على هامش الانتخابات الاردنية

المرأة التي أهدروا دمها!

فجأةً أصبحت هذه المرأة حديث الأردن، ورمزًا للمعركةٍ مع المتطرفين.. فهم يعتبرونها محكًا للاختبار إذا نجحوا فيه، كرروا النموذج والوسيلة مع غيرها، سواءً كانوا نساءً أو رجالاً .. والأردن حكومةً وشعبًا يعتبرها أيضًا نفس الأمر وإن كان بالعكس!

اسمها توجان فيصل.. شابة في العقد الرابع من عمرها شركسية الأصل، مسلمة الديانة، وزوجة لطبيب أمراض نساء هو الدكتور إبراهيم محمد مصطفى أبو العدل، أصلاً من منطقة جبل النار القدس درس الطب في الاسكندرية، عاد وعمل ضابطًا طبيبًا بالقوات المسلحة الاردنية (تركها منذ شهور) وتزوج بتوجان ولهما ثلاثة أبناء: سري (١٠ سنوات) – ديانا (7 سنوات) – مارينا (١٥ شهرًا)

رسالة الأردن

محمود مراد

لقد تخرجت توجان في كلية الآداب قسم اللغة الانجليزية عام ١٩٧١، وعملت كمقدمة برامج في الإذاعة ثم في التليفزيون حتى عام ١٩٨٣، عندما استقالت، وتعاملت بالقطعة كمعدة ومقدمة برامج تتناول قضايا المرأة، إلى جانب نشاطٍ عامٍ في المجتمع، وكانت فيما تتصدى له تناقش بجرأةٍ وحيوية وتضع البعد السياسي فيما تتناوله ومن جراء هذا حدثت لها مشكلاتٌ عديدة، وكان البعض يقول كيف تناقش امرأة أمورًا تتصل بالدين وعلاقته بالحياة.. إلى أن حدث صدامٌ كبيرٌ في مارس الماضي عندما قدمت برنامجًا عن العنف الأسرى“.. وضرب الزوج لزوجتهواعترضت فيه من خلال مناقشتها على حق الزوج في هذا .. فانقلبت عليها الدنيا بفعل البعض، فكتبوا ضدها وردت عليهم بمقال.. ولم تسكت، إنما أرادت أن تقدم برنامجًا آخرًا عن تعدد الزوجات، ففوجئت بمن اتصلت بهم لدعوتهم للحوار وهم يعتذرون، وقال بعضهم أنه تلقى تهديدًا بعدم التعاون معها .. فاتصلت ببعضهم ليغلق خط التليفون في وجهها .. وجاءها تهديدٌ تلو تهديد، وقيل لها لم لا تريحين نفسك وتقدمين برامج عن الأزياء والمكياج؟ فتركت عملهاوتفرغت للنشاط العام، وللتحضير لتقديم رسالة الماجستير في الأدب الإنجليزي عنوسائل الإعلام كامتدادٍ لوسائل التعبير الأدبي.”

وامتدادًا لنشاطها دخلت الانتخابات، وفي يوم 14 أكتوبر رشحت نفسها عن الدائرة الخامسة المقعد الشركسي، لتنافس ثلاثةً من الرجال هم: داود تحايسو عبد اللطيف بينو منير صوبر.. وعندما عرف نبأ الترشيح جاءها التهديد بأن تنسحب من نفس الذين هددوها من قبل (جماعة المتطرفين) لكنها لم تفعلفإذا بها تفاجأ يوم ٢١ أكتوبر بشخصين ملتحيين يدقان بابها، وقالا لها أن هناك دعوى ضدها في المحكمة الشرعية، فإذا انسحبت جرى سحب الدعوي؛ وإن ركبت رأسها فسيقضون عليها تمامًافكان أن ركبت رأسها ونظرت الدعوة أمام المحكمة في نفس اليوم ولم تكن قد أُعلنت رسميًا ثم عُقدت جلسةٌ أخرى في ٢٨ أكتوبر، وخلالها تحدث المدعون ساعتين كاملتين، وتأجلت المحاكمة إلى جلسة 9 نوفمبر، أي اليوم التالي للانتخابات. وعرف الناس ما جرى في قاعة المحكمة.. وهاجت الدنيا، وإذا التزمنا بالنص الرسمي للدعوى، فإننا نجد فيها كلامًا كثيرًا ينتهي بطلب حكمٍ على توجان فيصل بتطبيق الأحكام الشرعية عليها ردتها عدم استتابتها الحجر عليها التفريق بينها وبين زوجهاالتفريق بينها وبين أولادها نقض وكالاتها – منع وسائل الإعلام من التعامل معها الحكم على من يساعدها – إهدار دمها!

وتضربُ كفًا بكف، وتنفعلتوجان وهي تتحدث عن المرأة في نهاية القرن العشرين، والنظرة المهينة إليها وهي تقول أنها لم تذهب ولن تذهب إلى المحكمة خشية هؤلاء المتطرفين وسلوكهم الاستفزازي.. ويؤيدها زوجها ويضيف أنهم يتقولون فيما ادعوه.. لقد قالوا عنها أنها مسلمةٌ تزوجت مسيحيًا، وهذا مضحكٌ لأنه غير صحيح، و وأنها تخرج من البيت دون استئذان زوجها، وهذا أيضًا غير صحيح، ويستمر الزوج وتستمر الزوجة في حديث تعلو فيه الأصوات المتهدجة، وتفزعُ الصغيرةُ مارينافتهرع ُإليها توجان لتحتضنها .

من هم الذين أقاموا الدعوى ضدها؟ هما اثنان: عبد الرحمن الحاج على الكردي أحد أعضاء دار الإفتاء بالجيش.. ومعتصم سالم. وإذا كان معتصم شخصًا عاديًا، فإن الكردي له صفةٌ رسمية، الأمر الذي يثير علامات استفهامٍ وردود فعل كثيرة تطالب بإبعاده عن موقعهلكن المهم أن توجانقد صارت رمزًا .. وأفردت الصحف صفحاتٍ تذكرُ اسمها كمدخلٍ للهجوم على المتطرفين..

أما عن تأثير هذا على موقعها كمرشحةٍ، فمن المؤكد أنه زاد شعبيتها خصوصًا أن حكايتها جعلت الخطر أكثر قربًا من الكثيرين والكثيرات، ومع أن زوجها يتوقع نجاحها بلاشك، إلا أن الظروف ليست يسيرةً تمامًا لسببٍ مهم، هو أنه مع كل ما يبدو في المجتمع الأردني، فإنه لا يزالُ إلى حدٍ كبير محافظًا وملتزمًا .. كذلك فإن أبرز المنافسين لها بينومن عائلةٍ كبيرةٍ ومعروفة، كما أنه من أثرياء عمان الكبار! على أية حال ربما يرى الناخبون أنه من الحرام.. إهدارُ دمها مرتين!

الأهرام 4/ 11/  1989

 
شارك:

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي