ضائعة بين الموجات؟

تاريخ النشر:

2005

ترجمة:

ضائعة بين الموجات؟

مفارقات الكرونولوجيا النسوية والعمل الناشط المتعلق بها في بولندا المعاصرة

بصفتي نسوية وكاتبة وأكاديمية بولندية، أجد موقف بعض الغربيين حسني النية الذين يأتون في زيارة لا تزيد عن يومين إلى بولندا مضحكًا، وذلك حين يعبرون عن قلقهم من أن الحركة النسوية حتما ليس لها مكان بلدي بصفتها موطن البابا، ويعزون ذلك إلى «إنكم شديدو المحافظة هنا، أليس كذلك ؟» أو «أنكم كاثوليكيون متدينون للغاية». والحقيقة أن الحركة النسوية البولندية لها مكان، بل هي بالفعل، على الرغم من تمزقها الداخلي في أغلب الأحيان نتيجة لعدم الثقة الكافية بالنفس. ونحن نتزايد عدديا كحركة ذات أبعاد سياسية وثقافية وفكرية يومًا بعد يوم، ونصبح أكثر راديكالية مع مرور الساعة. ومن المحتمل جدًا أن نكون على عتبة شيء جدید، شيء يتخطى ما تعودنا عليه من توجهات سياسات النوع الاجتماعي البولندية، شيء يقاوم كرونولوجيات «الموجات، وهو التعبير الذي اعتيد استخدامه لوصف الحركات النسوية في الغرب. وهذه الورقة تهدف إلى استكشاف ما يشوب هذه اللحظة الثقافية من تعقيدات في سياق التوقعات المضمنة في مصطلح «الموجات» المجازي، وتلك المضمنة أيضا في الميثولوجيا الوطنية البولندية.

1- النسوية والثقافة البولندية

المساهمات في في خريف 1996، تضمنت مجلية «بلينم جلوسيم» (بصوت عال)، وهي الدورية النسوية الوحيدة من نوعها آنذاك في بولندا، ملفا من المناقشات الحيوية بشأن مدى وجود أو بالأحرى عدم وجود الحركة النسوية في بولندا. ادعت معظم الكاتبات في ذلك العدد، وأنا منهن، أنه على الرغم من مرور سبعة أعوام على بزوغ الديموقراطية إلا أنه لا يمكن الوقوف على أي أثر لوعي نسوي وبالتأكيد أي أثر لأي حركة نسائية في ثقافتنا. اتفقنا على احتمال وجود بعض النسويات القليلات، ولكنهن كن معزولات ولم يكن أحد يعيرهن إلى حد كبير أي اهتمام. وسقنا آنذاك العديد من العوامل التاريخية والنفسية والاقتصادية التي تفسر مثل ذلك الوضع المؤسف، وبالتالي كانت نغمة النقاش مشبعة بالمرارة والشعور بالقهر والبكاء على الأطلال. رأت إحدى الملف أن النسوية البولندية في طور النمو وهي موجودة في شكل لا سياسي. اعتقاد النساء البولنديات، وإن كان سرا، في تفوقهن على الرجال، ونظرتهن إلى الرجال على أنهم مثل الأطفال وأنهم تعوزهم الكفاءة (6 Wegierek). وعارضت كاتبة أخرى هذه الفرضية قائلة إن هذا الوعي «النسوي البكر» المفترض ليس إلا آلية تعويضية نجدها دائما في الثقافات الذكورية التي تقهر النساء. وأشارت كاتبة ثالثة إلى عدم جدوى هذا النقاش بأسره لأن بولندا مثلها مثل بلدان أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية وآسيا قد فاتها قطار النسوية، وأضافت أن النساء في هذه الثقافات لم يشعرن أبدًا على مر السنين بأي هوية مشتركة أو جماعية، كما أنهن لم يدركن أبدًا التمييز الواقع عليهن ولم يشككن على الإطلاق في وجوب انتمائهن إلى العائلة كمؤسسة (13 Limanowska). ولم تجادل سوى اثنتين من الكاتبات، وكلتاهما من متمثلاً في هيئة تحرير المجلة، بأن النسوية البولندية موجودة بالفعل، على الرغم من اتفاقهما بأنها بالكاد ينطبق عليها مسمى حركة (29 Walczewska, “Feminism?” 25; Kozak).

اعتمد رأيي آنذاك على رؤية ليبرالية تفسر غياب النسوية، وهي رؤية أنا في تشكك منها اليوم أكثر مما كنت آنذاك. كان رأيي هو أن مقاومة النسوية ما هي في الواقع إلا امتداد لما تحمله الثقافة البولندية من شك دفين إزاء قيمة النزعة الفردية individualism. مناهضة النسوية تنبع من أخلاق القطيع التي تقطع الطريق على خروج الأيديولوجيات القائمة على بعض القيم من أمثلة استقلالية الإنسان وقدرته على اتخاذ قراراته بنفسه وتقرير مصيره والمجازفة (21 Graff, “Feminism”). وقبل ذلك ببضع سنوات كانت عالمة الاجتماع ميرا ماوردي(1) قد تقدمت بحجة مماثلة في ورقة أثارت جدلا واسعا تحت عنوان «لماذا أنا لست نسوية؟» Why I am not a Feminist?. كانت مارودي قد ادعت أن تكون الهويات (بما في ذلك الهويات النوعية) في الثقافة البولندية قد حدث في سياق الجماعية العائلية familial collectivism التي تتحدد الهويات في ظلها من خلال توجه أخلاقي جماعي يفضل الإجماع والتناغم على الاستقلالية والحكم الذاتي (وهو ما وصفته بأخلاق القطيع في المثال المنشور في 1996). في سياق هذه الثقافة، ينظر مسبقا إلى النسوية على أنها دخيلة ومصدر خطر. وفيما بعد اقترحت إيوا سيدير ونكو(2) تصحيحًا شيقًا لهذه الحجة خرجت فيه بأن «المكون» الذي تفتقر إليه الثقافة البولندية ليس الفردية بقدر ما هو «الشراكة الاجتماعية» أو ما أسمته associability. بمعنى آخر، تفتقر الثقافة البولندية إلى توجه جماعي واضح، إلى الاستعداد للعمل مع الآخرين ومن أجلهم، إلى الرغبة في مساعدة الناس حتى ولو كانوا من غير أفراد العائلة، وهو موقف مرتبط بالسياسة الحديثة. تزعم سيديرونكو أن عقود اشتراكية الدولة قد أنتجت هويات ضيقة تضرب بجذورها عميقًا في القيم المرتبطة بالوطن والعائلة والدين، أي الفضاء الخاص. فرض مثل هذا التوجه لإعادة فرض النزعة التقليدية retraditionalization لأن الأسرات وفرت ملاذا آمنا من هيمنة الفضاء العام الشيوعي الفاسد على حياة الأفراد الخاصة وتدخله فيها. وهكذا «يمكن ربط معاداة النسوية في بولندا بديناميكية مناهضة للحداثة، وهي ديناميكية الشيوعية التي منعت خروج مختلف الهويات الاجتماعية بينما كونت في الوقت نفسه شكلاً من الفردية مناهضا لما هو سياسي في توجهه» (Sidorenko 4)

إذا كنت أستشهد بهذا الحجج، فليس ذلك لإني أجدها عميقة، ولكن لأني أجد أن الزمن قد عفى عليها بشكل غريب. تقدم هذه الحجج شروحا لظاهرة أرى أنها في طريقها السريع إلى أن تصبح ماضيا منسيا، وهذه الظاهرة هي مناعة الثقافة البولندية ورفضها للخطاب والوعي النسويين. ومن المسلي إعادة قراءة هذه المقالات والتساؤل عن الحال الذي يمكن أن يكون عليه هذا النقاش الآن. إن كل المساهمات في Pelnym Glosem جميعا باستثناء واحدة قد أصبحن ناشطات الآن في شيء يتردد حتى الإعلام اليميني في الإشارة إليه «كحركة نسائية». وأيا ما كان تعريف المرء للنسوية (ونحن نتجادل حول التعريفات أيضا بما لا يقل عن أخواتنا الغربيات)، فما من شك أن النسوية قائمة في بولندا الحالية. فهي حركة اجتماعية، وأسلوب تفكير، ومناظرة إعلامية، ومقولب محل سخرية شديدة و«موضة» في المجلات النسائية. وبالإضافة إلى ذلك، فهي مجال أكاديمي مزدهر، فهناك العديد من البرامج الدراسية المتخصصة في النوع الاجتماعي (في وارسو وكراكو ولودز)، بالإضافة إلى عشرات المراكز والمنظمات غير الحكومية النسائية، كما تنظم أيضًا أعدادًا لا تحصى من دوائر النقاش وورش العمل وفصول الدفاع عن النفس، والتحالفات على امتداد بولندا لدفع النساء في السياسة، وهناك مكتبة نسوية على الإنترنت، ومجموعة تدعى شارع الأخوات (Ulica Siodtrzana) تنظم مخيمات صيفية للنساء، ومجموعة مسرح نسوي. كذلك تنظم العديد من المظاهرات النسوية التي يشارك فيها المئات بالشوارع، ومؤخرًا حتى آلاف من الداعمين، وتنظم الكثير من المؤتمرات النسائية شهريًا ليختار المرء منها ما يشاء. ولدينا خمس مجلات نسوية تتراوح من المجلات شديدة الأكاديمية إلى المجلات التي يقبل عليها العامة، بالإضافة إلى أعداد لا تحصى من الكتيبات النسائية والمواقع على شبكة الإنترنت والنشرات التنظيمية. وأخيراً وليس آخراً، هناك قائمة طويلة من الكتب النسوية تتراوح موضوعاتها من التاريخ الأدبي النسائي إلى السياسات المتعلقة بالنساء، وهذه الكتب عديدة وعليها إقبال كبير إلى الحد الذي أدى إلى ظهور أرفف تحمل عنوان «كتب النوع الاجتماعي، أو اكتب نسائية» في العديد من المكتبات المتخصصة في بيع الكتب.

نحن موجودات، ما من شك في ذلك. ولكن على الرغم من ذلك، ويا للسخرية، تبدأ الهوية النسوية للعديد من النساء البولنديات بكتابة مقال أو بالمشاركة في حوار يكون الافتراض الأساسي فيه هو أن «النسوية البولندية» ما هي إلا جمع للأضداد، أي مصطلح يجمع بين لفظتين متناقضتين. ومن الواضح أننا في 1996 كنا مخطئات في تشاؤمنا، أو ربما كان علينا آنذاك أن نكون متشائمات بما أننا قد أسسنا تشخيصنا وتوقعاتنا على إيمان راسخ بعدم إمكانية تأثر عقلية الناس بالتغيير السياسي أو الاقتصادي عندما يتعلق الأمر بعلاقات النوع الاجتماعي. وفي الواقع، فإن الأعوام التي تلت 1989 قد جاءت بتغيرات عميقة في القيم والمواقف، وهناك من الحجج ما قد يثبت أن مواقف النساء والعلاقات القائمة على النوع الاجتماعي قد تغيرت بشكل جذري. في 1993، أوضحت مارودي لماذا ليست نسوية، ووصفت نفسها بأنها محصنة ضد الأيدولوجيات ووصفت الثقافة البولندية بشكل عام بالتمركز حول الأسرة هي بشكل يصعب شفاؤه. وفي عام 2000، اشتركت نفس الكاتبة مع أخرى في كتابة نص يحكي قصة مختلفة تمام الاختلاف تحت عنوان «تغيير صور الهوية في بولندا: من المرأة المضحية بذاتها إلى المرأة المستثمرة لإمكانياتها ؟»، وهو دراسة مثيرة للجدل قائمة على تحليل مقارن للمجلات النسائية قبل التحول إلى الديموقراطية وفيما بعدها. وتخلص مارودي وبوليذوك إلى أن النموذج القديم للمرأة البولندية كـ «ضحية شجاعة» (الأم دائمة المعاناة التي تكرس حياتها بأكملها لعائلتها) قد توارى مفسحًا الطريق للنموذج الأمثل «للمرأة المستثمرة لإمكانياتها» (المرأة العاملة التي تمتلك حسًا قويًا من الاستقلالية الشخصية وتمتلك زمام أمورها). وفي منتصف السبعينيات، دأبت النساء على كتابة خطابات إلى مجلاتهن المفضلة «يوضحن فيها بشكل مستمر دورهن كأمهات حكيمات ورقيقات يربين ليس فقط أطفالهن بل وأزواجهن أيضًا. (162) وتبنت المجلات كلية هذه التوجهات. وارتبطت صورة الزوجة المدبرة المضحية بنفسها بصورة الزوج الذي هو في الواقع «طفل كبير» بحاجة إلى اهتمام دائم وبحاجة أيضاً إلى من يزيد ثقته بنفسه (164). وفي 1994، بدأت المجلات النسائية في تقديم مجموعة مختلفة تمامًا من الهويات المتعلقة بالنوع الاجتماعي. وفقًا لمارودي وبوليذوك: «منذ 1989 أصبحت صورة المرأة المثلى والأكثر جاذبية هي المرأة العاملة التي تستمد سعادتها…. من نجاحها في العالم الخارجي» (174).

ربما نختلف حول ما إذا كان هذا التغير القيمي الذي روجت له المجلات الملونة الفاخرة قد قابله تحول ضخم في الهويات المتعلقة بالنوع الاجتماعي أم لا، فهذه المجلات قبل كل شيء تعمل في تجارة بيع الأحلام أكثر من تغطية التغير الاجتماعي. ولكن حتي إذا ما افترضنا أن الأحلام تعكس نوعًا من التغير العقلي، فنحن لا نعلم بوضوح ما إذا كان هذا التحول نحو الفردية والاستهلاكية يوفر بالضرورة مناخًا مواتيًا لظهور النسوية. فالمرأة «المستثمرة لإمكانياتها» ليست نسوية إلا إذا عرفنا النسوية برفض المرأة لأن تكون ضحية. ومع ذلك، فإننا إذا سرنا على خطى التفسير الليبرالي الذي يربط بين تحرير المرأة والفردية، سنجد أن الثقافة البولندية يجب أن تكون حقا على استعداد لاستقبال النسوية. وواقع الأمر هو أن الآراء النسوية تلقي قبولاً كبيرًا خاصة بين الشابات المتعلمات (وأغلبيتهن من الحضر) اللاتي لا يكدن يتذكرن اشتراكية الدولة، وتميل تلك الشابات إلى اعتبار أنفسهن في مواجهة الصورة التقليدية «للضحية الشجاعة». ويكمن الخطر في أن مثل هذا الوضع قد يهمش الحركة النسوية ويقصر على النخبة لأن ذلك هو مصير أي حركة اجتماعية تقوم على نموذج هوية لا يمكن سوى للأقلية التي تتمتع بامتيازات الوصول إليه، ومع ذلك فقد واجهت نسويات الموجة الثانية في الغرب نفس المشكلة إلى أن تصدين لها في آخر الأمر.

إن ما يجعل النسوية البولندية مثيرة، وما يجعلها مليئة بالمفارقات من وجهة نظر تاريخ الحركة بالشكل المكتوب في الغرب هو أنها تجمع بشكل فريد بين سياسات الموجة الثانية ومحاور الموجة الثالثة وتكتيكاتها. فأهدافنا تتعلق بالحقوق الإنجازات الأساسية، والعنف الأسري والحصول على أجر متساو مقابل نفس العمل، وتظهر العروض التي نؤديها في الشوارع ما يستتبعه النموذج المنزلي من عمل شاق وممل ومع ذلك فإن هذا المضمون، الذي يذكرنا بالبيانات الرسمية للموجة الثانية والمظاهرات التي كانت مجموعة ويتش WITCH تنظمها في الشوارع، والمقالات. أمثلة «سياسات العمل المنزلي»، التي كتبها بات ماين أردي he Politics of 1970,Housework يتبدى لنا في شكل شديد الغرابة يتناغم كثيرًا مع موجة النسوية الثالثة. فإما أننا قد فقدنا طريقنا بين الموجات، أو أننا بحاجة إلى الخروج بتعبير وصفه لحركتنا يذهب إلى ما هو أبعد من استعارة الموجات.

إن أحد المحاور الهامة التي تميز نسوية الموجة الثانية والثالثة في الولايات المتحدة هي التحول من سياسات الهويات إلى التشكك في وجود هوية ثابتة من الأساس ومدى موضوعية هذه الهوية.

ومن المثير للدهشة أن العديد من النسويات البولنديات يعشن حيوات متعددة نفس الوقت، فيعملن أكاديميات جادات، وكاتبات لأعمدة في المجلات النسائية ومؤديات في العروض التي تنظم في الشوارع، ومنظمات جادات للأحداث السياسية وإذ نتقاذف الهويات ونبدلها كلاعبات السيرك، فنحن إلى حد ما ضائعات الموجات. فمن ناحية، كثير من العمل الذي نقوم به يقع بالضبط في إطار الموجة الثانية، من حيث التركيز على بناء برامج لدراسات المرأة في المؤسسات الأكاديمية، وعلى رفع الوعي وإعادة اكتشاف تاريخ النساء (على سبيل المثال نسوية القرن التاسع عشر ودور المرأة في حركة تضامن Solidarity) أو المبادرات من أمثلة الخروج بنسخة بولندية من كتاب «أجسادنا، ذواتنا» Our Bodies, Ourselves. ومن ناحية أخرى، فإننا نقوم ببعض العمل الناشط الذي يميز الموجة الثالثة مثل مجموعات الهيب هوب النسوية، والمناقشات التي تنظم على شبكة الإنترنت.

 

إذا كانت النسوية البولندية غير ذات طابع ثابت من حيث تألفها من عناصر منتقاة من مصادر أخرى، فهي على وعي شديد إن لم يكن مفرط الحساسية بذلك، حيث تتميز النسوية البولندية بالفحص المستمر لأفكارها وذاتها وبالسخرية أيضًا من ذاتها، وإن كانت ربما أقل انغماسا في ذاتها مقارنة بالموجة الثالثة الغربية. ومن ناحية أخرى، فإن الخطاب العام في بولندا حول حقوق النساء هو مزيج غريب من بلاغيات رد الفعل العكسي وخطاب ما بعد النسوية المشتت وخطاب «أيام زمان» المشبع بكراهية النساء، وهو خطاب يخلو من أي تفكر في النفس أو نقد لها على الإطلاق. لكن علينا أن نقر أيضا بأن الإعلام يفسح مجالا من حين لآخر للنسوية، فنحصل على صفحة أو اثنتين في مجلة نسائية، أو بضع دقائق في أحد البرامج الحوارية المشهورة talk show، وقد نحصل على 30 ثانية أو ما شابه ذلك في الأخبار المسائية في بعض المناسبات، خاصة عندما تقدم تظاهرات 8 مارس/ آذار صورًا زاهية الألوان للنسويات الغاضبات، إلا أن الرأي العام البولندي بشكل عام يستقبل الآن رسالة واضحة وإن كانت تتسم بالتناقض: لم يكن للنسوية أي وجود من قبل، النسوية انتهت، النسوية نكتة جنسية، النسوية تهدد القيم العائلية والتقاليد البولندية. وفي القلب من كل ذلك يتعرش منظور للتاريخ البولندي ينكر حتى إمكانية وجود حركة نسائية. وهذه رواية مألوفة للغاية، ونادرًا ما يتشكك الناس في مصداقيتها حتى أنها قد تحجرت في شكل أسطورة.

وفيما يلي أركانها الأساسية:

1) لم يكن لبولندا موجة نسوية أولى، فقد كان شغلنا الشاغل هو النضال من أجل الحصول على الاستقلال الوطني لا الأمور التافهة من قبيل حقوق المرأة.

2) لم يكن لبولندا موجة نسوية ثانية، فقد كان الرأي مختنقا بسبب النظام الاستبدادي، وكانت حمالات الصدر المحتمشة تعز على النساء إلى الحد الذي يتعذر معه حرقها.

3) النساء البولنديات محصنات اليوم ضد النسوية، فهي تشبه الماركسية بشكل زائد عن اللزوم، ونحن نعلم جميعًا ما يعنيه ذلك.

وبالإضافة إلى ذلك، هي أرض النساء القويات المستقلات، نساء ما بعد النسوية من جميع الأنواع اللاتي يدركن قيمتهن ويقشعرن استهجانا من مجرد فكرة «التمييز» إنما من يحتاج إلى التحرير والتمكين هم رجالنا «الغلابة» الذين يشبهون الأطفال أعزاؤنا الذين يعوزهم حس المسؤولية، أطفالنا الكبار الذين أخصتهم سنوات النظام الاستبدادي.

ونجد الإعلان عن حصانة بولندا ضد التحدث عن حقوق النساء في الكثير من المطبوعات التي تتراوح من جرائد «الفرقعات» الصحفية المبتذلة إلى المجلات الفكرية واقع الأمر هو أن النقاش الوارد في دورية Pelnym Glosem في 1996 الملخص أعلان يظهر أن النسويات أنفسهن قد قبلن على الأقل جزئيًا بهذه الخرافة. ففي ذلك الوقت، لم يكن لدينا إلا حس ضعيف بتاريخنا الشخصي، وكان النظر إلى النسوية: کوارد غربي جزءًا مما نطلق عليه «الأشياء البديهية» أو المسلمات. ولم تدرك العديدات منا بوجود تراث نسوي يمكن بل يتوجب الرجوع إليه كمصدر للإلهام وكباعث على الاستمرار إلا عندما نشرت سلاوميرا والكروبيسكا(3) رائعتها «الهوانم والفرسان والنسويات» Damy, rycerze feminiski التي تفكك فيها الخطاب الخاص بتحرير النساء في بولندا القرن التاسع عشر وتعيد تركيبه، بينما واصلت وسائل الإعلام الإصرار على أنه فيما يخص بولندا على الأقل فإن النسوية قد ماتت حتى قبل أن تسنح لها فرصة الخروج إلى الحياة.

طالما كانت النسويات الأمريكيات على وعي بوجود ترابط فريد من نوعه بين كثافة التغطية الإعلامية السلبية وقوة الحركة النسائية الحقيقة عوضًا عن ضعفها. توضح إريكا يونج(4) أنه بحلول 1998 كانت جريدة التايم Time قد أعلنت موت النسوية على الأقل 119 مرة منذ 1969. وقد أشارت كل من جنيفر بومجاردنر وإيمى ريتشاردز(5) إلى هذا الرقم برضى واضح في كتاب بعنوان «مانيفستا» أو البيان النسوي (Manifesta (1993 يهدف إلى إقناع الرأي العام الأمريكي بأن النسوية هي أبعد ما تكون عن الموت. ووفقًا لهؤلاء وغيرهن من كاتبات الموجة الثالثة، فقد ظهر على الساحة جيل كامل جديد من ناشطات حقوق المرأة في الفترة بين القصة التي نشرت في النيوزويك Newsweek بقلم إيبلنج(6) تحت عنوان «فشل النسوية» “The Failure of Feminism” في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 1990 ونسختها الأخرى Bellafante في التايم Time الصادرة في 29 يونيو/ تموز 1998 بعنوان «هل ماتت النسوية» “Is Feminism Dead?” (والمشهورة باستخدامها لصورة من مسلسل تليفزيوني يدعى إلى ماكبيل Ally McBeal كدليل على زوال النسوية). وفي فصل يطبق تحليل فالودي لرد الفعل العكسي إزاء النسوية على مرحلة التسعينيات، توصف كل من جنيفر بومجاردنر وإيمى ريتشاردر مجموعة كاملة من الاستراتيجيات التي استخدمها الإعلام السائد لتشويه قضايا النساء وإساءة تمثيلها (87-125). وما يقصد أنه بذلك هو توضيح أن يحدث في ثقافة قد تأثرت بشكل عميق بالحركة النسائية، وهي الحقيقة التي تجاهلها أو همشها خطاب رد الفعل العكسي الأجوف بغطرسة شديدة.

وقد نتوقع أن كتابي Backlash بقلم فالودي Manifesta بقلم جنيفر بومجاردنر وإيمي ريتشاردز قد كتبا مثل الخرافات من زمن بعيد، ولكن ذلك ليس صحيحًا تمامًا. فوسائل الإعلام البولندية تستخدم أكثر الاستراتيجات الواردة في هذه الكتب، ولكن ثمة عاملين يزيدان من تعقيد المنطق المعادي النسوية المتوقع، ألا وهما: 1) صغر السن النسبي لكل من الديموقراطية في بلادنا وحركتنا النسائية وهو ما يضعنا في موقع من حيث التعامل مع رد الفعل العكسي قبل اختبار أي تقدم نسوي حقيقي، و 2) وجود سياق سياسي يجعل حقوق النساء رهينة للفخر الوطني وعملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي بسبب سلطة الكنيسة الكاثوليكية الحقيقة أو بالأحرى سلطتها الزائفة، كما سأحاول أن أوضح ذلك فيما بعد. تعتمد النسخة البولندية من بلاغيات رد الفعل العكسي على تناقض صارخ، فيقال إن ثقافتنا فريدة لسببين لا يمكن في الواقع الجمع بينهما. أولهما هو أن حقوق النساء رفاهية لا يسعنا تحمل تكلفتها، وثانيهما أننا لا نحتاج إلى حقوق النساء لأننا نعيش في ظل نظام ماتريركي أو أموي. لا يمكن أن يكون كلا الرأيين صحيحا، ومع ذلك يبدو أن العديد من الناس، بما في ذلك السياسيون والصحفيون والمفكرون، يعتقدون فيهما معا في نفس الوقت. وهي أيدولوجيا تحجب حقيقة عدم المساواة وتبررها في آن واحد بينما تؤكد على حس مبهم من الفخر الوطني في وجه خطر خارجي لا يقل عنه إبهامًا.

إن فكرة أن حقوق النساء رفاهية لا تحتاج شرحا، فهي نمط تاريخي منتشر في أنحاء جميع العالم تطالب في ظله النساء بأن ينتظرن وألا يطالبن بحقوقهن إلى أن تمر الأزمة، أو تنتهي الحرب، أو إلى أن يجرى الوفاء باحتياجات أخرى أكثر إلحاحًا. أما فكرة النظام الماتريركي فهي إلى حد ما خاصة بثقافتنا ولا نجدها في جميع الثقافات، على الرغم من أنها على العديد من الأوجه تذكرنا بالمقولبات المنطبقة على النساء الأمريكيات من أصل أفريقي من ناحية، وأيديولوجيا التدجين الخاصة بالقرن التاسع عشر من ناحية أخرى. والقيم المحورية التي يجري التأكيد عليها هنا هي التحمل والقوة الروحية والحب والاحتضان كمصادر لنوع أنثوي فريد من القوة والتأثير. ولاستيعاب جاذبية هذه الفكرة في بلدي، دعوني أذكركم بأن مريم العذراء، التي لقبت مراراً «بملكة بولندا» تحتل موقعا محوريا في تعاليمنا الدينية وخيالنا الجماعي. ثم انظروا في تراث الفروسية البولندية والتقاليد المتعلقة بفتح الأبواب للسيدات وتناول المعاطف وتقبيل الأيدي التي يؤديها الرجل باحترام مبالغ فيه لـ «الهوانم». والآن، أضيفوا إلى ذلك خرافة «الأم البولندية» الرومانسية، أم الأبناء الوطنية التي ترسل بأبناءها إلى ساحة القتال ليموتوا فداء الوطن. الشهيدة الصامتة التي ترعي الجميع، ولا تشتكي لأحد ولا تبكي إلا عندما تنفرد بنفسها. وهي بالطبع تجسد بذلك الشكل التمهيدي «للضحية الشجاعة» كما وصفتها كل من مارودي وبوسزكزوك(7)، وأنثي المرحلة الشيوعية العطائة المدبرة. فعندما يتعلق الأمر بالنساء، يسارع الجميع إلى مساواة المعاناة بالقوة ويُنظر إلى التضحية على أنها نوع من الانتصار. وتتقاطع بلاغيات الخطاب الوطني مع الخرافات المتعلقة بالنوع الاجتماعي بشكل مفرغ مما يخلق هوية مائعة من «الجدارة» و«القوة» و«التحمل» للنساء الممتثلات للمعايير التقليدية والملتزمات بها. دعونا الآن نرى كيفية تأثر هذه الأيدولوجيا بمرحلة التحول إلى الديموقراطية.

في منتصف الثمانينيات، عندما بدأت أوروبا الشرقية في الانفتاح على الغرب، أصبحت معاداة النسوية إحدي السلع التي كان هناك لهف شديد على توريدها. وبدأت الأيديولوجيا البولندية، التي تدور حول القوة النسوية المكتسبة من خلال التضحية، في التنافس مع خرافات رد الفعل العكسي التقليدية التي وصفتها فالودي والامتزاج بها. وتعلمنا أن النساء قد فقدن دفتهن الطبيعي بسبب النسوية، وأن فرصة قتل النساء فوق الثلاثين تفوق فرصة تزوجهن، وأن الرجال في يومنا هذا المقهورون. ولا يقصد بذلك أن بولندا كانت دوما الطرف المستقبل في عملية البث الثقافي، بل على العكس، فقد كان بعض ممن أسهموا في فكر رد الفعل العكسي من عندنا مثيرين للإعجاب (على الرغم من أنهم في الغالب لم يكونوا مفهومين بالنسبة للغربيين). على سبيل المثال، قدمت Seksmisja (أو مهمة جنسية) وهي إحدى أعمال الخيال العلمي الكوميدية التي نالت شهرة واسعة في 1983 رؤية للنسوية على أنها نظام استبدادي كتيب. يتحدث الفيلم عن دولة جميع سكانها من النساء وذلك لأن الرجال انقرضوا، وفي النهاية تسقط هذه الدولة بفضل رجلين تعيسين علقا في عالم النساء عن طريق الصدفة. ساعدهم الفيلم على تأصيل الربط بين الشوعية والنسوية في خيالنا الجماعي، وذلك قبل نقطة التحول التي حدثت في عام 1989. وقد لاقى الفيلم نجاحًا كبيرًا أيضًا في الاتحاد السوفيتي سابقًا وفي ألمانيا الشرقية. ومن المساهمات الأكثر حداثة في ثقافة رد الفعل العكسي عمل كوميدي آخر بعنوان Tato (أو بابايا) 1995، وهو تنويع رديء على الفيلم الشهير الذي يدعى Fatal Attraction (أو الجاذبية المميتة). ومن المثير أن نجد أن المرأة الشريرة التي تتعامل بأدوات حادة والتي غرقت فيما بعد في بانيو الحمام لم تكن العشيقة بل زوجة البطل المختلة عقليًا. فنجدها تتآمر مع أخريات لحرمان زوجها الذي لا حول له ولا قوة من ابنته المحبوبة. يمكن النظر لما يشوب «نهاية الفيلم السعيدة» من عنف على أنه انتقام متأخر للقوى الأسطورية للأم البولندية، نوع من التأديب الشعائري للأنثي الجامحة أو للأنثى التي تشذ عن نموذج الأم البولندية. إن رسالة الفيلم واضحة: لقد فاض الكيل أيتها النساء، سوف نتولى نحن الأمر الآن. كان الجمهور يشعر بسعادة غامرة، ولكن، وكما أوضحت في موضع آخر، كانت ضحكات النساء مفتعلة إلى حد ما مقارنة بالرجال (72- 268 Graff, Swiat bez kobiet).

ومع ذلك فإن معظم منتجات رد الفعل العكسي التي تُسوق في بولندا. هي مجرد ترجمات واقتباسات، بعض كتب المساعدة الذاتية والمجلات النسائية التي تخبر قارئاتها كيف يمكن أن يستعدن رجالهن الذين «طفشتهم» النسوية، نسخ بوب من علم النفس التطوري الذي يثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن الرجال والنساء من جنسين مختلفين تمام الاختلاف، أو أنهما حقا من كوكبين مختلفين، وبعض الصور المألوفة لنسويات غير حليقات الساق يكرهن الرجال. وتقدم الكنيسة الكاثوليكية والأحزاب شديدة المحافظة نسخة اليمين الجديد، وتحافظ في واقع الأمر على صلات وثيقة بنظرائها الأمريكيين. ونجد وسائل الإعلام البولندية سعادة في إعلان أن معظم البولنديين يفضلون أن يسكنوا بجوار عميل شيوعي سابق على إحدى النسويات ((Skrok and Dolecki 33

وينقلنا ذلك إلى مسألة شيقة: هل من الضروري أن يكون للناس بعض المعرفة بالنسوية من أجل استيعاب رسائل رد الفعل العكسي؟ أرى أنه سيكون من المفيد أن تكون قد سمعت على الأقل «بميرفي براون»(8) قبل مشاهدة «ألي ماكبيل»(9)، أن تكون قد تدبرت على الأقل فكرة أن العلاقة الصحية بين الجنسين يمكن أن تقوم على المساواة والأهداف المشتركة قبل الانضمام إلى الجماهير المعجبة بسلسلة «جون جراي (10) الصادرة تحت عنوان Mars and Venus (أو المريخ والزهرة). إن الأمر يختلف اختلافا كليا عندما تطلع على آراء أخرى حول سياسات النوع الاجتماعي قبل الوقوع في غرام بريدجت جونز(11)، أو عندما تسمع كلمة «النوع الاجتماعي» قبل قراءة عبث علم النفس التطوري عن «الاختلافات الطبيعية» بين الرجال والنساء. وأيًا ما كان حجم الأثر المدمر لرد الفعل العكسي إراء النسوية فإنها في آخر الأمر ليست إلا أثراً جانبيًا للتحول الثقافي العميق الذي اكتسح البلدان الديمقراطية الغربية. وما تيار «ما بعد النسوية» في أمريكا إلا بالضبط كما يوحي به الاسم، أي رد فعل للنسوية وذيل لها. ولكن في ظل ثقافة محافظة لم تختبر النسوية الحديثة على الإطلاق، يكون لمصطلح «ما بعد» نوع من الرنين المختلف تمام الاختلاف. وبشكل عام يمكن القول إن الأثر الثقافي للنسوية الحديثة قد تمثل في زعزعة الاعتقاد بعدم إمكانية تغير تقسیم الأدوار وفقا للنوع الاجتماعي كما عهدناها (أو كما عرفتها المجتمعات الغربية في الستينيات) لأنها «طبيعية». لقد نشرت النسوية بين الجماهير الرأي القائل بإمكانية التفاوض من جديد على الأدوار النوعية للرجال والنساء. والآن يقال للرأي العام البولندي إن تقسيم الأدوار النوعية بشكل بطريركي أو أبوي يضرب بجذوره إلى خطة الطبيعة الأم، دون أن يتعرض البولنديون إلى الرأى القائل بعكس ذلك. بعبارة أخرى، يمكن القول إنه على الرغم من أن بلاغيات رد الفعل العكسي هي في الواقع رد فعل غاضب على تقدم النساء في الغرب، فإنها في بولندا ما هي على الأغلب إلا نفس بلاغيات الخطاب القديم المحمل بكره النساء لا غير.

جزء من المشكلة هو أن الأوقات التي نعيشها الأنه ليست راديكالية، خاصة في بلدان ما بعد الشيوعية التي تتميز ثقافتها السياسية بالبغض الشديد لأي شيء يحمل أثر للماركسية. وتدين نسوية الموجة الثانية بالفضل في الكثير من نجاحها للمناخ المتفجر الذي ساد في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات حين أظهر الأمريكيون والأوربيون الغربيون استعدادا غير مسبوق لتدبر الأفكار الراديكالية بما فيها الأفكار النسوية. كانت آلاف النساء على استعداد «لاستيعاب» الرأي القائل بأن «ما هو شخصي سياسي»، وأن «الأختية» sisterhood يمكن أن تكون مصدرًا للقوة. وقد اكتسبت بالفعل حياة النساء الشخصية معنى سياسيًا، وأصبحت الحركة النسائية، لمدة عام أو اثنين، «أختية» هائلة القوة. وجاءت الثمانينيات باستعداد «للاستماع» إلى مجموعة جديدة من الرسائل والأفكار، وأصبحت الأختية شيئا من الماضي، ولم يعد ما هو شخصي سياسيًا بعد الآن. وأضحت كل المشاكل التي يواجهها كل الأشخاص، وبشكل خاص النساء، مرة أخرى تعزى إلى أسباب نفسية. إذا كان الراديكاليون قد تحدثوا عن «القهر» و«المقاومة»، فقد كانت المفاهيم الرئيسية لثقافة رد الفعل العكسي هي «الإدمان» و«الشفاء» بمعني العودة إلى وضع نفسي سوي.

وتقنعنا إلاين رابينج (12) برأيها في أن ثقافة خطاب العلاج النفسي بالشكل الذي يستخدم فيه في البرامج الجماهيرية أو الحوارية، ومجموعات الإثني عشر خطوة المتنوعة وكتب المساعدة الذاتية موجهة بالأساس إلى النساء. وتوظف حركة العلاج النفسي العديد من الاستراتيجيات النسوية مع تفريغها من ميزتها السياسية. وبالإضافة إلى ذلك، فلثقافة العلاج النفسي رسالتها الخاصة بشأن النوع الاجتماعي التي تسير في الطريق المعاكس تماما للرؤية النسوية، ويمكن تلخيص هذه الرسالة في كلمة واحدة، لا وهي الاختلاف. الرجال من المريخ والنساء من الزهرة، كما يقول جون جراي ، رائد المساعدة الذاتية الأمريكي صاحب أكثر الكتب رواجا في الولايات المتحدة والذي ظلت كتبه تتصدر قائمة أفضل المبيعات لسنوات عديدة في بولندا. وعلى العكس من النسوية، تتعامل ثقافة المساعدة الذاتية مع الاختلاف في النوع الاجتماعي على أنه أحد المعطيات التي لا يمكن تغييرها ولكن التي يمكن للمرء في الوقت نفسه أن يتعلم كيفية التعايش معها. الرسالة واضحة وتبعث على التفاؤل، فما ظنناه ظلمًا ما هو في الواقع إلا مجموعة من الاختلافات «الطبيعية» بين الجنسين! وبالطبع تكمن المشكلة في أن الثقافة البولندية لم تأخذ فكرة الظلم أبدًا على محمل الجد.

وفي الستينيات، قطعت بيتي فريدان(13) مع قرائها الطريق من «المساعدة الذاتية» إلى «الحركة النسائية» (فقد كان كتاب The Feminine Mystique أو غموض الأنثى في النهاية ينتمي إلى طائفة كتب المساعدة الذاتية الموجهة لربات البيوت المحبطات). وبعد ذلك بعشرين عامًا، انقلبت الثقافة الأمريكية على عقبيها، ورجعت من حيث بدأت. ولكن ماذا يحدث عندما يهاجر رد الفعل العكسي إلى ثقافة كانت تراقب النسوية بشكل مبهم من وراء ستار حديدي كأحد الأعراض المثيرة لما يشعر به الغربيون الأغنياء من ملل وانحلال؟ ماذا يحدث عندما تقرأ النساء اللاتي يختبرن عدم المساواة بشكل يومي كإحدى صعوبات الحياة المسلم بها، واللاتي لم يسمعن قط بـ «التمييز» أو «التحيز الجنسي»، كتب المساعدة الذاتية التي تخبرهن بأن النسويات هن الملومات على جميع مشاكلهن؟ ما معنى «الاختلاف» في ثقافة لا تملك في لغتها مرادفا لمصطلح Gender «النوع الاجتماعي»؟ تتمثل إحدى الإجابات الواضحة تلك الأسئلة في أن ما يحدث هو ببساطة تعزيز للمقولبات التي سادت قبل ظهور النسوية. في بولندا لم يحدث أبدا أن زعزعت حركة جماعية الاعتقاد بأن الرجال (بحكم الطبيعة) أقوياء وأكثر قدرة على المنافسة بينما النساء عاطفيات وخنوعات (بحكم الطبيعة أيضًا). طالما «عرفنا» أن الأولاد أفضل في الرياضيات ويلعبون بالسيارات والرشاشات بينما البنات يتميزن عنهم بالنميمة ويلعبن بالدمي. والآن يمكننا أن نجد النسخة العلمية لهذه الحقائق البيئة في كتاب آن موير ودافيد جيسل الصادر تحت عنوان Brain Sex: The Real difference between Men and Women (أو المخ المذكر والمخ المؤنث: الاختلاف الحقيقي بين الرجال والنساء)، وهو ملخص غير دقيق لكل ادعاءات البيولوجيا الاجتماعية التي تفتقر إلى الإثبات الكافي بشأن الاختلاف في النوع الاجتماعي. وفي الغرب، لم يعر الرأي العام الكتاب انتباها، بل إنه انتقد على أنه عمل صحفي سيئ وهجوم غير مبدع على النسوية، أما بولندا فقد قُدم الكتاب بكل فخر على أنه «علم»، وأصبح مثار استشهاد الجميع من تلاميذ المدارس الثانوية إلى السياسيين.

اعتقد أن التيار السائد في الثقافة البولندية قد أصبح رغما عن أنفه مضادًا للنسوية بسبب مصادفة تاريخية. بلغة الكرونولوجيا الغربية، فقد فاتتنا فترة الستينيات الراديكالية وحصلنا على جرعة مضاعفة من فترة الثمانينيات المحافظة. وبينما كانت أوروبا الشرقية تعيش العقود الأخيرة للحكم الاستبدادي، قطعت المجتمعات الغربية شوطًا كبيرًا فيما يتعلق بحقوق النساء والأدوار الاجتماعية. في سياق أوروبا الشرقية يكتسب تحليل رابينج (15) لثقافة الشفاء في كتابها المعنون The Culture of Recovery (أو ثقافة الشفاء من المشاكل النفسية)، من حيث كونها تحولا من «السياسي» وعودة إلى «الشخصي»، بعدًا شيقًا. ففي ظل الحكم الاستبدادي تعلم الناس عدم الوثوق في أي شيء يُطرح تحت اسم «السياسة» لأن الدفاع عن النفس ضد الدولة الاستبدادية الاقتحامية أخذ شكل بناء هياكل أسرية محافظة عميقة وآمنة، وهو ما يسميه سيدورنكو(16) إعادة فرض النزعة التقليدية retraditionalization، وفي هذا السياق بدت مجرد فكرة النسوية في حد ذاتها ضربا من الجنون بما تدعيه من أن الشخصي هو السياسي. ومن ناحية أخرى فإن رسالة رد الفعل العكسي على الرغم من أنها واردة من سياق ثقافي مختلف تمام الاختلاف بدت منطقية جدًا، وقدمت وصفة للسعادة مكوناتها رفض السياسي وتفضيل الشخصي، وذلك بالضبط هو ما دأب الأوربيون الشرقيون على القيام به لعقود.

وقد تلقي فكرة الاقتباس الثقافي الانتقائي والمتأخر ببعض الضوء على المناقشات البولندية حول ما يسمى الكياسة السياسية Political Correctness، ويقصد بذلك انتقاء اللغة والسلوك والمواقف بعناية لتجنب الإساءة إلى أي شخص أو تجريحه. لم تخضع أوروبا الشرقية أبدًا لأية سياسات تعليمية أو اجتماعية للقضاء على استخدام لغة مهيئة للنساء أو الأقليات في الخطاب العام، إلا إذا حسبنا الرقابة الشيوعية التي لم تكن حساسة بشكل خاص إزاء ما يتعلق بالنوع الاجتماعي. فحتى وقت قريب جدًا، لم تكن هناك أية تغطية إعلامية على نطاق واسع للدعاوي القضائية المتعلقة بالتحرش الجنسي. التحيز الجنسي والعنصرية (وبشكل خاص معاداة السامية) حيان يرزقان بين قطاع كبير من المجتمع والإعلام البولندي. وعلى الرغم من ذلك، يخرج صحفي من حين لآخر بقصيدة هجاء ضد شياطين التصحيح السياسي الذين يتربصون بنا لحرماننا من حرية التعبير التي ذقنا الأمرين للحصول عليها. بإيجاز يمكن القول إن الثقافة البولندية في حالة رد فعل على شيء لم يحدث لها من الأساس وهو وجود مواقف واتجاهات تقدمية في الخطاب العام السائد.

وقد تكون أشكال سوء الفهم الناتجة عن التقاء الثقافات على هذا النحو غريبة في بعض الأحيان، حيث يمكن لحركات رد الفعل العكسي أن تكون سببا كما اتضح في صحوات نسوية. أخبرتني إحدى طالباتي يوما أنها سمعت كلمة «تحيز جنسي» لأول مرة بينما كانت تشاهد حلقة من بيني هيل(17)، التي ظهر فيها بيني في زي مخنث (باروكة ونظارات عجيبة وفستان) مستضيفا عرضا تليفزيونيا عن «القمع الذي يحمل تحيزاً جنسيا» في الإعلام. وكانت طالبتي على اقتناع بأن «التحيز الجنسي» تعبير جديد لم تسمع به أبدا من قبل. وقد اعتقدت أيضا أن تنكر بيني يهدف إلى توضيح موقف امرأة محافظة من الجناح الأيمن أغضبها العري وأثار حفيظتها. لقد كانت تشاهد أحد منتجات ثقافة رد الفعل العكسي (فقد كان بيني في الواقع يسخر من النسوية المعادية للإباحية) ولكنها كانت تفتقر إلى حتى الحد الأدنى من الثقافة التي تؤهلها لفك شفرات الرسالة. وحيث إنها لم تتعرض للأفكار النسوية من أساسه، لم تفهم النكتة على الإطلاق، ودفعها ذلك إلى أن أصبحت مهتمة بأن تتعلم. وبعد مرور عام شارکت نفس الشابة في التظاهرة التي نظمت في 8 مارس/ آذار 2000 للاحتجاج على التمييز ضد المرأة في سوق العمل. ولعبت دورا في أحد العروض التي تنظم في الشارع حوء سوء معاملة الحكومة البولندية للممرضات (مرتدية باروكة ونظارات عجيبة وفستان). وهنا يمكن إثارة سؤال شيق ربما تصعب الإجابة عليه. هل هذه الشابة التي تحولت إلى النسوية بفضل أحد منتجات رد الفعل العكسي إزاء النسوية تنتمي إلى الموجة الثانية أم الموجة الثالثة؟

في منتصف عملية التحول إلى الديمقراطية التي جرت في 1989، اتضح للبعض بولندا أن الحرية الإنجابية على وشك أن تقيد في ضوء نجاح الكنيسة الكاثوليكية كسب تأييد الكثيرين، على الرغم من عدم إدراك إلا القليل آنذاك بقوة وعزم مجموعات مناهضة الحق في الاختيار أو الحق في الإجهاض. ولكن الصدمة جاءت في مارس/ آذار 1990 عندما صادقت حركة «تضامن» Solidarity، وهي الحركة العمالية التي حققت الاستقلال لبولندا على قانون يحظر الإجهاض حظراً تامًا. وقد ذلك في موجة من الشقاق داخل معسكر معاداة الشيوعية الذي كان يبدو عليه الاتفاق والتناغم الكلي، غير أن القطاع النسائي لحركة «تضامن» أعلن التزامه بحرية المرأة الإنجابية. وبعد عدة أشهر، عارض القطاع النسائي مشروع قانون جديد صادر عن مجلس الشيوخ يفرض قيودا وعقوبات شديدة على كل من الأطباء والممرضات. في ربيع 1991، وبعد سلسلة من التحذيرات، حُل قطاع المرأة، مما تسبب في إحباط غاضب وأدرك الناس أن بولندا الديمقراطية الجديدة كانت طريقها إلى المحافظية الشديدة، وأن الديموقراطية لا تكفل حقوق المرأة في هذا السياق. وبالتالي، بدأت الحركة النسوية في وضع جدول أعمال تتقاطع فيه الأبعاد السياسية والتاريخية. وفي أبريل/ نيسان 1991، شكلت الدائرة البرلمانية النسائية من عضوات ينتمين لأحزاب متعددة، بما في ذلك بعض الشيوعيات السابقات وعضوات حركة تضامن (كان هذا التحالف صادمًا آنذاك).

مرت عشر سنون، والإجهاض محظور الآن (إلا في حالات الاغتصاب وزنا المحارم والحالات التي يشكل فيها الحمل خطراً على صحة المرأة أو في حالات تشوه الجنين). ولم تزل الحرية الإنجابية المطلب الأساسي للحركة النسوية البولندية، فهي موضوع نتحدث ونكتب عنه ونحلم به ونهتف له، وهي موضوع يشكل إلى حد كبير هويتنا وصورتنا على الساحة العامة. وقد يبدو الأمر كما لو كانت قضيتنا قضية خاسرة، لأن الإجهاض محتوم عليه أن يجرم في بلد كاثوليكي، ولكن الأمور ليست بمثل هذه البساطة، تكمن المفارقة في أن ما يقرب من نصف السكان في بولندا يؤيدون الإجهاض. وحتى وقت قريب أظهرت استطلاعات الرأي أن 60 ٪ من السكان يؤيدون حق المرأة في تقرير ما إذا كانت تريد أن تضع نهاية لحملها أم لا إذا كانت متعسرة ماديًا، وأظهرت دراسة حديثة أن 44٪ من البولنديين يوافقون على منح المرأة هذا الحق، بينما يرى 38% أن مجرد وجود وضع «شخصي» صعب يكفي لمنحها الحق (Centrum Badania Opinii Publicznej) (الرأي). ومع ذلك، ينظر إلى المطالبة بعدم تجريم الإجهاض على أنها خارجة عن المألوف وأنها رأي لا يتوجب حتى التعبير عنه. ويؤنب على الفور أي شخص يثير هذا الموضوع المحرم ويطالب بالسكوت: «ليس الآن»، «ليس هنا»، «دعونا لا نبدأ حربا أيديولوجية». ويساعد السياسيون من كلا الجناحين الأيمن والأيسر (لأسباب مختلفة) على عدم الطعن أو التشكيك في مصداقية هذا التابو. وتكمن مفارقة أخرى في تحمس النسويات الشديد للاتحاد الأوروبي وسياساته بشأن المساواة بين النوعين، في الوقت الذي توجه إلينا اتهامات على الدوام بأننا نشكل خطرا على عزم بولندا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. «هل يؤثر النضال من أجل عدم تجريم الإجهاض سلبا على عملية انضمام بولندا إلى الاتحاد الأوروبي؟» أحد العناوين الرئيسية التي جاءت في أكبر جريدة يومية في بولندا Gazeta هذا هو “Wzborcza “Klopot في 5 يوليو/ تموز 2002. جاء المقال ردًا على تقرير حديث حول حقوق الصحة الإنجابية والجنسية وقرار مصاحب له صادر عن البرلمان أكد السياسيون والمعلقون البولنديين الذين تعرض التقرير لآرائهم على الأوروبي. يقينهم بأن أي حديث عن حقوق المرأة الإنجابية يمكن أن يؤثر سلبًا على عملية الانضمام، وهذا الرد متوقع إلى حد كبير. فكالعادة يُذكر النقاد البولنديون البرلمان الأوروبي بشكل لبق بأنه لا يجوز له التطفل في شئوننا «الداخلية» في حين لا تُذكر النسويات البولنديات بنفس القدر من اللباقة بوجوب سكوتهن بل يهددن بأنهن إن لم يسكتن «فذنبهن على جنبهن». الرسالة واضحة بشكل مؤلم. لقد صرخت بها إحدى أشهر الصحفيات وتدعى مونيكا أليجنيك(18) يوما في وجهي ووجه صديقتي كازيميرا سزوكي (19)، وكان ذلك قبل دقيقة واحدة من مقابلة لنا على الهواء مباشرة في مارس/ آذار 2002 عقب تظاهرة لمناصرة حق المرأة في الاختيار أو في الإجهاض كنا قد ساعدنا في تنظيمها. فبينما كانت مونيكا أليجنيك تقودنا إلى الاستوديو، توقفت النجمة الإعلامية فجاءة وصرخت قائلة: «هل فقدتما عقليكما؟» هل تريدان أن نضيع فرصة انضمامنا إلى أوروبا؟ لقد اخترتما أسوأ توقيت لإثارة موضوع الإجهاض. أنا أم لطفل، وأريد له أن يكون أوروبيا. أنتما تفتقران تماما لأي حس بالمسئولية. «لا يساورني شك أن مونيكا تناصر حق المرأة في الإجهاض، فمثلها مثل معظم النخبة السياسية والفكرية في بولندا، تعلم مونيكا أن حظر الإجهاض يفتقر إلى الإنسانية والفعالية. ومع ذلك، فإنها كانت من دون شك تعتقد أنه لا مجال لتغيير هذا الوضع. ومثلها مثل الكثيرين غيرها، فقد استسلمت للحملة التي نسقتها الكنيسة الكاثوليكية بمهارة فائقة، وهي الحملة التي أجد الصعب أن أصفها بوصف آخر غير الابتزاز.

قبل أيام من ظهورنا على التليفزيون، كان مركز نسائي بوارسو قد عقد مؤتمراً صحفيًا يتعلق بما يسمى Women’s Letter 100 (أو خطاب النساء المائة) وهو شكل من الاحتجاج موجه إلى البرلمان الأوروبي مطالبًا بفتح نقاش عام حول الحقوق الإنجابية في بولندا وقعته بعض من أكثر النساء البولنديات تحققا وشهرة (بما فيهن فيسلافا شیمبوریسکا(20) الحاصلة على جائزة نوبل والمخرجة السينمائية أجنيسكا هولاند)(21) وفيما يلي نص الوثيقة:

عقدت اتفاقية فريدة من نوعها بين الكنيسة الكاثوليكية والاتفاق هو والحكومة فيما يتعلق بانضمام بولندا إلى الاتحاد الأوروبي، أن تدعم الكنيسة الانضمام إلى أوروبا مقابل قيام الحكومة بغلق باب النقاش حول إعادة النظر في قانون حظر الإجهاضإن حقوق المرأة تباع وتشترى خلف ستار انضمام بولندا إلى الاتحاد الأوروبي. ويصاحب ذلك خطاب يتسم بالتحيز الشديد. تعامل حماية الحياة التي لم تولد على أنها دوجما موضوعية، بينما يتحدث الناس عن الإجهاض لأسباب اجتماعية بين علامتي تنصيص ويتعاملون معه على أنه ادعاء «إيديولوجي» من قبل النسويات اللاتي يحاولن إضفاء شرعية على قتل الأرواح. كذلك تصاعد مؤخرًا خطاب الكراهية. فقد وصف أحد كبار المسئولين بالكنيسة، الأسقف تاديوز بيرونيك(22)، المفوضة الرسمية الجديدة للحكومة فيما يتعلق بالمساواة بين النوعين، إيزابيلا جارجوا نواكا(23)، التي تنظر في مسألة الحاجة إلى إدخال التعليم الجنسي الموثوق به في المدارس وفي الحاجة أيضًا إلى تبسيط قانون حظر الإجهاض، بأنها «إسمنت نسوي لن يتغير حتى إذا عولج بحامض» («خطاب مفتوح»).

ونظرًا لشهرة الموقعات على الخطاب، لم يكن بوسع وسائل الإعلام تجاهل الاحتجاج، غير أن معظم ردود الأفعال جاءت راشحة بالازدراء. ووصف معلقو الجناح الأيمن الخطاب على أنه عار ودعوة للقتل بينما مالت بعض الأصوات من الوسط إلى اليسار إلى اعتباره خطأ استراتيجيًا فادحًا، ودليلاً واضحًا على عدم إلمام النسويات على الإطلاق بالسياسة وافتقارهن إلى حس الدعابة (بمعنى أننا لم نستمتع بنكتة الأسقف حول الأسمنت.

في بولندا تدرك النسويات جيدًا أنه أبدا لن يأتى «الوقت المناسب» لإثارة النقاش حول حقوق المرأة الإنجابية، وذلك لأن بعد انضمامنا إلى الاتحاد الأوروبي سيكون الوقت ربما قد فات للقيام بذلك، وهو الشيء الذي يعلمه الأسقف جيدًا ويتقاعس السياسيون عن الاعتراف به. فبعد الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي سيكون علينا أن تعمل جاهدين على تحقيق حلم البابا الطوباوي، ألا وهو «تمسيح أوروبا». أرى أن «خطاب النساء المائة» إنجاز هام للحركة النسائية في بولندا، بل ربما كان طفرة. فهو أول بيان عام لشهيرات حول قضية نسائية، وهو علامة على أنهن مهتمات بالأمر وعلامة أيضا على وجود نوع من «الأختية» يتعدى نطاق الدوائر النسوية الضيقة والثابتة. لفت الخطاب الانتباه من الناحية السياسية لما كان جليا بالنسبة لنا ولما كان في الوقت نفسه غير مذكور. علم الجميع بوجود اتفاق صامت فيما يتعلق بالإجهاض والانضمام إلى الاتحاد الأوروبي: «مساومة» بين من جاءوا بعد الشيوعيين وبين الكنيسة على حساب النساء. علم الجميع ذلك ولم يذكره أحد. وقد كانت حقا كل المحاولات التي هدفت إلى إنكار ما جاء بالخطاب غير فعالة على الإطلاق، فمن الواضح أننا نجحنا في طعن الأسد في نقطة حساسة.

منذ ما يقرب من عشرة أعوام كانت مالجورزاتا فوسزارا (24) تقول إن «المناقشات البرلمانية التي تجري حول الإجهاض في أغسطس/ آب وسبتمبر/ أيلول أيلول 1990 وفي 16 من مايو/ آيار 1991، بما يصاحبها من مناورات لغوية جوفاء، لمن بين أفضل الأمثلة على تعافي العملية الديموقراطية والحياة البرلمانية والفضاء العام». (241) وأكدت أيضًا على أن هذه المناقشات قدمت مجالاً يسمح للسياسيين بالتعبير عن قيمهم المتضاربة وبتجريب مختلف أنواع المحاجاة ويسمج لهم أيضًا ببناء تحالفات. ولم تكن هناك إشارة إلا فيما ندر إلى حق المرأة في التحكم في خصوبتها، فقد كانت الانقسامات السياسية الجديدة تتمحور حول مصير «الجنين الذي لم يولد بعد». فكما توضح أحد البوسترات التي صممتها باربرا كروجر (25)، فقد أصبح جسد المرأة ساحة قتال ينحت فيها السياسيون هويتهم من أجل النظام الديمقراطي الجديد.

وبولندا ليست استثناء في هذا الصدد. فكما تؤكد بيجي واتسون(26) فقد بدأت الحكومات الديموقراطية الجديدة في أوروبا الشرقية في استخدام سلطاتها بتقييد حقوق المرأة الإنجابية. على مدى عام 1989، وفي الأعوام التي تلته، كان معظم من في السلطة بشكل واضح من الرجال. وبالتالي يصعب الاتفاق مع مالجورزاتا فوسزارا على أن ما كسبناه أثناء المناقشات حول الإجهاض كان حقا ساحة ديموقراطية للنقاش العام، فعلى العكس من ذلك اعتقد أن هذه المناقشات قد وضعت قيوداً صارمة على الديموقراطية. ففي القلب من هذه المناقشات كان مقدار السلطة التي يمكن لمؤسسة واحدة تفتقر بشكل عميق إلى الديموقراطية، وهي الكنيسة الكاثوليكية، أن تتمتع به في بولندا، وبالطبع مقدار عجز النساء وافتقارهم لأي نوع من أنواع السلطة. وقد أصبح حظر الإجهاض رمزًا لهذا الصراع. وبعد رفض مشروع قانون يقضي بعقوبة الحبس لمدة عامين للأطباء والنساء المتورطين في الإجهاض، قبلت الحكومة البولندية عام 1993 عن مضض بما يشار إليه في العادة بـ «قانون حل الوسط»، وهو في الواقع ثاني أكثر قانونين على مستوى أوروبا تشددًا فيما يتعلق بحظر الإجهاض. وعلى الرغم من هذا القانون قد استحدث من قبل حكومة منتخبة ديموقراطيا إلا أنها اختارت، تحت ضغط الكنيسة، أن تتجاهل إرادة أغلبية الناخبين و 1.2 مليون توقيع يطالب بإجراء استفتاء وطني حول مسألة الإجهاض. ولكن رأي الكنيسة كان «لن يكون هناك استفتاء على قتل الأجنة»، وبالفعل لم ينظم أي استفتاء، وأضافت الكنيسة: «لن يثار أي كلام حول هذا الموضوع». وبالفعل سكت معظمنا وهكذا بدأ حكم الأسد.

إن حقيقة افتقار المرأة لحق التحكم في خصوبتها اكتسبت ثقلاً رمزيًا هائلاً في بولندا. يمكن الدفع بأن حظر الإجهاض مع تنامي عمليات الإجهاض السري في الوقت نفسه قد خلق سياقًا حُولت فيه المرأة إلى مواطنة من الدرجة الثانية وخارجة عن القانون، حيث أصبح اتخاذ المرأة لقرارات أو اختيارات واعية وأخلاقية حول حياتها الإنجابية يستدعي على الأقل التفكير في خرق القانون. وإضافة إلى ذلك، فمنذ فشل حركة المطالبة بإجراء استفتاء، مثل هذا الحظر نفوذ الكنيسة وقدرتها على تقويض العملية الديموقراطية نفسها، وأوضح أيضًا أن النخبة السياسية على استعداد للاستسلام لضغط رجال الدين.

غني عن الذكر أن الكاثوليكيين المتشددين يعتبرون القيود المفروضة على الحرية الإنجابية حجر الأساس لما يسميه البابا «ثقافة الحياة» مقابل «ثقافة الموت» التي يفترض أنها منتشرة في البلدان الغربية التي تطبق نظام الديموقراطية القائم على الليبرالية. إن بولندا في طريقها إلى «تمسيح» أوروبا، سواء أراد البولنديون ذلك أم لا، فمن الواضح أن إرادة البولنديين ليست ذات صلة بالموضوع. في وثيقة بعنوان «الأساقفة البولنديون في وجه الإدماج الأوروبي» (21 مارس/ آذار 2002) توضح هيئة الأساقفة البولندية رؤيتها لتقسيم العمل فيما يتعلق بالوجود البولندي في أوروبا. يفترض من الحكومة وفقًا لهذه الوثيقة التركيز على القضايا الاقتصادية والسياسية مع التفاوض على أفضل الشروط الممكنة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. أما الكنيسة فيفترض منها تولي النواحي الروحية والأخلاقية للإدماج، «إن هدف الكنيسة الأساسي هو تقديم الخلاص وهي ترغب في أن يتقدم توسع الاتحاد الأوروبي يدا في يد زيادة الوعي بما يقع في القلب من كل الجهود المبذولة نحو التكامل والاتساق الشخصي للإنسان وكرامته غير القابلة للتصرف التي سبغها الرب عليه حين خلقه». (مقتبسة من 32 Dunin) بعبارة أخرى، إن مسئولية من ننتخبهم ديمقراطيا هي النقود، بينما تتولي الكنيسة المسائل المتعلقة بالروح والأخلاق والضمير، وبالطبع الحرية الإنجابية.

وبالنسبة لمن هم على دراية ببلاغيات الكنيسة الكاثوليكية، فإن الإشارة إلى «الإنسان» و«كرامة الإنسان» هي في الواقع شفرات لحظر الإجهاض والقتل الرحيم، وإلغاء التوعية الجنسية في المدارس والتمييز ضد المثليين الجنسيين سواء من الرجال والنساء، وتصعيب الحصول على الطلاق بقدر الإمكان. ودعونا ننظر في المزيد من المصطلحات الطنانة: «فالحياة البشرية»- كما يستخدم مسئولو الكنيسة هذه العبارةتشير إلى حياة الجنين، و«حقوق الإنسان» هي حقوق الجنين، و«كرامة المرأة الخاصة» هي مرادف لافتقارها إلى التحكم في خصوبتها، و«قتل المواطنين البولنديين» بالطبع هو الإجهاض. وقد نجحت هذه اللغة الفريدة بكونها خليطا من المعاني الأسطورية والميلودرامية والوطنية في شل النقاش العام في بولندا. تقول كينجا دونن(27)، إحدى أكثر النسويات اللبقات في بولندا إن الاتفاق الصامت على وجوب ترك مسألة القيم للكنيسة هو في الواقع نتيجة لاستسلام المعسكر الليبرالي في وجه تعارض الخطابين.

نحن نواجه طريقًا مسدودًا فيما يتعلق بالتواصل، وهو الأمر الذي خططت له الكنيسة ثم استثمرته لصالحها. ووفقا لدونن، فقد اتسمت المناقشات حول الأخلاقيات والأسرة وحقوق النساء في بولندا منذ أوائل التسعينيات بالانفصام الأيدولوجي لأنه لا يمكن أن يكون هناك حوار حقيقي بين الخطاب الليبرالي حول الحرية وحقوق الإنسان، وبسبب وجود خطاب ديني تحسمه «إرادة الرب» و«الحقيقة المطلقة» و«القانون الطبيعي». في الواقع، لقد انسحب المعسكر الليبرالي ببساطة من النقاش حول القيم تاركًا الساحة للكاثوليوكيين المتشددين (4- 32 Dunin).

ووفقًا لواندا نويكا(28)، إحدى أكثر الناشطات البولنديات تحمسًا والتزامًا بالدفاع عن الحق في الإجهاض، يمكن اعتبار الجهود التي بذلت لجمع التوقيعات على العرائض والالتماسات المتعلقة بالاستفتاء على الإجهاض في أوائل التسعينيات، حركة المدنية هائلة باتجاه الديموقراطية على الرغم من ذهابها هباء. وقد حشدت أعدادا هائلة من الرجال والنساء دفاعا عن حرية المرأة الإنجابية في وجه ضغط الحكومة: أدرك الناس أن الصراع من أجل عدم تجريم الإجهاض كان صراعا من أجل الديموقراطية الحقة» (Nowicka Ban on Abortion) وأشك في إمكانية وجود مثل هذه الحركة في يومنا هذا وذلك لأن العديد من الناشطات السابقات المدافعات عن حق المرأة في الإجهاض قد انزلقن مرة أخري إلى السلبية والامتثال. فالحمل غير المرغوب فيه يحدث النساء أخريات غيرنا»، وإذا ما حدث ذلك لنا أو لإحدى صديقاتنا، «تدبر» العملية مثلما كنا ندبر إمكانية الحصول على السلع النادرة في ظل الشيوعية. لم يعد ينظر إلى افتقار المرأة إلى القدرة على اتخاذ القرار عندما يتعلق الأمر برغبتها في. الإنجاب من عدمه على أنها مسألة سياسية، فقد نجحت ضغوط الكنيسة في الدفع بالحمل غير المرغوب فيه مرة أخرى إلى نطاق الخبرات شديدة الخصوصية بل والمشينة.

وتعتقد العديد من النسويات، وأنا منهن، أن هذا الهدف لا يقل إلحاحًا عن نقل قضية الحرية الإنجابية مرة أخرى إلى الفضاء العام، ومن هنا يأتى «خطاب النساء المائة» والمكان الذي يحتله الحق في الإجهاض كمحور مركزي في تظاهرة يوم المرأة التي نظمت في وارسو في 2002.

وإذ ينظم سياسيو الجناح الأيسر حملات «للرب» في الاتحاد الأوروبي، ليس هناك مجال من الناحية السياسية كما يبدو للطعن في وضع الكنيسة كطرف ناشط في اللعبة السياسية، حيث تستخدم الكنيسة الابتزاز كتكتيك في لعبة انضمام بولندا إلى الاتحاد الأوروبي والثمن واجب الدفع هو السكوت عن حق النساء في الاختيار. وأريد أن أزيد هنا أن هذا الموقف ليس فقط عارا من الناحية الأخلاقية، وفضيحة إذا ما نظرنا إليه من زاوية العملية الديموقراطية، بل هو موقف غير ضروري على الإطلاق. فأنا أنظر إلى الاتفاق الذي أبرم مع الكنيسة على أنه عمى سياسي (وعبث) من جانب الحكومة، وسوء تقدير استراتيجي ناتج عن النظرة المشوهة للدور الذي يلعبه الدين في بولندا. وأعتقد «بصراحة» أن تهديد الكنيسة بالحيلولة دون الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي هو خداع في خداع، ولدي ثلاث حجج لدعم رأيي، كل منها تكفي في حد ذاتها. 1) لا تتمتع الكنيسة إلا بالقليل من التأثير الحقيقي على الناخبين في بولندا. إذا كان بإمكان القساوسة أن يؤثروا على مجرى الانتخابات لما تمكن من جاءوا بعد الشيوعية من أن يحكموا بولندا الآن. 2) إن تأثير مجلس القساوسة على القساوسة في الأبريشيات محدود للغاية. وهكذا فإنهم إذا اختاروا أن يعارضوا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، فسيفعلون. وواقع الأمر هو أن هناك ميلاً للربط بين القساوسة الذين لا يزالون قادرين على التأثير على الناخبين وبين محطة راديو شديدة المحافظة تدعى العذراء Radio Maryja، وهؤلاء القساوسة سيئو السمعة إذاعة مريم بسبب عدم طاعتهم لمجلس الأساقفة. ولسوف تطلب الإذاعة وأصدقاؤها من الناس أن يصوتوا ضد الانضمام إلى أوروبا بصرف النظر عن الأوامر الصادرة من أعلى، و3) لقد اتخذ الفاتيكان قراره بالفعل. البابا جون بول الثاني يريد بولندا في الاتحاد الأوروبي، يجب أن نأتي بالرب إلى الليبراليين الذين لا رب لهم، يجب «تمسيح» الغرب. ولا يمكن للكنيسة البولندية أن تعكس هذا الاتجاه حتى لو رغبت في ذلك.

بإيجاز، إن الورطة التي نحن فيها وهمية، وما من داع لها، وحقيقة أننا في هذا الورطة توضح مدى نفوذ الكنيسة في بولندا (ولكن من المهم التمييز بين النفوذ السياسي والنفوذ الأخلاقي). وإذ تمكنت بالدفع بالحرية الإنجابية خارج نطاق النقاش العام، أوضحت الكنيسة تمتعها بعبقرية سياسية حقيقية، وتمكنت من ترهيب أولئك الذين في السلطة (اليسار) بسلاح لا يمكنها استخدامه (وهو التأثير على الناخبين) للحصول على ما تريده (السكوت فيما يتعلق بمسألة الإجهاض).

يمكن تحليل النسوية البولندية من خلال سلسلة من المفارقات. إنها حركة بدأت نموها بنكران وجودها، وهي تستخدم استراتيجيات الموجة الثالثة لتحقيق الأهداف التي اعتيد الربط بينها وبين موجة النسوية الثانية. والنسوية البولندية قائمة في مناخ ثقافي من رد الفعل العكسي إزاء النسوية لم تسبقه أية انجازات نسوية. وأخيراً كما حاولت أن أوضح فإن الموقف السياسي لكل المنخرطين في الصراع من أجل حقوق النساء في بولندا يتسم بالمفارقة. لقد علقت النسويات آمالا كبيرة على انضمام بولندا إلى الاتحاد ذلك فقد طولبنا بالتخلى عن آمالنا، وعن السكوت فيما يتعلق بمسألة الأوروبي، ومع الاختيار الإنجابي حتى تتمكن بولندا من الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي دون أن تعوقها الكنيسة الكاثوليكية. ومن الواضح أن مهمة الحركة النسائية هي كسر هذا الصمت، والطعن في القيم التي تقف بشكل دائم خلف هذا الصمت. ولسوف يتضمن ذلك بناء استراتيجية إعلامية أكثر فعالية، وعلى الأغلب سيفضي إلى جعل يتضمن الحركة أكثر راديكالية، أي أننا يجب أن نكون مستعدات للدخول في نزاع مفتوح مع الكنيسة، ومستعدات للتعرض للتأديب بسبب هذا الطيش من قبل جميع أطراف المشهد العام، ومن أجل جعل الآخرين يستمعون لنا، نحتاج إلى أن نأخذ أنفسنا بشكل أكثر جدية كفاعلات مستقلات على الساحة السياسية، كمجموعة ضغط ذات قائمة مشروعة المطالب والمثاليات. لقد بدأنا ندرك أن جهودنا تتعلق بما هو أوسع من الحرية الإنجابية. فإن الصراع حقوق النساء على المدى الطويل هو في الواقع صراع على شكل النقاش العام في بلدنا، وبصراحة، هو صراع أيضًا على شكل الديمقراطية في حد ذاتها.

أجنيشكا جراف: أستاذة مساعدة في مركز الدراسات الأمريكية بجامعة وارسو، بولندا، لها أبحاث في مجال شعريات السياسة ودراسات الجندر.

سلاف طه: مترجمة، حاصلة على ماجستير في مجال حقوق الإنسان جامعة Essex بانجلترا.

(*) Agnieszka Graff. Journal of International Women’s Studies, Vol 4 # 2 April 2003.

(1) Mira Marody.

(2) Ewa Sidorenko.

(3) Slawomira Walczewska.

(4) Erica Jong.

(5) Jennifer Baumgardener and Amy Richards.

(6) Ebeling.

(7) Marody and Poleszczuk.

(8) Myrphy Brown.

(9) Ally McBeal.

(10) John Gray.

(11) Bridget Jones.

(12) Elayne Rapping.

(13) Betty Friedan.

(14) Anne Moir and David Jessel.

(15) Rapping.

(16) Sidorenko.

(17) Benny Hill.

(18) Monika Olejinik.

(19) Kazimiera Szczuka.

(20) Wislaw Szymborska.

(21) Agnieszka Holland.

(22) Taduesz Pieronke.

(23) Izabela Jaruga-Nowacka.

(24) Malgorzata Fuszara.

(25) Barbra Kruger.

(26) Peggy Watson.

(27) Kinga Dunin.

(28) Wanda Nowicka.

Baumgardncr, Jennifer, and Amy Richards. Manifesta. Young Women Feminism and the Future. New York: Staruss and Gioux, 2000.

CBOS 1997 (Centrum Badania Opinii Publicznxj – Public Opinion Research Center. Study concerning the rcligious convictions of Poles; part of study number 82: “Current problems and events”. 10 Dcc. 2002 <http:www.cbos.pl>

CBOS 2002. Study number 76: “Prices of contraception. “ 10 Dcc. 2002 <https://www.cbos.pl>

CBOS 2002. Study number 191: “Opinion on the right to abortion. “ 10 Dcc. 2002 <https://www.cbos.pl>

Dunin, Kinga. “Czarny ford I dwuglowc ciclc, czyli Polak idzic do Unii” (The Black Ford and the Two-headed Calf: Poland is Going to the EU)Respublica Nowa 165 (XV), June 2002: 29-36.

Faludi, Susan. Backlash. The Undeclared War against Women. London: Vintage, 1992.

Fuszara, Malgorzata. “Abortion and the Formation of the Public Sphere in Poland” Gender Politics and Post-Communism. Reflections from Eastern Europe and the Former Soviet Union. Ed. Nanctte Funk and Magda Mucller. New York: Routledge, 1994, 241-252.

Graff, Agnicszka, “Feminizm ryzyla – I slaezego w Polsee go nie ma” (Feminism as Risk-taking and Why It Is Absent in Poland). Penym Glosem 4, Fall 1996: 19-24.

…., Swiat bez, Plee w polskim dyskursie publicznym. (A World without Women. Gender in Polish Public Discourse ). Warsae: W. A. B., 2001.

Gray, John. Men are from Mars, Women are from Venus: A Practical Guide for Improving Communication and Getting What You Want in Your Relationship. New York: Harper Collins, 1992.

ISSK 1998 (Instytut Statystyki Kosciola Katokickiege – Statistical Institute of the Catholic Church )Unpublished study concerning religious belicfs of poles. Results cited in: “Mlodziez mincj moralna” (Less Moral Youth ) Rzeezpospolita 10 Jan. 2001. 20 Drc. 2002.

<https://arch.rp.pl/a/rz/2001/01/200101110/200101100094html>

Izdebski, Zbigniew, Selected Aspects of Evaluation of the National HIV/AIDS Prevention Program within the Scope of Society’s Knowledge, Sexual behavior and Condom Availability in Poland. Warsaw – Barcelona: UNDP, National AIDS Center, 2002.

“Klopot z Rezolucja” (The Touble with the Resolution ). Gazata Wyboreza 5 July 2002: 6.

Kizak, Beata. “O wrobelku” (The Sparrow). Pelnym Glosem 4, Fall 1996: 28-31.

Limanowska, Barbara. “Polemika w kwestii nardowego krokieta”. (A Polemic Concerning or National Doughnut ). pelnym Glosem 4, Fall 1996: 7-14.

Mainardi, Pa. “The Politics of Housework” Sisterhood is Powerful. An Anthology of Writings form the Women’s Liberation Movement. Ed. Robin Morgan, New York: Vintage, 1970. 501-510.

Marody, Mira. “Why I Am Not a Feminist?” Social Research (4) 1993: 853-864.

Marody, Mira and Anna Giza Poleszczuk, “Changing Images of Identity in Poland: Form Self-Sacrificing to Self Investing Woman?” Reproducing Gender. Politics, Publics and Everyday Life after Socialism. Eds. Susan Gal and Gail Kligman. Princeton: Princeton UP, 2000. 151 – 175.

Moir, Anne and David Jessel. Brain Sex: The Real Difference between Men and Women. New York: Dell, 1991.

Nowicka, Wanda, ed. The Anti-Abortion Law In Poland. THE Functioning, Social Effects, Attitudes and Behavors The Report. Warsaw: Federacja na Rzecz Kobiet I Planowania Rodziny (The Federation for Women and Family Planning), 2000.

…….., “Ban on Abortion in Poland. Why?” Ana’s Land. Sisterhood in Eastern Europe. ED. Tanya Renne. Boulder, Colorado: Westview Predd, 1997. 42-46.

“Open Letter of Polish Women to European Parliament,” 5 Feb. 2002. 20 Dec. 2002

<https://www.oska.org.pl/english/oska/actions/womensletter.htm;>

Rapping, Elayne. The Culture of Recovery. Making Sense of the Self -Help Movement in Women’s Lives. Boston: Beacon Press, 1996.

Seksmisja (Sexmission). Dir. Juliusz Machulski, 1983.

Sidorenko, Ewa. “Feminism? How do you spell it ? Associability in the (Post) communist order.” Unpublished typescript of Presented at the Gender Studies Conference, Institute of Philosophy and Sociology, polish Academy of Science, warsaw, April, 2000.

Skork E. and S. Dolecki. “Kobiecese, co z niej zostalo?” (Femininity, What is Left of It?). Focus March 8, 1999: 33-38.

Tato (Daddy). Dir. Maciej Slesicki, 1995.

Unminska, Bozena. “Folk feminizm” (Folk Feminism ). Pelnym Glosem 4, Fall 1996: 15-18.

Walczewska, Slawomira. Damy, rycerze, feministki. Kobiecy dyskkurs emancypacyiny w Polsce (Ladies, Knights and Feminists. Women’s Rights Descourde in Poland). Krakow: eFKa, 1999.

……, “Feminizm?-jest!” (Feminism? It Exists!). Pelnym Glosem 4, Fall 1996: 25-27.

Waston, Peggy. “The Rise of Masculinism in Eastrn Europe, “ New Left Review, Spring 1993: 71-82.

Wcgierek, Monika. “Polski feminizm-jest czy go nie ma?” (Polish Feminism Does It Exist? )Plenym Glosem 4, Fall 1996: 36.

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي