قانونُ الحسبة وحريةُ الرأي

في إطار اهتماماته بالقضايا العامة التي تمس الحقوق المدنية لجميع المواطنين نظم مركز دراسات المرأة الجديدة ندوة بنقابة الصحفيين بالقاهرة حول قانون الحسبة وذلك يوم السبت الموافق 11 أغسطس 2001. حضر الندوة ما يقربُ من سبعين مشاركًا ومشاركة. وقد تحدث في الندوة عددٌ من المتحدثين المتميزين، الذين أثروا الندوة بآرائهم وخبرتهم الطويلة في المجال الحقوقى، وهم على التوالي: المفكر الإسلامي المعروف، أ . جمال البنا، وأ. أحمد سيف الإسلام حمد المحامي، ومدير مركز هشام مبارك للقانون، والمحامية أ. تهاني الجبالي من اتحاد المحامين العرب. وتولت الزميلةُ ماجدة شعرواي إدارة الندوة.

بدأت الندوة بمداخلة الأستاذ جمال البنا الذي أكد في حديثه على مجموعة من المبادئ المهمة. فقد ركز على أن حرية العقيدة قضيةً شخصية بحتة تتعلق بالشخص وعلاقته بالله، ولا يجوز لشخص تكفير شخص آخر، كما أن غاية الإسلام هي التأكيدُ على حرية الفكر. ثم استطرد حول علاقة الفكر الإسلامي بالشريعة، وأكد على أهمية التطوير خاصةً في مجال المرأة، كما أشار إلى أن الفقه الحالي لا يصلح للتطبيق في هذا المجال. كذلك، أشار إلى أن دعوى الحسبة مبنيةٌ في الأساس على مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي هو أهم المبادئ في الإسلام وأشار إلى أن هذا الدور تنهضُ به بشكل قوى جمعياتُ المجتمع المدنى (الجمعيات الأهلية).

أما الأستاذ أحمد سيف الإسلام، فقد أثار في مداخلته المكثفة عددًا من التساؤلات المحورية، هل حق المواطنة في المجتمع المصرى المعاصر مؤسسٌ على الانتماء الاجتماعي أم الديني؟ هل حقيقةٌ أن قانون الحسبة هو الوسيلة الوحيدة للدفاع عن المصلحة العامة كما يدعى البعض؟ وهل سيتحول مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى سلاح مسلط على كل من يتبنى رأيًا مخالفًا.

وأوضح أن قانون الحسبة لا يُستخدم فعليًا إلا في محاكم الأحوال الشخصية، وهو خاص بعلاقة الزوج والزوجة، وليس له علاقةٌ بأي منفعة خاصة أو عامة، مما ينفى عنه الغرض من الدفاع عن المصلحة العامة. وأشار أيضًا أن هذه الدعوة لا تتحرك إلا لدوافع شخصية في الواقع، ولا علاقة لها بالمصلحة العامة. وقد أثار تساؤلاً هامًا: ألا يثقل ضمائرنا أن نحرم شخصًا حتى لو كان مرتدًامن حق تكوين أسرة؟

أما فيما يتعلق بالحسبة والمصلحة العامة، فإن أحكام القضاء فرضت ألا ترفع قضايا الحسبة إلا من شخص له الحق وله المصلحة في رفعها، وقد اتسعت هذه المصلحة باعتبار أن أي شخص يتمتع بحق المواطنة هو شخص له مصلحة. وهنا أوضح أ. أحمد سيف الإسلام أن هناك طرقٌ أخرى يمكن بها الدفاع عن المصلحة العامة بغير قانون الحسبة، مثل رفع دعاوي في مجلس الدولة وقانون الإجراءات والمرافعات إلخ. وقد أثار أ. أحمد سيف أخيرًا موضوع حرية الرأي والتعبير، وعلاقة تقييد الإبداع بالتخلف الفكري، ومحاولة الشعب والمجتمع غلق كل منافذ الإبداع بحجة وجود مقدسات لا يجب أن تُمس، ونتج عن ذلك كثير من القضايا المشهورة مثل قضية الروايات الثلاث، والمشكلة الأخيرة لجريدة النبأ، مما أدى إلى التقاء مفاجئ لقطبي الأمة حول أهمية استعمال قانون الطوارئ وذلك دون وعي لما جلبه هذا القانون من خراب على المجتمع، من قمع للفكر وللحرية الشخصية.

ثم تحدثت الأستاذة تهاني الجبالي التي بدأت بتوجيه الشكر إلى كل من أ. جمال البنا وأ. أحمد سيف الإسلام على تقديم عرض واف للموضوع من كافة الجوانب، مما أتاح لها الفرصة للحديث كمواطن عادي يراقب ما حوله. وقد أقرت أنه – من خلال هذه المشاهدة يلاحظ وجود الحسبة في كل ما حولنا. وأبرز مثال على ذلك ما يُناقش حول موضوع عنصرية إسرائيل، وهو ما يلخصُ فكرة الحسبة، وهو إحساس البعض بامتلاك الحقيقة وحدهم، وغياب الإحساس بالتكافؤ الإنساني. كما أكدت على أن التطوير الإسلامي غائب.. ويسري هذا على العديد من القضايا مثل قضايا المرأة، خاصةً وهي تمثل على وجه الخصوص الحلقة الضعيفة في المجتمع. إذ نلاحظ أن هناك انتقائية في اختيار الموضوعات التي ترفع فيها قضايا الحسبة، وهي تفضيلية موجودة في المجتمع كله، فلا أحد يتحدث عن مسألة الفقر في مصر.. وحق الكفاية في الإسلام، ولا يرفع أحد قضية حسبة على مهربي أموال البنوك المصرية إلى الخارج.

وقد قامت أ. تهاني الجبالي بعقد مقارنة بين ما نحن فيه الآن وبين عصور سيطرة الكنيسة على المجتمع الأوروبي. وطرحت بعض التساؤلات منها: من هو القاضي الذي سيحكم في قانون الحسبة؟ وكيف تكونت عقيدته وأفكاره؟

بعد الانتهاء من حديث المنصة، فتح باب النقاش، فجاءت معارضةٌ من أحد الحضور على ما ورد من حديث، وطرح اعتراضه في مجموعة من الأفكار تتمثل في:

أن الندوة عُقدت لتبرير مواقف د. نصر حامد أبو زيد ود. نوال السعداوي، وأبدى تحفظه على ما يُسمى بحرية التعبير للأشخاص، مقترحًا ضرورة تأسيس لجان لحماية الدين. ثم قام أحد الحضور بالحديث عن التعددية الفكرية في مصر، والصراع الفكرى. وقد أشار أن الصراع ليس هو المشكلة في حد ذاته، بل أسلوب إدارة هذا الصراع هي المشكلة. كما تحدث عن قيام المثقفين بالدفاع عن أنفسهم وخاصةً عن نصر حامد أبو زيد ونوال السعداوى. كم تدخلت إحدى المشاركات لتطرح أهمية أن يكون هناك استنادٌ مدنى يهتم بفرض حقوق الإنسان على القانون. وناقش أحد المشاركين موضوع المدينة الفاضلة وهو ما يحاول البعض إيهامنا بأن الوص إليه سيكون عن طريق قانون الحسبة وطرحت إحدى الشابات مجموعةً الأفكار حول دور الأزهر الحقيقي في التوعية والتربية، وحول أهمية ألا يتحول إلى مؤسسة تكفير ومؤسسة لنقد الفن والأدب. وترى هذه المتحدثة أن هناك موقفٌ شديد السلبية من قبل المثقفين تجاه نوال السعداوي، كما أشارت إلى أن الرسول نفسه لم يُمنح الحق في تقسيم الناس إلى كافر ومسلم.

ثم عقبت المنصة على الحوار، وبدأ التعقيب بالأستاذ جمال البنا الذي أكد على مجموعة من النقاط، منها: أننا نحكم على الإسلام من خلال أقوال الفقهاء، وهم يأخذون مواقف مخالفة تمامًا للإسلام كموقفهم من المرأة والرقيق مثلاً. كما أكدت على أننا في حاجة لثورة جديدة لتفسير القرآن وتطوير روح الإسلام. وأشار إلى أن عقد الزواج هو في المقام الأول عقدٌ رضائي يقوم في الأصل على الإيجاب والقبول. وقد علَّق أ. أحمد سيف الإسلام على مجموعة من الأفكار أيضًا حول قانون الحسبة والنصوص التي استند عليها، وأفاد بأن قانون الحسبة قد مر بعدة مراحل آخرها 1996 عندما صدر قرارٌ بأن النيابة هي الوحيدة التي من حقها تحريك دعوى الحسبة، كما أشار إلى أن حيلةٌ قانونية تُطبق على المتزوج وليس على الأعزب، وقام بالرد على أحد الحضور الذي طالب بأن يكون الإبداع مقصورًا على مجالات الطب والهندسة، قائلاً أن مجرد تحديد مجالات الإبداع قيدٌ مرفوض. وفي النهاية ختمت أ. تهاني الجبالي الندوة بمناقشة المناخ العام الذي يدعم فكرة أن البعض فقط هم الذين لهم القدرة على التحدث باسم الدين، كما أشارت إلى أن المرجعية الدينية للقانون في مصر شبه مسموعة، وأن الشريعةَ أمر دنيوى مستقى من النصوص، لذلك فهو نوعٌ من أنواع الاجتهاد، كما أشارت إلى أن الحرية ليست مطلقة، بل هي محكومة بعقد اجتماعي له ضوابط محددة، ولكن إذا كان هناك لا إكراه في الدين، فلابد أن يكون هناك لا إكراه في الدنيا أيضًا.

 

شارك:

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي