“جندرة الخطاب / خطاب مجندر”

تاريخ النشر:

2003

التحرير:

جندرة الخطاب / خطاب مجندر

إن مفهوم Gender أو النوع الاجتماعي بدأ في الظهور كمفهوم جديد في أدبيات

التنمية في الشرق الأوسط، منذ بداية تسعينيات القرن الماضي. وهناك عدة كتب تناولت هذا الموضوع منها كتابجندرة الخطاب / الخطاب المجندر في الشرق الأوسطأوالخطاب حول النوع الاجتماعي في الشرق الأوسط” -(Discourse on Gerder / Ger- dered Discourse. Westoport: Praeger 2000)، والذي قام بتحريره الباحث بواز شوشان، أستاذ التاريخ بقسم دراسة الشرق الأوسط بجامعة بن جوريون.

ويتكون الكتاب من افتتاحية ومقدمة وثمانية فصول، كل منها من تأليف إحدى المتخصصات في مجال النوع الاجتماعي في الشرق الأوسط.

في الافتتاحية، يشير الباحث إلى أن المقالات الواردة في هذا الكتاب قد قدمت في ندوة عقدت، تحت عنوانالنوع الاجتماعي في مجتمعات الشرق الأوسط، في الفصل الدراسي الثاني من عام 1996، تحت رعاية قسم دراسات الشرق الأوسط بجامعة بن جوريون (والذي لم يكن قد أنشىء أو تم تأسيسه رسميًا بعد في ذلك الوقت). وقد أنهت هذه الندوة أعمالها في يناير 1997 بعقد مؤتمر دولي، استمر لمدة يومين وركز على مناقشة العلاقة بين الخطاب والنوع الاجتماعي. ثم يوضح شوشان أن هذا العمل له ثلاثة أهداف:

1 – مناقشة العلاقة بين مفهومي الخطاب والنوع الاجتماعي (ويعتبر هذا المفهوم الأخير بلا شك مفهومًا جديدًا في الدراسات المتعلقة بالشرق الأوسط). ويتم هذا الطرح من خلال تقديم مجموعة من المقالات، تتناول كلاً منها بشكل مختلف عن سابقاتها، التحليلات التاريخية والاجتماعية للنوع الاجتماعي في الشرق الأوسط.

2 – مناقشة العلاقة بين مفهومي الخطاب والنوع الاجتماعي من خلال طرح تعریف مختلف لمنطقة الشرق الأوسط عما ورد في معظم الدراسات الأكاديمية والمراجع التي تحدثت عن هذا الموضوع من قبل. إن هذا التعريف لا يقوم على دراسة المجتمعات أو الثقافات العربية والإسلامية على حدة، ونظيرتها الإسرائيلية على حدة، بل يقوم على تناول الاثنين معا: فهناك أربعة فصول تناقش الوضع على الساحة الفلسطينية / الإسرائيلية، وفصل يناقش الوضع على الساحة الفلسطينية / العربية، وفصلان يناقشان الوضع في إيران، وآخر يناقش الوضع في تركيا. وهذا التعريف، في رأى المحرر، أشمل لأنه لا يمكن دراسة منطقة الشرق الأوسط، دون دراسة كافة مكوناتها الحالية.

3 – تقديم كتاب يحرره رجل وتكتب مقالاته نساء، كتطبيق لتعريف مفهوم النوع الاجتماعي، والذي يعبر عن طبيعة العلاقة الاجتماعية والثقافية بين الرجل والمرأة. في المقدمة، يقدم الباحث الموضوع بشكل مختصر، ومن أهم النقاط الواردة فيها:

  • أن النوع الاجتماعي يعتبر موضوعًا أساسيًا في التحليل الاجتماعي، ومبدأً منظمًا للكيانات، والمؤسسات والعادات الاجتماعية. وبالتالي، فقد بدأت هذه المقاربة في لفت انتباه مجموعة من الدراسين والباحثين، سواء الرجال أو النساء منذ أواخر ستينيات القرن الماضي.

  • لقد بدأ يتضح أن الخطاب المتعلق بالنوع الاجتماعي يعتبر عاملاً حاسمًا في تعريف مختلف العلاقات الإنسانية، سواء كانت سياسية أو ثقافية أو غير ذلك. كما أن محور هذا الخطاب يتضمن المهام المختلفة، التي يتم إلقاؤها على عاتق كل من الرجل والمرأة، وأخيرًا، يقسم هذا الخطاب أيضًا العالم على أساس النوع الاجتماعي.

  • إن الكتابات اليهودية والإسلامية، وخاصة الكلاسيكية منها، قد أظهرت الطابع

الذكوري فيما يتعلق بخطاب النوع الاجتماعي، بالتركيز على مفاهيم سائدة مثل سيادة الرجل وتفوقه وخوف المرأة وارتيابها.

  • إن إعادة اكتشاف شكل الخطاب المتعلق بالنوع الاجتماعي يعتبر أحد أهم المساهمات النسوية؛ ذلك أن النساء يتحدثنبلغة مختلفةفقد أكدت الروائية الإسرائيلية المعروفة، كاهانا كارمون، المميزات الفريدة للروائية: فهي تعبر عن وجهة نظرها كأنثى في مختلف المواضيع، إن الروائية كثيرًا ما تكتب عن مواضيع كالضعف والاعتماد على الغير لأنها صفات دائمًا ما تلتصق بالنساء. ومن خلال هذه الكتابة، فهي تعبر عن هذه الموضوعات بشكل فني رفيع، وهي قادرة على إعادة تشكيلها وصياغتها.

  • إن المؤرخات قد رفضن الاختلافات البيولوجية بين كل من الرجل والمرأة كأساس للتفريق والتمييز بين الجنسين في مختلف المجالات. وقد كانت هؤلاء النساء في الصدارة، سواء في إعادة تشكيل المؤسسات الاجتماعية أو العادات الاجتماعية، أو في إعادة توجيه الخطاب المتعلق بالنوع الاجتماعي ليكون أكثر عدلاً وتوازنًا.

كيف يمكن للأدب – وخاصة الرومانسي تصوير النساء؟ في مجتمع كالمجتمع الإيراني، والذي تفرض تقاليده الثقافية حتى يومنا هذا عزل النساء وعدم خروجهن من المنزل مع تقييد حريتهن واعتبارهنملكية خاصة“.

تتم الإجابة عن هذا التساؤل في الفصل الأول الذي يحمل عنوانسياسة وشعرية الفصل بين الجنسين في القص الرومانسي الفارسي، للباحثة فارزاميه ميلاني، الأستاذة بقسم دراسات المرأة وبقسم اللغات والثقافات الآسيوية والشرق أوسطية في جامعة فرجينيا. وتقترح الكاتبة في مقالها أنه على الرغم من كافة القيود المفروضة، والتي تقسم أفراد المجتمع على أساس الجنس، إلا أن المؤلفين الرجال قاموا من خلال الروايات الفارسية بتصوير النساء كشخصيات قوية تلعب أدواراً رئيسية، دون المساس بعفتهن أو بطهارتهن، عن طريق عدة وسائل، منها: ثقة البطلة في نفسها وفي قدرتها على التعامل مع الموقف الذي وضعت فيه وتحديد مناطق جسدها التي يمكنها الكشف عنها وخلق شخصية (الوصيفة)، في معظم الروايات الرومانسية في الأدب الفارسي الكلاسيكي، وتكون مهمتها تحدى أية عوائق سواء كانت ثقافية أو اجتماعية أو غيرها وخلقمساحة لجعل كل شيء ممكنا“.

ولكون هذه الشخصية خادمة، فهي تتمتع بحرية الحركة والانتقال، على عكس سيدتها فهى تستطيع فتحالأبواب المغلقة، بل وحتى تستطيع أن تدقق النظر في الحبيب، وهي تتمتع أيضًا بالمكر والدهاء (makr- e zaman)، الذي لا يتمتع بهما أكثر شخصيات الأدب الفارسي براعة سواء كانوا رجالا أم نساء. بالإضافة إلى ذلك، فهي تلعب دورين على مسرحين مختلفين: فهي التي لا يقف أمامها شيء من أجل جمع الحبيبين في القصة – وهي تعتبر أيضًا الوسيط بين النص وجمهوره. ولكن هذا الدور الحيوى، كما تقول الباحثة في نهاية مقالها، ينتهى بمجرد انتهاء مهمتها؛ فبقية حياة هذه الشخصية تعتبر غير مهمة ولا تسجل، ثم تختفى من النص ومن القصة.

إن موضوع الخطاب الموجه للمرأة في الشرق الأوسط – والذي بدأ يظهر في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين – قد نال اهتماما كبيرا من جانب الباحثين سواء في الشرق الأوسط أو في الغرب. وفي هذا الإطار، يأتي الفصل الثاني للباحثة روث بارزیلای لومبروسو، وهي طالبة دراسات عليا بجامعة كاليفورنيا، تحت عنوانرجال أتراك، نساء عثمانيات: كيفية تناول علماء التاريخ الأتراك للنساء العثمانيات في خمسينيات القرن العشرين، وقد تناولت الكاتبة ذلك الموضوع من خلال مناقشة عدة مقالات وردت في عدة صحف ومجلات تركية في تلك الفترة. واللافت للنظر في الخطاب الذكوري الذي تتضمنه هذه المقالات هو أن نموذج المرأة العثمانية يحل محل نماذج سابقة للسيدات الأناضوليات والسيدات الغربيات في أوج ازدهار الحركة الوطنية بقيادة كمال أتاتورك ؛ فقد تم تصوير سيدات الأسرة العثمانية في الجرائد التاريخية الشعبية في خمسينيات القرن الماضي على أنهن جزء لا يتجزء من التاريخ العثماني، ليس فقط لقوة شخصياتهن، بل لمسئوليتهن الفعالة على الحفاظ على كيان الإمبراطورية ووجودها. وبالتالي، يمكن أن يصبحن مثلا أعلى للنساء الأتراك في الوقت الحالي. ولكن مناقشة موضوعات النساء من قبل المؤرخين الذكور، تأتي في إطار مناقشة أوسع لأعظم الشخصيات العثمانية من الرجال – وكجزء من برنامج ذكوری متعلق بالتحديث.

أما الفصل الثالث فيتحدث عنالإسلام المجندر والواعظات في إيرانلزهراء کمالخانی، طالبة دكتوراه – بمركز البحوث الاجتماعية بجامعة إديث كووان الأسترالية.

وتقوم فيه كمالخاني بدراسة ميدانية لمدينة شيراز الإيرانية ؛ حيث تناقش دور النساء في التحول الذي طرأ على المعلومات الدينية والممارسات الدينية في فترة الثورة الإيرانية وما بعدها؛ ذلك أن هناك عدة دراسات قد تناولت المرأة المسلمة بصفة عامة والإيرانية بصفة خاصة – ولكن دورها الديني لم يتم تناوله بالقدر نفسه؛ فتعطى أمثلة للأنشطة الدينية التي تقوم بها نساء الشيعة مثلهن مثل الرجال كاجتماعات احتفالات رأس السنة الهجرية مساء الخميس وصباح الجمعة والاجتماعات الدينية، التي تناقش المسائل الشخصية والعائلية والتي تعقد على مدار العام إلخ.

وتقول الباحثة إن أهمية تلك الاجتماعات الدينية تنبع ليس فقط من تنظيمها ولكن من شكل الممارسات التي تتم فيها. ثم تناقش بتفصيل أكثر شكل الاجتماعات النسائية المسماة“rowzeh”، والتي تكون دائما مكتظة بالحاضرات – وهذه الاجتماعات تكون مخصصة لتلاوة القرآن وتفسيره ومناقشة النصوص الدينية المقدسة الأخرى. وفي هذه الاجتماعات، يولد خطاب متعلق بالنوع الاجتماعي أكثر عدلاً وتوازنًا: فالواعظات، وبالأخص الشابات اللاتي يدرن الاجتماعات، يعطين الأولوية للدور الذي تقوم به النساء الإيرانيات – كشخصيات مسلمة مسئولة لها وعى كاف بمختلف الأمور السياسية والاجتماعية. وبالتالي، فهن يقمن بتحدى تركيز الرجال على دور المرأة كزوجة وأم فقط كأساس لتقواها الديني.

وتشير الكاتبة إلى أن الرسائل التي توجهها الواعظات تتأرجح ما بين الرد على الوعاظ الرجال، وتحدى معتقداتهم الخاطئة. ثم تقوم الكاتبة بمناقشة موضوع الحجاب؛ فتقول إن الحجاب لا يعتبر فقط تعبيراً عن كرامة النساء الثقافية والحماية الاجتماعية، بل يعتبر أيضًا تعبيرًا عن المعتقدات والأيديولوجيات. إن الخطاب الإسلامي المتعلق بالحجاب (والذي يتضمن المناقشات النسوية حول هذا الأمر) يعبر عن وجود تفسيرات وتفسيرات مضادة، وبالتالي، فهناك حجابسليموحجابغير سليم“: فمثلا، إن الحجابغير السليميتكون من لباس طويل (manto) وغطاء للرأس، وترتديه نساء الطبقتين العليا والمتوسطة. ثم تنهى مقالها بطرح تساؤل حول ما إذا كانت معرفة النساء المتزايدة بالإسلام قد تسهم بفاعلية في خدمة مصالحهن عن طريق تغيير الأفكار الجامدة والخاطئة، وتساعد على جعل النظام الإيراني أكثر ديمقراطية، بل وتسهم في حدوث تغيير سياسي كلي في البلاد.

إن التغيير غير المتوقع الذي أفرزته الانتخابات العامة في عام 1997 قد أوضح أن النساء الإيرانيات يملكن الموارد اللازمة لتفعيل دورهن ومشاركتهن بل إن مشاركتهن العريضة بتلك الانتخابات قد أثبتت أن النساء يمكنهن تغيير الاتجاهات السياسية بل وخلق الانقسامات الأيديولوجية داخل الدولة الإسلامية. وبالتالي، فيجب اتباع تلك الخطوات من أجل استخدام المسائل الدينية والحقوق المدنية؛ من أجل تحقيق الديمقراطية، سواء على المستوى المحلى أو المستوى القومي.

إن الخطاب الديني اليهودي والإسلامي يعتبران دور الأم هو الدور الحقيقي للمرأة. فنجد محمد الباهي في كتابةالإسلام وتوجيه المرأة المسلمة المعاصرةوالصادر عام 1979 برعاية الإخوان المسلمين، يقول إن الأمومة هي الدور الطبيعي للمرأة والذي يوصلها لدرجة الكمال – وبالتالي، يجب على المجتمع أن يحاول منعها من العمل خارج المنزل؛ لأن ذلك يضمن لها إقامة حياة زوجية سعيدة ومستقرة.

وفي عام 1981، قالت زينب الغزالي في مقال نشر لها إن الإسلام يرحب بعمل المرأة خارج المنزل بعد قيامها أولاً بواجباتها كزوجة وأم داخل المنزل. في هذا الإطار وتأكيدًا لتلك الآراء، تتحدث ثمار العر – المحاضرة بقسم الاجتماع وعلم الإنسان بالجامعة العبرية بالقدس – في الفصل الرابع عن موضوعبين السعادة والعبودية: المفاوضات / المشاورات المتعلقة بالأمومة بين التلميذات – أساتذتهن والنص“. فتبدأ العر مقالها بذكر آية من التلمود مفادها أن النساء تستحق النعيم في العالم الآخر للقيام بأدوارهن كزوجات وأمهات، خاصة فيما يتعلق بتعليم أبنائهن. ثم تتناول، من خلال سردها لدراستها الإثنوجرافية في مدرسة (midrasha) للنساء (الجامعة الدينية الإسرائيلية) في بار إيلان، وجهات نظر اثنتين من المعلمات وعدد من التلميذات حول طبيعة الأمومة؛ فنجد أن معلمة تعتبر أن الأمومة هي رسالة المرأة على الأرض، وهي التي تهييء لها مكانا مرموقا في العالم الآخر.

أيضًا، هي ترى أن الأمومة تعتبر مصدرًا رئيسيًا لإيقاظ الروح الوطنية. إذًا، فالأمومة بالنسبة لها هي مصدر للسعادة. أما التلميذات، فلم يتقبلن أيا من الرأيين، دون إجراء مناقشات وطرح تساؤلات.. فهن يتحدين كتابات الرجال، ويستفسرن من معلماتهن عن رأيهن في هذه الكتابات. فعلى الرغم من أن أهمية دور الأم هو اعتقاد دینی راسخ، يختلف الأمر بالنسبة للشابات اليهوديات اللاتي يعتبر أن أهمية دور الأم هو محل نقاش. (ولكن العر نجد أن كل الشخصيات التي قامت بتناولها في هذه الدراسة تتفق على أن الأمومة تعتبر مهمة شاقة سواء من الناحية الجسمانية أو من الناحية العاطفية والنفسية، وهي تتعدى مرحلتي السعادة والخضوع). وتختتم الباحثة مقالها بالقول بأن إجبار المرأة على اختيار أحد أمرين إما الهوية متمثلة في أمومتها أو العمل، يجب وضعه في الاعتبار عندما يتم التعامل مع التفكير النسوى: ذلك أن هذا التفكير يرى أنه الخطأ الاختيار بين الأمرين، بل يجب تقاسمهما ؛ لأن هذا من شأنه جعل الأمهات أكثر علمًا وفهما وإيمانًا.

أما ميرا تزوريف، طالبة الدراسات العليا بجامعة تل أبيب، فتكتب في الفصل الخامس عنالسيرة الذاتية لفدوى طوقان: إعادة تشكيل تاريخ حياة شخص في داخل الرواية الوطنية الفلسطينية“. ففي مقالها، توضح أنه من خلال السيرة الذاتية للشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان، يقوم رجل (هو الشاعر الفلسطيني المعروف سميح القاسم)، بتقديم المرأة الروائية لقرائها بطريقة معينة ؛ ليضفى الشرعية على الخطاب، الذي تقدمه. ومعنى ذلك أن صوت الرجل هو الذي يسمع قبل صوت المرأة، حتى ولو كانت المرأة هي المتحدثة الأساسية.

وليس هذا فقط، بل نجد أيضًا أن سميح القاسم يصف فدوى بأنها كاتبة وشاعرةشجاعة، ويقارن بين كتابتها لسيرتها الذاتية والسيرة الذاتية للأديب المصرى الكبير الدكتور طه حسين في كتابهالأيام” – وهذا لا يعتبر فقط نوع من أنواع المجاملة، ولكنه أيضًا يزيد من شرعية قصة فدوى. وفي الإطار نفسه، فإن عمر فروخ، رئيس تحرير جريدة لبنانية، قد كتب أن طوقان قد أعادت التوازنللشعر النسائي الرقيق والناعمالذي يكتبه الرجال حاليا، وأنها قد أعادت النبض للسيرة الذاتية لشعراء الكلاسيكية المعروفين من الرجال. وهذا يعتبر بالنسبة لفروخ مجاملةطبيعية، أما فدوى طوقان فتعتبرها مجاملةمثيرة للسخرية“.

ويجب الإشارة هنا إلى مقولة ريتشارد ترديمان بأن الأشكال الغالبة للخطاب (ومن ضمنها الشكل الذكوري) قد حققت درجات غير مسبوقة من التغلغل. وأن هذه الأشكال لها قدرة خارقة على التحكم في صور الاتصال الاجتماعي والممارسات الاجتماعية، التي تضع أساسًا لشكل الوجود العصري أو الحديث. وهذا أدى ليس فقط لتحدث الرجل قبل المرأة (كما ذكر سالفا من كتابة سميح القاسم لمقدمة السيرة الذاتية لفدوى طوقان)، ولكن أدى أيضًا لتوصيل الخطاب الذكوري عبر المرأة.

إن مذكرات فدوى طوقان، والتي قد ظهر الفصل الأول منها في جريدةالجديدالفلسطينية في يوم 6 يونيو عام 1977 (أي في الذكرى العاشرة لحرب 1967)، لا تعبر عن حياة شخصية بعينها بقدر ما تعبر أو تمثل التاريخ الجماعي للنساء الفلسطينيات. بمعنى آخر، هي احتجاج نسائی شخصي وجماعي على كافة أشكال التحكم من جانب الرجال. إن الفتاة المولودة اسمها فدوى، ولكنها ترمز لأي فتاة فلسطينية أو عربية، وهي غير مرغوبة من أبيها ولحد كبير من أمها أيضًا: فمولد فدوى قد تزامن مع استشهاد أحد أقاربها في أرض المعركة، وهي أيضًا بعيدة عن أحضان أبيها، فقد بدأت الطفلة الصغيرة في البحث عن الدفء والحب مع الرجال الآخرين في العائلة، وخاصة الأخوة الكبار. ولكن ليست البنات فقط هن الضحايا، ففدوى تعتبر أن الأمهات أيضًا ضحايا، لأنهن يقضين حياتهن في سجن كبير، تكون فيه حريتهن مكبوتة وإنسانيتهن مقهورة.

إن تزوريف تضيف أن الاستسلام والسلبية ينتقلان من جيل لآخر، دون أن يكون لأى من الأجيال القدرة على كسر القيود، ليس فقط من أجل تحقيق الحرية الشخصية، ولكن أيضًا من أجل الدفاع عن حرية الوطن ؛ فرسالة طوقان الضمنية هي إيجاد وسيلة مباشرة لربط مفهومي النوع الاجتماعي والوطنية / القومية: أي تكامل دوري الرجل والمرأة من أجل تحقيق حرية الوطن ففدوى، بعد أن تحررت من عبودية أبيها بعد موته، ولدتولادة رمزية” – فبدأت تكتب مقالات سياسية، وتشارك في النضال الوطني الفلسطيني أي إنها بعد خروجها من سجن المجتمع الصغير الذي كانت تعيش فيه، قد بدأت تحقق بعد خروجها من سجن المجتمع الصغير الذي كانت تعيش فيه، قد بدأت تحقق ذاتها. وفي ذلك، تتشابه مع شخصية أستر في قصة روميت ماتالون والتي تتناولها ليلى راتوك في مقالها في آخر فصول هذا الكتاب، فالشخصيتان تعتبران عدم الزواج والكتابة هما السبيل لتحدى سلطة الرجل والتحرر من قيد العبودية.

وتتناول فصول الكتاب الثلاثة الأخيرة موضوع مكانة المرأة (بما في ذلك المرأة الكاتبة أو الروائية) في إطار المشروع الذكوري الصهيوني، ولكن هذهالمكانةتختلف وفق دراسة الحالة المتناولة في كل فصل.

فهاموتال تسامير، المحاضرة بقسم الأدب العبري بجامعة بن جوريون، تتحدث عن مكان الوطن وأماكن الآخرين (“الطير الميتوالبيت القديملزلدا) في الفصل السادس. في هذا المقال، تتناول الباحثة موضوع“Ashkenazi” أي اليهود الأشكيناز وهو التعريف العبري لليهود من أصل أوربي. وهي تتناول هذا الموضوع من خلال تحليلها لبعض نماذج من أشعار الشاعرة اليهودية، من أصل أوروبي، زلدا شنيورسون میشكوفیسكی خلال عقدي الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين. وزلدا (1914 – 1984) هي شاعرة دينية، هاجرت من روسيا مع عائلتها الأرستقراطية عام 1925 لتنشأ في فلسطين، عندما كانت في الحادية عشر من عمرها. وترى الكاتبة أن زلدا، والتي كانت تمضى باسمها الأول فقط، تحتل مكانة مزدوجة بالنسبة للدولة والأدب القومي/ المحلي – وهي تلعب دورين أساسين مكملين لبعضهما البعض: فهي كامرأة تعتبر مظلومة ومقهورة ولكن كشخصية قومية فهي تعتبر ظالمة وقاهرة:

  • بالنسبة للدور الأول، فهيشهيدة الوطن، التي تقبل كامرأة أن تكون خاضعة في إطار المشروع الوطني. والنتيجة هي التضحية بالنفس، وفياستشهادها، تندمج زلدا مع الإله من أجل الاتحاد مع الوطن.

  • أما الدور الآخر والذي تلعبه زلدا (والذي يبدأ بعد انتهاء دورها الأول) فهو دورها كشاعرة وطنية تتحدث باسم الشعب. وهنا تصبح ظالمة وقاهرة للآخرين (كالفلسطينيين ومنطقة الشرق الأوسط نفسها) ؛ من أجل الحفاظ علىكيان موحد للوطن“. في الواقع، فإن هذا هو الذي يعوضها عن الظلم الذي تعرضت له، ويجعل هويتها الوطنية ممكنة. ولكن الكاتبة ترى أن هذا التعويض هو تعويض ظاهری فقط.. إن التشابه / التناظر بين المرأة المظلومة والمظلوم الآخرما هو إلا نتاج للاتناقض بين دوري زلدا، والنزاع المحتوم بين النسوية والقومية.

إن جهود زلدا سواء كانت شاعرة دينية أو مهاجرة صهيونية في ثلاثينيات القرن الماضي من أجل دعم الحركة الوطنية، لا تتقاسمه كاتبات أخريات لديهن خلفية، متباينة، وهن في معظم الأحوال أصغر سنا. وفي مقالي بولوفيتز وراتوك، نجد أن ابتعاد المرأة أو انسحابها من المشروع الذكوري الصهيوني والنزاع القائم بين إحياء الروح الوطنية والنهضة النسائية هو قاسم مشترك بين المقالين.

إن المشروع الصهيوني لجمع يهود العالم من الشتات، بعد أكثر من ألفي عام في المنفى وإقامةوطن قوميلهم في فلسطين قد تحكم فيه الرجل منذ البداية، ولم تقم فيه المرأة اليهودية إلا بالأدوار الهامشية فقط. لذا يأتي الفصل السابعلا إحساس بالوطن داخل الوطن: الروايات الخيالية النسائية ضد الممارسات الصهيونية، للباحثة يافاه برلوفيتز، أستاذة الأدب الشعبي اليهودي بجامعة بار إيلان، ليتحدى تلك الفكرة. في هذا المقال، تتحدث الكاتبة عن الناقدات الإسرائيليات، اللاتي يبرزن في كتاباتهن موضوع الانعزال عن البيت (سواء كان الخاص أي المنزل أو العام أي الوطن الأم) ، كعلامة واضحة ومميزة في شخصيات بطلاتهن، فتعطى عدة أمثلة على ذلك:

  • روث ألموج في قصتها“”Dangling Roots أوالجذور الرخوةتوضح أن بطلتها ميرا، والتي كانت تعتبرهافاكهة الأرضالتي تمثل تحقيق الحلم الصهيوني، قد غادرت وطنها لتعيش في الشتات.

  • بالنسبة لشيفرا في قصتها“”The Landlord أوصاحب الأرض، تعتبر البطلة أن المنزل أصبح بيت دعارة وسجنًا كبيراً.

  • أما بطلة كاستل بلوم في قصتها“?Where Am I” أوأين أنا ؟، فتعتبر أن إسرائيل هو مكان موحش يحلم فيها الشخص بالكوابيس، وأن تل أبيب أومدينة الدمية الجميلةأصبحت مدينة للعقاب.

إن الأعمال التي تتناولها برلوفيتز في دراستها هذه ؛ خاصة تلك الأعمال التي كتبت بعد الأزمة السياسية، التي أعقبت حرب يوم أكتوبر في عام 1973 تتحدى تحكم الرجل في الهوية الوطنية الإسرائيلية، وتطرح تساؤلات حول الممارسات الصهيونية للرجال. إن بطلات تلك الروايات تنتقد السلوك / المسار السياسي للمشروع الذكوري أو تتحدى تضحية الصبية الإسرائيليين بأنفسهم من أجل تحقيق الحلم الصهيوني.

إن تحدى الرجل الإسرائيلي في أدب المرأة يظهر أيضًا في قصص يكون موضوعها الرئيسي وجود علاقة رومانسية بين امرأة إسرائيلية ورجل عربي: فمثلا، نجد أن بطلة قصة كارمي أمير“Threads of Sand” أوخيوط من الرمال، تعتبر أن حب الرجل العربي هو الرمز الحقيقي لإدراك الحلم الصهيوني.. إن العلاقات الرومانسية بين النساء الإسرائيليات والرجال العرب تعتبر تحديًا ليس فقط للنظام الرجولي، وإنما للنظام القومى کكل. ثم تختتم برلوفيتز مقالها بالقول بأن أدب الاعتراض عند الأدبيات الإسرائيليات، والذي تناول في بدايته غياب النساء في تشكيل الـ“Yishuv”، قد تحول بعد ذلك إلى إحساسهن الوجودي بالغربة في الوطن داخل الوطن، وإلى الاعتراض على التصلب في الرأي أو التشدد في العقيدة من جانب الرجال اليهود. إن التعبير عن الأدب النسائي الإسرائيلي يتم بصوت مختلف، وهذا ما يعطى الرواية النسائية في إسرائيل تفردها.

أما الفصل الأخير في الكتاب فهو للباحثة ليلى راتوك، المحاضرة بقسم الأدب العبري بجامعة تل أبيب، ويأتي تحت عنوانغريب داخل الوطن: خطاب الهوية في قصة روميت ماتلونالشخص الذي يواجهناأو The One Facing Us. وهذه القصة، التي كتبت عام 1995، تعتمد على الهويات الثقافية السياسية والأخرى المتعلقة بالنوع الاجتماعي.

إن باستخدامها لتعريف إدوارد سعيد لمفهومالاستشراق” (والذي يعتمد على وصف الغرب للشرق على أنه (الآخر)، وعلى أنه عالم له صفاته المميزة التي تحدد هويته الخاصة) وللبحوث اللاحقة والمتعلقة بفترة ما بعد الاحتلال، تصور راتوك الهوية في قصة ماتالون على أنها مزيج من الأعمال الأدبية الناقصة والكيانات غير المكتملة، وتصور أن الثقافة القومية، والتي وردت في القصة نفسها، هي مرتبطة بأي شيء إلا بتجانس التكوين. أيضًا، تشير الكاتبة إلى رفض ماتالون لربط المنزل بالوطن (أي كونهما متماثلان)، على عكس الروح الشعبية الصهيونية؛ فراتوك ترى أن ماتالون لا تستسيغ فكرةالهاجس المنفروالمستمر لإسرائيل حول مسألة الهوية القومية، وعلى عكس الأيديولوجية الصهيونية، فإن الشخصيات التي ابتكرتها لا تربط بين المنزل والوطن. بل إن بطلة الرواية، التي تدعى إستر، قد نشأت وتربت في إسرائيل متأثرة بالثقافة الغربية، ولكنها مازالت مخلصة للتراث الشرقي، الذي تربى عليه أهلها الذين ولدوا في القاهرة (وهنا تتقمص استر شخصية كاتبة القصة روميت، التي ولدت في إسرائيل عام 1959 لأبوين ولدا في القاهرة) (ويتشابه موقف هذه المؤلفة مع موقف مجموعة من الكتاب الإسرائيليين، التي توضح أعمالهم حبهم وتقديرهم لتراثهم الشرقي).

وكذلك، بالنسبة للشخصيات الأخرى، نجد أن هناك فرقًا بين ولائها للدولة اليهودية وولائها للدول العربية التي نشأت فيها بمعنى آخر، فهم يعتبرون أن الأيديولوجية الصهيونية ليست ذات هدف، وأن الفارق بين الثقافة اليهودية والثقافة العربية غير ذي أهمية، وعلى مستوى آخر، أي على المستوى الشخصى لموضوع الهوية، نجد أن استر،ترفض الأساطير الرومانسية المغرية كمدخل للهوية النسائية“. وهي تنتقد بشدة الجانب الذكوري / الأبوى للزواج، أما حريتها الجنسية والاعتراض على التمييز العنصرى فيعبران عن ثورتها ضد العادات الشرقية البرجوازية لعائلاتها. فبدلا من الزواج، فهي تضع الكتابة، كما هو الحال مع الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان (والتي تم تناولها في الفصل الخامس من هذا الكتاب)، على رأس أولويات حياتها. إن هويتها تتشكل من خلال كتابتها لتاريخ عائلاتها، وهي عملية تحتم عليها وضع أقاربها في المكانة التي كانوا محرومين منها قبل ذلك.

في النهاية.. فإن هذا الكتاب يقدم دراسة مهمة حول كيفية تناول العلاقة بين مفهومي الخطاب والنوع الاجتماعي، من خلال عرض نماذج ودراسات حالة للعلاقة بين الرجل والمرأة سواء كانت إيجابية أو سلبية – في مختلف الأدبيات الشرق أوسطية (كالأدب الفلسطيني والإيراني والتركي والإسرائيلي). وبالتالي، فهو يعد مرجعًا مهمًا للأكاديميين والخبراء والأدباء في مجال النوع الاجتماعي في المنطقة بشكل عام.

* ماهيتاب مكاوىمستشارة المرأة والتنمية، منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، المكتب الإقليمي للشرق الأدنى.

اصدارات متعلقة

أزمات متوازية، ما نصيب النساء منها؟
الانتقام الإباحي.. تهديد رقمي يلاحق النساء ويقتلهن أحيانا
هل يجب علينا الاهتمام بالتغيرات المناخية
نص مليون من العاملين / ات بالخدمات المنزلية منزوعين/ ات الحقوق
التغيرات المناخية تمثل خطر كبير علي صحة الحوامل والأجنية بشكل خاص
“تمكين النساء لمواجهة التغيّرات المناخية”… مبادرة “عالم بالألوان” في مصر
نساء السعودية.. حقوق منقوصة وقمع متواصل
العنف الأسري ضد المرأة