النساء وسياسات الهوية

تاريخ النشر:

2002

النساء وسياسات الهوية: منظور نظري ومقارن

فالنتين مجدم

بزوغ الثقافة في السياسة والنظرية

بزغت في جميع أنحاء العالم بقوة خلال عقد الثمانينات من القرن العشرين خطابات وحركات تركز على قضايا الهوية. وقد احتلت مسائل الهوية الثقافية، والدينية، والقومية، واللغوية، والجنسية موقعًا مركزيًا، مزيحة مسائل العدالة الاقتصادية إلى الخلفية مؤقتًا. وقد شكلت موضوعات الإحياء الثقافي، والتحرر الوطني، والأصولية الدينيةوالتأكيد على الهوية الجنسية بعضا من أبرز الحركات السياسية والاجتماعية وأعلاها صوتًا في التاريخ الحديث. إن ظاهرة تشكيل الهوية ليست ظاهرة فريدة في أي منطقة جغرافية بعينها. إن تسييس الهوية الإسلامية والإحياء الثقافي في جنوب آسيا مثل تحويل الهندوسية إلى أيديولوجية اجتماعية في الهند، والصراع العرقي في سيريلانكا هي أكثر أنواع سياسات الهوية حساسية، كما ينطوي الشكل الأخير بكل تأكيد على مزيد من العنف. لكن الانشغال بالهوية القومية والثقافية ولعرقية ليست أمورًا مقصورة على بلدان العالم الثالث، ويبدو أن هذا الاهتمام قد امتد إلى عقد التسعينيات. فقد برزت في عشية سقوط الشيوعية في أوروبا الشرقية والاتحاد السوفييتي حركات سياسية ثقافية من كل الأنواع، قامت بتحطيم أشكال التضامن السابقة وبإعادة تحديد الهوية الجمعية والحدود الفاصلة بين الجماعات، ويعد ما حدث في يوغوسلافيا السابقة من أشد المآسي عنفًا. أما في أوروبا الغربية، فقد أثارت عمليتا الهجرة وتوطيد أواصر الاتحاد الأوروبي أسئلة ملحة حول الهوية القومية. وشكلت قضايا الهوية العرقية، والحقوق الثقافية، والتمييز بين الجنسين المصحوبة أحيانًا بجدل بلاغي حول الاختلافات دافعًا لبعض دول أوروبا الغربية كي تبلور سياسات اجتماعية وتعليمية من مدخل متعدد الثقافات“. وقد نبع هذا الاتجاه انطلاقًا من فكرة أن الناس أفراد في جماعات متنوعة، وأن عبارة نحنالتي تشير إلى سمة كونية ليست سوى صورة خيالية. كما حل التركيز على الهوية العرقية والحقوق الثقافية في بعض الخطابات والحركات الجديدة محل الاهتمام بالمسالة الطبقية. وقد احتل الآن الخطاب الذي يشير إلى السمات القوميةو النفسية القوميةالنطاق السياسي بأكمله، وهو الخطاب الذي ارتبط فيما مضى بالاتجاهات اليمينية. ففي بريطانيا، دعم الاشتراكيون مطالب المسلمين بفتح مدارس دينية تمولها الدولة بدلاً من التمسك بعلمنة النظام التعليمي. وبينما كان التحول الاشتراكي في وسائل الإنتاج هو الخط الفاصل بين اليسار واليمين في الغرب في فترة ما، صار الخط الفاصل الآن هو التعددية الثقافية في مناهج الجامعات والمدارس. ويبدو أن الحركة العمالية قد صارت من أمور الماضي، وحلت محلها حركات اجتماعية متعددة، يتمحور الكثير منها حول قضايا الهوية (1).

وقد حدثت تطورات موازية في مجال العلوم الاجتماعية والدراسات الإنسانية حيث تزايُد الاهتمام بقضايا الثقافة والهوية. إن الثقافة والاقتصاد ونظام الحكم هي ثلاثة أبعاد أساسية تؤخذ في الاعتبار عند تقييم الواقع الاجتماعي. يشير مخرجي Mukherjee إلى أن الثقافة في خمسينيات وستينيات القرن العشرين كانت تعامل باعتبارها متغيرًا تابعًا، من المفترض أن يتغير وفقًا لما ينجم عن حركة المتغير الثابت المتمثل في الاقتصاد، والمتغير المصاحب وهو نظام الحكم الديموقراطي (٢).

وبالإضافة إلى انطونيو جرامشي Antonio Gramsci، ومنظري مدرسة فرانكفورت, وريموند ويليامز Raymond Williams، ولويس آلتوسر Louis Althusser اعتبر العديد من الماركسيين أن الثقافة أمر مشتق، أو بنية فوقية تعد انعكاسًا للقاعدة. ويرى هؤلاء الماركسيون أن القاعدة والبنية الفوقية التي تفرزها تتفقان مع أسلوب الإنتاج السائد. على أي حال كانت هناك استخدامات بديلة للثقافة. تعامل كثير من منظري الدراسات التنموية مع الثقافةباعتبارها المرادف للمجتمع التقليدي، واضعين المجتمع الحديثبكل ما فيه من اقتصاد ديناميكي ونظام حكم ديموقراطي في مقابل المجتمع التقليديالمستند إلى حد بعيد على الثقافة، والتقاليد والسلطة, والذي يتسم اقتصاده بالركود والخمول. وقد قارن الأنثروبولوجي لويس ديمونت Louis Dumont بين القيم الهندية والغربية، وصنف المجتمع الهندي بناء على مقارنته على أنه مجتمع يقوم على التراتبية، بينما يصف المجتمع الغربي باعتباره مجتمعا يقوم على المساواة” (3). ويبدو إن مثل هذا التركيز على القيم والنظرة إلى الثقافة باعتبارها أمر ثابت يؤدي إلى تجنب التناقض والتغيير.

لقد خضع تصور الحديث / التقليدي للمراجعة في نهاية الستينيات وخلال السبعينيات، أساسًا كنتيجة للتحدي الذي طرحته مدرسة التبعية على الدراسات التنموية. لم تعد الثقافة أمرًا يخص المجتمعات النامية، بل صارت مفهومًا مفيدًا للمجتمعات الصناعية أيضًا، وأصبحت تحتل مرتبة المتغير المتدخلأي الذي يؤثر وجوده على النتائج. من هذا المنظور الجديد، لم تعد الثقافة مجرد ناتج، بل هي عملية ديناميكية. بحلول الثمانينيات اشتد الاهتمام بالثقافة، وانتشر التحليل الثقافي في كل التخصصات، وغدا التحليل الثقافي مجالاً بارزًا الآن في علم الاجتماع. رغم وجود تاريخ ثقافي أسبق يرتبط بأسماء علماء اجتماع مثل تالكوت بارسونز Talcott Parsons، وروبرت بيللا Robert Bellah، وعالم الأنثروبولوجي كليفورد جيرتز 1. وما على المرء إلا أن يتذكر الكتابات المبكرة لعلم الاجتماع السياسي حول الثقافة السياسية، وكتابات ماكس فيبر Max Weber عن البروتستانتية والرأسمالية، ومقترحات إميل دوركايم Emile Durkheim للتصنيف الاجتماعي ودراساته عن الحياة الدينية. هذه الأمثلة تجعلنا ندرك دورية اهتمام العلوم الاجتماعية بالثقافة، وهو الاهتمام الذي يتجلى في تحول علماء الاجتماع حاليًا (أو بالأحرى عودتهم) إلى التحليل الثقافي، وهم الذين طالما اعتبروا الثقافة مجالاً من مجالات علم الأنثروبولوجي. وفي هذا الإطار يعيد البعض إحياء آراء بارسونز التي تنظر إلى الثقافة كمفهوم مركزي ضروري لتفسير الاستمرارية والتماسك، والتغير في النظام الاجتماعي. وتظل الثقافةمصطلحًا مفاهيميًا غامضًا، يصعب تحليله إجرائيًا، وله عدد من الاستخدامات، مثل الثقافة كقيم مشتركة؛ والثقافة كممارسات شعبية؛ والثقافة كمنتجات فنية. والأكثر من ذلك، كيف يمكن للمرء التوفيق بين الثقافة العامةوتعدد الثقافات؟ ويبدو أن التحليل الثقافي كأسلوب لطرح الأسئلة في العلوم الاجتماعية ما زال في طور النمو. يرى أحد علماء التاريخ أنه يصعب عدم الانبهار بإحلال مفهوم الثقافةبدلاً من مفاهيمالمجتمعأو الاقتصادفي الخطاب الراهن. ويصدق هذا التحول على علماء التاريخ بقدر ما يصدق على علماء الاجتماع والعلوم السياسية(4).

إن إحياء التحليل الثقافي يعكس جزئيًا تأثير منهج البحث التفسيري ومدخل تحليل الخطاب؛ لكنه يشير أيضًا إلى تزايد معتنقي نظريات ما بعد الحداثة وما بعد البنيوية في الأوساط الأكاديمية، وهم الذين ينتقدون النزعة الإنتاجية أو الاقتصادية خاصة في الماركسية.(5) وتؤكد كتابات معتنقي ما بعد البنيوية على أهمية دور الثقافة في تقييم الواقع الاجتماعي.(6) وقد شملت مجالات البحث الجديدة دراسة علاقات القوى، وكيفية بناء مفاهيم النوع والعرق، وتلك الهويات المتنافسة والمتعددة المتعلقة بالقومية والعرقية والنوع والطبقية والعنصرية(7)

الافتراض الأساسي هو أن الهويات ليست مشتركة، بل هي في علاقة تنافسية. ويمكن للدولة والقوى الاجتماعية الرامية إلى تمثيل تلك الهويات التلاعب بالانتماءات المتصارعة. ويرفض التحليل الثقافي الجديد تركيز الماركسية على المحددات الاقتصادية لتشكيل الهوية، بل يرى أن الهوية تبنى تاريخيًا وبطريقة غير مباشرة، وأن لها شكلاً هلامياً غير مبني على أسس راسخة. يمكن للدولة أيضًا أن تشكل الهويات الثقافية (8).

ويؤكد المنظرون الإسلاميون والغربيون الآن على دور الثقافة في تشكيل السياسة والسلطة والنظم الاقتصادية، فيما يعد تقاربًا مدهشًا في المفاهيم(9). قد يعود التركيز على دور الثقافة إلى الرغبة في التغلب على بعض الأمور الحتمية المرتبطة بالتحليل الاجتماعي والاقتصادي(١٠)، لكنها اكتسبت ثقلاً خاصًا بها، ذا صبغة مادية، حتى أصبحت شبه مقدسة منذ النصف الثاني من الثمانينيات.

هناك اتجاه واسع النطاق للنظر إلى الأصولية على أنها التعبير السائد عن الثقافة بوصفها متغير مستقل من المفترض أنه يتقاطع مع الاقتصاديات الوطنية والحدود القومية للدول. تميل الحركات الأصولية إلى التركيز على القضايا الثقافية: الدين، واللغة، والهوية العرقية، لكنها تركز أيضًا على النوع الاجتماعي والأسرة، وعلى وضع المرأة. ويرفض الأصوليون غير الغربيين التشبه بالغرب لكن ليس بالضرورة التحديث – باعتباره غريبًا ثقافيًا وغير ملائم. ويتم تقديم صورة الحضارة الغربية كعدو للثقافة والهوية الإسلامية. تلقى بعض الأفكار والممارسات المعينة المرتبطة بالثقافة الغربية معارضة شديدة، وترسم صورة مغرضة للثقافة الغربية المنحلة، تتكون من عناصر ثلاثة: البغاء، والمواد الإباحية، والعلاقات الجنسية خارج إطار الشرعية، وتلاحظ عائشة إمام في مقالها الوارد في هذا الكتاب أن الإسلاميين في نيجيريا يرفضون القانون العلماني بحجة أنه قانون مسيحي. إن الهوية تقع في موقع القلب من تلك الحركات.

لكن هل الهوية الثقافية هي السبيل الوحيد لفهم وتفسير تلك الحركات؟ لقد سعى بعض المحللين في مجال دراسات الشرق الأوسط (ومنهم كاتبة هذه السطور) وطلاب من جنوب آسيا لدحض الفكرة القائلة بأن الثقافة” – وبالتالي الدين” – أمر أساسي لتفسير كل من الثبات والتغير. وهم في تحليلهم يوضحون بروز المداخلالنظرية الأخرى: الدولة، والعلاقات الطبقية، ونظم الإنتاج، وديناميكيات النظام العالمي.(11) وفي سياق بزوغ الحركات الأصولية وحركات المجتمعات المحلية، لا مفر من التساؤل عن كيفية تحول الثقافة والهوية الجمعية إلى إشكالية. وقد اقترح روبرت واثناو Robert Wuthnow إطارًا لتحليل الحركات الأيديولوجية التي تدعو إلى إعادة بناء النظام الأخلاقي الذي لحقه التقويض أو التغيير. ويربط إطاره بين الحركات الأيديولوجية وديناميكيات النظام العالمي، التي تدور حول التحولات التي طرأت على العلاقات بين المركز والأطراف، وتغير أوضاع النخبة في الأطراف. تحدث حركات إعادة إحياء لأيديولوجيات عندما يتيح التوسع في تطبيق النظام العالمي لأفراد النخبة في المناطق الطرفية اختيارات جديدة تقودهم إلى إعادة تحديد علاقاتهم بالأفراد الذين لا ينتمون للنخبة، الأمر لذي يخلق بين هؤلاء شعورًا بالقلق فيبذلون جهدهم لاستعادة النظام الأخلاقي القديم(١٢).

أما الفصل الذي كتبته جوان سميث Joan Smith فيقدم لنا إطارًا تحليليًا للنظم العالمية يفسر بزوغ سياسات الهوية ومكان النوع في عملية إعادة بناء الانتماء إلى شعب ما. وتلاحظ سميث أن نظرية النظم العالمية يمكن أن تفسر مشروع عولمة الرأسمالية والفروق الشاسعة التي نتجت عن ذلك. ثم تقدم مفهوم الأسرة كنتاج تاريخي للرأسمالية، وكمجموعة من العلاقات متأثرة بالنوع، وكموضع لمعارضة الدولة والنظام الاقتصادي وهي نظرية الحركات المضادة للشموليةالتي وضعها إمانويل فالرشتاين Immanuel Wallerstein ورفاقه.

يقدم منظور النظم العالمية نقطة بدء نظرية نافعة. وتوضح فصول هذا الكتاب أن الثقافة تخفي أكثر مما تظهر، وتدعي أن لها حقوقًا على الناس خاصة النساء، وإن كان لهم حقوقًا عليها. وتقدم فصول الكتاب أيضًا مادة غنية يمكن بفضلها تحديد العملية التي يبدو أنها أدت إلى الاهتمام المتزايد بالأمور المتعلقة بالثقافة والهوية. إن التقييم المقارن لدراسات الحالة التي تقدمها فصول الكتاب ترجح بأن ما هو ثقافي لا يمكن فهمه على نحو ملائم خارج علاقته بما هو سياسي، وخاصة علاقته بما هو اقتصادي. ولا يمكن أيضًا استبعاد الصراع الطبقي كأداة تحليلية ومتغير تفسيري. وسوف أقدم تلك العمليات مرتبة ترتيبًا متسلسلاً قمت بوضعه في محاولة لتناول تعقد تشكيل وتسييس الهوية على المستوى الاجتماعي الكلي في نهايات القرن العشرين.

1 – إن تدويل رأس المال نشر التصنيع في كل أنحاء العالم، وتدفق العمالة ورأس المال، واتساع نطاق التجارة والاتصالات لتشمل العالم بأسره قد أدى إلى نوع من التجانس في الثقافة والسياسات. ينعكس ذلك في انتشار الولع بموسيقى الروك أند رول، وبالكوكاكولا، والجينز، والتليفزيون الأمريكي. كما يمكن أن يحدث الانتشار الثقافيبطريقة قسرية، كما في حالة فرض إذاعة مارتي على كوبا.

۲ تنعكس الثقافة والسياسات الكونية في انتشار الخطابات السياسية والحركات والمؤسسات التي ينظر إليها خطأ على أنها غربية الطابع وهي تلك المؤسسات التي تعني بقضايا حقوق الإنسان، وحقوق النساء، والمساواة، وحق تقرير المصير، والحركات الاجتماعية، والنظام البرلماني، والاشتراكية، والنظام الديموقراطي، والخصخصة. إن هذه الخطابات والمؤسسات لا تخص منطقة جغرافية ولا ثقافة بعينها دون غيرها. وبالمثل، تقبل معظم الدول الأعضاء في الأمم المتحدة القانون الدولي والإعلانات العالميةالمختلفة الصادرة من الأمم المتحدة وتصدق عليها، حتى لو لم تلتزم بها بشكل منسجم.

3 – لكن عملية العولمة الاقتصادية ينقصها بشدة العدل والمساواة. فبعض المناطق تستفيد من التراكم الرأسمالي أكثر من غيرها، وتمتلك قدرة التحكم في الموارد على نحو أكبر، ومزايا التطور الاقتصادي لم تصل إلى كل المجتمعات والسكان على مستوى العالم، وتميزت عملية توزيع الموارد والثروة بعدم المساواة على نحو صارخ. وقد أدى ذلك في السبعينيات إلى بروز الدعوة إلى النظام الاقتصادي الدولي الجديد، وعقدت الأمم المتحدة عدد من المؤتمرات، وتم نشر العديد من الكتابات التي قدمت اقتراحات حول إمكانية نقل بعض الفائض من ثروات وموارد الشمال إلى الجنوب.

4 – كان للمثل الذي ضربته الثورة الإيرانية (١٩٧٨ ١٩٧٩) أثر عميق، فقد أظهرت هذه الثورة أن توحيد قوى المعارضة يمكن أن يطيح بالدول القوية، وهو درس حفظه أهل شرق أوروبا عن ظهر قلب بلا ريب، وشجع ذلك تطور حركات الإسلام السياسي في بلدان أخرى.

5 – مع استمرار تركز الثروة في الشمال والفقر في الجنوب، (بل أيضًا شهدت ثمانينات القرن العشرين حركة عكسية لنقل الفائض من الجنوب إلى الشمال في إطار عملية تسديد فوائد الديون). وتحول انتباه النخب والمثقفين في الجنوب إلى شكل آخر من أشكال تحكم الشمال في الجنوب متمثلاً في التحكم في المعلومات، والاتصالات، ووسائل الإعلام. أدى هذا إلى خروج نداءات من البلدان النامية من أجل نظام معلومات عالمي جديد، قوبلت بمعارضة شديدة من الغرب. وفي تلك الفترة وصل الحوار بين الشمال والجنوب إلى طريق مسدود.

6 – كذلك لا يتم توزيع الموارد الاقتصادية والسلطة السياسية توزيعًا عادلاً متساويًا داخل كل بلد على حدة. وعادة ما يقرر من يملكون أو يتحكمون في الموارد الاقتصادية والسياسية ما هو رأس المال الثقافيو رأس المال الرمزيالملائم. وقد يأتي التغير في العالم الثقافي على نحو فجائي، خاصة من خلال وسائل الإعلام، مما يخلق شيئًا من عدم الانسجام.

7 – وعند نقطة معينة، تتصادم المثالب الاقتصادية مع التغيرات الثقافية، فيؤدي ذلك إلى استياء ورفض المجموعات التي أصابها الضرر والضعف لتلك التغييرات الثقافية بل ومقاومتها. وتنشب صراعات من أجل توزيع أكثر إنصافًا، أو من أجل تحول تام في موازين القوى الاقتصادية والسياسية.

8 – وقد تقوم المجموعات التي أصابها الضرر والوهن باسترجاع بعض مكونات مخزونها الثقافي، أو تستخدم مواردها الثقافية لتعبئة وتنظيم المعارضة وخلق حركة. وقد تكون لغة المعارضة المستمدة من الثقافة على نحو أقوى حتى وإن كان الدافع والسبب وراء المعارضة هو الضرر الاقتصادي والاجتماعي.

9 – وقد تستعرض النخبة السياسية أيضًا الموارد والبلاغيات الثقافية للحفاظ على وضعها وإكسابه شرعية. وقد يعتمد أفرادها على الثقافة، أو السلطة، أو ما يدعون أنه القيم الأصيلة للثقافة لتبرير أفعالهم. وقد يتحولون إلى المسائل الثقافية (الدين، والأخلاقيات، ومظهر النساء، والإمبريالية الثقافية) لتشتيت الانتباه بعيدًا عن الفشل الاقتصادي وانعدام العدالة الاجتماعية.

10 – تؤدي تلك الأنشطة والخطابات إلى الدعوة إلى إعادة التأكيد على الثقافة، وبذلك تتحرك عملية تشكيل الهوية قدمًا.

وهكذا نجد أن إعادة تأكيد الهوية وحركات الإحياء الثقافي تعكس التبعية المتبادلة بين ما هو اقتصادي وثقافي وسياسي؛ كما ينبغي النظر إلى ذلك في السياقين القومي والدولي. علاوة على ذلك، تكشف مثل هذه الحركات التنافس بين المجموعات الاجتماعية والطبقات على الموارد الاقتصادية والسلطة السياسية. وقد لاحظ تشارلز تيللي Charles Tilly، أن المتنافسين الذين يتهددهم خطر ضياع مكانهم في نظام الحكم يميلون إلى القيام بحركات جماعية على سبيل رد الفعل، وغالبًا ما تأخذ تلك الحركات أشكالاً تشمل المجتمع المحلي کله(۱۳). قد تنخرط النخبة أحيانا في إثارة مسألة هوية الجماعات، وفي أحيان أخرى يكون الدافع إلى إثارة مسألة الهوية هو رغبة الجماعات المهمشة أو التي تدهورت أوضاعها الاجتماعية في البحث عن مكانة. وأخيرًا، فإن ما سبق يوحي بشدة بوجود علاقة بين الإحباط الناتج عن قسوة النظام الاقتصادي العالمي والنظم المحلية في التراكم والتوزيع، وبين تحول التركيز من الجانب الاقتصادي إلى الجانب الثقافي، ومن مفهوم الاستغلال إلى مفهوم الهوية. لقد اتبعنا في هذا الكتاب التصور البحثي الذي اقترحه مخرجي حيث وحدة التحليل هي النظام العالمي، وتحدد بالأقاليم الجغرافية الخاضعة للهويات المزعومة لمختلف الحضارات، وحيث أصغر وحدة تخضع للدراسة في كل إقليم من تلك الأقاليم على حدة هي دولة قومية. لذا سأكرس القسم التالي لمجموعة من القضايا المتعلقة ببروز حركات الإسلام السياسي في الشرق الأوسط، والتي نعتبرها هنا نوعًا خاصًا من سياسات الهوية (14)

واتساقًا مع الإطار الموضح أعلاه. أود أن أشرح أسباب قيام تلك الحركات، مع بعض الملاحظات حول البعد الخاص بالنوع الاجتماعي (الجندر)، وإن كانت مسألة النوع ستناقش بشكل أعمق فيما بعد. كما سنرى يندرج تحت هذا الإطار كل من البعد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، كما يشمل العمليات التاريخية والتطورات المعاصرة، ووضع حركات الإسلام السياسي بشكل متوازن داخل النظام العالمي.

 

1 – بزغت حركات الإسلام السياسي في إطار أزمة طاحنة ألمت بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأثرت في اقتصاد تلك المنطقة، النفطي وغير النفطي على حد سواء، ولم يؤدي التحديث حتى الآن إلا إلى تحقيق منجزات غير متوازنة، ذلك أنه جاء نتيجة ظهور سلعة وحيدة باهظة الثمن. لقد ازداد التوتر في المنطقة منذ أواخر السبعينيات نتيجة لتزايد الديون، وتفشي البطالة، وتذبذب أسعار البترول، وفرض تدابير التقشف في الثمانينات. وقد ارتبط كل ذلك بعملية التكييف الهيكلي التي شملت العالم كله، وبالتدهور الاقتصادي والاجتماعي في الثمانينات، وهبوط سعر البترول في السوق العالمي، مما كان له أسوأ الأثر على مستوى المعيشة في المنطقة.

۲ على المستوى السياسي، تتميز المنطقة بوجود دول ذات نظام أبوي جديد “(١٥) أخمد صوت الاتجاهات اليسارية والقوى الليبرالية، بينما شجع المؤسسات الدينية في بحثها عن الشرعية. إن النزعة التسلطية وفشل التنمية ينزع المشروعية عن البرامج السياسية والاقتصادية الموجودة. (تراجع الإشارات إلى إخفاقات نظام الحزب الأوحد في كل من الفصلين الخاصين ببافون Baffoun بوتا Bouatta وشريفاتي مرابطين Cherifati -Merabtine)

3 – أما على المستوى الاجتماعي، فإن علاقات الإنتاج الاشتراكية ليست سائدة في كافة أقطار الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فكما هو الحال في العديد من البلدان النامية توجد بالتوازي مع أنماط الإنتاج الرأسمالية أنماط إنتاج ما قبل الرأسمالية. ويصحب كل من تلك الأنماط صيغ اجتماعية وأيديولوجية، وأنماط وعي تتناسب معها. يؤدي ذلك إلى تعايش غير مريح بين الطبقات الاجتماعية الجديدة والطبقات التقليدية. فمن جهة توجد الشريحة العليا من الطبقة الوسطى المتشبهة بالغرب، ومن جهة أخرى توجد البرجوازية الصغيرة التقليدية التي تنتظم حركتها حول السوق الشرقي (البازار) والمسجد. هذا وما زالت العلاقات المجتمعية التقليدية منتشرة في العديد من البلدان. توجد في جميع المناطق الحضرية أعداد كبيرة من العاملين خارج سوق العمل الرسمي، يتوزعون ما بين فقراء الحضر، والأميين.

4- هناك أيضًا زيادة وإن كانت محدودة – في تعليم وعمل النساء، وذلك بفعل وجود دول صاعدة، الأمر الذي شكل تحديًا للنظام الأبوي في العلاقات بين الجنسين وأضعف شوكته. وقد تضاربت تلك التطورات مع مكانة رجال البرجوازية الصغيرة وسببت لهم قلقًا، كما أحدثت مثل هذا الأثر بدرجة أقل لدى نساء تلك الطبقة. أدت التغيرات في علاقات النوعين، وبنية الأسرة ووضع النساء في حدوث نزاع بين الجماعات الاجتماعية الحديثة والتقليدية على طبيعة المؤسسات والممارسات الثقافية والأيديولوجية وعلى اتجاهاتها. إن حركات الإسلام السياسي بحالتها تلك تمثل تشكيل الهوية وتسييسها في شكل طبقي.

5 – يبدو أن تجربة الناس مع الاستعمار الأوروبي قد تركت توترات ومشاعر عميقة وراسخة بالظلم. كما أن عدم حل المشكلة الإسرائيلية الفلسطينية، والشعور المتغلغل بالظلم بسبب أفعال إسرائيل وأمريكا قد ساهم أيضًا في نشأة حركات الإسلام السياسي.

6 – وفي غياب حركات ومؤسسات وخطابات ليبرالية أو اشتراكية ناضجة ومتبلورة تمامًا يكون الخطاب السائد إسلامي النزعة، رغم أن الإسلام يتنوع تنوعًا كبيرًا بين الحركات الإسلامية المختلفة. كما أنه يدخل في علاقة تنافسية مع النزعة القومية، إلى درجة تكدر صفو معتنقي مبأ الجامعة الإسلامية. وبالنسبة لبعض المسلمين، تؤدي الأيديولوجية الجديدة أي الأيديولوجية الإسلامية إلى التخفيف من حدة القلق لأنها أيديولوجية تقدم نوعًا من الطمأنينة، كما أنها حركة تقدم للناس أشكالاً من التضامن والدعم الجماعي(١٦) فالإسلام يقدم هوية ثابتة في مجتمع يتغير بمعدلات متسارعة.

7 – في سياق الأزمة الاقتصادية والسياسية والأيديولوجية، من السهل أن يقوم قادة الإسلام السياسي الشعبويين والخطابات التي يستعملونها بملء الفراغ الموجود. فمعظم حركات الإسلام السياسي يمكن أن تدعى أنها حركات شعبية بفضل قاعدتها الاجتماعية الواسعة والتي تضم أساسًا البرجوازية الصغيرة. إنها حركات تدغدغ المشاعر الوطنية بفضل هجومها على كل ما هو أجنبي. كما أن هذه الحركات تعد مشروعات سياسية تهدف إلى الوصول إلى السلطة.

۸ تعلى هذه الأيديولوجية الجديدة من شأن التقاليد، وكثيرًا ما تقوم بابتداع تقاليد مناسبة. إن الحجاب النموذجي الذي يوصي به الإسلام السياسي لا يمت بصلة على الإطلاق للملابس التقليدية، فهو رداء مستجد ومعاصر، يتم التعامل معه على أنه بمثابة زي موحد. (۱۷) أيضًا تهتم حركات الإسلام السياسي اهتمامًا كبيرًا بطبيعة العلاقات بين الجنسين، إلا أن خطابات تلك الحركات عن النساء شديدة التناقض فيما بينها، فالجماعات المختلفة تركز على مسائل مختلفة فيما يخص قضايا النوع.

9 – لم يمر الشرق الأوسط تاريخيًا بتجربة ثورة برجوازية مكتملة أو بحركة تنويرية تامة، كما أن الإسلام لم يشهد عملية مشابهة للإصلاح الديني الذي حدث في المسيحية. وقد كانت حركات التحديث والإصلاح جزءًا من التاريخ الإسلامي / الشرق أوسطي، لكنها لم تنجح على النحو الذي نجحت به الحركات المثيلة في التاريخ المسيحي/ الأوروبي (١٨). لقد نشأت حركات الإسلام السياسي من عملية التحول (بما في ذلك التحول السكاني) والتحديث. أما الأمر الغامض حقًا فهو ما إذا كانت تلك الحركات تعرقل التحول إلى الحداثة أم تسرع به.

۱۰ هكذا تكون الثقافة والدين والهوية آليات دفاعية ووسائل يتم بها تشكيل النظام الجديد. تبدو حركات الإسلام السياسي ذات طابع عتيق، لكنها في الحقيقة تجمع ما بين خطابات الحداثة وما قبل الحداثة، ووسائل الاتصال، وحتى المؤسسات السياسية الحديثة وما قبل الحديثة. من ثم يجب النظر إلى تلك الحركات على أنها ذات طابع يجمع بين الفعل ورد الفعل.

يمكن القول أن نشأة الأصولية في أحضان الأزمة الاجتماعية الاقتصادية ينطبق كذلك على حالات نيجيريا وجنوب آسيا. يتفق وصف وتحليل أصغر علي إنجينير Asghar Ali- en gineer للحركات الشعبية الهندية وخاصة بزوغ موضوع الهوية الإسلامية ذات الطابع السياسي مع التحليل المقدم هنا(١٩). لكن لابد من ذكر عامل آخر من عوامل نمو حركات الإسلام السياسي: التمويل بالبترودولارات السعودية، وهو الموضوع الذي تناقشه ماري إيمي هيلي لوكاس Marie- Aimee Hélie- Lucas في هذا الكتاب. يخلص إنجينير إلى أن حركات الإسلام السياسي أو الحركات الجماعية ليست ظواهر دينية أو عرقية خالصة، ولا هي بالظواهر الاقتصادية والسياسية الخالصة. ينطبق هذا الكلام بالمثل على جوش إمونيم في إسرائيل. تلاحظ مادلين تريس Madeleine Tress أن الجماعات التي يكون لها جدول أعمال سياسي غالبا ما تبرر أهدافها وأفعالها بمقتطفات مأخوذة على نحو انتقائي من نصوص تقليدية ودينية وتاريخية.

لكن يوجد بالتأكيد ما يسمى حركات الرجوع للجذورالتي تتكون من ناس يتجمعون معا حول هوية مشتركة، ويسعون إلى تمكين أنفسهم عن طريق استعادة ما في الماضي من أساطير ورموز. وهذا لا يحدث بالضرورة على حساب مجموعات أخرى، ولا يحتاج لإنجازه إلى القوة السياسية. تقدم ديبرا كوفمان Debra Kaufman في هذا الكتاب نموذجًا لذلك النوع. درست كوفمان الطائفة اليهودية الأمريكية المتشددة، ووجدت أنها تهتم بإعادة تأكيد هويتها الثقافية أكثر من اهتمامها بالقوة السياسية. وهنا نجد بوضوح فرص اختيار للهوية أكثر مما نجد في الحالات التي تمتلك فيها الحركات السياسية الثقافية قوة سياسية أو تتبوأ مناصب في الدولة. لكن نايرا يوفال ديفيس Nira Yuval Davis تجادل في أن الجماعات العرقية التي تستخدم الموارد الثقافية والتي صممت من أجلها سياسات التعددية الثقافية قد تكون لها في الحقيقة أهداف سياسية. تستكشف تلك الباحثة العلاقات بين هوية الفرد، وسياسات الهوية، ومسائل التمثيل الثقافي والمجتمعي، خاصة في نظم الحكم الغربية المعاصرة.

ويبدو أن هناك نوعان من الحركات السياسية الثقافية: ( أ ) الحركات التي تسعى للحصول على السلطة السياسية، أي حركات المعارضة، و(ب) الحركات التي تسعى للحفاظ على ما لديها من قوة سياسية أو الحصول على الشرعية باستغلال المشاعر الدينية والثقافية، أي الحركات الأصولية التي تدعمها الدولة. من الأمثلة المعروفة لأول هذه الأشكال هناك حركة الإسلام السياسي في إيران؛ وجبهة الإنقاذ الإسلامية في الجزائر وهو المثال الأقرب زمنيًا. أما أمثلة الشكل الثاني فتندرج تحتها باكستان في ظل حكم ضياء الحق، وهو ما تناقشه خوار ممتاز Mumtaz Khawar،مؤكدة على دور الدولة في تعزيز وتبني أيديولوجيات معينة. وترى سلمى صبحان أن البحث عن الهوية في بنجلاديش أيضًا هو بالأساس لعبة سياسية يديرها موظفو الدولة(٢٠).

لكن ورقة عائشة إمام توضح كيف يمكن أن تقوم الحركات بالدورين أو بأي منهما، عبر الزمن ووفقًا للأوضاع السياسية. وتلاحظ هيلي لوكاس تشابهًا مذهلاً في خطابات الحركات السياسية والثقافية المتنوعة ومنها أن الهوية الإسلامية في خطر، وأنه لابد أن يعود المجتمع إلى التقاليد الثابتة، وأن الهوية تكمن في الفضاء الخاص (سلوكيات النساء، وملابسهن، ومظهرهن)، وأنه لابد من وضع قوانين الأحوال الشخصية الإسلامية على مستوى الدولة (في حالة المجتمعات التي تضم أغلبية من المسلمين) أو على مستوى الطائفة (في المجتمعات التي تضم أقلية من المسلمين مثل الهند). وفي كل الأحوال، تقوم الهوية، كما تقوم الثقافةبوظيفة حجب الواقع المركب للمجتمعات، وصياغة العلاقات وتسجيلها بشكل ينطوي على نوع من التشويه. ورغم أن السعي للهوية والتركيز على الثقافة مقصود منهما تمييز مجموعة بشرية معينة عن غيرها من المجموعات، إلا أن الثقافةمثلها مثل الأمةتعتم على الفروق الطبقية والجنسية وعلى تباين الأجيال، وغيرها من الفروق ذات الدلالة.

من المهم هنا التأكيد على أن أسباب حركات الإسلام السياسي مركبة ومعقدة، فأسبابها سياسية، واقتصادية وثقافية، مع وجود الصراع الاجتماعي والطبقي كسمة جوهرية. كما لابد من أن يتضح أن أهداف تلك الحركات ليست ثقافية صرف، بل هي سياسية في أحوال كثيرة. أي أن أهداف العديد من الجماعات الأصوليةالتي تتلقى دعمًا خارجيًا تتضمن إحداث تغييرات قانونية، وتحقيق صعود اجتماعي، والحصول على السلطة السياسية، وصولاً إلى الادعاء بالحق في تقلد سلطة الدولة. من المهم إذن التأكيد على وضع الدين والإحياء الثقافي في سياقهما الاجتماعي الاقتصادي والسياسي. ومن المهم أيضًا أن نفهم الديناميكيات الطبقية والنوعية (الجندرية) لتلك الحركات. تصف عديد من فصول هذا الكتاب تلك الديناميكيات, لكن المفهوم الإيراني للغرب زادجي gharbzadegi والجدل المحيط بالحجاب يقدمان عرضًا غنيًا لإشكاليات الطبقة والنوع بشكل خاص.

توجد ترجمات متنوعة لمصطلح الغرب زادجي. البعض يترجمونه بمعنى التسمم بالغرب حتى الثمالة westoxication،أو الالتهاب الناتج عن ميكروب الغرب westitis،أو الهوس بأوروبا euromania, أو العدوى بميكروب الغرب occidentosis. لكن كل الترجمات تدل على أنه مرض، أو فيروس، أو طاعون آت من الغرب، إنه ظاهرة الإفراط في التفرنج التي تصيب أفراد المجتمع (الحاصلين عادة على تعليم غربي) بالاغتراب عن ثقافتهم(۲۱).

ومن خلال هؤلاء الأفراد المصابين بمرض الغربيمكن أن تغزو الإمبريالية المجتمع وتوجه للثقافة ضربات مدمرة. من هم أفراد المجتمع الأكثر عرضة للإصابة بالغرب زادجي؟ إنهن النساء بالطبع! إذ يمكن للمستعمرين الكولونياليين والإمبرياليين أن يضعفوا الثقافة بسهولة بتجريد النساء من العفة والاحتشام والشرف من خلال بث أفكار الاستقلالية في اتخاذ القرار، واستغلال الجاذبية الجنسية وما إلى ذلك. يقال أن هذا ما حدث في الجزائر تحت الاحتلال الفرنسي الكلونيالي، وفي إيران أثناء حكم الشاه الموالي لأمريكا. ما أهم مصل مضاد لفيروس الغرب زادجي؟ إنه الحجاب. علاوة على ذلك، لابد أن يكون الحجاب إجباريًا من أجل حماية الهوية الثقافية وسلامة الجماعة ونسائها. لكن، لمن يعطى هذا المصل في حالة جمهورية إيران الإسلامية؟ أيعطى لنساء الطبقة العاملة؟ أم للقرويات؟ أم لنساء الأحياء الحضرية الفقيرة؟ لا. لم تكن المستهدفات أساسًا إلا نساء الشريحة العليا للطبقة الوسطى المتعلمات، وأساسًا الحاصلات على تعليم على النمط الغربي في المدارس الثانوية أو الجامعات. فهؤلاء النساء في عرف أصحاب الإسلام السياسي قد تجردن من هويتهن الثقافية الأصيلة واعتنقن بدلاً منها هوية تحاكي هوية الغرب، بكل ما فيها من أفكار عن الليبرالية، والاشتراكية، والماركسية، والنسوية، والمساواة بين الجنسين.

كل هذه الأفكار تستحق اللعنة في عرف أصحاب الإسلام السياسي، والأشخاص (وهنا نعني حرفيًا الأفراد) الذين تبنوا تلك الأفكار كن النساء المصابات بالغرب زادجي: أي الفاسدات، البرجوازيات، الخائنات ثقافيًا. وهكذا، عندما تقلد آية الله خوميني ورفاقه مقاليد الحكم في الدولة (بعد نضال عنيف مع الليبراليين، والجناح اليساري الإسلامي للمجاهدين. والاشتراكيين)، فرضت البرجوازية الصغيرة التقليدية المنتصرة تشريعات قمعية جمعت بين الهجوم على النساء (الصراع المبني على التمييز بين الجنسين) وعلى الشريحة العليا من الطبقة المتوسطة (الصراع الطبقي)(٢٢).

تقدم كل من بوواتا وشريفاتي – وهما متخصصان في علم النفس الاجتماعي مثل بافون مرابطين وصفًا لبنية شبيهة، هي بنية النساء الجزائريات المتفرنجات، وهما توظفان مهاراتهما التحليلية في التعامل مع موضوع الهوية. لقد صار الحجاب الآن في كل مكان هو العلامة المميزة للمرأة التي تنتمي للإسلام السياسي. إنه الحد الفاصل بين المجتمع الذي يسوده الإسلام السياسي وغيره من المجتمعات، مما يميز النساء الإسلاميات عن الأخريات“. إنه درع حامٍ من قذائف وسهام الإمبرياليين. لكن الحجاب القسري في إيران يستخدم أيضًا كآلية للتحكم الاجتماعي، فهو بمثابة تكريس للقواعد التي تحكم النساء. كما أنه يرمز إلى غياب إمكانية اختيار الهوية، فالهوية المرتبطة بصيغة الحجاب، هي هوية مفروضة قسرًا. وكما توضح حنا بابانك Hanna Papanek،فإنه يتم التحكم في النساء وإرغامهن على الانصياع لتصور معين للأنوثة والمجتمع المثاليان.

وفي حالة باكستان، أنت الأصولية ومشاركة النساء النشطة في المشروع الأصولي مع صحوة حركة نسائية مناضلة، أسستها نساء من الشريحة العليا للطبقة المتوسطة. وكما يمكن توقعه، تعرضت الحركة النسائية الباكستانية للهجوم باعتبارها حركة برجوازية غير ملائمة ومغتربة ثقافيًا. وتقرر خاوار ممتاز أن الصحافة وصفت النسويات بأنهن (مغرب زاد) magh- reh- zad (الكلمة الأوردية المقابلة لكلمة غرب زاده)، وأنهن شيوعيات، أو هنديات، أو من أعضاء اللوبي الصهيوني، أو كل هذه الصفات مجتمعة! ومن التدابير التي اتخذتها حكومة ضياء لمنع انتشار مثل هؤلاء النسوة، إنشاء مدارس دينية للبنات بقصد ضمان غرس الهوية الدينية السليمة. وتخبرنا بيناز توبراك Binnaz Toprak أن دروس الدين قد صارت إجبارية في المدارس الابتدائية والثانوية بتركيا منذ عام 1980، وهي السنة التي حدث فيها الانقلاب العسكري. يوحي هذا ضمن أشياء أخرى بأن الجماعات الموالية للغرب يمكن أن تستغل الدين هي الأخرى. فبنجلاديش التي بدأت ظاهريًا كدولة علمانية اشتراكية في سنة 1970، بها الآن أيضًا تعليم ديني إجباري. وفي حالة أفغانستان، وصف التعليم العلماني الذي تلقاه الشباب المبعوثين إلى الاتحاد السوفييتي بأنه دعائيوموالاة للاتحاد السوفييتي، لكن التعليم الديني الذي يقدم بطريقة ما في معسكرات اللاجئين مستمد من الثقافةوهو بالتالي ملائم(23). ويبدو أن حالة البنات اللاتي يكدن يكن محرومات تمامًا من التعليم تحت حكم القادة المجاهدين الأصلاء ثقافيًافي معسكرات اللاجئين لم تثر اهتمام لابر وروبين. كما ينتشر التعليم الديني في إسرائيل، رغم أن أسلوب تدريس الدين في المدارس التي تديرها الحكومة مختلف عنه في المدارس الدينية المستقلة.

إنني أرى أن الصراع الجنسي هو أيضًا صراع طبقي. وقد شاركت في إثارة هذه الفكرة في الكتاب كل من جيرامي، وطبراق، وممتاز، وإمام. فحيث ينظر للنساء المتعلمات من الطبقة الوسطى على أنهن عميلات للثقافة الإمبريالية وهدفا للتشريعات القمعية، نجد أن الصراع الطبقي وصراع الجنسين يتلاقيان بطريقة حيوية. توضح عالية بافون بشكل مدهش التوازي بين تمرد البرجوازية الصغيرة في أوروبا في ثلاثينات القرن العشرين وحركات الإسلام السياسي في شمال أفريقيا في الثمانينات. يبدو أن انعدام الأمان الاقتصادي والاجتماعي لدى طبقة من الطبقات تواكبه مجموعة من ضروب القلق الاجتماعي والنفسي تنعكس غالبًا على النساء (وكثيرًا ما تنعكس على جماعات أخرى مثل المهاجرين، والسود، واليهود).

يطرح التحليل على أساس النوع تحديًا نظريًا كبيرًا يتعلق بموقع النوع من أسباب ونتائج الحركات الأصولية والمجتمعية. ذلك أن النتائج والعواقب الخاصة بالنوع أكثر وضوحًا، فنحن نعرف أن الحركات السياسية الثقافية ومشروعات الدولة تأتي بتغيرات في القوانين، والمؤسسات، والممارسات، والاتجاهات نحو مسائل النوع، والأوضاع القانونية والاجتماعية للنساء. والأقل وضوحًا هو الدور الذي يلعبه النوع في التسبب في حدوث مثل تلك الحركات. توحي عدد من فصول هذا الكتاب أن التغيرات في العلاقات بين النوعين، وخاصة تلك التي تضعف بنية الأسرة الأبوية التقليدية، والظهور المتزايد للنساء، والتنافس بين النساء والرجال في سوق العمل والمجال العام، قد تكون أحد أسباب قيام تلك الحركات. تبدي فاطمة المرنيسي ملاحظة بسيطة لكنها عميقة: “إذا كان الأصوليون ينادون بالعودة للحجاب، فلابد أنهم فعلوا ذلك لأن النساء قد خلعن الحجاب“(٢٤) ترى المرنيسي أن القضية تدور حول القوة: فظهور النساء في المجال العام يخيف الرجال ويغضبهم، إذ يبدو أن هناك صراع مصالح بين الرجال الأصوليين والنساء غير الأصوليات. هكذا، يكون الأمر على أحد المستويات صراعًا بين الجنسين، أي صراع بين النزعة الأبوية والنزعة النسوية. وقد ذكرت عدد من النسويات، منهن آمریتا شهاشهي Amrita Chhachhi أن تفكك الأسرة الأبوية يعد سببًا أساسيًا من أسباب ظهور الحركات الأصولية والطائفية في جنوب آسيا. وقد فسرت المؤرخات النسويات الهنديات أمثال سوديش فيد Sudesh Vaid وكمكم سانجاري Kumkum Sangari طقس التضحية بالأرامل (الساتي) على أنه حدث رمزي له قوة جمع شمل كل ما يبدو مهدداً بخطر التداعي: الأسرة الممتدة، انصياع الإناث للمعايير الأبوية، هويات الجماعات الطائفية، التقاليد الهندوسية، الروحانيات الهندية، والأمة نفسها“. كما أن تصوير الساتي على أنه يتم بالذات في مواجهة الحداثة والفرنجة والنزعة المادية، يجعل الدفاع مناهضة للتراث الاستعماري (٢٥).
يميل الداعون للإحياء الثقافي إلى إحاطة أنفسهم بهالة من المثالية، لكن وفقًا لرادا كومار Radha Kumar في هذا الكتاب، فإن المدافعين عن تقليد الساتي هم أنفسهم عرضة بشدة لخطر الوقوع في النزعة المادية والتجارية.
يبدو أن الأزمات والفترات الانتقالية تؤدي إلى المبالغة في الاعتماد على البيت والأسرة
كملجأ لحماية الهوية المغتصبة. لكن هذا الوضع لا ينفرد به الإسلام والهندوسية، بل هو موجود في الأصولية المسيحية أيضًا وخاصة في تجلياتها الأمريكية. تلاحظ سوزان مارشال Susan Marshal أن الإحياء الديني الكبير للمسيحية في أمريكا يواكب فترات التفسخ الاجتماعي الكبرى (٢٦).

لقد حدثت الصحوة الكبرى الثانية في منتصف القرن التاسع عشر، وتكونت أساسًا من أفراد انتزعهم تيار الثورة الصناعية من جذورهم، وأعاد توطينهم في المدن، ونقلهم من بين أحضان التقاليد التي ألفوها، وعرضهم لقيم جديدة. أما الحركة المسيحية الأقرب زمنيًا المسماة بـ الميلاد الجديدفقد تم تفسيرها أيضًا على أنها استجابة للاضطراب العظيم الذي حدث في ستينات القرن العشرين، خاصة حركة الحقوق المدنية وحركة الاحتجاج على التورط في حرب فييتنام، التي أعقبتها في السبعينات أزمة ووترجيت، وهبوط سعر الدولار، وتدهور قوة أمريكا ونفوذها الخارجي. تعتبر مارشال أن تلك الأزمات الثقافية من شأنها تنشيط ودعم العناصر الأبوية المتأصلة في التقاليد الدينية. ويشمل الفصل الذي كتبته حنا بابنك مناقشة للخطابات الأبوية الخاصة بالحركات المسيحية المعاصرة المعارضة للإجهاض في الولايات المتحدة الأمريكية. ويوضح الفصل الذي كتبته ربيكا كلاتش Rebecca Klatch كيف أدت التغيرات الاجتماعية العميقة التي حدثت في الولايات المتحدة منذ ستينات القرن العشرين إلى تنامي اليمين الديني الجديدالذي يتبنى خطابًا مواليًا بشدة للأسرة.

ها قد بدأنا نرى سبب أهمية النساء، ولماذا لا يمكن الاستغناء عن مفهوم النوع في تحليل الحركات السياسية الثقافية، وفي التحولات، والتغير الاجتماعي. لإن النوع والأسرة ووضع النساء يتم تسييسهم في سياق تعاظم أهمية الهوية الدينية، والثقافية، والعرقية، والقومية، والتي تشير إلى النمو والتغيير غير المتوازنان. ويبدو أن معاني النوع أيضًا مرتبطة ارتباطًا لا فكاك منه بمعاني الغير، كما يشير محمد تافاكولي تارغي Mohammad Tavakoli- Targhi في دراسته التاريخية لتصورات الإيرانيين عن الغرب والنساء الغربيات. وهي مرتبطة أيضًا بالمشروعات القومية، كما هو الحال في إسرائيل (تريس Tress) وألمانيا النازية (بابنك– Pap nek)، ونيجيريا (إمام Imam )، والسودان (هيل Hale)، والهند (مازومدار Mazumdar) والجمهورية الإسلامية في إيران (جيرمي Gerami). وحسب حنا بابنك، تسير المرأة المثالية والمجتمع المثالي يدا في يد، رغم أن المكانة الخاصة للنساء تعتمد كثيرًا على النظرة الخاصة للمجتمع المثالي. (٢٧)

في حالة أفغانستان مثلاً، نظر الإصلاحيون الماركسيون إلى النوع على أنه مواكب للفعل، الأمر الذي كان جزءا لا يتجزأ من مشروعهم السياسي الثقافي الهادف للتنمية والتغيير؛ بينما نظر أعضاء المعارضة القبليين الإسلاميين إلى النوع على أنه يحمل معنى مواكبًا لرد الفعل. الأمر الذي كان أساسيًا لضمان الحفاظ على الوضع القائم. وفي معسكر اللاجئين في بيشاور وقعت النساء تحت تحكم شديد لم يسبق له مثيل(٢٨)، وتوضح سوشیتا مازومدار – Sucheta Ma zumdar أن في السنسكرتة (وهو تقليد مخترع حديثًا) تصير المرأة مستودعًا للروح الهندوسية، رمزًا لا يصح تدنيسه بفعل الغرب. ومن الصفات المركزية للأصولية سواء كانت إسلامية أو مسيحية أو يهودية أو هندوسية أنها تحاول تقييد حرية النساء وهويتهن. يخلص المرء من الاطلاع على العديد من دراسات الحالة الواردة في هذا الكتاب، وعلى النحو المفصل في الفصل الذي كتبته بابنك، إلى أن النساء يعانين من التحكم حيثما يتعاظم قدر الهوية الجمعية، وحيثما يوجد النزوع نحو اتخاذ الموقف الدفاعي والخوف من الأجانب. حينئذ، تصبح أشكال الهوية البديلة محلاً للشك والرفض وهو ما ينطبق على النسوية.

قد يقترن فرض الهوية بربطها بالدين (وما يرتبط به من عتاد مثل الرداء الملائم“)، أو قد يتخذ شكلاً أقرب للعلمانية، كما في الحركات القومية. توضح نهلة عبده في دراستها عن الانتفاضة الفلسطينية الأولى حرصًا على الخطاب القومي وقدرًا من الازدواجية نحوه، فهي تميز بين القومية الرسمية التي تتبناها الدولةوالتي قد تقتصر على جماعة معينة وتتسم بالعنصرية والحركات الشعبية للتحرر الوطني“. تضع نهلة عبده علامات استفهام على تلك الحركات الشعبية، وتحدد ما فيها من لحظات قمع نوعي (جندري) طبقي. ففي سياق قومي، يصير من الإجباري على النساء أن ينتجن المقاتلينأو أن ينجبن مزيدًا من الأفراد للمجتمع(29)، وقد ناقشت نايرا يوفال دافيس هذا الموضوع في علاقته بإسرائيل(٣٠).

وفي حالة الحركة الفلسطينية الهادفة للتحرر الوطني وتكوين الدولة، وبالذات في سياق تزايد الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية، يتم حض النساء الفلسطينيات على أداء واجبهن الوطني بإنتاج المزيد من الفلسطينيين. ورغم أن عبده تشير إلى الفضاء الديموقراطي المتاح للنساء في النضال الشعبي، إلا أن هناك ما يدعو للقلق. عبرت عبده عن شيء من الذعر تجاه الشاعر الفلسطيني المحبوب محمود درويش الذي كتب:

سجل.. أنا عربية

وأطفالي ثمانية

وتاسعهم سيأتي بعد صيفية

فهل تغضب؟

وقد أبدت نهلة عبده ملحوظتها في المؤتمر الذي عقد بهيلسينكي، وتطرح نهلة عبده سؤلاً بليغًا: من الذي سيرعى كل هؤلاء الأطفال؟

يتم النظر إلى النساء بسبب قدرتهن الإنجابية على أنهن ناقلات القيم والتقاليد الجماعية، ومسئولات عن التنشئة الاجتماعية للصغار. وعندما ينصب التركيز على الهوية الجمعية ترفع النساء إلى مكانة رمز المجتمع، ويرغمن على حمل عبء الإنجاب من أجل الجماعة. ويعلى من شأن دورهن كزوجات، وبخاصة كأمهات، بل أن هذا الدور يصير مقدسًا. ويتم التسبيح بدور النساء في البيت والأسرة. كما تصير المرأة المفيدة هي الزوجة والأم، لا المرأة العاملة أو الطالبة أو المواطنة في سياق البنية الأيديولوجية لخطاب وبرنامج الحركة. وهذا هو السبب في الاهتمام الشديد الذي تبديه الحركة برداء المرأة وسلوكها. ولهذا يصير من المهم إرساء دور ملائم للنساء (تفرضه الطبيعة أو الإرادة الإلهية) وأن تلزم النساء مكانهن“. والنساء اللاتي يقاومن هذا الدور يتهمن بعدم الولاء.

وتبصرنا سيلفا ميزناريك Silva Meznaric بأهمية وضع المرأةفي الصراع السياسي الدائر بين مختلف الجماعات الثقافية. يركز الفصل الذي كتبته ميزناريك على النزاع العرقي بين الصربيين والألبان في يوغوسلافيا في نهاية الثمانينات، والصرب والمسلمين في البوسنة والهرسك في يوغوسلافيا المفككة في ١٩٩٢ ١٩٩٣. في الحالة الأولى، تم الاغتصاب بمعنى أنه فعل سياسي تقوم به إحدى الجماعات (الألبان اليوغوسلاف) ضد جماعة أخرى (الصرب). صار الاغتصاب الذي هو فعل عنف يمارسه الرجال ضد النساء اغتصابًا سياسيًا وعرقيًا. وفي الحالة الثانية، كان الاغتصاب سلاحًا حقيقيًا إلى أبعد حد في أيدي العسكريين الصربيين لإحداث تطهير عرقيوإنتاج مزيد من الصربيين، وفي الحالتين، صارت النساء رهائن في الصراعات السياسية الثقافية بين الجماعات التي يقودها الذكور.

إن الحركة المعادية للإجهاض في الولايات المتحدة الأمريكية مشغولة بسلوكيات النساء – وخاصة سلوكياتهن الجنسية – مثلها مثل الحركات الأصولية، وهذا ما تناقشه حنا بابنك. إن الحركة المناهضة للإجهاض ترتبط بتراث الربط الأبوي بين الأنوثة والأمومة، وإنكار أي نوازع جنسية على النساء إلا لغرض الإنجاب. إن هذه الاتجاهات الأبوية قوية ومنتشرة وتتقاطع مع الثقافات. هناك بحث تم إجراؤه عن العلاقات المتوازية بين الاشتراكية القومية الألمانية والحركة الطائفية الهندوسية، ويشتمل هذا البحث على اقتباس لهتلر يمكن أن يأتي بدون أية مبالغة على لسان أي واحد من نشطاء اليمين المعادين للإجهاض في الولايات المتحدة الأمريكية، أو من الأصوليين الإسلاميين في إيران أو الجزائر، أو أي يهودي متشدد في إسرائيل، أو أي مناهض للشيوعية في بولندا أو الاتحاد السوفييتي. ويقول هتلر: “أن أروع ما في الطبيعة والعناية الإلهية أنه لا يمكن أن يحدث أي صراع بين الجنسين طالما قام كل منهما بالوظيفة التي أعدته لها الطبيعة“(31)

يمثل هذا الاقتباس صورة جلية للمثل الأعلى في النزعة الأبوية: أي أن يقوم الجنسين بأدوار متكاملة بناء على فروق خلقية، والأسرة هي الإطار الذي تتحد فيه تلك الأدوار المتكاملة وهي راعية التقاليد والكيان الذي يمارسها، وأن الزوجة الصالحة تعتنق أفكار الأسرة. والأسرة أيضًا تتمحور حول التنظيم العلني أو الخفي للنزعات الجنسية للإناث.

إن النظر إلى المرأة كحاملة للثقافة والتقاليد يعد عبئًا ثقيلاً على بعض النساء. عبء يفضلن ألا يسارعن بحمله، خاصة وأنه مبني على التحكم والانصياع. لكن البعض الآخر من النساء يعتبرنه شرفًا وميزة أن يتم رفعهن إلى مثل تلك المنزلة الرفيعة وموضع المسئولية. يبدو أن النساء الإسلاميات يجدن قيمة وهدفًا في اعتراف الحركة الإسلامية بدورهن المنزلي وطبيعتهنوإضفاء أهمية غير عادية عليه. وهذا هو السبب في أن جميع الحركات الأصوليةتحظى بمؤيدات ومعارضات من النساء. وهذا هو السبب أيضًا في أن الحركة النسوية تجد نساء ينتقصن من شأنها. وكما نعرف، لا يقتصر هذا الوضع على الحركات الأصوليةولا على العالم الإسلامي. في الولايات المتحدة الأمريكية توجد نساء معارضات للحركة النسوية، ولا يقتصر ذلك على فيليس شلافلي Phyllis Schlafly. لكن مشاركة النساء في الحركة المناهضة للإجهاض في الولايات المتحدة الأمريكية، مثلها مثل التأييد النسائي لحركات الإسلام السياسي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قد يعكس أيضًا مخاوف متأصلة في أعماق النساء، وبالذات النساء غير المستقلات اقتصاديًا. ربما ترى تلك النسوة الحركة كاستجابة للمجتمع المعاصر المفتقر إلى المعايير ويرغبن في تجنب تعرض النساء لمزيد من المطالب والضغوط. وتشير فرايد آكار Feride Acar في مقالها عن حركة الإسلام السياسي في تركيا أن النساء قد تعرضن لإيحاءات وممارسات متناقضة ومتنافرة، مليئة بتوقعات وطموحات زائفة، مما جعلهن عرضة للوقوع في شرك الأيديولوجيات التي تقدم الواقع بطريقة مبسطة وتقدم الوعود بالهروب من صراع الأدوار وغموضه(٣٢). إن سياسات الهوية تعد النساء بالأمان وبالحصول على مكانة في عالم قد جن جنونه، على حسب الاتجاهات المحافظة. يكمن الاستقرار جزئيًا في التحديد الواضح لأدوار الجنسين، والحياة العائلية، والتوجه نحو الدين. تقرر النساء اليهوديات المتشددات اللاتي درستهن ديبرا كوفمان Debra Kaufman أنهن يشعرن بالغربة النفسية عن التحرر الجنسي، والفردية، والرؤية العلمانية للعالم. وقد قررن أن احتياجاتهن الشخصية تلبي على نحو أفضل داخل الجماعة الدينية. وكما هو الحال مع النساء الإسلاميات، تخشى هؤلاء النساء اليهوديات من اختفاء الحدود الفاصلة. فهن يعلين من شأن الفروق بين النوعين، ويمجدن الفصل بين الجنسين.

والنساء الأمريكيات المنتميات لليمين الجديد اللاتي درستهن ربيكا كلاتش، لاسيما النساء اللاتي تسميهن محافظاتيملن إلى رؤية كل شيء في ضوء الدين (الله، والمسيح، والرجل، والمرأة) ويضعن الأسرة بإصرار في مركز الاهتمام. إنهن يخشين تصدع العالم الأخلاقي ويلمن النسويات ويعتبرنهن مسئولات عن ذلك التصدع؛ ويقلن أن النرجسية وازدراء العمل المنزلي من نتائج الحركة النسوية. وتخشى هؤلاء النسوة المتدينات المنتميات لليمين الجديد أيضًا من سيادة الذكورية في العالم من خلال تشوش أدوار النوعين. وفي نفس الوقت، يبدين صراحة عدم ثقتهن في الرجال لأنهم غير ملتزمين، ويؤيدن تدابير مثل حظر الصور الإباحية حيث إن ذلك من شأنه كبح جماح الطبيعة الحيوانية للرجال“. هناك تشابهات لافتة للنظر بين نظرة النساء السودانيات اللاتي قابلتهن هيل إلى الدين، وطبيعة الرجال، والعلاقات الجنسية، والنساء الأمريكيات المسيحيات اللاتي ناقشتهن كلاتش، والنساء اليهوديات الأمريكيات اللاتي ناقشتهن كوفمان(33) وتكمن المفارقة الحقيقية في أن بعض حجج النساء المتدينات تتناغم مع النسويات المثقفات (العلمانيات).

ومن المدهش أن حركات الإسلام السياسي التي برزت في الثمانينات قد جذبت الطالبات الجامعيات والنساء المتعلمات. من أسباب ذلك عدا السبب الذي ذكرته أكار أن العديد من حركات الإسلام السياسي يبدي مرونة من حيث الموقف من النساء، إذ يؤيد قادتها تعليم البنات، وبالذات حتى يصرن أمهات واعيات، وليتمكن أيضًا من تقديم الخدمات التعليمية والطبية لغيرهن من النساء، مما يساعد على تجنب المشكلات الناجمة عن فرط اختلاط الجنسين. كما تدفع النزعة البراجماتية لتشجيع النساء للمشاركة في سوق العمل في أوقات الحرب وفترات نقص القوى العاملة، كما حدث في حالة إيران(34). وهكذا، يجمع خطاب الإسلام السياسي حول المرأة أفكارًا تقليدية محافظة تتعلق بـ مكان المرأة، مع حنين مبهم لماض أسطوري وعصر ذهبي، وفي الوقت ذاته قبولاً لاحتياجات ومتطلبات الاقتصاد الحديث.

تؤيد نساء الأسر التقليدية المنتميات للشريحة الدنيا من الطبقة المتوسطة تلك الحركات لأنها توفر لهن مجالاً للحركة، فيصبح مشروعًا أن تتمتع نساء تلك الشريحة بفرصة التعليم, والعمل، والمشاركة في الحركة السياسية والعامة مع الاحتفاظ بالعفة والاحتشام في إطار الحدود التي تضعها حركات الإسلام السياسي. لم يعد الحجاب مجرد رمز ثقافي وتأكيد للهوية، لكنه صار أمرًا يجعل الحياة أسهل، إذ يسمح للنساء بالتحرك في المجال العام دون أن يتعرضن لنظرات وتحرشات الرجال واعتراضات أفراد الأسرة.

ما آثار سياسات الهوية على الحركة النسوية وعلى مفهوم تحرير المرأة؟ وما الاستراتيجيات النسوية أو الحركات النسائية التي تظهر نتيجة لذلك؟ تصف الفصول التي كتبتها مارجو بدران عن مصر، وسوندرا هيل عن السودان، ودراسة إمام عن منظمتين نسائيتين في كانو، والفصل الذي كتبته ممتاز عن باكستان، والفصل الذي كتبه شاهين جيرامي عن إيران أنواعًا غير متوقعة من النشاط والوعي. إن فصل جيرامي عبارة عن مسح فريد في نوعه لمواقف النساء الإيرانيات من أدوارهن، ومكانهن، ونصيبهن من السلطة في الجمهورية الإسلامية.

ويوضح هذا الفصل كيف أنه رغم تبني نساء الطبقة الوسطى في إيران لبعض اتجاهات الإسلام السياسي، إلا أنهن يعترضن بشدة على الحجاب والفصل بين الجنسين. إنهن يرفضن فرض الحجاب قسرًا، والفصل المكاني بين الجنسين، ويشعرن بشدة بأن الفرص يجب أن تتسع أمامهن عما هو متاح.

وفي مكان آخر تتحدث توحيدي عن ظهور نسويات إسلاميات، وعودة بعض الإسلاميات إلى الاهتمام بنهوض المرأة، مثل عضوة البرلمان مريم جورجي، التي تبذل الآن محاولة لتفسير القرآن تفسيرًا نسويًا. ترى توحيدي أن تلك النتيجة جزء من تطور الحركة الأصولية في إيران، مع مشاركة جماهير غفيرة من النساء فيها. يمكن القول أن الجيل الجديد من النسويات الإسلاميات يمتلكن أيديولوجية سليمةولديهن رأس المال الرمزيالمطلوب لقيادة حملات ذات طابع نسوي لتحسين مكانة النساء. هل يمكنهن المشاركة في تحويل النظام إلى نظام ديموقراطي؟ هل توجد أرضية مشتركة بينهن وبين النسويات العلمانيات؟ هل يمكن أن تتحد النساء الإسلاميات وغير الإسلاميات في حركة موحدة لتحسين أحوال النساء؟ في رأيي توجد أرضية مشتركة بينهن في أمور التعليم، والعمل، وتنظيم الأسرة، والمشاركة السياسية. لكن الحجاب والشريعة الإسلامية يشكلان حدًا فاصلاً بينهن.

تتناول مارجو بدران نشاط النساء الإسلاميات والنسويات العلمانيات في مصر في مجال النوع (الجندر)، وتثير أسئلة هامة عن الطابع النسويللنساء الإسلاميات. وتدافع ديبرا كوفمان عن فكرة وجود أنواع مختلفة من النزعات النسوية، ومنها من يعمل من أجل الإصلاح الديني، حيث تجد النساء قيمة وهدفًا وهوية في الممارسات الدينية. وفي بحث حديث تقترح ملافيكا كرليكار Malavika Karlekar أن كتابات ورؤى غاندي تقدم بديلاً سياسيًا وثقافيًا هامًا لحركات الفصل الطائفي الهندية. لكن مقال سوشيتا مازومدار يحذر من استخدام النسويات للديانة الهندوسية أو مصطلحاتها، وهي تبرز أهمية وجود خطاب علماني يمكن أن تتوحد حوله مختلف الجماعات الثقافية في الهند. وتدعو ماري إيمي هيلي لوكاس إلى استراتيجية نسوية مبنية على السياسات العلمانية. أما نيرا يوفال دافيس فتحث على الانتباه إلى القيم العالمية مع الاعتراف بالاختلافات بين الشعوب.

في ضوء ظهور الحركات السياسية الثقافية على امتداد العالم، ومع أخذ الطابع المركب لسياسات الهوية بعين الاعتبار، وفي إطار الاهتمام ما بعد الحداثي بالـ فوارق، ما الاستجابات السياسية الملائمة؟ ما الأداة السياسية التي يمكن تطبيقها بكفاءة على كل الثقافات والأديان من أجل حماية النساء من الإساءة والتمييز؟ إن الاتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد النساء التي أصدرتها الأمم المتحدة تصلح كنقطة بداية، وهي الملحوظة التي يختتم بها هذا الكتاب. فبدلاً من النسبية الثقافية التي قد تحجم عن نقد بعض الجوانب الثقافية، تؤكد اتفاقية الأمم المتحدة فكرة وجود معايير موضوعية وقيم عالمية. إن الفصل الأخير من الكتاب الذي قدمه قسم تقدم النساء بالأمم المتحدة يعتبر أن الاتفاقية محايدة ثقافيًا، لكنها عالمية الطابع. وتفاوت الممارسات الثقافية لا يمكن قبوله كحجة مناسبة، فقد أكدت فيينا على أن التمييز ضد النساء لا يستند على الثقافات، بل على السلطة. وفي نفس الاتجاه، فإن الأصولية ليست إلا سياسة تستغل الدين.

والجدير هنا أن نذكر من يرون الثقافة نسبية أن معظم بلدان العالم قد وقعت على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، واتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بالقضاء على كافة أشكال التمييز ضد النساء، واستراتيجيات نيروبي المستقبلية، وهي التي تبنتها الجمعية العامة في سنة 1986، وهي تهدف إلى تحقيق هدف إنصاف النساء وتمكينهن بحلول عام ٢٠٠٠. إن الأمم المتحدة تقدم حقًا إطارًا خطابيًا نافعًا للعمل السياسي الذي تقوم به النسويات والقوى التقدمية. وبدلاً من الغرق في الجدل الدائر حول النسبية ومفاهيم الهوية التي تستبعد قطاعات من الناس، فإن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، واتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بالقضاء على كافة أشكال التمييز ضد النساء يقدمان نقطة انطلاق قوية على المستوى السياسي وعلى مستوى الخطاب. لقد أكدت في هذه المقدمة على أن الأسباب لقيام الحركات السياسية الثقافية حول الهوية لها طابع مركب ومعقد، وأن بعض المشكلات التي أدت لنشأتها عميقة بل وتبدو عصية على الحل. لكن لابد للمرء من نقطة بدء ما، في السياسات كما في النظرية. إن أحد الحلول لسياسات الهوية التي تهدف للتحكم في النساء أن يتم فض الاشتباك بين النساءوالثقافة، وتفكيك مفهوم المرأة كرمز، وإعادة بناء مفهوم النساء باعتبارهن بشر، ومناقشة حقوقهن باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من حقوق الإنسان.

(1) قد يفسر البعض الانشغال بالثقافة والهوية كانعكاس لأزمة الدولة القومية.

Perry Anderson, Nation-States and National Identity, London Review of Books (9 May 1991)

يبدو لي أن ما يتعرض للأزمة ليست فكرة الدولة القومية الموجودة فعلاً، بل إنه يعاد تقييم وتحديد الجماعات بطريقة أقل شمولاً مما حدث في القرن العشرين، وبالذات في العالمين الثاني والثالث، ويبدو أن الاتجاه الحالي يميل إلى تأييد وجود دول قومية جديدة تحمل مفاهيما أكثر انغلاقًا حول الانتماء والمواطنة.

(2) Ramkrisna Mukherjee, Social and Cultural Components of Society and Appraisal of Social Re ality, Economic and Political Weekly (January 26, 1991): PE- 21- 36.

(3) Andre Beteille, Some Observations on the Comparative Method, Economic & Political Weekly (October 6, 1990):2255-2263.

(4) العمال شخصي مع جون جيلليز في أبريل ١٩٩١. ومن ضمن الكتب, المقالات الكثيرة التي تناولت موضوع الثقافة والهوية يمكن الرجوع إلى:

Craig Calhoun, “Introduction: Social Issues in the Study of Culture”, Comparative Social Research. 11 (1989): 1- 29; Immanuel Wallerstein, “Culture as the Ideological Battleground of the Modem World- System”, pp 31-56 in Mike Featherstone (ed.), Global Culture: Nationalism, Globalization and Modernity (London: Sage, 1990).

وبالإضافة إلى المؤتمر الذي عقده العهد الدولي لبحوث اقتصاديات التنمية بجامعة الأمم المتحدة والذي صدر عنه هذا الكتاب، (هلسنكی) تم عقد مؤتمر هام جدًا حول استكشاف البلاغیات وحقوق الهوية“. بدعم من مركز التحليل التاريخي بجامعة

روتجرز من ١٢ ١٣ أبريل ١٩٩١.

(5) Ernesto Laclau and Chantal Mouffe, Hegemony and Socialist Strategy (London: Verso, 1985)

(6) Jean Lyotard, The Postmodern Condition (Minneapolis: University of Minnesota Press, 1984)

(7) Gyfrgy Szell, “Idntities for Collective Actions: Class, Nation, Ethnicity, and Gender, “Paper presented at the XII World Congress of Sociology, Madrid (July 1990)

(8) Manifesto of the Center Wilder House Working paper no. 1. University of Chicago: Center for the Study of Politics, History and Culture (1989). p6

(9) Lynn Hunt, Politics and Culture in the French Revolution (Berkeley: University of California Press, 1984); Michele Lamont, The Power- Culture Link in a Comparative Perspective.
Comparative Social Research, 11 (1989): 131-150. Abol Hassan Bani Sadr, Eqtessad e- Tawhidi (Economics of Devine Unity) (Tehran 1978, in Persian); Seyed Mahmood Taleghani, Islam and Ownership, translated from teh Persian by Ahmad Jabbary and Farhang Rajace (Lexington, KY: Mazda Publishers, 1983.

(10) William Sewell’s critique of Theda Skocpol’s Structuralism in the Theory of Revolution, and her response: “Ideologies and Social Revolutions: Reflections on the French Case”, Journal of Modern History 57-1985; “Cultural Idoims and Political Ideologies in the Revolutionary Construction of State Power: A Rejoinder to Sewell”, Journal of Modern History. 57 (1985) 57- 85

(11) Alan Richards and John Waterbury, A Political Economy of the Middle East: State, Class and Economic Development (Boulder, Co: Westview Press 1990); Berch Berberoglu (ed.), Power and Stability in The Middle East (London: Zed Press 1989); Valentine Moghaddam, Modernizing Women: Gendr and Social change in the Middle East, (Boulder, Co: Lynn Rienner Publishers 1993). On South Asia, see articles in Economic and Political Weekly (Bombay) South Asia Boulletin History Department, SUNY- Albany).

(12) Robert Wouthnow Meanings and Moral Order: Exploration in Cultural Analysis (Berkeley: University of California Press 1987)

(13) Charles Tilly, Revolutoins and Collective Violence, in “F.I. Greenstein and N.W. Polsby (eds.) Handbook of Political Science, vol 3 Macropolitical Theory (Reading, MA: Addison Wesley, 1975).

(14) علی عكس أنواع أخرى من سياسات الهوية، تنتظر حركات الإسلام السياسي إلى الهوية كأمر ثابت وأبدي وليس باعتبارها بناء اجتماعية، كما تؤكد هذه الحركات على التفرد الثقافي والفروق الثقافية. لكن هذا الاتجاه مشترك بينهم وبين غيرهم من الحركات

السياسية الثقافية، كتلك الحركات المتصاعدة في البلدان الاشتراكية السابقة.

(15) Hisham Sharabi, Neopatriarchy: A Theory of Distorted Change in the Arab World New York: Oxford University Press, 1988).

(16) Diane Baxter, “A Palestinian Women’s Islamic Group in the West Bank” Paper presented at the Middle East Studies Association annual meeting, Toronto (November 1989)

قالت ديان باكستر أن عددًا من النساء أخبرنها أنهن شعرن براحة لخطورهن الاجتماع والاستماع إلى كلام عن الإسلام. وقد عبرت إحداهن عن شعورها بقولها: “الحياة صعبة جدًا، خاصة في أيامنا هذه (تشير بهذا إلى الانتفاضة)، لدينا الكثير من القلق. الإسلام يساعدني. إنه يعلمني ما هو الصحيح، وقالت امراة أخرى: “الإسلام يعطيني أملاً في أن مشكلات حياتنا ستنتهي

(۱۷) اعتادت النساء على التحجب بحكم التقاليد عند ظهورهن في المجال العام، وكان للحجاب أشكال مختلفة حسب السياق الثقافي: البرقع الأفغاني الشبيه بالخيمة، والتشادور الإيراني، ونقاب الوجه لمنطقة الخليج، والإيشارب الذي يغطي الجزء السفلي من الوجه في شمال أفريقيا، لكن الزي الإسلاميالموحد المعاصر عبارة عن خمار يغطي الرأس والشعر والأكتاف، ورداء بأكمام طويلة تحته سروال أو جورب أسود ثقيل.

(18) Philip Hitti, A History of the Arabs (Princeon: Princeton University Press 1971)

(19) Asghar Ali Engineer, “Remaking Indian Muslim Identity.”. Economic and Political Weekly (April 20, 1991): 1036- 1038.

(20) Salma Sobhan Identity Politics and Gender: “Fundamentalism and the Women,s Movements in Bangladesh,” Paper prepared for UNU/WIDER Round Table on Women and Identity Politics.

(21) جاء مصطلح غرب زادجي من مقال كتبه الكاتب الشعبي الإيراني المشهور، المرحوم جلال آل احمد في سنة ١٩٦٢ ظل هذا الكتاب يتداول سرًا حتى أواخر سبعينات القرن العشرين، وصدرت منه طبعة ثانية منقحة في طهران سنة 1979. (۲۲) بعد الثورة السياسية، أخذ القادة الآتين من صفوف الفقهاء ومن الرجال العاديين على عاتقهم القيام بثورة ثقافية كاسحة, بدأت رسميًا في أبريل ١٩٨٠، وعلاوة على التحجيب القسري، تم إغلاق الجامعات لمدة عامين، وحدثت حركة تطهير أطاحت بكل العناصر الأجنبية (البرجوازيين الغربيين والشيوعيين) من صفوف هيئات التدريس، والطلبة، والمناهج، ووفقًا لقول الخميني: “حين نتحدث عن إصلاح الجامعات فإننا نقصد أن جامعاتنا ليست مستقلة في الوقت الحالي: إنها جامعات إمبريالية، والطلبة الذين تعلمهم وتدربهم مفتونين بالغرب (مصابين بالغرب زادجي)… إن أخشى ما نخشاه هو التبعية الثقافية للغرب والجامعات الإمبريالية التي تدفع شبابنا لخدمة الشيوعية“.

Imam Khomeini, “The Meaning of the Cultural Revolution”. pp: 295 299, in Islam and Revolutoin: Writings and Declaratoins of Imam Khomini, translated and annotated by Hamid Algar (Berkeley: Mizan Press, 1981).

وفي ضوء التغيرات التي طرأت على المناهج في أوروبا الشرقية منذ الثورات التي قامت بدءًا من ١٩٨٩، يصعب افتراض أن الثورة السياسية الثقافية التي يقودها أتباع الإسلام السياسي في إيران فريدة من نوعها.

(۲۳) يوجد مثال لهذا الرأي المنحاز الذي يرى أن الشباب الأفغاني قد تمت سفيتتهفي كابول وفي الاتحاد السوفييتي مذكور في تقرير هلسنكي ووتش الذي كتبه جيري لابر وبارنيت روبين.

Tears, Blood, and Cries: Human Rights in Afghanistan since the Invasion 1979- 1984 (New York Helsinki Watch committee, 1984).

(24) Fatima Mernissi Introduction: Muslim Women and Fundamentalism, Beyound the Veil: MaleFemale Dynamics in Modern Muslim Society revised editi (Bloomington, in: University of Indiana Press, 1987), pxi.

(25) Sudesh Vaid and Kukum Sangarim, “Institutoins, Beliefs, Ideologies: Widow Immolatoin Contemporary Rajasthani,” Economic and Political Weekly (April 27, 1991): WS- 2- 18. Amrita Chhachhi, “Identity Politics in the Constructoin of Natoinalism and the Post-Colonial State in South Asia,” Paper prepared for UNU/WIDER Round Table on Women and Identity Politics: and: “Forced identities: The State, communalism, Fundamentalism and Women in India.” Pp: 144- 175 in Deniz Kandiyouti (ed.), Women, Islam and the State (London: Macmillan, 1991)

(26) Susan Marshal Paradoxes of Change: Culture Crisis, Islamic Revival, and the Reactivatoin of Patriarchy Journal of Asian and African Studies XIX (1-2) (1984):117 (26) Valentine Mo ghaddam Reform, Revolutoin and Reaction: The Trajectory of the Woman Question in Afghanistan Forthcoming in Moghaddam (ed.):Gender and National Identity: Women and Change in muslim Societies

(٢٧) إن الدور الرمزي الذي تلعبه النساء في كل من مسألتي الهوية والثقافة له ما يوازيه في التاريخ الغربي. في اتصال شخصي مع جون جيلليز أبدى ملاحظة عن أنه منذ الثورة الفرنسية فصاعدًا ثم وضع النساء في موقع رمزي بوصفهن العنصر الثابت والمستمر والمؤدي لترابط المجتمع؛ بينما استخدم الرجال ليمثلوا العنصر المتغير، التقدمي، الذي يؤدي للتفكك.

(28) Valentine M. Moghadam, “Reform, Revolution and Reaction: The Trajectory of The Woman Question in Afghanistan.”forthcoming in Moghadam (ed.), Gender and National Identity: Women and Change in Muslim Societies.

(29) Nahla Abdo, “On Natoinalism and Feminism: Palestinian Women and the Intifada- No Going Back? Forthcoming in Moghaddam (ed.): Gender and National Identity: Women and Change in Muslim Societies.

(30) Nira Yuval-Davis, “National Reproduction and the Demographic Race in Israel,” Pp:92- 109 in Nira Yuval- Davis and Floya Anthias (eds.). Women Nation-State (London: Macmillan, 1989)

(31) Quoted in Charu Gupta. Politics of Gender: Women in Nazi Germany Economic and Political Weekly April 27, 1991): WS -40-48The quote appears in p.WS-43.

(32) Feride Acar. Women in the Ideology of Islamic Revivalism in Turkey: Three Islamic Womens Journals Paper presented at the workshop on Islam in Turkey, at the School of Oriental and African Studies, University of London (May 1988) See also Valentine M. Moghaddam Modernizing Women:Gender and Social Change in the Middle East, espChapter 5.

(۳۳) ربما سيتفقن جميعا مع العبارة التالية التي قالها المرحوم آية الله مطهري من إيران: “إن المحبة والتعاطف مع الإنسانية صفات تعزى إلى تربية الأطفال تربية متكاملة في أحضان أسرة مترابطة ومحبة بحقإن التضامن بين الأزواج والزوجات، الذي نلاحظه كثيرًا في الشرق، غالبًا ما يختفي في الغرب. قد يكون أحد أسباب ذلك أن الغربيين صاروا يؤمنون بالجنس دون حب أو كوابح. إن التجريب والتنوع في الجنس لا يتيح نمو أي عاطفة حب بين الأشخاص

Sexual Ethics in Islam and in the Western World Translated from the Persian by Muhammad Khur shid Ali (Teharan: Bonyad-e’Be that Foreign Department, 1982).

وكما هو الحال لدى مطهري، فإن مقالات كلاتش وكوفمان وهيل تبرز ربط النساء للقيمة بالأسرة، والحب الزوجي، وتكريس النفس. لرب، والأدوار المتكاملة. وتشمل مقالة مطهري تقييمًا نقديًا لمقال برتراند راسل عن الزواج والأخلاقيات. ينقد مطهري رفض راسل للأخلاقيات والدين، لكنه يشي على تأييده للحب. ويذكر مطهري أيضًا إشارات وول ديورانت للحب والزواج في كتابه مباهج الفلسفة وتراثنا الشرقي

“The Pleasures of Philosophy and Our Oriental Heritage”

ويشي عليه.

(34) Val Moghaddam Women, Work, and Ideology in the Islamic Republic International Journal of Middle East Studies, 20 (2) (May 1988): 221 243.

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي