النساء والفضاء الخاص

التصنيفات: النظرية النسوية
طباعة: Promotion Team

رقم الايداع:

2003/12138

رقم العدد:

5

رقم الطبعة:

الأولى

تاريخ النشر:

2004

رئاسة التحرير:

افتتاحية

«لقد مالت النظريات التي كانت موجودة في مطلع القرن– والتي تمثل كتاباتها الأسس لمعظم التفكير الاجتماعي الحديث– بدون استثناء لافتراض أن مكان النساء هو البيت. وفي الحقيقة، فإن التعاليم الفيكتورية. حيث الانفصال بين فضاء الإناث وفضاء الذكور، كان لها في تقديری دوراً محوريًا في ما يتعلق بعلم الاجتماع. لقد أدرك بعض هؤلاء المفكرين أن النساء العصريات قد عانين من الربط بينه وبين الحياة المنزلية / الخاصة، لكن أيا منهم لم يتساءل عن مدى شيوع (أو ضرورة) الفصـل بين الأسرة والمجتمع» ( Rosaldo 1980).

يتطرق هذا العدد من مجلة «طيبة» لموضوع ندر تناوله في سياق الدراسات النسوية العربية وهو موضوع النساء والفضاء الخاص. فلطالما تناولت الأقلام والدراسات موضوعات تتعلق بعمل النساء والأدوار السياسية للنساء والحركات النسوية ودورها في النضال الوطني، دون مناقشة موضوعات خاصة بالمجال الخاص للنساء وعلاقته بالمجال العام، ومناقشة ما إذا كان من الممكن فصل المجالين عن بعضهما البعض. ويرى البعض أن هـذا قد يرجع إلى حساسية التطرق إلى الحياة الخاصة، حيث تشير بعض النتائج الأولية لبحث تحت النشر أجرته مؤسسة المرأة الجديدة، إلى إحجام الباحثات والباحثين في الجمعيات الأهلية عن مناقشة أي موضوعات تتعلق بالأسرة، دون الأخذ في الاعتبار أنه لا يمكن التركيز على الحصول على حقوق سياسية لا يتوفر لها المناخ المناسب في الحياة الأسرية، سواء بالنسبة للنساء أو بالنسبة للرجال.

ويعد كتاب لا عودة إلى الوراء: تاريخ النسوية مستقبل النساء الذي تعرض له في هذا العدد نولة درويش بداية جيدة لمناقشة العدد حيث تناقش فيه المؤلفة– استيل ب. فريدمان فكرة عدم إمكانية الفصل بين العام والخاص فيما يختص بحقوق النساء، حيث يؤدى الفصل إلى فقد النساء لكثير من الحقوق باعتبارها حقوق متعلقة بالحياة الخاصة تأتى في مرتبة تالية للحقوق والأدوار العامة. كما يتطرق الكتاب لدور الحركة النسوية على مر تاريخها في كسر الحاجز بين العام والخاص من أجل مزيد من الحقوق السياسية للنساء.

ثم ينتقل بنا كتاب رسم الحدود: تعريف النساء من خلال الممارسة النسوية، لكريسيد هيبزر، والذي تعرض له هالة كمال، إلى آفاق أرحب حيث يناقش بعض بعينهـا المفاهيم والممارسات النسوية من خلال فلسفة «نقد الجوهرية» لفيتجنشتاين ومنطق «انظر وتأمل» لنفس الفيلسوف، ومنها تصل المؤلفة إلى فضاءات نسوية تتخطى حدود العام والخاص، وتتشكـل بحسب الهدف الذي تسعى إليه مجموعة بعينها في لحظة تاريخية بعينها. ومن هنا تجد الكاتبة مساحة بينية أيضا بين كونها ناشطة نسوية وبين كونها دارسة للفلسفة، كما تجد مساحة أخرى يلتقى فيها العمل العام مع الأنشطة الأكاديمية.

وقد شجعتنا هذه الرؤية الفلسفية الرحبة إلى عرض هذا الكتاب الذي يتناسب وموضوع العدد الذي يدعو بدوره إلى مناقشة قضية جوهرية هي قضية العام والخاص وربط كل من المجالين بأحد طرفي النوع الاجتماعي.

ومن هذا المنطلق «ضد الجوهرى» يتم تقديم مقال كاثلين جيرسـون «الصعوبات التي يواجهها الآباء عند المشاركة في رعاية الأطفال» حيث يتعرض المقال لموضوع يغفل عنه الكثيرون عند الحديث عن الفضاء المنزلي، وهو الفضاء المنزلى للرجال، أي ما يختص بدور الرجال كآباء عليهم رعاية أطفالهم، والمعوقات التي تقف في طريق قيامهم بهذا الدور من حيث كونهم ذكورا يفترض فيهم عدم الرغبة في القيام بدور في تربية الأطفال. ومن المثير أن عينة الآباء الذين يتناولهم هذا الموضوع ينتمون إلى مجتمع غربي، مما يؤكد أن فكرة تقسيم الأدوار وتكريس الدور المنزلى ورعاية الأطفال للأم فقط، دون الأب، هي فكرة كونية لا تقتصر على مجتمع بعينه دون غيره.

ويعد مقال «((الفضاء المنزلى) للنساء وللرجال العالم العام: جوانب القوة والضعف لثنائية أنثروبولوجية» للويز لامفير إضافة جيدة لمناقشة هذا الموضوع، حيث تعمد لامفير في دراستها إلى أشكلة هذه الثنائية، ثنائية المجال العام والخاص، في محاولة لإثبات تعقيد هذه الإشكالية ودراسة كل جوانبها من منظور أنثروبولوجي يقوم على إعطاء نماذج لهذا التعقيد من مجتمعات مختلفة، ومناقشة الأصول التاريخية لهذه الثنائية وتطورها وتأتي أهمية مقال لامفيـر أيضًا نتيجة لقدرتها على نقد الذات ومراجعة فكرة الفصل والتخلى عنها بعد إثبات خطئها، مما يعطى بحثها مصداقية قد لا تتوفر لكثير من الأبحاث العلمية التي لا تمتلك مثل هذا القدر من الشجاعة الأدبية.

وتتصل دراسـة لامفير أيضًا بدراسة سينثيا نلسون عن «السياسة في الشئون العامة والخاصة في العالم الشرق أوسطى» لتدعم دراسة لامفير في عدم القدرة على الفصل بين العالمين، مستقية نماذجها التطبيقية من مجتمعات شرق أوسطية تتسم بالتقليدية. وتؤكد نلسون في دراستها على قدرة النساء في العالم العربي والإسلامي على لعب دور سیاسی خطير من خلال أدوارهن التقليدية مثل الضيافة والزواج وممارسة السحر. ولكن قد يرى البعض في النماذج التي ذكرها البحث للأدوار السياسية للنساء في مجتمعات تقليدية بعض المبالغة، حيث إن هذا الدور غير مباشـر، وقد يشير أحيانًا إلى عكس ما قد حاول البحث أن يثبته، أي عدم قدرة النساء على مباشرة دور سياسي واضح بطريقة مباشرة.. وبالتالي، الفصل بين ما هو عام / ذكوري وبين ما هو خاص / أنثوى. كما أن البحث يشير إلى حالات خاصة تقتصر على قلة نادرة من النساء دون غيرهن، مثل الساحرات، اللاتي يخشاهن الجميع من الرجال والنساء. أما فكرة سيطرة النساء على مقدرات المجتمع من خلال الانضباط أو عدم الانضباط في سلوكهن الجنسي، والتي يعتبرها البحث أحد مؤشرات تمكن النساء، فيمكن في نفس الوقت أن تخدم فكرة حق المجتمع كله في السيطرة على سلوك النساء الجنسي باعتباره أمرًا عامًا لا يقتصر حق التصرف فيه على المرأة وحدها، ولكنه ملك للجميع، حيث يقع ضرر التصرف الخاطئ فيه على الجميع. وبالتالي يمكن أن يبرر تصرفات خطيرة بحق النساء مثل جرائم الشرف.

وتنطلق دراسة «العلاقات بين الجنسين والميراث: الفرد والسلطة والملكية في فلسطين» لأنيليس مورس من علاقة بين التراث والواقع، فتؤكد الدراسة على أنه بالرغم من توفر بعض الحقوق للنساء في أموال الذكور، يوفرها لهن الشرع والقانون، إلا أن التطبيق على أرض الواقع في المجتمع الفلسطيني (وربما في غيره من المجتمعات الإسلامية) يختلف تمامًا، حيث إن العلاقة بين الجنسين والطبقة الاجتماعية هي المحددات الرئيسية لحصول النساء على حقوقهن أو عدم الحصول عليها.

أما كتاب قضايا المرأة المصرية بين التراث والواقع لعالمة الاجتماع الدكتورة علياء شكري، والذي تعرض له هند إبراهيم، فيقدم صورة مختلفة للنساء في مجتمعات مصرية متنوعة، منها الريفي والحضرى والبدوى. ويصل هذا البحث إلى نتائج تؤكد على أن النساء في مصر لا يحصلن على الحقوق التي كفلها لهن الدين الإسلامي والقوانين، حيث إن الأعراف والتقاليد تقف حائلاً بين النساء وحقوقهن. ومن المثير أن نلحظ هنا الفرق بين المحاولات الجاهدة لباحثة أجنبية، هي سينثيا نلسون، لأن تثبت تمتع النساء بأدوار اجتماعية وسياسية متميزة في مجتمعات عربية وإسلامية مختلفة وبين النتائج التي توصلت إليها علياء شكري من إجحاف بحقوق النساء التي كفلها لهن الدين والقانون. وربما يرجع هذا إلى حساسية وضع الباحثة الأنثروبولوجية الأجنبية في مجتمع عربی، حيث تتحرى إظهار الجوانب المضيئة في التقاليد والممارسات في المجتمعات التي تدرسها، بينما لا تجد الباحثة المصرية حرجا في إظهار العيوب والأخطاء في الممارسات نفسها. وننتهز هذه الفرصة للتنبيه إلى الحرص في التعامل مع البحث العلمي كحقائق تثبت صحتها، فمع كون البحثين دراستين مهمتين في مجالات دراسات المرأة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا، إلا أن هناك قدرًا كبيرًا من الذاتية التي تنبع من السياق الذي تعمل فيه الباحثة ومن اختياراتها الشخصية.

ويأتي تقرير هانية الشلقامي ليتناول جانبا آخر من جوانب المناقشة حول ثنائية العام والخاص بالنسبة للنساء، وهو جانب دور الدولة في التعامل مع هذه الثنائية. وتحذر الشلقامي في تقريرها من تبنى الدولة لبعض الأفكار التراثية التقليدية عن النساء. ومن ثم يثبت التقرير من خلال استخدام مناهج بحثية متنوعة أن الدولة تتعامل مع منطلق كونهن أمهات وزوجات يعولهن الذكور، بغض النظر عن الأوضاع الاجتماعية المتغيرة، والتي تقوم فيها النساء بإعالة أنفسهن وعائلاتهن أيضًا. وتخلص هانية إلى أهمية أن تتعامل الدولة مع بوصفهن مواطنات، يتمتعن بكافة حقوق المواطنة التي يتمتع بها الرجال، دون تمييز يقوم على افتراض التبعية المادية للنساء، أو بتقسيم تقليدي للأدوار داخل وخارج المنزل، لا ينبغي على الدولة، التي يفترض فيها أن ترعى الجميع، أن تسير على نهجه.

وفي دراسة شيقة للعلاقة بين الشباب من الجنسين في المجتمعين المصرى والإماراتي، تؤكد فرانسيس هصو على دور العولمة في لجوء الشباب من الجنسين إلى أشكال عرفية للزواج لم تكن منتشرة من قبل، فيما يشير إلى تأثير العام / الكوني على الخاص / شديد الحميمية. وترى هصو أنه بالإضافة إلى التبعات الاقتصادية والسلبية للعولمة، فهي ذات أبعاد إجتماعية أيضًا من شأنها التأثير على المؤسسات الاجتماعية شديدة التقليدية والثبات مثل مؤسسة الزواج.

ويغري موضوع العدد النساء والفضاء الخاصبالقيام بدراسات تتناول أعمالاً أدبية يكون للفضاء الخاص فيها دور مميز، قد يطغى أحيانًا على العام، وقد يكون مدخلا له. وهذا هو الحال في دراسة إليزابيث بيشوب عن رواية خارطة الحب لأهداف سويف، حيث ترتبط الأمومة وميراث الأمهات والجدات بتاريخ الأمة وأحداثها السياسية الكبرى. بل وتؤكد بيشوب في قراءتها للرواية أن النساء يلعبن دورًا أساسيًا ومؤثراً في كتابة تاريخ مصر المعاصرة. أما في دراسة يسرى مصطفى، «البيت.. بين القهر والألفة» فهو يتناول البيت كحيز خاص وحميمي في روايتين لكاتبتين مصريتين هما سحر الموجي في رواية دارية وابتهال سالم في رواية نوافذ زرقاء. ولكن تلك الدراسة المقارنة تؤكد على أن هذا الحيز الخاص قد يكون سجنا ورمزا للقهر بالنسبة للمرأة كما هو الحال في رواية دارية وقد يكون حصن الأمان الذي تحاول المرأة الركون إليه والاحتماء به، كما هو الحال في رواية نوافذ زرقاء. ولكن تشترك الروايتان في أن البيت لم يوفر لأي منهما ما تصبو إليه من حرية واحتواء، وإنما توفرت هذه الميزة للقلم الذي خرج بهما من حصار الجدران.

وكما أن للأدب نصيبًا في هذا العدد، فللتاريخ أيضًا نصيب، ليس فقط في باب الوثائق وإنما أيضا في دراسة مهمة كتبتها حنان خلوصى حول «النوع الاجتماعي وسياسات الزواج في مصر في بدايات القرن العشرين» وفيها تتخذ خلوصى من الزواج نموذجا لارتباط العام بالخاص في مجال السياسة والوطنية في مصر في بدايات القرن العشرين، حيث دلت المناقشات حول اختيار الأزواج والزوجات وتأخر سن الزواج في الصحف المصرية في ذلك الوقت على أهمية الأفكار حول الزواج في تطور المجتمع المصرى وتحديثه، ومن ثم على قدرته على التحرر من الاستعمار الإنجليزي. كما دلت كتابات النساء في تلك الموضوعات على وعى النساء السياسي والوطني الذي لا ينفصل عن وعيهن الاجتماعي، مما ينفى عن النساء انفصالهن التام عن القضايا الوطنية والسياسية واقتصار اهتماماتهن على كل ما هو أسرى ومنزلى.

وفي قسم الوثائق تعرض عزه عبد الله لمجموعة من الوثائق تتناول محددات الزواج عند الحكيمات في القرن التاسع عشر، مؤكدة على تدخل الحكومة في حياة الحكيمة سواء المهنية أو الأسرية إلى حد إجبارهـا على الزواج من شخص يعمل في مهنة حكومية، يفضـل أن تكون طبية، وما يتضمنه هذا من تمييز ضد النساء في بدايات خروجهن للمجال العام، حيث لا يوجد دليل يدل على أنها تفرض على الرجال الذين يشغلون المهنة نفسها قيودًا تتعلق باختيار شريكات حياتهم. بل ونرى في الوثائق أيضا دليلاً سافراً على تهميش عمـل النساء في ذلك الوقت من قبل الحكومة حيث كان من الممكن أن يتم فصل الحكيمة من وظيفتها الحكومية بسبب أنها متزوجة– أي تجد من يعولها– وتشغيل غير المتزوجة بدلا منها، حيث هي الأولى بالدخل الحكومي الذي توفره الوظيفة.

وفي النهاية نرجو أن يجد كل قارئ في تنوع مواد هذا العدد ما يوفر له رؤية متعددة الجوانب لموضوع ذي أهمية كبيرة، وإن تم إغفاله كثيراً. كما نرجو أن يشجع التنوع وتعدد المجالات التي تتناولها الأبحاث مزيدًا من الباحثين في شتى المجالات والتخصصات على الكتابة لـ «طيبة».

مقالات الاعداد

البيت.. بين القهر والألفة
سرديات الزواج والجنسانية والجسد / الذات في مصر والإمارات
التأمين والرعاية الاجتماعية للنساء العربيات
« الفضاء المنزلي» للنساء.. أما الرجال فلهم العالم العام
السياسة في الشئون العامة والخاصة: النساء في العالم الشرق أوسطي
العلاقات بين الجنسين والميراث: الفرد والسلطة والمِلكية في فلسطين
الصعوبات التي يواجها الآباء عند المشاركة في رعاية الأبناء
لا عودة إلى الخلف.. تاريخ النسوية ومستقبل النساء
رسم الحدود: الفلسفة والنسوية
الحديث عن ثورة النوع الاجتماعي وسياسات الزواج في مصر في بدايات القرن العشرين
قضايا المرأة المصرية بين التراث والواقع
الموروثات الأمومية
محددات الزواج عند الحكيمات في القرن التاسع عشر
شارك:

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي