رائدات الحركة النسوية المصرية والإسلام والوطن

تاريخ النشر:

2009

رائدات الحركة النسوية المصرية والإسلام والوطن (*)

صدر هذا الكتاب عن المشروع القومى للترجمة التابع للمجلس الأعلى للثقافة – عام 2000، وهو من تأليف د. مارجو بدران، وترجمة د. علي بدران. يتكون الكتاب من 614 صفحة من القطع المتوسط، ويبدأ بخاطرة للمترجم، ثم تصدير اللغة الانجليزية، ثم تصدير اللغة العربية، ثم مقدمة، يليها ثلاثة أجزاء يتكون كل جزء من عدة فصول، وينتهى بالهوامش والملاحظات. ويعرض هذا الكتاب الحركة النسوية المصرية منذ ولادتها في أواخـر القـرن التاسع عشر إلى منتصف القرن العشرين، وعلاقتها بكل ما هو قائم مثـل السياسة، الحركة الوطنية، التعليم، الصحة، الثورة والاستقلال، الإسلام.. وذلك في ظل تحولات القرن التاسع عشر، والحروب آنذاك، وفي مقدمة الكتاب أوضحت الكاتبة تفصيليًا الثقافات المتغيرة التي سادت مدن مصر أثناء القرن التاسع عشر، مثل ثقافة الحريم وبعض الممارسات الإسلامية، وحجاب الوجه.

الجزء الأولمن الكتاب يحمل عنوان إنبثاق الوعى النسويويتكـون مـن أربعـة فصول، يتناول الفصل الأول حياتان فـي عالم متغيرحــــــياة كل من هدى شعراويو نبوية موسى، باعتبارهما امرأتين شكلتا تاريخ الحركة النسوية في مصر، ، معتمـدًا عـلى مذكرات كل منهما، وهذا الفصل يقدم للفكر تمعنًا في كيف أصبحت النساء رائدات للحركة النسوية، وما هي التعقيدات الملازمة لمفهوم المرأة“. وتتحدث الكاتبة عن مفهوم النسويةوعن النقاش الدائر حول ما إذا كانت الحركة النسوية في مصر، وفي كثـيـر مـن بـلـدان العـالم الثالث، حركة نسوية غربية. وتعلق ذلك بأمور مثل خيانة الثقافة الوطنية، ومناسبتها أو عدم مناسبتها للمجتمع .

هدى شعراوي” “: تحت هذا العنوان تروى الكاتبة سريعًا قصة حياة هدى شعراوي، منذ ولادتها في المنيا عام 1879. توفى سلطان باشا أبوها وعمرها خمس سنوات وأصبح على شعراوى ابن عمتها وصيًا عليها وعلى أخيها، وعندما بلغت هـدى الثانية عشر رتبـت أمـهـا خطبتها من ابن عمتها والوصى عليها، وفي العام التالي تم الزواج، الذي استمر لمدة عام ثم تم الانفصال لمدة سبع سنوات ثم عادت إليه مـرة أخـرى تحـت ضـغـط مـن العائلة، وفي فترة استقلالها عاودت هدى دروسها ووسعت عالمها. وساعدت هدى شعراوي في إنشاء جمعيـة خيرية، وفي تنظيم محاضرات للنساء، وكانت نشطة في الحركة الوطنية المطالبة بالاستقلال عام 1919، كما قادت أول حركة نسوية منظمة في مصر.

وتصف الكاتبة مذكرات هدى شعراوي التي أملتها على سكرتيرها الخاص عبد الحميد حسب فهمى مرسي، بأنها قصتها بصوتين مختلفين، صوت بريء يستبطن مشاعرها عندما تستعيد الفترة الأولى من حياتها قبل أن تصبح شخصية عامة، وصـوت مـؤرخ للأحـداث حسب ترتيبها وهي تستعيد الفترة الثانية وتقص شرحًا للحركة النسوية المنظمة. وتقدم الكاتبـة تصويرًا لحياة هدى شعرواى کما روتها هي مستعينة بـأجزاء مـن المذكرات التي تسرد فيهـا مشاعرها حينما وجدت فارقًا في المعاملة بينهـا وبين أخيهـا، وحينما تزوجت دون إرادتها، وعندما طلبت من مدرس القرآن الكريم أن يعلمها قواعد النحو ولكن الأغا (المربي) رفض ذلك بازدراء وقال له خذ كتابك معك يا سيدنا الشيخ، إن السيدة الصغيرة ليست في حاجة إلى تعلم قواعد اللغة، لأنها لن تصبح محامية، وكيف إنها استطاعت توسيع حياتها وعالمهـا أثناء فترة انفصالها عن زوجها بمساعدة أخيها، وحاولت أن تتعلم اللغة العربية ولكن فشلت في ذلك، وتعلمت فقط اللغة الفرنسية عن طريق صديقة لها، ومواقف مماثلة متعددة…..

نبوية موسى“: أما عن نبوية موسى فتقول الكاتبة إنها ولدت عام 1886 في مدينـة الزقازيق، وكان أبوها ضابطًا في الجيش برتبة يوزباشي، وتوفى قبل أن تولد نبوية، وانتقلت أم نبوية بابنها وابنتها إلى القاهرة كي ترقّى من تعليم ابنها شقيق نبوية الذي كان يكبرها بعامين. تلقت مبادئ التعليم في البيت وهي تطلب عون أخيها، ثم التحقت بقسم البنات في مدرسة عباس الإبتدائية رغمًا عن رفض أمها وأخيها، وكانت متفوقة، ثم سجلت نفسها في برنامج تدريب المعلمات في المدرسة السنية، ثم قدمت طلبًا للالتحاق بامتحانات البكالوريا التي كانت قاصرة على البنين آنذاك، ودعيت للتدريس في الجامعة المصرية، ونشرت محاضراتها في الصحف، وهي أول امرأة مصرية تعمل ناظرة لمدرسة بنات، وكانت ناقدة مفوهة وصريحة لسياسات التعليم، ولسلوك رجال التعليم، معددة ما يطلق عليه الآن التحرش الجنسي، مما أدى إلى فصـلـهـا مـن وزارة المعارف، فكرست نفسها لإدارة المدرستين الخاصتين اللتين أنشأتهما. كما نشرت نبوية موسى مذكراتها مسلسلة في مجلة الفتاة“.

تسرد الكاتبة بعد ذلك قصة نبوية موسىكما روتها هي في مذكراتها، شارحة نضالها ومحاولاتها للحصول على تعليمها الذي كان مرفوضًا اجتماعيًا ورسميًا، وإحساسها بالمركز الثانوي عندما اهتمت أمها بتعليم أخيها وترقيته وتغاضيها عـن تعليمهـا هـي، وكيف أنهـا اكتشفت أنها مختلفة عن باقي النساء عندما وجدت أن اهتماماتها مختلفة عنهن، وأنهن يعتبرنها شاذة والعكس أيضًا فهي تعتبرهن شواذ وتعريفها للشذوذ هو أنه مـا يخالف العـادة المتبعة سواء أكان صوابًا أم خطًأ، كما تحكي كيف أنها وجدت تفريقًا بينها وبين قرنائها من المدرسين الذكور في الراتب حيث إن لهم ضعف راتبها، ولما سألت عن السبب جاءها بأنهم حاصـلـون على البكالوريا، فتقدمت لامتحان البكالوريا كأول سيدة تفعل ذلك، شارحة ما واجهت من صعوبات وتصميمها على موقفها وموقفها من الزواج ورفضها له ووصفها له على أنه عبء مزدوج.

وتختتم الكاتبة الفصل بمقارنة سريعة لحياة هاتين السيدتين واستخلاص كل من المتشابه والمختلف فيهما.

تنتقل الكاتبة إلى الفصل الثاني تحقيق مجال في الحياة العامة، وفي بدايته تتحـدث عـن فترة النشاط النسوى المشوب بالتحفظ والتي تمتد من أول القرن العشرين إلى أوائـل العـقـد الثاني منه. وتقول إنه في السابق لذلك كانت الطبقة الاجتماعية هي التي يرجع إليهـا تـحديـد الممارسات الاجتماعية للنساء والفصل بين الجنسين، وحول نهاية القرن التاسع عشر قام الدين والعرق مقام الطبقة الاجتماعية في تحديد السلوك الاجتماعي لنساء الطبقتين العليا والوسطى، فقد كان حجاب الوجه وإبقاء النساء في بيوتهن ينظر إليهما على أنها أمران إسلاميان. ولهذا كان هناك سخط موجه لكتاب قاسم أمين تحرير المرأة، لأنه أوضح أن حجـاب الوجه والبقاء في البيت لم تكن متطلبات إسلامية إلزامية. ثـم جـاء الـوعـى الـوطني ليطغى على اعتبارات الجندر والطبقة الاجتماعية. ففي أوائل القرن العشريـن استحدثت النساء خطابًـا وطنيًا أضفى على ابتكاراتهن شرعية، كما أدى إلى تقدم هذه الابتكارات. وجيشـت النساء الوطنيات المصريات لفكرة وممارسة المرأة الجديدةضـد المستعمرين، بدلاً مـن التعلـق بالعادات كسلاح ثقافى دفاعي.

تنتقل الكاتبة بعد ذلك إلى المجالات التي دخلتهـا النساء في تلك الفترة، فتبـدأ بـ الأعمال الخيرية والخدمة الاجتماعيةهذا المجال الذي نجحت من خلاله النساء في رسـم أدوار جديدة لهن قائمة على تقاليد إنسانية ومؤسسة على دعامات دينية. والنساء هن اللاتي أخذن بمقود الخدمة الاجتماعية من يد المنشآت الدينية في مصر، عندما أنشأن أولى الجمعيات الخيرية المدنية، ففي عام 1909 أسست هدى شعراوي، ومعها نساء أخريات ميرة محمـد عليالتي كان لها عيادة خارجية للنساء والأطفال الفقراء، وتستمر الكاتبـة في ذكـر أمثـال لجمعيات وأعمال أنشاتها النساء للخدمة العامة والأعمال الخيرية، مثل إنشاء مدرسة لتدريب القابلات، ومركز لتدريب الممرضات وجمعية للإغاثة أثناء الغزو الإيطالي لليبيا، وجمعية المرأة الجديدة التي ألحق بها مشغل للفتيات الفقيرات. وترى الكاتبة أن الابتكارات التـي قـدمتها الجمعية الخيرية المدنية الحديثة لها مضامين مهمة تتعلق بالجندر والطبقات الاجتماعية، فمثلاً انخفض مستوى الفصل السائد بين الأغنياء والفقـراء بـعـد أن أصبح الأغنيـاء يذهبون إلى الفقراء ويرون حياتهم القاسية. أيضًا العون الاجتماعي إلى جانب أنه واجب ديني، أصـبـح مسئولية وطنية مدنية. وعلى الجانب النسوي كانت النساء ذات الوعى النسـوى مـدركات لتأثير عملهن الخيرى النافع المحرر لهن بإعطائهن القدرة على أن يلجن ساحة العمـل الـعـام، أيضًا متمنيات أن يكون في جهدهن مساعدة النساء الفقيرات، ما يجعلهن قادرات على الأخذ بأيدهن ليضعن أقدامهن على الطريق لكسب حقوق أوفى لهن كنساء.

وثاني المجالات التي تتعرض لها الكاتبة الجمعيات الفكرية وبرامجها التي انشـأتها النساء لمساعدة أنفسهن وواكبت خطواتهن في المساعدة الاجتماعية، غير أن الكاتبـة تـذكر أن بعض مؤسسات هذه الجمعيات كن يتمتعن بالوعى النسوي، في حين أن أخريات أحسسن بالقلق نحو الاتجاهات الجديدة، والانحراف عنما كن يعتقدن أنـه تعـاليـم إسلامية، ومع أن تفكيرهن كان محافظًا إلا أن نشاطهن كان جريئًا، وتذكر مثالاً لذلك جمعية ترقية المرأةالتي أنشاتها فاطمة راشد، وأصدرت مجلة تحمل الاسم نفسه، ومجدت الجمعية مكان المرأة في بيتها وكانت بمثابة رد على كتاب تحرير المرأةلقاسم أمين، بينما نجد نساء أخريات أمثـال هـدى شعراوى يقدمن تفسيرًا أكثر ليبرالية للتعاليم الإسلامية، ليجدن أدوارًا جديدة في المجتمع. فقد ساعدت هدى شعروايفي تنظيم العديد من المحاضرات التي ألقتها النساء من أجـل النساء، وذلك خارج مقار الجمعيات النسائية. وبدأت بعد ذلك النساء المصريات المنتفعات من التعليم المدرسي في إلقاء المحاضرات مستخدمات مقر الجريدة الليبرالية، وقسم النساء الذي أنشاته الجامعة في عامها الثاني. وتمضى الكاتبة في ذكر حال كل من حاضرت في الجامعة، حتى انتهى الأمر بإغلاق قسم النساء بالجامعة، بعد أن تزايد العـداء نحـو مـا أسـمـوه بغـزو النساء مكـان الـرجـل. ولكـن اسـتمرت النساء في تكوين الجمعيات الأدبيـة والفكرية مستهدفات استمرار المحاضرات المخصصة للنساء، كما استمرت هدى شعراويفي تنظيم المحاضرات الخاصة بالنساء. وأيضًا بدأت مي زيادة” – الكاتبة اللبنانية المشهورة وإحـدى عضوات جمعية الرقى الأدبي للسيدات – في عام 1914 تستقبل كُتابًا ومفكرين من الرجـال والنساء في بيتها بالقاهرة، مكونة بذلك أول صالون أدبي مختلط .

تنتقل الكاتبة إلى مجال آخر من المجالات التي دخلتها النساء في هـذه الفترة وهـو محـال التدريس کنشاط نسويوهذا المجال ليس كسابقيه، فعندما أسست النساء جمعيات خيرية وثقافية قد أنشأن ساحات لسن فيها متنافسات مع الرجال. على عكس التدريس الـذي كـان مقصورًا على الرجال المصريين او الرجال والنساء البريطانيين. وفي هـذا تتطـرق الكاتبـة إلى خبرات نبوية موسى والصعوبات التي واجهتها أثناء حياتها كمدرسة وكناظرة، لفهم الوضع آنذاك.

فالصعوبات التي واجهـت نبوية موسىعديدة، فبعد أن حصلت على شهادة البكالوريا أصبحت تمثل تهديدًا للرجال المصريين والنساء البريطانيات، فمنعت السلطات الاستعمارية أي امرأة أخـرى مـن دخـول امتحانات البكالوريا، وبعد أن حصلت على البكالوريا عملت كمدرسة عامين ثم ناظرة لمدرسة ابتدائية بالفيوم، وهناك وجدت نفسها وجهًا لوجه أمام سلطة رجال الإدارة في الإقليم. وبسبب مقاومتها للسلطة المستمرة، كانت كثيرة الانتقال بين المدارس بالمحافظات. وبسبب ضرورة اختلاط الجنسين في الوقت الذي كان فيه المدرسون الذكور هم المسيطرون على مدارس البنات، لم يعتبر التدريس عملاً محترمًا للنساء المصريات، وترددت معظم العائلات في إرسال بناتهن لتلقي العلم، وكانت بوية موسىملتزمة بمبادئ الاحتشام، وساعد هذا في اجتذاب فتيات للالتحاق بالمدارس. وتستعين الكاتبة بأجزاء كثيرة من مذكرات نبوية موسىفي هذا الفصل، شارحة معاناتها ونجاحاتها خلال حياتها العملية.

الفصل الثالثمن الكتاب يحمل عنوان تمحيص الجندر وتعرض فيه الكاتبة حال النساء اللاتي غزون عالم الكتابة، ففي العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، أصدرت النساء العديد من الدوريات النسائية، وتوضح أن لكتابات هؤلاء النساء اتجاهين رئيسسيين، الأول يعبر عن قدسية الحياة المنزلية، والثاني يشكل ايديولوجية نسوية.

كتابة قدسية الحياة المنزلية” : تذكر الكاتبة في هذا الجزء أمثلة عديدة للكتابات التي كتبتها النساء تمجيدًا وترسيخًا للحياة المنزلية وقدسيتها، ومما لفت نظرهـا أن رائدات تلـك الصحافة تجاوزن حياتهن المنزلية وتعلقن بأعمال جديدة، إلا أنهـن اسـتخدمن أقلامهـن في تمجيد الأدوار المنزلية للنساء. واستُخدم الخطاب الإسلامي المحافظ کرد على كتـاب قاسـم أمين تحرير المرأة“. وتتساءل الكاتبة إذا كان الرجال حاربوا ما رأوا أنه تهديد لامتيازاتهم، فما الدافع وراء تبنى النساء تلك الروح المحافظة؟، ربما وقعن تحت تأثير أزواج محافظين، أو هذه هي رؤيتهن الخاصة للهوية الإسلامية. تتساءل أيضًا عن سبب تمجيد نساء الأقليات الدينية أو العرقية لتلك الأدوار؟، ربما كان هذا أمرًا آمنًا لنسـاء الأقليات أن يروجن لتقـدم المـرأة بتحسين أدوارها المتقبلة. وتقول الكاتبة إن برنامج الدعوة إلى هذه الأدوار، استهدف شحذ مهارات النساء في تنشئة الأطفال، وإدارة المنزل، والإنتاجية، ومبادئ المحافظة على النظافة، واستغل تعليم البنات بسرء عة لصالح تقديس الحياة المنزلية، وتركزت المناقشات بعد أن تزايد عدد الفتيات في المدارس على ما يجب أن يتعلمنه، ووجوب اختلاف مواد الدراسة في مدارس البنات عن مدارس البنين.

التعبير بوضوح عن النسويةعلى الناحيـة الأخـرى تـذكر الكاتبة المعارضـة التـي تشكلت ضد قدسية الحياة المنزلية، بأقلام نساء عـدة مـثـل : زينـب فـواز، عائشة التيمورية ووردة اليازجي، تبرأن من قصر النساء في بيوتهن. وأنتجت الرائدات النسويات أهم كتابين نسويين ظهرا في تلك الفترة، النسائياتلباحثة البادية عام 1909، وبحث نبوية موسى” “المرأة والعملعام 1920. وتقول إن الرائدات النسويات كن يطالبن بأدوار جديدة للنساء بعيدة عن المنزل، ويطالبن بتعليم المرأة والعمل، وفى مواجهتهن للأصـوات التـي تقـول إن طبيعة المرأة للمنزل، أكدن أن أدوار الجندر مبنية اجتماعيًا وليست بحكـم الطبيعـة أو بـأمر إلهي. وبرأن الإسلام والدين عمومًا من تشكيل أدوار منفصلة للنساء. وتستعين الكاتبة في هذا بأجزاء من مقالات أو محاضرات هؤلاء الرائدات. وتتعرض باستفاضة إلى موقف النسويات من حجاب الوجه، واعتباره من العادات التي تشكلت مبنية على فكـرة الفـروق الجنسية بين الجنسين، وعلى اعتبار المرأة كائنًا جنسيًا مثيرًا للغرائز، على الرغم من أن بعضهن لم ينزع حجاب الوجه والبعض كان أجرأ ونزعه بالفعل.

النسوية الوطنية تواجه النسوية الإمبرياليةتحت هذا العنوان تقدم الكاتبة خلفية عـن اتصال الحركة النسوية المصرية بالحركة النسوية العالمية، فتقول إنه في عام 1911 وضعت النساء المصريات مطالبهن النسوية في جدول أعمال المؤتمر الوطني المصري، وفي العام نفسه جاءت إلى مصر كل من كارى كات وإليتا جاكوبز، وهما قائدتان في التحالف الدولي للنساء المطالب بحق الاقتراع، وكانتا ترغبان في توسيع قاعدة هذا التحالف ليضم بلدانًا أكثر. وهنا ترى الكاتبة أن النسويات الغربيات كن ساذجات في موضعين، الأول كن على جهـل بـزوغ الوعي النسوي في مصر، وظنن أن عليهن إيقاظ النساء ومساعدتهن، الموضع الثـانـي هـو هذا التحالف يقوم على مبدأ المساواة، غير أنه تجنب تحدى الاستعمار وأخـذ يـضـم إلـيـه دولاً مستعمرة، ذلك الاستعمار الذي يهدم ويخرب مبادئ الإنسانية والمساواة، أيضًا تقول الكاتبة إن الاهتمام المباشر للزائرتين، كـان مساعدة المصريات في إنشاء جمعية للمطالبة بالحق في الاقتراع كي ترتبط هذه الجمعية بالتحالف الدولي، لكن وجدتا أنه من غير المعقول أن يناقشن موضوع تصويت النساء في بلد لم يحصل الرجال فيه على حق الاقتراع. لكن مع أن النسوية المصرية وطنية والنسوية الدولية مدموغة بخاتم الإمبريالية، فإنه كانت هناك إمكانية لنشاط متبادل، فبزيارة هاتين القيادتين النسائيتين، بدأ الاتصال بينهما وبين المصريات، وبعـد مـرور عقد على استقلال مصر الناقص، وبانطلاق الحركة النسوية المصرية، أصبح الاتحاد النسائي المصرى عضوًا في هذا التحالف. وتوضح الكاتبة أنه بينما حاولت النساء المصريات تجريب الجديد، إلا أنهن حافظن على هويتهن الثقافية والوطنية والدينية.

أما الفصل الرابعفهو بعنوان مصر لمن من المصريينوتقدم فيه الكاتبة علاقة رائدات الحركة النسوية، بالوضع السياسي والنضال الوطني في تلك الفترة. وتوضح باستفاضة مواقف النساء الوطنيات خلال ثورة 1919. فتذكر أن النساء خرجن إلى شوارع القاهرة شاجبات العنف والقمع اللذين يمارسها البريطانيون ضـد المواطنين المصريين، ومحتجات على اعتقـال الـزعـاء الـوطنيين. وهنا تشرح الكاتبـة مسـار المظاهرات المتكررة واللافتات التي استخدمت فيها. وكيف أن هذا الجهاد الذي تقوم به النساء وضع تحديًا أمـام قائد الشرطة البريطاني، فلديه تعليمات بوقف المظاهرات، وهذا يعني استخدام القوة، وإذا استخدمها بالفعل ضد نساء سيقع في الخطأ. وتذكر الكاتبة أن طالبات المدارس أيضًا اشتركن في تلك المظاهرات، مما أثار ذعر مدرساتهن البريطانيات. ولكن جدير بالذكر شرحها لموقف نبوية موسى ورأيها في هذا الشأن، فهي ترى أن نشر التعليم بين النساء هـو أعلى درب دروب النضال الوطني، وأبعدها مدى في التأثير. وبهذا أضربت كل المدارس فيما عدا المدرسة التي كانت نبوية ناظرتها. واستمر نضال المصريين والمصريات في عام 1919 ضد الاستعمار حتى أعلنت نساء مصر أول احتجاج مباشر مكتوب قدم للسلطات البريطانية شاجبات لجنة ملنر، ومحتجات على سوء معاملتهم أثناء المظاهرات، وفي عام 1920، اجتمعت النساء وكونت لجنة الوفد المركزية للسيدات، والتي كانت لها مهام حيوية، منهـا أنـه عنـدما أودع زعماء الحزب في السجن أو نفوا من البلاد، أمسكت سيدات الوفد بمقود النضال، كما لعبت دورًا مهمًا في توسعة القاعدة الشعبية المساندة للوفد، وكان عملها من خلال شبكات اتصال بالجمعيات النسائية في القاهرة والأقاليم آنذاك، أيضـًا أخـذت عضـواتها في إنشاء اتحادات نسائية في الأقاليم. وتتعرض الكاتبة للأزمة التي حدثت بين الوفد واللجنة، فقد كتب سعد زغلولوزملاؤه مسودة مشروع للاستقلال أرسـلـه مـن لـنـدن إلى جماعـات مختلفة لإبداء رأيهم، لكنه لم يرسل إلى لجنة الوفد للسيدات، وقد اجتمعت هدى شعراويبالسيدات واستطعن الحصول على نسخة من المشروع، ونشرن نقدهن للمشروع في الصحف، وكتبت هدى شعراويإلى سعد زغلول في لندن تشجب عـدم استشارته للجنـة، وأرسـل إليهـا سعد زغلولاعتذارًا قائلاً: إنه لا يمكن لأي مجتمع أن يتقـدم مـن دون مشاركة نسائه. وعند صدور الدستور المصرى الجديد بعد الاستقلال، كانت الصدمة، حيث منح الدستور الذكور وحدهم حـق ممارسة الحقـوق السياسية، وهنـا تساءلت النساء، مصر لمـن مـن المصريين؟، وكان هذا شعارهم في المظاهرات التي أقمنها للاحتجاج على ذلك. وتتعرض الكاتبة تفصيليًا إلى العلاقة بين لجنة الوفد للسيدات وحزب الوفد، وما شابها من خلافات عدة، أهمها اختلاف السيدات مع رجال الوفد على وضع السودان، فهن كن مصـمـات عـلى ألا ينفصل السودان عـن مصر، أمـا رجـال الـوفـد فـكـانـوا عـلى استعداد للتفاوض. تلـك الخلافات التي أدت في النهاية إلى استقالة هدى شعراويمن اللجنة، واستقالة سعد زغلولأيضًا، في النهاية تقول الكاتبة إنه منذ عام 1924 عبرت المرأة المصرية عن وجودهـا ونشاطها في قلب الحياة العامة.

الجزء الثانيمن الكتاب يحمل عنوان الحركة النسويةويمتد هذا الجزء من الفصل الخامس وحتى الحادي عشر، الفصل الخامس بعنوان بيت المرأةويتناول إنشاء الاتحاد النسائي المصري، الذي بإنشائه بدأت حركة نسوية منتظمة ومعلنة، وحدثت ثلاثـة أمـور، الأول: نزع رائدات الحركة النسوية الحجاب عن وجوههن، الثاني: استخدام صـفة النسائية بطريقة واضحة، الثالث: وجود كيان وأنشطة مستقلة للحركة. وتبدأ الكاتبـة الفـصـل بشرح كيف تناقص حجاب الوجه في مصر في العشرينيات وحتى الأربعينيات، وكيف تخلصت الرائدات منه، والذي كان من وجهة نظهرن أكبر عقبة لمشاركة النساء في الحياة العامة، فهو لم يكن مقيدًا للمرأة فحسب، بل كان أيضًا رمزا لنظًام الحياة في المدن الذي شمل قصر النساء في البيوت، وعلامة الاعتماد الكامل على الآخرين. ثم تنتقل الكاتبة إلى تكوين الاتحاد النسائي المصرى ومطالبه، وفي هذا الجزء تذكر نبذة عن كل عضوة من عضوات الاتحاد واللاتي كن إحدى عشرة في البداية إلى أن أصبحن 250 في عام 1929. وتتعرض إلى المجلات التي أصدرها الاتحاد – والتي دلت أسماؤها على ربط بين الجندر والوطنية معًا على عكـس أسمـاء مجلات أخرى مثل مجلة الفتاة أو الجنس اللطيف واللاتي دلت أسماؤها على الجنـدر فقـط وهما:

  • مجلة المصرية الصادرة باللغة الفرنسية : بدأ إصدارها عام 1925، وكانت تخاطب الطبقة العليا والوسطى.

  • مجلة المصرية الصادرة باللغة العربية: والتي أراد بها الاتحاد أن يصل إلى قطاع أكبر من المصريين والدول العربية، وبدأ صدورها 1937.

أنهت الكاتبة هذا الفصل بالتعرض إلى انضام الاتحاد النسائي المصري إلى التحالف الدولي للنساء للمطالبة بحق الاقتراع والمواطنة المتساوية. والتي شملت عضويته دولاً مستعمرة وأخرى خاضعة للاستعمار، وبالطبع تصادمت مصالح النساء من الدول الخاضعة للاستعمار مع الحركة النسوية الدولية بأشكال خطيرة.

الفصل السادس أخوات المدينة وأخوات الريفتناولت فيه الكاتبـة الأنشطة التي قام بها الاتحاد النسائي المصري، فقد بدأ سنواته الأولى بالخدمات الاجتماعية، لكن أوضحت أن مدخل الاتحاد للخدمة الاجتماعية كان مختلفًا عن باقي الجمعيات الخيرية، فقد اعتقـدت النسويات أن رفع المعاناة عن كامل النساء الفقيرات هي الخطوة الأولى لخلق الظروف المناسبة لإمكانية حصول الفقيرات على حقوقهن الكاملة كنساء. ومن هذه الأنشطة افتتاح عيـادة طبية للأطفال والنساء في منطقة البغال، والتي ألحقت بمشغل لتدريب الفتيات سمي بيـت الإصلاح التعاوني، ودار لحضانة أطفال السيدات اللاتي يعملن، وفي هذا الجزء تناولت الكاتبة بالتفصيل أنشطة الرائدات النسويات في مجال الصحة والتدريب والخدمة الاجتماعية .

وكذا تفاعلهن أثناء حروب البلقان وزلزال تركيا عام 1939، حيـث قـمـن بجمع تبرعات للضحايا، وتحميس النساء للعمل في الإسعافات الأولية، وتكونت لجنة سيدات الهلال الأحمر. تناولت أيضًا الكاتبة اهتمام الرائدات النسويات باحتياجات المناطق الريفيـة، فقد ناشد الاتحاد طويلاً وأثار الرأى العام للنظر إلى حال الريف، ونشرت مجلة المصرية سلاسل من المقالات التي توضح حال الفلاحين وتناشد ملاك الأراضي والحكومة تقديـم يـد العـون لهم، كما قام الاتحاد بخطوات عملية فأنشأ لجنة تحسين الأحوال في الريف، كما تعرضت الكاتبة لأنشطة الاتحاد أثناء انتشار الأمراض الوبائية في مصر، مثل انتشار الملاريا عام 1944 في مصر العليا، والكوليرا عام 1947 في الدلتا.

الفصل السابع بعنوان إعادة تنظيم العائلةتتعرض الكاتبة فيه إلى شكل الأسرة في تلك الفترة، وعلاقات القوة فيها. فتقول إن السيطرة الأبوية المستبدة راسخة داخـل الأسرة بأشكال متعددة من التحكم في النساء، وإن كانت تتغير وفقًا للطبقة الاجتماعية والظـروف الطبقية. وتركت الدولة السلطات الدينية مسيطرة على قانون الأحوال الشخصية، وطبقًا للتفسيرات الدينية التقليدية للشريعتين الإسلامية والمسيحية، كانت الزوجات تحت سلطة أزواجهن. ولهذا كانت هناك مهمة صعبة أمام الرائدات النسويات لتغيير ذلك، فاستهدفن كبح جماح سوء استخدام الرجـال لامتيازاتهم، باستخدام منطـق الإسلاميين المعاصرين. فتعرض الكاتبة باستفاضة حملتهن لإصلاح قانون الأحوال الشخصية، والذي طالبن فيـه بعدد من المطالب منها: تحديد سن الزواج للفتيات – تقييـد تعـدد الزوجات – تنظـيـم حـق الطلاق المطلق للرجل – إلغاء بيت الطاعة – تمديد فترة الحضانة ……..). وتقول أن هـذه الحملة كانت مخيبة للآمال، ففي خلال الفترة التي قاد فيهـا الاتحاد النسائي المصرى تلـك الحملة حدثت التغييرات الكبيرة والوحيدة التي أنشـأهـا قـانون الأحوال الشخصـية عـام 1929. وأعلنت رئيسة الاتحاد أن القانون المعدل جاء محرومًـا مـن روح الإصلاح. فهو لم يستجب إلا لتقنين سن أدنى للزواج، والتوسع في الحضانة للأم، وقدم توضيحات محدودة بعدد من تتعلق بقدرة النساء على أن يطلبن الطلاق، وهذا من وجهة نظر الكاتبة غير كابح للسلطة الأبوية وامتيازاتها بدرجة كبيرة.

تتطرق الكاتبة أيضًا في هذا الفصل إلى إعادة تشكيل أدوار النساء في العائلة، والذي اتجهت إليه الرائدات النسويات في أواخر الثلاثينيات. وكان أحـد وأهـم الـطـرق المؤدية إلى زيادة سلطة النساء والتوسع في أدوارهن داخل الأسرة، هو البند الخاص بزيادة فترة حضانة الأم لأطفالها، وبذلك امتدت سلطة الأم على أطفـال إلى مشارف سن البلوغ. وذكـرت الكاتبة أنه في الثلاثينيات من القرن العشرين، بدأت أزمة تظهر في المجتمع عرفت باسـم أزمة الزواج، والتي من أسبابها كساد الحالة الاقتصادية، وعدم التساوي في المستوى التعليمي للزوج والزوجة، وبداية اتجاه الشباب للزواج من أجنبيات، وبدء تفكير الفتيات المتعلمات في العدول عن الزواج لعدم الرغبة في الدمج بين الـدورين….. وهـو مـا أدى إلى مطالبة الرائدات بالاهتمام بتعليم المرأة كي تقوم بدور الأم على وجه يحقق تقدم المجتمع، کما شنن حملة للتخفيض من قيمة المهور، مع الاستمرار في مقالاتهن ومناظراتهن بالدعوى إلى أنه يجب ألا يتوقف تأثير المرأة المتعلمة عن حدود الأسرة فقط، بل يتسع إلى الأمة والمجتمع.

الفصل الثامن بعنوان تعليم الأمةويتحدث عن تعليم النساء على كل المستويات وفي كل الميادين، والذي كان هدفًا محوريًا للحركة النسوية المصرية. فلقد طالب الاتحاد النسائي المصري في عام 1923 بإنشاء مدارس ثانوية للبنات، وبالفعل افتتحت مدرسة شبرا الثانوية للبنات عام 1925، واعتبر نساء الاتحاد ذلك نصرًا لهن. واستمر الاتحاد في ضغوطه لإنشاء مدارس ثانوية أخرى للبنات، وبالفعل توالى إنشاء المدارس سـواء في القاهرة أو الأقاليم. وبينما كان الاتحاد النسائي المصري يوالى ضغوطه في إنشاء المدارس الثانوية، أخـذت نبوية موسىاتجاها آخر، معبئة طاقات النساء الأثرياء في الإسكندرية لإنشاء مدرسة ابتدائيـة للبنات، ورغم الصعوبات التي واجهتها من كبار موظفي وزارة المعارف، فإنها افتتحـت مدرسة ترقية الفتاةفي حي محرم بك المتميز، وبعد سنوات قليلة افتتحت مدرسة ثانوية أخرى للبنات في القاهرة، وأسست رائدات الحركة النسوية دعوتهن لتعليم الفتيـات عـلى توجيهات القرآن وعلى التاريخ الإسلامي، والتاريخ الفرعوني المصري، وذلـك مـن خـلال المقالات والمحاضرات والخطب العامة. كما كن واعيات لدور التعليم في الشعور الوطني، فطالبن بأن يكون تراث الأمة جزءًا أساسيًا من مناهج الدراسـة كمــا طـالبن أيضًا بإدخـال التربية الرياضية ضمن المناهج. وتوضح الكاتبة بالأرقام والنسب كيف أن الفتيات تفوقن في التعليم على نظرائهن من الفتيان. أما عن التعليم الجامعي فتقول إنه في عام 1925، أُعيـد تشكيل الجامعة المصرية الأهلية، بعد الاستقلال، وأُلحقت بالدولة كإحدى مؤسساتها، وأُعيد تسميتها بجامعة فؤاد الأول، وتم إعلان أنها مفتوحة لكل المصريين، غير أن الأبواب أُغلقت أمام النساء. ولم يكن الرأى العام مساندًا لتعليم النساء الجامعي. ومع هـذا أبـدت الحكومة استعدادها لدعم تعليم المصريات في الخارج، وأرسلت مجموعـة بالفعـل إلـى إنجلترا. وواصلت الرائدات النسويات مطالبتهن بـدخول النساء إلى الجامعة، وساندهم رئيس الجامعة، واتخذ خطوة عملية لتنفيذ مساندته، بأن سمح، بهدوء، لجماعـة صغيرة من النساء للالتحاق بالجامعة عام 1929، وقد تميـزن في دراستهن، وأذاع الاتحاد النسائي المصرى تفوقهن. لكن كانت الجامعة على عكس المدارس مختلطة الجنسين، واستمرت الفضيلة تلقى الاهتمام الأول لدى العائلات، وكان هذا سببًا لترددها في إرسال بناتها إلى الجامعة. وبناء على ذلك اتخذت إجراءات في الجامعة للفصل بين الجنسين، وتنتقل الكاتبة بعد ذلك إلى المعارك التي خاضتها النساء للالتحاق بالأقسام المختلفة والكليات الجديدة أيضًـا مثـل الهندسة والزراعة والتجارةوالتي كانت مقصورة على الرجال وكيف أنها تفوقت عليهم فيها. ثـم تذكر نماذج لنساء استكملن الدراسة العليـا وحققـن الـدرجات العلميـة سـواء مـن خـلال الجامعة المصرية أو من خلال المعاهد الخاصة الأجنبيـة في مصر أو في الخارج . تتطرق أيضـًا الكاتبة إلى مطالبة الرائدات النسويات بدخول المرأة مجالات أخرى مثـل الفـن والرياضات المختلفة والرسم والتصوير وأشارت في نهاية الفصـل إلى القضية التي صاحبت تعليم النساء، وهي قضية اختلاط الجنسين، والتي كانت ما بين الظهـور والاختفاء مع التقلبات السياسية المختلفة، وانقضت هذه الأزمة مع قيام الثورة وراية الاشتراكية.

في الفصل التاسع النساء كن دائمًا عاملاتتشرح الكاتبة حملة الرائدات النسويات المطالبة بحق النساء في العمل، ذلك الحق الذي وصفته أنه كان يشكل تهديدًا للثقافة الأبوية أكثر من التعليم، فمن خلال العمل يمكن للنساء تجاوز القصر في البيت وتخفيض الاعتماد المادي على الأب ثم الزوج. وعرضت الكاتبة تفصيليًا الخطوات التي كانت النسويان يخطونها لتحقيـق مـطـلـبهن، والردود التي كـن يواجهنهـا مـن المحافظين الأبويين، ومن الليبراليين التقدميين، وكيفية الرد عليها، وما واجهن من هجوم باسم عفة المرأة التي ستزول مع الاختلاط، وكيف تعاملن مع ذلك . وبدأت النساء الدخول في مجالات العمل المختلفة، وقد أفرد الكتاب جزءًا كبيرًا لشرح وضع العاملات في المصانع والمحال التجارية، حتى صدر قانون تنظيم عمل النساء عام 1933، وتفاعلت النسويات معه وعلقن عليه. تطرقت أيضًا الكاتبة إلى اشتغال النساء بالتعليم والذي عملت النسويات جاهدات على تحقيقه، وجـاء بنماذج لنساء اشتغلن بالفعل، ونماذج لنجاح المعلمات والناظرات والنساء عمومًا في مجـال التعليم، وكذا مجال الصحة ومجال المحاماة والصحافة، وأيضًا اشتغال النساء بوظائف عدة في جهاز الدولة. وأنهت الكاتبة هذا الفصل بالتعرض لمهنة الترفيه التي كانت تعتبر غير محترمة للنساء رغم النجاح والشهرة، واتى بنماذج عدة مثل أم كلثوم وأسمهان وبديعة مصابني.

الفصل العاشر يحمل عنوان المتاجرة بالنساءويتناول معركة الاتحاد النسائي المصري ضد البغاء، والذي كانت تقننه الدولة. وتقول الكاتبة إن الرائدات النسويات وضعن البغاء تحت المجهر للفحص كصورة من صور الاستغلال المبنى على الفروق في الجنـدر وفي الطبقة الاجتماعية. وتشرح وضع وأشكال البغاء في مصر، وتتعرض لتاريخه منذ أوائل القرن التاسع عشر، حتى تقنينه في 1905. ثم تتناول بالتفصيل حملة الرائدات النسويات ضد البغاء، والتي استعن فيها بدعم السلطة الدينية المتمثلة في الأزهر الشريف، وكانت المطالبة بإلغاء البغـاء أيضًا عالمية، حيث طالب به التحالف النسائي الدولي عام 1923، وفي النهاية في عام 1949 أغلقت منازل البغاء بقـرار عسكري، ثـم أصـبح البغاء مجرمًـا قـانـونًـا بعـد ثورة 1952. وأوضحت الكاتبة أن الرائدات المصريات ربطـن البغاء بالامتيازات الأجنبيـة في مصر، وحاولن توسيع إدراك عضوات التحالف النسائي العالمي بذلك. لكن لم تستطع النسويات المصريات التأثير على نساء التحالف الدولي للمطالبة بإلغاء الامتيازات الأجنبية في مصر حينما ربطتها بالبغاء، ولكنها استطاعت ذلك عندما ربطت الامتيازات بحق الجنسية للزوجة. حيث كانت المرأة حينما تتزوج من أجنبي تسقط جنسيتها وتعطى جنسية زوجها. وفي قضية البغاء تحديدًا تناولت الكاتبة الموضوع بشكل أوسع لارتباطه بالقوانين العالمية والاستعمار والرق.

الفصل الحادي عشر – والذي تختتم به الكاتبـة الجـزء الثاني، بعنوان حـق الاقتراع والمواطنة” – تتناول فيه الكاتبة مطالبة النساء بحق التصويت والممارسة السياسية، فهـن كـن على أمل أن يتمتعن بكامل الحقوق السياسية والمواطنة بعد الاستقلال، وما زاد من هذا الأمل أن جاء دستور 1923، ومادته الثالثة التي تقضى بمساواة جميع المصريين، ومادته الـ 74 و82، اللتان منحتا جميع المصريين حق الاقتراع، ولكن عند صدور قانون الانتخابات، منع النساء من حق التصويت وأعطى هذا الحق للرجال فقط. ومن هنا تشرح الكاتبة بدء نضال مصر وكفاح النساء للحصول على حقهن، وتقول إنهن بدأن بالعمل السياسي كطريق للمطالبة بالحقوق السياسية، واشتبكن في كل التقلبات التي حدثت في البلد آنذاك، واتخذن طرق عـدة للمطالبة بحق التصويت، وأثرن الموضوع أيضًا في مؤتمر التحالف النسائي الدولي. وأثير الموضوع بجدل واسع على صفحات الجرائد، وأخيرًا في عام 1956 منح النظام الثوري في مصر النساء الحق في التصويت والانتخاب. وفي الحقيقة هذا الفصل تحديدًا تُظهر فيه الكاتبة النضال المستميت للنساء والسبل العديدة التي سلكنها لتحقيق مرادهن، ويـنـم عـن تفكير وإيديولوجية واضحة أمام أعينهن، ووعيهن السياسي الذي جعلهن يعـرفـن مـن يساندهن لاقتناعه بالفعل ومن يساندهن لأغراضه السياسية الشخصية المؤقتة.

الجزء الثالث والأخير من الكتاب يحمل عنوان الدائرة المتوسعةويتكون مـن فـصـل واحد هو الفصل الثاني عشر وعنوانه النسوية العربيةويتناول باستفاضة دور الاتحاد النسائي المصري في التنظيم المؤسسي للحركة النسوية الممتـدة عـبر البلدان العربية. وتبدأ الكاتبة بعرض سريع للحركة النسوية في فلسطين ومشاركة النساء الفلسطينيات في النضال ضد الاستعمار البريطاني وضد الحركة الصهيونية. ثم تنتقل إلى دورا الاتحاد النسائي المصرى في دعمهن والتضامن معهن ووضع القضية الفلسطينية أمام المجتمع الدولي. وتضامن الاتحاد النسائي المصرى مع نسـاء العـرب لـدعم القضية والدفاع عـن فلسطين، وتشرح باستفاضة السبل التي سلكتها النساء للدفاع عن الأراضي المقدسة، والاحتجاجات التي قدمنها والمؤتمرات التي دعين إليها . وتحت عنوان حدود النسوية الدوليةتناولت الكاتبة الجدل الذي ثار في مؤتمر التحالف النسائي الدولي عام 1939، والذي شاركت فيه النسويات المصريات، والوفد النسائي اليهودي القادم من فلسطين، وشاءت الظروف غياب النسويات العربيات، حيث تعامل التحالف النسائي الدولي بغير عدل مع القضية الفلسطينية بحجة أن التحالف لا يتدخل في الشئون السياسية للدول، وهنا رأت النسويات المصريات أن التحالف ينظر إلى المسائل التي تهدد السلام وإهدار العدالة بشكل ما عنـدما يتعلق الأمر بفلسطين، ويشكل آخر عندما يتعلق الأمر بأوروبا. مما دفع هدى شعراوى وزميلاتها للتفكير في إنشـاء اتحاد نسائي عربي، وبالفعل دعون النسويات من كل البلدان العربية، وعقـد المؤتمر النسائي العربي في القاهرة 1944، وكان موضوعه هو الوحدة العربية، ووحـدة النساء العربيات، ووحدة النساء والرجال. وعرضت الكاتبة فاعليات المؤتمر ومطالبه ونتائجه. وفي نهاية الفصـل قـدمت الكاتبـة شرحًا للأحـوال الـتـي تـعـرض لها الاتحاد النسائي المصري في الأربعينيات إلى أن وقف عمله عام 1956، وتم تغيير اسمه إلى جمعية هدى شعراوي، التي كُرست للأعمال الخيرية.

في النهاية يعتبر هذا الكتاب مؤرخًا جيدًا للحركة النسوية في مصر وتفاعـل النسـويات المصريات مع النسويات العربيات والعالميات، وتفاعلهن مع القضايا السياسية وإصرارهـن على الوجود فيها، كما توضح الكاتبة فكر النسويات المصريات الواعي المتفهم لمواقف الغير سواء داعمين أو غير داعمين، كما تشرح استعانة النساء بمواقـف مـن في صالح قضاياهن وقبولهن واستنادهن إلى الدين الإسلامي لدعم مطالبهن، وينفي الكتاب إشكالية أن النسوية وفكر النسوية يأتينا من الغرب، حيث تستشهد الكاتبة بقصص بسيطة في حياة النسويات من واقع مذكراتهن، والتي هي قصص تحدث لمعظمنا لكوننا ولدنا نساء، وتعرض الكاتبـة بـين سطور الكتاب تأثير الحركة النسوية على الأدب، وتأتى بـنـاذج عـدة مـن الـروايـات التـي تتخللها رؤية للقضايا المثارة بشأن النساء ومطالبهن، كما تصـقـل كتابهـا بـأجزاء كثيرة مـن المقالات أو الاحتجاجات التي قدمتها النساء خلال نضالهن، وتنم المصادر التي ينتهي بها الكتاب عن قراءات عديدة ومتنوعة، ومذكرات لشخصيات عديدة بالإضافة إلى مذكرات النسويات، ومقابلات مع شخصيات معاصرة، وبقراءة هذا الكتاب يعرف القـارى بتاريخ الرائدات النسويات المشرف واللاتي لنضالهن ندين بما نحن فيه من مكاسب عديدة حصلت عليها النساء.

 

وسام كمال : مساعدة منسقة برنامج منتدى الشابات بمؤسسة المرأة الجديدة.

(*) مارجو بدران: رائدات الحركة النسوية والإسلام والوطن. ترجمة : عـلى بـدران، القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، 2000.

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي