خادمات المنازل.. ضحايا الفقر وغياب الحماية القانونية

اعداد بواسطة:

يسرا سعد الدين

كاميليا استسلمت لاغتصاب مخدومها

مديحة، عبير، هنادي، صباح، مروة، هؤلاء الفتيات وغيرهن كثيرات، ربما قرأنا أسماءهن على صفحات الجرائد ليس لأنهن نجمات مجتمع أو سينما أو سيدات أعمال، ولكن لأنهن نجمات من نوع آخر، هن نجمات الفئات المهمشة، التي لم يهتم بها المشرع ووضعها المجتمع في أسفل سلمه الاجتماعي، ليعيش حالة دائمة من القهر والتعسف والاستغلال وتحت وطأة الفقر والاحتياج، يعترضن لأشكال من الاعتداء الدائم التي تصل للاعتداء البدني والجنسي.

وما زال حادث اعتداء الممثلة وفاء مكي على خادمتها ماثلاً في الأذهان، وما زلنا نتذكر ملابسات القضية وتفاصيلها، والتي حكم فيها القضاء بسجن الفنانة عشر سنوات، وجه لها فيها اتهامات منها التعذيب بالكي بالنار وهتك العرض والضرب، وتم تخفيف الحكم في النقض لثلاث سنوات.

وما زلنا نذكر أيضًا قصة الممثل المغمور الذي كان يصطاد الفتيات الصغيرات بمساعدة خادمته وإيهامهن بالعمل لديه، ويقوم بالاعتداء جنسيًا عليهن، وأيضًا أستاذ الجامعة الذي يقضي بالسجن عقوبة التغرير بقاصرات ثم استدراجهن بزعم العمل خادمات في بيته، ثم يقوم بالاعتداء الجنسي عليهن، هذه هي الصورة القاتمة لخادمات المنازل، وهي ليست من وحي الخيال بل هي حقيقة واقعة تسردها الفتيات اللواتي يعملن خادمات في المنازل، كاميليا لیست اسمًا مستعارًا من الفيلم الشهير أحلام هند وكاميليا ولكنها فتاة في السابعة عشرة من عمرها.. جاءت من بلدتها الصغيرة، وهي لم تتعد الثانية عشرة بدأت حكايتها، عندما اختفطها والدها من حضن أمها ليلقيها في حضن الشقاء ذهبت لتعمل في منزل أحد الأثرياء، بحي المعادي، ترعى الأطفال، تجر عربة الخضار تحمل الطفل في رحلة الشقاء اليومية إلى النادي، توجه لها سيدتها أقذع الألفاظ فلا تظهر على وجهها علامات التأذي أو الرفض، تضربها مديرة المنزل ضربًا مبرحًا فلا تشتكي، تمر السنون وتظل كاميليا هي وجه بارد رغم جماله، حتى جاءتها فرصة ذهبية فها هي مديرة المنزل وقد رحلت وتم تعيينها بدلاً منها حتى تأخذ مأساتها بعدًا آخر، لقد أصبحت كاميليا مديرة المنزل فبدأت تهتم بشكلها، بلبسها وبجسدها، كل هذا لم يلفت نظر السيدةفهي تراها كاميليا الطفلة الصغيرة، أما في نظر سيدها اختلفت الأمور فبدأ سيدها التحرش بها. وانتهى الأمر بإقامة علاقة جنسية معها ما زالت مستمرة والمأساة هنا تكمن في أن كاميليا راضية تمامًا بما تفعل، لأنها ترى أن تلك العلاقة تمثل بالنسبة لها انتقامًا من العجوز المتصابية (سيدة المنزل كما تطلق عليها وبالطبع لا من محاسب ولا من رقيب).

 
خادمات المنازل

أما تلك الفتاة راوية، فهي لم تتعد الثامنة من عمرها تحمل على وسطها النحيل طفلاً لم يتعد العام، تحمله في عناء ومشقة خاصة أن وزنه قد يصل لنصف وزنها، دائمًا تحدثك وعلى وجهها البرىء خليط من البؤس والكآبة والعناء مظهرها غير المنمق يجعلك تشعر بمدى ما تعانيه هذه الفئة التي تعيش وتموت وهي مغلوبة على أمرها، فماذا فعلت تلك الطفلة لتتحمل كل هذا الكم من الشقاء، وهي ترى قريناتها يجلسن في المدرسة يتلقين العلم، ما الذي فعلته لترى كل هذا السواد في مستقبلها غير المشرق بالمرة؟

ولن تطيل في هذه الحكايات المليئة بالبؤس، ولكن هناك قضية أخرى في غاية الخطورة.. تقع فيها أغلب الفتيات، اللاتي يعملن في مجال الخدمة في شقق العزاب وخاصة العرب والطلبة منهم، والذين جاءوا لتلقي العلم والمتعة على حد سواء، وهؤلاء هن الفئة الأكثر رواجًا والأكثر ثراءً أو الأكثر عرضة للضرب والإهانة فمن ترفض تضرب وإما أن ترضخ أو أن تصل لأقصى حدود التعذيب، وبالطبع إذا ذهبت إلى قسم الشرطة فهذا موضوع آخر فهي لن تجد أدنى احترام بل ستجد أسوأ معاملة، وربما لا تخرج فهي مشروع متهمة بأي شيء لأنها خادمة.

وفية أشعلت النار في جسدها المنهك

أما السؤال الأهم، وهو كيف تصل الفتيات إلى أبواب الشقق الموصدة؟ نسأل الحاج محمد بواب إحدى الفيلات في حي هادئ في مدينة نصر: حيث تنتشر العمارات المليئة بهذه النوعية من الطلاب والخادمات يلجأون لعم محمد بعد أن رفض أغلب العاملين بالعمارات الحديث معنا وهو رجل وقور بدأ كلامه بالاستغفار، يقول إن بواب العمارة هو أول من يجب سؤاله.. فهو الواسطة بين الطالب وسماسرة الفتيات الخادمات، ثم إن البواب هو الذي يشجع الفتيات اللاتي يرغبن في الهرب بالبقاء، لأن هذا الشاب العربي سوف يوفر لها عيشة كريمة في منزله طوال فترة إقامته بمصر للدراسة.. وهكذا تتحول تلك الفتاة، التي غالبًا ما تكون في العشرين من عمرها إلى سيدة، تحترف الدعارة في مقابل المال.

وتتبقى معنا حالتان: الأولى هي وفية عرفتها منذ الصغر تعمل في فيلا بالقرب منا، رأيتها بشعرها الأشعث وجلدها الملئ بالثقوب من جراء التعذيب وعينها الذابلة ووجهها الشاحب. تعمل هي ووالدها ووالدتها وأخواتها، هي مريضة نفسيًا، الكثيرون يقولون إن سبب مرضها المعاملة القاسية التي تلقتها منذ طفولتها، كانت تعمل ليل نهار.. تذهب إلى أبعد الأماكن لشراء احتياجات البيت بأرخص الأسعار، أراها من الشرفة تغسل وتمسح وتنشر الغسيل، وإذا توقفت لثوان لتلقط أنفاسها تجد شيئًا يهبط على رأسها أو سيجارة تطفأ في جسدها، تعبت وفية وهي لا تجد مخرجًا لها مما هي فيه من عذاب يحيط بها وحالتها النفسية تسوء ولا أحد يسأل فالأب والأم مغلوبان على أمرهما.

ومازلت أذكر آخر يوم رأیت فيه وفية من شرفة منزلي، لم تكن ملامحها واضحة فكانت قد أضرمت النار في نفسها وقيد الحادث انتحارًا، ولم يسأل أحد لماذا انتحرت وما الذي أدى بها إلى ذلك لا القانون الذي لم يفكر في وفية ولا المنظمات الأهلية المنوط بها تقديم المساعدة لهذه الفئات المطحونةأما الحالة الثانية والأخيرة فهي سيدة وقور في الخمسين من عمرها، رفضت أن تقول اسمها أو اسم مخدومتهفتقول أعمل في هذا المنزل منذ ثلاثين عامًا. مر علينا الكثير من الأحداث، جعلتني جزءًا من المنزل والأسرة وجعلتهما جزءًا مني، لم أشعر يومًا بالدونية، أو أنني أمتهن مهنة حقيرة لا يعتد بها أفراد المجتمع، أعلم أنني قد أكون حالة فريدة لا توجد كثيرًا: خاصة في هذا الزمان، ولكن الخطأ لا يقع فقط علىّ وعلى المخدوم أو الخادم الذي يستسلم احتياجًا للمال، ولكن الخطأ الأكبر أننا لسنا في تفكير المسئولين والحكومة والقانون، فهم لا يهتمون فنحن لا صوت لنا، ولا نستطيع أن نطلب من مخدومينا أن يعاملونا بقدر أدني من الاحترام.. فكيف لنا ذلك ونحن بالنسبة لهم عبيد لقمة العيش، وأنا بالطبع لا أتحدث من تجربتي الخاصة.

ومن كلام تلك السيدة نلتقط طرف الخيط، لقد صدر قانون العمل الموحد. دون ذكر آية حقوق أو حماية وتركوا خدم المنازل لضمير مخدوميهن، الذين لا يتوانون عن سبب وضرب واحتجاز واعتداء جنسي وبدني عليهن، مع عمل طوال الليل والنهار، دون مواعيد، ولم تظهر مادة واحدة في القانون.. تنظم شكل العمل الخدمي بالمنازل وتحمي تلك الفئة من الظلم والاعتداء على حقوقها. هذا بالنسبة للمشرع أما الجمعيات والمراكز المنظمات الأهلية.. فلم تقم بدورها تجاه هذه الفئة، من الظلم والاعتداء على حقوقها. هذا بالنسبة للمشرع أما الجمعيات والمراكز أو المنظمات الأهلية.. فلم تقم بدورها تجاه هذه الفئة ، على الرغم من أن هذه الجمعيات أو المنظمات تعد إحدى وسائل وقوى الضغط. التي تستطيع أن تفرض وتنزع من المشرع قانونًا يحمي الفئات المهمشة في المجتمع ومعهم خادمات المنزل ولذا فنحن نفتح ملف خادمات المنازل.. كخطوة نحو طريق طويل نحاول خلاله أن نفرض وننتزع حقوقهن المغتصبة بسن قوانين، تقر لهن أجرًا يتساوي والجهد المبذول وساعات عمل محددة وتأمينًا اجتماعيًا وتأمينًا صحيًا وأيامًا للإجازات وتعويضًا عن إصابات العملإلى آخر ما يصون كرامة مواطنات من حقهن الحماية والأمان.

شارك:

اصدارات متعلقة

الانتقام الإباحي.. تهديد رقمي يلاحق النساء ويقتلهن أحيانا
هل يجب علينا الاهتمام بالتغيرات المناخية
نص مليون من العاملين / ات بالخدمات المنزلية منزوعين/ ات الحقوق
التغيرات المناخية تمثل خطر كبير علي صحة الحوامل والأجنية بشكل خاص
“تمكين النساء لمواجهة التغيّرات المناخية”… مبادرة “عالم بالألوان” في مصر
نساء السعودية.. حقوق منقوصة وقمع متواصل
العنف الأسري ضد المرأة
كيف تعزز ألعاب الفيديو الصور النمطية للجندر
عبور الفجوة الجندرية في صناعة الأمن السيبراني
إنترنت الأشياء والتقاطعات بين الجندر والتقنية