تنظيم علاقات الزواج في العصور الوسطى بمصر

رقم الايداع:

2013/10761

رقم الطبعة:

الطبعة الأولى

تاريخ النشر:

2013

اعداد بواسطة:

تنظيم علاقات الزواج في العصور الوسطى بمصر

قراءة تاريخية وثائقية

مقدمة

كان لمؤسسة قضايا المرأة فضل السبق في توجيه الأنظار لأهمية التراث الغني للتجربة الاجتماعية لأمتنا عبر تاريخها ولاسيما في نطاق تنظيم الأحوال الأسرية، وذلك عندما صدر عنها في عام 2002 كتابصفحات من دفتر أحوال الأسرة المصريةوكان صدور الكتاب الذي استقبل بحفاوة في أوساط المجتمع المدني، مناسبة لأن يطلع الناشطون في حقل العمل من أجل إنصاف المرأة وتحقيق المساواة بينها وبين الرجل على جوانب من التجربة التاريخية لمؤسسة الزواج في العصور الإسلامية الوسطى ولعلها المرة الأولى التي عرف قراء هذا الكتاب أن الخلعكان معروفًا وشائعًا في العصر العثماني ليس بين المسلمين وحسب بل وبين الأقباط أيضًا.

وفي هذا الكتاب الذي يشرف مركز قضايا المرأة المصرية بتقديمه للقراء في العالم الإسلامي، عدد من الحقائق والرؤى التاريخية لوقائع العلاقات الأسرية في العصر الإسلامي، والمستقاة من وثائق لا سبيل للطعن على مدى مصداقيتها، أو حتى على مقدار التزامها بصحيح الدين.

ولعل القيمة الحقيقية لهذا العمل بغض النظر عن نوعية القضايا والإشكاليات التي يعرض لها، تكمن في دلالته القاطعة على تنوع الأجداد وعى حقيقة أن الذين يرفعون اليوم لواء السلفية التاريخيةهم في حقيقة الأمر في طليعة الذين تنكروا لهذا الإرث التاريخي والساعين لإهالة تراب النسيان عليه أو بالأحرى على جوانب مشرقة ومضيئة فيه لا لشيء سوى لتناقضها مع اتجاهات مغرضة تتستر وراء الدين لترويج قيم ومفاهيم اجتماعية من عصور الجهالة الغابرة.

من الجدير بالملاحظة أنه كانت هناك على الدوام اختلافات بينة في الطرق التي اتبعت لتنظيم علاقات الزواج، عقدًا وانفصامًا والخلافات الأسرية خلال العصور الوسطى بل وحتى منتصف القرن التاسع عشر تقريبًا ، ولم تظهر الصيغ الموحدة لعقود الزواج إلا في القرن العشرين ، كما أدت التعديلات التشريعية المختلفة في مصر إلى نشأة نظام للتقاضي في الخلافات الأسرية تميز دومًا بقدر لا بأس من عدم المرونة واعتماده على النمطية فضلاً عن أنه يتميز بالأداء البطيء وأتاحت النصوص القانونية فرصًا لا نهائية لمن يرغب في إطالة أمد التقاضي للإضرار بالخصوم في الدعاوى.

ولا جدال في أن أنظمة التقاضي في أحوال الأسرة قد فقدت قدرتها على ملاحقة التغيرات الاجتماعية التي تسارعت وتائرها منذ النصف الثاني من القرن العشرين وآية ذلك تكدس المحاكم بالقضايا واستطالة أمد التقاضي أمامها بطريقة تخالف حكمة العدالة الناجزة في كفالة الحقوق لأصحابها في الوقت المناسب.

وليس من قبيل المبالغة في شيء القول بأن نصوص القوانين وإجراءات التقاضي وكذا إنفاذ الأحكام التي صيغت بشكل رئيسي في النصف الأول من القرن الماضي لم تكن قادرة على استيعاب التغيرات الاجتماعية الجوهرية التي مست جوهر المجتمع المصري والتي يمكن إجمالها فيما يلي :

1- زيادة الطابع المدني في بنية السكان وذلك بفضل الهجرة المنتظمة من الريف إلى المدن خاصة مع التوسع في إنشاء المصانع ومنافذ الخدمات المختلفة.

2- خروج المرأة لسوق العمل وتمتعها بحقوق لم تكن مكفولة من قبل مثل التعليم والحقوق السياسية.

3- انهيار نمط الأسرة الممتدة وغلبة نمط الأسرة النووية الصغيرة على التركيبة الاجتماعية.

4- رافق تلك المتغيرات السابقة إعادة نظر في الأدوار النمطية للنساء والتي ارتبطت دومًا بتربية الأبناء والقيام بأعباء الأعمال المنزلية والمساهمة في أعمال مساندة لمهنة الزوج أو حرفته( سواء في الزراعة أو الحرف اليدوية ).

5- تمتع النساء ولاسيما العاملات بقدر أكبر من الاستقلالية والاعتمادية وهو ما عزز التوجه نحو تحقيق قدر أكبر من التوازن والمساواة في واجبات واستحقاقات علاقات الزوجية.

6- الانفتاح المتزايد للمجتمع المصري على ثقافات أخرى بعضها أكثر انفتاحًا ( الأوربيون في النصف الأول من القرن الماضي ) وبعضها أكثر محافظة ( حقبة الهجرة إلى بلاد النفط في منطقة الخليج )

7- شهدت الثقافة المصرية تعايشًا غير مسبوق بين نمطين ثقافيين تختلف مناظير رؤيتهما للعلاقات الأسرية.

8- وأدى التجاذب بين النمطين إلى تعزيز دور المؤسسات الدينية، ورغبتها في الاستحواذ على جمهورها بل وفي توكيد التمايز الديني كأحد مكونات الصراعات الثقافية في مثل هذه الحالة.

9- إن النظرة الأكثر تشددًا والأقرب إلى المحافظة على الأنماط القديمة وإعادة إنتاجها بدت غالبة سواء بين المسلمين أو المسيحيين، ورغم ما شاب العلاقات بين رجال الدين على الطرفين من توترات ومشاحنات، إلا إنهم جميعًا عارضوا وبدرجات مختلفة من القوة أي إصلاح قانوني لمنظومة قوانين أحوال الأسرة.

ولسنا في حاجة هنا إلى إعادة التأكيد على ما هو معروف من أن النظم القانونية هي في حقيقتها انعكاس لاحتياجات المجتمعات التي صيغت فيها هذه النظم بل هي بالأدق تعبير دقيق عن الثقافة السائدة والقوى الاجتماعية الأعلى كعبًا في السيطرة على النظم السياسية والاقتصادية والتشريعية ولا جدال في أن المجتمعات تلجأ نتيجة لذلك إلى إعادة النظر في أنظمتها القانونية إذا لم تجدها قادرة على تحقيق التوازن الفعال بين مصالح أطراف كل خصومة قانونية وبين مقتضيات العدالة.

وتعد حوارات أصحاب المصالح من المقدمات الهامة التي تحرص على رعايتها المؤسسات التشريعية والتمثيلية في البلدان الديمقراطية عند الشروع في صياغة القوانين لضمان أن يأتي أي تعدیل قانوني معبرًا عن مصالح الأغلبية في المجتمع.

وقد يكون من المفيد هنا أن نذكر أنفسنا بأن التاريخ الاجتماعي لمصر حافل بنماذج لا حصر لها للطرق التي حاول بها الناس، وكذا مؤسسات القضاء، أن يكونوا أكثر قدرة على الاستجابة لرغبات ومصالح المتقاضين دون إخلال بصحيح الدين إذ لم يحرموا حلالاً ولم يحلوا حرامًا.

ومن نوافل القول أن نشير إلى أن تقاليد الحضارة الإسلامية بمراعاة التنوع في الآراء والاتجاهات وحق الاعتقاد، قد أفسحت المجال فعليًا أمام كل المواطنين لاختيار الطريقة الأنسب لتأسيس العلاقات الزوجية وكذا لإدارة الاختلافات حولها.

فكان من حق المسلم أن يختار القاضي الذي سيمثل أمامه من بين أربعة قضاة يمثلون المذاهب السنية الأربعة، ومن المعروف لدى الكافة الاختلافات اليسيرة بين هذه المذاهب وخاصة عند تحرير عقود الزواج وانفصام العلاقة الزوجية. أما مساحة الاختيار لدى النصارى واليهود فقد كانت أكبر من تلك المتاحة للمسلمين، ففضلاً عن حقهم الأصيل في اللجوء لأنظمتهم القضائية الخاصة أو لرجال الدين في طوائفهم المختلفة كان من حقهم أيضًا الذهاب لأي من قضاة الشرع المسلمين، وفي تلك الحالة الأخيرة كان الأمر يتطلب موافقة طرفي عقد الزواج أو الخصومة الأسرية على المثول أمام القاضي المسلم، وبدون تلك الموافقة يستحيل نظر القضايا الأسرية أمام قضاة الشرع.

وفي ظل تلك الأوضاع تنوعت إلى حد كبير عقود الزواج وتنوعت الشروط التي كان من حق الزوجة تسجيلها في عقد الزواج، مثلما تعددت المعالجات القضائية للخلافات والتسويات الأسرية.

وسنعرض في الصفحات التالية لبعض النماذج التي تحفل بها الوثائق العربية لعقود الزواج وطريقة تحريرها ونوعية شهود العقود فضلاً عما تضمنته من شروطرأت الزوجة أو من يمثلها في العقد ضرورة النص عليها أو تعاليقاختار الزوج طواعية أن يلتزم بها لزوجته على نحو محدد.

 

انعقاد الزواج

أولاً: عقود الزواج

لابد من الإشارة بداية إلى حرص المصريين منذ القدم على تحريرعقود الزواج لإثبات العلاقة الأسرية من ناحية ولضمان حقوق أطرافها بمن فيهم الأبناء المحتملين.

وعلى الرغم مما تعرضت له الوثائق المصرية القديمة المسجلة على أوراق البردي من عوامل الفناء بفعل عاديات الزمن، إلا أن عددًا لا بأس به من الوثائق المتصلة بأمور الزواج قد وصلت إلينا لتدل على حقيقة أن المصري القديم كان يعتني بتحرير العقود في كل ما يخص الشئون العائلية وفي مقدمتها عقود الزواج.

وثمة خلافات بين علماء المصريات بشأن الزواج عند المصري القديم، فمنهم من يرى أن الزواج في العرف المصري كان ينعقد ويتم شفويًا وبمجرد التراضي بين الزوج ووالد الزوجة دون حاجة لإجراءات أو متطلبات أخرى، كأن يكون كتابة أو على يدي كاهن أو غيره من ممثلي السلطات الحكومية، ومنهم من يجزم بأن الزواج كان يتم وينعقد كتابة وهو أمر تشير إليه وتوحي به مختلف النصوص التي عثر عليها، إذ تشير وثائق بيوع المصريين القدماء ووصاياهم ومواريثهم إلى أن هذه التصرفات كانت تحرر كتابة ومنها ما كان يوثق أو يسجل ويثبت بشهود.

ويبدو واضحًا أن المصريين قد حافظوا عبر تاريخهم الطويل على عاداتهم في تحرير عقود الزواج.

ففي العصر الإسلامي، وعلى الرغم من أن الشريعة الإسلامية تعتبر عقد الزواج عقدًا رضائيًا ينعقد برضاء الطرفين وبحضور الشهود دونما إجبار على تحريره إلا أن أوراق البردي التي عثر عليها بمصر بدءًا من القرن الهجري الأول كانت تحوي عددًا لا بأس به من عقود الزواج.

أما في العصر العثماني فقد كانت المحاكم الشرعية هي الجهة المنوط بها تحرير عقود الزواج وحفظها، وقد أشار علماء الحملة الفرنسية في كتابهم وصف مصرإلى أن أفراد الطبقة الثرية في مصر كانوا أكثر حرصًا على أن يتخذوا شهودًا على زواجهم من بين رجال الدين الذين يكتبون عقد الزواج ثم يودعونه لدى الكاتب العمومي للمحكمة ،أما الفلاحون فيكتفون بتسجيل زيجاتهم عند قاضي الولاية. ومهما يكن من أمر فالمؤكد لدينا أن وثائق المحاكم الشرعية بالقاهرة والمدن الرئيسة مثل الإسكندرية ودمياط والمنصورة وأسيوط تحفل بما لا يمكن حصره عددًا من عقود الزواج لشرائح مختلفة من المصريين على اختلاف أصولهم ومعتقداتهم.

ومن الجدير بالإشارة هنا أن الزوجة (والزوج أيضًا) كانت تبرز للقاضي حجة الزواج المسطرة في المحكمة الشرعية بوصفها المرجع الرئيسي عند كل خلاف، مثلما فعلت صالحة بنت الحاج محمودعند طلاقها من زوجها شعبان بن محمدأمام قاضي محكمة الزاهد في 12 ربيع الثاني عام 1115 هجريا إذ أحضرت كتاب الزوجية بينهما المسطر في هذه المحكمة والمؤرخ في ثاني عشر المحرم الحرام افتتاح سنة اثنتي عشرة ومائة وألف ..” وذلك لتحديد ما تستحقه من مؤخر الصداق وحقوقها الأخرى، وهو ما يشير بوضوح إلى أن المحكمة كانت توفر نسخًا من عقود الزيجات لأطرافها فضلاً عما تحتفظ به في سجلاتها.

ولم يكن أمر تحرير عقود الزواج قصرًا على المسلمين وحدهم، بل تعداه إلى اليهود والنصارى حيث نجد بوثائق المحاكم الشرعية نماذج مختلفة لعقود زواج ليهود من طوائف مختلفة ولنصارى من الأقباط المصريين ونصاري الشام واستانبول أيضًا.

ولعقود الزواج على الدوام شروطها الشرعية التي يجب توافرها لضمان صحتها وفي مقدمتها صدور العقد برضاء طرفي الزواج ثم حضور الشهود على العقد.

وتوضح المواد الأرشيفية أنه لم تكن هناك طريقة واحدة للحصول على موافقة الزوجة أو تمثيلها في عقود الزواج مثلما تنوعت انتماءات الشهود الاجتماعية بل والدينية أيضًا. وسنعرض فيما يلي لأوجه تثبت القضاة من صحة أركان عقود الزواج.

(أ) موافقة الزوجة

كان من حق العروس دون إجبار أن تختار لها وكيلاً لإبرام عقد زواجها، ولكن إذا كانت قاصرًا ولا تتمتع بالولاية الكاملة على نفسها صار من المحتم أن تعين وكيلاً لها لتمثيلها في عقد الزواج وجرى العرف أن يكون الوالد هو الوكيل الشرعي لكريمته وفي حالة وفاته أو غيابه يكون وكيلها أقرب أقربائها أو حارسًا يعينه لها القاضي بموجب وصية، وإن كانت بالغة راشدة تعين هي وكيلها بنفسها أو تبادر هي إلى إبرام العقد بمثولها لدى قاضي الشرع مع الاعتراف بأن هذا الأمر الأخير هو من الندرة بمكان لأسباب اجتماعية عرفية لا علاقة لها بالدين، إذ كانت المرأة تفضل تقليديًا وجود وكيل عنها كتوكيد على الانتماء للأسرة باعتبارها شبكة الضمان الطبيعية لها أمام المجتمع.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن القاضي كان يقوم بنفسه بتزويج القاصر التي لم تجد لها وكيلاً لأسباب يرى هو وجهاتها. ومعنى ذلك أننا أمام أربعة أنواع من العقود فيما يتعلق بكيفية تمثيل الزوجة في عقد الزواج، ففضلاً عن إمضاء الزواج بدون وكيل كان هناك الزواج بوكلاء من أقرب الأقرباء والزواج بوكالة غير ذوي القربة، ثم أخيرًا الزواج بوكالة القاضي الشرعي.

1 – الزواج بدون وكلاء:

على الرغم من الاعتراف بأن تزويج المرأة لنفسها مباشرة ودون الحاجة لوكيل لم يكن القاعدة العامة إلا أن وثائق المحاكم الشرعية تحفل بأمثلة متعددة توضح أن بعض عقود الزواج كانت تحرر بين الزوجين دون حضور وكيل عن الزوجة، وخاصة إذا ما كانت الزوجة ثيبًاسبق لها الزواج سواء بالطرف الآخر للعقد أو بآخر غيره.

ومن أمثلة تلك العقود التي خلت من وكلاء للزوجة:

1- عقد زواج حرره القاضي الحنفي لمحكمة الصالحية النجمية في 19 ذي الحجة عام 976 للهجرة (سجل رقم 453 – حجة 17) وقد جاء فيه “….. بعد أن أخبرت الحرمة دلال ابنة المرحوم محمد بن جويني البرلسي بأنها خلية عن نكاح وهي حل للزواج وحلفها (القاضي) على ذلك الحلف الشرعي تزوجت بخاطبها المعلم أحمد بن جميل بن جميل الشلبي..”.

2- عقد زواج محرر في 27 ذي الحجة عام 977 هجريًا بالمحكمة السابقة (حجة 130) وفيه “… أخبرت الحرمة زينب المرأة ابنة علي بن عبد القادربأنها حل للزواج خالية من الموانع الشرعية، ثم تزوجت بنفسها المعلم أبو الخير بن بيبرس بن ناصر الدين البصطي“.

3- عقد زواج صادر عن ذات المحكمة (حجة 508) في الثالث من شهر صفر عام 977 هجريًا وقد أثبت فيه القاضي الشافعي زواج خديجة المرأة محمد بن علي الشهير بابن عقيلمن خطيبها محمد بن عبد القادر بن محمد اللبوديوأن الزوجة قد قبضت بيدها صداقها وقدره أربعة دنانير“.

والحقيقة أننا لدينا بوثائق المحاكم الشرعية تشير إلى قبض الزوجة بنفسها لصداقها حتى في حالة وجود وكيل يمثلها في مجلس القاضي.

وثمة عقود زواج لغير المسلمين جرى تحريرها بالمحاكم الشرعية وتفيد أن الزوجة لم تنتدب وكيلاً عنها لإتمام الزواج منها عقد زواج ليهودي تزوج بمخطوبته دون وكيل عنها وقد حرر لدى القاضي الحنفي بمحكمة باب الشعرية(سجل رقم 624 – حجة 82) في 24 ربيع الأول عام 1085 ه وقد سجل فيه أصدق الذمي يعقوب ولد الذمي سلمون اليهودي الرومي الاستانبولي السمسار مخطوبته الذمية مرحبة المرأة بنت الذمي سليمان اليهودية الصايغ والدها كان صداقًا قدره …. مقبوضة بيدها منه قبضًا شرعيًا بتمام ذلك وكماله حسب اعترافها بذلك على أن الزوجة المذكورة حلفت على أنها خالية من كل زوج وعدة وعن كل مانع شرعي بالله العظيم احتياطًا الحلف الشرعي“.

وبصفة عامة كان زواج المرأة بدون وكيل عنها يكاد أن يكون قصرًا على السيدات اللاتي سبق لهن الزواج، ولم نعثر في وثائق المحاكم الشرعية التي تيسر الاطلاع عليها على حالات مماثلة لزوجات من الأبكار، وكان القاضي يقوم غالبًا بتحليف الزوجة بأنها خالية من الموانع الشرعية للزواج خاصة إذا كان زوجها السابق غير زوجها العاقد عليها فقد كان مثل هذا الاجراء غير متبع إذا كانت الزوجة تعود إلى مطلقها.

2- الزواج بوكلاء من الأقارب

كان الوالد غالبًا هو الذي يقوم بدور الوكيل عن ابنته، وخاصة في مناطق الريف المصري كما يلاحظ ذلك في وثائق محكمة دمياط بالوجه البحري وكذا محكمة أسيوط بالوجه القبلي وكان الوالد هو الذي يقبض مهر ابنته ويقر باستلامه. ويتم ذلك في الأرياف بغض النظر عن حالة الزوجة إذا كانت بكرًا لم يسبق لها الزواج أو ثيبًا سبق لها الزواج.

ومن أمثلة زواج البكر حتى لو كانت بالغ بوكالة والدها وثيقة زواج بالمحكمة الصالحية النجمية (سجل رقم 453 – حجة27) مؤرخة في 18 ذي القعدة من عام 976للهجرة جاء بها “.. أصدق الشيخ العلامة علي بن الشيخ زين الدين بن الشيخ محمد بن علي القاياتي مخطوبته الحرمة ملوك البكر البالغ ابنة حمد بن ناصر بن إبراهيم الحلبي الصايغ صداقًا قدره …… المتفق على قبضه قبل الدخول والإصابة اعترف والدها بقبضه لها“.

ربیع وهناك أيضًا عقود زواج لثيبات كلفن في إبرامها آبائهن مثلما نجد في حجة بمحكمة باب الشعرية(سجل رقم624 – حجة 3) مؤرخة في مستهل الأول عام 1085 هجريًا وفيها أصدق الزوج السيد الشريف منصور الحسيني شيخ طائفة الشماعة بمصر المحروسة مخطوبته السيدة الشريفة حنينه المرأة بنت السيد الشريف باز بن السيد سالم صداقًا قدره مقبوض من الحال المذكور لها منه بيد والدها باز المذكور أعلاهالقبض الشرعي باعترافه “.

وفي الحالات النادرة التي تزوجت فيها واحدة من بنات القادة العسكريين من الأتراك في حياة والدها، كان الوالد يقوم بالوكالة عن ابنته كما نرى في حجة زواج محررة بمحكمة قوصون (سجل رقم 298 – حجة 277) في 27 رجب عام 1155 سجل بها أصدق فخر الأمثال الكرام الشهابي أحمد جلبي بحق الجناب المكرم الأمير محمد أفندي مخطوبته فخر المخدرات وتاج المستورات ذات الحجاب الرفيع والحصن المنيع الدرة المخزونة والجوهرة المكنونة المصونة كريمة البكر ابنة فخر أرباب الإقبال العظام الجناب العالي الزيني مصطفى جلبي مهتار باشا بخدمة المقر العالي الأمير سليمان بك أمير اللواء بمصر المحروسة حالاً..”

وفي حالات الزواج التي لجأ فيها بعض الأقباط إلى تسجيلها لدى القاضي الشرعي بموافقة طرفيها نجد أن الوالد إذا ما كان بالحياة يقوم بالوكالة عن ابنته كما نشاهد في حجة شرعية مسطرة بمحكمة باب الشعرية (سجل رقم 624 – حجة 400) وهي مؤرخة: بعام 1133 هجريًا وقد جاء بها أصدق المعلم برسوم ولد المعلم إبراهيم عوض النصراني اليعقوبي المباشر مخطوبته الذمية سنية البكر البالغ بنت المعلم ميخائيل اليعقوبي المباشر الشهير بالسنقراوي على صداق قدر حال مقدمه من الفضة الأنصاف العددية معاملة تاريخه بمصر المحمية ستة آلاف نصف فضة المقبوض منه بيد وكيلها والدها المعلم ميخائيل المذكور الثابت عنها توكيله في ذلك..”.

ويأتي أخ الزوجة في المرتبة الثانية بين الأقارب الذين قاموا بالوكالة عن الزوجات في إبرام عقد الزواج وفي مثل تلك الحالات كان لزامًا على القاضي أن يسجل بوضوح وكالة الأخ الشرعية عن أخته وأن يبين إذا ما كان الأخ الشقيق أو هو الأخ لأبيها أو لأمها “. ففي حجة مسطرة بمحكمة الصالحية النجمية في 18 ذي الحجة عام 967 للهجرة خاصة بزواج الشرفي يحي بن محمد بن محمد عرف بابن كتيلة المدولب في الطواحين بالديار المصريةمن مخطوبته الحرمة سعد الملوك ابنة المرحوم الشيخ ولي الدين أحمد بن المرحوم الشيخ فخر الدين محمد الشهير والدها بابن أصيل قبض صداقها بيد أخيها لأبيها الشيخ كمال الدين بطريق التوكيل عنها في ذلك..”.

ونرى الأمر عينه في عقد زواج محرر بمحكمة باب الشعرية في 4 شعبان عام 1085 للهجرة ولكن أطرافه في هذه المرة من نصاری استانبول حيث قام الأخ الشقيق بالوكالة عن أخته ومما جاء بهذا العقد “.. أصدق الذمي اسطادويس المدعو عطا الله (اسمه المعروف به في مصر) ولد الذمي موسى النصراني ألأرملي الاستانبولي مخطوبته الذمية ميلم المرأة بنت الذمي سفر النصراني الاستانبولي خمسة عشر قرشًا مقبوض ذلك لها بيد أخيها شقيقها هو الذمي عوض النصراني بطريق وكالته الثابتة في ذلك..”.

ولدينا أيضًا ما يفيد أن بعض الزيجات كانت تتم بوكالة الأم عن ابنتها باعتبارها الولية الشرعية لها ومن ذلك حجة مسطرة في تاريخ 2 ذي القعدة عام 1085 للهجرة بمحكمة باب الشعرية قيد بها ما يلي أشهدت عليها الحرمة جندية بنت غنيم الدمياطية الثابت معرفتها لدى مولانا المومئ إليه (القاضي) بشهادة زوجها المحترم عبد الكريم بن منصور الخضري والسيد الشريف داود بن السيد سليمان النواوي الثبوت الشرعي وهي الولية على ابنتها المصونة فاطمة القاصر بحكم أن لا ولي لها .. أنها قبضت وتسلمت واستوفت ووصل إليها من زوج ابنتها المحترم محمد بن فتوح الشهير بفليفل السقا مقدم صداق ابنتها المذكورة المتصادق عليه..”.

ونستطيع القول من خلال ما تحفل به وثائق المحاكم الشرعية العثمانية بالقاهرة أن الوكالة عن الزوجة في عقود الزواج كانت بالدرجة الأولى للأب ثم الأم بوصفهما الأولياء الشرعيين على أولادهما القصر، وترجع كثرة عقود الزواج التي وكلت فيها الزوجة وكيلاً عنها إلى حقيقة أن الزيجات كانت تتم والزوجات صغيرات السن قاصرات ولا يسمح الشرع لهن بتولي أمر أنفسهن ولكن الزوجة متى بلغت سن الرشد كان بإمكانها أن تمثل نفسها في عقد الزواج باعتبارها ولية نفسهاكما تذكر بعض وثائق المحاكم الشرعية. بيد أن أغلب الزوجات كن يفضلن مع تمتعهن بالأهلية توكيل من يستطعن أن يحتمين به أو أن يلجأن إليه ليدفع عنهن عند نشوب أية خلافات مع الزوج.

3 – الزواج بوكلاء من غير ذوي القربة

من الجدير بالملاحظة أن لجوء الزوجة إلى وكلاء من غير ذوي قرباها لتمثيلها في عقد الزواج كان شائعًا في الزيجات التي تتم في أوساط النخبة العسكرية، سواء من فرق الأوجاقاتكطائفة مستحفظان القلعة، أو في فرقة المماليك المعروفة تاريخيًا باسم جراكسة“. وكان هؤلاء بحكم أصولهم الأوربية يفضلون الزواج بالجواري البيض المعتقات، وهن أيضًا من أجناس، كالروسيات والمجريات والجورجيات.

ونظرًا لأن طرفي عقد الزواج في مثل هذه الحالات غالبًا ما يجهل اسم آبائهم أو آبائهن فإن الجندي منهم كان يعرف بأنه (فلان) بن عبد الله، فكل واحد منهم ابن لعبد من عباد الله لا نعرف اسمه لسابق وقوعهم في الرق قبل الالتحاق بالجندية.

وبالطبع فإن الزوجات في هذه الحالات وكل واحدة منهن بنت عبد اللهليس لواحدة منهن ولي من ذوي قرباها ولذا فهي تقوم بتوكيل أحد العسكريين ليمثلها في عقد الزواج، وغالبًا ما يكون هذا الوكيل سيدها السابق أو أحد رفاقه في الفرقة العسكرية ، أو من زملاء زوجها.

وتحفل وثائق المحاكم الشرعية بنماذج لا حصر لها لعقود زواج كان وكلاء الزوجة فيها من الغرباء عنها كليًا. ومنها حجة من محكمة الباب العالي (سجل رقم 181) مؤرخة في 3 ربيع الأول عام 1106 للهجرة خاصة بزواج الشمسي محمد بن عبد الله من طايفة مستحفظان بمصر المحمية من مخطوبته أم حصان المرأة ابنت عبد الله البيضا المعروفة بعتاقة الأمير مصطفى أغاوكان القابض لها لمهرها وكيلها فخر أمثاله وأقرانه الأمير حسن عبد الله من طايفة مستحفظان مصر المحروسة بطريق وكالته الشرعية عنها في ذلك..”.

وهناك أيضًا عقد زواج في محكمة قوصون (سجل رقم 298)بتاريخ 18 المحرم عام 1155 هجرية كان الزوج فيه الأمير إبراهيم أغا بن عبد الله أما الزوجة فكانت مخطوبته مستولدتهأي أنها كانت جارية له وولدت له فأعتقها ثم تزوجها وهي المصونة فاطمة خاتون بنت عبد الله البيضا الجركسية الجنس المنجز عتقها من يوم تاريخه،أما وكيلها فكان الأمير حسين بن عبد الله“.

ومما يحسن تسجيله في هذا السياق أنه إذا ما تزوجت واحدة من بنات العسكريين بعد وفاة والدها كان واحدًا من أبناء العسكر المماثلين لها أي الذي يعرف اسم والده يقوم بالوكالة عنها في عقد الزواج. ومن المعروف أن أبناء هذه الطبقة من الأمراء كانوا يعرفون منذ نهاية العصر المملوكي باسم أبناء الناستمييزًا لهم عن المماليك المجهولين النسب.

ومن أمثلة عقود الزواج الخاصة بهذه الطبقة من أولاد الناسما سطره القاضي بمحكمة الباب العالي (سجل رقم 181) بتاريخ 11ربيع الأول 1106 هجرية عن زواج محمد بن المرحوم ناصف من طايفة مستحفظان قلعة مصر المحروسة وخاصكي سو باشا من مخطوبته الحرمة كريمة البكر البالغ ابنة المرحوم الأمير أحمد جاويش بديوان مصر كانأما وكيل الزوجة فكان بدوره من أولاد الناس وهو العلاني علي بن عبد الرحيم جلبي..”.

أما فيما يتعلق بالزيجات المختلطة بين العسكريين والمصريين فهي لم تكن تخضع لقواعد واحدة فيما يتصل بوكلاء الزوجات.

ففي حجة محررة بمحكمة الباب العالي في 7 ربيع الأول عام 1106 للهجرة كان الزوج مصريًا وهو المحترم المكرم رمضان بن الحاج قانصوه القصابوالزوجة جارية تم عتقها وهي الحرمة حنيفة المرأة ابنة عبد الله البيضا اللون المعروفة بعتاقة فخر الأعيان الأمير عمروقد اختارت حنيفة أن يكون وكيلها العاقد لها بإذنها ورضاها له في ذلك فخر الأشراف الكرام السيد الشريف أحمد بن السيد الشريف علي الروبي “.

وعندما تزوج فخر الأمثال الكرام الزيني حسان بن المرحوم علي الأسمر بمخطوبته المصونة هوا خاتون بنت عبد الله البيضاكانت الزوجة مشمولة بولاية فخر الأقران المكرمين الحاج على بن عبد الله من طايفة مستحفظان“.

وفي واحدة من الزيجات النادرة بين زوج من العسكريين وسيدة مصرية سجلتها محكمة جامع الزاهد (سجل رقم 68) بتاريخ 9 رمضان 1115 للهجرة تزوج فخر أمثاله كمال أقرانه العلائي علي بن عبد الله من طايفة مستحفظان قلعة مصر المحروسةبمخطوبته الحرمة حنينه المرأة بنت عمر الطحان، ورغم أن والدها كان على قيد الحياة إذ لم يسبق اسمه نعت المرحوم،إلا أن وكيلها في الزواج كان فخر أقرانه الشهابي أحمد بن علي من طايفة جمليان“.

4 – الزواج بوكالة القاضي الشرعي

كان القضاة يعتبرون أنفسهم ولاة من لا ولي لهن من الزوجات حتى إن كن في سن البلوغ إذا ما رغبت الزوجة أن يكون القاضي وكيلاً عنها في عقد الزواج. ففي حجة زواج مسطرة بالمحكمة الصالحية النجمية ما نصه عادت المصونة زليخة المرأة ابنة علي بن يونس إلى عصمة مبينها الزيني جعفر بن عبد الله الرومي الحداد زوجها منه بذلك بحكم أن لا ولي لها الشرع الشريف الحاكم المشار إليه تزويجًا شرعيًا..”.

أما اليتيمات وكذا مجهولات النسب وخاصة القاصرات منهن، فقد كان القاضي الشرعي هو وليهن الطبيعي، وكانت مثل هذه الزيجات تلقى احترامًا كبيرًا وقبولاً واسعًا في المجتمع المصري باعتبار أن الزوج الذي يقدم على التزوج من يتيمة إنما يقوم بأحد أعمال البر والمعروف الحقيقة بحسن ثواب الله في الدنيا والآخرة.

ومما سجله القاضي الحنفي بمحكمة قوصون (سجل رقم 298) بتاريخ 20 شعبان عام 1156 للهجرة عقد زواج قام فيه القاضي بالوكالة عن قاصر دون البلوغ بتزويجها برجل بينما عهد لأحد شهود العقد باستلام مقدم صداقها ليبقى وديعة لديه لحين بلوغها. والزوج في هذا العقد هو محمد الطباخ بن المرحوم حمادوزوجته الصغيرة هي مباركة البكر القاصر الآن عن درجة البلوغ بنت المرحوم عبد الله المشمولة بولاية مولانا أفندي المومئ إليه (القاضي) أعلاه الولاية العامة بالطريق الشرعي ، أما صداقها المعجل فقد سلمه الزوج بيد الحاج شرف الطباخ بن موسى ونبه القاضي الوكيل عن الزوجة على الحاج شرف المذكور أن يقوم بحفظ وصون ما قبضه للزوجة المذكورة وهو مقدم صداقها إلى حين بلوغها وطلبها منه ذلك، كذلك كما هو واجب عليه شرعًا“.

(ب) شهود العقود

لما كان حضور الشهود على عقد الزواج هو أحد أركان شرعيته، فقد كانت حجج الزواج المحررة في المحاكم الشرعية العثمانية تتضمن دومًا أسماء شهود كل عقد وهم غالبًا شاهدان وقد يزيد العدد في بعض الحالات إلى ثلاثة أو أربعة شهود، والشهود قد يكونوا جميعًا من أقارب الزوجين أو زملاء العمل والمهنة، وقد يشهد العسكريون على عقود زواج لمصريين والعكس بالعكس. ومما يسترعي الانتباه في هذا الصدد أن العسكريين كانوا يبدون حرصًا زائدًا على أن يكون واحدًا على الأقل من شهود عقود زواجهم على الأقل من رجال الدين. ومن الأمثلة الدالة على ذلك الحرص عقد زواج محمد بن عبد الله مستحفظانمن أم حصان البيضاإذ كان شهود العقد كل من الشيخ العمدة الفاضل شهاب الدين أحمد بن المرحوم الشيخ عبد القادر والشيخ العمدة الأكمل نور الدين علي بن الشيخ منصور الإمام“. ويعود حرص العسكريين على هذا التقليد ليس فقط إلى الرغبة الكاملة في إسباغ طابع الشرعية على عقد الزواج بل أيضًا إلى حرص المماليك ورجال الأوجاقات على أن يظهروا أمام المجتمع في صورة حماة الدين الحادبين على رجاله ورموزه، كما لا يمكن أن نغفل دلالة ذلك على طبيعة علاقة الاعتماد المتبادل بين رجال الدين والطبقة العسكرية الحاكمة. وقد لاحظ علماء الحملة الفرنسية في كتابهم وصف مصرأن رجال الدين الذين كانوا يتولون عقد زيجات للعسكريين، كانوا يبادرون إلى إيداع كتاب الزوجية بعد ذلك لدى الكاتب العمومي للمحكمة.

ومما له دلالته العميقة على طبيعة العلاقات الحميمة بين الأقباط والمسلمين أنه قد يحدث في بعض زيجات المسيحيين المسجلة في المحاكم الشرعية أن يكون شهود العقد من المسلمين كما نرى في عقد محرر بمحكمة باب الشعرية بتاريخ 1133 للهجرة خاص بزواج المعلم برسوم ولد المعلم إبراهيم عوض النصراني اليعقوبي بمخطوبته سنية البكر البالغ ابنة المعلم ميخائيل اليعقوبي وكيلها الحاضر بالمجلس فقد كان شاهدا العقدمحمد بن على الوايلي، والمحترم المكرم سالم بن عامر“.

ولكن القاعدة العامة المرعية كانت اللجوء لشهود ينتمون لذات ديانة وطائفة الزوجين مثلما رأينا في عقد زواج اثنين من نصاری استانبول إذ كان شاهدا العقد الذمي سفر الخباز بخط الدرب الأحمر والذمي بهادر ولد الذمي بركات النصراني الاستانبولي كلاهما“.

والحقيقة أن غير المسلمين لم يكونوا ملزمين بإحضار شهود على عقود الزواج الخاصة بهم عند تحريرها أمام القاضي الشرعي، فهذا الأمر من الشروط اللازمة فقط لصحة عقود زواج المسلمين ولكن الأقباط جريًا على عادة عامة المسلمين كانوا يحرصون على وجود الشهود بينما لم يبد اليهود ذات الحرص مثلما نرى في عقد زواج يعقوب ولد الذمي سلمون الرومي من مخطوبته مرحبة بنت سليمان اليهودية غذ تم تحريره دون ذكر لشهود على هذا العقد.

(ج) الصداق

ارتبط الزواج منذ العصور القديمة بالمهر أو الصداق الذي يقدمه أحد طرفي الزواج للطرف الآخر ومع الاعتراف بأنه في بعض المجتمعات والشرائع كانت الزوجة هي التي تقدم المهر فإن التقليد الأكثر شيوعًا يظل قيام الزوج بتقديم المهر لزوجته.

وفي عقود الزواج التي وصلتنا من العصور المصرية القديمة يتضح أن المهر كان يسمى في العقد ولم يكن ينظر إليه باعتباره عنصرًا عرفيًا في الزواج لا يؤثر وجوده أو غيابه عن العقد في صحته. والمؤكد أن المصريين القدماء اعتبروا المهر جزءًا لا يتجزأ من عقد الزواج وحكمًا من أحكام الزواج فضلاً عن كونه حقًا من حقوق الزوجة على زوجها. وقد يتفق طرفا عقد الزواج على أن يكون المهر مؤجلاً كله أو بعضه وفي هذه الحالة تتسلم الزوجة القدر المؤجل من مهرها إذا ما طلقها زوجها دونما خطأ من جانبها أو عند زواجه بأخرى أو في حالة وفاته.

أما ما كانت تقدمه المصرية القديمة من أموالها للزوج ويتم النص عليه في عقد الزواج، فقد كان بمثابة أمانة أو وديعة لديه يردها إليها عند الطلاق.

وخلال العصور الإسلامية كان المهر حقًا شرعيًا للزوجة تتسلمه بنفسها أو عبر وكيلها ويسجل ذلك تفصيلاً في عقد الزواج سواء تلك التي تخص المسلمين أو الأقباط واليهود ويصح أن يكون المهر كله معجلاً مقبوضًا في الحال، ولكن الشائع أن يؤجل بعضه إلى آجال يتفق عليها في العقد وقد يكون الأجل هو لحين حلول أي من الأجلين (الطلاق أو وفاة الزواج). وتجدر الإشارة إلى أن عاجل الصداق أو مقدم المهر كان يتراوح بين نصف الصداق وثلثيه.

1 – آجال الصداق

لم تكن هناك قاعدة واحدة لتعيين آجال الصداق وإن كان الغالب على عقود الزواج أن تقبض الزوجة مقدم صداقها أو ما هو على الحلولويبقى لها الآجل أو المؤخر إلى حين طلاقها أو موت زوجها، وفي الحالة الأخيرة كان هذا المؤخر يستوفي من تركة المتوفي قبل الشروع في تقسيمها وهو ما تؤكده وثائق محكمتي القسمة العربية والقسمة العسكرية. فقد كانت الزوجة تتقدم إلى قاضي القسمة بحجة زواجها التي تحدد مقدار مؤجل صداقها المستحق لها عند الزوج.

وفي بعض عقود الزواج كان الصداق يؤجل بكامله إلى أن يحل لها عليه بموت أو فراق زوجها، أو يؤجل الثلث ليحل عليه بموت أو فراق أيضًا. ولم يكن ذلك التأجيل قصرًا على عقود زواج المسلمين فحسب بل نجده أيضًا في عقود زواج الأقباط المصريين واليهود المحررة في المحاكم الشرعية.

وفضلاً عن ذلك كله كان من حق الزوجة أن تؤجل ما يتبقى لها من صداقها بعد القسم الحال لها عند إبرام عقد الزواج قبل الدخول بها للمدة التي تراها هي مناسبة.

ويظهر أن ذلك التأجيل كان فاشيًا في بداية العصور الإسلامية بمصر ثم أخذ يتراجع تدريجيًا ولاسيما في نطاق القاهرة العاصمة بينما لم تتخل الأرياف تمامًا عن هذا التقليد القديم.

ففي وثيقة زواج محررة على أوراق البردي يرجع تاريخها إلى ربيع الأول عام 259ه أجلت الزوجة عائشة بنت يوسف نصف صداقها المستحق لها من زوجها إسماعيل مولى أحمد بن مروان القرشي لمدة خمس سنوات تبدأ من تاريخ تحرير العقد.

ولم يختلف الحال عن ذلك في عقود زواج الأقباط المصريين التي تم العثور عليها في أوراق البردي العربية، فعند زواج هنيده ابنت إسحق بن سريمن يعقوب بن إسحق بن يحي النساجفي جمادى الآخر عام 270ه، أجلت نصف صداقها لمدة خمس سنين تبدأ من تاريخ العقد. ونفس الأمر فعلته القبطية المسيحية دورا ابنت شنودة إذ أجلت نصف صداقها على زوجها يحنس بن شنودة لمدة خمس سنين أولهن شعبان من سنة إحدى وسبعين ومائتين .

ومن الطريف أن الأجل المضروب لاستحقاق آجل الصداق كان يقصر أحيانًا لعدة ليال، ففي إحدى أوراق البردي العربية التي نشرها النمساوي أدولف جروهمانأخرت ضياء ابنة عثام ثلاثة دنانير من جملة صداقها وقدره أربعة دنانير على زوجها حسن المكنا بأبي القدر إلى انقضاء خمس ليال متواليات أولهن تاريخ كتاب الزوجية المحرر في العشر الأخير من جمادى الآخر سنة إحدى وستين وأربعمائة“.

ونلمح بقية من هذا التقليد العتيق في وثائق الزواج المحررة بمحكمة أسيوط الشرعية، حيث اعتاد أهل صعيد مصر عند تحرير عقود الزواج تقسيط القدر الآجل من المهور ( وكان يتراوح بين النصف والثلث) لسنوات قد تطول أو تقصر. ومن أمثلة ذلك عقد زواج بهذه المحكمة (سجل رقم 5) مؤرخ في 17 صفر 1113ه جاء به ما يفيد زواج محرمة بنت المحترم الحاج عبد المحسن بن المرحوم الحاج عبد الفتاحمن المحترم شحاتة بن المرحوم المعلم رمضان بن المرحوم عبد الغني وذلك على صداق قدره 60 قرشًا دفع منها في الحال 30 قرشًا وقسط عليه الباقي لمدة خمسة عشرة سنة على أن يدفع لها قرشين في كل عام بدءًا من شهر تاريخ تحرير العقد.

وفي عقد آخر تم تقسيط بقية الصداق على ثماني سنوات بحساب قرش عن كل عام.

وقد تتطاول مدة التقسيط لآماد بعيدة كما في حجة زواج البكر خاص ابنة المحترم عبد الكريم من هيكل بن المرحوم حسين إذ دفع الزوج من إجمالي صداقها المقدر بثمانية وأربعين قرشًا ما قدره خمسة عشر قرشًا وأجل تسعة قروش لحين موته أو طلاقها، والمتبقي بعد ذلك وقدره 24 قرشًا مقسطة لها عليه لمدة أربعة وعشرين سنة، وذلك بحساب قرش واحد عن كل سنة.

2 – مبلغ الصداق وقيمته الشرائية

كان الصداق أو المهر يقرر باتفاق ورضاء طرفي عقد الزواج، ومن ثم تراوح مقداره بين الارتفاع والانخفاض بحسب الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لهما.

ورغم أن هناك من يظن بأن صداق البكر التي لم يسبق لها الزواج كان على الدوام أعلى من صداق الثيب التي سبق لها الزواج، إلا أن وثائق المحاكم الشرعية تشهد بأن ذلك لم يكن أمرًا مرعيًا على طول الخط، ففي زيجات كثيرة لثيبات كان صداق الزوجة أعلى بشكل ملحوظ من صداق الأبكار.

ويبدو واضحًا أن مقدار مبلغ الصداق كان يرتبط بالدرجة الأولى بقدرات الزوج المالية وبنفس الدرجة تقريبًا بالوضعية الاجتماعية لأهل الزوجة، كأن يكون والدها من طبقة العسكر أو من أرباب الوظائف الديوانية أو من التجار.

ومهما يكن من أمر، فإن الزوجات الشريفاتوهن المنتسبات لأسر الأشراف من أرومة بيت النبوة، قد تقدمن على الدوام قائمة السيدات اللاتي حصلن على مهور كبيرة ولم تنافسهن في هذه المكانة، وهذا من المفارقات، سوى الجواري المعتقات من ذوات الأصول الأوربية.

ويمكن فهم ارتفاع مهور الشريفات على ضوء المكانة البارزة التي حظي بها المنتسبين لبيت الرسول (صلى الله عليه وسلم) وما كانت تحرص عليه الإدارة العثمانية من توفير مخصصات مالية وعينية لهم، فضلاً عن التزامهم بتقاليد الزواج الداخلي ومن ثم فنحن بصدد عقود زواج أطرافها من ذوي اليسار. ذلك فضلاً عن أنه من الوارد وباعتبار ضرورات المباهاة الاجتماعية والرغبة في إظهار التميز عن بقية مكونات المجتمع، أن يتم تسجيل مبالغ كبيرة لمهور الشريفات بغض النظر عن المبلغ الحقيقي المسدد فعليًا.

أما ارتفاع صداق الجواري السابقات من ذوات الأرومة الأوربية بل والتركية فيمكن فهمه على نحو مختلف.

فقد شهد المجتمع المصري منذ عصر المماليك على أقل تقدير إقبالاً كبيرًا من الطبقات العسكرية ومن النخب المدنية على الزواج منهن لشهرتهن بالجمال الفائق وكلهن منتقيات بواسطة تجار الرقيق (النخاسون) لجمالهن، وكذا للون بشرتهن المختلف بشكل ملحوظ عن بشرة المصريات المائلة في الغالب الأعم لدرجات مختلفة من السمرة.

ولا عجب بعد ذلك أن نرى وثائق المحاكم الشرعية تساير المصادر التاريخية المعاصرة في وصف الواحدة منهن بأنها البيضاء اللون، أو كما كان يلحق باسم بعضهن صفة البيضا” (أشهرهن نفيسة البيضا زوجة مراد بك)،ولعل شهرة الجواري المعتقات بالانتساب لهذا اللون النادر بين سكان العروض المدارية الجنوبية يبرر كثرة الطلب عليهن والرغبة في الزواج منهن عامل الندرة إلى جانب أن حياة الجواري في قصور الأمراء كانت توفر لهن تربية رفيعة ومهارات خاصة يصعب توفرها لسواهن.

وبعيدًا عن مبررات ارتفاع مهور بعض النساء عن غيرهن، فقد كان المجتمع ينظر إلى المهور باعتبارها معيارًا اجتماعيًا لمقدار التكافؤ بين الزوج والزوجة. وفيما وصلنا من أوراق البردي العربية بعض إشهادات عن توكيل زوجات لآبائهن أو لأشقائهن في أمور زواجهن يبدو الحرص الشديد على الإشارة إلى شرط التكافؤ بين الزوجين.

ومن الأمثلة الدالة على ذلك الحرص إشهاد مؤرخ في 15 جمادى الآخرة عام 641ه يفيد معرفة شهود عقد الزواج بأن كفيه البكر البالغ ابنة خلبوص بن سليم بكر صحيحة العقل والبدن خالية من موانع النكاح وأن والدها المذكور مستحق الولاية عليها أهل لتلك وان الراغب في تزويجها محسن بن أبي الزهر بن شمخ كفؤًا لها..”. وهذا الإشهاد كما سبق أن نوهنا به خاص بزوجين من الأقباط المسيحيين.

وفي إشهاد آخر شهد آخرون بأنهم يعرفون فاطمة البكر البالغ ابنة أبو بكر بن علي الرديني ويشهدون أنها يومئذ بكر بالغ حرة مسلمة خالية من موانع النكاح ولم يعقد عليها عقد نكاح على يوم أخاها شقيقها أحمد مستحق ولاية تزويجها وأن الزوج الراغب في عقد نكاحها عبد الملك بن شجاع بن طرخان كفؤها..”. بيد أن عقود الزواج كافة لا تشير من قريب أو من بعيد لشرط التكافؤ عند تحرير مقدار الصداق وإنما تكتفي في بعض الأحيان بالنص على أن الصداق المعين هوعلى قدر حال مقدمه.

ومما يستحق التسجيل هنا أن علماء الحملة الفرنسية قد سجلوا في وصف مصرأن المهر في الزيجات الخاصة بالمصريين كان بالغ الضآلة، وهو استنتاج ينبغي التعامل معه بحذر لصدوره عن وافدين جدد على المجتمع المصري يجهلون على وجه اليقين طبيعة المستويات المعيشية السائدة في البلاد في أوقات السلم.

ويتبقى في هذا السياق أن نورد بعض الاستنتاجات الأولية عن القوة الشرائية لمبالغ الصداق المسمى في عقود الزواج التي تسنى لنا الاطلاع عليها في وثائق المحاكم الشرعية خلال العهد العثماني.

ومن المفيد للقارئ أن نشير في عجالة للطريقة التي سنتبعها لحساب القوة الشرائية للنقود المختلفة التي قدرت بها مبالغ الصداق.

1- تم تحويل كافة العملات المتداولة سواء أكانت عثمانية أو أوربية والتي قدرت بها مبالغ الصداق إلى الأنصاف الفضة، وهي أدنى العملات المقبولة قانونيًا قيمة، وذلك وفقًا لأسعار الصرف أو إبدال النقود السارية في تاريخ تحرير عقد الزواج، وتم الاستعانة في سبيل ذلك بالجداول الملحقة بكتاب المؤلف عن النقود المتداولة في مصر العثمانية“.

2- كانت الخطوة التالية التعرف على القيمة الشرائية للمبالغ المقدرة بالأنصاف الفضة وفقًا لمقياس القمح حسب أسعاره السائدة إبان العصر العثماني. وقد وقع الاختيار على القمح دون سواه من السلع الغذائية لتحديد القوى الشرائية للنقود لعدة أسباب أهمها أن الطلب عليه غير مرنإذ لا توجد بدائل له تعوضه، خاصة أن قيمة القمح في صورته كمنتج غذائي أولي تبدو أكثر ملائمة للأغراض الإحصائية إذ لم تلحق بقيمة القمح قيمة أعمال أخرى إضافية مثل الطحن أو الخبز وهو ما قد يوجب اختلافات مربكة في أسعار أنواع الصور التجهيزية للقمح مثل الفارق بين سعر الدقيق (الطحين) العلامة أو الأبيض وبين الدقيق الكشكار أو الأسمر وبين خبز النوع الأول المعروف بالسميذ والثاني المشهور بخبز الكشكار ناهيك عن التفرقة بين أسعار الخبز المبلول والكامل النضج.

وبعد مراعاة القواعد العلمية لتحيل الأوزان القديمة إلى ما يعادلها بالنظام المتري المتبع حديثًا (الطن الكيلو جرام ..الخ) ، وطبقًا لاستنتاجات الدراسة السابق الإشارة إليها يمكن القول بأن متوسط سعر الإردب من القمح كان يدور في العصر العثماني حول 30 نصف فضة. وإذا ما نظرنا للأسعار الجارية في مصر فإن سعر الإردب من القمح في الأسواق يقدر بحوالي 90 جنيهًا مصريًا ومن ثم تم حساب القوة الشرائية لمبالغ الصداق في تلك الفترة طبقًا للخطوات التالية:

1- حاصل ضرب مقدار الصداق في سعر العملة بالأنصاف الفضة.

2- ناتج قسمة الصداق بالأنصاف الفضة على 30 (متوسط سعر إردب القمح بالنصف فضة)

3- حاصل ضرب الصداق بعد تحويله لإردب القمح في 90جنيه (سعر إردب القمح حاليًا).وبذلك يكون الرقم الأخير هو مقدار القوة الشرائية للصداق بالجنيه المصري حسب مقياس القمح.

وطبقًا لذلك نستطيع أن نؤكد أن المهور التي قدمها العسكريون في حجج المحاكم الشرعية كانت الأعلى بين مبالغ الصداق المقيدة في عقود الزواج إذ تراوحت بين 19.800 جنيه كحد أعلى وبين 2700بحد أدنى أما شيوخ الطوائف الحرفية فقد ناهزوا هذا المستوى ودفع الواحد منهم صداقًا بلغ في حده الأعلى 18000جنيهًا ولم يقل بحال من الأحوال عن نصف هذا المبلغ، بينما تردد الصداق الذي كان يدفعه أرباب الحرف بين ما يعادل 2700 جنيه و837 جنيه.

وفيما يتعلق بمستوى المهور التي دفعها تجار فقد وقف حده الأعلى عند 8244 ولم يقل عن 2997 جنيهًا مصريًا. ودارت الصداقات التي كان يدفعها المشايخ من رجال الدين (أرباب العمائم)

حول معدل 4194 جنيهًا، أما أصحاب الأطيان في الريف وكذا تجار المناطق الريفية فكان ما يدفعونه يتراوح بين 5400 وبين4320 جنيهًا.

وثمة نتائج لها مغزى اجتماعي ملفت للنظر عندما نصل إلى المتوسط الحسابي لمبالغ الصداق عند كل فئة من الفئات السابقة والذي جاء على النحو التالي:

العسكريون

9540 جنيها.

شيوخ الطوائف الحرفية

13،500جنيه.

التجار

14،535جنيه.

أرباب الحرف

1482 جنيه.

رجال الدين

4194 جنيه.

أصحاب الأطيان وتجار الريف

4860 جنيه.

إن أهم ما يمكن استخلاصه من عمليات قياس القوة الشرائية لمبالغ الصداق إبان العصر العثماني أن هناك قدرًا كبيرًا من التشابه بين القوة الفعلية لمبالغ الصداق وقتذاك مع مثيلاتها في الوقت الراهن، مع الأخذ في الاعتبار جملة من الحقائق لعل أهمها أن الاحتياجات المعيشية ومتطلبات تأسيس وتأثيث منزل الزوجية كانت أقل كلفة فيما مضى عن الاحتياجات والمتطلبات في زماننا، فضلاً عن أن الزوجة (وأهلها) لم تكن لتتكفل بأكثر من الشواروهو في الغالب الأعم بعض الطسوت والأواني الخاصة بالمطبخ بل أن الشوار هذا لم يكن سوى هدية اختيارية يقدمها أهل الزوجة في إطار تقاليد قديمة جرت مراعاتها باستمرار كنوع من المباهاة الاجتماعية بمكانة أهل الزوجة وليس كالتزام أو واجب شرعي.

ومن المفيد أن نشير في هذا السياق إلى أن الجواري کن على الدوام الأعلى صداقًا سواء تزوجن بعسكريين أتراك أو اقترن بمصريين من أهل البلاد. وننوه أيضًا إلى أمر إضافي قد يبدو غريبًا بعض الشئ للمصريين المحدثين، ألا وهو أن بعض المهور كانت تدفع كليًا أو بشكل جزئي عينًا وليس نقدًا.، كأن يدفع الزوج جزءًا من الصداق في صورة قطعة من حلي مثل خلخال من الفضة أو سوار من الذهب أو حتى في صورة جارية برسم خدمة الزوجة كما يبين من نص حجة شرعية تتحدث عن صداق زوجة الحال لها عليه من ذلك أربعة آلاف نصف فضة بما في ذلك من خادمة سوداء بألف نصف فضة

وقد يكون التعويض عن الصداق المقدر بمبلغ من المال بمتاع وعوضها في ذلك جميع طلسية كحلي حرير مكعب شطرنج في مائتا نصف وثنتان وخمسون” .

ويتبقى أن نشير في نهاية حديثنا عن الصداق آجله وعاجله، إلى أن العادة جرت في مصر خلال عصورها الوسطى على أن تحفظ حقوق الزوجة والتزامات الزوج يشأن المؤجل من الصداق إذا ما كان مؤجلاً إلى أجل خاص غير المعروف بأنه مؤجل لأي الأجلين(الفراق بموت أو طلاق) ويظهر أنه كانت تحرر متمسكاتأو أوراق ثبوتية للزوجة . وعلى الرغم أننا لم نعثر في وثائق المحاكم الشرعية على نصوص تخبرنا على الكيفية التي كان يتم بها تنفيذ ذلك خلال العصر العثماني ولكن من المرجح أن الزوج كان يصطحب الزوجة معه إلى المحكمة الشرعية عند دفع المؤجل الحال عليه مقسطًا أو جملة واحدة، وهناك تشهد الزوجة أمام القاضي باستلام حقوقها كما هي معينة بحجة الزوجية، كما كان بوسع الزوجة أن تأخذ إيصالاً أو متمسكًا بما تبقى لها من صداقها .

والحقيقة أننا نستند في ترجحينا لوجود مثل هذا الإجراء إلى ما عثر عليه في وأوراق البردي العربية التي نشرها أدولف جروهمان من براءةتشهد فيها أم عليزوجة جبريل بن جعفر الجديأنها قد قبضت من زوجها جبريل بن جعفر دينارين مثاقيل جياد من معجل صداقها وحازت وأبرأت زوجها جبريل بن جعفر من هذين الدينارين براءة قبض واستيفاء وذلك في رجب سنة سبع وستين ومائتين“.

ويستفاد من ذلك أن السيدة أم علي قد استوفت دينارين من معجل صداقها المقسط على الزوج وأنها لم تستوف بعد كل حقها المعجل وإلا كانت البراءة قد صدرت له بالبراءة من كل مقدم صداقها.

وفي بردية ثانية نجد تمسكًا فريدًا من نوعه أخذته زوجة قبطية مسيحية على زوجها المسلم بشهادة شهود لتحفظ حقها في بقية صداقها وقد جاء في هذا التمسك:

بسم الله الرحمن الرحيم

ذكر حق يونة ابنت حليص على زوجها يزيد بن قاسم الجزار عليه عشرة الدنانير وزن المثاقيل الجديد عينا ليونة ابنت حليص على زوجها يزيد بن قاسم الجزار والعشرة دنانير بقية صداقها

ولا جدال أنه في حالة وجود مثل هذا الإيصال بيد الزوجة يكون بوسعها أن تذهب به إلى القاضي لاستيفاء حقوقها المسجلة به، أما إذا أوفى الزوج بالمبلغ المقرر فيه قام بتسلم هذا التمسك أو الإيصال دون حاجة للمثول أمام القاضي.

وفي المقابل كان الزوج يشهد الشهود على وصول حقوق الزوجة إليها ويطلب إقرارها إذا ما اتفقا على تأجيل مقدم الصداق برمته طوال زواجهما. وقد حدث ذلك على سبيل المثال عندما طلب غرس الدين بن أحمد القلعيأمام القاضي الحنفي بمحكمة الباب العالي من زوجته بدرية بنت أبي النجاأن تقر بأنهالا تطالبه بحال صداقها عليه ما دامت في العصمة فأجابته بالاعتراف بذلك“.

(د) نوع الزواج :

اهتم القضاة دومًا بإثبات نوع الزواج، فإذا كان زواجًا للمرة الأولى بين الزوجين كانت الصيغة المستخدمة دومًا تبدأ بعبارة أصدقوقد تستخدم ذات العبارة للإشارة إلى الزواج المستأنف بعد طلاق بائن أول أو ثاني وسواء أكان على الإبراء أو بعد انقضاء مدة العدة الشرعية للمطلقات. أما الزواج بعد طلاق رجعي فكانت صيغته تبدأ بكلمة عادتوالحكمة في إثبات نوع الزواج لا تخفي على ذوي الفطنة، ذلك أن الزوجة متى طلقت ثلاثًا من زوجها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجًا غيره.

وكانت عبارة الزواج المستأنف هي الأكثر شيوعًا في عقود الزواج حتى العصر الفاطمي على أقل تقدير حسبما يظهر من بردية زواج حسن المكنى بأبي القدروضيا ابنة عثام حيث ذكر بها أنه تزوجها به (الصداق) تزويجًا مستأنفًا إذ كانت زوجته قبل هذا ودخل بها وأصابها وطلقها طلقة واحدة واسترجعها بعد هذا الصداق“.

أما في المحاكم الشرعية العثمانية فإن مثل هذه الزيجات يتم إثباتها بواحدة من الصيغ التالية:

1- عادت المصونة ….. إلى عصمة مبينها.

2- عادت المصونة …. إلى عصمة مطلقها قبل تاريخهعودًا شرعيًا من طلقة واحدة

3- عادت المصونة إلى عصمة بعلها .. على الكتاب والسنة وعلى طلقة باقية لها من عدد الطلاق الثلاث

4-عادت الحرمة .. إلى عصمة مخالعها . وينصرف هذا المعنى أساسًا إلى الزيجات التي تمت بعد خلع الزوجة لبعلها أو بعد طلاقها منه على الإبراء.

ولدينا أيضًا عقود زواج ليهوديات أثبت القاضي فيها أنهن عائدات من طلاق سابق وأنهن تسلمن قبل إبرام زواجهن صداقًا جديدًا.

وليس هناك شك في أن تحرير مثل هذه الصيغ كان ضروريًا لحسم أي خلاف قد ينشب مستقبلاً بين الزوجين سواء حول عدد الطلقات أو حول حقوق الزوجة المسطرة لها في كل عقد زواج ففي إحدى حجج المحاكم الشرعية ادعى الحاج سالم العلاف بن شحاذة أنه يستحق لدى مطلقته شلبية بنت المرحوم هيكلوالتي طلقها طلقة أولى قبل شهر واحد سوارًا من الفضة ولؤلؤًا وحزامًا من الفضة كان قد وضعها كأمانة تحت يديها وأنه ردها إلى عصمته بموجب فتوى أبرزها للقاضيوبموجب ذلك مثل أمام القاضي مطالبًا شلبية المذكورة بالأعيان المدعى بها إلى طاعته بمنزل سكنه“. فلما جاءت شلبية أنكرت وجود الحلي المدعى بها واعترفت فقط بأن الحاج سالم العلاف قد طلقها طلقة واحدة مكملة لعدد الطلاق الثلاث، وأظهرت للقاضي وثيقة شرعية وأثبت في مضمونها أنه في يوم الثلاثاء تاسع عشرين شهر ذي القعدة الحرام سنة تاريخه أدناه طلق الحاج سالم المذكور زوجته الحرمة شلبية المذكورة طلقة واحدة على البراءة في مقابل ما تستحقه بذمته من الحقوق وأنه طلقها قبل تاريخه طلقتين اثنتين على مرتين فصارت الطلقة الأخيرة المذكورة مكملة لعدد الطلاق الثلاث فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجًا غيره“.

ورغم ذلك فقد أنكر المدعي ذلك وأصر على أنه قبل الطلقة الأخيرة المذكورة والمبينة بالوثيقة التي تحملها شلبية كان قد طلقها طلقة واحدة وراجعها ويظهر أن الحاج سالم كان قد حصل على فتوى من أحد الفقهاء ببطلان مرة واحدة من مرات الطلاق، ربما تحت زعم أنه أوقع الطلاق وهو بحال الغضب أو بدعوى أنه لم يقل لفظ الطلاق صراحة وبصورة قطعية الدلالة. وكان من الشائع في هذا العصر الحصول على مثل هذه الفتاوى نتيجة للاختلافات بين المذاهب وربما بإغراءات مالية لضعاف النفوس من الفقهاء.

وقد رأى القاضي في هذه القضية الشائكة أن يسأل الحاج سالم والسيدة شلبية إحضار من يشهد لكل منهما بما يقوله ويصر على صحته وبينما أخفق الحاج سالم في الحصول على من يشهد له بصحة دعواه نجحت شلبية في إحضار شاهدين أقرا أنهما سمعا المطلق وهو يذكر أن الطلقة الأخيرة كانت هي الثالثة وأنها كانت على الإبراء. ومن ثم فقد أصدر القاضي حكمه بمنع الحاج سالم العلاف من التعرض للحرمة شلبية وكان ذلك في 14 ذي الحجة من عام 1156 ه لدى القاضي الحنفي بمحكمة جامع الحاكم بأمر الله.

ثانيًا: الشروط الخاصة في عقود الزواج

كانت مصر كسائر بلدان الشرق في طور حضاري تميز دومًا بالتقليدية المحافظة، وهو ما يعني أن المجتمعات العربية والإسلامية كانت أكثر ميلاً للحفاظ على التقاليد السارية وأنماط السلوك المتوارثة عبر الأجيال بل ربما منح البعض لكثير من التقاليد الاجتماعية صبغة من قداسة لا تستحقها.

وظلت تلك النزعة المحافظة حائلاً أمام أية محاولة لتغيير الأنماط الثقافية السائدة إلى أن أخذت موجة التحديث التي أعقبت الحملة الفرنسية على مصر والشام في اختتام سنوات القرن 18 الميلادي تجرف أمامها وبصورة تدريجية ما كان مستقرًا من النظم والأطر الاجتماعية والمؤسسات التي تمسك بزمام الأمور في المنطقة.

ورغم الإقرار بأن الطابع المحافظ لثقافات الشرق قبل التحديث قد وقف عائقًا بدرجة أو بأخرى أمام تطور المجتمعات العربية وتخلصها من الركود الحضاري والعلمي وما رافقهما من غلبة الطابع الاستبدادي على سلطات تسيير دفة السياسة بمستوياتها المختلفة، إلا أنه ينبغي الإشارة إلى مفارقة هامة تستحق الالتفات إليها والتمعن في مغزاها.

فقد أدى الطابع المحافظ ضمن ما أدى إليه، لترسيخ بعض الجوانب المضيئة في تاريخ الفكر الديني في حضارة الإسلام وفي مقدمتها حماية حق الاختلاف واحترام الاجتهاد والتعايش المنطقي بين مذاهب واتجاهات بينها وبين بعضها البعض مساحات مختلفة من التباين .

ونستطيع أن ننوه هنا وفي عجالة يوجبها موضوعنا إلى حقيقة أن غلبة المذهب الذي يتبناه حكام أية دولة لم يقف حائلاً أمام الحق المقدس للمواطنين في اختيار مذهب يخالفه أو الارتكان إلى اجتهادات مذاهب وأئمة آخرين في تسيير جوانب حياتهم اليومية وتعاملاتهم الاجتماعية.

فخلال العصر الفاطمي وفي ظل الطابع المذهبي الخاص بخلفاء استندوا في مشروعية حكمهم للانتساب لبيت النبوة مع تشددهم في مراعاة مذهب الشيعة الإسماعيلية في رسوم دولتهم المختلفة وسعيهم الحثيث لنشر هذا المذهب إلا أنه لم يسع الخلفاء الفاطميين في نهاية المطاف سوى الاعتراف بحق المخالفين في المذهب في إتباع اجتهادات مذاهب أخرى فيما يتصل ليس فقط بالأمور الشخصية والعائلية، كما في المواريث، بل حتى فيما يتصل بالشعائر الدينية كالآذان والجهر بالبسملة في الصلاة والتكبير في صلاة الجنازة.

ونفس الأمر نراه تاريخيًا بدرجة أو بأخرى في أيام الأيوبيين فرغم انحيازهم المعروف لمذهب الإمام الشافعي لم يحل ذلك دون العطف على مدارس تعليم المذاهب الأخرى أو الإقدام على تعطيل أنشطتها، وكذلك لم يؤثر تفضيل سلاطين وأمراء المماليك لمذهب الإمام أبي حنيفة على أنظمة التقاضي السارية في مصر إذ ظل لكل مذهب قضاته، وحرصت الدولة على تعيين من يقوم بأعباء منصب قاضي القضاةلكل مذهب وهو ما يعني أن الناس كان بوسعهم التقاضي أمام قاضي المذهب الذي يميلون إليه دون حجر أو تمييز.

ومما له مغزاه التاريخي أن الأتراك العثمانيين والمعروف عنهم تعصبهم للمذهب الحنفي قد حاولوا في بداية حكمهم للولايات العربية في الشام ومصر واليمن وشمال أفريقيا أن يقصروا التقاضي على القاضي الحنفي دون سواه وأبطلوا فعليًا مناصب قاضي قضاة المذاهب في مصر، ولكن اعتراض المواطنين على مثل هذا الإجراء الذي يتنكر لما استقر تاريخيًا من حق الاختلاف بين الفقهاء وحريات الاعتقاد أرغم السلطات العثمانية وهي مضرب الأمثال في التعنت والإصرار العنيد على ما تعتقد، على الانصياع والرضوخ للتقاليد الراسخة في هذا الصدد.

وتشهد سجلات المحاكم الشرعية العثمانية بحقيقة أن التقاضي كان يتم أمام قضاة من مذاهب مختلفة يعرف الواحد منهم في مصطلح حجج المحاكم باسم الحاكمومع الاعتراف بأن الغلبة كانت للحاكم الحنفيفي سجلات المحاكم إلا أننا نجد أيضًا قضايا تخرج عن الحصر رفع الناس فيها خصوماتهم للحاكم المالكي أو الحنبلي أو الشافعي مثلما ذهبوا لمجالسهم لتحرير حجج زيجاتهم.

وقد أتاح هذا الحرص على حماية حق الاختلاف الفضاء الكافي لإبراز التنوع والثراء الكبيرين في عقود المعاملات وخاصة عقود الزواج التي اتسع المجال فيها لدرجة يصعب معها الحصول على عقدين متماثلين في الصيغة وما يحتملانه من شروط خاصة حرص كل من الزوج والزوجة على تسجيلها في حجة الزواج.

وليس هناك شك في أن غياب النمطية التي رافقت عصر الطباعة كانت كافية بمفردها لاستبعاد العثور على عقدي زواج متماثلين كليًا في صيغتهما في ظل عدم وجود نماذج نمطية لعقود الزواج، ولكن السبب الرئيسي في تباين صيغ عقود الزواج عائد بشكل رئيسي للاعتقاد العام للمسلمين خلال العصور الوسطى بتفرد عقد الزواج وحق أطرافه كافة في تسجيل ما يشاءون من الشروط الخاصة الخارجة عن الالتزامات المفهومة ضمنًا في أي عقد للزواج طالما كانت هذه الشروط لا تحرم حلالاً أو تحل حرامًا.

وجلية الأمر أن الذين طالبوا بتحرير عقود الزواج الحديثة من قيود النمطية التي غلفتها في العقود الأخيرة وأفقدتها فعليًا طابع التفرد اللازم لها لم يدر بخلدهم أنهم يطالبون بما هو أدنى بكثير مما كان سائدًا ومرعيًا في تحرير عقود الزواج التي نصادفها في أوراق البردي العربية ووثائق المحاكم الشرعية.

وقد درج قضاة الشرع في محررات المحاكم الشرعية على التمييز من ناحية المصطلح بين ثلاثة أنواع أو أصناف من الشروط يمكن إجمالها في ثلاثة تصنيفات رئيسية وهي على النحو التالي:

أالتقرير وهو ما يتبع كتابة كلمة وقرركالتزام اختياري أو تفسيري من قبل الزوج وقد تسجل عبارة التقرير بشكل كامل وفق هذه الصيغة وقرر على نفسه برضاه لزوجته“. وغالبًا ما تشمل التقارير تعيينًا دقيقًا لما هو واجب شرعًا للزوجة لدى زوجها من طعام وكسوة على وجه الخصوص وقد يمتد التقرير ليشمل مسكن الزوجية أيضًا.

ب – الرضاء ويشار إليه بالفعل ورضيوغالبًا ما ينصرف ذلك إلى التزامات ذات طابع اختياري لا نوجبها التزامات الزوجية من الناحية الشرعية على الزوج تجاه زوجته مثل إنفاق الزوج على أبناء زوجته من زواج سابق.

ج – التعليق ويقصد به أن الزوج قد علق ممارسته لبعض حقوقه الشرعية على إرادة زوجته ورضاها بل وربما نقل طائفة من هذه الحقوق إلى تصرفها وفي هذه الحالة كان القاضي يستفتح التعليق بالعبارة التالية وعلق على نفسه برضاه

وينبغي أن نشير هنا إلى أن هذا التمييز الاصطلاحي بين أصناف الشروط التي تضمنتها عقود الزواج لم يكن معروفًا قبل العصر العثماني، وذلك ما يبدو واضحًا في عقود الزواج التي نصادفها في أوراق البردي العربية ومنها عقدان يعودان لعصر الدولة الطولونية في مصر (258-292ه / 872-904م.)، لم ترد فيهما سوى كلمة وشرطقبل تسجيل أي من شروط العقد فجميعها كانت شروطًا وحسب.

(أ) التقرير

من نوافل القول أن نذكر القارئ بأن المجتمعات البشرية قد استقرت جميعها وكل حسب الثقافات السائدة فيه، على فهم ضمني عام لحدود الواجبات والحقوق التي تفرضها علاقة الزواج وبلغ هذا الفهم حدًا من القبول والإدراك الجمعيين لم يصبح معه أطراف العلاقة الزوجية بحاجة لكتابة أو تسجيل التزاماتهم بأية صورة من الصور، طالما كانت مفهومة لهم ولكل عضو في المجتمع الذي يعيشون فيه.

وفي ظل هذه القاعدة المرعية لم نعدم أمثلة من عقود الزواج التي رأى أطرافها أهمية ما للنص على بعض الواجبات المتبادلة بين الزوجين ولو كان ذلك من قبيل التذكير أو التشديد على مراعاتها.

ولا تكاد تخلو حضارة إنسانية من مثل هذا الميل لتنبيه الزوجين لما تمليه عليهما علاقة الزواج، فنجد على سبيل المثال عدة عقود زواج وصلتنا من حضارة المصريين القدماء وقد احتوت على بعض التقاريرالمعروفة لدى علماء المصريات باسم الإعاشةبمعنى تعهد الزوج بأن يعطي زوجته ما يلزمها من كسوة ومؤنه يوميًا أو شهريًا أو سنويًا.

وقد يرد ذلك تفصيلاً كقول الزوج في بردية قديمة لزوجته وسأعطيك (كذا) كيله من القمح يوميًا و(كذا) قطعة من الفضة لكسوتك سنويًا و(كذا) مكيال زيت خروع شهريًا“. وهذا كله من الالتزامات المفهوم للكافة أنها واجبة على الزوج ولكن الزوجة فيما يبدو أرادت أن تضمن لبيتها مقادير محددة منها تلزم زوجها بها في عقد الزواج خشية أن يتقاعس بعلها عن الوفاء بما تراه لازمًا ضروريًا لإعاشتها. ومن الطريف أن بعض عقود الزواج القديمة كانت تحتوي تقارير يلتزم الزوج بها حتى بعد طلاق زوجته منه أو مغادرتها منزل الزوجية إلى بيت أهلها مثلاً مثلما نرى في هذا النص الوارد في بردية مصرية قديمة عدد فيها الزوج ما سيوفره من قمح وزيت وقطع من الفضة لكسوتها ثم تعهد لها في نهاية المطاف بأنه سيعطيها ذلك كل سنة بغير حاجة إلى إجراءات قانونية في أي مكان تقيمين فيه.”

أما في العصر الإسلامي فلدينا تقرير ورد في أكثر من بردية عربية تعود للقرن الثالث الهجري(9م.) وخلاصته المسجلة بقليل من الاختلافات أن الزوج قد اشترط لامرأته تقوى الله العظيم بحسن الصحبة والمعاشرة كما أمر الله عز وجل وسنة محمد صلى الله عليه وسلم على الإمساك بمعروف أو التسريح بإحسانوقد يتبع ذلك في بعض عقود الزواج اشتراط الزوجة على زوجها أن لا يمنعها من أهلها ولا يمنع أهلها منها“.

وتمادى الأمر في العصر العثماني إلى ما هو أبعد من ذلك وأشمل حسبما يبين للعيان عند مطالعة وثائق المحاكم الشرعية. وإن كان بالإمكان الزعم بأن بان هذه التقارير أو الشروط الواجبة على الزوج شرعًا وأراد أن يؤكد عليها بشكل خاص مهما تنوعت وتعددت تكاد لا تخرج عن أمرين اثنين هما:

1- الكسوة : ويعني بذلك ما يجب على الزوج شرعًا توفيره من كساء للبدن لزوجته، وقد يتم ذلك بصيغة تنبئ عن الالتزام العام المفهوم ضمنًا للكافة مثل قوله أن عليه القيام بكسوة زوجته شتاًء وصيفًا أقمشة أصنافًا أسوة مثلها على مثله“. وقد وجدت مثل هذه التقارير العامة طريقها أيضًا لعقود زواج غير المسلمين كما في حجة زواج يعقوب ولد سلمون اليهودي بمخطوبته مرحبة بنت سليمان اليهودية.

وفي بعض الأحيان كانت الزوجة تحرص على أن يتعهد الزوج ببيان وتعيين المبلغ الذي سيرصده لكسوتها شهريًا وقد تراوح هذا المبلغ بين خمسة أنصاف فضة بحد أدنى ولم يتجاوز حاجز السبعين نصف فضة أي ما بين 15 جنيهًا و210 جنيهًا مصريًا إذا ما استخدمنا مقياس القمح.

وقد يذكر مقدار الكسوة بوصفه مخصصًا سنويًا كما نطالع في حجة زواج مسطرة بمحكمة الزاهد في 9 رمضان 1115 ه(سجل رقم 685- حجة 20) جاء بها أن الزوج أقر لزوجته بدلاً عن كسوتها الواجبة لها شرعًا لكل سنة تمضي من تاريخه أدناه مائتا نصف فضة وعشرة أنصاف فضة“. وإذا ما لجأنا إلى مقياس القمح لتقدير قيمة الكسوة السنوية تلك بالجنيه المصري فإنها تعادل نحو 6300جنيهًا، وربما يعد هذا المبلغ من الفئة الوسطى لمقادير الكسوة آنذاك.وقد يرتفع بدل الكسوة قي بعض عقود الزواج عن ذلك مثلما نرى في عقد مؤرخ في 12جمادى الأولى عام 1085 ه(محكمة باب الشعرية سجل رقم 624) وصل فيه بدل الكسوة السنوية إلى 8 قروش أي 240 نصف فضة وهو ما يساوي 7200 جنيهًا مصريًا الآن.

ومن الجدير بالالتفات أن بعض الأزواج كان يحتاط لنفسه قطعًا للخلاف فيصر على أن تتعهد الزوجة بالمقابل ألا تطالبه بسداد بدل الكسوة إلا في مواعيد استحقاقها كما في حجة زواج سجلت في محكمة الصالحية النجمية (سجل رقم453) في 18 ذي الحجة عام 976ه وفيها اشترط الزوج على زوجته ألا تطالبه بالقدر المقرر عن الكسوة إلا في استحقاقه شهرًا بشهر“.

2 – الإعاشة: ويقصد بذلك توفير ما يحتاج إليه من طعام وشراب فضلاً عما يلزم لإعداد ذلك وحفظه وتناوله. وينبغي الاعتراف بأن النص على حق الإعاشة تقريرًا هو من الأمور النادر التطرق إليها في عقود الزواج باعتبار أن ذلك قد يشكل مساسًا بكرامة الزوج أو طعنًا فيه بالبخل أو عدم القدرة، ولكن في بعض الحالات كانت الزوجة تحرص على الحصول على إقرار من الزوج فيه قدر من التفصيل توكيدًا لالتزامه بما يقتضيه الشرع في ذلك الأمر. ففي حجة زواج محررة في 15 جمادى الثانية 1106ه بمحكمة الباب العالي (سجل رقم 181) قرر الزوج على نفسه أن يعطي لزوجته مبلغًا يوميًا نظير غداء وعشاء وماء ما قدره أربعة أنصاف فضة أي حوالي 22 جنيهًا مصريًا .

وفي حالات أكثر ندرة كان الزوج يصر أن يشترط على زوجته فيما يتصل بحقوق إعاشتها الواجبة عليه شرعًا ألا تطالبه بأكثر مما يستطيع توفيره لهذا الغرض كأن يشترط أن تأكل مما يستطيع شرائه من طعام أو شراب أو أن يكتفي بإقرارها أنا ستأكل معه تموينًا.

(ب) الرضاء

يعني اصطلاح الرضاء في أضابير سجلات المحاكم الشرعية العثمانية أن الزوج قد رضي طائعًا أن يتكفل ويتكلف بما لا يجب عليه شرعًا ولكن كالتزام واجب التنفيذ كجزء من شروط الزواج.

وفي أحوال قليلة كان الرضاء يصدر عن الزوجة بقبولها القيام بأشياء لا يوجب الشرع عليها التكفل بها ويشكل ذلك أيضًا جزءًا أصيلاً من عقد الزواج.

وليس بخاف على أحد أن الحكمة من تسجيل كل رضاه بعقد الزواج هو توفير موجبات الترافع أمام القاضي الشرعي في حالة تقاعس أي من طرفي العقد في تنفيذ ما اختار أن يلتزم به تطوعًا طالما كان العقد هو شريعة المتعاقدين.

ومن أكثر أنواع الرضاء ورودًا في وثائق المحاكم الشرعية ما يتصل برضاء الزوج وقبوله القيام بالإنفاق على أبناء أو بنات زوجته من زواج سابق.

ويمكن فهم ذلك بالطبع لعلة حرص الزوجة على أبنائها وعلى ألا يكون زواجها بآخر غير والدهم سببًا للتأثير سلبًا على حياتهم ورغبتها أيضًا في أن تقوم بما يوجبه عليها الشرع بحسن الإنفاق من مال زوجها فلا تصرف منه علي شيء لم يقرها عليه، فهي بذلك تحقق مصالحها الخاصة ولا توقع الضرر بعلاقة الزوجية وتنزه نفقة زوجها على أولادها من غيره عن كل شبهة.

ولدينا في وثائق المحاكم الشرعية حشد شديد التنوع من نصوص سجلها القضاة في عقود للزواج تعبر بطرق شتى عن رضاء الأزواج بالإنفاق على أولاد لزوجاتهم دون نكوص عن الوعود على مر الأيام والسنين.

ففي عقد زواج بالمحكمة الصالحية النجمية سجل القاضي أنه أشهد عليه الزوج الإشهاد الشرعي مهما أنفقه على صالحة ابنت زوجته المذكورة ما دامت مقيمة عنده متبرعًا به جميعًا“.

وفي حجة زواج أخرى سجل القاضي على لسان الزوج أنهرضي هو بولدها من غيره أن يكون مقيمًا عنده وينام على فراشه الرضا الشرعي المقبول

وربما احتاج الأمر إلى تسجيل نطاق الرضاء على نحو تفصيلي يقطع الجهالة بماهيته ويدرأ إمكانية الاختلاف حوله مثلما عقد زواج مؤرخ في 3 صفر عام 977ه (محكمة الصالحية النجمية – رقم السجل 453) وقد ورد فيه أن الزوج قدرضي هو بابنتيها من غيره وهما سعد ونور العيون أن تكونا مقيمتين عنده تأكلان من مأكوله وتشربان من مشروبه وتنامان على فراشه متبرعًا من ذلك من غير رجوع عليه (الزوجة) ولا على من تلزمه نفقتهما شرعًا“. ويبدو هنا حرص الزوجة على توضيح أبدية رضاء الزوج وتبرعه بالإنفاق على ابنتيها دون أن يطالبها هي أو الأب المسئول شرعًا عن الإنفاق عليهما بشيء مما أنفقه

أما الرضاء أو التبرع الذي قد يصدر عن الزوجات بالتكفل بأمر لا يوجبه عليها الشرع أو العرف فأمثلته قليلة في سجلات المحاكم الشرعية ولا يكاد يخرج عن قبولها بأن يكون منزلها الخاص أو منزل أقرباء لها مكانًا لمسكن الزوجية دون أجرة يدفعها الزوج ومن هذا الصنف من التبرع ما جاء في إحدى حجج الباب العالي (سجل رقم 181) أن والد الزوجة بصفته وكيلاً عنها قد أباح للزوجالسكنى بالمكان الجاري في تصرفه من غير أجرة ما دام ساكنًا بابنته المذكورة“.

(ج) التعليق

لم تكن الشروط التي يقبل بها الأزواج رغمًا عن تعطيلها لبعض حقوقهم وصلاحياتهم ونقلها للزوجات أو تعليقها على موافقتهن وقفًا على عقود الزواج التي وصلتنا من فترة العصور الوسطى بل أننا نجدها أيضًا في عقود تعود للعصور المصرية القديمة.

وتعرف هذه الشروط في عقود زواج المصريين القدماء بالتسويات المالية وهي تنحصر استحقاق الزوجة لمهرها وفي تعويضها عن الطلاق وفي تحديد ما يؤول إليها من أملاك زوجها أو ما يخصها من الأملاك المشتركة بينهما وفي رد متاعها.

وقد عرفت هذه العادة المصرية القديمة طريقها إلى عقود الزواج التي حررت في مصر الإسلامية كما تشهد بذلك أوراق البردي التي عثر عليها بمدينة الأشمونين بمصر الوسطى، وكذلك حجج المحاكم الشرعية.

ومن الجدير بالذكر هنا أن هذه الشروط التي نعرف الواحد منها باسم التعليقبدأت قليلة العدد وتكاد أن تكون قصرًا على ما يتصل بالزواج المحتمل للزوج من امرأة أخرى أو تسريه بجارية على حكم الشائع وقتها، ثم اتسع نطاق هذه الشروط في العصور التالية ليشمل مساحات أخرى.

ونظر لطرافة وندرة الأمثلة المبكرة لهذه التعاليق فإننا سنورد لاحقًا نصين كاملين وردا بأوراق البردي العربية التي نشرها أدولف جروهمان“.

1 – ورد في عقد زواج خاص بمن يدعى يعقوب بن إسحق بن يحي النساج وزوجته هنيده ابنة إسحق بن سريأن الزوج قد شرط شروطًا أوجبها على نفسه بعد أن عقد عقدة نكاحهاومن بين هذه الشروط أنه إذا تزوج على هنيده بزوجة مسلمة أو ذمية فإن أمرها يكون بيد هنيده ابنت إسحق تطلقها عليه ما شاءت من الطلاق جايز عليه ولازم له وكل جارية يتخذها عليها يكون بيعها بيد امرأته هنيده إن شاءت عتقت وإن شاءت بيعت، فعتقها وبيعها جايز عليه ولازم له“. ويحسن أن نسجل هنا إلى أن هذا العقد كما يبين من أسماء طرفيه ومهنة الزوج يخص زوجين مصريين لا ينتميان للقبائل العربية وأن الزوجة رغبت في أن تقيد حق الزوج في التعدد دون أن تنكره بهذه الطريقة التي لم تحل حرامًا أو تحرم حلالاً، ولعل ذلك كان من الحلول الفقهية التي كانت معروفة آنذاك في وقت لم يكن الإسلام قد انتشر بين المصريين الانتشار الواسع الذي بدأ مع القرن الرابع الهجري (10م.).

2 – ونجد صدى لهذه الشروط التي حرصت الزوجات المسلمات من المصريات على تسجيلها في بردية أخرى من نفس الفترة وهي بين زوج من الموالي ومصرية مسلمة، أما الزوج فهوإسماعيل مولى أحمد بن مروان القرشيوقد اشترط على نفسه لزوجته عائشة ابنت يوسفأن كل امرأة يتزوجها على امرأته عائشة بنت يوسف تقام تلك المرأة بيد عائشة تطلق كيفما شاءت من الطلاق“.

ولسنا هنا بحاجة لأن نزيد شيئًا عما يفهمه ذوي الفطن من أن الدافع وراء رغبة الزوجات في تسجيل مثل ذلك التعاليقكان الخشية من أن يتزوج الزوج بأخرى عليها، ولما كان من غير الجائز شرعًا أن تمنع الزوجة زوجها من تعدد الزوجات أو تشترط عليه عدم الزواج عليها، فقد كانت الصيغة المقبولة لمنع ذلك فعليًا هي نقل عصمة كل زوجة جديدة أو بالأدق تعليق أمرها بيد الزوجة الأولى .

وتحسبًا ودرءًا لكل خطر فقد كانت التعاليق تستوفي أغراضها المقصودة بالنص على أن حق الطلاق المتكرر إنما هو على الدوام من حق الزوجة ويلتزم به الزوج سواء أكانت الزوجة الجديدة مسلمة أو ذمية وهو ما يعني عمليًا أن الزوجة الأولى صاحبة الحق في تطليق كل زوجة جديدة لزوجها تستطيع إذا ما أعاد الزوج واحدة من مطلقاته إلى عصمته مرة أخرى أن تطلقها مرة ثانية.

وفي ظل وجود الجواري والسراري ولاسيما في القرون الهجرية الأولى فقد كان التعليق يمتد غالبًا ليستغرق الجواري ومن ثم يحق للزوجة أن تبت في أمر الجارية التي قد تنال إعجاب الزوج وتصبح ذات حظوة خاصة لديه، فيحق لها أن تبيعها أو تعتقها وليس للزوج إلا أن يصدق على تصرفها ذلك ويقره دون معاندة.

ومهما يكن من أمر دوافع صدور هذه التعاليق ونطاق تأثيرها الفعال فإن التعاليق التي تعددت لاحقًا في وثائق المحاكم الشرعية تبدو متواضعة للغاية قياسًا بسابقاتها الواردة في البرديات وإن اتسع نطاقها ليشمل أمورًا أخرى بخلاف تقييد حق الزوج في تعدد الزوجات.

ودون إخلال بحقائق التاريخ فإن بالإمكان أن نحصر مجمل التعاليق الشرعية في أربعة أمور، تبدأ دومًا بالعبارة التالية وعلق الزوج على نفسه برضاه لزوجتهوهي على النحو الآتي:

1 – تعليق بشأن الزواج بزوجة أخرى:

وهو الأكثر شيوعًا وفيه يعلق الزوج برضاه على نفسه ألا يتزوج على زوجته بواحدة أخرى أو يتسرى عليها بسرية وأنه لو فعل ذلك يكون من حق زوجته أن تطلق منه.

وفي هذا النوع يعلق الزوج من الناحية الفعلية حقه في التطليق على إرادة زوجته التي يكون بوسعها إمضاء الطلاق إذا ما فعل فعلته دون حاجة لموافقته وفقًا لشروط عقد الزواج والعقد شريعة المتعاقدين“.

وقد ورد هذا التعليق في وثائق المحاكم الشرعية بصيغ متقاربة المعنى والمبنى كأن يقالوعلق لها على نفسه برضاه أنه متى تزوج عليها زوجة غيرها بنفسه أو بوكيله أو بطريقة من الطرق أو بوجه من الوجوهأو علق على نفسه برضاه أنه متى تزوج عليها زوجة غيرها أو أعاد عليها مطلقة من مطلقاته .. “.

وقد تتسع صيغة التعليق لتشمل عدة أمور في هذا الصدد فيعلق الزوج على نفسه أنه لا يتزوج على زوجته بزوجة غيرها ولا يرد عليها مطلقة من مطلقاته ولا يتسرى عليها بسرية من أي الأجناس كانت ..”.

والحقيقة أن القارئ المتمعن فيما وراء سطور مثل هذه التعاليق لا بد وأن يعبر عن دهشته من الخبرات الحياتية والمهارات القانونية واللغوية التي ساهمت في الوصول بصيغها إلى تلك الدرجة من النضج والإحكام. ويظهر واضحًا أن بعض الأزواج كان يتحايل على تعهده بعدم الزواج بأخرى بأن يعهد لوكيل عنه بعقد قرانه على زوجة جديدة، كما كان البعض الآخر من الرجال يتلاعب بالألفاظ عند تعهده بعدم التسري بجارية فيقوم بشراء جارية من أصل إفريقي باعتبار أن كلمة جاريةتنطبق اصطلاحيًا على التركيات والأوربيات بينما تعرف الجواري من الأصول الإفريقية في مصطلح العصور الوسطى بالإماء. ولذا نجد أن التعليق بات يشتمل على ألفاظ لمنع مثل هذا التحايل مثل اعتبار الزواج بوكيل أو بأية طريقة من الطرق موجب لمنح الزوجة الأولى حق التطليق أو توضيح أن الجارية المقصودة في التعليق هي من أي جنس كانت.

وكان من حق الزوجة في هذا المضمار أن تحدد التعليق بصورة قطعية إذا كانت تخشى من تزوج بعلها عليها بامرأة أخرى، وغالبًا ما يكون ذلك عند عودتها لعصمته من طلاق سابق ربما تكون هذه المرأة سببًا فيه وهي غالبًا من زوجاته السابقات.

ومن أمثلة هذا الصنف الأخير ما فعله بالضبط الحاج منصور بن سالم ألمدابغي وهو يعيد مطلقته فاطمة ابنة أحمد الكتاتني لعصمته إذ علق لها بعد الصيغة العامة للتعليق أنه كلما أعاد الحرمة أصيل المرأة ابنت التاج إلى عصمته وعقد نكاحه وفاطمة المذكورة في عقد نكاحه تكون أصيل المذكورة طالقًا لذلك“.

ويعد تكرار ورود صيغ مختلفة من هذا التعليق دلالة قاطعة على عمق وخطورة مشكلات تعدد الزوجات والتسري بالجواري خلال تلك الفترة وقد سجل علماء الحملة الفرنسية أن تعدد الزوجات كان أكثر شيوعًا بين الطبقات الشعبية.

ولم يقتصر أمر هذا التعدد على المسلمين وإنما امتد أيضًا إلى الأقباط المسيحيين، إذ لم يمض وقت طويل على اختلاطهم بالمسلمين حتى مارسوا تعدد الزوجات في خلافة عبد الملك بن مروان . وحسبما تشير الدراسات التاريخية فإن التسري كان مصدر إزعاج للبطاركة الأقباط إذ حاولوا منعه بين الأقباط وذهب اثنان منهم ضحية لهذا الجهد، فالأب إبرام بن زرعه (75-879م./ 60- 365ه) الذي حرم عادة التسري المنتشرة بين الأقباط في أوائل العصر الفاطمي قد مات مسمومًا فيما يبدو بمؤامرة من أرخن كبير من القبط لم يمتثل لقرار التحريم وعاقبه الأب. وهذا الأمر بعينه حدث للبابا يوحنا التاسع والتسعين (19-1629م./29-1039ه) على يد أحد وجهاء أبنوب.

ويبدو من وثائق المحاكم الشرعية أن تعدد الزوجات لم يكن فاشيًا بين العسكريين من الأتراك والمماليك إذ تكاد عقود زواجهم أن تخلو كليًا من التعاليق التي تتحدث عن الزواج بأخريات وهو ما تقرره المصادر التاريخية بالفعل.

وقد لاحظ كلوت بكفي بداية القرن 19م. أن ظاهرة تعدد الزوجات قد انحسرت في أيام محمد علي ضمن دائرة ضيقة جدًا خاصة وأن الإكثار من الزوجات كان يستدعي من النفقات الطائلة ما لا قبل لأحد به ولا طاقة له عليه إلا أن يكون الرجل من أرباب الغني وأصحاب المظاهر والحيثيات ولا تتجاوزهم إلى غيرهم. وقدر الطبيب الفرنسي بحكم اتصاله بالإدارة الحكومية في عصر محمد علي أن نسبة الزواج الذي تتعدد فيه الزوجات بالقطر المصري لا تتجاوز نسبة 5%.

2 – التعليق بعدم ضرب الزوجة

وفي هذا الصنف من التعليق يتعهد الزوج ليس بأن لا يضرب زوجته البتة فذلك لم يكن ليسجله القاضي، وإنما بأن لا يضربها ضربًا مبرحًا يطه أثره على جسدها في غيظ“.

3 – التعليق بعدم السفر دون ترتيب النفقة

وكان التعليق الشرعي للزوج بشأن عدم السفر دون أن يرتب أمر النفقة لزوجته يرد أحيانًا بشكل عام وعلى إطلاقه كالقول بأنه لا يسافر عنها وهي بلا نفقةأو يكون التعليق أكثر تحديدًا وتفصيلاً مثل أن الزوج لا يسافر عنها ويتركها بلا نفقة ولا منفق شرعيين مدة ثلاثة أشهر.”وقد يتسع التعليق ليتضمن حق الزوجة في الاقتراض في حال سفر زوجها دون أن يرتب لها نفقة على أن يقوم هو بالسداد حال عودته مهما كان المبلغ الذي اقترضته فهو دين لازم له لأنه جاء لتغطية ما تقاعس عن القيام به من واجباته المفروضة عليه شرعًا.

4 – التعليق بشأن سكن الزوجية

يتكرر هذا النوع من التعاليق بكثرة في حجج الزواج المحررة في سجلات المحاكم الشرعية ليبرهن بهذا التكرار على ما لاحظه الرحالة الأجانب الذين زاروا مصر في القرنين 18 و19 الميلاديين، من ارتباط المصري الشديد بمكان إقامته وأهله وعدم ميله إلى الترحال أو التنقل إلا لأسباب قاهرة وذلك على خلاف عادات جيرانه سواء في الشرق كأهل الشام وجزيرة العرب أو في الغرب كما هو حال المغاربة، وجميعهم كانوا يتوافدون على مصر بأعداد كبيرة سنويًا، سواء للإقامة الدائمة أو المؤقتة.

وكانت الأسرة المصرية تبعًا لذلك تخشى على ابنتها إذا ما تزوجت وسافر بها زوجها بعيدًا عن أهلها أو حتى ارتحل بها للإقامة في حي آخر. وكان الخوف الأكبر بالنسبة للأسر القاهرية أن يعمد الزوج إلى الانتقال بزوجته للإقامة في الريف، خاصة وأن أغلب أهل العاصمة كانوا يمتون بالصلة للعديد من القرى في صعيد مصر والوجه البحري، واضطرتهم ظروف الحياة للنزوح للقاهرة بحثًا عن فرص أفضل للعمل وللفرار أيضًا من الفقر والظلم وكانا قد توطنا في الريف بفضل سياسات الجباية الجائرة التي طبقها المماليك وتغاضت عنها الإدارة العثمانية.

وقد أثبت المؤرخ المعروف عبد الرحمن الجبرتي في كتابه عجائب الآثار، وبطريقته الخاصة التي لا تخلو من السخرية اللاذعة وروح الدعابة الساخرة الطرق التي كانت الشرطة تلجأ إليها لمطاردة كل من يجدون اسمه منسوبًا لواحدة من القرى أو النواحي بالمناطق الريفية ظنًا منهم أنه هرب من قريته فرارًا من دفع الضرائب المتأخرة على الأطيان الزراعية ويكشف الجبرتي عن تعنت السلطات بالقاهرة مع كل من اتخذ لنفسه لقبًا يلحقه بالريف كالفيومي والشرقاوي والدمياطي، مؤكدًا أن توسلات هؤلاء المنكودين بأنهم لم يولدوا بهذه القرى وإنما سرت نسبتهم إليها عبر الأجداد أو الأخوال من زمن بعيد تلك التوسلات لم تكن لتفلح في حمل رجال الشرطة على تركهم يعيشون بالقاهرة وكان عليهم الدفع بمال الميري عن أرض لم يعلموا عنها شيئًا، وإلا كان عقابهم الضرب والإهانة والحبس.

ويمكن القول بكل اطمئنان أن تعاليق الأزواج الخاصة بمنزل الزوجية كانت قصرًا على حجج الزواج المسطرة في المحاكم الشرعية بالقاهرة وأنها لم تجد طريقها للمحاكم الشرعية في أقاليم الوجهين البحري والقبلي. وربما كان ذلك راجعًا في جانب منه على حقيقة أن القاهريين اعتادوا الإقامة في سكن واحد لعدة أجيال فيما يعرفه علم الاجتماع بالأسرة الممتدة، وخاصة في المنازل التقليدية للطبقة المتوسطة التي تتميز دومًا بالاتساع وتعدد الطوابق واشتمالها على المرافق الضرورية من حمام ومخازن وبئر للمياه، في حين أن أهل الريف كانوا يرحلون عن ذويهم بمجرد الزواج للإقامة في منزل آخر قد يشيده الزوج بالطوب اللبن على مقربة من الحقل الذي يعمل به أو يمتلكه.

ومما له مغزاه أن آخر إحصاء تقريبي تم عمله في النصف الأول من القرن التاسع عشر كشف عن أن المنازل بمدينة القاهرة يحتوي الواحد منها في المتوسط على ثمانية أشخاص بينما متوسط عدد المقيمين بالمنزل في الريف أربعة أشخاص فقط.

ونأتي الآن إلى بعض أمثلة التعاليق الخاصة بمسكن الزوجية وهي جميعًا تتحدث عن تعهد الزوج بعدم نقل زوجته من مكان السكن الذي شهد بداية علاقة الزوجية.

1- تعليق المعلم أبو الخير بن بيبرس لزوجته زينب بنت علي

بألا ينقلها من منزل سكنها الكائن بخط بين القصرين تجاه المدرسة البرقوقية بالربع المعروف بسكن ابن القطان سابقًا بنفسه أو بوكيله أو بطريق من الطرق أو بوجه من الوجوه ولو حصل له بالسكن فيه الضرر..”.

2- تعليق الخباز محمد أبو النصر لزوجته هنا بنت وفا

أنه لا ينقلها من محل سكنها المعروف بسكن جدتها لوالدتها هي الحاجة آمنة المرأة الكائن بحارة المغاربة بخط التاجي من غير رضاها

3- تعليق تاج الدين الصبان لزوجته زينب بنت أحمد على

ألا يخرجها من محل سكنها الكائن بخط حارة عابدين بدرب الزياتين..”.

وكما نلاحظ فإن التعليق يتضمن سكنًا بعينه وهو إما بمنطقة حيوية مثل شارع بين القصرين أو يكون منزلاً جاريًا في ممتلكات أسرة الزوجة وفي الحالة الأخيرة يبدو حرص أهل الزوجة على استمرار إقامتها على مقربة منهم وفي كنفهم.

ولا يختلف الأمر كثيرًا لدى الأقباط المسيحيين ففي عدد من عقود الزواج التي سجلت بالمحاكم الشرعية نجد تعاليق مشابهة من ناحية الفحوى مع ما سجله أزواج من المسلمين، وقد يتم تحرير التعليق في حجة منفصلة عن عقد الزواج الذي تم انجازه لدى الكاهن وفقًا للتقاليد الكنسية القبطية.

ومن أمثلة الصنف الأخير حجة مسطرة بمحكمة الزاهد(سجل رقم 685- حجة 153) أشهد فيها على نفسه بدوي بن بشارة النصراني اليعقوبي أنه في ذمته لوالد زوجته المعلم جركيس النصراني اليعقوبي عشرة آلاف نصف فضةوذلك هو القدر الذي ترتب له بذمته من مصرف لجهات فرح زواجه بابنته وتراضي الطرفان على أنه ما دام الذمي بدوي المذكور ساكنًا بابنة الذمي جركيس المذكور بمحل سكن والدها المذكور فلا مطالبة له عليه بذلك وإن طلب إخراجها والسكنى بها بمحل خلاف محل والدها المذكور كان على الذمي بدوي المذكور القيام للذمي جركيس المذكور بالمبلغ المذكور..”.

وكما نرى فقد لجأ والد الزوجة جركيسبعد إتمام الزواج إلى استكتاب الزوج بدويبأنه مدين له بعشرة آلاف نصف فضة اعتبرها نفقة فرح الزواجوجعل هذا الدين مستحق الدفع فور إقدام الزوج على الرحيل بزوجته من منزل والدها إلى أي منزل آخر.

ولا سبيل هنا للشك في أن جركيس الذي كان مباشرًا لدى أحد كبار رجال الإدارة بالديوان العالي كان مراعيًا لتقاليد الكنيسة القبطية بوصفه أحد وجهاء القبط ومن ثم فقد عقد زواج ابنته لدى أحد البطاركة ثم حرر هذه الوثيقة لدى القاضي الشرعي عوضًا عن تعليق الطلاق الذي كان شائعًا في عقود زواج المسلمين بشأن سكن الزوجية، ذلك أن الطلاق كان مقيدًا بأمور بعينها لدى الكنيسة المصرية، وليس من بينها على وجه اليقين ما يتصل بقريب أو من بعيد بأمور سكن الزوجية.

وبصفة عامة فإن التعاليق الشرعية على اختلاف موضوعاتها كانت تختتم بجواب الشرط الذي يتضمن انه إذا ثبت على الزوج بوجه من الوجوه الشرعية إتيانه أي فعل من الأفعال الواردة في تعليقه على نفسه وبرضاه لزوجته فإنها متى أبرأته الزوجة من ثمن دينار أو ربع قرش أو أي قدر من مؤخر صداقها المستحق لها عنده تكون طالقًا طلقة واحدة تملك بها نفسها“.

ويعني ذلك ببساطة أن الزوجة كان من حقها في حال مخالفة الزوج للتعليق الطوعي الذي أقر به في كتاب الزوجية أن تطلق طلقة واحدة على الإبراء فلا يستطيع أن يردها لعصمته دون موافقتها وبعقد جديد وصداق جديد. وذلك على الرغم من أن الزوجة لم تكن لتبرأ الزوج إلا من قدر ضئيل من أجل صداقها، ويحق لها تبعًا لذلك أن تطالبه ببقية صداقها المسطر في كتاب الزوجية.

وهو ما كان يحدث بالفعل مثلما نلاحظ في سجلات المحاكم الشرعية.

ثانيًا: الشروط الخاصة في عقود الزواج

كانت مصر كسائر بلدان الشرق في طور حضاري تميز دومًا بالتقليدية المحافظة، وهو ما يعني أن المجتمعات العربية والإسلامية كانت أكثر ميلاً للحفاظ على التقاليد السارية وأنماط السلوك المتوارثة عبر الأجيال بل ربما منح البعض لكثير من التقاليد الاجتماعية صبغة من قداسة لا تستحقها.

وظلت تلك النزعة المحافظة حائلاً أمام أية محاولة لتغيير الأنماط الثقافية السائدة إلى أن أخذت موجة التحديث التي أعقبت الحملة الفرنسية على مصر والشام في اختتام سنوات القرن 18 الميلادي تجرف أمامها وبصورة تدريجية ما كان مستقرًا من النظم والأطر الاجتماعية والمؤسسات التي تمسك بزمام الأمور في المنطقة.

ورغم الإقرار بأن الطابع المحافظ لثقافات الشرق قبل التحديث قد وقف عائقًا بدرجة أو بأخرى أمام تطور المجتمعات العربية وتخلصها من الركود الحضاري والعلمي وما رافقهما من غلبة الطابع الاستبدادي على سلطات تسيير دفة السياسة بمستوياتها المختلفة، إلا أنه ينبغي الإشارة إلى مفارقة هامة تستحق الالتفات إليها والتمعن في مغزاها.

فقد أدى الطابع المحافظ ضمن ما أدى إليه، لترسيخ بعض الجوانب المضيئة في تاريخ الفكر الديني في حضارة الإسلام وفي مقدمتها حماية حق الاختلاف واحترام الاجتهاد والتعايش المنطقي بين مذاهب واتجاهات بينها وبين بعضها البعض مساحات مختلفة من التباين .

ونستطيع أن ننوه هنا وفي عجالة يوجبها موضوعنا إلى حقيقة أن غلبة المذهب الذي يتبناه حكام أية دولة لم يقف حائلاً أمام الحق المقدس للمواطنين في اختيار مذهب يخالفه أو الارتكان إلى اجتهادات مذاهب وأئمة آخرين في تسيير جوانب حياتهم اليومية وتعاملاتهم الاجتماعية.

فخلال العصر الفاطمي وفي ظل الطابع المذهبي الخاص بخلفاء استندوا في مشروعية حكمهم للانتساب لبيت النبوة مع تشددهم في مراعاة مذهب الشيعة الإسماعيلية في رسوم دولتهم المختلفة وسعيهم الحثيث لنشر هذا المذهب إلا أنه لم يسع الخلفاء الفاطميين في نهاية المطاف سوى الاعتراف بحق المخالفين في المذهب في إتباع اجتهادات مذاهب أخرى فيما يتصل ليس فقط بالأمور الشخصية والعائلية، كما في المواريث، بل حتى فيما يتصل بالشعائر الدينية كالآذان والجهر بالبسملة في الصلاة والتكبير في صلاة الجنازة.

ونفس الأمر نراه تاريخيًا بدرجة أو بأخرى في أيام الأيوبيين فرغم انحيازهم المعروف لمذهب الإمام الشافعي لم يحل ذلك دون العطف على مدارس تعليم المذاهب الأخرى أو الإقدام على تعطيل أنشطتها، وكذلك لم يؤثر تفضيل سلاطين وأمراء المماليك لمذهب الإمام أبي حنيفة على أنظمة التقاضي السارية في مصر إذ ظل لكل مذهب قضاته، وحرصت الدولة على تعيين من يقوم بأعباء منصب قاضي القضاةلكل مذهب وهو ما يعني أن الناس كان بوسعهم التقاضي أمام قاضي المذهب الذي يميلون إليه دون حجر أو تمييز.

ومما له مغزاه التاريخي أن الأتراك العثمانيين والمعروف عنهم تعصبهم للمذهب الحنفي قد حاولوا في بداية حكمهم للولايات العربية في الشام ومصر واليمن وشمال أفريقيا أن يقصروا التقاضي على القاضي الحنفي دون سواه وأبطلوا فعليًا مناصب قاضي قضاة المذاهب في مصر، ولكن اعتراض المواطنين على مثل هذا الإجراء الذي يتنكر لما استقر تاريخيًا من حق الاختلاف بين الفقهاء وحريات الاعتقاد أرغم السلطات العثمانية وهي مضرب الأمثال في التعنت والإصرار العنيد على ما تعتقد، على الانصياع والرضوخ للتقاليد الراسخة في هذا الصدد.

وتشهد سجلات المحاكم الشرعية العثمانية بحقيقة أن التقاضي كان يتم أمام قضاة من مذاهب مختلفة يعرف الواحد منهم في مصطلح حجج المحاكم باسم الحاكمومع الاعتراف بأن الغلبة كانت للحاكم الحنفيفي سجلات المحاكم إلا أننا نجد أيضًا قضايا تخرج عن الحصر رفع الناس فيها خصوماتهم للحاكم المالكي أو الحنبلي أو الشافعي مثلما ذهبوا لمجالسهم لتحرير حجج زيجاتهم.

وقد أتاح هذا الحرص على حماية حق الاختلاف الفضاء الكافي لإبراز التنوع والثراء الكبيرين في عقود المعاملات وخاصة عقود الزواج التي اتسع المجال فيها لدرجة يصعب معها الحصول على عقدين متماثلين في الصيغة وما يحتملانه من شروط خاصة حرص كل من الزوج والزوجة على تسجيلها في حجة الزواج.

وليس هناك شك في أن غياب النمطية التي رافقت عصر الطباعة كانت كافية بمفردها لاستبعاد العثور على عقدي زواج متماثلين كليًا في صيغتهما في ظل عدم وجود نماذج نمطية لعقود الزواج، ولكن السبب الرئيسي في تباين صيغ عقود الزواج عائد بشكل رئيسي للاعتقاد العام للمسلمين خلال العصور الوسطى بتفرد عقد الزواج وحق أطرافه كافة في تسجيل ما يشاءون من الشروط الخاصة الخارجة عن الالتزامات المفهومة ضمنًا في أي عقد للزواج طالما كانت هذه الشروط لا تحرم حلالاً أو تحل حرامًا.

وجلية الأمر أن الذين طالبوا بتحرير عقود الزواج الحديثة من قيود النمطية التي غلفتها في العقود الأخيرة وأفقدتها فعليًا طابع التفرد اللازم لها لم يدر بخلدهم أنهم يطالبون بما هو أدنى بكثير مما كان سائدًا ومرعيًا في تحرير عقود الزواج التي نصادفها في أوراق البردي العربية ووثائق المحاكم الشرعية.

وقد درج قضاة الشرع في محررات المحاكم الشرعية على التمييز من ناحية المصطلح بين ثلاثة أنواع أو أصناف من الشروط يمكن إجمالها في ثلاثة تصنيفات رئيسية وهي على النحو التالي:

أالتقرير وهو ما يتبع كتابة كلمة وقرركالتزام اختياري أو تفسيري من قبل الزوج وقد تسجل عبارة التقرير بشكل كامل وفق هذه الصيغة وقرر على نفسه برضاه لزوجته“. وغالبًا ما تشمل التقارير تعيينًا دقيقًا لما هو واجب شرعًا للزوجة لدى زوجها من طعام وكسوة على وجه الخصوص وقد يمتد التقرير ليشمل مسكن الزوجية أيضًا.

ب – الرضاء ويشار إليه بالفعل ورضيوغالبًا ما ينصرف ذلك إلى التزامات ذات طابع اختياري لا نوجبها التزامات الزوجية من الناحية الشرعية على الزوج تجاه زوجته مثل إنفاق الزوج على أبناء زوجته من زواج سابق.

ج – التعليق ويقصد به أن الزوج قد علق ممارسته لبعض حقوقه الشرعية على إرادة زوجته ورضاها بل وربما نقل طائفة من هذه الحقوق إلى تصرفها وفي هذه الحالة كان القاضي يستفتح التعليق بالعبارة التالية وعلق على نفسه برضاه

وينبغي أن نشير هنا إلى أن هذا التمييز الاصطلاحي بين أصناف الشروط التي تضمنتها عقود الزواج لم يكن معروفًا قبل العصر العثماني، وذلك ما يبدو واضحًا في عقود الزواج التي نصادفها في أوراق البردي العربية ومنها عقدان يعودان لعصر الدولة الطولونية في مصر (258-292ه / 872-904م.)، لم ترد فيهما سوى كلمة وشرطقبل تسجيل أي من شروط العقد فجميعها كانت شروطًا وحسب.

(أ) التقرير

من نوافل القول أن نذكر القارئ بأن المجتمعات البشرية قد استقرت جميعها وكل حسب الثقافات السائدة فيه، على فهم ضمني عام لحدود الواجبات والحقوق التي تفرضها علاقة الزواج وبلغ هذا الفهم حدًا من القبول والإدراك الجمعيين لم يصبح معه أطراف العلاقة الزوجية بحاجة لكتابة أو تسجيل التزاماتهم بأية صورة من الصور، طالما كانت مفهومة لهم ولكل عضو في المجتمع الذي يعيشون فيه.

وفي ظل هذه القاعدة المرعية لم نعدم أمثلة من عقود الزواج التي رأى أطرافها أهمية ما للنص على بعض الواجبات المتبادلة بين الزوجين ولو كان ذلك من قبيل التذكير أو التشديد على مراعاتها.

ولا تكاد تخلو حضارة إنسانية من مثل هذا الميل لتنبيه الزوجين لما تمليه عليهما علاقة الزواج، فنجد على سبيل المثال عدة عقود زواج وصلتنا من حضارة المصريين القدماء وقد احتوت على بعض التقاريرالمعروفة لدى علماء المصريات باسم الإعاشةبمعنى تعهد الزوج بأن يعطي زوجته ما يلزمها من كسوة ومؤنه يوميًا أو شهريًا أو سنويًا.

وقد يرد ذلك تفصيلاً كقول الزوج في بردية قديمة لزوجته وسأعطيك (كذا) كيله من القمح يوميًا و(كذا) قطعة من الفضة لكسوتك سنويًا و(كذا) مكيال زيت خروع شهريًا“. وهذا كله من الالتزامات المفهوم للكافة أنها واجبة على الزوج ولكن الزوجة فيما يبدو أرادت أن تضمن لبيتها مقادير محددة منها تلزم زوجها بها في عقد الزواج خشية أن يتقاعس بعلها عن الوفاء بما تراه لازمًا ضروريًا لإعاشتها. ومن الطريف أن بعض عقود الزواج القديمة كانت تحتوي تقارير يلتزم الزوج بها حتى بعد طلاق زوجته منه أو مغادرتها منزل الزوجية إلى بيت أهلها مثلاً مثلما نرى في هذا النص الوارد في بردية مصرية قديمة عدد فيها الزوج ما سيوفره من قمح وزيت وقطع من الفضة لكسوتها ثم تعهد لها في نهاية المطاف بأنه سيعطيها ذلك كل سنة بغير حاجة إلى إجراءات قانونية في أي مكان تقيمين فيه.”

أما في العصر الإسلامي فلدينا تقرير ورد في أكثر من بردية عربية تعود للقرن الثالث الهجري(9م.) وخلاصته المسجلة بقليل من الاختلافات أن الزوج قد اشترط لامرأته تقوى الله العظيم بحسن الصحبة والمعاشرة كما أمر الله عز وجل وسنة محمد صلى الله عليه وسلم على الإمساك بمعروف أو التسريح بإحسانوقد يتبع ذلك في بعض عقود الزواج اشتراط الزوجة على زوجها أن لا يمنعها من أهلها ولا يمنع أهلها منها“.

وتمادى الأمر في العصر العثماني إلى ما هو أبعد من ذلك وأشمل حسبما يبين للعيان عند مطالعة وثائق المحاكم الشرعية. وإن كان بالإمكان الزعم بأن بان هذه التقارير أو الشروط الواجبة على الزوج شرعًا وأراد أن يؤكد عليها بشكل خاص مهما تنوعت وتعددت تكاد لا تخرج عن أمرين اثنين هما:

1- الكسوة : ويعني بذلك ما يجب على الزوج شرعًا توفيره من كساء للبدن لزوجته، وقد يتم ذلك بصيغة تنبئ عن الالتزام العام المفهوم ضمنًا للكافة مثل قوله أن عليه القيام بكسوة زوجته شتاًء وصيفًا أقمشة أصنافًا أسوة مثلها على مثله“. وقد وجدت مثل هذه التقارير العامة طريقها أيضًا لعقود زواج غير المسلمين كما في حجة زواج يعقوب ولد سلمون اليهودي بمخطوبته مرحبة بنت سليمان اليهودية.

وفي بعض الأحيان كانت الزوجة تحرص على أن يتعهد الزوج ببيان وتعيين المبلغ الذي سيرصده لكسوتها شهريًا وقد تراوح هذا المبلغ بين خمسة أنصاف فضة بحد أدنى ولم يتجاوز حاجز السبعين نصف فضة أي ما بين 15 جنيهًا و210 جنيهًا مصريًا إذا ما استخدمنا مقياس القمح.

وقد يذكر مقدار الكسوة بوصفه مخصصًا سنويًا كما نطالع في حجة زواج مسطرة بمحكمة الزاهد في 9 رمضان 1115 ه(سجل رقم 685- حجة 20) جاء بها أن الزوج أقر لزوجته بدلاً عن كسوتها الواجبة لها شرعًا لكل سنة تمضي من تاريخه أدناه مائتا نصف فضة وعشرة أنصاف فضة“. وإذا ما لجأنا إلى مقياس القمح لتقدير قيمة الكسوة السنوية تلك بالجنيه المصري فإنها تعادل نحو 6300جنيهًا، وربما يعد هذا المبلغ من الفئة الوسطى لمقادير الكسوة آنذاك.وقد يرتفع بدل الكسوة قي بعض عقود الزواج عن ذلك مثلما نرى في عقد مؤرخ في 12جمادى الأولى عام 1085 ه(محكمة باب الشعرية سجل رقم 624) وصل فيه بدل الكسوة السنوية إلى 8 قروش أي 240 نصف فضة وهو ما يساوي 7200 جنيهًا مصريًا الآن.

ومن الجدير بالالتفات أن بعض الأزواج كان يحتاط لنفسه قطعًا للخلاف فيصر على أن تتعهد الزوجة بالمقابل ألا تطالبه بسداد بدل الكسوة إلا في مواعيد استحقاقها كما في حجة زواج سجلت في محكمة الصالحية النجمية (سجل رقم453) في 18 ذي الحجة عام 976ه وفيها اشترط الزوج على زوجته ألا تطالبه بالقدر المقرر عن الكسوة إلا في استحقاقه شهرًا بشهر“.

2 – الإعاشة: ويقصد بذلك توفير ما يحتاج إليه من طعام وشراب فضلاً عما يلزم لإعداد ذلك وحفظه وتناوله. وينبغي الاعتراف بأن النص على حق الإعاشة تقريرًا هو من الأمور النادر التطرق إليها في عقود الزواج باعتبار أن ذلك قد يشكل مساسًا بكرامة الزوج أو طعنًا فيه بالبخل أو عدم القدرة، ولكن في بعض الحالات كانت الزوجة تحرص على الحصول على إقرار من الزوج فيه قدر من التفصيل توكيدًا لالتزامه بما يقتضيه الشرع في ذلك الأمر. ففي حجة زواج محررة في 15 جمادى الثانية 1106ه بمحكمة الباب العالي (سجل رقم 181) قرر الزوج على نفسه أن يعطي لزوجته مبلغًا يوميًا نظير غداء وعشاء وماء ما قدره أربعة أنصاف فضة أي حوالي 22 جنيهًا مصريًا .

وفي حالات أكثر ندرة كان الزوج يصر أن يشترط على زوجته فيما يتصل بحقوق إعاشتها الواجبة عليه شرعًا ألا تطالبه بأكثر مما يستطيع توفيره لهذا الغرض كأن يشترط أن تأكل مما يستطيع شرائه من طعام أو شراب أو أن يكتفي بإقرارها أنا ستأكل معه تموينًا.

(ب) الرضاء

يعني اصطلاح الرضاء في أضابير سجلات المحاكم الشرعية العثمانية أن الزوج قد رضي طائعًا أن يتكفل ويتكلف بما لا يجب عليه شرعًا ولكن كالتزام واجب التنفيذ كجزء من شروط الزواج.

وفي أحوال قليلة كان الرضاء يصدر عن الزوجة بقبولها القيام بأشياء لا يوجب الشرع عليها التكفل بها ويشكل ذلك أيضًا جزءًا أصيلاً من عقد الزواج.

وليس بخاف على أحد أن الحكمة من تسجيل كل رضاه بعقد الزواج هو توفير موجبات الترافع أمام القاضي الشرعي في حالة تقاعس أي من طرفي العقد في تنفيذ ما اختار أن يلتزم به تطوعًا طالما كان العقد هو شريعة المتعاقدين.

ومن أكثر أنواع الرضاء ورودًا في وثائق المحاكم الشرعية ما يتصل برضاء الزوج وقبوله القيام بالإنفاق على أبناء أو بنات زوجته من زواج سابق.

ويمكن فهم ذلك بالطبع لعلة حرص الزوجة على أبنائها وعلى ألا يكون زواجها بآخر غير والدهم سببًا للتأثير سلبًا على حياتهم ورغبتها أيضًا في أن تقوم بما يوجبه عليها الشرع بحسن الإنفاق من مال زوجها فلا تصرف منه علي شيء لم يقرها عليه، فهي بذلك تحقق مصالحها الخاصة ولا توقع الضرر بعلاقة الزوجية وتنزه نفقة زوجها على أولادها من غيره عن كل شبهة.

ولدينا في وثائق المحاكم الشرعية حشد شديد التنوع من نصوص سجلها القضاة في عقود للزواج تعبر بطرق شتى عن رضاء الأزواج بالإنفاق على أولاد لزوجاتهم دون نكوص عن الوعود على مر الأيام والسنين.

ففي عقد زواج بالمحكمة الصالحية النجمية سجل القاضي أنه أشهد عليه الزوج الإشهاد الشرعي مهما أنفقه على صالحة ابنت زوجته المذكورة ما دامت مقيمة عنده متبرعًا به جميعًا“.

وفي حجة زواج أخرى سجل القاضي على لسان الزوج أنهرضي هو بولدها من غيره أن يكون مقيمًا عنده وينام على فراشه الرضا الشرعي المقبول

وربما احتاج الأمر إلى تسجيل نطاق الرضاء على نحو تفصيلي يقطع الجهالة بماهيته ويدرأ إمكانية الاختلاف حوله مثلما عقد زواج مؤرخ في 3 صفر عام 977ه (محكمة الصالحية النجمية – رقم السجل 453) وقد ورد فيه أن الزوج قدرضي هو بابنتيها من غيره وهما سعد ونور العيون أن تكونا مقيمتين عنده تأكلان من مأكوله وتشربان من مشروبه وتنامان على فراشه متبرعًا من ذلك من غير رجوع عليه (الزوجة) ولا على من تلزمه نفقتهما شرعًا“. ويبدو هنا حرص الزوجة على توضيح أبدية رضاء الزوج وتبرعه بالإنفاق على ابنتيها دون أن يطالبها هي أو الأب المسئول شرعًا عن الإنفاق عليهما بشيء مما أنفقه

أما الرضاء أو التبرع الذي قد يصدر عن الزوجات بالتكفل بأمر لا يوجبه عليها الشرع أو العرف فأمثلته قليلة في سجلات المحاكم الشرعية ولا يكاد يخرج عن قبولها بأن يكون منزلها الخاص أو منزل أقرباء لها مكانًا لمسكن الزوجية دون أجرة يدفعها الزوج ومن هذا الصنف من التبرع ما جاء في إحدى حجج الباب العالي (سجل رقم 181) أن والد الزوجة بصفته وكيلاً عنها قد أباح للزوجالسكنى بالمكان الجاري في تصرفه من غير أجرة ما دام ساكنًا بابنته المذكورة“.

انتهاء العلاقة الزوجية

كان الطلاق بدرجاته المختلفة نهاية محتملة لعدد غير قليل من الزيجات التي وجدت لنفسها سبيلاً إلى أضابير الوثائق التاريخية والسجلات القضائية وذلك منذ عهد المصريين القدماء.

فقد عرف الفراعنة الطلاق قرينًا للزواج منذ فجر التاريخ، حتى أن المصري القديم حينما كان يفخر بالفضائل يعدد صفات الرجل الطيب ويصفه بأنه أب للمسنين وأخ للمطلق وزوج للأرملة وأب لليتيم.

وتكشف عقود زواج المصريين القدماء عن أن حق الطلاق كان بيد الزوج والزوجة سواء بسواء فكان الزوج يقول لزوجته فإذا ما تركتك وأنت الزوجة وكرهتكوفي بعض العقود سجلت الزوجة قولها لزوجها لقد اتخذتني زوجة اليوموإذا طلقتك وفضلت آخر عليك ..”.

أما بعد دخول المسيحية إلى مصر فمن المربك للمؤرخ أنه لا يجد لديه ما يشفي الغليل من المادة التاريخية التي تتيح له أن يقطع بصفة باتة في ما كانت عليه أمور الطلاق ومدى شيوعه بعد تحول المصريين عن دياناتهم القديمة إلى المسيحية. ولكن المؤكد أن الكنيسة المصرية كانت تتشدد في أمر الطلاق ولا شك أنها قد عانت الكثير لحمل المصريين على إبطال الطلاق الذي خبروه وسيلة لإنهاء علاقة الزوجية طيلة تاريخهم القديم وكانت لهذه المعاناة أسبابها الإضافية المتمثلة في الاضطهاد الروماني للمسيحيين ثم الخلاف المذهبي بين المصريين الأرثوذكس (اليعاقبة) وبين البيزنطيين الملكانيين.

وبعيدًا عن الخوض في لجي بحور المسائل الدينية نستطيع أن نقول بأنه من المعروف تاريخيًا أن الطلاق عند الأقباط لا يتم عادة إلا إذا ثبتت حالة الزنا وأن الزوجين قد ينفصلان أيضًا إن ارتكبت الزوجة سرقة أو جريمة شائنة ولكن لا يسمح لأي منهما عند الانفصال بالزواج مرة أخرى.

وفي إيجاز غير مخل فإن للطلاق بين المسيحيين حالات حصرية ينبغي على البطريرك أن يقر وجودها وتحققها قبل إنفاذ الطلاق، ولم يكن أمر ذلك معلقًا على إرادة أحد الزوجين المنفردة أو حتى المجتمعة باتفاقهما.

ومن الثابت تاريخيًا أنه بعد فترة وجيزة من اختلاط الأقباط المسيحيين بالمسلمين أخذ القبط يمارسون تعدد الزوجات والتسري كما أشرنا آنفًا، وليس هناك من دلائل تاريخية تحملنا على استبعاد ممارسة الطلاق أيضًا ضمن تلك المنظومة، خاصة وأننا نصادف في وثائق المحاكم الشرعية العثمانية حالات طلاق كثيرة لزوجين من الأقباط، ولعل ذلك الحال هو الذي دفع البابا بطرس السادس (1718 – 1729م.) للحصول على فتوى من المشايخ وفرمان من الوزير ابن إيواظ منع الأقباط بموجبهما من اللجوء إلى المحاكم الشرعية الإسلامية في أمور الطلاق على وجه التحديد.

وجلية الأمر أن نجاح البابا لم يغير فعليًا الوضع السائد آنذاك، ذلك أن قضاة المحاكم الشرعية وخاصة قضاة المذهب الحنفي لم يعتدوا بمثل هذه الفتاوى والفرامانات (الأوامر الصادرة عن ولاة مصر) واستمروا في سماع دعوى طلاق الأقباط والاستجابة لطلبات أطرافها كما هو واضح من سجلات المحاكم الشرعية في السنوات اللاحقة لعهد البابا بطرس السادس. وقد اعتمد القضاة في مسلكهم هذا على أنهم يتصدون لدعوى طلاق الأقباط وفق القواعد الفقهية التي تجيز الفصل في قضايا غير المسلمين إذا ما ارتضى طرفا الدعوى ذلك، وأيضًا لأنهم يخضعون مباشرة للخليفة في إسلامبول وليس للإدارة المحلية في ولاية مصر، فضلاً عن اعتدادهم فقط بفتاوى قاضي أفندي السلطنة دون سواه من المشايخ أو رجال الدين فيما يخص مثل هذه الأمور الآنية.

ومهما يكن من أمر فالمؤكد لدينا أن الطلاق كان حقًا مقررًا لكل المصريين والمقيمين بالبلاد بغض النظر عن دياناتهم أو مذاهبهم طالما مثلوا أمام قضاة الشرع. ويقرر علماء الحملة الفرنسية أن الحصول على الطلاق كان أمرًا بالغ السهولة في مصر، إذ يكفي أن يقول الرجل لزوجته أنت طالقحتى يكون الطلاق قد وقع دون أن يكون القاضي في حاجة لأن يتدخل في الأمر أو يقف على دواعي هذا الطلاق.

ولاحظ أيضًا الرحالة البريطاني وليم إدوارد لين الذي زار مصر في القرن 19م. أن لسهولة إيقاع الطلاق تلك عواقب وخيمة على المرأة والرجل، فالعديد من الرجال في مصر تزوجوا خلال عشر سنوات مثنى وثلاث، وكذلك كانت العديد من النساء غير المتقدمات في العمر زوجات بدورهن لعشرة رجال أو أكثر بصورة متعاقبة.

أما الطبيب الفرنسي كلوت بك الذي عاش بمصر أيام محمد علي باشا فقد اعتبر الطلاق من الأنظمة المرتبطة بتعدد الزوجات، ولم يستبعد وجود مسلمين في القطر المصري تزوجوا وطلقوا عشر زوجات أو أكثر. وحسبما يعتقد فإن الطبيب الفرنسي يعتبر أن تفشي ظاهرة الطلاق كانت السبب الرئيسي وراء انتشار البغاء في البلاد وأن نظرة واحدة في أحوال العاهرات تكفي للاقتناع بأنهن بوجه عام من النساء اللاتي أنفن ذل المعيشة الزوجية وأبين ضيمها أو اللاتي لم يستطعن بعد طلاقهن التزوج ثانية، فلم يجدن للارتزاق بابًا مفتوحًا غير المضي في تيار العهر والفسوق“.

وطبقًا لما لاحظناه في وثائق المحاكم الشرعية فإن حالات الطلاق التي تمت أمام القاضي كانت تنجز بناء على إرادة الزوج المنفردة وفي غياب الزوجة المطلقة أو بحضورها كما أن كثرة من حالات الطلاق إنما تمت بناء على رغبة الزوجة وحدها.

وبناء على ذلك فإننا سنميز هنا بين أنواع الطلاق وفقًا للطرف الراغب في إيقاعه وبذلك يكون لدينا ثلاثة أنواع رئيسية منه، وهي الطلاق برغبة الزوج ثم الطلاق برغبة الزوجة وأخيرًا الخلع الذي هو من حق الزوجة وحدها.

(أ) الطلاق بإرادة الزوج ورغبته

يعرف هذا النوع من الطلاق الذي يوقعه الزوج بإرادته المنفردة ومن تلقاء نفسه في المرتين الأولى والثانية في مصطلح الفقه الإسلامي بالطلاق الرجعي حيث يحق للزوج أن يعيد مطلقته إلى عصمته طالما كانت في فترة العدة الشرعية، بينما يطلق عليه في مصطلح قضاة الشرع البينونة الصغرى“. أما الطلاق الثالث والمعروف فقهًا بالطلاق البائن فيطلق عليه في حجج المحاكم الشرعية البينونة الكبرى“. وفي كل الأحوال كان متاحًا للزوج أن يدخل لمجلس القضاء ومعه شاهدان لإثبات أمر الطلاق وتحديد نوعه (طلاق رجعي أول وثاني أو بائن) وعندئذ لم يكن القاضي ليسمح لنفسه بالخوض فيما هو أبعد من طلب من الزوج أن يعترف بالدخول والإصابةذلك أن الحديث عن حقوق الزوجة بعد طلاقها كمؤخر أو آجل صداقها والنفقة الواجبة لها من أي نوع كان يستوجب حضورها أو حضور وكيل عنها في هذا الشأن.

وسنكتفي هنا بعدد محدود من حجج الطلاق التي تزخر بها سجلات المحاكم ومن بينها وثيقة تنبئ عن أن حواش بن محمد بن عبید عرف بابن حواش البركاوي قد أشهد على نفسه شهوده الإشهاد الشرعي في صحته وسلامته وطواعيته واختياره أنه من نحو عشرين يومًا سابقة على تاريخه أبان زوجته سليمة المرأة ابنة محمد حجازي عرف والدها بالكتاتني بينونة شرعية بالطلاق الثلاث باعترافه بالدخول والإصابة“.

ونفس الشئ تمامًا فعله قبطي مسيحي وهو قزمان بن فهد بن سيدهم النصراني اليعقوبي الصايغالذي دخل لمجلس القاضي الحنفي بمحكمة الصالحية النجمية (سجل رقم 482-حجة 911) في يوم 13 المحرم عام 1017هوأشهد على نفسه شهوده الإشهاد الشرعي أنه أبان زوجته عز المرأة ابنت عطية النصراني اليعقوبي من عصمته وعقد نكاحه بالطلاق الثلاث دفعة واحدة بعد اعترافه بالدخول والإصابة الاعتراف الشرعي“.

ومن المعروف أنه بعد هذا الإشهاد بالطلاق يمكن أن تذهب المطلقة بنفسها أو توفد وكيل عنها لتسوية مستحقاتها لدى المطلق، ويعرف ذلك في مصطلح القضاء الشرعي بالتصادق وهو يشمل كافة الحقوق المترتبة على انتهاء علاقة الزوجية من النفقة وآجل الصداق ونفقة الأبناء والوصاية عليهم وحضانتهم والكسوة الخاصة بالأبناء أو المتأخرة لها ومتاع منزل الزوجية أيضًا.

فعلى سبيل المثال حدث بعد أن طلق الريس لطفي بن المرحوم أحمد زوجته الحرمة مباركة المرأة ابنة المرحوم موسى بن بقا أن ذهب المطلق مع وكيل مطلقته وهو الشيخ العمدة الأكمل زين الدين عبد اللطيف بن المرحوم الشيخ عبد المحسن أبو البركات وبحضور ثلاثة شهود كلهم من الشيوخ ومن بينهم ابن المطلق من زوجته الشيخ عمر وتمت تسوية مستحقات السيدة مباركة وهي:

  • مؤخر صداقها عليه الذي حل لها عند الطلاق.

  • ما تجمد لها عنده من كساوى وإنفاق وحقوق زوجية وديون شرعية.

وقد بلغت قيمة ذلك كله خمسة وعشرين قرشًا، ولما عجز المطلق عن دفعها بمجلس القاضي الحنفي بمحكمة الباب العالي في ثاني ربيع الأول عام 1106 ه، فقد أجله الوكيل بما له من التوكيل عن المطلقة على أن يقوم لها بالمبلغ المذكور أعلاه جملة واحدة في شهر ذي الحجة الحرام ختام تاريخه أدناه“.

وشبيه بذلك حضور المطلق السيد الشريف إبراهيم الخياطللقاضي الحنفي بمحكمة قوصون (سجل رقم 298 – حجة 271) في يوم 2 ربيع الأول 1106ه وكان قد طلق قبل يومين زوجته السيدة الشريفة آمنة طلاقًا ثلاثًا مصطحبًا معه المطلقة ووالدها السيد الشريف محمد بن المرحوم السيد الشريف محمد الحمصيومعهم ثلاثة من الشهود العدول أحدهم خياط أي زميل في المهنة للمطلق والآخران أحدهما بائع في السوق(متسبب) والثاني بائع لشراب العرقسوس (عرقسوسي) وفي مجلس القاضي وكلت السيدة آمنة والدها ليتصادق مع المطلق عل استحقاقاتها والتي تم الاتفاق بشأنها على أن كل ما تستحقه لديهعن مؤخر صداقها عليه المعين بكتاب الزوجية بينهما ومن متعتها ونفقة عدتها إلى حين انقضائها ومن كل حق شرعي سابق على تاريخه حين بنائه بها وإلى يوم تاريخه مبلغًا قدره من الدنانير الذهب ثلاثة دنانير ذهبًا

ومن الملفت للنظر هنا أن القاضي لم يثبت أن المطلق قد سدد ما تقرر عليه دفعه بالمجلس، كما لم يشر الوكيل إلى استلامه المبلغ وإبراء ذمة المطلق من هذا الاستحقاق أو إلى تأجيل السداد لوقت لاحق، وهو ما يعني أن الطرفين اكتفيا فقط بالإثبات الشرعي لحقوق المطلقة وتركا لها حرية اقتضاء ذلك في الوقت الذي تراه ملائمًا.

وغالبًا ما كانت الزوجة المطلقة تحضر بنفسها ودون وكيل عنها عند تحرير التصادقسواء لحفظ أو استلام حقوقها لدى مطلقها أو مبينها.

فعندما طلق الزيني عمر بن المرحوم محمد من طائفة الجراكسة زوجته خديجة بنت محمد التفكجي” (والدها كان من العسكر أيضًا حملة البنادق) حضرت خديجة بنفسها لمجلس القاضي وأقرت أمامه بتسلمها تسعة دنانير ذهب وعشرة أنصاف فضة عن مؤخر صداقها والمتعة والنفقة والكساوي كما لم تعترض على ما قرره المطلق على نفسه من مقدار للإنفاق على ابنتيها منه بل صدقت عليه إذ كان إقرارها لذلك شرطًا أساسيًا قبل صدور التصادق وفي هذه الحجة المحررة في محكمة جامع قوصون في عام 1155 ه قرر المطلق على نفسه برضاه لمطلقته المذكورة لبنتيه منها هما فاطمة الدارج (تستطيع المشي) ورابية المرضع(الرضيعة) لكل يوم .. ثلاثة أنصاف فضة نظير مؤنه فاطمة الدارج وغذائها وعشائها ورضع وإرضاع رابية خلا كسوتهما وصابونتهما فإنهما على والدهما المطلق“.

وقد اختار المطلق أن بفصل هنا بين النفقة التي ينبغي تقديرها على أساس اليوم وبين الكسوة التي يمكن أن تقدر بحساب الشهر أو العام، كما فصل بين ذلك كله وبين الصابونالذي كان تأمينه للصغار ترفًا لا يقدر عليه سوى أبناء الطبقة المتوسطة بالمدن الرئيسية وقد أوجب المطلق على نفسه تقريرًا التكفل بالصابون لنظافة ابنتيه.

ورغم أن نفقة الطفلتين قد قدرت على أساس اليوم إلا أن الزيني عمر كان يدفعها شهريًا بواقع تسعين نصف فضة، وأقرته مطلقته على عدم تعيين قدر محدد لمبلغ الكسوة وهو أمر شائع في مثل هذه التسويات المالية ربما باعتبار أن الوالد كان يقوم بالكسوة لأولاده مرتين في العام ، صيفًا وشتاًء.

وفي حالة الزيني عمر تلك يمكن أن نقرر أن هنا أن النفقة التي قررها لابنتيه كانت تتناسب إلى حد بعيد مع مكانته كواحد من أبناء الطبقة العسكرية فالتسعين نصف فضة كانت كافية آنذاك للإنفاق المريح على طفلتيه. ونزيد على ذلك أن كسوة الأطفال لم تكن لتتكلف الكثير ليس بسبب رخص الأسعار أنذاك، ولكن قبل ذلك وبعده لحرص النساء في المجتمع المصري على إهمال أمر كسوة الأطفال إلى أقصى درجة ممكنة خشية أن يتعرض الأطفال للحسد أثناء خروجهم للطريق العام ومن ثم كان الملبس البسيط خير ضمان لتجنب عيون الحاسدين. وقد أثار ذلك دهشة الرحالة البريطاني لينوهو يرى مقدار حرص الزوجة على ملبسها وزينتها في الوقت الذي يرفل فيه أولادها خلفها في ملابس شبه بالية لا تمت بصلة لوضع عائلهم الاجتماعي.

وينبغي ملاحظة أنه في حال تحرير مثل هذه التصادقات لمصريين من أهل البلد كان الأمر يحتاج إلى تفاصيل أكثر من تلك التي يمكن أن تسجل في تصادقات العسكريين، وذلك بحكم النضج الاجتماعي وتراكم الخبرات الحياتية للمجتمع المصري قياسًا بمجتمع العسكريين الأتراك المغلق والمعزول نسبيًا عن بقية المصريين.

ولعل التصادق التالي يبن الفارق الذي أشرنا إليه وهو محرر في سجلات المحكمة الصالحية النجمية في شهر ذي الحجة عام 976ه بين كل من الشيخ نور الدين علي بن عبد الوهاب بن الشيخ نور الدين علي البدرشينيومطلقته سعد المرأة ابنت أبو النصر بن عمر الإبياري إذ تصادقا على ما يلي:

1 – أنه أوقع عليها خلعًا شرعيًا مسبوقًا بخلع وطلقة وهو ما يعني أن الخلع الأخير هو الطلاق الثالث الذي لا تحل له من بعده إلا بعد أن تتزوج بغيره.

2 – اعترفت سعد بقبضها نصف مسمى صداقها عليه وقدره مائة نصف فضة ومما يسترعي الانتباه أن المطلقة حصلت على آجل صداقها أو المؤخر على الرغم من أن طلاقها الأخير كان خلعًا شرعيًا.

3- إن المطلق قرر على نفسه برضاه لابنته التي رزق منها سابقًا وهي دلال القاصر لما تحتاج إليه عن لوازمها الشرعية خلا الكسوة نصف واحد لكل يوم.

4- أمد هذا القدر من النفقة هي فقط سنتان وعشرة أشهر من تاريخ التصديق.

ولاشك أن تحديد مدة النفقة للقاصر بهذا القدر من الزمن يعود غالبًا إلى أنها ستصبح في سن الرشد ومن ثم تتجاوز سن الحضانة ويصبح من الجائز شرعًا نقل حضانتها لوالدها ذلك إن لم تتزوج وتغادر منزل والدتها قبل ذلك.

5- أذن المطلق لوالدة ابنته أن تقترض وتقتضي مقدار النفقة عند تعذر الأخذ منه والرجوع عليه بنظير ذلك عند الإمكان.

6 – وبشأن حضانة الصغيرة تعهد المطلق ألا يقصر مدتها المقررة بسنتين وعشرة أشهر مؤكدًا أنه أقام ابنته في حضانة أمها طول المدة المذكورة عازبة كانت أو متزوجة مسافرة كانت أو مقيمة، مسافرًا هو كان أو مقيمًا وعلم أنها أهل للحضانة كافية في مثل ذلك شرعًا“.

7 – وعلاوة على كل ما تقدم أصرت الزوجة فيما يبدو على أن تضمن بقاء ابنتها في حضانتها ولذا أسقط الشيخ نو الدين علي حقه في طلب ابنته أو انتزاعها شرعًا من أمها طوال المدة المذكورة إسقاطًا شرعيًا مقبولاً “.

وكما يبين من هذه الوثيقة فإن النفقة المقدرة للقاصر دلال وقدرها 30 نصف فضة شهريًا تتوافق مع الأوضاع المالية المتوسطة للمشايخ في هذه الفترة المبكرة من تاريخ العثمانيين في مصر، وهي تعتبر كافية إلى حد بعيد لتأمين عيشة كريمة لها خاصة في ظل انخفاض الأسعار وقلة الاحتياجات الحضرية في هذه الحقبة، فضلاً عن أن الوالد كان متكفلاً بأمر الكسوة الخاصة بالقاصر دلال.

وكان الزوج المطلق يذهب أيضًا إلى المحكمة الشرعية لإثبات وقوع الطلاق بناء على تعليق سابق صدر منه لفظيًا خلال فترة الزوجية.

والطلاق المعلق كما يعرف في حجج المحاكم الشرعية يستغرق نوعين رئيسيين، أولهما الطلاق المعلق على فعل ألزم الزوج به نفسه طواعية فإن لم يقم به وقع الطلاق، والنوع الثاني هو الطلاق المعلق على فعل إن أتته الزوجة وقع عليها الطلاق.

ومن نوافل القول أن نشير هنا إلى أن تعليق الطلاق على أفعال مستقبلية لم يكن بحال من الأحوال من بين الشروط المتنوعة التي كانت تسجل في عقود الزواج، وإنما كان يصدر لفظيًا بعد إتمام الزواج وفي وقائع بعينها تتصل بحياة الزوجين معًا.

ومن المفارقات التي تستحق التسجيل أن الطلاق المعلقفي أيامنا تلك يكاد أن يكون محصورًا في قيام الأزواج بتعليق إيقاع الطلاق حال قيام الزوجة بفعل يمنعها منه مثل الخروج من منزل الزوجية بدون إذن مسبق من الزوج حتى ولو كان ذلك لزيارة أهلها أو الخروج للعمل أما في وثائق المحاكم الشرعية فنجد أن معظم حالات الطلاق المعلق تتصل في حقيقة الأمر بعهود ووعود قطعها الأزواج على أنفسهم وجعلوا طلاق الزوجة لازمًا إن هم عجزوا عن الوفاء بها في الأمد الزمني الذي ضربوه لتحقيقها.

ومن ذلك النوع من الطلاق المعلق الطلاق الثلاث دفعة واحدة محمد الحلوجي بن عليلزوجته فاطمة بنت ناصف الصادر عن بن عبد الفتاح وكلاهما من أهالي ناحية أم خنان البحرية بالمنوفية. وقد حضر الزوج بنفسه أمام القاضي الحنفي ومعه زوجه فاطمة والشهود ليصدق على صحة وقوع هذا الطلاق الثلاث المعلق لزوجته لأنه قال بصريح لفظه إن ما أحضرت لها مقطع قماش يوم الاثنين خامس عشر شهر صفر فهي طالق ثلاثًا ومضى يوم الاثنين المذكور ولم يحضر لها المقطع القماش المذكور وقد وقع عليه الطلاق الثلاث لزوجته وصارت بائنة منه بينونة كبرى فلا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره .

وبعد أن صدق الزوج على وقوع الطلاق بسبب عجزه عن إحضار مقطع قماش لزوجه فاطمة، تصادق مع عم والد المطلقة (كبير عائلة الزوجة فيما يبدو) على تسوية مستحقاتها المالية لديه وكان مقدارها 16 ريالاً بطاقة (ريال ماريا تريزا النمساوي ) وهو مبلغ جسيم في مطلع القرن 13ه وقت تحرير التصادق. ومن هذا القدر 12 ريالاً من مقدم صداقها ومؤخره والباقي (4 ريالات) عن قرض شرعي لها عليه. ونلمح فيما بين سطور هذا الإقرار بوقوع الطلاق المعلق أن الزوجة لم تنجب أطفالاً وأنها كانت على قدر من الثراء بينما كان الزوج فقيرًا وهو ما يظهر واضحًا من عجزه ليس فقط عن شراء مقطع قماش لها بل وعن تسديد كامل مقدم صداقها عند الزواج. ومما يبرهن على صحة الاستنتاج الأخير أن وكيل السيدة فاطمة وافق على تقسيط مبلغ التسوية على 32 شهرًا بوقع نصف ريال كل شهر.

(ب) الطلاق وفقًا لرغبة الزوجة

كانت المحكم الشرعية تشهد حالات ليست بالقليلة طلبت فيها الزوجات من أزواجهم أمام القاضي الطلاق بأنواعه المعروفة، وفي تلك الحالات كان القاضي يستهل الحجة المحررة في سجلات المحكمة بالفعل سألت إذا كانت الزوجة تطلب الطلاق بنفسها في مجلس القضاء أو بالفعل سألإن كان الطلب بواسطة وكيل عنها.

ويحسن أن نشير بداية إلى أن طلب الزوجة الطلاق لم يكن دائمًا على الإبراء، أي مقابل إبراء ذمة زوجها من كافة حقوقها الشخصية من مؤخر الصداق والنفقة، بل أن بعض الزوجات اللاتي طلبن الطلاق على الإبراء لم يبرأن ذمة الزوج سوى من قدر ضئيل للغاية من مؤخر الصداق وحصلن بعد الطلاق على كافة حقوقهن الشرعية كاملة غير منقوصة.

وفي الحالات التي طلبت فيها زوجات الطلاق من الزوج قبل الدخول بها كانت الزوجة تستحق نصف الصداق المقر لها إن وافق الزوج على ذلك، أما إذا كان الطلاق صادرًا عن الزوج قبل الدخول فإن حق الزوجة في نصف الصداق يصبح واجب الأداء.

وفي واحدة من حالات طلب الزوجة الطلاق قبل الدخول بها ذهبت أمها إلى القاضي بصفتها وكيلة عن ابنتها القاصر وطلبت من زوج ابنتها أن يطلقها على الرغم من أن والدها كان على قيد الحياة فقد سألت المرأة ابنة محمد بن أحمد عرف والدها بالشبراملسي زوج ابنتها فرحانة البكر القاصر بنت محمد بن أحمد عرف والدها بابن شراميط وهو(يعني زوج البنت) سليمان بن عبيد بن محمد عرف بابن فتفوت أن يطلق ابنتها فرحانة المذكورة طلقة واحدة أولى قبل الدخول بها والإصابة فأجابها إلى طلبها“.

أما طلب الزوجة الطلاق دون إبراء أو اشتراط أن تملك بهذه الطلقة أمر نفسها، أي دون أن يكون للزوج الحق في إعادتها إلى عصمته رغمًا عنها، فمن أمثلته سؤال الحرمة خديجة المرأة بنت الصفائي مصطفى بن علي جاويشلزوجها الشيخ العمدة الكامل إبراهيم بن رمضان القباني هو بخط خوخة الأوزان، أن يطلقها من عصمته وعقد نكاحه طلقة واحدة أولى على درهم فضة..”. وبعد أن أجاب الزوج سؤالها شرع في الإقرار بحقوقها التي صارت مستحقة لها بهذا الطلاق وهي من مؤخر صداقها عليهومما تجمد لها عليه من كساوى وإنفاق ومن سائر الحقوق الشرعية الزوجية وغيرها“.

ومن جانبها فقد أجلته المطلقة على أن يقوم لها بذلك سلخ كل يوم يمضي من تاريخه أدناه نصف نصف فضة وهو ما يعني أنها وافقت على تقسط مستحقاتها على 99 يومًا. وفي اختتام الوثيقة قرر المطلق على نفسه برضاه لمطلقته المذكورة بدلاً عن أجرة رضاع وإرضاع وغذاء وعشاء ولوازم شرعية بعد انقضاء أمد الرضاع لابنته منها وهي عائشة المرضع لكل يوم يمضي من تاريخه نصفًا واحدًا فلوسًا نحاسًا ما دامت في حضانتها التقرير الشرعي“.

وهناك أيضًا مثال آخر قريب من هذا التصادق حرر بمحكمة الباب العالي في 17 ذي القعدة عام 1105 ه وقد جاء فيه:

لدى القاضي الحنفي وبشهادة أخويها سألت الحرمة خضرا المرأة ابنة الشيخ العمدة التالي لكتاب الله عز وجل الحاج عبد الرحمن المقرئ بن الحاج علي الحايك أن يطلقها من عصمته وعقد نكاحه طلقة واحدة تملك بها نفسها وبعد أن أجاب الزوج سؤالها وطلقها الطلقة المذكورة قبضت منه بيدها مبلغ 345 نصف فضة وهي جملة ما تستحقه عن مؤخر صداقها وما تجمد لها عنده من كسوة ماضية ونفقة متجمدة وديون شرعية وإرضاع ولده منها هو محمد المرضع لكل يوم يمضي من تاريخ ذلك نصف واحد فضة“.

وكما هو واضح من نص هذه الحجة فإن السيدة خضرا قد ملكت نفسها في هذه الطلقة على الرغم من أنها لم تبرأ مطلقها من أي جزء من مستحقاتها لديه بما فيها مؤخر صداقها.

ويقودنا ذلك إلى التذكير بأن الطلاق على الإبراء في وثائق المحاكم الشرعية كان يقع بمجرد إبراء الزوجة لزوجها من أي قدر من مؤخر صداقها ودون أن يسقط هذا الطلاق حقها في بقية صداقها المؤجل أو في سائر حقوقها الشرعية الأخرى.

وتحفل حجج المحاكم الشرعية بالعديد من الأمثلة التي تملك فيها الزوجة نفسها وتحوز فيه كافة حقوقها الشرعية بعد الطلاق على الإبراء.

وسننتقي من بينها حجة شرعية كان الطلاق فيها هو الثالث أي أن الزوجة ملكت به نفسها ولم تعد تحل لزوجها حتى تنكح زوجًا غيره، ورغم أنها سألته هذه الطلقة على درهم فضة في ذمته لها بحكم الحلول إلا أنها لم تفقد بقية حقوقها. وبعد أن أجاب شعبان بن محمدطلب زوجتهصالحة بنت الحاج محمد الزياتوطلقها طلقة واحدة مكملة لعدد الطلاق الثلاث قام بتسليم مستحقاتها بالمجلس لوالدها وقدرها 480 نصف فضة عن مؤخر صداقها ونفقتها ونفقة عدتها ثم قرر لهاعن نفقة حملها الظاهر بها مدة الحمل وبعد انقضائها لكل يوم يمضي من تاريخه نصف فضة واحدةوأذن لها أيضًا في الاقتراض والاقتضاء عند تعذر الأخذ منه والرجوع عليه بنظير ذلك عند الإمكان.

ولم يكن أمر هذا الطلاق الذي تملك به المرأة نفسها وتحوز أيضًا حقوقها لدى مطلقها قصرًا على المسلمين وحدهم بل كانت سيدات من الأقباط واليهود يحصلن على أمثاله.. فأمام القاضي الحنفي بمحكمة باب الشعرية مثلت وسألت الذمية نهى المرأة اليهودية الاستانبولية زوجها شانيكوا ولد إيليا اليهودي الاستانبولي الدلال أن يطلقها من عصمته وعقد نكاحه طلقة واحدة مسبوقة بطلقة قبلها بالتصادق على درهم فضة في ذمتها له على الحلول“. ولما كان القاضي لا يلزم غير المسلمين بإحضار شهود لدعاوى زواجهم وطلاقهم إذ كان ذلك ملزمًا للمسلمين وحدهم، فقد أثبت القاضي وصفًا مختصرًا لهيئة الزوجة اليهودية (ويبدو أنها كانت على جانب من الجمال) فقال عنها أنها البيضاء اللون العربية الوجه يسيرا المفروقة الحاجبين المعتدلة القامة والبدن“.

وكانت المفاجأة أن الزوج شانيكوا الدلال لم يستجب فقط لطلب زوجته الطلاق طلقة واحدة لم تطلب أن تملك نفسها بها وإنما تجاوز ذلك الطلب وطلقها من عصمته وعقد نكاحه طلاقًا ثلاثًا،وعندئذ أظهرت الزوجة كتاب الزوجية بينهما المسطر في محكمة بابي سعادة والخرق المؤرخ في ثالث عشرين شعبان سنة ثلاث وثمانين وألف وكان مؤخر صداقه المعين به خمسين قرشًا استلمت منه قبل دخولها إلى المحكمة 35 قرشًا واستلمت باقي المبلغ أمام القاضي ثم أقرتأنها لا تستحق قبل مطلقها المذكور بسبب حقوق الزوجية خاصة حقًا مطلقًا ولا دعوى لها ولا طلب ولا فضة ولا ذهبًا ولا يمينًا بالله تعالى إلى تاريخه وتصادقا على ذلك التصادق الشرعي وثبت الإشهاد بذلك لدى مولانا الحاكم“.

وأمام القاضي الحنفي أيضًا ولكن هذه المرة بمحكمة قوصون وبشهادة كل من الحاج محمد بن المرحوم محمد تابع باش جاويش مستحفظان ووالدها الذمي أيوب النصراني اليعقوبي وكلت مريم بنت أيوب النصراني اليعقوبي فخر الأقران المكرمين الشهابي أحمد جلبي مستحفظان بن عثمان تابع الأمير حسين باش جاويش مستحفظان وبناء على هذا التوكيل فقد سأل الشهابي أحمد زوج موكلته وهو الذمي لاوي المجبر ولد الذمي غالي النصراني اليعقوبي أن يطلق زوجته الموكلة المذكورة من عصمته وعقد نكاحه طلقة واحدة أولى تملك بها نفسها على درهم فضة في ذمتها له على الحلول فأجاب سؤالها وطلقها من عصمته وعقد نكاحه على العوض المرقوم معترفًا بالدخول والإصابة“.

وكان من الطبيعي في ظل توكيل مريم لواحد من كبار طائفة مستحفظان وهم رجال الشرطة بالقاهرة رغمًا عن وجود والدها وشهادته على هذا التوكيل أن يوافق الزوج ليس فقط على الطلاق ولكن أيضًا على دفع كافة حقوقها الشرعية من مؤخر صداق ونفقة وكساوي فدفع لها وقبضت هي بالمجلس أربعة دنانير فندقلي استحقاقًا شرعيًا“.

وفي بعض الحالات حصلت المطلقة من غير المسلمين على طلاق على الإبراء ثم استوفت مع ذلك مؤخر صداقها ونفقة عدتها وكل ما تجمد لها من كساوى وإنفاق نظير أن تتحمل هي بنفسها الإنفاق على أولادها من المطلق. حدث ذلك عندما طلقت رفقة ابنت شوعا اليهوديةللمرة الثانية من زوجها منصور بن يوسف بن عبيد اليهودي وملكت نفسها بهذه الطلقة إذ حصلت منه على 15 دينارًا عن مؤخر صداقها وغيره من الحقوق الزوجية ثم تحملت عن مطلقها بالإنفاق على ابنته منها المرضع المدعوة تركية وأجرة إرضاعها وسائر لوازمها من تاريخه إلى حين تزوج تركية المذكورة ودخول زوجها بها تحملاً شرعيًا“.

ونأتي إلى الطلاق على الإبراء الناجز، وهو طلاق كان وقوعه كفيلاً بأن تفقد الزوجة حقوقها في كل من مؤخر صداقها ونفقة متعتها وعدتها ولكنه لم يكن ليرتب فقدانها لمتاع الزوجية من ناحية أو لحق النفقة والكسوة لأولادها والواجبة شرعًا على زوجها في كل الأحوال. وكان الأمر يحتاج، إذا ما رغب الزوج في أن يتخلى عن الإنفاق على أولاده أن تقر الزوجة بعد صدور الطلاق بتحملها الإنفاق على أولادها فيما يمكن اعتباره تسوية مالية مستقلة، فهناك دائمًا حق مصان للأبناء يتحمله بالأصل الأب ولا يمكن أن يسقط عنه إلا بتعهد الأم أن تتحمل هي على سبيل التطوع والتبرع بالإنفاق على أولادها.

بيد أن الأمور لم تسر دومًا على هذا النسق في الغالب الأعم كما لاحظنا في وثائق المحاكم الشرعية التي سجلت حالت للطلاق على الإبراء.

فعندما أبان رمضان بن الأسطا حسني المغربي الحلاق زوجته قمر بنت المرحوم مصطفى من طائفة عزبان بينونة كبرى لا تحل له من بعدها حتى تنكح زوجًا غيره كان ذلك الطلاق على براءة ذمته لها من جميع الحقوق الشرعية الزوجية وغيرها السابقة على تاريخه وإلى تاريخه “. وقد صدقته الحرمة قمرعلى ما قاله بحضور والدة قمر المذكورة وهي الذمية ست البيت بنت شعبان ولما كانت أم المطلقة ذمية (يهودية أو قبطية مصرية ) فإنها لم تكن مستحقة للولاية الشرعية عن ابنتها قمر بنت مصطفىومن ثم فقد اكتفى القاضي بإثبات حضورها مع ابنتها المذكورة كفريق ثان أقر الإقرار الشرعي بأن المطلقة لم تعد تستحق شيئًا لدى مطلقها.

وتكرر ذات الأمر عندما سألت المصونة مصلى خاتون بنت عبد الله البيضازوجها الحاج إبراهيم مستحفظان بن مصطفىأن يطلقها طلقة واحدة أولى تملك بها نفسها على براءة ذمته من مؤخر صداقها ومن متعتها ونفقة عدتها إلى حين انقضائها، فقد استجاب الزوج لطلبها ولم يصلها من حقوقها الشرعية سوى متاعها وتسلمت مصلی خاتون أسبابها المتعلقة بها من منزل مطلقها المذكور من فرش وغطاء ونحاس وأطمار بدن وغير ذلك تسلمًا شرعيًا بالمجلس بحضور شهوده..”.

وإلى أبعد من ذلك ذهبت الحرمة صالحة بنت محمدعندما سألت زوجها أحمد السروجيأن يطلقها على براءة ذمته لها من مؤخر صداقها عليه.. ومما تجمد لها عليه من كساوى وإنفاق وحقوق زوجية وديون شرعية ومن متعة ومن نفقة عدة ومن كل حق شرعي سابق على تاريخه وزادت على ذلك كله أن تتكفل بنفقاتها بنفسها إن ظهر بها حمل إلى حين وضعها.

وبصفة عامة كان من المألوف في حالات الطلاق على الإبراء أن تكتفي المرأة بالتنازل عن مؤخر صداقها وعن نفقة متعتها وعدتها دون أن تتجاوز ذلك القدر على إلزام نفسها بما هو واجب شرعًا على مطلقها.

وعندما كان يتم الطلاق على الإبراء وتبقى بعض العوالق التي لا علاقة لها بحقوق الزوجية، كالديون والقروض والمرهونات، فإن تسويتها كانت تتم في ذات الوثيقة ولكن كتسوية مالية منفصلة عن الطلاق وبعد وقوعه.

ومن الوثائق النادرة في هذا المجال تلك الحجة التي سألت فيها الحرمة سيدة العرب بنت المرحوم فريهاد بن عبد الله الجاويش زوجها مصطفى بن عبد الله من طائفة الجمليان أن يطلقها من عصمته وعقد نكاحه على براءة ذمته من مؤخر صداقها وعلى ما لها من نفقة وكسوة إلى تاريخهوأجاب زوجها سؤالها ووقع الطلاق وشرع القاضي بعد ذلك في إثبات التسوية المالية التالية:

1 – أن المطلقة سيدة العرب مدينة لمطلقها بخمسين دينارًا عن قرض شرعي تسلمته منه.

2 – بقاء أعيان الزوجة التي استعارها منها قبل تاريخ تحرير الحجة ليرهنها على دين شرعي عليه قدره خمسون دينارًا وقد تم حصرها من ذهب ولؤلؤ بأوصافها الكاملة قطعة بعد قطعة.

3 – رضي مصطفى بن عبد الله أنه لا يطالب سيدة العرب بالخمسين دينارًا إلا إذا أحضر إليها الأعيان المعترف بتسلمه لها.

ومما يستحق الالتفات هنا في تلك الحجة الخاصة بزوجين من طبقة العسكريين الأتراك أن فريهاد بن عبدا لله الجاويش قد أسمى ابنته باسم سيدة العرب وهو ما قد يتناقض كليًا مع ما قد أشيع عن کراهة الترك لكل ما هو عربي في تلك الفترة.

أما الأقباط فقد عرفوا أيضًا الطلاق على الإبراء وكان هذا النوع من الطلاق الأكثر شيوعًا في حالات الطلاق التي تمت بين الأقباط في المحاكم الشرعية.

ومن حجج الطلاق على الإبراء تلك واحدة ذهبت فيها مريم بنت سعد ولد جرجس النصرانيإلى القاضي الحنفي وبصحبتها والدها وعمها كشاهدين وسألت زوجها الحاضر بمجلس القضاء بولص ولد نقوله النصراني القصبجي الشهير بالبيطارأن يطلقها من عصمته وعقد نكاحه طلقة واحدة أولى تملك بها نفسها على براءة ذمته من مؤخر صداقها..”، وحصلت بالفعل على الطلاق الذي طلبته وخرجت من المحكمة بصحبة والدها وعمها.

وفي حجة ثانية ما يفيد حضور تومه والد سريان النصراني اليعقوبي إلى القاضي الحنفي بوصفه الوكيل الشرعي عن ابنته مريم ومعه شاهدات أحدهما مسلم والثاني نصراني وطلب من زوج ابنتهمنصور ولد جاد الله النصراني أن يطلقها من عصمته وعقد نكاحه طلقة أولى تملك بها نفسها على براءة ذمته من مؤخر صداقها عليه وكساوى وإنفاق وحقوق زوجية وديون شرعية ومن كل حق سابق على تاريخه وعلى أن تتحمل بناتها منه وهن مباركة ورحمة الدار وحنين وحنون المرضع بنفقتهن وسائر لوازمهن الشرعية إلى زواجهن تحملاً شرعيًا.. “فأجابها منصور إلى طلبها بعد أن تخلص كليًا من تبعات الإنفاق على بناته الأربع منها بمن فيهم حنون الطفلة الرضيعة حتى يتزوجن.

وتكرر نفس الأمر تقريبًا عند طلاق تفاحة بنت شنودةمن زوجها جرجس النصراني الخياط، إذ تم الطلاق على الإبراء من كافة الحقوق الشرعية وكذلك على تحمل المطلقة المذكورة برضع وإرضاع ابنتها منه وهي نور المرضع تحملاً شرعيًا من غير دفوع لها عليه“. وكانت تفاحة قد اصطحبت معها إلى مجلس القضاء أخاها وزوج أختها فضلاً عن أربعة شهود جميعهم من المسلمين، وأقرت المطلقة في حضورهم بأنها قد تسلمت جميع أسبابها المتعلقة بها من منزل مطلقها المرقوم الكائن بدرب الجنينة تسلمًا شرعيًا“.

(ج) الفسخ للضرر بواسطة القاضي

وبالإضافة إلى كل ما سبق فقد كان القاضي يطلق الزوجة على زوجها في حضوره إن ثبت لديه أنه أتى شيئًا من التعاليق التي علقها على نفسه في كتاب الزوجية أو أخل بواحد من واجباته الشرعية تجاه زوجته.

كما كان القاضي يطلق الزوجة على زوجها بسبب غيابه عن منزل الزوجية لمدة طويلة نسبيًا وذلك بدءًا من مدة الشهور الثلاثة وفي هذه الحالة تملك الزوجة نفسها بتلك الطلقة التي يحكم بها القاضي مهما كانت أسباب التطليق.

ومن هذا النوع من التطليق الذي يوقعه القاضي للضرر الذي يلحق بالزوجات نطالع وقائع القضية التي حكم فيها القاضي المالكي بالطلاق لغياب الزوج، وذلك عندما ادعت فاطمة بنت الحاج إبراهيم بن عبد اللطيف أن زوجها يحيى بن زين الدين محمد الحناوي كان قد علق على نفسه في كتاب الزوجية المسطر في ذات المحكمة في 27 جمادى الأولى 976ه، أنه متى غاب عنها مدة ثلاثة أشهر وهي بلا نفقة أو منفق شرعي وأبرأته زوجته من ثمن دينار من صداقها عليه أو خمسة أنصاف مما استحق لها تكن طالقًا من طلقة واحدة تملك بها نفسها حسبما ذلك معين بالحجة “. وذكرت فاطمة في دعواها أنه غاب عنها مدة ثلاثة أشهر وذلك من أواخر شهر شوال سنة 976ه إلى تاريخ نظر دعواها في 7 صفر سنة 977هو هي بلا نفقة أو منفق شرعي، وأثبتت أنا أبرأته من ثمن دينار من صداقها عليه وسألت القاضي الحكم لها بالطلاق.

وقد طلب منها القاضي المالكي بينة تشهد لها بصحة دعواها بغياب الزوج المدة المذكورة، فأحضرت فاطمة ستة من الشهود وهم محمد بن خضر بن الحناوي وعبد القادر بن محمد بن حسن وعبد القادر بن أحمد بن عبد الله المتسبب ومنصور بن عثمان بن عبد الله وياسين بن عبد الله بن أحمد الحريري وخير الدين بن خليل بن بكير الروضيوكما هو واضح من قائمة الشهود أن أولهم كان قريبًا للزوج الغائب ولعله هو الشاهد الرئيسي في الدعوى ولا يخفى على ذوي الفطن أن القضاة كانوا يشترطون حضور ستة من الشهود لإثبات غياب الزوج لصعوبة أن يتم الاتفاق فيما بين ستة من شهود الزور ولضمان أن الزوج هو بالفعل في حال الغياب عن زوجته.

وبعد ذلك وجه القاضي اليمين للسيدة فاطمة المدعية فحلفت كما أراد بالله العظيم لا إله إلا هو الرحمن الرحيم اليمين الشرعية أن زوجها المذكور غاب عنها المدة المذكورة ولم يترك لها نفقة ولا منفقًا شرعيًا“. وأخيرًا وفي ذات المجلس حكم القاضي بوقوع الطلاق على يحى المذكور بسبب التعليق الذي علقه على نفسه في حجة الزواج بصدد الغياب عن زوجته وهي بلا نفقة لأكثر من ثلاثة شهور.

وفي حالة مشابهة غاب الزوج علي بن محمد الزبال في الحماماتوهو صاحب عمل يستوجب استقراره قرب الحمامات التي يجمع القمامة لتشغيل المستوقدات فيها غاب الرجل عن زوجته منعشة بنت صلاح بن معوضلمدة ثلاث سنوات اضطرت في نهايتها وبعد طول انتظار إلى اللجوء على القاضي الحنبلي لطلب الطلاق ومعها ستة من الشهود وأمام القاضي حلفت اليمين الشرعي بأن زوجها الزبال قد غاب عنها ثلاث سنوات وهي بلا نفقة ولا منفق شرعيين وأنها مقيمة على طاعته في المحل الذي تركها فيه وبعد هذا الحلف وتصديق الشهود على أقوالها سألت القاضي أن يمكنها من فسخ نكاحها من عصمة زوجها المذكور فوعظها وصبرها فأبت إلا الفسخ“. وعندئذ مكنها القاضي الحنبلي من فسخ نكاحها منه ففسخت نكاحها منه بأن قالت فسخت نكاحي من عصمة زوجي وأبنت نفسي منه بينونة شرعية واخترت فراقه وبعده“.

(د) الطلاق بالخلع:

أما قضايا الخلع فإننا نجدها متكررة في وثائق المحاكم الشرعية وفيها تقف الزوجات أمام القاضي لطلب الطلاق من زوجها رغمًا عن عدم رضاه وعدم قيامه بنقض الواحد من التقارير التي علقها على نفسه في كتاب الزوجية.

وفي هذا النوع من الدعوى القضائية الذي تطلب فيه الزوجةالخلع كان القاضي يسمح بهذا الخلع كانفصال شرعي ولكن بشرط أن تفقد الزوجة أية نفقة وكثيرًا وليس دائمًا ما تلزم المرأة (المختلعة) أيضًا بإعادة كل أو بعض الصداق الذي دفعه لها الزوج عند الزواج بها. وكان الزوج في معظم حجج الخلع التي نراها في وثائق المحاكم الشرعية يطلب إذا ما أصرت الزوجة على طلب الخلع، أن تعوضه الزوجة عن الصداق وتتنازل عن النفقة ويتم التوصل إلى مبلغ التعويض بعد نقاش قد يتم أمام القاضي.

ونلحظ وقوع هذا على سبيل المثال في الدعوى التي أقامتها في محكمة دمياط دلال بنت محمد مطالبة زوجها علي بكر بن بركة الدلالوطالبته فيها بأن يطلقها في مقابل تعويض قدره خمسة دراهم فضة.

ولدينا أيضًا واحدة من دعاوى الخلع سألت فيها الحرمة زليخة المرأة ابنت علي من يونس زوجها جعفر بن عبد الله الرومي الحداد أن يخلعها من عصمته وعقد نكاحه خلعًا شرعيًا على براءته من باقي صداقها عليه وقدره من الذهب السلطاني عشرة دنانير وأجاب سؤالها لذلك وخلعها على ذلك وتصادق على الدخول والإصابة “.ورغم تنازل الزوجة فقط عن مؤخر صداقها وأنها لم تدفع تعويضًا لزوجها عن مقدم الصداق إلا أن الزوج لم يستطع أن يطلب منها إسقاط حقوقها الشرعية في الحصول على نفقة لابنه منها ومن ثم قرر جعفر الحداد على نفسه لولده منها حسين لما يحتاج إليه من لوازمه الشرعية في كل يوم نصف نصف لمدة سنتين من تاريخه وأذنها في الاقتراض والإنفاق عند تعذر الأخذ منه والرجوع عليه بنظير ذلك عند الإمكان“.

وجلية الأمر أن أعداد قضايا الخلع بوثائق المحاكم الشرعية لا تقل إن لم تكن تزيد عن قضايا الطلاق على الإبراء، وفي العديد منها نالت الزوجة هذا الخلع دون أن تفقد حقوق لها منها ما تبقى لها من مقدم الصداق وإن كان الأكثر شيوعًا إتمام الخلع على براءة ذمة الزوج من مؤخر الصداق وغيره من حقوق الزوجية كالنفقة والكساوى ولكن بالطبع دون مساس بحقها في متاعها أو حقوق أولادها الحاضنة لهم.

ونلاحظ أنه في بعض قضايا الخلع أنه لم ينص في الوثيقة على طبيعة العوض الذي ناله الزوج لإنجاز الخلع.

ومن القضايا التي نالت فيها زوجة الخلع وحصلت في ذات الوقت على بقية مقدم صداقها تلك التي قبضت فيها فاطمة بنت الحاج زين الدين من زوجها عبد القادر بن عبيد خمسين نصف فضة هي كل باقي صداقها عليهثم بعد أن استوفت ذلك سألته أن يخلعها من عصمته وعقد نكاحه خلعًا شرعيًا على مؤخر صداقها عليه فتم الخلع فعلاً على هذا العوض.

وقريب من ذلك سؤال ضحى ابنة علي بن قطيط زوجها فارس بن شحاتة، أن يخلعها على براءة ذمته من باقي صداقها عليه وهو أربعين نصفًا فضة مقبوضة بيدها، فخلعها خلعًا شرعيًا على ذلك ومن ثم فقدت مؤخر صداقها وفي المقابل حصلت منه على حضانة ولدها محمدوأسقط المخالع حقه في انتزاعه منها الإسقاط الشرعي المقبول“.

وعلى النقيض من ذلك تنازلت خديجة ابنت وفا بن أبي الخير عن باقي مقدم صداقها لقاء أن يخلعها زوجها الشيخ محمد بن عبد الله الجرايحي من عصمته وعقد نكاحه خلعًا شرعيًا“.

وفي أحيان كثيرة كان القضاة يثبتون في حجج الخلع أنه قد تم على براءة ذمة الزوج من جميع ما تستحقه عليه الزوجة من سائر الحقوق الشرعية دون تفصيل لطبيعة هذه الحقوق وماهيتها مثلما تم في الخلع الذي حصلت عليه زليخا بنت عبد الله المهتدية لدين الإسلاممن زوجها المعلم أحمد بن علي بن يونس المزين“.

ومن الطريف أننا نجد في بعض حجج المحاكم الشرعية صيغًا شديدة الإيجاز لأحكام بالخلع إلى الدرجة التي يغفل معها ذكر العوض الذي حصل عليه الزوج لقاء الخلع ويظهر أن النص على هذا العوض وقبول الزوج به كان محل انتقاد اجتماعي لما يمثله هذا من حط لمكانة الزوج في محيطه الاجتماعي .

ومن نماذج هذا الصنف إشهاد شرف الدين بن موسى بن عبد الله الصايغ، شهوده أنه أبان زوجته بخلع شرعي على عوض شرعي بسؤال وجواب شرعيين.

وهناك أيضًا تلك الحجة الشرعية التي استهلت بأنه قد سأل سائل شرعي (وكيل للزوجة الخواجا صالح بن الخواجا نور الدين العمري الخطيب التاجر .. أن يخلع زوجته فاطمة بنت محمد خلعًا شرعيًا على عوض معلوم فأجابه بذلك وخلعها على ذلك..”.

ولسنا بحاجة بالطبع إلى الخوض في الحديث عن الحقائق الفقهية التي توضح أن الخلع لا يرتب أي تنازل عن حقوق تتصل بنفقة الأبناء أو حق الأم في حضانة من هم في سن الحضانة أو حتى في متاع الزوجية اللهم إلا إذا اتفق الزوجان على اقتسام هذا المتاع.

ومن البديهي أن الزوج أو المخالع لم يكن ليعيد زوجته إلى عصمته إلا بعد عقد جديد وصداق جديد تمامًا كما هو الحال في الطلاق على الإبراء، فكلاهما أي الخلع والطلاق على الإبراء تملك به الزوجة نفسها ويمنع من بعده الزواج المستأنف بإرادة الزوج المنفردة.

حجة خلع

محكمة باب الشعرية – سجل 598

الوثيقة 1336 – ص 366، بتاريخ الجمعة ثاني عشر صفر عام1008 ه

لدى الحاكم المالكي:

1- “سألت الحرمة فاطمة المرأة ابنة محمد بن سري عرفت نجدها زوجها سليمان بن حسام الدين بن على الجمال أن يخلعها من عصمته وعقد نكاحه خلعًا شرعيًا أولاً بالتصادق

-2 “على ذلك على درهم فضة في ذمتها له على حكم الحلول فأجاب سؤالها لذلك وخلعها على ذلك الخلع المسئول على العوض المذكور واعترف بالدخول والإصابة وتصادق على ذلك

3- “وعلى أن أخر ما تستحقه المختلعة المذكورة بذمة المخالع المذكور من ساير حقوق الزوجية وغيرها مما أصل ذلك معلوم لها شرعًا مبلغ قدره من الفضة الجديدة ماية نصف

4- “واحد وستون نصف على الحلول مقبوض من ذلك ماية نصف واحدة وخمسة عشر نصف بيدها منة القبض الشرعي باعترافها بذلك.

5- “حكم الحلول وتصادقا وعلى ذلك وقرر المخالع المذكور على نفسه برضاه لابنته حجازية من المختلعة المذكور أعلاه لكل يوم عن أجرة رضاع وإرضاع نصف لمدة سنتين .

6- “كاملتين من سنة تاريخه تقريرًا شرعيًا أذن لها في الاقتراض والإنفاق عند الحاجة بقدر الآخذ منه والرجوع علية بنظير ذلك عند الإمكان وأقامها في حضانتها لطول

7- ” المدة المذكورة عزباء كانت أو متزوجة مسافرة كانت أو مقيمة وأسقط حقه من طلبها وانتزاعها منها طول المدة المذكورة أذنًا وإقامةً وإسقاطًا شرعيًا منة.

8- وتصادقا على ذلك ثم أقر لها إقرارًا شرعيًا وهو بحال الصحة والسلامة والطواعية والاختيار أنة لا يستحق على الآخر بعد ذلك حقًا مطلقًا ولا إسقاطًا ولا دعوى

9- ولا طلبا بوجه ولا سبب ولا فضة ولا ذهبًا ولا فلوسًا ولا صداقًا ولا نفقةً منة ولا كسوةً ماضية ولا نفقةً متجمدة ولا حقًا من ساير الحقوق وتصادقا على ذلك وثبت.

10- ” الإشهاد عليهما بذلك لدي مولانا الحاكم الشرعي المشار إليه بشهادة شهوده وحكم بموجب الحكم الشرعي أعلاه الثبوت الشرعي المستوفي للحقوق

11- ” والواجبات الشرعية في المحكمة الشرعية وأشهد على نفسه الكريم لذلك وبه شهد في تاريخه

حجة خلع

محكمة باب الشعرية – سجل 598

الوثيقة 1462ص 398، بتاريخ الأربعاء 5 ربيع الأول عام 1008ه

لدى الحاكم المالكي:

1- ” سألت الحرمة ستيتة المرأة ابنة الشهابي أحمد بن التميمي محمد الشهير نسبة الكريم بالضاني زوجها البرهاني إبراهيم بن المرحوم سراج الدين بن عمر بن المرحوم ألنوري على.

2- ” الشهير بابن القيم أجله الله تعالي آمين أن يخلعها من عصمته وعقد نكاحه خلعًا شرعيًا أولاً بالتصادف على ذلك براءة ذمته من جميع ما يستحق لها من حقوق الزوجية .

3- وغيرها مما أصل ذلك وقدرة معلوم لها شرعًا فأجاب سؤالها لذلك وخلعها على ذلك الخلع المسئول على العوض المذكور بعد اعترافها بالدخول والإصابة وتصادقا على ذلك.

4- وصدر ذلك بحضور أخيها لأبيها الخواجا صالح ووالدة المختلعة المذكورة هي الحرمة صالحة المرأة ابنة شهاب الدين واطلاعها على ذلك وتصديقها علية الاطلاع والتصديق.

5- الشرعيين وأشهدا على نفسيهما شهوده الإشهاد الشرعي وهما بحال الصحة والسلامة والطواعية الاختيار أنهما تحملا بنفقة حمل المختلعة المذكور من المخالع الذكور إن يقومان بها إلى

6- ” حين الوضع تحملاً شرعيًا مقبولاً وإقرارًا لهما أنها وقرر لها على ذلك وتصادقا على ذلك ثم أقرت المختلعة ووالدتها وأخيها المذكرون وهم فريق والمخالع المذكور وهو.

7- بمفردة فريق الإقرار الشرعي وهم بالصفة المشروحة أعلاه أن كل واحد منها لا يستحق على الفريق الأخر حقًا مطلقًا ولا استحقاقًا ولا دعوي ولا طلبًا موجه ولا سبب ولا فضة.

8- ” ولا ذهبًا ولا فلوسًا ولا تبعًا وقياضًا ولا قرًض ولا اقتراض ولا معاملة ولا استجرارًا ولا دينًا ولا يمينًا بمستند ولا بغيره ولا صداقًا ولا بقية من صداق ولا كسوة ماضية .

9- ” ونفقة متجمدة ولا وضع يد ولا استيلاء لا قليلاً وكثيرًا ولا جليلاً ولا حقيرًا ولا سهوًا ولا نسيانًا ولا ذهولاً ولا جهالةً ولا ضمانًا ولا كفالة ًولا حوالةً ولا حقًا

10- ” من ساير الحقوق على الإطلاق ولا علقة ولا تبعة ولا يمينا بالله تعالى ولا شيئا قل ولا جل لما سلف من الزمان والى تاريخه سوى علقة التقرير المذكور بغير زايد على ذلك وتصادقا 11- على ذلك ثبت الإشهاد وعلم بذلك لدى مولانا الحاكم المشار الية أعلاه الثبوت الشرعي بشهادة شهوده وحكم بموجب ذلك الشرعي المستوفي للشرايط والواجبات المحررة الشرعية

12- وأشهد على نفسه الكريم بذلك وبة شهد في تاريخه أولها يوم صدور الإشهاد وهو خامس شهر ربيع سنة تاريخه وثانيها هو من ورود المحصول وتصديقًا بالجلاء والحكم هو يوم تاريخه

حجة خلع لأقباط

وثيقة 792 – ص 205 – بتاريخ الثلاثاء 4 ربيع أول 1004ه

لدى الحاكم الحنبلي:

1- ” سألت الحرمة رومية المرأة ابنة سليمان بن إبراهيم النصراني اليعقوبي زوجها إبراهيم بن بقطر بن إبراهيم اليعقوبي أن يخلعها من عصمته وعقد نكاحه خلعًا.

2- ” شرعيًا أولاً على مالها بذمته من الحقوق ماعدا عشرين نصف مقبوض بيدها منة القبض الشرعي باعترافها بذلك لشهوده الاعتراف الشرعي فأجاب سؤالها لذلك.

3- ” وخلعها من عصمته على ذلك الخلع المسئول على العوض المذكور واعترافا بالدخول والإصابة وتصادقا على ذلك ثم أقر كل منهما إقرارًا شرعيًا ولها بحالة الصحة والسلامة.

4- ” والطواعية والاختيار من غير إكراه ولا إجبار لا يستحق على الآخر بسبب من ساير الأسباب مطلقًا حقًا ولا استحقاقًا ولا دعوي ولا طلبًا بوجه ولا سبب ولا فضة.

5- “ولا ذهبًا ولا فلوسًا ولا صداقًا ولا بقية من صداق ولا كسوة“.

6- ولا نفقة متجمدة ولا دينًا ولا يمينًا بمستند ولا بغيره ولا سهوًا ولا نسيانًا.

7- ” ولا ذهولاً ولا جهالةً ولا حوالةً ولا صيرورةً ولا حقًا من ساير الحقوق على الإطلاق ولا علقة ولا تبعة ولا يمنيًا بالله تعالي ولا شيئًا قل ولا جل.

8- ” لما سلف من الزمان وإلي تاريخه وتصادقا على ذلك وثبت الإشهاد عليهما بذلك لدي مولانا الحاكم المشار إليه أعلاه الثبوت الشرعي بشهادة شهوده.

9- وحكم أيد الله تعالي أحكامه وأحسن إليه بموجب ذلك الحكم المستوفي للشرايط الشرعية وواجباته المحررة الشرعية من دعوي شرعية وأشهد على نفسه وبه شهد في تاريخه.

حجة خلع لأقباط

محكمة باب الشعرية سجل 596

وثيقة 824 – ص 213 بتاريخ السبت 8 ربيع الأول 1004 ه

لدي الحاكم الحنبلي:

1- سألت الحرمة ست البيت المرأة ابنة ميخائيل بن يوسف النصرانية اليعقوبية البناء والدها زوجها زعيتر بن مبارك بن عبد السيد النصراني اليعقوبي الحايك.

2- ” أن يخلعها من عصمته خلعًا شرعيًا مسبوقًا بمثله على درهم فضة في ذمتها له على حكم الحلول فأجاب سؤالها لذلك وخلعها من عصمته على ذلك الخلع المسئول على العوض المذكور واعترافا بالدخول والإصابة.

3- ” وتصادقا على ذلك وعلى أن آخر ما تستحقه المختلعة المذكورة بذمة مخالعها المذكور من دين شرعي بمستند شرعي ومن باقي صداقها عليه ومن كساوى ماضية ونفقة متجمدة ومن ساير ما بينهما من الحقوق.

4- ” والمعاملات والعلق والتبعات السابقة على تاريخه وإلي تاريخه مما أصل ذلك وقدره معلوم لها شرعًا مبلغ قدره من الذهب السلطاني الجديد أحد عشر دينارًا الاستحقاق.

5- ” الشرعي على حكم الحلول مقبوض بذمته جميع بيده من المخالع المذكور القبض الشرعي بتمام ذلك وكماله بالحضرة والمعاينة وتصادقا على ذلك ثم أقر كل منهما.

6- ” إقرارًا شرعيًا طليقًا مختارًا أنه لا يستحق على الآخر بعد ذلك بسبب من ساير الأسباب مطلقًا حقًا ولا استحقاقًا ولا دعوي ولا طلبًا بوجه ولا بسبب ولا فضة ولا ذهبًا ولا فلوسًا.

7- ” ولا قرضًا ولا إقراضًا ولا صداقًا ولا بقية من صداق ولا كسوة ماضية ولا نفقة متجمدة ولا معاملة ولا استجرارًا ولا قماشًا ولا دينًا ولا يمينًا بمستند ولا بغيره.

8- ” ولا سهوًا ولا نسيانًا ولا ذهولاً ولا جهالةً ولا حقًا من ساير الحقوق على الإطلاق ولا علقة ولا تبعة ولا يمينًا بالله تعالي ولا شيئًا قل ولا جل لما سلف من الزمان.

9- ” وإلي تاريخه وأبرأ كل واحد منهما ذمته للآخر ويده وأمانته الإبراء الشرعي القاطع المانع المسقط لكل حق ودعوي ويمين تقدم على تاريخه.

10-” وإلي تاريخه وتصادقا على ذلك جميع ما سبق الإشهاد عليهما بذلك لدي مولانا الحاكم المشار إليه أعلاه الثبوت الشرعي بشهادة شهوده وحكم أيد الله أحكامه.

بموجب ذلك الحكم الشرعي المستوفي للشرايط الشرعية وواجباته المحررة الشرعية بعد اعتبار ما يجب اعتباره شرعًا ومن صفة المختلعة المذكورة أنها قصيرة.

12- ” القامة رقيقة البشرة خضرا اللون مفروقة الحاجبين بيدها اليمني دق أخضر به صلیب وبه شهد صالح وبه شهد تاريخه.

شارك:

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي