المنظمات السياسية النسائية في مرحلة الانتقال للديمقراطية: تقديم للحالتين الإسبانية والإيطالية

تاريخ النشر:

2008

اعداد بواسطة:

ترجمة:

المنظمات السياسية النسائية في مرحلة الانتقال للديمقراطية:

تقديم للحالتين الإسبانية والإيطالية

آنا براتا بربيرا

ترجمة: سونيا فريد*

التعريفات الضيقة للديمقراطية والسياسة والمواطنة ذات فائدة ضئيلة في فهم وضع الجندر في العملية الديمقراطية. الاهتمام بدراسة الحركات الاجتماعية الناشئة في جنوب أوروبا قبل الانتقال للديمقراطية وليس أثناءها أو بعدها يفيد كثيرًا في فهم دور المرأة في العمليات الديمقراطية في تلك المنطقة. رغم أن المرأة كانت جزءًا من الأحزاب السياسية والمؤسسات والحركات الاجتماعية قبل الإطاحة بالأنظمة غير الديمقراطية وأثناء نشأة الديمقراطية فإن وجودها لم يحظ باهتمام في التحليلات الأكاديمية. رغم أن وجود المرأة في المجال السياسي كان غير إداري بشكل كبير لكن مظالم المرأة كانت جزءًا من الخطاب والجدل الجاريين أثناء التحول للديمقراطية. أحدثت مشاركة المرأة فارقًا كبيرًا في نشأة الديمقراطية في جنوب أوروبا.

ستتم المقارنة بين إيطاليا وإسبانيا وهما دولتان في جنوب أوروبا حكمتهما أنظمة سلطوية والغالبية العظمى فيهما تدين بالكاثوليكية لكن نشأة الديمقراطية في كل منهما كانت في لحظة تاريخية مختلفة وسياق سياسي مختلف. شرعت إيطاليا في الديمقراطية في سياق ما بعد الحرب العالمية الثانية بينما اضطرت إسبانيا أن تنتظر حتى وصلت الموجة الديمقراطية الثالثة والتي نشأت في البرتغال على الجانب الآخر من شبه جزيرة أيبريا عام 1975(1). فارق توقيت العملية الديمقراطية في البلدين مهم جداً لفهم التجربة المنفردة لكل منهما فيما يتعلق بالطريق للديمقراطية ودور المرأة في العملية الديمقراطية. بالطبع الفروق في الاختلاط السياسي بين الرجل والمرأة في هذين البلدين هي نتيجة لعمليات الاختلاط العامة والتي كان للمدرسة والعمل والكنيسة دور حيوى فيها بصفتها مجالات اختلاط محورية قامت بتشكيل حدود ذلك التباين وحدود التفرقة بين الجنسين في ذلك الوقت في كل من المصلحة والوصول العالم السياسة. لكن سيتم التركيز هنا على التنظيم الجندري والسياسي في لحظتين مختلفتين في التحول للديمقراطية.

أريد التأكيد على أن التناقضات في التوقيت والأشكال التنظيمية والسياق السياسي المحلى والدولى تساعد على تفسير السمات المختلفة للتحول للديمقراطية ومشاركة المرأة في الحالتين. تم تشكيل السياق السياسي للانتقال الديمقراطي في إيطاليا بواسطة التكتل السياسي والسياق الدولى لأوروبا بعد الحرب والضغوط الدولية الواقعة عليها للتحول للديمقراطية، على عكس ذلك عاشت الحركة الديمقراطية في إسبانيا في خوف دائم من انقلاب عکسي مما دفع منظمات المرأة للعمل عن قرب مع الأحزاب السياسية التي كانت ديمقراطية لكن ليست نسوية بشكل معلن. ثلاثة عوامل تاريخية وتنظيمية كانت ذات فعالية: المراحل المختلفة للنسوية الدولية في لحظة الانتقال والراديكالية وهي المحرك الأكبر للحركة الإيطالية بسبب استراتيجيتها المعارضة والجدل في إسبانيا بشأن مسألة الإنتماء المزدوج.

المناخ في إيطاليا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وانتصار القوات الديمقراطية على القهر الشمولي أدى لتفضيل انتشار حقوق الأفراد. كما أشارت تيزيانا أجناتا دفعت المرأة ضريبة الحرب والمقاومة ضد الفاشية لكنها استفادت جزئياً فقط“.(2) لقد أعطى الدستور الجديد المرأة حقوق مواطنة كاملة لكن القانون الخاصأثبت أنه أكثر مقاومة للضغوط الديمقراطية. على الرغم من ذلك شمل حق التصويت المرأة في 31 يناير 1945 وتم استقباله كشيء لا مفر منه فلم يؤد لأي جدل شعبي وحتى الحملة المحيطة به لم تكن ذات تأثير قوی (3).

إن بدت التغيرات في مجال الحقوق السياسية في صالح المرأة في فترة ما بعد الحرب فلا يمكن تطبيق هذا على المجالات الأخرى. وفقاً لليزلي كالدويل فإن روايات المقاتلات في الأربعينيات والخمسينيات والستينيات والتي تم جمعها في مطلع الموجة النسوية الثانية كانت قد بدأت تلقى بضوه مختلف على الفشل الواضح في تحدٍ منظور وضع المرأة في الأسرة وطبيعة عمل المرأة في الأحزاب أثناء تلك العقود العصيبة (4)”. على سبيل المثال في النصف الثاني من الخمسينيات لعبت منظمات مثل اتحاد المرأة الإيطالية واتحاد العمال المسيحى الإيطالي دورًا أساسيًا بالنيابة عن النساء العاملات. في مجالات الصراع من أجل مشاركة المرأة للرجل والمساواة بينهما أمام القانون وفتح باب سوق العمل والتعليم أمامهن وحقوقهن في التملك وحقوقهن الرسمية على أولادهن، ظهرت بعض الاقتراحات في الستينيات وإن كانت القوانين المتعلقة بهذه الأمور تم سنها في السبعينيات (5).

الصفة المميزة للنسوية الإيطالية والتي ظهرت كحركة اجتماعية في السبيعينيات قد ترجع في أساسها لسرعة التغيرات الاجتماعية والاقتصادية في العقدين السابقين رغم أن بعض التطرف في الحركة قد يعود لـ التخلفالنسبي لوضع المرأة الإيطالية في بعض المجالات قبل السبعينيات مثل المعدلات المنخفضة للمشاركة في القوى العاملة الحديثة والقانون الجنائي الذي ظل يعرف الإجهاض على أنه جريمة ضد الجنس البشرى على سبيل المثال(6).” أحد العوامل الأخرى الحيوية في نمو الحركة النسوية كان اليسار المعارض حيث بدأ تشكيل الحركة وحيث اكتسبت المقاتلات فيها المهارات التنظيمية والثقة بالنفس (7).

حين ننتقل للحالة الإسبانية نجد أنه على الرغم من بعض أوجه التشابه بين الحركة النسوية الإسبانية والحركات الأخرى في أوروبا والولايات المتحدة فإن ظروف سياسية واجتماعية خاصة بإسبانيا ولدت بعض الصعوبات. من ناحية، كان على الحركة النسوية الناشئة في إسبانيا التعامل مع الواقع السياسي والقانوني والثقافي غير المحبب والتقليدي السائد خلال حكم فرانكو. من ناحية أخرى، ساعد الوضع على خلق شعور بالظلم المشترك والذي جعل النساء في منظمات المرأة يتحدن مع المنظمات الأخرى المناهضة للحكم الاستبدادي.

شهد عام 1975 نهاية ديكتاتورية فرانكو واحتفال الأمم المتحدة بعام المرأة العالمي. في ذلك العام، تم إنشاء العديد من الجماعات النسائية وأتاح عام المرأة العالمي الفرصة للتعبئة في مواجهة المظالم الموجودة بالفعل والمتعلقة بمشكلة عدم المساواة في فرص العمل (8). في ظل وجود فرص سياسية إيجابية على المستوى العالمي، بدأت المنظمات النسائية في إسبانيا تترجم إنجازات المرأة في غرب أوروبا لمطالب. لكن نظراً لنشأة حركات المرأة والمنظمات النسوية في إسبانيا في سياق مناهضة الاستبداد والتحول للديمقراطية تم اعتبار العديد من مظالم المرأة أقل إلحاحاً.” حتى بعد انتهاء نظام فرانكو السياسي شعرت المرأة في إسبانيا بضغوط شديدة للتعاون في الصراع السياسي العام من أجل الديمقراطية حيث إن هذا كان شرطًا أساسيًا لاستمرار الحركة النسوية (9). رأى المطالبون بالعملية الديمقراطية أن بدون الحصول على حقوق ديمقراطية أساسية محددة مثل تقنين الأحزاب السياسية وحرية الانتماء للمؤسسات والاتحادات النقابية الحرة والانتخابات لن تتمكن المنظمات النسوية من مجرد التفكير في خططها النسوية الخاصة بها.

أثناء الفترة الانتقالية، كانت الأحزاب السياسية محور السياسة الإسبانية. لذا بالنسبة لمناصرات حقوق المرأة أصبحت مسألة الانتماء المزدوج (أي المطالبة بالديمقراطية وحرية المرأة في الوقت نفسه) والعلاقة مع الأحزاب أكثر حيوية في إسبانيا من أي بلد آخر. أنشأ حزبا اليسار (الحزب الاشتراكي والحزب الشيوعي) قسمًا للمرأة حيث تتمكن النساء النشطات سياسيا من (أو يحاولن) استخدام الحزب كوسيلة لتحقيق خططهن النسوية (10). لكن ظلت عدة مؤسسات نسوية مستقلة بذاتها وأصبحت إحدى نقاط الخلاف المركزية بين ناشطات الحركات النسائية في إسبانيا هي ما إذا كانت العضوية في المؤسسات النسوية حصرية أم أن يمكن السياح بالعضوية في منظمات سياسية أخرى مثل اتحادات العمال أو الأحزاب السياسية (11).

أحد المعالم المهمة للعملية الديمقراطية الإسبانية هي فكرة سياسة الإجماع وهي نظرية سياسية تتلخص في أن الاعتدال هو الوسيلة الوحيدة للانتقال الناجح في إسبانيا. تأثرت الطموحات النسوية بهذه الظروف الخاصة بمرحلة الانتقال لكن هذا أيضًا أدى لتزايد الإحباط فيها يتعلق بالأحزاب السياسية. الخوف الدائم من وقوع انقلاب جعل الأحزاب المتصارعة تهمش مظالمها المتعلقة بالتغير الاجتماعي من أجل تحقيق هدفها المباشر وهو الديمقراطية (12). مسألة الأولويات النسوية أم الديمقراطية ومسألة الاستراتيجية أدت إلى تفكك وحدة الحركة النسوية والتي كانت هشة بالفعل، وقد ظهرت الأزمة بشكل واضح في استفتاء دستور عام 1978، واجهت ناشطات حقوق المرأة أزمة استراتيجية محددة: التصويت لدستور سيعزز الديمقراطية أو التصويت ضد دستور لم يذكر بشكل خاص. مطالب نسوية محددة مثل الحقوق الإنجابية. لكن ظل نشاط المرأة مهمًا في أثناء حركة التحول الديمقراطي. تم وضع معظم المظالم المتعلقة بشئون المرأة في إطار المنظمات النسوية المستقلة والتي من خلالها أصبحت هذه المظالم جزءًا من الأجندة السياسية، لكن لا يجب التغاضى عن عمل الناشطات النسويات المستقلات والنساء المنتميات للأحزاب السياسية خاصة فيما يتعلق بوضع الحركة النسوية في إطار مؤسسى (13).

في كل من إسبانيا وإيطاليا، بمجرد بدء الانتقال وإعادة تكوين الأحزاب السياسية ابتعد تركيز الناشطين عن المنظمات النسائية والحركات الاجتماعية بشكل عام واتجه أكثر للأشكال التقليدية للسياسة المؤسسية. لكن بعض الأزمات التي تعاملت معها المنظمات النسوية الإيطالية والإسبانية في فترة التحول الديمقراطي تتعلق بالأزمة النسوية السياسية الدائمة وهي الاستقلالية في مواجهة التبعية“. في المجتمعات التي مرت بانتقال ديمقراطي، إلى أى مدى يجب أن تعمل حركات المرأة في إطار السياسة المؤسسية والأحزاب السياسية وتعرض نفسها لمجازفة التبعية وفقدان الاستقلالية؟ أم يجب أن تبقى خارجية وتحافظ على استقلالها لكنها تعرض نفسها لمجازفة التهميش وفقدان التأثير في ظل انتقال السلطة للأحزاب السياسية؟

 

* مدرسة مساعدة بقسم اللغة الانجليزية، جامعة القاهرة.

1.لمقدمة عامه عن هذه الحقبة في التحول الديموقراطي، راجع

Samuel Huntington, The Third Wave of Democratization in the Twentieth Century. (Norman: University of Oklahoma Press , 1992).

2. Tizians Agmati. Politica al Femminile (Milamo: Guerini e Associate, 2001), 43.

3. لتحليل التوسع في حق الاقتراع في فتره ما بعد الحرب راجع

Miriam Mafai. L’apprendistato della Politica: La donne italiane nel doPoguerra (Rome: Esitori Rinuti, 1979). 60 خاصه صفحة

4. Leslie Caldwell, “Reproducers of the Nation: Women and the Family in Fascist Policy,” in Rethinking Italian Fascism: Capitalism, Populism, and Culture ed. David Forgacs (London: Lawrence and Wishart, 1986), 100.

5. المرجع السابق, ص 105

6. Grant Amyot, “Non-Parliamentary Opposition in Italy: The New Social Movements,” in Opposition in Western Europe ed. Eva Kolinsky (New York: St. Martin’s Press. 1997), 249.

7. المرجع السابق ص364-365

8. Francis Gardiner, “La Union Europea? Hada Madrina para las Mujeres?” in Mujeres en Politica es. Edurne Uriarte and Arantxa Elizondo (Barcelona: Editora (Ariel S.A., 1997), 249.

9. Gareldine M. Scanlon, “El Movimiento Fenimista en Espans . 1900-1985: Logros Y Dificuldades, “ in Participacion Politica de las mujeres CSI 109 ed. Judith Astelarra (Madrid: Siglo XXI de Espana Editores, 1990), 96.

10. Krestin Hamann. “Spain: Changing Party-Group Relations in a New Democracy.” In Political {arties and Interest Groups ed. Clive S, Thomas (Boulder, Colo.: Lynne Rienner Publishers, 2001), 175-91.

11. المرجع السابق ص 181

12. Scanlon, “El Movimiento Feminista en Espans, 1900-1985,” 97.

13. احد ابرز الأمثلة علي النسوية في إطار مؤسسي هو إنشاء

“Instituto de la Mujer”

وهو فرع من وزاره الثقافة في عام 1983.

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي