قصة اغتصاب عادي للغاية

التصنيفات: أرشيف صحفي, اغتصاب

قام بيننا نوعٌ من التفاهم، فكانت تجمعُ بيننا وجهاتُ نظر مشتركة ثقافيًا.

ولأننا تشاركنا في العمل السياسي والاجتماعي، بادر بالتعرف على أثناء اجتماع في المنتدى حين خاطبني قائلاً أريد أن أراك لتناقش في موضوعات خاصة بهذا العمل العام“. كان يتحدثُ بحماسٍ عن نضال الشعوب ضد ألوان القهر والعبودية والتبعية، أثار كلامه اهتمامی فقبلتُ عن حسن نيةٍ، وختمتُ حديثنا قائلة سنلتقى بعد الاجتماع” .

ذهبنا إلى المقهى كي نتناقش.. ولم يدم النقاشُ طويلاً حول هذه الموضوعات المشتركةبيننا، وسرعان ما أدركتُ أن طلبه للنقاش حول الموضوع لم يكن إلا ذريعةً لكي ينفرد بي. تناول يدى وقرَّب مقعده منى وحاول أن يقبلنيأربكتني سرعته ولكن لم أتجرأ أن أصده بعنفحاولت أن أفهمه أننى لا أقبل تمهيداته لإقامة علاقةٍ بيننا، وذلك بسحب يدى من يده بعد محاولات تقبيلي.. لكنه ألح، إذ قال بينه وبين نفسه سينتهي بها الأمرُ الى الموافقة ولو بعد حين..” دخلتُ حينئذ في نقاشٍ حول موضوع اقتناصالنساء، لألفت نظره أن الرجال يجدون ألف ذريعةٍ لعقد الصلات مع النساء بغرض مضاجعتهن وذكرتُ له مثاله حيثُ أنه يريدُ اقتناصيتحت ستار مناقشة المسائل الثقافية المشتركة.. ودخلتُ في العبث القديم إلى أن النساء في نظر الرجال مجرد أشياء جنسية، وأن هذه لازمةٌ قديمة يعرفها الجميع، وأنه لما كانت لديه وجهات نظر ثورية حول نضال الأفراد والشعوب ضدَّ الاضطهاد والقهر، فبالأولى أن يكون واعيًا بهذه الأمور في التعامل من النساء. أفهمني أنه لا وجود، من وجهة نظره، للتضاد بين الرجال والنساء بخصوص الجنس، وأنه من المفترض أن أكون قد تجاوزتُ وجهات النظر العقيمة هذه (كون المرأة موضوعًا جنسيًا).

حاول فيما بعد أن يراني عدة مرات، ولكنني كنتُ أرفض.. وفي النهاية أحبطت عزيمته، ولم يعد يتحدثُ إلى أثناء الاجتماعات، ولم أره ثانيةً لفترة من الزمن، وكان ذلك الموضوع محل تندرٍ بيني وبين زميلتين، حيثُ أنه حاول معهن أيضًا تحت ستار ذرائع أخرى

ذات يومٍ طرق بابي، فتحتُ له ليدخل وما كان بوسعي أن أفعل شيئًا آخر ما دامت هناك درجة ما من الثقة، قلتُ في نفسي أولاً، أنه فهم أنني أرفضُ أن تكون لي علاقة معه، ثانيًا وأنه ربما كان لديه، معلومات أو أخبارٌ يريد أن يقولها لي بخصوص اجتماعات المنتدى. تبادلنا الأخبار ثم أخبرته أنه جاء في وقت غير مناسب، حيث أننى كنت على استعداد للخروج على عجل.. وفي اللحظة التي هممتُ فيها بالمغادرة انتقل إلى مرحلة الهجوم” .. أرغمني على تقبيله فصددته، وبعصبيةٍ شديدةٍ عقدتُ العزم على إفهامه حقيقة موقفي بصراحةٍ تامة وحزم.. قلت له: “لقد سئمت حركاتك ومحاولاتك المستمرة وأنا لست الوحيدة.. “أخبرته بما قالته الزميلتان، فأجابني باستنكار: ما معنى ذلك .؟

ألأن الأخريتين تريان هذا الرأي، تعتقدين أنت في نفس الشئ، إن هذا الموقف ذيليةٌ عبيطة منك.. “وأجبته بدوریذيلية؟ ألا تراني أهلاً لكي أحكم بنفسي عليك وعلى تصرفاتك؟” .. ظل يسخرُ من حديثي قائلاً: إنني متأثرة بأفكار تحرر المرأة عن صفة المرأة كشئ، وكموضوع للجنس.. خيل إلىَّ في هذا الحوار المحموم أنه يقولُ: كلكنَّ عاهرات. ما كان ليفهم رفضي! .. قلتُ له: إننى لا أريد أن أضع نفسي تحت تصرف شهواته، وإنه لا رغبة بي لمضاجعته، قال لي – معترضًا أن اهتمامي بحركة تحرر النساء يجعلني مفتوحة الفخذين على الدوام: أنت لست عذراء بالطبع، فلم هذا الأخذ والرد؟ .. ولما أدرك أن معارضتى له سوف تزدادُ حدةً، ظهرت على وجهه علامات الغيظ والشر، فأنا أتأبي عليه، وهذا شئٌ لا يطيقه .. كان يتصور أن مجرد عرضه لي هو شرفٌ لي، وكنتُ أمثلُ في نظره – حيثُ أنه يعتبرُ أنني لست عذراء حقًا في الدخول المجاني.. قلت له وأنا في أشد الغيظ: يجب أن أذهب فقد تأخرتُ كثيراً ..

سحب يدي بعنف مباغت قائلاً: لا أريدُ أن يسخر منى أحد .. أنا لست شيئًا يُلعبُ به .. ” كان رفضي يجرح رجولته .. حاولتُ أن أكون هادئةً بعض الشئ، وقلت إننى آسفةُ أن تجرى الأمورُ بيننا على هذا النحو، واتنهز فرصة تلك النبرة الهادئة، واقترب مني. ظننته سوف يودعني ويتركني في سلام، وإذا به ينقض علىَّ.. دفعني بقوة نحو الباب، وقبلني بالقوة وبيده اقتحم فرجي .. في تلك اللحظة المحددة علمت أنه شرع بالفعل في اغتصابي.. قلتُ له: “أتريدُ اغتصابي لتعاقبني على إذلالي إياك؟لم يُجب.. أمرني بالدخول إلى غرفة النوم فرفضت، فحملني.. تمسكت بالجدار ورحتُ أصيحُ مستنجدةً.. رمى بي على السريرمنعني من الصراخ قائلاً ليس من صالحك أن تصرخي” ..

لم أرد بالعنف على عنفه الجسدي، لأنني ككل أمرأة خضعت لعملية مشارطة ثقافية اجتماعية جعلت منى كائنًا غير عدواني، كائنًا وديعًا ومطيعًا ولطيفًاوالنساءُ اللائي يدافعن عن أنفسهن في هذه الظروف، يخرجن من المعركة لا مُغتصبات فحسب؛ بل مجروحاتٍ

 

ومرضوضاتٍ أيضًا …. وفي كل الأحوال فهنَّ مقتنعاتٌ كل الاقتناع بضعفهن الجسماني، وبعدم قدرتهن على القتال إلى الحد الذي يُقابلن به فعل الاغتصاب بسلبيةٍ شديدة.. وهذا ما حدث لي.. وعندئذ اعتبر سلبيتي موافقة.. كنت في داخلي أرفضُ وأصرخُ، ولكنني كنتُ بلا سلاح.. قال لي أترفضين الآن أيضًا؟؟

إنكن تتظاهرن بالتأبي، ولكن في صميمكن تحببن أن تُغتصبن.. هل تنكرين أنه يُعود عليكنَّ باللذة؟ .. نال لذته، ثم سألني إذا كنت أنا أيضًا قد استمتعتُ اقتناعًا منه أنه قد منحنى لذة..

حين غادر المكان قال لي: آمل ألا تُكنى لى أي ضغينة.. على كل فإن ذلك لن يغير مما حدث شيئًا كان يُقرُّ باغتصابي….

(نشرت في المجلة الفرنسية الأزمنة الحديثةفي عددٍ خاصٍ بعنوان النساء يعانونترجمتها بتصرف: فاتن مرسی) كل الناس 4/ 9/ 1989

شارك:

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي