المعاني الخفية، والمسكوت عنه، والصمت, والاحتجاجات العلنية أو المشفرة. ورغم أهمية هذه الشروط، أقدم تقسيمًا زمنيًا غير دقيق للتيارات الرئيسية في الفكر النسوي والدراسات النسوية في الشرق الأوسط بغرض تحديد بعض اللحظات التي شكلتها. 37

الموجة الأولى: النسوية والقومية

ترتبط الموجة الأولى من الكتابات النسوية في الشرق الأوسط بحركات الإصلاح الاجتاعي والتحديث خلال حقبة تكوين الدولة بعد التحرر من الاستعمار التي تمتد ما بين فترتي القرن التاسع عشر والعقود المبكرة للقرن العشرين. تبدو في هذه الفترة سمات تواز خطابي لافت للنظر بين تركيا، وإيران، ومصر، أسس إطارًا للنقاش حول مسألة المرأة، وما زال أثر هذا الإطار باقيًا. في كل هذه الحالات، كانت القومية هي المصطلح الأساسي الذي يجري التعبير من خلاله عن كل القضايا التي تخص موقع النساء في المجتمع.38 وقد ذهبت في مقال آخر إلى ما وجد في هذه المرحلة من توترات دائمة بين الاتجاهات الحداثية في القومية، التي تؤيد التوسع في حقوق المواطنة للنساء والمساواة الاجتماعية لهن، والقطاعات التي تأخذ بنظرية التناسق العضوي (organicist theory)، وهي قطاعات مضادة للحداثة، كانت مهتمة بما يصيب القيم الثقافية والهوية من إضعاف وتلويث في السياق ما بعد الكولونيالي.39 لقد كان نصيب النساء في القومية معقدًا ومتناقضًا، فمن جهة، تدعو الحركات القومية النساء إلى مزيد من المشاركة التامة في الحياة الجماعية باستدعائهن كفاعلات قومياتأمهات، ومعلمات، وعاملات، بل حتى محاربات. ومن جهة أخرى، تعيد الحركات القومية التأكيد على حدود السلوك الأنثوي المقبول ثقافيًا، وتمارس على النساء ضغطًا للتعبير عن مصالح نوعهن في إطار الشروط التي وضعها الخطاب القومي. بهذا المعنى، لم تكن الحركات النسوية أبدًا متمتعة بالاستقلال باتخاذ القرار، بل ارتبطت بشبكات الدلالة للسياقات التي أنتجت هذه الحركات.

كما أن الشرق الأوسط كان فيه خليط من لقاءات المجتمعات التي تتكون في معظمها من مسلمين مع الغرب الاستعماري، والطبيعة المتصدعة لمخططات التنمية القومية، والانشغال بالاسلام كسمة للهوية الثقافية، وقد كبل هذا الخليط الإمكانات الخطابية للدراسات النسوية، وأنشأ أنماطًا من النقاش تظهر مرونة ملحوظة عبر الزمن، ويظهر هذا في أن النقاش الذي يرجع إلى أيام قاسم أمين عن مدى اتفاق الإسلام مع تحرير المرأة.40 مازال على جدول الأعمال في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين.

إن التماهي القوي بين الأصالة الثقافية والإسلام قد عني أن الخطاب النسوي لا يمكن أن يتقدم بشكل شرعي إلا في اتجاهين: إما بإنكار أن الواقع العملي الإسلامي يشكل بالضرورة قهرًا للنساء، أو بتأكيد أن الواقع العملي الذي يشكل فهرًا للنساء ليس إسلاميًا بالضرورة.

الاستراتيجية الأولى، بكل تنويعاتها المؤيدة والمعارضة، تضع كرامة المرأة المسلمة المصون مقابل المرأة العربية المتحولة إلى سلعة أو المستَغَلة جنسيًا.41 ويمكن أن نجد معلومات أكاديمية عن مختلف السياقات الملموسة التي تعيش فيها النساء المسلمات في كتابات عالمات (وعلماء) الأنثروبولجيا، التي تكشف السادة التي جمعنها (وجمعوها) عن أن النساء يعشن حياة ثرية، ومجزية وذات معنى خلف القيود الظاهرية التي فرضها عليهن عزلهن، وأن لهن تأثيرًا وقوة معتبرين.42 ولابد من الاعتراف هنا أن هذا العمل قد شكل ابتعادًا جوهريًا عن التصوير النمطي الاستشراقي للنساء الخاضعات، الواقعات في شراك العلاقات المتجمدة التي لا يمكن تذويبها والمفروضة عليهن بموجب الإسلام الذي يسري على كل زمان، والابتعاد عن هذا التصوير النمطي للنساء يحظى بالترحاب43. لكن الأمر كما لاحظته دراسة ليلى أبو لغد (Leila Abu-Lughod) الثاقبة نضال ضد أنماط الظل، تحول مع الزمن إلى تعددية بلاغية، ما جعل توثيق الحياة الحقيقيةللنساء غاية في حد ذاتها، فشجع أمورًا محلية معينة في مواجهة الأنثروبولوجيا النسوية،44 وضد الدراسات النسوية عمومًا.

أما الاستراتيجية الثانية بكل تنويعاتها المؤيدة والمعارضة فتعتمد على أسطورة عن العصر الذهبيللإسلام الأصلي الذي لم يتطرق إليه الفساد، والتي يمكن على أساسها ازدراء ما في الواقع العملي الحالي من أوجه التمييز باعتبارها قاصرة عن الوصول إلى مُثَل الإسلام الحقة. وهذه الاستراتيجية في تنويعتها الأكاديمية تنتج كتابات تتفق في طعنها في التأويلات الأبوية للإسلام بتقديمها لبدائل أكثر راديكالية كجزء لا يتجزأ من المأثور الإسلامي. وهذا يفتح بدوره إمكانية التعبير عن أشكال داخلية من النسويةلا تدين بنشأتها ولا باستلهامها لمصادر تأثير غربية. وقد فضل الباحثون هذه الاستراتيجية في ثمانينيات القرن العشرين، في زمن تصاعدت فيه الهيمنة الثقافية لميول الإسلام السياسي، مما تطلب تدخلاً نسويًا. يمكن أن نجد أمثلة مركبة من هذا النوع في كتاب فاطمة المرنيسي (Fatima Mermissi) المعنون النساء والإسلام: تساؤل تاريخي وديني45 وكتاب ليلى أحمد (Leila Ahmed) المعنون المرأة والنوع في الإسلام.46 ورغم أن آثار الاستراتيجية الأولى يمكن أن تكون محافظة وأن الثانية راديكالية على نحو واضح فيما يشغلان حیزین خطابيين متماثلين.

لكن مما له دلالة أن النقاشات التي أثيرت عن النساء والإسلام إبان الموجة الأولى من الكتابات النسوية قد فرض عليها الصمت وأخفيت لفترة زمنية معتبرة، لتعود إلى الظهور مجددًا بقوة في ثمانينيات القرن العشرين. وفي الفترة الوسيطة بين هاتين الفترتين، دمجت الأسئلة الخاصة بمنزلة النساء في التفسيرات الأوسع للتغير الاجتماعي والتنمية التي خرجت من النماذج الكبرى للعلوم الاجتماعية.

الموجة الثانية: نهوض نماذج العلوم الاجتماعية والتنمية

شهدت خمسينيات وستينيات القرن العشرين ظهور فروع تخصصية في العلوم الاجتماعية لدراسات الشرق الأوسط، كما توطدت أركان هذه الدراسات في هذين العِقدين، وأدمجت الأسئلة الخاصة بالأسرة وأدوار النساء في خطابات أوسع نطاقًا عن التحول الاجتماعي، وخاصة نظرية الأخذ بالحداثة (modernization theory) والنظرية الماركسية.

افترضت نظرية الأخذ بالحداثة حدوث انتقال من التقاليد إلى الحداثة الاجتماعية من شأنه أن يؤثر في كل أوجه الحياة الاجتماعية.47 ومن ثم يمكن تفسير أوجه التفاوت في العلاقات بين الجنسين داخل الأسرة وفي المجتمع ككل بعبارة الدرجات النسبية من الأخذ بالحداثة.48 فالمجتمع التقليدي قد مثلته صورة المجتمع الريفي، الأمي، ذي الخصوبة المفرطة، الذي يسوده الذكور، أما المجتمع الحديث فمثلته صورة المجتمع الحضري، المتعلم، المهتم بالطفل وحسن المعشر. ومنذ أن أضفى هذا النموذج – لاسيما في صورته التي قدمها تالكوت بارسونز ((Talcot Parsons – صبغة التجانس على مجتمعات غير غربية شديدة التباين حين وصفها بأنها تقليدية، تم تجاهل أشكال تدني منزلة النساء ذات الخصوصية الثقافية لصالح مؤشرات عريضة عن التنمية الاجتماعية الاقتصادية، مثل التحول الحضري، والتعليم، والتصنيع.

ولهذا الخطاب الدائر حول التحول نقيضه في النظرية الماركسية، التي قدمت المجتمع الإقطاعي وشبه الإقطاعي في تعارض مع المجتمع الرأسمالي / الصناعي، فجعلت من العلاقات بين الجنسين موضوعًا ثانويًا لاحقًا على هياكل اجتماعية اقتصادية أعرض منه، ومستمدًا من خواص هذه الهياكل. وعند إعادة النظر فيما مضى، قد يبدو من الطبيعي إلى حد كبير أن في فترة ما بعد الحرب، التي قادت فيها الدولة النمو الاقتصادي والدمج السياسي، ساد معظم بلدان الشرق الأوسط شعور بتعجل إمكانات التنمية الوطنية والثقة فيها، وتجلى هذا الشعور في الدراسات. فمختلف أشكال عدم الإنصاف الاجتماعي، بما في ذلك أشكاله القائمة على النوع، يمكن التعامل معها على أنها أمراض اجتماعية ينبغي للمجتمعات التغلب عليها فور أن تحقق المستوى المطلوب للتنمية.

وفي الفترة التي انتهت بعام 1975، الذي أعلنته الأمم المتحدة العام العالمي للمرأة, ودعت فيه إلى إجراء نقد مستمر لنظرية الأخذ بالحداثة، نشطت الموجة الثانية من الكتابات النسوية في الشرق الأوسط، على غرار الكثير من غيرها من أنحاء العالم. وقد طعنت الكتابات التي تناولت المرأة في التنمية في فكرة أن مزايا التنمية قد تساقطت على النساء، بل ذهبت إلى أن النساء في بعض الأماكن قد عانين الحرمان من التمكين بفقدهن بعض السبل التقليدية للحصول على لكسب العيش والمشاركة في المجتمع. وعاد مفهوم الحرمان القائم على النوع بقوة الي الظهور على جدول الأعمال، لكنه ظل أسير القلق بشأن التنمية، الذي كان فخًا ضيق العيون وقع فيه هذا المفهوم. وقد كان لهذا الوضع عيوبه، لكن كانت له منافعه أيضًا، خاصة لمن كانوا يتشوقون إلى الفكاك من أسر الخطابات الاستشراقية عن الشرق الأوسط، كما أن الحياة المادية التي تعيشها نساء الشرق الأوسط يمكن تحليلها من خلال المفاهيم العامة للعلوم الاجتماعية، مما يفتح إمكانية دمجهن في التيار النظري السائد. وقد وضحت كتابات مهمة مثل كتاب جوديث تاكر(Judith Tucker)، المعنون النساء في مصر في القرن التاسع عشر،49 إمكانية إجراء تحليل مادي بالاعتماد على معلومات تاريخية. وفي الكتابات الأكثر التزامًا بما يتعلق بالتنمية، أدى إدخال نساء الشرق الأوسط في الفئة العريضة المسماة نساء العالم الثالثإلى تخفيف قبضة الاستشراق عن الانفراد بالحديث عنهن، مما حبس النساء المسلمات في عالم لا يتناسب مع قدرهن، علمًا بأن ناقدات مثل تشاندرا موهانتی (Chadra Mohanty) 50قد وجدن أن هذا التصنيف تعسفي. وقد فتح هذا الطريق إلى وجهات نظر ترى نساء الشرق الأوسط من منظورات أکثر اعتناء بمقارنتهن بغيرهن من النساء، وإلى تحليلات لأوضاعهن تقوم على أسس مادية.51

الموجة الثالثة: الحوار داخل النسوية

وقد شهدنا أهم غزوات النسوية الأكاديمية الغربية لدراسات الشرق الأوسط بعد سبعينيات القرن العشرين. انتقل تأثير هذه الغزوات من خلال دوائر مختلفة ذات جداول عمل فيها شيء من الاختلاف عن بعضها البعض، وهي: دائرة الباحثات (والباحثين) الغربيين الذين يدرسون الشرق الأوسط والذين لهم مصلحة في أن تتماشى المادة التي جمعوها عن الشرق الأوسط مع مختلف نماذج النسوية الأكاديمية، ودائرة الباحثات (والباحثين) من أهل بلدان الشرق الأوسط الذين تلقوا تعليمًا غربيًا، ودائرة المغتربين أو الأجانب المقيمين في المنطقة، إلى جانب جماعات ذات مرجعيات عديدة في المجال الأكاديمي الغربي وبلدانهم الأصلية، والباحثات (والباحثين) من أهل المنطقة الذين تعلموا في بلدانهم، وبعضهم لا سبيل له إلا إلى العمل بالترجمة والانخراط في الخلافات المحلية.

وأسفر هذا عن دمج مختلف مفاهيم النظرية النسوية بشكل انتقائي وغير متساو في دراسات الشرق الأوسط، وظهور أساليب محلية مميزة في الجدال والدراسات. ولنأخذ مثالاً واحدًا على ذلك، إذ يبدو أن استدعاء ميشيل روزالدو للتعارض الثنائي بين العام / الخاص، كأساس لتدني منزلة النساء،52 قد وجد له موطنًا طبيعيًا في المنطقة، حيث ظهر أن هذا التعارض الثنائي يتخذ أشكالاً ملموسة في أنماط عزل الجنسين مكانيًا عن بعضهما، واحتباس النساء. وهكذا، فعلى الرغم من أن ميشيل روزالدو قد طورت هذه المفاهيم في أطر مرجعية أعرض من ذلك بكثير، فإننا نجد أكثر شروحها تفصيلاً في دراسات الشرق الأوسط. 53 وقد تبع ذلك إنتاج عزير من الكتابات والبحوث عن النساء في الشرق الأوسط، وازدادت هذه الكتابات تمايزًا بمرور الوقت وفقًا للتخصصات التي أنتجتها ولموضوعاتها.54 تعرض بعض هذه الكتابات ما قد يبدو للنظرة السطحية تناقضًا ظاهريًا؛ ألا وهو تصوير نساء الشرق الأوسط في صورة الضعيفات المقهورات، مع تقديمهن في نفس الوقت كمثال للقوة والتضامن. ولا مناص من أن بعض الباحثات (والباحثين) اعتبروا النزعة الأسرية والاتجاه نحو التعاون في الكثير من مجتمعات الشرق الأوسط جوًا خائقًا ومقيدًا، بينما رآه البعض الآخر مناخًا مثمرًا وله معنى أكثر من خلفياتهم الغربية، وقد وجدت بعض هذه الخبرات طريقها إلى الدراسات دون تمحيص. 55 وظهر أيضًا اهتمام قوي لدى الباحثات (والباحثين) بـ المركزية العرقيةالغربية، مع حاجتهم بدرجات مختلفة لوضع أنفسهم مقابل الناس موضع أبحاثهم في موضع الآخر الكريموالمتعاطف” .56

ووجد أيضًا في الشرق الأوسط عدد معتبر من الباحثين الذين تلقوا تعليمًا غربيا, الذين كان عليهم – رغم معرفتهم بالنسوية الأكاديمية في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا – أن يعملوا بموارد محدودة وفي أجواء مناوئة لاهتماماتهم على نحو فعال أكثر مما يلقاه نظراؤهم الغربيين. وكان من الممكن أن تكون هذه المجموعات من الباحثين ذوي المرجعيات المتعددة مصدرًا لكل من الإلهام والاغتراب، فكونهم يتخذون موقعًا مختلفًا مقابل الناس موضوع دراساتهم جعلهم خاضعين للمساءلة بطرق شديدة الاختلاف. والأهم أنهم لم يكن من السهل عليهم تجاهل علاقة دراساتهم بالاهتمامات الملحة للنساء ونضالهن اليومي في مجتمعاتهن.57

وأخيرًا، توجد أيضًا باحثات (وباحثون) لا يكتبون إلا باللغات المحلية، ولا يهتمون بالضرورة بالتعامل مع الوسط الأكاديمي الغربي. وبعض منهم لم يتحول أبدًا عن تقاليد الموجة الأولى للكتابات النسوية، واستمروا في إحياء الجدال حول حقوق النساء، والهوية القومية والإسلام، التي ظهرت في الكتابات الأكاديمية في ثمانينيات القرن العشرين.58 وخلق هذا مشهدًا مركبًا ومتباينًا يتقاطع مع اهتمامات الدراسات والأنشطة النسوية في الشرق الأوسط لكنه لا يتطابق معها.

علاوة على ذلك، لم تكن مختلف تيارات النسوية الغربية ممثلة بنفس القدر في الشرق الأوسط. فالنهج الذي حظي بفهم فوري، ووجد سهولة نسبية في التأقلم مع الأوضاع المحلية هو النسوي الليبرالي الذي أكد على إزالة العقباتالتي تعرقل المساواة بين الجنسين عن طريق تغيير التشريعات، وتحسين سبل الحصول على التعليم والعمل المأجور، ومناهضة نظرات التعصب ضد النساء كجنس. ولم يستغل هذا النهج جميع إمكانياته الراديكالية الهائلة، خاصة في السياقات التي تعرضت فيها حقوق النساء إلى الانتقاص منها وإعادة تعريفها. وهذا النهج تتضمنه معظم الدراسات الاجتماعية التي استلهمت نظرية الأخذ بالحداثة في خمسينيات وستينيات القرن العشرين، وفيما بعد ذلك في دراسات النساء في التنمية، بتأكيدها على سد الفجوات بين الجنسينفي التعليم، والحصول على الموارد، والوضع القانوني.

وقد توطنت الاتجاهات النسوية الاشتراكية أيضًا في مختلف تطبيقات النظام العالمي ونظريات التبعية (dependency theories) على الشرق الأوسط. فإذا كان أحد أجحة كتابات المرأة في التنميةتتجلي فيه رؤية ليبرالية للعالم، فقد انبثق من نظريات الماركسية الجديدة عن التنمية والتنمية المنقوصة جناح آخر لها، تجلى في كتاباته الانشغال بالآثار النظامية للتنمية المنقوصة ووقعها على النساء بطريقة كان فيها أحيانًا محاباة للاستعمار الكولونيالي والكولونيالي الجديد باعتبارهما أول من أزال عدم المساواة بين الجنسين. وتشير ميرفت حاتم (Mervat Hatem)، بكثير من التبرير، إلى أن هذا يمثل امتدادًا للخطاب القومي، حيث إن النظم الأبوية في الشرق الأوسط يصعب فهمها على أكمل وجه بمجرد الإشارة إلى أوجه اقتصادها السياسي ومجتمعاتها التي تخدم مصالح الاستعمار الكولونيالي أو المصالح ما بعد الكولونيالية59 لكن مصطلحات الإنتاج والإنجاب (أو إعادة الإنتاج)، والطبقة والنظام الأبوي وجدت سبيلاً للتحول إلى الكثير من التقارير التي تتناول أحوال النساء“.60

ونعيد ذكر أن جداول الأعمال المحلية قد أضافت تحريفات مبتكرة إلى استخدامات معينة لبعض المصطلحات، ومن أمثلتها مصطلح النظام الأبوي.61 قدم هشام شرابي (Hisham Sharabi) مفهوم النظام الأبوي الجديد (neopatriarchy)” للإشارة إلى تكوين الدولة في بلدان الشرق الأوسط بعد جلاء الاستعمار الكولونيالي بطريقة عدّلت من الإشارات التي شاع ارتباطها بهذا النظام في النظرية النسوية الغربية وأعادت ضبطها. وقد وضع هشام شرابي هذا المصطلح ليميز كلاً من الهياكل الكبرى للاقتصاد والسياسة والهياكل الصغرى للمجتمع المحلي والأسرة.62 وبالرغم من أن هذا المصطلح قد يكوّن فئة مشكوكًا فيها من وجهة نظر الاقتصاد السياسي أو النظرية السياسية, فقد ظهر مع ذلك كمادة تثير توجيه النقد الثقافي لها، وكمحاولة لصياغة لغة للكلام عن أشكال التسلط على كل مستويات المجتمع. وتظهر النسوية، في هذا السياق، كتحد جذري للقاعدة التي تقوم عليها هذه الأشكال من التسلط، وهي فكرة موجودة بقوة أيضًا في كتابات فاطمة المرنيسي.63 يشیر هشام شرابي إلى أن النسوية والخطاب النقدي غير الغربي يميلان إلى بعضهما البعض ميلاً طبيعيًا،64 أما فاطمة المرنيسي فتبرز إمكانية الهدم الكامنة في الخطابات ذات النزعة الكونية عن حقوق الإنسان والمواطنة في مجتمعات يشكل فيها الخضوع لإرادة الإله والحكام الزمنيين نموذجين بديلين قويين لهذه الحقوق. ويرى الباحث والباحثة، كلاهما، النسوية كجزء لا يتجزأ من مكونات الحركة الديموقراطية في مجتمعاتهما.

ويجدر بالذكر أن النسوية الراديكالية والتحليل النفسي لم يكن لهما أي وقع على الدراسات الدارجة عن النساء في الشرق الأوسط. ففيما عدا الكتابات المبكرة لنوال السعداوي (Nawal El Saadawi)،65 التي واجهت قهر النساء ككائنات جنسية، وأثارت تساؤلات حول العنف وإساءة المعاملة وزنا المحارم والاغتصاب وختان الإنات؛ والكتابات المبكرة لفاطمة المرنيسي عن التأويلات الإسلامية للطبيعة الجنسية للمرأة،66 فيما عدا هذه الكتابات لا يوجد إلا القليل من التأكيد على الطبيعة الجنسية في حد ذاتها.67 يمكن تفسير هذا بأنه يرجع إلى مقاومة هذه الدراسات للدخول في مناطق المحرمات الثقافية، ورد فعلها المضاد للنزعة الجوهرية في مجال النوع التي توجد ضمنًا في بعض التنظيرات النسوية الراديكالية التي بها شيء من التشابه مع فئات التصنيف التي تقدمها النزعة الإسلامية الأصولية68 (رغم اختلاف معانيهما الضمنية). وإذا كان للنساء طبيعة متعددة الوجوه ومختلفة جوهريا تؤهلهن على حد قول بعض النسوريات لأن يكن حُماة حمى عالم أكثر ديموقراطية، يتعامل بقدر أكبر من الود مع الطبيعة، ويمارس قدرًا أقل من العنف، لكان من الممكن استدعاء هذه الوجوه المختلفة لطبيعتهن بنفس القوة لنزع جميع مؤهلاتين، عدا مؤهلات أدوار رعاية الأسرة والأطفال. إن فئة النسوية الغربيةكثيرًا ما تستعرض في الشرق الأوسط كمصطلح يقال للانتقاص من أي مشروع يوصف بهذا الاسم، إشارة إلى أنه مشروع لا علاقة له بالمجتمع عمومًا، ويبث الفرقة في الصفوف، وغريب، وإني لأجرؤ على القول بأن هذا التأويل قد حدث من خلال خلط جميع الاتجاهات النسوية ببعض تنويعاتها الراديكالية. حقًا، أن التأكيد الملموس على أولوية استقلال الفرد باتخاذ القرار وإشباع الرغبات، بما في ذلك التحرر الجنسي، والتنديد بالرجال باعتبارهم العدو الرئيسي قد يكون معارضًا للاتجاه الثقافي في المجتمعات التي يقع فيها الرجال والنساء معًا أسرى شبكات أسرية محكمة من الحقوق والواجبات المتبادلة، وحيث قد يعمل الجنسان أعمالاً شاقة تحت ظروف اشكال من القهر الاقتصادي والسياسي شديد الوطاة، وحيث توجد إمكانات مختلفة للتحالف بين الجنسين.

المرحلة الحالية من التنظير النسوي، التي قدمناها بإيجاز في الجزء الأول من هذا الفصل، تطرح تحديات جديدة ما زال يصعب الإحساس بآثارها حتى الآن. وعلى الرغم من الاختلافات الداخلية في الموجات النسوية قبل ثمانينيات القرن العشرين، فإن لها بعض القواسم المشتركة الواضحة. لقد افترضت هذه الموجات أن النساء يشكلن فئة يجمع بينها القهر المشترك، وأن أسباب قهرهن كانت تقبل التفسير السببي (رغم الخلافات الحادة على مسببات القهر نفسها) وأن النساء يمكن أن تظهر بینهن أشكال ذات معنى من أشكال النضال والتجمع من أجل تحقيق تحررهن.

وقد شهدت نهايات ثمانينيات القرن العشرين انهيار هذا الإجماع، ومهدت الساحة لظهور ما يمكن تمييزه بأنه أزمة داخلية حول الاختلافالذي ظهر في الغرب. ففي الولايات المتحدة الأمريكية، تعرضت النسوية التي ظهرت في أوساط البيض من الطبقة المتوسطة لهجوم لما ظهر فيها من اتجاهات عنصرية وتمحور عرقي. وفي أوروبا تصادف ظهور هذا النقد الداخلي مع مطالبة المهاجرين والأقليات العرقية بحقوقهم في التميز الثقافي، وزاد من حدته أحداث مثل موضوع سلمان رشدي (Salman Rushdie) في إنجلترا والخلاف حول ارتداء الإيشارب (foulard) في فرنسا.69 وهكذا كان السياسات التعددية الثقافية وسياسات الهوية في الغرب تأثير كبير على التنظير النسوي. وتجلت أيضًا في الدراسات التي أجريت عن الشرق الأوسط الآثار المزدوجة لما بعد البنيوية والخلافات حول التعددية الثقافية.

وبالطبع، كانت الأسئلة حول الاختلاف وتحليل مراتب القوة الموجودة ضمنًا في تفسيرات الآخرأسئلة محورية لنقد الاستشراق الذي بدأه الكتاب الملهم الذي ألفه إدوارد سعيد (Edward Said) وكان لدى الدراسات ما بعد الاستشراقية الكثير مما يمكنها قوله عن النوع، حيث إن الصور التمثيلية للمرأة الشرقيةكانت جزءًا لا يتجزأ من تصوير حياة الحريم، والغرائب والإثارة الجنسية.70 وحفز هذا ظهور أسلوب جديد اكتسب كل من تحليل النصوص ودراسة الصور التمثيلية بفضله زخمًا هائلاً عبر جميع تخصصات العلوم الاجتماعية، بل تجاوز هذا التحليل وهذه الدراسة مجال الأدب المقارن والنقد الأدبي حيث كانت نشأتهما. وقد وجّهت كتابات جولي ماركوس (Julie Marcus) عن تركيا مثلاً نقدًا عنيفًا واسع النطاق لمن أنتجوا لصوصًا استشراقية، ورغم أنها باحثة أنثروبولوجية، فقد اعتمدت أساسًا على مصادر ثانوية، واقتصرت في ذكر البيانات التي جمعتها في بحثها الإثنوجرافي على فصل واحد أساسًا.71 وقد كتبت نصوصًا أخرى من منظور ميشيل فوكو (أو إدوارد سعيد)، وكان بعضها تنويريًا أكثر من غيره، وبالذات النصوص المنبثقة عن مصادر غربية لا عن مصادر محلية.

وهذه الاستراتيجية البحثية، لاسيما في الفروع التي تلتزم بطبيعتها بعمل ميداني فعلي، قد تكون استجابة محدودة لأثر اضطرار الباحثة (أو الباحث) للتنقيب عن حجة تبرر صوته السلطوي الذي يكون معوقًا لها (أو له) في بعض الأحيان – وذلك بالإشارة إلى حالة وضعها كباحثة (أو كباحث)، ومن هي ( أوهو)، وذلك بدلاً من الكتابة عن ما للحجج التي تسهب (أو يسهب) في تناولها من قوة تحليلية أو مصداقية. حقًا، إن تفكيك النصوص المنبثقة من ثقافة الباحثة (أو الباحث) – لاسيما من المؤلفين الذكور ذوي العلاقات بالإمبريالية – لمسعى أكثر أمانًا بكثير من الاضطرار إلى التعامل مع وجوه الواقع المشوش لحقائق الحياة الاجتماعية المعاصرة، والحيرة الناشئة عن التيارات المتقاطعة الواضحة في سياسات النوع في مجتمعات الشرق الأوسط المعاصرة. لكن أخطر أذي يمكن أن توقعه بعض أنواع الدراسات ما بعد الاستشراقية دون قصد هو أن هذه الدراسات تظل حبيسة فئات: المستعمِر مقابل المستعمَر, والشرق مقابل الغرب, والإسلام مقابل العالم المسيحي، والذات العربية مقابل الآخر من السكان المحليين؛ وذلك بطريقة تحافظ على ثبات نظرتنا إلى الهيمنة الخطابية للغرب. ويحدث هذا عادة على حساب الأضرار إلى تحليل الثقافة والمجتمع بطرق تعتمد على مزيد من المرجعية الذاتية التي يجب أن يستلهمها النفد النسوي المحلي. ومن المفارقات، أن هذه التحليلات تتجلى في كتابات الإسلاميات (والإسلاميين)، وتستخدم كمبررات للحركات المضادة للهيمنة، حيث تندد بالعمومية العالمية للتوير، باعتباره مشروعًا استعماريًا إمبرياليًا، وتضع في مواجهته عمومية عالمية إسلامية تقوم على مبادئ نظام إلهي ثابت. ولابد لنا من رفض هذه الفئات بالتحديد كي ندرك تعقيد مجتمعات الشرق الأوسط وتباينها، ونفتح آفاقًا جديدة للنقد الاجتماعي.72

وقد قام الحوار حول التعددية الثقافية في الغرب على أساس الاعتراف بالتنوع الداخلي للمجتمعات الحديثة ومحاولة استيعاب الاختلافات داخل المنظمات السياسية الديموقراطية التي تؤمن بالتعددية.73 إن تحديد موقع خارجيلإنتاج الاختلاف في مجتمعات الشرق الأوسط، ألا وهو الغرب بالتحديد وحلفاؤه في الداخل، وتمييزه عما هو داخليحقًا يتجاوز ضرورة قبول طبيعة هذه المجتمعات التي تتميز بقدر مساوٍ من التنوع العرقي والديني والانقسام الايديولوجي، ويمكن أن ينزع الشرعية عن أصوات المهمشين بحكم تعريفهم السياسي. وباختصار؛ كثيرًا ما اتخذ نقل الاهتمامات التي تدور حول الاختلافإلى الشرق الأوسط أشكالاً من المماراة، لم تقف بالضرورة في صف انشاء جداول أعمال نسوية مثمرة، بل حولت الاختلاف الى خصوصية محضةعلى حد قول مارنيا لازريج (Marnia Lazreg)، وهو أمر يحمل إمكانية السماح للاستشراق بالتسلل من الباب الخلفي.74

لكن بالإشارة إلى ما سبق، ما زالت التطورات الحالية والانتقال من المرأة إلى النوع تنطوي على إمكانات ضمنية أخرى لم تستغل بالكامل بعد. إن التخلي عن السرديات الكبرى لتفسير تدنى منزلة النساء يوسع الطريق لتحليلات تفصيلية لعوالم مختلف المؤسسات التي يعاد عن طريقها إنتاج سلم المراتب بين الرجال والنساء، كما وسع من جدول أعمال البحوث ليشمل تنويعة أكبر من الممارسات الثقافية. من هذا المنظور، فالمؤسسات الاجتماعية لا يتجلي فيها منطق أبوي أحادي فحسب، بل إنها موقع علاقات القوة والعمليات السياسية الذي تنشأ فيه من خلالها سلالم المرتبة بين النوعين ويجري فيه النزاع بشأنها.

تشكل التفسيرات الثقافية للنوع مؤسسة الأسرة، ومؤسسات التربية والتعليم، والقانون، والدولة، والمؤسسة العسكرية، وكثيرًا ما ينتج عن هذه التفسيرات آثار معقدة ومتناقضة مع بعضها البعض. ومن المثير للعجب أن هذه المؤسسات والممارسات لم تلق إلا القليل من الانتباه المفصل لعلاقتها بإنتاج النوع في الشرق الأوسط.

فجوديث تاكر مثلاً تلفت انتباهنا إلى أنه حتى الأسرة، وهي المؤسسة المحورية بديهيًا في دراسات الشرق الأوسط، تكاد لا تكون قد اتخذت موضوعًا لأي دراسة تفصيلية تكشف عن تنوع تشكيلات الأسرة في العالم العربي عبر الزمان والمكان.75 ويمكن طرح الافتراض نفسه في علاقته بغير ذلك من المؤسسات الاجتماعية الأخرى، ولا سيما ما يبدو منها أنها تستبعد النساء. إن التركيز على المؤسسات الاجتماعية بعين واعية للنوع له ميزة إضافية، وهي أنه يشمل بالضرورة بعدًا زمنيًا وحساسية للتغيرات في السياق العالمي، وهي التي تشكل جداول الأعمال المحلية وتقيدها. ومع أن هذا قد يزيد من تفتيت الألفاظ والمصطلحات المرجعية للدراسات النسوية، إلا أنه قد يشكل رغم ذلك تطورًا مثمرًا إذا ضمن تغلغل وجهات النظر الواعية بالنوع في ثنايا الدراسات الإنسانية والعلوم الاجتماعية في الشرق الأوسط.

الفرضية المحورية لهذا الفصل في أن نواحي التقدم في الدراسات النسوية قد أدمجت في الدراسات التي تجرى حول الشرق الأوسط على نحو جزئي وانتقائي. وقد ترك الارتباط التاريخي بين النسوية والقومية في الشرق الأوسط إرثًا صامدًا من الاهتمامات التي تدور حول آثار الاستعمار الثقافي الذي أثنى الباحثين والباحثات عن الاستكشاف النظامي للمؤسسات المحلية والعمليات الثقافية المتضمنة على نحو محوري في إنتاج سلالم المرتبة بين النوعين وفي أشكال تدني المنزلة القائم على نوع الفرد. أما نماذج العلوم الاجتماعية، وبالذات نظرية إدخال الحداثة والماركسية (بتنويعاتها القائمة على نظرية التبعية) فقد عززت هذه الميول عن غير قصد بتركيزها على العمليات الكبيرة للتحولات الاجتماعية على مستوى العمومية، مما جعل الانشغال بالخصوصيات الثقافية المحلية أمرًا غير ذي بال، وقد تجلى هذا في السرديات الكبرى داخل الدراسات النسوية نفسها، تلك الدراسات التي حاولت تحديد أسباب عامة في كل العالم لتدني منزلة النساء. وقد نتج عن التخلي عن هذه السرديات آثار متناقضة؛ فمن جهة، يوجد تأكيد على الاختلافالذي يحمل في طياته إمكانية التحلل إلى أشكال غير مبدئية من النسبية، أو قد يؤدي على العكس – إلى أوجه فهم أكثر دقة للتحالف السياسي وبناء الائتلافات. ومن جهة أخرى, فالأطر الأكثر اعتمادًا على السياق، والتي تفسر الأوضاع على المستوى الصغير، قد تنتج مواد أولية أخرى يمكن استخدامها في إجراء نقد داخليذي ميل إلى حد بعيد إلى الإفلات من الدراسات النسوية في الشرق الأوسط.

ومن الإنصاف أن أخرج بخلاصة مفادها أن هذه الدراسات تقف الآن في مفترق طرق، وأن إدراك إمكانياتها الكاملة يستدعي الكثير من الشجاعة، والخيال، والالتزام.

* Deniz Kandiyoti “Contemporary Feminist Scholarship and Middle East Studies.” Gendering the Middle East: Emerging Perspectives, Deniz Kandiyou, ed., Syracuse: Syracuse University Press. 1996, pp. 1- 28.

1 يمكن أن نذهب إلى أن هذه هي بالضبط المهمة التي أخذتها الدراسات ما بعد الكولونيالية على عاتقها, تلك الدراسات التي تحلل العلاقة الأساسية بين الخطاب الإمبريالي العربي والمجتمعات الخاضعة للاستعمار الكولونيالي، انظري / انظر مثلا:

Patrick Williams and Laura Chrisman (eds.), Colonial Discourse and Post- Colonial Theory (London: Harvester Wheatsheaf, 1993).

لكني أجد أن مصطلح ما بعد الكولونياليةمصطلحًا محدودًا ومعرقلاً لفهم التداول المعاصر للأفكار النسوية في الوسط الأكاديمي، وفي المنظمات الدولية وفي الشبكات العابرة للحدود الدولية بمختلف أنواعها.

2 انظر/ انظري:

In C. “s history and the rewriting of history “Women” Joan Wallach Scott, Farnham (ed.) The Impact of Feminist Research in the Academy (Bloomington: Indiana University Press, 1987).

وقد عرضت جوان والاش سكوت باقتدار الفرق بين إعادة ذكر النساء بصفتهن فاعلات تاريخيات وجعل النوع فئة مركزية للتحليل التاريخي في كتابها:

Joan Walluch Scott, Gender and the Politics Of History (New York: Columbia University Press, 1988).

3-انظري/ انظر:

Sheila Rowbotham, Hidden from History (London: Pluto Press, 1973); Renata Bridenthal and Claudia Koontz, Becoming Visible (Boston, Mss.: Houghton Mifflin, 1977).

4- انظري/ انظر : Louise Lamphere, “Feminism and Anthropology” in Farnham (ed.), The Impact of Feminist Research.

5- انظري/ انظر : Michelle Rosaldo and Louise Lamphere, Women, Culture and Society

(Stanford: Stanford University Press, 1974); Rayna Reiter (ed.), Toward an

Anthropology of women (New York: Monthly Review Press, 1974).

6- انظر/ انظري: Carol Gillian, In a Different Voice (Cambridge, Mass.: Harvard University Press, 1982).

7- انظر/ انظري : Juliet Mitchell, Psychoanalysis and Feminism (Harmondsworth: Penguin, 1975); Juliet Mitchell and Jacqueline Rose (eds.), Feminine Sexuality: Jacques Lacanand the École Freudienne (London: Macmillan, 1982); Nancy Chodorow, The Reproduction of Mothering (Brekeley: University o California Press, 1978).

8-Nancy Fraser and Linda Nicholson, للاطلاع علي نقد لكل من جيليان و تشودرو انظر / انظري :

“Social criticism without philosophy: an encounter between feminism and

postmodernism”, Theory, Culture and Society, vol. 5, nos 2-3, 1988: 373-94.

9- انظر/ انظر: Ester Boserup, Women’s Role in Economic Development (London: Allen and Unwin, 1970).

10- انطر/ انظري:

Ruth Wallace (ed.), Feminism and Social Theory (Newbury Park, California: Sage, 1989); Dorothy E. Smith, The Everyday World as Problematic: A Feminist Sociology

(Toronto: University of Toronto Press, 1987); Judith Stacey and Barrie Thorne, “The

missing feminist revolution in sociology”, Social Problems, vol. 32, 1985: 301-16;

Rosemary Compton and Michael Mann (eds.), Gender and Stratification (Cambridge:

Polity Press, 1986).

11- انظري/ انظر: Susan Okin, Women in Western Political Thought (London: Virago, 1980); Jean Elshatain, Public Man, Private Woman (Oxford: Martin Robertson, 1981); Carol Pateman, The Sexual Contract (Cambridge: Polity Press, 1988); Jane Evans et al. (eds.), Feminism and Political Theory (London: Sage, 1986); Seyla Benhabib and Drucilla Cornell (eds.), Feminism as Critique: Essays in the Politics of Gender in Late Capitalis, (Oxford: Basil Blackwell, 1987).

12- انظر/ انظري:

Sandra Harding and Merrill B. Hintikka (eds.), Discovering Reality: Feminist perspectives on epistemology, Metaphysics, Methodology and Philosophy of Science (Dordrecht: D. Reidel, 1983). Sandra Harding, The Science Question in Feminism (Ithaca N.Y.:Cornell University Press, 1986); Donna Haraway, “Situated Knowledges: the science question in feminism and the privilege of partial perspective”, Feminist Studies, vol. 4, no. 3, 1988: 575-99; Smith, The Everyday World; Evelyn Fox Keller, Reflections on Gender and Science ( New Haven: Yale University Press, 1985).

13- انظر/ي

Joan Acker, Kate Barry and Joeke Esseveld, “Objectivity and truth: problems in doing

feminist research”, Women’s Studies international Forum, vol. 6, no. 4, 1983: 423-35;

Shulmaith Reinharz, “Epxperiential analysis: a contribution to feminist research” in G. Bowles and D. Klein (eds.), Theories of Women’s Studies (London: Routledge and

Kegan Paul, 1983); Judith Stacey, “Can there be a feminist ethnography?”, Women’s

Studies International Forum, vol. 11, no. 1, 1988: 21-7; Beth Hess and Marya Marx

Ferree (eds.), Analyzing Gender: A Handbook of Social Science Research (Newbury

Park, CA.: Sage Publications, 1987); Lila Abu-Lughod, “Can there be a feminist

ethnography?”, Women and Performance: A Journal of Feminist Theory, vol. 5, no. 1,

1990: 7-27.

14- من أمثلة هذه الأبحاث

Shulmaith Fierstone, The Dialectic of Sex (New York: Bantam Books, 1979); Adrienne Rich, Of Women Born (New York: W.W. Hortonm 1979); Adrienne Rich “Compulsory heterosexuality and lesbian existence”, Signs, vol. 5, no. 4, 1980: 631-60; Susan Brownmiller, Against Our Will (New York: Simon & Schuster, 1975); Susan Griffin, Pornography and Silence (New York: Harper & Row, 1981).

15- انظر/ي Hester Eisenstein, Contemporary Feminist Thought (London: Allen & Unwin, 1984); Lynne Segal, Is the Future Female? Troubled Thoughts on Contemporary Feminism (London: Virago Press, 1987); Caroline Ramazanoglu, Feminism and the Contradictions of Oppression (London: Routledge, 1989).

16- كما ورد في دراسات كل من :

Mitchell, Psychoanalysis; Heidi Hartmann, “The unhappy marriage of Marxism and

feminism: Towards a more progressive union” in Lydia Sargent (ed.), Women and

Revolution (London: Pluto Press, 1981) Zillah Eisenstein, The Radical Future of

Liberal Feminism (New York: Longman, 1981).

و قد ذهبت دراسة ميتشيل ألي أنه بينما تنضم الرأسمالية العلاقات الاقتصادية، فإن الأبوية هي الشكل الأيديولوجي المستوعب في اللاوعي لقهر النساء. و هكذا ، أعادت عرض نظرية التحليل النفسي علي أنها تقدم تفسيرا مقنعا لكيفية عمل قانون النظام الأبوي في الواقع. و مقابل هذا رأت هايدي هارتمان أن النظام الأبوي هيكل من العلاقات الاجتماعية له قاعدة مادية تتمثل في تحكم الرجال في قوة عمل للنساء. و من جهة أخري، رأت زيلا إيزيشن أن النظام الأبوي و الرأسمالية متلحمان في نظام واحد لا تنفصم عراة، هو النظام الأبويالرأسمالي. و للاطلاع على عرض مفيد لهذه الأراء انظري/ انظر أيضا:

Michele Barrett, Women’s Oppression Today: The Marxist/Feminist Encounter (London:Verso, 1988, revised edition).

17- يبدو أن أحد أعداد مجلة سوسيولوجى البريطانية sociolology (vol.32, no. 2, 1989) يحتوس علي مؤشر عي هذا العدد مقالان فيهما محاولة تحليلية حاذقة، إحداهما بقلم مالكولم ووترز بعنوان:” النظام الأبوي و حكم الرجال: استكشاف و إعادة تشكيل مفاهيم سيطرة الذكور

(Malcolm Patriarchy and virarchy: an exploration and reconstruction of concepts of masculine domination”, pp. 213-34)

و المقالان ينظران إلي النظام الأبوي بوصفه ظاهرة متعددة الأبعاد، ردا خشنا في مقال بعنوان مشكلتنا مع النظام الأبوي (JoanAcker, “The problem with patriarchu”, pp. 235-40)، زعمت فيه أن التركيز علي النظام الأبوي كنسق أو هيكل مستقل تحليليا عن غيره من الأنساق و الهياكل لا يمس الافتراضات الأبوية الدفنية في النظريات التي تدور حول الأنساق الأخري ، و لا يدخل أدني تغيير على التيار السائد للعلوم الاجتماعية . للإطلاع على عرض أكمل لنظرية شملة للنظام الأبوي انظر/ي :

Sylvia Walby, theorizing patriarchy, (Oxford : Basil Blackwell, 1990).

18- انظر/انظري

June Nash and Maria-Patricia Fernandez Kelly (eds.), Women, Men and the International Division of Labor (Albany, N. Y.: SUNY Press, 1985); Irene Tinker (ed.), Persistent Inequalities: Women and World Development (New York: Oxford University Press,1990); Kate Young, Carol Wolkwitz and Rosslyn McCullagh (eds.), Of Marriage andthe Market: Women’s Subordination in International Perspective (London: CSEBooks, 1981); Kathryn Ward (ed.), Women Workers and Global Reconstructing(Ithaca, N. Y.: ILR Press, 1990); Bina Agrawal (ed.), Structures of Patriarchy: State,Community and Household in Modernising Asia (London: Zed Books, 1988).

19- انظر/ انظري

Gita Sen and Caren Grown, Development, Crisis and Alternative Vision: Third World Women’s Perspective (New York: Monthly Review Press, 1987); Lourdes Beneria and Martha Roldan, The Crossroads of Class and Gender: Industrial Homework; Subcontracting and Household Dynamics in Mexico City (Chicago and London: The University of Chicago press, 1987); Maria Mies, Patriarchy and Accumulation in a World Scale (London: Zed Press, 1986);

20- انظر/ انظري

Chandra Mohanty, “Under Western eyes: feminist scholarship and colonial discourses”, Feminist Review, 30m Autumn 1988: 61-88; Floya Anthias and Nira Yuval-Davis, “Contexualizing feminism-gender, ethnic and class divisions” in Terry Lovell (ed.), British Feminist Thought (Oxford: Basil Blackwell, 1990); bell hooks, Feminist Theory: From Margin to Center (Boston: South End Press, 1984); Elizabeth Spelman, Inessential Woman: Problems of Exclusion in Feminist Thought (Boston: Beacon, 1988); Cherrie Moraga and Gloria Anzaldua (eds.), This Bridge Called my Back: Writings by Radical Women of Color (Westertown, Mass.: Persephone, 1981).

22- للإطلاع على عرض عام انظر/انظر:

C. Weedon, Feminist Practice and Poststructuralist Theory (Oxford: Basil Blackwell, 1987).

بعض النسويات الثقافيات كتبن يتحدين فكرة و جود نوعين اثنين، متعارضين، و ثابتين، و منهن:

Judith Bulter, Gender Trouble: Feminism and the Subversion of Identity (London: Routledge, 1990); Donna Haraway, Simians, Cyborgs and Women: The Reinvention of Nature (New York and London: Routledge, 1991); Jane Flax, Thinking Fragments: Psychoanalysis, Feminism and Modernism in the Contemporary West (Berkeley: University of California Press, 1990); Parveen Adams and Elizabeth Cowie (eds.), The Woman in question (London: Verso, 1990).

23- انظر/ انظري: Michele Barrett and Anne Philips (eds.), Destabilizing Theory (Cambridge:Polity Press, 1992).

24- انظر/انظري: Linda Alcoff, “Cultural feminism versus post-structuralism: the identity crisis in feminist theory”, Signs, vol. 13, 1988: 405-36; Linda Nicholson (ed.), Feminism/Postmodernism (New York: Routledge, 1990); Flax, Thinking Fragments.

25- انظر/ انظري: Judith Bulter and Joan W. Scott (eds.), Feminists Theorize the Political (New York and London: Routledge, 1992).

26- انظر/ انظري: Linda Nicholson, “Interpreting Gender”, Signs, vol. 20, no. 1, 1994: 79-105.

27- انظر/ انظري: Linda Nicholson, “Interpreting Gender”, Signs, vol. 20, no. 1, 1994: 79-105.

28- انظر/ انظري: Judith Lorber, Paradoxes of Gender (New Haven and London: Yale University Press,1994), p. 1.

29- للاطلاع على أمثلة من الكتب الحديثة المؤلفة، و المحررة التي تضم مجموعة مقالات انظر/انظري:

J. Hearn and David Morgan (eds.), Men Masculinities and Social Theory (London: Unwin Hyman, 1990); Harry Brod (ed.), The Making of Masculinities: The New Men’s Studies (Boston: Allen & Unwin, 1987); Michael S. Kimmel, Changing Men (Newbury Park: Sage, 1987); Victor J. Seidler, Rediscovering Masculinity (London: Routledge, 1989); Lynne Segal, Slow Motion: Changing Masculinities, Changing Men (London: Virago, 1990);

30- Andrea Cornwall and Nancy Lindisfarne (eds.), Dislocating Masculinity: Comparative Ethnographies (London: Routledge, 1994).

31- انظر/ انظري مثلا: Judith E. Canaan and Christine Griffin, “The New Men’s studies: part of : the problem or part of the solution?” in Hearn and Morgan, Men, Masculinities.

32- انظر/ انظري: Acker: “The problem with patriarchy”; انظر / أيضا Joan Acker, “Hierarchies, jobs and bodies: a theory of gendered organization”, Gender & Society, vol. 4, 1990: 139-58.

33- انظر/ انظري: Robert W. Connell, Gender and Power: Society, the Person and Sexual Politics (Stanford:Stanford University Press, 1987); W. Connell, “The state, gender and sexual politics:theory and appraisal”, Theory and Society, vol. 19, 1990: 507-44.

34- انظر/ انظر: Cynthia Cockburnm Brothers: Male Dominance and Technological Change (London: Pluto Press, 1983); Machinery of Dominance: Women, Men and TechnicalKnow-how (London: Pluto Press, 1985).

35- إني لأسرع بإضافة أن هذه اللكنات المحلية توجد في وسط ما يسمي بالنسوية الغربية ذاتها ، رغم ازدياد سيولة الأفكار و سرعة تداولها. و هكذا ، تمتلك مختلف الاتجاهات النسوية الأوروبية ( الفرنسية، و البريطانية، و الالمانية) أصولها الخاصة التي انحدرت عنها و تحدث لها تحولات مهمة ما إن تعبر النحيط الأطلنطي. و تظهر في الكتابات الأسترالية أيضا خصوصيات فوية رغم أنها تشترك مع العالم الأنجلو سكسوني في لغة واحدة.

36- انظر/ انظري: Cynthia Nelson, “Old Wine, New Bottles: reflections and projections concerning researchand women in Middle Eastern Studies” in Earl L. Sullivan and Jacqueline Ismael (eds.). The Contemporary Study of the Arab World (Alberta: Alberta University Press, 1991).

37- اخطر نقاط ضعف هذا العرض العام أنه لم يغط المصادر الثرية المكتوبة باللغات العربية، و التركية، و الفارسية تغطية كافية، رغم أن بعض هذه الكتب المهمة موجودة في نسخ مترجمة إلي لغات أخرى.

38- انظر/انظري مثلا : Parvin Paidar, Women and the Political Process in Twentieth Century Iran (Cambridge:Cambridge University Press, 1995); Beth Baron, The Women’s Awakening in Egypt:Culture, Society and the Press (New Haven and London: Yale University Press, 1994);Deniz Kandiyoti, “End of Empire: Islam, Nationalism and Women in Turky” in Deniz Kandiyoti, Women, Islam and the State (London: Macmillan, 1991).

39- انظر/ انظري : Deniz Kandiyoti, “Identity and its discontents: women and the nation”, Millennium, vol. 20m no. 3, 1991: 429-43.

40- الأصلاحي المصري قاسم أمين هو مؤلف متاب تحرير المرأة الذي نشر في عام 1899، و دعا فيه ألي تعليم النساء، و تعديل القوانين الخاصة بتعدد الزوجات و الطلاق ، و أكثر الموضوعات التي أثارت خلافا عندما أثارها قاسم أمين موضوع السفور. و قد اقتفى قاسم أمين خطوات دعاة الحداثة الأخرين من المسلمين مثل محمد عبده ورفاعة الطهطاوي.

41- انظر/انظري: Laura Nader, “orientalism, Occidentalism and the control of women”,

Cultural Dynamics, vol. 2, no. 3, 1989: 324-55.

42- للإطلاع علي عرض موسع و متمعن لهذا العمل انظر/ انظري:

Nelson, “Old Wine, New Bottles”.

و لابد أن نخص بالذكر المؤلفات المهمة لإليزابيث و. فيرنيا التي عرفت جمهور الغرب على اتساعه على المنطقة بفضل أعمالها القائمة علي عمل ميداني (الكتب التي ألفتها و حدها أو الكتب التي حررتها أو شاركت في تحريرها ) ، و أفلامها الشهيرة العديدة: Elizabeth W. Fernea, Guests of the Sheikh: An Ethnography of an Iraqi Village (New York:Anchor Books, 1965); Elizabeth W. Fernea and B. Bezigran (eds.), Middle Eastern Muslim Women Speak (Austin: University of Texas Press, 1966); E.W. Fernea (ed.), Women and the Family in the Middle East: New Voices of Change (Austin: University of Texas Press, 1985).

43-يمكن أن نجد نقدا رائدا لمثل هذه التصويرات في كتاب الاستشراق لإدوار سعيد

Edward Said,Orientalism (Harmondsworth: Penguin, 1985)

مع انه لم يقل إلا القليل نسبيا عن النوع بشكل خاص. و يمكن أن نجد كتابات نقدية عن الصور التمثيلية الغربية لنساء الشرق الأوسط في كتابات مالك علولة، ورنا قباني، وجودي مابرو:

Malel Alloula, The Colonial Harem (Minnesota: Minnesota University Press, 1986); Rana Kabbani, Europe’s Myths of Orient (London: Macmillan, 1986); Judy Mabro (ed.), VeiledHalf-Truths: Western Travelers’ Perception of Middle Eastern Women (London: Tauris, 1991).

44- انظر/ انظري: Lila Abu-Lughod, “Zones of theory in the anthropology of the Arab world”, Annual Review of Anthropology, vol. 18, 1989: 267-306.

45- Fatima Mernissi, Women and Islam: An Historical and Theological Enquiry, : انظر/ انظري (Oxford: Basil Blackwell, 1991).

46- انظر/ انظري Leila Ahmed, Women and Gender in Islam (New Haven and London: Yale : University Press, 1992).

74- Daniel Lerner, The Passing of :للاطلاع على عرض كلاسيكي لهذا الموقف انظر/انظري

Traditional Society: Modernizing the Middle East (Glenco, Illinois: Free Press, 1958).

48- Safia mohsen, “The Egyptian Woman: Between Modernity and :انظر/ انظري

Trasition” in Carolyn Matthiason (ed.), Many Sisters: Women in Cross-cultural Perspective (New York: Free Press, 1974).

49- Judith Tucker, Women in Nineteenth Century Egypt (Cambridge: Cambridge :انظر/ انظري University Press, 1978).

50- Mohanty, “Under Western Eyes”. :انظر/ انظري

51- يمكن أن نجد القراء أمثلة مبكرة في كتاب نادية يوسف التالي: Nadia Youssef, Women and Work in Developing Societies (Population Monograph Series, Berkeley: University of California at Berkeley, 1974).

انظر/انظري أيضا :Mona Hammam, “Women and Industrial Work: The Case of Chubra el Kheima”, Arab Studies Quarterly, vol. 11, 1980: 50-9; Judith Gran, “The Impact of the World Market on Egyptian Women”, Merip Reports, 58, 1977: 3-7; Cynthia Myntti, “Yemeni workers Abroad: The Impact on Women”, Merip Reports, 15, no. 4, 1984; Mona Hammam, “Labor Migrayion and the Sexual Division of Labor”, Merip Reports, 95, 1981: 3-5; Deniz Kandiyoti, “Sex Roles and Social Change: A Comparative Appraisal of Turkey’s Women”, in Wellesley Editorial committee (ed.), Women and National Development (Chicago and London: Chicago University {ressm 1977); Deniz Kandiyoti, “women and Household Production in Turkey” in K. and P. Glavanis (eds.), The Rural Middle East (London: Zed Books, 1990).

52- Michelle Zimbalist Rosaldo, “Woman, Culture and Society: A Theoretical :انظر/انظري

Overview” In Rosaldo and Lamphere, Woman, Culture & Society.

53- للاطلاع علي مثال كلاسيكي انظر/ انظر: Cynthia Nelson, “Public and Private Political Women in the Middle Eastern World”, American Ethnologist, vol. 1, no. 3, 1974: 551-63.

54- ما علي من يريد التحقق من هذا إلا أن يقارن / تقارن الكتب الرائدة مثل كتاب :

Lois Beck and Nikki Keddi (eds.), Women in the Muslim World (Cambridge, Mass. And

London: Harvard University Press 1978)

بالكتاب الذي ظهر بعد ذلك من تحرير بث بارون ونيكي كيدي:

Beth Baron and Nikki Keddi (eds.), Women in Middle Eastern History: Shifting Boundaries

in Sex and Gender (New Haven and London: Yale University Press, 1991).

كان كتاب الأول متعدد التخصصات، أسهم في كتابته أنثروبولوجيات (و أنثروبولجيون ) ، و مؤرخات (و مؤرخون) ، و عالمات (و علماء ) اجتماع و علوم سياسية، لم يجمعهم إلا اهتمامهم المشترك بالمنطقة.

أما الكتاب الثاني فيقوم إلي حد بعيد علي أساس إسهام المؤرخات (و المؤرخين) الذين و الاتي يشيرون إلي تنامي قاعدة الباحثات (و الباحثين) المتخصصات (و المتخصصين ) ممن يعملون في موضوع النوع في مجال تاريخ الشرق الأوسط.

55- لا مناص من أن تتلو خبرات الباحثين و الباحثات ببعض جوانب حياة أهل الشرق الأوسط، إلا أن مما يدعو للعجب أن الشرح النظري لم يتظرق إلي هذا ألا فيما ندر. و الاستثناء البارز يوجد في كتابات سعاد جوزيف التالية:

Suad Joseph, “Gender and Relationality Among Arab Families in Lebanon”, Feminist Studies, vol. 19, no. 3, 1993: 465-69; “Connectivity and Patriarchy Among Urban Working-class Arab Families in Lebanon”, Ethos, vol. 21, no. 4, 1993: 452-84.

56- من العجب أن بعض الباحثين و الباحثات أظهروا و أظهرن موفقا قائما على التأمل الذاتي من الحالة إلي يضع بها الباحثون و الباحثات ذواتهم تجاه الناس الذين يبحثون أحوالهم عندما بدأ الباحثون و الباحثات الذين يدرسون مجتمعاتهم الخاصة في التفكير في خبراتهم عملهم الميداني. انظري/ انظر كتاب ثريا الترمس و كاميليا الصلح:

Soraya al-Torki and Camillia El Solh (eds.) Studying Your Own Society: Arab Women in the

Field (New York: Syracuse University Press, 1988).

57- تقول سينثيا نيلسون إنه مع تزايد توجيه الباحثات ( و الباحثين ) من أهل الشرق الأوسط لأنظارهن ( و أنظارهم ) إلي الداخل للنظر إلي مجتمعاتهم، و الانتهاء بالنظر إلي أنفسهن (وأنفسهم…) فإن نماذج جديدة ستظهر وسيزداد تحول الأبحاث إلى أبحاث تدرس المجتمعات بمعرفة باحثات (وباحثين) من أهلها. وهي تشير بهذا الصدد إلى بحثين جمعت بياناتهما الميدانية باحثتان من عالمات الأنثروبولوجيا، واعيتان تمام الوعي بقوانين تخصصهما وما يطرأ عليها من تطورات، إلى جانب وعيهما التام بالمجتمعات التي درستاها، وهما بالتحديد ليلى أبو لغد وثريا التركي في كتابيهما:

Lila Abu-Lugod, Veiled Sentiments: Honor, Modesty and Poetry in a Bedouin Society

(Berkeley: University of California Press, 1986); Soraya Al-Torki, Women in Saudi Arabia:

Ideology and Behaviour Among the Elite (New York: Columbia University Press, 1986)

58- يمكن أن يسهم تحليل أجناس الكتابة التي نشأت وترعرعت في الوطن والتي تناولت النساء باللغات العربية، والفارسية والتركية إسهامًا كبيرًا في فهمنا للأصول التي نبعت منها اللكنات المحلية في الكتابات النسوية التي أشرت إليها سلفًا.لكن هذا مشروع آخر مستقل، حيث إنه لم تحدث أي محاولة بعد للاضطلاع بمثل هذا التحليل في إطار مقارن، وما حدث لا يتجاوز ترجمة نصوص مهمة معينة.

59- انظر/ انظري: Mervat Hatem, “Toward the Development of Post- Islamist and Post-Nationalist Feminist Discourses in the middle East” in Judith Tucker (ed.), Arab Women: Old Boundaries, New Frontiers (Bloomington: Indiana University Press, 1993).

59- انظر/ انظري: Mervat Hatem, “Class and Patriarchy as Competing Paradigms for the Study of Middle Eastern Women”, Comparative Studies in Society and History, vol. 29, no. 4, 1987: 811-18.

يمكن أن نجد محاولة أحداث للتوسع في وضع إطار تحليلي يضع الشرق الأوسط فب أطار النظام الرأسمالي العلمي و يحلل علاقة مكانة النساء بنسق الجنس/ النوع، و الطبة و الدولة في كتاب فالنتين مجدم: Valentine Moghadam, Modernizing Women: Gender and Social Change in the Middle East (Boulder and London: Lynne Rienner, 1993).

61- للاطلاع علي نقد لخلط الإسلام بالنظام الأبوي انظر/ انظري

Deniz Kandiyoti, “Islam and Patriarchy: A Comparative Perspective” in Baron and Keddi,

Women in middle Eastern History.

62- Hisham Sharabi, Neopatriarchy: A Theory of Distorted Change in Arab :انظر/ انظري

Society (Oxford: Oxford University Press, 1988).

63- انظر/انظري:Fatima Mernissi, “Democracy as Moral Disintegration: The Contradiction Between Religious Belief and Citizinship as a Manifestation of the Ahistoricity of Arab Identity” in Nahid Toubia (ed.), Women and the Arab World (London: Zed Books, 1988); Islam and Democracy: Fear of the Modern World (London: Virago, 1993).

64- انظر/ انظري: Hisham Sharabi (ed.), Theory, Politics and the Arab World: Critical Responses ( London: Routledge, 1990).

65- انظر/ انظري: Nawal El Saadawi, The Hidden Face of Eve: Women in the Arab World (London: Zed Press, 1980).

66- انظر/ انظري: Fatima Mernissi, Beyond the Veil: Male-Female Dynamics in a Modern Muslim Society (New York and London: Schenkman Publishing company, 1975) and Fatna Sabbaah, Women in the Muslim Unconscious (New York and Oxford: Pergamon Press, 1984).

67- لاحظت نيكي كيدي غياب هذا الموضوع في مقالها: Nikki Keddi, “Problems in the Study of Middle Eastern Women”, International Journal of Middle East Studies vol. 10, 1979: 225-40.

68- انظر/ انظري مثلا: Barbara F. Stowasser, “Religious Ideology, Women and the Family: The : Islamic Paradigm” in B.F. Stowasser (ed.), The Islamic Impulse (London and Sydney: Croom Helm, 1987).

69- بات موضوع حق الفتيات المدارس في فرنسا في ارتداء أغطية الرأس ( الإيشاربات) موضوع جدال ساخن، إذ انقسم العلمانيون ما بين مجموعة تريد تجنب شعارات الخصوصية الدينية و أخري تدافع عن الحقوق الثقافية للمسلمين.

70- انظر/انظري: Nancy Tapper, “Mysteries of the Harem: an Anthropological perspective on Recent Studiesof Women of the Muslim Middle East”, Women’s Studies International quarterly, vol. 2,1979: 481-7; Leila Ahmed, “Western Ethnocentrism and the Perception of the Harem”, Feminist Studies, Vol. 8, 1982: 521-34; Irvin Schick, “Representing Middle Eastern Women: Feminism and Colonial Discourse”, Feminist Studies, vol. 16, no. 2, 1990.

71- انظر/انظري: Julie Marcus, A World of Difference: Islam and Gender Heirarchy in Turkey : (London: Zed Books, 1992).

لكن استدعاء جولي ماركوس للحكم الشرعي للطهارة في الإسلام كأساس لكل تنظيم اجتماعي و مزلة للجنسين في سلم مراتب النوع في تركيا يدفع للتساؤل عن مدي تقدم الجدال ضد الاستشراق في مسماعها.

72- بدأت ليلي أبو لغد خطوات و اعدة في هذا المضمار بأخذها بفئة الثقافة نفسها . و تذهب ليلي أبو لغد إلي أن الاختلاف الثقافي مفهوم إشكالي يتضمن معني الهيمنة، و الائتلاف و الديمومة. و إحدي طرق نقض هذه الفئة التركيز على الخصوصي و استخدام الحقائق الملموسة للواقع اليومي للأفراد. و لا مناص من أن يبرز هذا أوجه التشابه إلي جانب الاختلافات و يستعيد للفاعلين الذين سبق تجميدهم في اختلافهمالتدفق، و التناقض و القدرة الفردية على الفعل.

Lila Abu-Lughod, “Writing Against Culture” in Robin G. Fox (ed.), Recapturing Anthropology: Working in the present (Santa Fe: School of American Research Press,1991).

73- في الحقيقة إن نتائج هذه المحاولات خلافية. فمارنيا لازريج مثلا تذهب إلي أن مصطلحات مثل النساء الملونات الذي تدعم وجوده في الولايات المتحدة الأمريكية تعيد كتابة نفس العلاقات الاجتماعية التي ترمي إلي مناهضتها.

Marnia Lazreg, The Eloquence of Silence (New York and London:Routledge, 1994).

Marnia Lazreg, “Feminism and Difference: The Perils of Writing as a Woman in Algeria”, Feminist Studies, vol. 14, no. 1, 1988: 81-107.

75- انظر/انظري” Judith Tucker, “The Arab Family in History: “Otherness and the Study of the Family” in Tucker (ed.). Arab Women.

شارك:

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي