المرأة والجنوسة في الاسلام

التصنيفات: النساء والأديان

تاريخ النشر:

2002

المرأة والجنوسة في الاسلام

الجذور التاريخية لقضية جدلية حديثة

عرض: هالة كمال *

يعتبر كتاب ليلى أحمد المرأة والجنوسة في الإسلام: الجذور التاريخية لقضية جدلية حديثة، الذي ترجمته إلى العربية كل من د. منى إبراهيم وهالة كمال (القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، ١٩٩٩) من أهم المراجع الغربية التي تتناول قضايا المرأة والجندر (النوع الاجتماعي) في الثقافة الإسلامية من منظور تاريخي. ولعل أهميته تتمثل في كون مؤلفته باحثة مصرية مقيمة منذ سنوات في الولايات المتحدة وأستاذة أكاديمية في جامعة هارفارد الأمريكية. ويعتبر كتابها مرجعًا أساسيًا للباحثات والباحثين الغربيين المهتمين بقضايا المرأة من ناحية، وبالدراسات التاريخية والشرق أوسطية من ناحية أخرى.

ورغم صدور الكتاب منذ سنوات عديدة وتداوله في طبعات متعددة، ورغم احتلاله موقعًا بارزًا ضمن دراسات المرأة والإسلام والشرق الأوسط، إلا أنه لم تتم ترجمته سوى مؤخرًا ليصدر ضمن الأعمال المترجمة في إطار احتفالية المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة حول قاسم أمين ومائة عام على تحرير المرأة“. وقد أثار الكتاب عند صدوره مترجمًا إلى العربية العديد من ردود الأفعال الرجعية والمتشددة على صفحات بعض الجرائد مطالبة بمصادرة الكتاب وإعدامه بل وحرقه في ميدان عام!

يقع الكتاب مترجما في ٣٠٣ صفحات، متضمنًا ثلاثة أجزاء تحتوي على أحد عشر فصلاً، إضافة إلى المقدمة والخاتمة والهوامش. وتشير كلمة الترجمة في مستهل الكتاب إلى المنهج المتبع في ترجمة بعض المصطلحات، حيث تشير المترجمتان إلى استعانتهما ببعض الترجمات الأكاديمية ومن ضمنها مصطلح الجنوسةترجمة لكلمة الجندرأو النوع الاجتماعي، وذلك اعتمادًا على العدد 19 من مجلةألفحول الجنوسة والمعرفة: صياغة المعارف بين التأنيث والتذكير” (الجامعة الأمريكية بالقاهرة، ١٩٩٩).

 

توضح ليلي أحمد في مقدمة كتابها طبيعة المهمة التي أقبلت عليها والمتمثلة في التركيز على الخطابات التي تناولت المرأة، لا بمجرد القيام بعرض لحياة النساء عبر الحقب المختلفة في الشرق الأوسط العربي، حيث تؤكد المؤلفة على الدور البارز الذي لعبته المؤسسات وأساليب التفكير في المجتمعات الإسلامية الأولى في تشكيل الخطابات الأساسية للفكر الإسلامي وبالتالي تحديد وضع المرأة في المجتمعات الإسلامية.

وقد حرصت ليلي أحمد كما تقول على الكشف وجمع الشذرات عن تاريخ النساء وأساليب التعبير عن قضايا المرأة في المجتمعات الإسلامية لما تحتله من موقع خفي ومخفي في دراسات الشرق الأوسط. وبالتالي ارتكز بحثها على إطارين معرفيين وهما: الخطابات الإسلامية الرئيسية حول قضايا المرأة، والفرضيات الأساسية التي تقوم عليها الخطابات الحديثة حول المرأة في الشرق الأوسط.

يأتي الجزء الأول من الكتاب بعنوان الشرق الأوسط ما قبل الإسلاممتضمنًا فصلين هما: “بلاد الرافدينوالشرق الأوسط في منطقة البحر المتوسط“. وقد اعتمدت المؤلفة على البعدين التاريخي والجغرافي حيث قامت بتتبع اللحظات التاريخية التي تأسست خلالها القواعد الأساسية للخطابات الإسلامية، ثم تبلورت متخذة أشكالاً مؤسسية وقانونية. وكانت مجتمعات شبه الجزيرة العربية والحضارة العراقية نقطة البداية بوصفها مهدًا للخطابات الإسلامية. ولم يقتصر بحث ليلى أحمد على حدود الزمان والمكان بل قامت أيضًا بتتبع مفاهيم الجندر في المجتمعات التي سبقت الإسلام وتجاوزت حدوده الجغرافية.

ومن هنا نجد المؤلفة تفند المقولة الإسلامية المعاصرة التي تؤكد على دور الإسلام في تحسين أوضاع النساء، فتنقلها إلى سياقها التاريخي الجغرافي بمقارنة المجتمعات الإسلامية الوليدة بما سبقها وجاورها من مجتمعات. فتقدم صورة عامة لمجتمعات بلاد الرافدين وبلاد الإغريق ومصر وإيران بغرض تحديد خطوط التوازي ونقاط التلاقي بينها وبين المجتمع الإسلامي، فقامت بتتبع العلاقة بين الممارسات القائمة في بدايات الإسلام وبين المجتمعات السابقة والمجاورة لتصل إلى أن الإسلام قد قام بتأسيس نظام تابع لما هو سائد في المناطق المجاورة. وتستشهد ليلي أحمد على ذلك الاستيعاب الثقافي بتقديم الحجاب مثالاً قائلة أن ارتداء المرأة الحجاب في المنطقة العربية قد تم في ظروف مشابهة عبر عملية استيعاب تلقائي لما لدى الشعوب المجاورة من ممارسات، حيث يتضح تاريخيا أن الحجاب كزي نسائي كان مستخدمًا في المجتمع الساساني وكذلك في الشرق الأوسط المسيحي وأقاليم البحر المتوسط أثناء نشأة الإسلام.

يأتي الجزء الثاني من الكتاب تحت عنوان الخطابات المؤسسةليتضمن ثلاثة فصول هي: “المرأة ونشأة الإسلام، العصر الانتقاليوإسلام العصور الوسطى“. وتتناول ليلي أحمد هنا منطقة شبه الجزيرة العربية إبان ظهور الإسلام مع تتبع التغيرات التي طرأت على المجتمع باتخاذ الإسلام شكلاً مؤسسيًا. وقد حرصت المؤلفة على تقصي وضع المرأة في المجتمع بعرض أشكال الزواج والطلاق والنسب في المنطقة العربية، مؤكدة في ذلك على تحول المجتمع تدريجيا من نمط المجتمع الأمومي إلى المجتمع الأبوي. يلي ذلك فصل تتناول فيه التغيرات التي طرأت على التوجهات نحو المرأة وذلك من حيث العلاقات ما بين الجنسين والأدوار الاجتماعية لكل من الرجل والمرأة وعلاقة النساء بالحيزين العام والخاص، فتسعى إلى الكشف عن التغيرات التي انعكست على أدوار النساء في المشاركة الحربية والممارسات الدينية كالتردد على المساجد ورواية الأحاديث النبوية، إضافة إلى موقف المجتمع من المرأة والزواج.

ويدور الفصل التالي حول تطور الخطابات المؤسسة للفكر الإسلامي، كاشفة عن الأنظمة الفكرية والاجتماعية المتعلقة بالمرأة، مع رصد لتشكل الأسس الفقهية والأحكام الخاصة بالمرأة في حياة النساء العصور. وتلقي ليلى أحمد بالضوء على مزيج عناصر الثقافات والمعتقدات التي اعتنق أصحابها الإسلام مع تنامي حدود الدولة الإسلامية، فتستدل مثلا بالتشابه الكبير بين ممارسات التصوف والمتصوفين المسلمين من ناحية وبين ممارسات المتصوفين المسيحيين في المنطقة، واستيعاب الإسلام لتراث ثقافات أخرى.

ثم تنتقل ليلي أحمد إلى قضية التفسير لتوضح مراحل صياغة القانون الإسلامي ونشأة المذاهب الفقهية، مؤكدة على أن الاختلافات الفقهية بين المذاهب الفقهية الرئيسية هي اختلافات جوهرية فيما يتعلق بالمرأة وخاصة بالنسبة إلى عقود الزواج وطلب الطلاق وتعدد الزوجات. وتصل إلى نتيجة مفادها خضوع التفسير لتحيزات وافتراضات أسقطها عصر بعينه على قراءته وتعامله وتأويله للنص القرآني مما انعكس بالتالي على صياغة القوانين.

ويركز الفصل الخامس على إسلام العصور الوسطى في مصر وسوريا وتركيا أثناء العصرين المملوكي والعثماني تحديدا، متتبعاً حياة النساء وطبيعة اندماجهن في الحياة الاقتصادية من ناحية، س وخصائص الممارسات الاجتماعية وخاصة الزواج. وتكشف المؤلفة هنا أربعة عوامل متشابكة أدت إلى تحديد معالم حياة النساء في منطقة البحر المتوسط شرق الأوسطية في العصور الوسطى. أولاً:عادات وقوانين الزواج وما يتعلق بتعدد الزوجات واتخاذ الجواري وحق الطلاق. ثانيًا: النموذج الاجتماعي الداعي إلى عزل النساء. ثالثًا: حق النساء القانوني في حرية التملك. رابعًا: وضع النساء ضمن النظام الطبقي اعتمادًا على العوامل السابقة.

ويتخذ الجزء الثالث والأخير من الكتاب نقطة البداية من أواخر القرن التاسع عشر حيث يتم عرض التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية التي صاحبت الزحف الأوروبي على منطقة الشرق الأوسط. وتركز ليلي أحمد هنا على مصر بوصفها كما تقول مرآة للعالم العربي في العصر الحديث ولكونها أولى دول الشرق الأوسط العربية التي عايشت نتائج التوسع الغربي الاقتصادي، والتي تعاملت اجتماعيًا وفكريًا وسياسيًا وثقافيًا مع مجموعة الأفكار البالغة التأثير على العصر الحديث. وهكذا نجد في الجزء الثالث توصيفا لعملية التغير الاجتماعي بالنسبة للنساء. يلي ذلك تحليل لنهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، لما شهدته تلك الفترة من مولد خطاب الحجاب وما يتعلق به من قضايا الثقافة والطبقة والإمبريالية والقومية، لتتشابك كلها مع قضية المرأة.

كما تسعى ليلي أحمد في هذا الجزء إلى تتبع دور النساء في المجتمع ومدى تأثيرهن في مجرى التغيرات الاقتصادية والاجتماعية على مدار القرن العشرين. كما تتعقب نشأة الخطاب النسوي والذي أخذ ينمو من خلال مساهمات النساء في الكتابة الصحفية بل وفي نشأة الصحافة النسائية، ذلك إلى جانب إنشاء الاتحاد النسائي المصري. وتواصل ليلي أحمد تتبعها لنشاط المرأة المصرية السياسي مشيرة إلى الأدوار التي لعبتها كل من الأخوات المسلمات والتيار اليساري والتوجه الليبرالي.

وتختتم المؤلفة الجزء الثالث من الكتاب مشيرة إلى دور ثورة ١٩٥٢ في موقفها المعلن من المرأة سعيا وراء تحقيق العدالة الاجتماعية. وتتبع دور السياسات التعليمية وسياسات المساواة في إحداث تغيير وتوسع في أدوار النساء، وزيادة أعداد النساء المتعلمات، وما تبعها من تزايد في أعداد الملتحقات بالوظائف والعمل العام. ثم تعود فتتقصي الآثار المترتبة على الأحداث السياسية الكبرى وخاصة هزيمة عام 1967 وما تبعها من تراجع في سياسات الدولة الاشتراكية وتبني سياسة الانفتاح الاقتصادي بتداعياتها التي أثرت على شكل وزي ودور ووضع النساء في المجتمع. وتنهي المؤلفة هذا الجزء بعرض الخلفية الاجتماعية لمسألة عودة الحجابمع تحليل الأسس الاجتماعية والفكرية والسياسية لهذه الظاهرة.

وفي خاتمة الكتاب تؤكد ليلي أحمد أن النظام الاجتماعي السائد حتى أوائل القرن التاسع عشر كان يقوم على إخضاع النساء وتهميشهن. أما الخطاب المعاصر فهو كما ترى المؤلفة منغمس في خطاب الغرب الذي يمكن إرجاعه إلى تاريخ الاستعمار وخطاب الهيمنة، وهو ما ينطبق كذلك على دراسات المرأة العربية المسلمة في الغرب. حيث تشير إلى أن خطاب الاستعمار قد التقط لغة النسوية واستخدم موضوع وضع المرأة في المجتمعات الإسلامية كمبرر للهجمة الاستعمارية، بدعوى أن ثقافات الشعوب الخاضعة للاستعمار التي تمتهن المرأة تمثل مبررًا للسياسات الاستعمارية ضد الشرق الأوسط. وهكذا وظف الخطاب الاستعماري الذكوري قضية المرأة لخدمة أغراض سياسية خاصة. وحين تتحدث ليلي أحمد عن الدراسات الغربية حول المرأة المسلمة تعود فتؤكد أنها وريثة للخطاب الاستعماري وخاضعة له، فالبحث الغربي في موضوع المرأة والشرق الأوسط يتم في مجال من التحيزات المستمدة من خطاب الهيمنة.

تأليف: ليلي أحمد، ترجمة: مني إبراهيم وهالة كمال

Leila Ahmed, Women and Gender in Islam: Historical Roots of a Modern Debate. Yale University Press, 1992; American University in Cairo, 1993

* مدرسة مساعدة بكلية الآداب جامعة القاهرة. عضوة مؤسسة بملتقى المرأة والذاكرة. باحثة مهتمة بدراسات المرأة والدراسات الثقافية والكتابة النسائية.

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي