النساء و قوانين الاحوال الشخصية

طباعة: Promotion Team

رقم الايداع:

2003/12138

رقم العدد:

20

تاريخ النشر:

2023

رئاسة التحرير:

تصميم الغلاف:

سكرتارية التحرير:

الافتتاحية

نعتذر لقارئاتنا وقرَّائنا عن الغياب الطويل رغمًا عن إرادتنا، ونعد بألَّا يتكرَّر مجدَّدًا، فنحن ما زلنا مُصِرَّات رغم كل الظروف على استمرار طيبة في الصدور؛ ولذا قرَّرنا التحول لإصدار طيبة رقميًا، بدءًا من هذا العدد.

فرض موضوع الأحوال الشخصية نفسه بشدة في العقد الأخير على المجتمع المصري، حكومةً ومؤسساتٍ دينية وتشريعية وعلى الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني، لكن الجديد هو دخول أصحاب المصلحة المباشرة في القانون رجالًا ونساءً في الحوار حول القانون؛ تأكيدًا لحقيقة أن قضايا الأحوال الشخصية قضية سياسية عامة تمسُّ كل المواطنات والمواطنين بغض النظر عن العمر أو الانتماءات الطبقية أو الدينية أو الجغرافية، إلخ. ومن ثمَّ توالت مشروعات قوانين الأحوال الشخصية سواء من الحكومة أو من المؤسسات الدينية، لكن ردود الفعل الفورية والقوية تجاه تلك المشروعات كانت رسالة واضحة بأن النساء لن يقبلن بمشروعات قوانين لا تزال متمسكة بمعاملتهن بوصفهن مواطناتٍ من الدرجة الثانية، وهو ما تكشفه هدى الصدة في مقالتها في هذا العدد عن حملة الولاية حقي.

كما أن قوانين الأحوال الشخصية قضية نسوية بجدارة حيث الشخصي سياسي، وحيث يتجسد النظام الأبوي في أجلى صوره، مستخدمًا المبررات الدينية والثقافية بشكل انتقائي لضمان السيطرة على النساء؛ ولذا كانت دائمًا على أجندة الحركة النسائية المصرية منذ البدايات الأولى، وحتى الآن. وعلى رأس تلك المطالب كان تقييد الطلاق وتعدد الزوجات1 مطلبًا أساسيًا لكل التنظيمات النسوية في النصف الأول من القرن العشرين.2 وحتى في الفترة التي صادر فيها النظام الناصري التنظيمات المستقلة بما فيها الاتحاد النسائي المصري والتنظيمات النسائية الأخرىطالبت نسويات الدولة بتعديل قانون الأحوال الشخصية. وجاء النصف الثاني من القرن ليشهد بعض التعديلات الجزئية للقانون من خلال القانون 44/1979 الذي تم إلغاؤه بقرار من المحكمة الدستورية، والقانون 100/1985. ورغم صدور القانون 1/2000 المعروف بقانون الخُلع، ظلَّت المطالب الأساسية المتعلقة بالطلاق والتعدد باقية كما هي حتى الآن.

المعضلة الأساسية هي أن جهود الحركة النسوية عبر القرن الماضي كانت في منطقة الإصلاحات الجزئية لقانون تُكرِّس فلسفته الأساسية علاقات القوى غير المتساوية داخل العلاقة الزوجية؛ فالنساء دائمًا في موضع أدنى من الرجال، والزواج ليس علاقة بين أنداد بل بين طرف له سلطة مطلقة على الطرف الآخر في كل مناحي حياته حتى خارج العلاقة الزوجية. ومن ثمَّ تظل مهمة وضع قوانين شخصية عادلة ملقاة على عاتق النسويات المصريات الآن، من خلال مقاربة تغيير –وليس مجرد إصلاحقانون الأحوال الشخصية؛ انطلاقًا من مبدأ الحقوق والمسئوليات المتساوية بين طرفي العلاقة الشخصية. وعلى عكس الشروط الاقتصادية الاجتماعية السياسية التي مثَّلت قيودًا على الحركة النسوية في الموجات السابقة، فإن التغيُّر الهائل في تلك الشروط أدَّى بدرجات متفاوتة لتفكيك قبضة السيطرة الأبوية على الأسرة، وتحديدًا على النساء داخلها، وهو ما يتيح للنسويات حاليًا فرصًا أفضل لمقاربة قوانين الأحوال الشخصية، من منظور الأهلية القانونية للنساء، مثل مشروع قانون أكثر عدالة للأسرة المصريةالذي يحاول المواءمة بين المساواة المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية وبين الشريعة الإسلامية، والذي تعرضه مقالة أ. عزة سليمان في هذا العدد.

كيف نتناول موضع الأحوال الشخصية؟

على المستوى الفكري هناك مقاربات متعددة ومتباينة داخل الحركة النسوية المصرية –والعربية أيضًامن المقاربات النسوية الراديكاليةالتي تطالب بقانون مدني للأحوال الشخصية أسوة ببقية القوانين في الدولة، إلى المقاربات النسوية الإسلاميةالتي تدعو لتطوير القانون عبر قراءة نسوية لنصوص الشريعة، وما بينهما. من جانب آخر فإن تصاعد النشاطية النسوية على المستوى الوطني والعالمي خاصة منذ عقد التسعينيات من القرن الماضي أسهم في تطوير إستراتيجيات متعددة يمكن للنسويات المصريات الاستفادة منها للتأمل ومراجعة إستراتيجيات ها في العقدين الماضيين للعمل على إنتاج خطاب نسوي متماسك ومنسجم يستفيد من ويبني علىالتنوع داخلها.

اتفقنا على أن يبدأ تناولنا لقضية الأحوال الشخصية من منظور فاعلية النساء وقدرتهن على المقاومة والمبادرة. مقاومة التعامي عما حقَّقته النساء المصريات والعربيات من تقدم عبر العقود الماضية، واستدعاء الأفكار الأكثر تخلفًا من القرون الماضية بشكل انتقائي لفرضها على واقع مختلف كلي؛ مقاومة أن تتحول معاناتهن اليومية إلى شيء مألوف يعرفه المجتمع ويقبله ويتعايش معه؛ بحيث يصبح من غير المقبول أن تحتج النساء يومًا عليه ويرفضن استمراره. ولذا يتضمن هذا العدد طيفًا واسعًا من المواد المتنوعة من المقالات والوثائق والترجمات وعروض الكتب التي تبرز هذه الفاعلية النسوية في المطالبة باستحقاقاتهن، والدفاع عنها بقوة.

ومن ثمَّ، فإن الإسهامات المتنوعة في هذا العدد تتمحور حول الفاعلية النسوية، من المقالات والترجمات إلى الوثائق القديمة والحديثة. مقالات مكتوبة خصيصًا للمرأة الجديدة من ناشطات مصريات عن تجاربهن في الدعوة والمناصرة حول قوانين الأحوال الشخصية، بالتصدي لمشروعات القوانين التي طرحت على الساحة المصرية في السنوات القليلة السابقة، أو طرح مشروعات قوانين بديلة، وهي تجارب مختلفة تكشف الحضور الفاعل للنساء في مناقشة القضية الأهم في حياتهن، وتضعهن بوصفهن قوة ينبغي أخذها في الاعتبار عند مناقشة قوانين الأحوال الشخصية.

يحلِّلُ مقال هدى الصدة الولاية حقي: ياللا نحكي حكاياتناتجربة حملة #الولاية حقي# التي تجاوزت التوقعات بتدفق حكايات النساء من مشارب مختلفة عن معاناتهن اليومية التي لم يعد المجتمع وربما حتى النساءينتبه لها بقدر ما أصبحت مألوفة، حتى جاءت حملة الولاية حقي لتنزع الألفة عن المألوف“. “بلورت لنا الحكايات مشاكل لم نكن على العلم بها؛ لأننا لم نختبرها بشكل مباشر أو لأنها غير منطقية إلى درجة يصعب تصديقها، كما أنها سلَّطت الضوء على الواقع المُعاش للنساء، عن واقع حياتهن اليومية في ظلِّ قانون ظالم، على تفاصيل الحياة اليومية وما بها من عراقيل غير منطقية ومتعارضة مع أوضاع النساء ومكانتهن في القرن الواحد والعشرين“. وتؤكد على قوة الحكي لأن الحكاية لا تخاطب العقل فحسب ولكنها تخاطب الوجدان والشعور، هي ليست وسيلة للتعرف على معلومات أو أحداث فقط ولكنها تحفز الهمم بل وقد تساعد في إحداث تغيير في رؤيتنا لأنفسنا والعالم.” وعلى أهمية توثيق الحكايات باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من نضال المجموعات المُهمَّشة من أجل العدالة، وشكلًا من أهم أشكال المقاومة والصراع حول الذاكرة الجماعية لمجموعات أو مجتمعات“.

ويرصد مقال عزة سليمان المحطات المختلفة لرحلة مؤسسة قضايا المرأة المصرية عبر ما يزيد على عقدين من الزمنفي صياغة لمشروع قانون أكثر عدالة للأسرة المصريةوتقديمه للبرلمان في دورتين متتاليتين. ورغم أن المقال لا يستفيض في شرح الإستراتيجيات المختلفة التي لجأت إليها المؤسسة، ومنها في البدايةمقاربة قانون موحد للمسلمين والمسيحيين، ثم التركيز فيما بعد على تغيير قانون الأحوال الشخصية للمسلمين، إلا أنه يثير الكثير من التساؤلات عن الإستراتيجيات التي تختارها المجموعات النسوية المصرية في عملها وتثير شهيتنا للمزيد من التعمق في مسألة الإستراتيجيات النسوية في مواجهة سطوة المؤسسات الدينية في مجتمعاتنا. وهو ما تعرضت له بالتفصيل ياكين إيرتورك في مقالتها المترجمة في هذا العدد.

يتضمن مقال آمال عبد الهادي، عرضًا موجزًا عن منصة النساء والقانون، وهي أداة لتقييم الوثائق القانونية من منظور المساواة الجندرية، كما يتضمن المقال بعض المقارنات –باستخدام المنصةبين القوانين، وكذلك بعض مشروعات القوانين التي طرحت على الرأي العام في السنوات الأخيرة. وتنطلق المنصة في تقييمها من مدى ما توفره عناصر القانون المختلفة من حق متساوٍ للنساء والرجال؟ ويكشف المقال أن غالبية مشروعات القوانين عكست تشبثًا مستميتًا من أجل استمرار علاقات القوى في العلاقات الزوجية لصالح الرجال، والبعض منها يتراجع حتى عمَّا توفره القوانين السارية حاليًا، مثل حق الولي في فسخ عقد الزواج، أو قصر أسباب الطلاق للمسيحيين على علة الزنا وتغيير الدين فقط، بعد أن كانت تسعة أسباب. بل أن كل المشروعات المطروحة، تتناقض مع الدستور المصري نفسه، ومع التزامات مصر الدولية باستثناء مشروع مؤسسة قضايا المرأة الذي أشار إلى ذلك في إحدى مواده.

دراسة إيرتورك واحدة من فصلين مترجمين في هذا العدد مأخوذان عن كتاب مهم3 هو الدعوة النسوية في مجال الأحوال الشخصية4، الكتاب صادر عن منظمة التضامن النسائي للتعلم5 ويتضمن مقارنة عامة لثماني دراسات حالة تدور حول إصلاح قانون الأسرة في (الهند ولبنان وفلسطين وإيران وتركيا وكينيا والسنغال والبرازيل) عبر رصد طيف واسع من إستراتيجيات العمل التي اتبعتها النساء في التعبئة أو تكوين تحالفات أو الدعوة في سياقاتهن الخاصة المختلفة، وليس وفقًا لقانون أسرة نموذجي“. تطرح إيرتورك عددًا من الأسئلة المهمة مشابهة بدرجة كبيرة للأسئلة المثارة عندنا في السياق المصريقبل أن تشرع في المقارنة بين السياقات المختلفة: “هل يمكن للإصلاحات النابعة من أجندات الدولة أن تخدم الأهداف النسوية؟ هل القوانين العلمانية ضمانة المساواة الجندرية؟ كيف يمكن تطوير الحقوق الإنسانية للنساء في ظل التعددية القانونية؟ ما الثقافة الاجتماعية السياسية الأكثر ملاءمة لتعامل النسويات مع الدولة؟ ما احتمال حدوث تعبئة نسوية واسعة النطاق في سياقات الاستقطاب السياسي؟“. وتنهي عرضها بالتأكيد على أهمية تعددية أصوات النساء، حتى وإن أدت إلى الانقسام في بعض الأحيان، إلا أنها توفر شرطًا مهمًا لبناء عالمية حقوق الإنسان التي تستوعب التنوع ليس فقط بين المجتمعات ولكن أيضًا داخل المجتمعات، والتي سترتبط تجلياتها بطبيعة الحال بالسياق الذي تجري فيه وتؤكد على الحاجة لإعادة تنشيط الترابط بين حركات المقاومة النسائية والتحالفات النسوية العابرة للحدود، لكي يمكننا الحديث بشكل واقعي عن تصور للفقه القانوني النسوي والدفاع عنه. وحتى هذا الحين، يجب على النسويات التأكيد بإصرار على أنه إذا كانت المساواة الجندرية التزامًا بموجب المعاهدات المتفق عليها دوليًا ومدرجة في الدساتير الوطنية، فيجب إعطاؤها الأولوية على أي نص قانوني آخر يحاول الحكم بخلاف ذلك“.

ومن نفس الكتاب اخترنا ترجمة الدراسة المتعلقة بالهند للكاتبة كالبانا كانابيران. تتناول الدراسة بالتحليل نضال النسويات الهنديات على اختلاف انتماءاتهن الدينيةللتصدي للعنف ضد المرأة في الأسرة، ويتتبع النقاشات النسوية والمناصرة، والإصلاحات القانونية، وتزايد تناول الفقه القانوني والسياسات العامة (الوطنية والدولية) لقضية العنف المنزلي وعلاقاتها بالتمييز الجندري في قوانين الأسرة، منذ أوائل ثمانينيات القرن الماضي وحتى سنة 2016. كما أن الدراسة تثير قضية مهمة، وشديدة الصلة بالواقع المصري، ألا وهي كيف يؤثر التقاطع بين عوامل العرق والدين والطبقة على نضال النساء لتغيير القوانين. ومن جانب آخر تقدم منظورًا مهمًا للمأزق الذي تجد فيه النسويات من الأقليات الدينية (المسلمات في حالة الهند) أنفسهن مكبلات فيه بين اختطاف خطابهن النسوي من قبل الأغلبية (الهندوسية)، وبين احتياجهن للتصدي للموقف الأبوي الذي يفرضه عليهن رجال الأقلية التي ينتمين لها؛ حتى نستطيع أن نأخذ في الاعتبار التداخل بين حقوق الأقليات وحقوق النساءوكيف تتحدى الشبكات التي تقودها نساء مسلمات سلطة النخبة الدينية في تمثيل مجتمع المسلمين، وكيف تعيد في الوقت نفسهصياغة تصنيف المرأة المسلمةبالتأكيد على فعلها السياسي الرامي إلى تحسين حقوق النساء“. وهو منظور من المهم وضعه في الاعتبار عند مناقشة وضع النساء المسيحيات في مصر وعلى كيفية الوصول لآليات للعمل المشترك بين نساء الأقليات والأغلبية الدينية.

في عروض الكتب، تقدم لنا نولة درويش عرضًا لدراسة الباحثة الفرنسية هيلين دوفولرفيال، التسلسل التاريخي لحقوق النساء في فرنسا من الثورة الفرنسية حتى الفترة المعاصرة، والتي تتتبَّع حقوق الفرنسيات في القوانين على مدار أكثر من قرنين. ترى دوفال أن القانون –باعتباره ظاهرة اجتماعية – يعكس ويولد أنماط العلاقات الاجتماعية بين الجنسين، ويمثل أداة مهمة للنضال؛ وأن بحثها هو مجرد نقطة انطلاق سوف يترتب عليها القيام بمزيد من الفحص القانوني من قِبَل متخصصين في كل مجال من المجالات التي تناولها البحث، وهي عديدة.

ركز عرض الدراسة –نظرًا لضخامتها (273 صفحة) وتناولها بالتحليل للعديد من القوانينعلى القوانين ذات الصلة بهذا العدد من طيبة لتوضيح الطريق الطويل الذي خطته النساء الفرنسيات نحو النيل بالمساواة القانونية بعد الثورة الفرنسية وحتى عام 2020، مبرزًا عددًا من المحطات الأساسية المهمة في هذه المسيرة وذات الصلة بنضال النساء المصريات من أجل قانون أحوال شخصية عادل، مثل: (الاعتراف القانوني عام 1965 بالأهلية القانونية للمتزوجات، والمساهمة المادية الفعلية للنساء من خلال قيامهن بالمهام والأعباء الأسرية، والاعتراف بالعنف النفسي لأول مرة، والحق المتساوي للزوجين في اختيار محل الإقامة عام 1975، والمساواة في السن القانوني للزواج بين النساء والرجال عام 2006، وأخيرًا القانون الذي استهدف حماية ضحايا العنف الأسرى عام 2020 والذي ينص على إيقاف حق الزيارة والاستقبال للطرف العنيف الموضوع تحت الاختبار). وينتهي العرض بإبراز تطور لغة الخطاب المستعملة وفلسفة القوانين فيما بين 1789- 2020 والتي اختلفت من المواطنفي الدستور الأول بعد الثورة الفرنسية، إلى المواطنة والمواطن، واستبدال مفاهيم الحمايةوالطاعةبالمسئولية المشتركة؛ وهو ما يؤكد أن التغيير ما زال ممكنًا، أو كما نادت المغربيات في نضالهن لتغيير قانون الأحوال الشخصية التغيير ضروري وممكن“.

في قسم الوثائق، بالإضافة إلى الوثائق التاريخية التي كان القسم يتضمنها، أضفنا في هذا العدد نوعًا جديدًا من الوثائق؛ وثائق حديثة لم تمضِ عليها سوى بضع سنوات، لكنها تضع سابقة ملهمة في مسيرة إصلاح قوانين الأحوال الشخصية. الوثيقة المعروضة في هذا العدد ترجمة لحكم محكمة كينية (2021) حول قضية اقتسام الثروة التي تكوَّنت أثناء الزواج، حكمت فيها القاضية بتقسيم قيمة منزل الزوجية مناصفة بين الزوجين، لكن الأمر المهم هو حيثيات الحكم التي ليس من العدل أو الإنصاف أن ينشغل أحد الطرفين فقط بكسب المال (الدخل المرئي“)، بينما يقوم الآخر بوظيفتين أو ثلاث وظائف أخرى في الأسرة ودخلها غير المرئي، ثم يدَّعي أن هذا الآخر لم يفعل شيئًاتربية الأطفال هي وظيفة بدوام كامل تدفع الأسر لشخص للقيام بها، وينطبق ذلك على الطبخ والتنظيف. ومن ثمَّ، يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار هذه المساهمة للمرأة العاملة التي عليها أن توازن بين إنجاب الأطفال وتربيتهم. كيف نضع قيمة نقدية لتلك العملية، التي تتحمل خلالها المرأة الحمل والولادة والعناية بالأطفال، وتتولى بعد الطلاق أو الانفصال العناية بالأطفال بمفردها دون أي مساعدة من والد الأطفال؟ هل تأخذ هذه المحكمة ذلك في الاعتبار عند توزيع الممتلكات الزوجية، عندما يبقى الزوج، كما في هذه الحالة، في بيت الزوجية، وتستأجر الزوجة منزلًا لتوفير المأوى لها وللأطفال؛ أعتقد يجب أخذه في الاعتبار، خاصة أن الزوج لم يكن داعمًا في تربية الأطفال، ولم يتحمل نصيبه من المسئولية الأبوية.

وختامًا لهذا العدد، يحلِّل لنا خالد فهمي قراءةً لوثيقة من القرن السابع عشر، لقضية مسجلة ضمن سجلات محكمة الإسكندرية الشرعية التي تقتنيها دار الوثائق القومية بالقاهرة مع المئات، بل الآلاف، من سجلات المحاكم الشرعية في طول البلاد وعرضها. يبدأ المقال بعرض لطبيعة هذه السجلات وتوضيح أهميتها كونها مصدرًا لدراسة، ليس التاريخ الاجتماعي أو الاقتصادي فحسب، بل لدراسة تاريخ الفقه أيضًا، الفقه الذي مورس على أرض الواقع وطُبِّق في المحكمة الشرعية. ثم يحلِّل الوثيقة/ القضية المرفوعة، والتي تتناول موضوعين يتعلقان بمؤسسة الزواج وهما النفقة وحقالزوج في تأديب/ضرب زوجته الناشز. وينتهي المقال بالتركيز على أهمية دراسة تاريخ المجتمعات الإسلامية وتطبيقها للفقه في موضوعات مثل: النكاح والنفقة والنشوز والخلع والطلاق، بدلًا من الاكتفاء بدراسة كتب الفقه التي تناولت هذه الموضوعات تنظيرًا وتجريدًا فقط.

أهمية مقال خالد فهمي تكمن، ليس فقط فيما تكشفه الوثيقة من تعامل النساء بفاعلية مع نصوص القانون السائد للحصول على حقوقها المتاحة فيه، ولكن الأهم فيما يطرحه باعتباره مقاربة للتعامل مع الفقه؛ بتوضيح الفرق المحوري بين النصوص الفقهية والممارسة الفقهية في الواقع المُعاش، وهي مقاربة مهمة تستدعي التأمل من الأقسام المختلفة للحركة النسوية، ويمكن أن تُسهم في رأب الصدع بين النسويات العلمانيات والنسويات الإسلاميات.

انتهى هذا العدد، لكن قضية النساء وقوانين الأحوال الشخصية ما زالت مفتوحة وتحتاج الى مزيد من البحث والكتابة والتعلم من الخبرات المتنوعة، ونأمل أن يمكننا عمل ذلك من خلال الأعداد القادمة من طيبة

 

1 كتيب الاتحاد النسائي المصري 1924 وتقرير الاتحاد النسائي المصري 1926، وجمعية ومجلة الأمل (منيرة ثابت 1930-1950)، والحزب النسائي المصري (فاطمة نعمت راشد 1942)، واتحاد بنت النيل (درية شفيق 1949)، نحن النساء المصريات (انجى أفلاطون 1949).

 

2 لابد من الإشارة إلى وجود أصوات منفردة اتخذت مواقف جذرية من قانون الأحوال الشخصية، مثل مطالبة منيرة ثابت بتعديل قانون الميراث ومساواة النساء بالرجال، ومطالبة إنجي أفلاطون بتحريم تعدد الزوجات.

 

3 نحن ممتنات للصديقة العزيزة إلهام عيداروس لترشيحها هذا الكتاب لهيئة التحرير، كما أننا مدينات بالشكر لكل الكاتبتين ياكين إيرتورك، وكالبانا كانابيران لموافقتهما الكريمة على ترجمة مقاليهما.

 

4 كتاب الدعوة والمناصرة النسوية، قوانين الأحوال الشخصية، العنف ضد النساء: منظور عالمي. تحرير ماهناز أفخامي، ياكين إيرتورك وآن إليزابيث ماير. صادر عن روتلدج، 2018.

Feminist Advocacy, Family Laws and Violence against women: International Perspective. 2018. Routledge

 

5 Women’s Learning Partnership (WLP). https://learningpartnership.org/

مقالات الاعداد

حقوق النساء في فرنسا من الثورة الفرنسية حتى الفترة المعاصرة
نفقة المرأة وضربها
وثيقة قضائية حول تقسيم الثروة الزوجية المشتركة
قانون الأحوال الشخصية، ووعود العدالة والمساواة والإنصاف
أداة نسوية لتقييم قوانين الأحوال الشخصية من منظور المساواة الجندرية
الدعوة النسوية حول قوانين الأحوال الشخصية في الهند
الدعوة النسوية لإصلاح قانون الأسرة نظرة عامة عبر البلاد
الولاية حقي: ياللا نحكي حكاياتنا
شارك:

اصدارات متعلقة

أزمات متوازية، ما نصيب النساء منها؟
الانتقام الإباحي.. تهديد رقمي يلاحق النساء ويقتلهن أحيانا
هل يجب علينا الاهتمام بالتغيرات المناخية
نص مليون من العاملين / ات بالخدمات المنزلية منزوعين/ ات الحقوق
التغيرات المناخية تمثل خطر كبير علي صحة الحوامل والأجنية بشكل خاص
“تمكين النساء لمواجهة التغيّرات المناخية”… مبادرة “عالم بالألوان” في مصر
نساء السعودية.. حقوق منقوصة وقمع متواصل
العنف الأسري ضد المرأة
كيف تعزز ألعاب الفيديو الصور النمطية للجندر