عرض مرجعي لكتاب «النساء في مجال العلوم »

تاريخ النشر:

2009

عرض مرجعي لكتاب «النساء في مجال العلوم »

إعداد: ياسمين محفوظ**

يدور هذا الكتاب حول المراحل المهنية ونتائج عمل النساء في مجال العلوم“. بهذه المقدمة الشاملة والدقيقة تبدأ كل من «یو اکسی» و «كيمبرلى أ. شومان» كتابهما. الكتاب من القطع المتوسط ويتألف من 215 صفحة، وهو من إصدار جامعة هارفرد. وتعمل «يو إكسى» كأستاذة في قسم الاجتماع والإحصاء بجامعة فريدرك ج.ل. هيوتويل، وأستاذة مساعدة بمعهد البحوث الاجتماعية بجامعة ميتشاجن. أما «كيمبرلي أ. شومان» فتعمل كأستاذة مساعدة بجامعة كاليفورنيا، دافس. والكتاب مكون من عشرة فصول بجانب مقدمة وخاتمة مفصلتين. وينقسم إلى جزءين: يضم الجزء الأول الفصل الثاني إلى السادس، ويناقش بشكل مجمل رحلة في التخصصات العلمية والرياضية، بينما يركز الجزء الثاني الذي يمتد من السابع إلى العاشر على نتائج العمل. يبحث الفصل الثاني فيما إذا كان للنوع (الجندر) تأثير على الإنجازات العلمية والرياضية. بينما يتناول الفصل الثالث تطلعات من يتخصصون في العلوم أو الرياضيات في المرحلة الجامعية. ويقوم الفصل الرابع بتتبع أكثر السبل المطروقة لنيل درجة البكالوريا. وبالمثل، يبحث الفصل السادس أيضًا عن أكثر السبل المطروقة، ولكن هذه المرة بعد الحصول على درجة الماجستير، يركز الفصل السابع على أنماط التصنيف الديموجرافي وأصناف القوى العاملة للعلماء والمهندسيين من الجنسين. ويهتم الفصل الثامن بالتأثير الكبير الذي يحدثه الاختلاف النوعي (اختلاف الجندر) على التنقل الجغرافي والهجرة. أما الفصل التاسع فيركز على النتاج المهني للعلماء والمهندسين. كما يُدخل الفصل العاشر تحديثًا جديدًا على الدراسات في هذا المجال، حيث يتناول موضوعه المهاجرات من العالمات والمهندسات، الأمر الذي من شأنه أن يحقق التوازن بين الرجال والنساء في هذين المجالين. وتقوم الخاتمة بتلخيص نتائج وكذلك دلالات هذه الدراسة، وتقدم إمكانات للدراسة المستقبلية في مجال عمل النساء في ميدان العلوم.

تبدأ الكاتبتان بإيراد الأسئلة التي أثارت فضولها لعمل هذه الدراسة: لماذا يقل تمثيل النساء في مجال العلوم على الرغم من التقدم الذي أحرزنه في مختلف المجالات الأخرى، على الرغم من كونه معيار التقييم عالميًا؟ هل هي مسألة وقت قبل أن تحقق النساء إنجازات مماثلة أم أن مجال العلوم سيظل عصيًا على النساء؟ مقارنة بالرجال، ما مدى التقدم الذي بلغته النساء بالنسبة للترقي والنتاج المهنى؟ بعد هذا تنتقل الكاتبتان إلى مناقشة طريقة البحث للأسئلة التي وضعاها. وبمعنى آخر، فبدلا من استخدام نموذج النفق الذي يعنى بحصر التسرب الذي يحدث لأعداد النساء خلال المراحل التعليمية والوظيفية المختلفة، تتخذ الدراسة منهاجًا حياتيًا يأخذ في الاعتبار مختلف جوانب الحياة، وبالتالى مختلف المؤثرات المعرضة لها. وبالإضافة إلى ذلك، يعطى الإسهاب في إدراج الإحصاءات سمة موضوعية للدراسة، ويعفيها من الاتهام بالنزعة الشخصية أو الحكم الظاهري. وكما تجنبت الدراسة منهج النفق فإنها تتجنب منهج العرض والطلب، لأنه بينما يعتمد العرض على طالب الوظيفة ويخضع لعوامل مختلفة مثل الميول الشخصية والمؤهلات الوظيفية والحالة الاجتماعية، يعتمد الطلب على صاحب العمل وتتحكم فيه الفروق النوعية (المتعلقة بالجندر) الواضحة والخفية. ولما كانت هذه العوامل يسهل تداخلها كما في حالة موظفة تترك العمل جراء توقعها لعقبات تتعلق بالتمييز الجنسى، يتضح عجز هذا المنهج عن تفسير الفجوة بين أعداد النساء والرجال المشتغلين بالعلوم. ومما يزيد من صعوبة الدراسة أنه على الرغم من أن عمل النساء في مجال العلوم قد أفسح مجالاً أكبر للحدس على مدى العقدين المنصرمين، فإن نسبة نتائج عمل النساء مازالت تتبع نظيرتها بين الرجال.

وحتى تتجنب الكاتبتان نقاط الضعف في المادة العلمية المتاحة، كان عليهما التركيز في تحليل نتائج العمل على ثلاثة متغيرات، ألا وهي: ” النتاج والدرجة والراتب” (9) ولأن حتى معيار النخبوية، وهو اعتبار النساء اللاتي اعتلين مناصب عليا على درجة من النبوغ تفوق باقي النساء، يجعل إحصاءات هذا المعيار تفتقد للموضوعية كان على الكاتبتين البحث عن بديل منهجي. وتمثل هذا البديل في اقتراح عدة براهين مستمدة من المنهاج الحياتي الذي تتخذه الدراسة، ومن ضمن هذه البراهين أن الفروق النوعية (المتعلقة بالجندر) هي نتاج كلٍ من الاختيارات الشخصية والتقسيمات البنيوية للمجتمع. وبالمثل فإن هذه الاختيارات الشخصية تتأثر بمتغيرات ثقافية واجتماعية تحاول الدراسة أن تحددها. فمثلاً، تنقسم المتغيرات الاجتماعية إلى مؤثرات فردية وأسرية ومؤثرات اجتماعية على نطاق أوسع” (15) كما تتميز كل هذه المؤثرات بأنها قابلة للتوقع والقياس. كما تتوقع الدراسة تغير مراحل العمل والنتائج اعتمادًا على كل مرحلة من مراحل عمر الإنسان المختلفة؛ وعلى ذلك تتمكن الدراسة من تتبع المؤثرات الفردية والأسرية ومراحل ونتائج العمل للعاملين بمجالي العلوم والرياضيات. أولاً تظهر الدراسة أن القدرة الذهنية تتأثر تأثرًا مباشرًا بالتعليم الأساسي ثم تبدأ المهارات الأخرى في الظهور عندما يبدأ الاحتكاك عن طريق العمل. أما بالنسبة للمؤثرات الأسرية، فإن الكاتبتين تتطرقان للحالة الأسرية والاجتماعية على اعتبارهما من العوامل الموضحة كلما توافرت البيانات. كما توضح الدراسة أن كون النساء بشكل عام أقل ميلاً من الرجال إلى الاشتغال بالعلوم يؤثر على بنية القوى العاملة. وكذلك عندما توجد النساء، فإنهن عادة ما يعملن في مواقع مختلفة عن الرجال: فبينما تقوم العالمات الأكاديميات بالتدريس في الجامعات، يقوم الرجال بعملهم في مختبرات تلك الجامعات، مما ينعكس جزئيًا على النتاج العام لكلا الفريقين. وأخيرًا فإنه بالنسبة لموضوع الكتاب، فإن الدراسة تتناول مرحلة الدراسة من خلال منظور المؤثرات الشخصية والأسرية، أما تحليلها بشكل أكثر تفصيلاً فمتروك للدراسات الأخرى. وبالنسبة للقضايا المنهجية، فإن الطرق التحليلية مرحلة المدرسة من المستخدمة تشكل منهاجًا ثابتًا يغطى الدراسة بالكامل وهي: المجموعات المتشابهة الإحصاءات، التعريف بالمتخصصين من العلماء والمهندسين الذين تشملهم الدراسة، قياس الاختلافات النوعية (المتعلقة بالجندر)، وتفسيرها عن طريق منهج متعدد المتغيرات، يشتمل عادة على أكثر من متغيرين.

بعد الاطلاع على إحصاءات سبع عشرة من قواعد البيانات الوطنية، تصف الكاتبتان نتيجة دراستهما في كلمة واحدة؛ ألا وهي: التعقيد. كما يلخصان نتائج الدراسة كما يلي: أولاً فيما يخص مرحلة الدراسة الثانوية، فإن الفجوة بين الجنسين فيما يتعلق بمتوسط التحصيل في مجال الرياضيات قد تناقصت، وإن كان الذكور مازالوا يحققون مستويات أعلى بكثير من حيث الكفاءة. أما ثانيًا، فقد رفضت الدراسة الفرض القائم بأن الفروق المتوسطة وفوق المتوسطة بين الجنسين بإمكانها تفسير ميل الشباب عن البنات للتخصص فيما بعد في العلوم والرياضيات، ذلك أن الدراسة أثبتت أن الإناث اللاتي يتخصصن في هذين المجالين لسن فقط على قدم المساواة مع أقرانهن من الذكور من حيث المشاركة؛ ولكنهن يحرزن درجات أعلى بشكل كبير في مواد دراستهن.

وكبديل عن نموذج النفقالذي يعنى بالفئات المتسربة فقط، فإن الدراسة توضح إمكانات أخرى مثل الخروج والدخول وإعادة الدخول في أي مرحلة من المراحل الوظيفية. كما أن غالبية الحاصلات على درجة البكالوريوس في العلوم أو الهندسة توقعن أن يتخصصن في غير هذين المجالين؛ ولكنهن عُدن وأكملن في المضار نفسه أثناء دراستهن الجامعية. كما أوضح التحليل أن العالمات المتزوجات ليسن بالضرورة أقل ميلاً إلى التنقل من أقرانهم الرجال، ذلك لأن التفاوت في النسب يحدث فقط في حالة وجود أطفال. عندئذ فحسب تزيد نسبة تنقل العلماء من الرجال عن نظيرتها بين النساء. وتقل نسبة الأمهات من النساء اللاتي يشتغلن في مجالي العلوم والهندسة بعد إتمامهن لدراستهن أو اللاتي يترقين في عملهن أو اللاتي يتنقلن جغرافياً أو حتى هؤلاء الآتي يعملن على الإطلاق.

کما جاء التحليل للمغايرات المتعددة الذي اعتمد على أربع من قواعد البيانات الوطنية بنتيجتين؛ أولها هو تضاؤل التباين بين النساء والرجال في الإنتاج العلمي، حيث زادت النسبة 60 % في أواخر الستينيات إلى 70% في أواخر الثمانينيات و80% في أوائل التسعينيات. وثانيهما أن هذا التباين النوعي في الإنتاج يرجع إلى اختلافات شخصية وأخرى في بنية العمل. وبما أن هذه الاختلافات قابلة للتغيير فبالتالي يمكنها الاستجابة للتطور في وضع المرأة بالنسبة للعلوم. كما كان من نتائج الدراسة أن العالمات المهاجرات يعانين من نقص المزايا التي تحصل عليها مثيلاتهن من المواطنات الأصليات بالنسبة لفرص العمل والترقي، وذلك بخلاف العلماء المهاجرين الذين يتمتعون بمزايا جيدة مقارنة بأبناء البلد. وكما أن أغلب العلماء هم من المهاجرين الأساسيين، فإن أغلب العالمات هن من المهاجرات الثانويات، كأن يكن زوجات للمهاجريين الأساسيين؛ وعلى ذلك، فإن مجموع الفروق النوعية (المتعلقة بالجندر) في النتائج المهنية يعزى إلى التفرقة الجنسية في مجالي العلوم والهندسة. وتختتم الكاتبتان نتائج الدراسة بتسليط الضوء على الاختيار الفردي كأحد أهم المؤثرات في الفروق النوعية (المتعلقة بالجندر) بالنسبة للمهن المتعلقة بهذين المجالين، وتوضحان أن الاختيارات لا تكون دائما مأخوذة عن طواعية أو مبنية على أسباب عقلانية. وعلى النقيض، فإنها دائمًا تعكس البنية الاجتماعية العامة.

وتوحي بعض هذه النتائج أنه بينما يعد وجود عائلة حافزًا للعلماء من الرجال، فإنه يكون حاجزًا بالنسبة للنساء. كما تعكس النتائج أن بعض السياسات من شأنها أن تزيد بشكل فعال من نسبة تمثيل العالمات وتنمية خبراتهن الوظيفية؛ فمثلاً بإمكان الكليات والجامعات توفير برامج لجذب النساء اللاتي يتخصصن في غير مجالي العلوم والرياضيات، وتشجيعهن لاختيار هذين المضمارين الدراسيين ومخاطبة احتياجاتهن الدراسية والاجتماعية أثناء الدراسة. كما أن بوسعهن تذليل العقبات التي تعوق العالمات عن الجمع بين التزاماتهن تجاه أسرهن وعملهن. وبالمثل فإن كل ما يطبق لمساعدة النساء العاملات بشكل عام كإدخال عنصر المشاركة في العمل؛ ووضع جداول عمل مرنة وإنشاء مراكز ذات كفاءة لرعاية الأطفال في مواقع عمل أمهاتهم، للتخفيف من العبء العاطفي والوقتي للنساء العاملات، كل هذا يمكن توجيهه لخدمة العالمات منهن بشكل خاص حتى يسعهن الإسهام بشكل فعال في مجال عملهن.

 

يدور هذا الفصل حول أن الاختلافات بين إنجازات العلماء من الرجال والنساء في المجالين موضوع الدراسة هي في الحقيقة ضئيلة الحجم، خاصة في مجال الرياضيات، وبخاصة عن أكثر بين المجموعات الحديثة من الطلبة. وعلى النقيض من ذلك، فإن الفجوة بين الرجال والنساء في مجال العلوم تعد أكثر اتساعًا وثباتًا بين هذه المجموعات. وإذا كان إحراز نجاح كبير في مجالي العلوم والرياضيات هو من الشروط المهمة التي تحدد مسار الدراسة بعد المرحلة الثانوية، فإن عدم تواجد تمثيل نسائي كبير في هذه المرحلة يفسر انخفاض نسبة النساء في هذين المجالين فيما بعد. أما نتيجة الاحصاءات المبينة في هذا الفصل، فإنه قد ثبت أن الفروق النوعية (المتعلقة بالجندر) لا يمكن تفسيرها عن طريق المؤثرات الفردية والعائلية التي تمت دراستها؛ بل عن النقيض، فإن التحكم في مجموعة من العوامل الفردية والأسرية الخاضعة للتحليل قد أدى إلى زيادة الفجوة النوعية (المتعلقة بالجندر) بالنسبة لمتوسط الإنجازات في مجالي العلوم والرياضيات مع فرض أن الطالبة هي من الخمسة الأوائل في تحقيق الإنجاز. وعلى أي حال، يجب الأخذ في الاعتبار أن هناك عوامل تم تناولها كفرضيات مفسرة للاختلافات النوعية (المتعلقة بالجندر) ولم تُعن بها الدراسة مثل الفروق البيولوجية في وظائف المخ، والمؤثرات الاجتماعية في المدرسة، والمؤثرات الاجتماعية من قبل الأقران والمعلمين ومن يعتد بنصائحهم والآباء. ولكن تبقى الفجوة النوعية (المتعلقة بالجندر) في التباين بين الإنجازات في مجالي العلوم والرياضيات، التي لا يمكن عزوها للمؤثرات الفردية والعائلية، موضع التحليل كنتيجة أساسية للفصل الثاني.

يبحث هذا الفصل في الفروق النوعية (المتعلقة بالجندر) في فترة معينة من مسار التخصص العلمي والرياضي ألا وهي العام النهائي من المرحلة الثانوية. ففي هذه المرحلة تلعب توقعات الطلاب عن حضورهم وتركيزهم في دراستهم لمجالي العلوم أو الرياضيات دوراً مهما في تشكيل رغبتهم في مواصلة هذه المسيرة. وحتى تكون النتائج على أسس علمية فقد أوردت الكاتبتان النتائج التجريبية لتحليل الفروق النوعية (المتعلقة بالجندر) في نسبة التخصص بالمجالين موضع الدراسة فقد وضعتا قيمًا متساوية لكل من الذكور والإناث متضمنة المؤثرات الفردية والأسرية الداخلة في منظومة الاحتمالية غير المشروطة لدراسة العلوم والرياضيات بعد المرحلة الثانوية. وقد بينت النتائج أن المساواة بين الخصائص الفردية والشخصية لكلا الجنسين ليس بمقدورها سد الفجوة بينهما، وبما أن الفروق النوعية (المتعلقة بالجندر) في الميول في المرحلة التالية للدراسة الثانوية لا علاقة لها بالفروق النوعية (المتعلقة بالجندر) في الإنجازات العلمية والرياضية، فإن تأثير هذه الفروق في المسار المهني لن يكون على الأغلب بالتأثير الكبير. كما أنه على الرغم من تضارب توقعات الطلاب لتخصصهم الجامعي، فإن التمثيل النسائي بين من اختاروا التخصص في المجالين: العلوم أو الرياضيات، في آخر العام الدراسي في المرحلة الثانوية هو من الضالة بحيث يسقط عنه الجدال.

يوضح التحليل الذي يقدمه الفصل الرابع الدروب التي يكثر خطوها للحصول على درجة البكالوريوس في العلوم أو الرياضيات، ومن أهمها المثابرة التامة في المسار العلمي أو الرياضي بدءاً من المرحلة الثانوية وانتهاءً بالحصول على الدرجة أو الانضمام لهذا المسار بعد الانفصال عن التخصصات الأخرى في الجامعة. وهناك فروق نوعية (متعلقة بالجندر) بين هذين الدربين؛ فبينما يعد الذكور أكثر نهجًا للدرب الأول من الإناث، تعد الإناث أكثر نهجًا للدرب الثاني من الذكور. وغالباً ما يحدث التحول عن الدرب خلال الانتقال من المرحلة الثانوية إلى الجامعية، ويستلزم الطلبة في هذه الحالة وقتاً أطول للحصول على درجة البكالوريوس. كما يتضح في هذا الفصل أنه على الرغم من الاتصال الوثيق بين ما يحرزه الطلبة من إنجاز في مجال الرياضيات واختيارهم لهذا التخصص في المسار العلمي أو الجامعي، لكن ذلك لا يؤدى لحتمية الجزم بأن التفوق في الرياضيات بشكل عام يفسر الفروق النوعية في الدراسة والحصول على الدرجة في مرحلة ما قبل التخرج في الجامعة.

يعنى هذا الفصل بالفروق النوعية (المتعلقة بالجندر) الخاصة بنتائج عمل حديثي التخرج الذين حصلوا على البكالوريوس في العلوم أو الرياضيات. وتتحدد النتائج على أساس قرار الخريجين مواصلة دراستهم أو الالتحاق بعمل وليس على أساس مواصلتهم في مجالي العلوم والرياضيات أو تركهم لهما. فمثلاً، يعد التمييز النوعي من أول الأسباب التي تؤدى لتباين نتائج العمل لحديثي التخرج ممن تخصصوا في هذين المجالين. ويمكن تحليل هذه النتيجة من خلال نموذجين تجريبيين يوضح أولهما تفضيل النساء لعلم الأحياء على غيره من العلوم (خاصة الهندسة والفيزياء). أما ثانيهما فيبين عزوف الخريجين في مجال الأحياء عن الالتحاق بأعمال تتعلق بالعلوم أو الرياضيات مقارنة بخريجي المجالات الأخرى التي تزيد فيها هيمنة الذكور؛ وبنظرة شاملة على كل المجالات، يتضح أن النساء أقل انكبابًا عن الرجال فيما يتعلق بالعلوم والرياضيات؛ ولكن بحصر هذه النظرة في مجالات التخصص، فإن الفجوة بين الرجال والنساء تتناقص من حيث إقبالهم على وظائف تتعلق بهذين المجالين. وتحديدًا فإنه تقل احتمالات تقلد الخريجات من النساء لمناصب أو شغلهن لمجالات تتعلق بالعلوم والرياضيات بمقدار الربع. أما النتيجة الثالثة فهي أن احتمالية ترك الأمهات من النساء لكلياتهن أو عملهن أكبر كثيرًا من النساء والرجال ذوى الحالات الاجتماعية الأخرى. وجدير بالذكر أن المجتمع الأمريكي تظهر به النتيجتان الأخريان بقوة، حيث تقع مسئوليات البيت الكبرى على عاتق النساء في حين يتفرغ الرجال للمشاركة في سوق العمل.

يهتم هذا الفصل بالتغيرات المهنية بعد نيل درجة الماجستير في العلوم أو الرياضيات. وبمقارنة نتائج الفصلين الخامس والسادس يتضح تشابهما في حقيقة أن التحولات الوظيفية في مرحلة الماجستير تقترب من مثيلتها في مرحلة التخرج. فمثلاً، تظل النساء المتزوجات اللاتي نلن درجة الماجستير في العلوم أو الرياضيات أكثر عرضة لترك مسيرة الدراسة والعمل من الرجال، خاصة إذا كان لديهن أطفال. كما أنهن كنظيرتهن من المتخرجات (الحاصلات على البكالوريوس) في العلوم والرياضيات أقل ميلا لمواصلة دراستهن بعد ذلك، وقد تفوق نسبتهن المتخرجات نظرًا لتقدم عمر حملة درجة الماجستير، الشيء الذي يعزز احتمالية كونهن متزوجات وأمهات. كما يتضح بشكل جلى أن النساء أقل من الرجال في التحول للمسار العلمي والرياضي في مرحلة الماجستير. وعلى الرغم من ذلك فيمكن القول أنه بشكل عام تتضاءل الفروق النوعية (المتعلقة بالجندر) في الدروب المهنية بعد الحصول على درجة الماجستير. أما عن الفروق بين المرحلتين، فإن ازدياد نسبة التحول المهني إلى مجالى العلوم والرياضيات في هذه المرحلة عن نسبته بعد الحصول على البكالوريوس يعد من أهم البعض منهن هذه الفروق. ومع محاولات النساء المستمرة لإنهاء الصراع بين دورهن الأسرى والمهنى يلجأ البعض منهن لاستبدال عملهن في هذه المجالات بمهن أخرى تتناسب ودورهن الأسرى. كما تتوقع الدراسة فتور حماسة حملة درجة الماجستير من النساء وعزوفهن عن مواصلة دراستهن في المجال العلمي والرياضي نتيجة لتعرضهن لخبرات سابقة من التمييز الجنسي على الرغم من صعوبة إيجاد بيانات تثبت هذا.

يختص هذا الفصل وما يليه من الفصول بالعاملين من العلماء والمهندسين، وبالتالى يمكن القول أن الفصول الباقية من الكتاب تولى أهمية لنتائج عمل النساء اللاتي يشكلن جزءًا من القوى العاملة. لتقييم مدلولات التعريفين البديلين للعلماء والمهندسين (المعتمد على العرض من جهة، والمعتمد على الطلب من جهة أخرى) قامت الكاتبتان بمقارنة التشكيل النوعي (المتعلق بالجندر) للعاملين من العلماء والمهندسين وتعقب احتياجاتهم في الفترة ما بين عامي 1960 و 1990، والذي أوضح ازدياد نسبة النساء اللاتي تقلدن مناصب تتعلق بالعلوم أو الرياضيات زيادة كبيرة خلال هذه الأعوام في جميع المجالات عدا العلوم والرياضيات. وببلوغ عام 1990، مثلت النساء ثلث العالمات في مجالي الأحياء والرياضيات وربع العالمات في مجال الفيزياء وعشر المهندسات. كما أظهر المسح الديموجرافي للعلماء والمهندسين وجود فروق نوعية متعلقة بالحالة الأسرية. فمثلاً تبين أن نسبة العالمات والمهندسات من العازبات والمطلقات أكثر من نظيرتها بين الرجال. وبالمثل، تقل نسبة المتزوجات من اللاتي لديهن أطفال.

وتركز الدراسة على ثلاثة من عناصر العمل، وهي: التوظيف والعائد والترقية. وبشكل ثابت وجدت الدراسة أن كلاً من الزواج والإنجاب يؤثر بالضرورة على كلٍ من هذه العوامل الثلاثة، حتى مع التحكم بمجموعة مختلفة من العوامل المؤثرة كالديموجرافيا والموارد البشرية، وعلى هذا يمكن القول بأن الفروق النوعية (المتعلقة بالجندر) يندر وجودها أو تتلاشى تمامًا في حالة العالمات غير المتزوجات بينما تظهر بشكل كبير بين نظيراتهن من المتزوجات خاصة إذا كن أمهات. وبالمقارنة بالرجال يتضح أنه بينما ينتفعون بالزواج والإنجاب، يكون هذان العاملان وبالا على العالمات، أو على أقل تقدير عديم الجدوى بالنسبة إليهن، وتعزز هذه النتيجة التفكير القائل بأنه على الرغم من التطور العظيم الذي لحق بحالة النساء في العقود الأربعة الأخيرة، فإنه مازال عسيرًا عليهن أن يحظين بكل شيء: العمل والعائلة“.

يبين هذا الفصل كيف تصبح الفروق النوعية (المتعلقة بالجندر) واضحة جلية في ظل هجرة الأسر ذات المهن الثنائية (التي يعمل فيها كلا الزوجين في مجالي العلوم أو الرياضيات أو يتباينان فيعمل أحدهما في أحد المجالين ويعمل الثاني في المجال الآخر). وعلى الرغم من أن التنقل الأساسي ليس الدافع الوحيد للتنقل المهني فإنه يمثل عاملاً مهمًا في مجالي العلوم والرياضيات. ويوضح البحث أنه بينما يخلق وجود مثل هذه المهن في أسرة واحدة فرص عمل كثيرة للأسرة ككل، إلا أن بعض هذه الفرص تجد أمامها من العقبات ما يوئدها في مهدها، ويدحض الفصل الفرض القائل بأن معدلات التنقل تختلف بين غير المتزوجين عن نسبتها بين الأسر التي يشتغل أحد الزوجين فقط فيها بالعلوم أوالرياضيات، حيث تبين الدراسة أن الفرق في الحالتين ليس بكبير، وعلى هذا لا يفسر عامل الزواج الفروق النوعية (المتعلقة بالجندر) في التنقل الجغرافي. كما تبين الدراسة في هذا الفصل أن النساء لا يتأثرن بوجودهن في أسرة ثنائية المهن بشكل أكثر سلبية من الرجال. وانحصرت النتائج على أنه يزيد تنقل الرجال في الأسر التي لا تعبأ فيها النساء بعملهن قدر اهتمامهن برعاية الأبناء خاصة إذا كانوا من صغار السن. كما تقل فرص التنقل بين العلماء من الرجال كلما اقترب أبناؤهم من مرحلة المراهقة؛ فمن هذا المنظور لا يختلف تنقل العلماء عن غيرهم من الرجال في شتى المهن. وبمعنى آخر فإن التباين بين الرجال والنساء يحدث نتيجة أنه بينما يتزامن انحصار التنقل بالنسبة للرجال مع مرحلة منتصف العمر، وهي في الغالب فترة استقرار مهنى، يتزامن انحصار التنقل بالنسبة للنساء مع بواكير حياتهن المهنية، وهي فترة حيوية بالنسبة إليهن حيث يؤثر انعدام التنقل بشكل مصيري على المهنة المستقبلية للعالمة.

تبدأ خاتمة الفصل بطرح السؤال: هل تم حل اللغز المهيمن على قلة النتاج البحثى للنساء؟ الإجابة هي نعم ولا في الوقت ذاته. ففي حين تجيب نعم على النجاح في العثور على فروق بين الرجال والنساء فيما يتعلق بالخصائص الشخصية، وطبيعة العمل وتوفر المصادر، وبالتالي تفسير قلة الإنتاج العلمي للنساء، وبخاصة المنشور منه، تجيب لا على عجز الدراسة عن تفسير أسباب وجود هذه الفروق. وبالنظر إلى هذه الإجابة يتضح أن الإنجاز الذي قدمته الدراسة يكمن في استبدال اللغز بسؤال ينتظر الإجابة حول هذه الفروق أو إيجاد نقطة الوصل بين الفروق النوعية بين الخصائص الوظيفية والفجوة النوعية في معدلات النشر، والذي يعد قياسًا مهمًا للنتاج الوظيفي بين العلماء الأكاديميين. وبأخذ عدد الإصدارات في العامين السابقين لصدور الكتاب تبين ازدياد معدل النشر من حوالي 60% ما بين عامي 1969 و 1973 مرورًا بنسبة 70 % عام 1988 ووصولاً إلى 82% عام 1993. ويعد توزيع الموارد وطبيعة العمل بشكل يحقق العدالة نسبيًا هو السبب الأساسي لتغير النسب في الفترة موضع التحليل، رغم أنه لم يحقق التكافؤ التام بالنسبة للمرأة.

ويوضح الفصل أنه حتى النتائج المطروحة لمشكلة النتاج البحثى يمكن أن تكون نتائج خادعة، وذلك لثلاثة أسباب. أولها تضاؤل الفروق النوعية الأساسية (المتعلقة بالجندر) بين الرجال والنساء عندما يتم إدراجها وإعمالها تحت تعريفات واضحة. وثانيًا أن تناول هذه الفروق من حيث الخصائص الشخصية، وطبيعة العمل وتوفير المصادر يخلق كثيرًا من علامات الاستفهام حول مصدر هذه العوامل. وأخيرًا أنه باعتبار كونها مشكلة اجتماعية ملحة، فلأن تمثيل المرأة ووضعها بالنسبة للمجالات العلمية قد تحسن كثيرًا عن السابق ولا شك، مما يجعل ثبات هذه العوامل كمؤثرات معرقلة لمسيرة المرأة ظاهرة غريبة تحتاج إلى كثير من التمعن والتفسير، وبشكل عام، تؤكد الدراسة النتيجة التي طالما أظهرتها دراسات سابقة وهي أنه بالرغم من تضاؤل الظاهرة عبر السنين فما زال الرجال يتقلدون مناصب أعلى من النساء.

يلقى هذا الفصل الضوء على أهمية عدم إغفال العالمات المهاجرات في الدراسات التي تتعلق بالنساء في مجالات العلوم. فعلى سبيل المثال، يغفل العديد من المجادلات القائمة حول النساء المهاجرات الأخذ في الاعتبار أن نسبة هؤلاء النساء يمكنها تحقيق التوازن النوعي (المتعلق بالجندر) في بعض المجالات العلمية. فلقد أثبتت هذه الدراسة أن نسبة النساء المهاجرات تزيد من تمثيل المرأة في مجالات علم الأحياء والعلوم الرياضية في مرحلة الماجستير.

کما یكشف هذا الفصل النقاب عن حقيقة أن الخصائص الديموجرافية والمهنية والأسرية كلها عوامل مفسرة لكون ما تتقاضاه المهاجرات من العالمات والمهندسات أقل مما يتقاضاه أقرانهن من الذكور، رغم أنهم لا يساهمون في تفسير قلة فرص العمل بالنسبة لهؤلاء النساء. وبالإضافة إلى هذا، فقد أظهرت بيانات المسح الذي أجرى لمجموعة متجانسة نسبيًاتتألف من علماء ومهندسين من ذوى الخبرة المهنية المحدودةعلى مدار سبع سنوات أن معدل ترقية النساء المهاجرات تقل بمقدار الثلث عن نظيرتها بين الرجال، مع الأخذ في الاعتبار أن المواطنات لا يتعرضن لهذا النوع من التمييز. وتعتقد الكاتبتان أن هذا الوضع هو نتيجة نهج شائع بين كثير من المهاجرات، وهو كون سفرهن مجرد نتيجة لسفر أزواجهن. وعلى ذلك، تتوافق نظرية الدراسة مع الدراسات الأخرى التي تؤكد أن سفر النساء المتزوجات يكون لدعم حياة أزواجهن المهنية وليس حياتهن، مما يقلل من فرصة إيجادهن مهنًا تتناسب ومهارتهن كمهاجرات ثانويات.

ورغم الإسهاب والإطالة التي تتخلل صفحات الكتاب، فإن الدراسة تدعم نتائجها بكثير من الاحصاءات والبيانات العلمية مما يضفى كثيرًا من المصداقية على النتائج المتضمنة. کما تعزز المقترحات الموجهة للقائمين على سياسات العمل فرص المرأة بالنسبة للمشاركة والإنتاج في مجالي العلوم والرياضيات بالقدر نفسه الذي تكشف فيه الدراسة عن الإطلاقات التعميمية بالنسبة لتفوق الرجال عن النساء في هذين المجالين في المراحل الدراسية والوظيفية كافة. وجملة القول أنه بما يقدمه الكتاب من شرح وافٍ لما أحرزته النساء من إنجازات في مجال العلوم، فإنه يبين حقيقة وضعهن الحالى ما بين إنجازات وتحديات، ويتطلع إلى مستقبل يلحق فيه مجال العلوم بخطى التقدم النسائي المتسارعة في شتى المجالات.

(*) Yu Xie and kimbe, Lee A. Shauman. Women in Science: Career Processes and Outcomes, Cambridge, Massachusetts, and London: Harvard University Press, 2003.

**معيدة بقسم اللغة الإنجليزية – كلية الآدابجامعة القاهرة.

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي