الطلاق بيد المحكمة

اعداد بواسطة:

التطليق للاقتران بزوجه أخرى

أولاً: التطليق لعدم الانفاق والعيب

المبحث الأول التطليق لعدم الانفاق

مما لاشك فيه أن نفقة المرأة واجبة على زوجها، بذلك قضت النصوص وعلى ذلك يجرى عرف الناس، ومن أجلها لزمت الزوجة بيت الزوجية تدبر شئونه حسب ما يعطيها زوجها من طعام والكساء، فإذا أخل الزوج بهذا الالتزام الشرعى تضررت المرأة وذاقت مرارة الحاجة والحرمان.

ولفقهاء الشريعة فى علاج هذه الحالة آراء مستمدة من الاجتهاد فى فهم النصوص تمشيًا مع روح الشريعة ومقاصدها.

يرى أبو حنيفة وأصحابة (1) أن اعسار الزوج بنفقة زوجته أو امتناعه عن الأنفاق عليها لا يوجب التفريق بين الزوج وزوجته، فإذا رفعت أمرها إلى القاضى فإن له أن يسلك طرقًا أخرى غير التفريق منها أن يأمر الزوجة بالاستدانة عليه، أو أن يكلف أقاربها الذين تجب عليهم نفقتها اذا كانت غير متزوجة بالانفاق عليها، أو يساعد الزوج على العمل والتكسب بمقتضى التكافل الاسلامى وأما بطريق التنفيذ على أمواله وحبسه وتعزيره بما يردع أمثاله ولا يطلق عليه.

ولهم على ذلك أدلة وأسانيد منها:

1 – قوله تعالى: “إن كان ذو عرة فنظره إلى ميسرةالبقرة: ۲۸۰

فإن الآية الكريمة تضع أصلاً عامًا، يتمثل في ارفاق الدائن بمدينه، وامهاله إلى الغنى وفتح باب الرزق أمامه، وهذا عام في حق كل دائن والزوجة أحق الناس بالصبر على زوجها والنظاره إلى ميسره

2- أنه لو كان المستقر شرعًا أن المرأة تملك الفسخ باعسار زوجها, لرفع إلى الرسول الله صلى الله عليه وسلمذلك ولو من امرأة واحدة، وقد رفع إليه ما ضرورته دون فقد النفقة، فثبت عدم جواز الفسخ بين الرجل والمرأة للاعسار.

3- ما أثر عن السلف الصالح من عدم التطليق في هذه الحالة: يعضد ذلك ما روى عن ابن جريح قال: سألت عطاء عمن لا يجد ما يصلح امرأته من النفقة قال: ليس لها إلا ما وجدت, ليس لها أن يطلقها. قد قال الحسن البصري في الرجل يعجز عن امرأته، قال: تواسيه وتتقى الله وتصير وينفق عليها ما استطاع، وعن سفيان الثوري في المرأة بعسر زوجها بنفقتها, قال: هي امرأة فلتصبر ولا تأخذ بقول من فرق بينهما.

4- إن طبيعة الحياة الزوجية تقوم على المشاركة والمواساة بين الرجل والمرأة في اليسر والعسر والغنى والفقر، وقد جعل الله الفقر والغنى مطيتين للعباد، فيفتقر الرجل فى وقت ويغنى فى آخر فهما وضعان عارضان, وقابلان للتحول لذلك فإن على المرأة أن تصبر حتى يجعل الله بعد العسر يسرًا.

يرى جمهور الفقهاء أنه يجوز للمرأة أن تطلب التفريق بينها وبين زوجها بسبب عدم الاتفاق عليها، اذا كانت لا ترضى البقاء معه لما يلحقها من ضرر بسبب إعساره، أو عدم الحصول على حقها منه إذا كان ممتنعًا عن الانفاق مع وجود مال لديه.

وقد استدلوا لما ذهبوا إليه بالأدلة الآتية:

1- قوله تعالى: ” أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولت حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فإن أرضعن لكم فاتوهن أجورهن وأتمروا بينكم بمعروف وإن تعاسرتم فسترضع له أخرىالطلاق: ٦ دلت الآية على التوسعة على المرأة، ونهت عن الاضرار بها أو التطليق عليها، وقد جاء ذلك في معرض الاتفاق ولأن فى الاعسار وعدم الانفاق اضرارًا وتضييقًا عليها، والقاضى وجد لرفع الأضرار بالتفريق بينهما، ودلالة الآية عامة وإن جاءت بمناسبة المطلقات فقد خير الله تعالى بين الامساك بالمعروف وهو أن يمسكها وينفق عليها وبين التسريح باحسان فإذا تعذر عليه الإمساك بمعروف تعين عليه التسريح (2)

2 – ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الصدقة ما ترك غنى وفى لفظ ما ترك عن ظهر غنى، واليد العليا خير من اليد السفلى، وأبدأ بمن تعول، تقول المرأة أما تطعمني وإما ان تطلقني.

3- قد ثبت للمرأة التفريق فأن قواعد الشريعة العامة تنهي عن الظلم والاضرار بسبب العيوب التناسلية والضرر فيه أقل فالطلاق يثبت بالعجز عن النفقة والضرر فيه أكثر أولى.

4- إن قواعد الشريعة العامة تنهى عن الظلم والإضرار، وفى عدم الانفاق على الزوجة ظلم واضرار بين يسوع التفريق بين الزوجين، فإن الصبر على ذلك عزيمة لا تستطيعه كل امرأة، لذلك قلنا بالتفريق.

ومع اتفاق جمهور الفقهاء على جواز التفريق بين الزوجين لعدم الانفاق، فإنهم اختلفوا في اعتبار التفريق من قبيل الفسخ أو التطليق، بالأول قال الشافعي وأحمد والفسخ لا يحتسب من عدد الطلقات، ويتم بحكم القاضي بعد التثبت من الاعسار. وبالثاني قال مالك ويكون بحكم القاضى، ويحتسب من عدد الطلقات اذا استؤنفت الحياة الزوجية، وهو طلاق رجعى يحق للزوج مراجعة زوجته اذا زال السبب الذى من أجله كان عدم الانفاق.

وقد أخذ القانون 25/ 1920 بمذاهب الفقهاء واستمد الأحكام التفصيلية للتفريق بسبب عدم الاتفاق من مذهب مالك خاصة، فنص على أنه: اذا امتنع الزوج عن الانفاق على زوجته فإن كان له مال ظاهر نقذ الحكم عليه بالنفقة, فإن لم يكن له مال ولم يقل أنه معسر أو موسر، ولكن أصر على عدم الانفاق طلق عليه القاضي في الحال وإن ادعى العجز، فإن لم يثبته طلق عليه حالاً، وأن أثبته أمهله مدة لا تزيد على شهر، فإن لم ينفق طلق عليه بعد ذلك، كما نص أيضًا على أن تطليق القاضى لعدم الانفاق يقع رجعيًا، وللزوج أن يراجع زوجته اذا ثبت ايساره واستعد للانفاق في أثناء العدة، فإن ثبت ايساره ولم يستعد للانفاق لم تصح الرجعة.

إن ما أخذ به القانون المصرى يدخل قطعا في إطار الأحوط والأصلح للمرأة وليس هذا مما يأباه التزام المسلم طالما كان لنصوص القانون سند من القرآن أو السنة أو أقوال الفقهاء وقد رأينا ان القانون قد استمد أحكامة من رأى جمهور الفقهاء الذين يعتمدون فى رأيهم على نص الشرع والاجتهاد الذى لا يصادم نصًا من النصوص. وعلى الرغم من أن رأى الحنفية مبنى فى جوهره على قواعد الأخلاق والتكافل التى تربط الأسرة، وهو في هذا يجد فكرة المودة والرحمة في عقد الزواج، والمقاصد العامة للشريعة الإسلامية في الفضيلة والرحمة والمواساة بين فئات المجتمع المسلم، وبالأحرى بين الزوجين، فإن رأى الجمهور يعبر بدرجة أكبر عن حقائق الحياة، ويعالج بحسم مجرد تأثير سلطان المادة على النفوس، وينحو نحو الواقعية فى مواجهة مواقف الحياة، ويشبع جانبًا هامًا من جوانب النفس الانسانية يجب ألا تغفل عنه خاصة في عصرنا، وإذا كانت المرأة لا ترغب في مشاركة الزوج في فقرة وإعساره, فإن مصلحة الزوج والأسرة أن تتخلى عن موقعها في الحياة الزوجية، لأنها غير جديرة بفهم أبعاد الرباط المقدس الذي شرعه الله سكنًا لعباده المؤمنين.

ثانيًا: التطليق للعيب

قد يكون أحد الزوجين مصابًا بعيب من العيوب التى تتعارض مع مقصود النكاح، وهي العيوب التي تحول دون التناسل وانجاب الذرية، أو مصابًا بعيب يؤدى إلى نفرة الزوج الآخر والتأذى الشديد له، مثل الجنون والجذام والبرص، ولا شك أن هذه العيوب تنافى وصف السلامة والبراءة التى يكون عليها الناس غالبًا ولفقهاء المسلمين آراء في هذه العيوب ومدى تأثيرها على دوام العلاقة بين الزوجين، ونتخلص هذه الآراء في وجهات النظر الآتية:

وجهة النظر التى تقضى بأن للزوجة طلب التفريق بسبب العيوب التناسلية وهى الجب والعنة والخصاء والعيوب شديدة الضرر وهى الجنون والجزام والبرص (3). والعلة فى التفريق بسبب هذه العيوب ما ينجم عنها من ضرر محتمل للمرأة والإخلال بمقصود الزواج فى المعاشرة وانجاب الذرية، فإذا لجأت المرأة إلى القضاء وأثبتت دعواها في إصابة الرجل بالعيوب، قضى القاضي بالتفريق بينهما.

وليس التفريق فى كل هذه العيوب يتحقق بمجرد الدعوى أمام القاضي، فإن هناك من العيوب ما يحتاج إلى وقت للتحقق منه، وهذا يكون فى العيوب التناسلية كالعنة والخصاء، فيمهل العنين والخصي سنة على أن يتاح له فرصة الاتصال بزوجته فى فصول السنة الأربعة التي قد يكون فى أى فصل منها علاجًا لدائه، فيتمكن من معاشرة المرأة، فإذا انقضت هذه السنة دون اتصال بها فلا عذر له. ويحكم القاضى بالتفريق متى كانت مصرة على طلبها, ومن ذلك أنه أدعت المرأة عجز زوجها عن وطئها بسبب كونه عنينا سئل عن ذلك، فإن أنكر والمرأة عذراء فالقول قولها وإن كانت ثيبا فالقول قوله مع يمينه لأن هذا أمر لا يعلم إلا من جهته، والأصل السلامة. وانما أجل سنة لقول عمر وعثمان وابن مسعود والمغيرة، فقد قضى به عمر بن الخطاب لما طلبت منه المرأة التفريق بينها وبين زوجها نتيجه هذه العنة. فإذا كان الرجل مجبوبًا فإنه لا يمهل بل يفرق بينها وبين الزوج، لأن علته لا يرجى شفاؤها لا ستئصال العضو، وهذا يمكن التعرف عليه بالنظر المجرد.

ويمكن القاضي أن يستعين برأى الأطباء وذوى الخبرة في كشف حقيقة هذه العيوب (4).

أما العيوب الضارة وغير المحتملة الأخرى مثل الجنون والبرص، فإن القاضي يمهل المرأة سنة للجنون عند المالكية، لما روى عمر في ذلك بينما يفرق للحال بينها وبين الزوج متى ثبت لديه انه مصاب بالجذام أو البرص إذ لا فائدة في الأمهال، أما الجنون فقد يكون عارضًا، يشفى منه بمضى الوقت أو قليلاً يمكن احتماله.

وللزوجة أن تقبل العيش مع زوجها مع وجود هذه العيوب لأن التفريق لا يتم إلا إذا أعلنت المرأة عن أبائها العيش معه، وبادرت بذلك فور العلم بالعيب ويكون ذلك التفريق بحكم القاضي لى الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد (5)

والتفريق بهذه العيوب طلاق عند مالك فسخ عند مالك فسخ عند الشافعى وأحمد ويرى هؤلاء الأئمة إن للزوج طلب التفريق بسبب أحد العيوب التناسلية التى تصيب المرأة كالرتق والقرن (6). أو بسبب العيوب الأخرى كالجنون والجذام والبرص، لأن هذه العيوب يتضرر منها الرجل، وتمنع مقصود النكاح وطلب التفريق الذى أعطاه الفقهاء للرجل بمالا يؤثر على حقه في الطلاق وإنما يضاف إليه، ويوفر ميزة للرجل لأنه يعقبه من الطلاق والتزاماته المالية، وشرطه عند القائلين به أن يكون العيب موجودًا عند العقد أو قبله, وإلا يكون أحد الزوجين عنده علم بالعيب، أو يكون عنده علم به ولكن لم يرض به (7)

2 –وجهة نظر الحنفية التى تقضى التفريق من زوجها إذا وجدت به أحد العيوب التناسلية وهى الجب والعنة والخصاء عند الشيخين أبي حنيفة وأبي يوسف، وأضاف إليها محمد الجنون والجذام والبرص.

وعندهم أن الرجل ليس له طلب التفريق إذا وجد بالمرأة أحد العيوب التناسلية التى تمنع مقصوده في الزواج كالرتق والقرن, أو العيوب شديدة الوطأة وهى الجنون والجذام والبرص، وحجتهم في ذلك أن الرجل يملك أن يطلق الزوجة مع تحققه من العيب، فقد رضى بذلك، ولا يجبره أحد على غير ذلك خاصة وأنه يحقق مطلبًا إسلاميًا في الستر على المرأة والتسليم بقضاء الله.

إن معيار العيب المستحكم معيار يجدر الأخذ به بالضوابط التى وضعها النص، والتى يرجع في التعرف عليها إلى رأی أهل الخبرة الواقفين على حقيتها مسبباتها، وإن كان يجب تحديد مدة للشفاء من العيب بدلاً من الطلاق.

أما اشتراط رفض الزوجة للعيب عند العلم أو التحقق منه، سواء كان العيب قديمًا قبل العقد أم حادثًا طرأ بعد العقد، فإننا لا نوافق عليه، ومنطقنا فى الرفض ينطلق من أن المرأة قد تعلم بالعيب قبل الزواج وترضى به, أملاً في الشفاء خاصه في ظل التقدم الطبي ثم بعد الزواج يتبين لها جسامة الضرر والمتاعب التي يسببها لها ذلك العيب فعلاً، أما إلزامها بسكوتها الأول فلا يعدو أن يكون خطأ في تقرير حقيقة الضرر وابعاده الخطيرة على حياتها، والخطأ مرفوع ومعفو عنه، وقد يكون سكوتها حياء

، فما بالنا نؤاخذها علي أمر لم تتعمده أو تصر عليه؟ وحتى اذا طرأ العيب بعد الزواج أو اكتشفته ورضيت به فترة فلا يجب أن نصادر رأيها في طلب التفريق على الدوام فإن الزواج عقد أبدى, وما تستطيع أن تتحمله المرأة فترة من الوقت قد لا تصبر عليه دائمًا، أثرى أن الاصرار على رفض طلب التفريق كفيل بصيانة الأعراض، والإبقاء على مشاعر الطيبة بينهما؟ أليس في هذا مفسدة واضرار بها؟ واذا كان يلحق الزوج ضرر بتركها إياه فإن ضرر بقاؤها معه أعظم، ومعلوم أن قواعد الشريعة تبيح ارتكاب الضرر الأدنى لدفع الأعلى، وأنها تقضى بأن الضرر يزال، وفي هذا ضرر جسيم يتعين ازالته عنها.

وقد أخذ النص برأى المالكية والحنفية فى اعتبار الفرقة بالعيب طلاق بائن م10″.

ومما تجدر الاشارة إليه أن التطليق للعيب يعد من قبل التفريق للضرر، كما دل عليه قضاء محكمة النقض اذ أن الضرر يتحقق بالايذاء المتعمد بالقول أو الفعل أو هجر الزوج زوجته (8) . فإذا كان الأمر كذلك بالنسبة لأمر طاريء يزول بعدول الزوج عن الهجر، فإن التطليق للضرر الناشيء عن وجود عيب يكون أولى وألزم، تأسيسًا على أن الضرر المترتب عليه أبلغ وأوقع.

من قضايا التفريق للعيب:

نعرض في هذه القضية لتطبيقات المحاكم المصرية للتفريق بين الزوجين، بسبب العيب، وما ارتاته محكمة النقض في هذا الخصوص:

أولاً: وقائع القضية:

أقامت سيدة دعوى أمام محكمة القاهرة الابتدائية، ضد زوجها طالبة الحكم بتطليقها منه طلقة بائنة للعيب. وقالت في دعواها أنها تزوجته بعقد صحيح بتاريخ 13/ 7/ 1970م. وأنها أقامت معه في منزل الزوجية منذ تاريخ العقد، حتى5/ 6/ 1973م، ورغم انقضاء هذه المدة، فإنها لا تزال بكرًا، بسبب عدم قدرة الزوج على الدخول بها، لان به عيبًا جنسيًا، يجعله غير قادر على مباشرة النساء ولا أمل في شفائه وحيث أنها شابة وتخشى على نفسها من الفتنة، وقد امتنع الزوج المذكور عن تطليقها ظلمًا وعنادًا وتعسفًا، فقد اقامت دعواها، بتاريخ 17/ 3، 1974م، حكمت المحكمة بندب مصلحة الطب الشرعى لتوقيع الكشف الطبي على الزوج لبيان حالته الصحية, وما اذا كانت لديه قدرة على مباشرة النساء من عدمه، وكذا توقيع الكشف الطبي على الزوجة المذكورة ، لبيان ما اذا كانت لا تزال بكرًا من عدمه.

وقد حكمت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف فطعن الزوج على هذا الحكم بطريق النقض، مؤسسًا طعنه على أن الحكم قد خالف القانون .

ثالثًا: التطليق لغياب الزوج أو حبسه

هذا النوع من التفريق مأخوذ من نصوص مالك، التى تقضى بتأصيل هذه الأحكام على فكرة الضرر، فحيث تثبت القاضي من إصرار غياب الزوج عن زوجته، وكانت الغيبة لمدة معينه، قضى بالتفريق بين الزوجين.

والحق أن تطليق القاضى الزوجة على زوجها نتيجة غيابة أو حبسه ، إنما ترد إلى أصل واحد هو طلاق امرأة الغائب عليه لطول غيبته أى الزوج وقد قدروا هذا الغياب بسنة أو أكثر أو ثلاث سنين أو أكثر (9). وبما أن المحبوس غائب عن زوجته، فإنه يأخذ حكم الغائب في غير حبس.

والواقع فإن إمعان النظر في النصوص القرآنية، يجد أن الأحكام العامة التي وضعتها لحكم قضايا الزواج، يمكن معها تخريج نظر الإمام مالك عليها بشأن التفريق للحبس للضرر المترتب فى مثل هذه الحالة فى قوله تعالى: ” فتذروها كالمعلقةالنساء ۱۲۹ فإن غيبة الرجل للحبس عن زوجته، وعدم الوصول إليه لتتمكن من العيش معه في ظروف متهم فيها بارتكاب جريمة هو مما يسبب ألامًا نفسية وبدنية للمرأة.

وقد لا تحتمل هذه الآلام، فتضار فى نفسها ودينها وتكون إذا لم يحكم لها القاضى بالتفريق كالمعلقة التي لم تبق مع زوجها ولم تطلق منه لتتزوج بآخر، لذلك فإن روح هذا النص يبيح لها التفريق كما يروى في هذا الصدد أن عمر بن عبد العزيز كتب لقوم غابوا بخراسان أما أن يقدموا أو يرحلوا نساءهم اليهم أو يطلقواوهذا تطبيق على التطليق بسبب الغياب الذي يسبب الإضرار أما وقد علمت التأصيل الشرعي لهذا النوع من التفريق، الذي يتأسس على الغياب الذي ينتج عنه ضرر بالزوجه فإنى أتعرض للتطليق بالغياب والتطليق بالحبس، بتناول كل منهما على حدة في كلمة موجزة.

رابعًا : التطليق للعيب

نص القانون 25 لسنة 1929م 12 على هذه الحالة بقوله: اذا غاب الزوج سنة فأكثر بلا عذر مقبول, جاز لزوجته أن تطلب إلى القاضي تطليقها بائنًا اذا تضررت من بعده عنها، ولو كان له مال تستطيع الانفاق منه.

ويضع المشرع المصرى فى هذا النص الأسس التى يتم وفقًا للزوجه طلب التفريق بناء عليها وهي:

1- التأكد من غياب الزوج سنة فأكثر.

2- أن يكون غيابه بدون عذر أو بعذر غير مقبول فإذا كان غياب الزوج لعذر مقبول بسبب طلب علم، أو سعي على عمل فإن القاضى لا يطلق عليه الزوجة.

3- أن تطلب الزوجة إلى القاضي التطليق على زوجها نتيجة الضرر وطبقًا لعبارة النص، فإن التطليق للغياب، نوع قائم بذاته من أنواع التفريق لا يتأثر بترك الزوج لزوجته مالاً تنفق منه على نفسها، ذلك أنه يجوز لها طلب التطليق على الرغم من ذلك.

وقد نظم القانون في المواد التالية لهذه المادة، طريقة التفريق وهى تختلف باختلاف حالتين (10).

1- اذا كان المكان الذى يوجد به الغائب معلومًا، وأمكن مراسلته بعث إليه القاضي برسالة, محددًا له فيها معينة للتصرف خلالها بالحضور للإقامة مع الزوجة أو لضمها إليه، أو تطليقها وإلا أنذره بتطليقها منه، فإذا انقضت المدة ولم يحرك ساكنًا، أو يبدى عذرًا مقبولاً، فإن للقاضى أن يفرق بينه وبين الزوجة بطلقة بائنة.

2- إذا كان المكان الذى يوجد به الغائب غير معلوم أو معلومًا ولكن لا يمكن مراسلته، فإن القاضي يفرق بينه وبين الزوجة فورًا دون انتظار بطلقة بائنة أيضًا لانه لا جدوى منه ولإنهاء معاناة المرأة.

 

التطليق للحبس

التطليق للحبس، هو تطليق للزوجة بسبب غياب زوجها نتيجة اقترافه لجريمة معاقب عليها بالحبس لمدة ثلاث سنين فأكثر وقد نص المشرع المصرى عليه فى القانون 25/ 1929م 14 بقولها: لزوجة المحبوس المحكوم عليه نهائيًا

بعقوبة مقيدة للحرية مدة ثلاث سنين فأكثر أن تطلب من القاضى بعد سنة من حبسه التطليق عليه بائنًا للضرر، ولو كان له مال تستطيع الانفاق منه.

وقد رأى المشرع المصرى فى تشريعة للتطليق بسبب الحبس، أن الأضرار بالزوجة متحقق، وأنه اذا كان يجوز التطليق بسبب الغياب المجرد عن كونه عقوبة تنفذ على الزوج، لما فيه من الإيلام والايحاش بالزوجة من مفارقة زوجها لها، وتركها وحدها تقاسى شدائد الحياة مع ما في ذلك من مخاطر، فلا شك أن الغياب بسبب الحبس فيه الايلام والايحاش بالزوجة أكثر، فهى بين معاناة نتيجة الواقع الأليم لزوج اقترف جرمًا فاستحق عقابًا وقد كان ذلك على ملأ من الناس مما أحزن فؤادها وحقر من شأنه وشأنها بين الناس، وبين معاناة أخرى تنشأ عن مواجهة مشاكل الحياة، وتدبير كافة الشئون اللازمة لتسيير أمور حياتها لها ولا ولادها اذا وجدوا. ولذلك فقد انتهى المشرع إلى إجازة طلب التطليق بالضوابط الآتية:

1- أن يصدر حكم الحبس نهائيًا على زوجها.

2- أن تكون العقوبة سالبة للحرية لمدة ثلاث سنين فاكثر.

3- إن تتقدم الزوجه بطلب التفريق إلى القاضي بعد مضى سنة على حبسه.

وبهذا تكتمل عناصر الضرر الواقع على الزوجة مما يدفع القاضى على الحكم بالتفريق بينها وبين زوجها بطلقة بائنة.

خامسًا: التطليق للايذاء وسوء العشرة والأضرار

لما كان الإسلام قد أثبت القوامة للرجل على المرأة، بما تحوله من الحق فى استخدامها بما هو في صالح الأسرة، واستقامة الأمور الزوجية، وترتب على ذلك أن القوامة لا تستلزم التعسف والجور في معاملة الزوجة، كما يفهم البعض ذلك خطأ، والمناط فى ذلك أن المرأة ما دامت تقوم على شئون زوجها وبيتها على حسب ما يأمر به الشرع ويقضى, فلا سبيل لزوجها على ان يؤذيها فى مشاعرها بالسب والشتم أو بدنيًا بالضرب أو ينتقصها حقوقها فإن لم تراع حق زوجها عليها ولم تقف عند حدود الشرع فى ذلك كان له ولاية تأديبها وردعها عن غيها لاصلاح ما فسد من أمرها وأمر الحياة الزوجية بينهما. وقد سبق أن بينا هدى الإسلام فى ذلك وهو ما تضمنه النص القرآني في قوله تعالى: ” والآتى تخافون نشوزهن فعظوهن واهجرون في المضاحع واضربوهن النساء٣٤ واستخدام هذه الوسائل يكون بحسب ما يصلح حال الزوجة ويتلائم مع طبيعتها، فإذا ظلم الرجل زوجته وتجاوز حدود الولاية في تأديب زوجته، فإن لها حقًا تجاهه في ايقاف عدوانه وكفه عن ظلمه.

ومنشأ ذلك ان هذا الظلم وذلك التجاوز فيه بلا شك إصرار بالمرأة وما أجاز الاسلام الضرر في علاقات الناس وإنما حرمه وبالغ في تجريمه، واذا كان ذلك هو الشأن بين من لا تربطهم نسب أو مصاهرة، فلا يكون ذلك خليقًا بمن يعتمدون على الرابطة الزوجية ويستظلون بظلها.

لكن ما الحاجة الى استخدام القياس وأمامنا صريح النصوص مثل قوله تعالى:” ولا تمسكوهن ضرارًا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ولا تتخذوا آيات الله هزوًاالبقرة: ۲۳۱ . وقد أبان النص عن نهى الإضرار بالمرأة، واعتبر ذلك اعتداء عليها، وأن فيه ظلمًا للنفس وهو من أشد أنواع الظلم ثم عقب على ذلك بما يفهم منه بأن من يفعل ذلك فقد استخف بأحكام الله.

من أجل ذلك فقد ذهب الفقه الى أن هذا الرجل الذي أساء إلى زوجته ولم يحسن عشرتها على ما أمر به الشرع، فإن لها أن ترفع أمرها إلى القاضي تطلب منه كفه عن ظلمها والإضرار بها، وللقاضى أن يسلك معه في نهيه عن ذلك ما يراه ملائمًا لامثاله، وما يتناسب مع مقدار ما لحق الزوجة من أضرار، فقد يكتفى فى ذلك بأن يذكره بإحسان عشرة زوجته وتحرى العدل معها إذا كان الظلم والإضرار غير ظاهر، وقد يقوم بتعزيره وردعه عن ظلم زوجته بالوسيلة التي تحقق هذا الغرض وهذا مجمل ما جاء فى مذهب الحنفية والشافعية.

وعند المالكية (11)، أن للزوجة أن تشكو زوجها إلى القاضى إذا كان يسئ معاملتها ويؤذيها، فإذا اشتكت المرأة أن زوجها يضربها وبها أثر ضرب ولا بينة لها على معاينة ضربها، فإنه يسأل جيرانها، فان قالوا إن مثله لا ينزع عن ظلمها واذها أدبه وحبسه واذا اشتكت إليه الوحدة والوحشة ولم تشك الضرر فعلى الزوج أن يضمنها إلى موضع مؤنس تأمن على نفسها فيه إذا كانت ظروف الزوج تسمح بذلك، وإن أثبتت المرأة الإيذاء والضرب الذي لا يليق بمثلها وطلبت التفريق، فإنها تطلق منه.

ويتجه قضاء محكمة النقض فى التطليق للضرر إلى اشتراط أن يكون الاضرار مقصودًا من الزوج سواء كان ايجابيًا أو سلبيًا، وهذا هو ما عنته المادة السادسة من القانون رقم 25 لسنة 1929 ، وعلى ما جرى به قضاء المحكمة (12).

هذا إذا كانت الإساءة من جانب الرجل، أما اذا أساء كل منهما عشرة الآخر أو تكررت شكوى المرأة مع عجزها عن إثبات شكواها, نصب القاضي حكمين رجلين عدلين, يبحثان موضوع النزاع ويهيأن أسباب الاصلاح بينهما، وهذا ظاهر فى قوله تعالى:” وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها إن يريدا إصلحًا يوفق الله بينهماالنساء: ٣٥. وللحكمين سلطة الجمع والتفريق بين الزوجين حسب ما يريانه من بحث طبيعة النزاع، يدل له ـن رجلاً وامرأة جاءا إلى على بن أبى طالب ومع كل واحد منهما جمع من الناس، يأمرهم على أن يبعثوا رجلاً حكمًا من أهله ورجلاً حكما من أهلها، ثم قال للحكمين: اتدريان ما عليكما أن رأيتما أن تفرقا فرقتما. وقد روى مثل أيضًا عن ابن عباس(13).

رأى القانون المصرى: أخذ القانون 25/ 1929 بمذهب الامام مالك فنص فى م 6 على أنه: اذا ادعت الزوجة إضرار الزوج بها بما لا يستطاع معه دوام العشرة بين أمثالهما يجوز لها أن تطلب من القاضى التفريق، وحينئذ يطلقها القاضي طلقة بائنة إذا ثبت الضرر وعجز عن الاصلاح بينهما فاذا رفض الطلب ثم تكررت الشكوى ولم يثبت الضرر بعث القاضي حكمين وقضى، وهكذا استقى القانون أحكامه فى هذا الموضع من مذهب مالك، ويشترط للتفريق بطلقة بائنة الشروط الآتية:

1- أن تدعى الزوجة إضرار الزوج بها.

2- أن يكون الضرر مما لا يستطاع معه دوام العشرة بين أفراد للطبقة التي ينتمي اليها الزوجين.

3- أن تقيم الزوجة البينة على ما تدعيه من الضرر.

4- أن يعجز القاضي عن الإصلاح بينهما.

وقد نص القانون الجديد100 / 1985 على أحكام مغايرة حول مهمة الحكمين فى الاصلاح والتفريق ومجمل ما جاء به من أحكام في هذا الصدد هي(14)

1- أنه اشترط في الحكمين أن يكونا عدلين من أهل الزوجين بقدر الامكان وأن لم يمكن فيستعين بحكمين آخرين على دراية بأحوالهما ممن يملكا القدرة على الإصلاح بينهما، وما أتى به النص هنا مطلق بشأن الحكمين, تحتمل عباره النص أن يكون أحد الحكمين امرأة إذا اقتصر على قوله أن يكونا عدلين أما القانون السابق 25/ 1929, فكان يشترط في الحكمين أن يكونا رجلين عدليين، وهذا هو الأصح، وعدول القانون الجديد عن اشتراط الذكورة في الحكمين يخالف مذهب مالك الذي استقى منه أحكامه، لأن المذهب يشترط الذكورة في الحكمين.

2 – حدد القانون الفترة الزمنية التى يتم خلالها قيام الحكمين بمهمتهما وهى لا تزيد عن ستة أشهر، ويجوز للمحكمة أن تمد هذه الفترة ثلاثة أشهر أخرى، وتبلغ المحكمة الحكمين والخصوم بذلك، وتستوثق من قيام الحكمين بمهمتهما بعدل وأمانة بحلف اليمين وعليهما أن يقدما تقريرهما، فإن لم يقدماه اعتبرتهما غير متفقين.

3 – يقوم الحكمان باستقصاء أسباب النزاع بين الطرفين، وبذل الجهود الممكنة للاصلاح بينهما، ولا يؤثر على ذلك غياب أحد الزوجين.

4 – في حالة الحكم بالتفريق عند عجز الحكمين عن الاصلاح ينظر إلى المسيء منهما فإن كان الزوج هو المسيء اقترح الحكمان التفريق بطلقة بائنة دون الإخلال بأى حق من حقوق الزوجة الناشئة عن الزواج والتطليق، وإذا كانت الاساءة من جانب الزوجة اقترح الحكمان التفريق مقابل بدل تلتزم به الزوجة يتناسب مع ما لحق الزوج من ضرر. وهذا جائز لأن أصل مشروعيته هو الخلع وسنعرض له بعد.

أما اذا كانت الاساءة من الزوجين معًا، فانهما قد يقترحا التفريق دون مقابل أو بمقابل يتلاءم وما لحق بالزوج من ضرر، إذا كان طابع الاساءة يغلب في جانب الزوجة. فإذا التبس الأمر ولم تترجح الاساءة في جانب أي منهما اقترح الحكمان أن يكون التفريق دون مقابل.

5 – يرفع الحكمان تقريرهما إلى المحكمة متضمنًا الحيثيات التي أسس عليها حكمهما.

6- يجوز للمحكمة أن تأتى بحكم ثالث عند اختلاف الحكمين على دراية بحال الزوجين وله قدرة على الإصلاح وتحلفه اليمين على أن يقوم بمهمته بأمانة وعدل، فإذا اختلف الحكام، أو لم يقدموا التقرير في الميعاد المحدد، سلكت المحكمة طريق الإثبات، فإن اخفقت فى التوفيق بين الزوجين وتحققت من استحالة العشرة بينهما، وصممت على الطلاق طلقتها المحكمة طلقة بائنة، مع إسقاط كل حقوقها المالية أو بعضها، والحكم عليها بالتعويض المناسب إن كان له محل.

ويلاحظ أن إجازة بعث حكم ثالث وأن كان لم ينص عليه الفقهاء إلا أنه الباب, إجماع المسلمين، وبالرغم من كل ذلك خرج علينا المشرع المصرى وحرم ما أحلة الله، واعتبر الزواج بأخرى ضررًا يبيح التفريق، وتفتقت عقليته عن تبرير مرفوض، حمل فيه أقوال بعض الفقهاء مالا تحتمل، وبتر منها ما يتفق مع مقصده فى الوصول الى أغراضه ومراميه.

وما اعتمد عليه فى هذا الصدد هو جواز اشتراط المرأة على زوجها في عقد النكاح ووجوب الوفاء لها بذلك، كما هو مقرر عند الامام أحمد (15). كما لو شرط لها الاقامة فى بلد الزوجة وشرط دار الزوجة وأن لا يتسرى عليها ولا يتزوج عليها، فأوجب أحمد وغيره الوفاء به ومتى لم يف به فلها الفسخ (16).

وهذا الأصل المقرر عند الامام أحمد محله اشتراط الزوجة عدم الزواج عليها، فإن لم تشترط فليس لها أن تفسخ العقد، أو تطالب بالتفريق، ورغم ذلك جاء النص واضحًا بقوله: اذا ادعت الزوجه إضرار الزوج بها، بما لا يستطاع معه دوام العشرة بين أمثالهما، ويجوز لها، أن تطلب من القاضى التفريق، وحينئذ يطلقها القاضى طلقة بائنة، إذ ثبت الضرر وعجز عن الإصلاح بينهما. فإذا رفض الطلب، ثم تكررت الشكوى ولم يثبت الضرر، بعث القاضي حكمين, وقضى على الوجه المبين بالمواد 7، 8، 9، 10، 11.

وقد نظمت تلك المواد فى الحكمين العدالة والخبرة، والقدرة على الاصلاح، وأن يكونا من أهل الزوجين. كما نصت على المدة التي تستغرقها مهمة الحكمين في الاصلاح, واداءها بنزاهة وأمانه وأن يحلف الحكمين كما أجازت المادة (8) اعطاء الحكمين مهله أخرى لمرة واحدة، ولا تزيد على ثلاثة أشهر. إلى غير ذلك من الأحكام مما لا يتنافى مع النصوص، خاصة وأن بعث حكم ثالث مما يستلزمه إجراء التحكيم للترجيح بين الحكمين عند الاختلاف، ولأنه يتفق والغرض الذى من أجله شرع التحكيم (17)

وهكذا فإن التحكيم على ما هو مبين فى نصوص القانون المشار إليه يتلافى النقائض التي وردت على التحكيم في القانون السابق، كما أنه أكثر صلاحية لتحقيق العدالة وسرعة حسم النزاع بين الزوجين.

وبينما نص القانون 100 لسنة 1985 على كيفيه ممارسة الحكمين لمهامهما، وجواز بعث حكم ثالث, نصت المادة 19 من قانون تنظيم بعض أوضاع واجراءات التقاضى رقم (1) لسنة 2000 على أنه: في دعاوى التطليق التي يوجب فيها ندب حكمين, على المحكمة أن تكلف كلاً من الزوجين بتسمية حكم من أهله قدر الإمكان، في الجلسة التالية على الأكثر ، فإن تقاعس أيهما عن تعيين حكمه أو تخلف عن حضور هذه الجلسة عينت المحكمة حكمًا عنه.

وعلى الحكمين المثول أمام المحكمة في الجلسة التالية لتعيينهما، ليقررا ماخلصا إليه معًا، فإن اختلف أو تخلف أيهما عن الحضور، تسمع المحكمة أقوالهما أو أقوال الحاضر منها بعد حلف اليمين.

وللمحكمة أن تأخذ بما انتهى إليه الحكمان أو بأقوال أيهما أو بغير ذلك مما تستقيه من أوراق الدعوى.

ومقتضى نص المادة أن الحكمين يعينان من قبل الطرفين ممن لهما صلة بالزوجين من الأهل والأقارب وممن لهما دراية بحكم الشرع وحال الزوجين ومصلحة الأسرة، وعلى المحكمة أن تتصدى لتعيين الحكمين في الجلسة التالية على الأكثر إذا تقاعس أى من الطرفين عن تعيين حكمه، أو فى حاله تخلف أى من الطرفين عن حضور جلسة تسمية الحكمين.

ومهمة الحكمين تخلص في تقديم تقرير عن واقع الدعوى، وتلمس سبل الاصلاح قدر الامكان, بعد بحث أسباب النزاع، والجدية فى تقصى أسبابه ولهما أن يقترحا الصلح أو التطليق.

ويجوز لطرفي الخصومة الاعتراض على المحكم، استنادًا إلى مبررات وأسانيد تؤيد هذا الاعتراض، وفي هذه الحالة للمحكمة أن تنتدب غيرهما بمقتضى سلطتها (18)

وتكمن أهمية قرار الحكمين، في حالة ما إذا اتفقا فى الرأى، فإنه يجدر بالمحكمة أن تصدر حكمها وفقًا له، فإن اختلفا الحكمين كان للمحكمة أن ترجح رأى أحدهما على الآخر، حيث أنها الحكم الأعلى، وعندئذ تستقى حكمها من أقوال الحكم المرجح لديها، ومما تستقيه من أوراق الدعوى.

سادسًا: التطليق للاقتران بزوجة أخرى

استحدث القرار بقانون 44 لسنة 1979 هذا النوع من التفريق، وقد استبدلت بعض نصوصه بالقانون 100 لسنة 1985، كرد فعل لمطالبات كثيرة أثيرت على مستوى الفقه والقضاء. وهذا النوع من التفريق يدخل في إطار التفريق للضرر, الذي هو محل دراسة هذا الفصل والحق أن البحث عن أقوال الفقهاء لتبرير هذا النوع من التفريق بحث في غير طائل لأن أيًا من الفقهاء ليس فى مكنته أن يجتهد مع وجود النص، الذي نعنيه قوله تعالى: ” فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباعالنساء :3.

وفعل الرسول صلوات الله عليه وصحابته. فلا يخفى على مسلم ما فعله الرسول من تزوجه صلى الله عليه وسلم بأكثر من زوجة، وهو حجة قوية فى هذا الباب وكان الأجدى من ذلك الاعتراف بالحقيقة بالقول أن المستند الشرعي لذلك هو التلفيق على قواعد الإمام أحمد وقواعد فقه أهل المدينة.

وفي سبيل ضمان إعلام الزوجات بالزواج بأخرى, ألزم الزوج بأن يقدم للموثق اقرارًا باسم الزوجة أو الزوجات اللاتي في عصمته وقت العقد الجديد ومحال إقامتهن وعلى الموثق إخطارهن بالزواج الجديد بكتاب مسجل مقرون بعلم الوصول.

وفي هذا النطاق نص القانون الجديد على أنه إذا كانت الزوجة الجديدة لم تعلم أنه متزوج بسواها ثم ظهر أنه متزوج فلها أن تطلب التطليق كذلك.

فإذا عجز القاضى عن الاصلاح بينهما طلقها عليه طلقة بائنة ويسقط حق الزوجة فى طلب التطليق لهذا السبب بمضى سنة من تاريخ علمها بالزواج بأخرى، الا إذا كانت قد رضيت بذلك صراحةً أو ضمنًا، ويتجدد حقها في طلب التطليق كلما تزوج بأخرى.

إن مثل هذا الإلزام على الزوج والموثق من شأنه أن يضع الزوجة فى حرج شديد إذا كانت لا تريد فراق زوجها، إذ أنها تظهر عند اعلامها بذلك وبقائها مع زوجها بمظهر من لا تثور لكرامتها ولا تعبأ بإهانة زوجها وإضراره بها بالزواج من غيرها أو يترتب على اعلامها بالزواج أن ترفض ذلك وتسرع إلى القاضى تطلب التفريق بينها وبين زوجها، وفى هذا من الضرر ما فيه، ومن شأنه أن تهدم الزوجة عش الزوجية التي بنته بنفسها مع ما في ذلك من اضرار لها ولزوجها ولأولادها, اذا كانت قد أنجبت منه، كما أن فى ذلك اكثارًا لحالات الطلاق، مع أن اتجاه المشرع هو الحد من حالات الطلاق.

ثم إن الادعاء بأن الزواج بأخرى فيه إضرار بالزوجة، وأن مستند هذا قواعد فقه أهل المدينة، وقصد المذكرة الايضاحية مع ذلك مذهب مالك، فإن هذا مناقض تمامًا بما جاء عن المالكية كتاب الشرح الكبير جـ2، ص245″ بقوله: وللزوجة التطليق على الزوج بالضرر والضرر هو فعل مالا يجوز شرعًا كهجرها بلا موجب شرعى أو ضربها أو سبها، وليس من الضرر منعها من الحمام أو من النزهة، وليس من الضرر تزوجة عليها (19) وهذا النص يخطيء ما ورد في المذكرة الايضاحية بما لا يدع مجالاً للشك، لأنه اعتبر الضرر الحقيقي هو فعل ما لا يجوز شرعًا وضرب أمثله لذلك ولم يرد التعدد ضمن حالات الضرر.

ورغم ذلك جاء النص واضحًا يصم الآذان، بقوله فى م 6 مكررًا: ويعتبر إضرارًا بالزوجه اقتران زوجها بأخرى, بغير رضاها، ولو لم تكن اشترطت عليه في عقد زواجها، عدم الزواج عليها. كذلك اخفاء الزوج على زوجته الجديدة أنه متزوج بسواها. ويسقط حق الزوجه فى طلب التفريق بمضى سنة من تاريخ علمها بقيام السبب الموجب للضرر، ما لم تكن قد رضيت بذلك صراحةً أو ضمنًا.

وقد ادعت المذكرة الايضاحية، أن المستند الشرعى لذلك، ما أوضحه ابن القيم تخريجًا على قواعد الإمام أحمد رحمة الله، وقواعد فقه أهل المدينة، مما لا يتافى مع النصوص الشرعية.

ونتيجة الملاحظات التى ابداها الفقهاء, والمشتغلون في الحقل القضائي على القرار بقانون 44 / 1979، فقد أجرى القانون الجديد رقم100/ 1985 تعديلاً على بعض أوجه الانتقادات فى هذا الصدد ونص على أنه يجوز للزوجة التي تزوج عليها زوجها أن تطلب الطلاق منه إذا لحقها ضرر مادى أو معنوى يتعذر معه دوام العشرة بين أمثالهما، ولو لم تكن قد اشترطت عليه في العقد ألا يتزوج عليها.

ونظرة إلى ما أتى به القانون الجديد يستبين أنه قد عدل عن النقد الذى يوجه الى القانون السابق، والذي كان يعتبر مجرد الاقتران بزوجة أخرى من شأنه الإضرار بالزوجة الأولى، وهذا الاقتران في حد ذاته يعد قرينة قانونية قاطعة لا تقبل إثبات العكس، في حين أن فحوى القانون الجديد يعتبر الاقتران بالزوجة الجديدة مسببًا للضرر لها، لكن هذا الضرر يخضع للقواعد العامة من حيث وجوب إثباته وضرورة أن يتحقق القاضى من وجوده، ويتعبير آخر فإن الزوجة يقع عليها عبء إثبات الضرر الذى أوقعه عليها زوجها بسبب زواجه بأخرى بوسائل الاثبات المختلفة، ومنها البينة أو شهادة الشهود.

ومن ناحية أخرى فإن القانون الجديد قد فصل في الضرر الذى أجمله القانون 44/ 1979 فعلى حين كان هذا القانون يكتفى بكلمة أضرار لاعتبارها مبررًا فقد بين للتفريق بين القانون الجديد ان الضرر قد يكون ماديًا أو معنويًا بصورة يتعذر معها دوام العشرة بين أمثالهما، ونص عبارته أنه: يجوز للزوجة التى تزوج عليها زوجها أن تطلب الطلاق منه إذا لحقها ضرر مادى أو معنوى يتعذر معه دوام العشرة بين أمثالهما، ولو لم تكن قد اشترطت عليه في العقد ألا بتزوج عليها( 20)

ومع تسليمنا بأن هناك بعض التغيير كمحاولة لاضفاء الشرعية على اتجاه المشرع فى هذا الخصوص، فإن ظلال الشك تحوم حول جدية المشرع في أحداث تغيير يناقض النص فى القانون السابق. والواقع أنه قد أرسى بذلك تقنين حق المرأة في طلب التطليق بسبب اقتران زوجها بزوجه أخرى استجابة لضغوط بعض التنظيمات ودعوى المتغيرات التى طرأت على وضع المرأة في العصر الحديث.

لكن يبقى بعض المحاذير تتعلق بالتطليق القضائى والتغير التشريعى والتى قد تتوسع في مفهوم الضرر المعنوى الأمر الذى يؤدى إلى الاشتطاط فى أعمال النص، والوصول به فى التطبيق إلى ما كان يبتغيه نص القرار بقانون 44/ 1979، وهو ما من شأنه اجهاض التعديل الذى جاء به القانون الجديد وافراغه من المحتوى الحقيقى له، ليصبح شكلاً بلا مضمون ومن ذلك على سبيل المثال أن الزوجة قد تدعى أنها قد أصيبت بضرر معنوى يتمثل في الاحباط أو الضيق النفسي أو التبرم أو الاكتئاب وقد تتحايل فى إثبات هذه الأمور تحقيقًا لغرضها فى الانفصال عن زوجها بسبب الضرر الذى كدر عليها حياتها الزوجية بشكل يتعذر معه دوام العشرة مع زوجها.

وازاء ذلك، فإن المعيار الذى يلجأ إليه فى إثبات الصور هو معيار يتطلب الضبط والتحديد، الأمر الذي يجعل للقاضي سلطة تقديرية في هذا الصدد تتسم بالجدوى والفاعلية، وهو ما سيكشف عنه التطبيق القضائي.

الطلاق بالإرادة المنفردة للرجل

هذا هو الأصل فى إيقاع الطلاق بموجب القوامة المقررة فى الشريعة للزوج على زوجته، لكن هذا الأصل لا يمارسه الرجل بدون ضوابط ولا يستخدمة تعسفًا أو إعناتًا وتحكمًا فى المرأة، فإذا كان للرجل إيقاع الطلاق على زوجته فإن ممارسة ذلك وفقًا لمقاصد الزواج يعد من قبيل الرخصة وبإعتباره الملاذ لإنهاء علاقة زوجية إنهارت فعلاً وفقدت مضمونها الشرعى فى الاستقرار والسكينة والمودة والرحمة وهو المعنى الذي دل عليه قول الرسول صلى الله علية وسلم :” إن أبغض الحلال عند الله الطلاقفهو ليس حقًا وإنما رخصه للرجل يستخدمها وفقًا لضوابطها الشرعية حيث تتعذر إستدامه العلاقة الزوجية وتسد كل سبل الإصلاح بين الزوجين.

ويبدو أن الواقع الراهن الذي طرأ على العلاقات الزوجية قد أثر سلبًا على إستخدام الرجل للطلاق فقد إعتبره الكثير من الرجال أنه حق يمارسه وفق هواه بطريق تحكمية أو تهديدية أو إبتزازية وذلك بالمخالفة لما نص عليه الشرع وإساءة لاستخدام الطلاق حتى بات الطلاق يقع لأتفه الأسباب بل وقد يكون بلا أسباب وهو ما تكشف عنه الإحصائيات المفذعه عن وقوع حالة طلاق كل بضع دقائق مما أدى إلى إنهيار العديد من الأسر والتفكك الأسرى وضعف البنيان الإجتماعي, وهو الأمر الذى يستدعى أحياء ثقافة المقاصد الشرعية التى تجعل الطلاق وسيلة لغايه وهى الحفاظ على فريضة التماسك والتلاحم الأسرى حفاظ على حقوق الصغار وحماية لهم من التشرد والضياع وإبقاء على صرح المجتمع القوى الذى يشد بعضه بعضا ولا يتأتى ذلك بدون أسرة قوية والدفاع عن هذه الخلية الرئيسة في بنيان المجتمع التى تشكل قوة الضاربة والتى تعتبير عنوانًا على أهم ما يتميز به المجتمع الإسلامي عن غيره من المجتمعات.

وقد يكون من بين سبل تحقيق ذلك وضع ضوابط تقيد حق الرجل في إستخدام الطلاق بحيث لا يكون سيف مصلتا على رقبة الزوجة، وانما مكنة يلجأ إليها إذا توافرت مبرراتها وأسبابها، ومن الممكن أن يتم هذا الطلاق تحت إشراف ورقابة القضاء بأن يتقدم الزوج إلى المحكمة طالبًا طلاق الزوجة بما يتيح الفرصة للمحكمة لمحاولة الصلح بين الزوجين فإذا فشلت مساعى الصلح فيمكن اللجوء إلى التحكيم الذى نص عليه القرآن والذي اعتبره النص القرآني وسيلة لرأب الصدع وإنهاء الخلاف: ” وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها إن يريدا إصلاحًا يوفق الله بينهما إن الله كان عليمًا خبيرًاالنساء ٣٥ ، فإذا أخفقت مساعى الصلح والتحكيم فإن الطلاق بيد الرجل يكون واقعًا لامحالة تترتب عليه آثارة من عدة ونفقة عدة ومتعة ومؤخر صداق.

فقد يكون في ضبط الطلاق بمثل هذه الآليات وسيلة لحد من الافرط وخراب البيوت وضياع الأطفال وإنهيار الصرح المجتمعي الذي آلت إليه الأوضاع المعاصرة.

(1) الإنصاف في بيان سبب الاختلاف في الأحكام الفقهية لشاه ولى الله أحمد الدهلري, ص 5.

(2) النووى المجموع جـ17، ص 110.

(3) الجب هو أن يكون الرجل مقطوع عضو التناسل، والعنة عدم الوصول إلى المرأة، والخصاء فى يكون منزوع الخصيتين والجذام مرض يتساقط به اللحم ويتناثر, والبرص أحد الأمراض الجلدية المزمنة التي تظهر على شكل بياض في الجلد.

(4) نص القانون رقم 1000/ 1985 في م 11 على أنه يستعان بأهل الخبرة في العيوب التي يطلب فسخ الزواج من أجلها.

(5) المدونة جـ 4 ص 65 , الأم جـ 5 ص 25, المغنى والشرح الكبير جـ 7، ص 583.

(6) الرتق بفتح التاء انسداد عضو الأنوثة, والقرن عظمة في العضو يمنع من الاتصال

(7) شرح الفرشي جـ4 ص 225.

(8) قضاء محكمة النقض جلسة 2 أبريل 1980.

(9) فتح العلى المالك جـ2، ص 12

(10) تنص م 13 على أنه: إذا أمكن وصول الرسائل إلى ضرب له القاضي اجلاً وأعذر إليه بأنه يطلقها عليه أن لم يحضر للإقامة معها أو ينقلها إليه أو يطلقها، فإذا أنقضى الأجل، ولم يفعل, ولم يبد عذرًا مقبولاً فرق القاضي بتطليقه بائنة وإن لم يكن وصول الرسائل إلى الغائب طلقها القاضي عليه بلا أعذار وضرب أجل.

(11) فتح العلى المالك، جـ 2، ص 18.

(12) مجموعة أحكام محكمة النقض جلسة 21 مارس 1979.

(13) المنار، جـ5، ص 64.

(14) أنظر المواد من 2:1 من القانون.

(15) نظرية العقد لابن تيميه ص 210.

(16) زاد المعاد لابن القيم جـ 4 ص 50.

(17) أشارت المذكرة الإيضاحية إلى أن بعث الحكم الثالث لا يخالف أصلاً من أصول الشريعة, فإن القرآن الكريم لم ينه عنه، وقد صار في هذا الزمان أمرًا ضروريًا كوسيلة لاظهار الحق ورفع الضرر, على أن من الفقهاء من أجازة حكم واحدتفسير الجامع لأحكام القرآن الكريم للقرطبي جـ 5 ص 128 وما بعدها.

(18) قراءة فى قانون إجراءات التقاضي، مرجع سابق ص 254.

(19) أشار إلى ذلك الدكتور / موسى شاهين, في اعتراضه على القانون وقد نشرت ذلك جريدة الشعب في 29 شعبان 1299ه 24/ 7/ 1979

(20) م1 من القانون الجديد.

شارك:

اصدارات متعلقة

أزمات متوازية، ما نصيب النساء منها؟
الانتقام الإباحي.. تهديد رقمي يلاحق النساء ويقتلهن أحيانا
هل يجب علينا الاهتمام بالتغيرات المناخية
نص مليون من العاملين / ات بالخدمات المنزلية منزوعين/ ات الحقوق
التغيرات المناخية تمثل خطر كبير علي صحة الحوامل والأجنية بشكل خاص
“تمكين النساء لمواجهة التغيّرات المناخية”… مبادرة “عالم بالألوان” في مصر
نساء السعودية.. حقوق منقوصة وقمع متواصل
العنف الأسري ضد المرأة