قُتلت مرتين!

الشركاء: بنت النيل

المقدمة

في 20 يونيو الماضي، سجلت عشرات الكاميرات جريمة قتل الطالبة نيرة بجوار سور جامعة المنصورة, التي تدرس بها، على يد زميل لها بنفس الكلية. ليست واقعت نيرة فريدة من نوعها، فقتل النساء أحد أشكال العنف ضد النساء الموجودة والمتكررة في المجتمع المصري. لكن وجود كاميرات وعدد هائل من الشهود ساعد على انتشار أخبار هذه الواقعة بشكل سريع وضخم, حتى باتت حديث الرأي العام منذ وقوعها وحتى اليوم.

بطبيعة الحال اهتمت جميع وسائل الإعلام والمنصات الصحفية في مصر بتقديم تغطيات واسعة لهذه الجريمة. في محاولة للّحاق بمواقع التواصل الاجتماعي التي كانت أسبق في نقل خبر الجريمة. السؤال هنا, هل التزمت هذه التغطيات بالقواعد المهنية والأخلاقية لمهنتي الصحافة والإعلام بما أن من قاموا بها هذه المرة صحفيين / ات محترفين / ات وليسوا من عموم مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي؟

يحاول هذا التقرير تقديم قراءة نقدية للتغطيات الإخبارية الخاصة بجريمة قتل الطالبة نيرة داخل عينة من المنصات الصحفية المصرية، وبحث مدى التزام هذه التغطيات بالقواعد المهنية والأخلاقية للعمل الصحفي، وكذلك مدى مراعاة تلك التغطيات لمعايير التغطية الصحفية الحساسة جندريًا.

يتضمن التقرير فصلاً تمهيديًا يقدم بعض المبادئ الخاصة بتغطية جرائم العنف المبني على النوع الاجتماعي بشكل عام اعتمادًا على ما هو موجود في مواثيق الشرف الصحفي والإعلامي في مصر، أو عند غيرها من الدول, كذلك تعتمد المبادئ المضمّنة في هذا الفصل على الجهود البحثية التي قام بها العشرات من الصحفيين / ات والباحثين / ات والمنظمات ذات الصلة في محاولة لوضع إطار منضبط لتغطية جرائم العنف المبني على النوع

الاجتماعي يراعي مصلحة الناجيات واحتياجاتهن، ويساعد في كسر ثقافة التطبيع مع جرائم العنف ضد النساء. في الفصل الثاني يقدم التقرير تحليل لـ 396 مادة خبرية نشرتها المواقع الاليكترونية (أخبار اليوم مصراوي الوطن) في الفترة من 20 يونيو 2022 وحتى 26 يونيو 2022. احتوت هذه التغطيات على 320 انتهاكًا للمعايير المهنية للعمل الصحفي والإعلامي، أو للمبادئ الخاصة بالتغطية الصحفية الحساسة جندريًا. تنوعت ما بين انتهاك خصوصية الضحية أو أسرتها، ونشر صور أو مقاطع فيديو للجريمة, أو استخدام عناوين صحفية مثيرة على حساب الحقيقة واحترام الضحية.

بالإضافة لبعض الأشكال الأخرى.

 

يعتمد هذا التقرير بشكل أساسي على منهج تحليل المضمون في تقديم قراءة نقدية للمواد الصحفية التي نُشرت حول جريمة قتل طالبة المنصورة (نيرة) أمام أحد بوابات الجامعة. تم حصر المواد الخبرية المنشورة في ثلاث مواقع اليكترونية هي موقع أخبار اليوم, موقع مصراوي, موقع جريدة الوطن. بالإضافة لبعض التغطيات الموجودة على الحسابات الرسمية لهذه المنصات الصحفية على موقع يوتيوب“. تم اختيار هذه المواقع تحديدًا كعينة ممثلة لأنماط المنصات الصحفية الموجودة في مصر في الوقت الحالي, فبوابة أخبار اليوم تمثل الصحافة القومية، وموقع مصراوي يمثل الصحافة الخاصة, في حين يمثل موقع الوطن المنصات الصحفية المملوكة لمؤسسات حكومية أخرى. بالإضافة لمجموعة من المعايير الفرعية مثل نسب مشاهدة كل منصة, وحجم اشتباكها بالتغطية الإخبارية للواقعة محل الرصد.

يتناول التقرير المواد المنشورة في الفترة من 20 يونيو 2022 (تاريخ واقعة القتل) وحتى صدور قرار المحكمة بحظر النشر في القضية, في 26 يونيو 2022 تم حصر المادة المنشورة في المواقع الثلاثة عن طريق البحث باستخدام محركات البحث الداخلية المدمجة في هذه المواقع, أو محرك البحث الخاص بشركة جوجل وذلك باستخدام الكلمات المفتاحية (نيرة المنصورة ذبح طالبة), ومع ذلك قد تكون هناك مواد أخرى لم ننجح في الوصول إليها نتيجة لسقوطها من نتائج عمليات البحث التي قمنا بها.

يتبنى هذا التقرير منظور نسوي في تحليله للمواد الإخبارية محل الرصد, ويركز فقط على المخالفات المهنية والأخلاقية التي لحقت بالضحية حيث تم إهمال الانتهاكات المهنية التي تخص المتهم وهي موجودة بشكل متكرر في المواد الصحفية محل الرصد, كذلك تم إهمال رصد مخالفات مهنية أخرى مثل نشر تفاصيل غير دقيقة أو مغلوطة حول الوقائع المادية للجريمة.

المبادئ الأخلاقية للتغطية الإعلامية

لجرائم العنف المبنى على النوع الاجتماعي

الحريات الصحفية والإعلامية جزء أصيل من الحق في حرية التعبير، لكن ممارسة هذا الحق تخضع للتنظيم للحفاظ على حقوق وحريات أخرى من هنا جاءت فكرة التغطية الصحية الحساسة جندريًا، أ التغطية الصحفية التي تراعي معايير النوع الاجتماعي وتناصر الضحايا / الناجيات لا المجرمين. وتدعم ملاحقة الجناة ولا تبرر لهم ما اقترفوه من جرائم.

في هذا الفصل نحاول نتناول بشكل مختصر بعض المبادئ الخاصة بتغطية جرائم العنف المبني على النوع الاجتماعي بشكل عام اعتمادًا على ما هو موجود في مواثيق الشرف الصحفي والإعلامي في مصر، أو عند غيرها من الدول، كذلك تعتمد المبادئ المضمنة في هذا الفصل على الجهود البحثية التي قام بها العشرات من الصحفيين / ات والباحثين / ات والمنظمات ذات الصلة في محاولة لوضع إطار منضبط لتغطية جرائم العنف المبني على النوع الاجتماعي يراعي مصلحة الناجيات واحتياجاتهن ويساعد في كسر ثقافة التطبيع مع جرائم العنف ضد النساء. من المهم هنا الإشارة إلى أن اختيار هذه المبادئ قد تم بشكل انتقائي لعلاقتها بموضوع التقرير. لكن هناك مبادئ أخرى كثيرة لا تقل أهمية عما سيتم ذكره في الأجزاء التالية, تحكم أخلاقيًا التغطية الصحفية لجرائم العنف المبني على النوع الاجتماعي.

المبدأ الأول: الدقة

تعمل وسائل الاعلام عند تغطية الأخبار / الحوادت على نقل الحقائق وليس التخمينات أو الآراء. يجب أن تفصل المنصات الصحفية والإعلامية بشكل واضح بين ما هو خبر، وما هو رأي. في تغطية جرائم العنف المبني على النوع يجب أن يتلزم الصحفيين / ات بالتأكد من كل معلومة يرصدونها داخل تقاريرهم دون اللجوء للفرضيات أو لإطلاق الأحكام. من المهم أيضًا أن يتعلق كل ما ينشر داخل الخبر بالجريمة نفسها دون تعدي ذلك لنشر معلومات عن أقارب الضحايا أو تاريخهم الشخصي. من الممكن هنا الاعتماد على المصادر الرسمية مثل جهات التحقيق والضبط، أو ما يرد على لسان الضحية نفسها. أو شهود العيان. كذلك يجب أن يستخدم الصحفي لغة دقيقة ومنضبطة دون استخدام ألفاظ أو تعبيرات أدبية, أو غير محددة.

يرتبط بهذا المبدأ أيضًا طريقة صياغة العناوين. الأخبار والتقارير التي تتناول جرائم العنف المبني على النوع الاجتماعي ليست محلاً للعناوين المثيرة. على الصحفي عند الانتهاء من تقريرة طرح الأسئلة الأخلاقية التالية قبل النشر:1

1 – هل يساهم هذا العنوان في تعزيز القوالب النمطية؟

2- هل يتجنّب أي مصطلح يمكن أن يشكل ضررًا؟

3- هل يحترم العنوان ضحية الاعتداء ؟

4- هل يتجنّب العنوان الإيذاء ويقدّم الضحية على أنها قادرة على الصمود؟

المبدأ الثاني: احترام الخصوصية

يرتبط مبدأ احترام الخصوصية بحماية الضحايا وعائلاتهم من أي أذى لاحق، فضلًا عن كونه حق إنساني، معترف به داخل المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وداخل الدستور المصري يجب أن يلتزم الصحفي بذكر التفاصيل الضرورية فقط داخل تغطيته الخبرية دون أن يتعدى ذلك لنشر تفاصيل تخص عائلات الضحايا، أو تاريخهم الشخصي وحياتهم العاطفية، وغيرها.

مدونة السلوك المهني للأداء الصحفي والإعلامي, التي تم إقرارها بواسطة رؤساء وممثلو (نقابة الصحفيين اتحاد الإذاعة والتليفزيون غرفة صناعة الإعلام المرئي والمسموع نقابة الإعلاميين الهيئة العامة للاستعلامات) عام 2015 تحدثت بشكل واضح عن هذا المبدأ في البند الثاني عشر والذي ينص على الامتناع عن الممارسات التي يحرمها القانون وترفضها مواثيق الشرف وعلى رأسها السب والقذف وانتهاك خصوصية الأفراد وحرماتهم تحت أي ظرف من الظروف2

المبدأ الثالث: مع الضحايا لا مع الجناة!

جوهر التغطية الصحفية الحساسة جندريًا لجرائم العنف المبني على النوع الاجتماعي هو انحيازها للضحايا، وابتعادها عن الإرث المجتمعي المترسخ في مثل هذه الجرائم والذي غالبًا ما يميل لتبرير جرائم الاعتداء على النساء، فتسمى جرائم القتل جرائم شرف“, ويسمى الاعتداء على أجساد النساء داخل الأسرة تأديب“. هذا الانحياز لا يتنافى مع معيار الموضوعية الذي يفترض أن تلتزم به وسائل الصحافة والإعلام, فهو انحياز لقيم العدالة والمساواة، ومناصرة لحقوق إنسانية تعرضت للانتهاك.

في أحيان كثيرة تستخدم وسائل الاعلام والصحافة أسلوبًا في التغطية يركز على تصرفات الضحية، ويوحي للرأي العام أنها فعلت شيئًا ما استحقت عليه الجريمة التي وقعت في حقها، مثل الحديث عن أن ضحية حادث تحرش جنسي كانت ترتدي ملابس قصيرة, أو أن الزوجة التي ضربها زوجها كانت تغضبه بشكل متكرر. هذه التبريرات وغيرها تعزز التعاطف المجتمعي مع المجرم وبالتالي تجعل من جريمته فعلاً مقبولاً“.

في هذا السياق أيضًا تستخدم بعض الوسائل الصحفية تبريرات من نوع آخر. قائمة على الاعتراف بالجريمة لكن وفي نفس الوقت تقدير مشاعر الجاني وإضفاء لمسة رومانسية على جريمته، فيتم استخدام عناوين من قبيل ومن الحب ما قتلللحديث عن جرائم الشركاء العاطفيين. في النهاية تساعد كل هذه العبارات والتلميحات على قبول ما هو غير مقبول. تظل الجريمة جريمة بغض النظر عن مشاعر مرتكبها ورؤيته الشخصية.

بعض التغطيات الإعلامية تركز على الجاني، ومستقبله المهدد، وانجازاته في حياته السابقة مع اهمال تام للضحية فتصبح المشكلة أن مستقبل هذا الشخص على المحك، لا أنه تورط في ارتكاب جريمة عنف.

في هذه الشأن ينص البند الثامن من مدونة سلوك مهني للأداء الصحفي والإعلامي على: “الامتناع عن نشر وتقديم أخبار الدعاوى القضائية والجرائم بصورة تؤدي إلى تبريرها أو تحبيذها وتجنب التأثير في الرأي العام والأطراف المعنية لصالح، أو ضد المتهمين أو الشهود أو القضاة3

المبدأ الرابع: معضلة نشر الصور

هناك مشكلة دائمًا تتعلق بنشر الصور في جرائم العنف المبني على النوع الاجتماعي تتضمن هذه الصور ثلاث أنواع رئيسية هي: صور الضحية, صور المتهم, صور/ فيديو للجريمة. لم تُنظم القوانين الخاصة بالعمل الصحفي أو مواثيق الشرف المهنية تلك المسألة نظرًا لتعقديها وتركت الأمر منوطًا بكل وسيلة إعلامية على حدة لتنظمه من خلال سياستها التحريرية وحسب طبيعة الجريمة محل التغطية.

بالنسبة لصور المتهمين فهناك اتجاه قوي يرى عدم نشرها مطلقًا احترامًا لقرينة البراءة مع السماح بنشرها عقب صدور حكم بات في حق المتهم.

أما صور الضحايا الشخصية (في غير موضع التعرض للجريمة) فالأمر متروك لتقدير الصحفي / ة نفسه ولموافقة الضحية. في بعض الحالات يجب على الصحفي حماية الضحية من أي تعقب أو عقاب محتمل, رسمي أو مجتمعي فيقوم في هذه الحالة بتصويرها بطريقة لا تكشف شخصيتها أو مكان إقامتها. يقدم دليل الإبلاغ عن العنف ضد الفتيات والنساءبعض الأسئلة لمساعدة الصحفيين / ات في اتخاذ قرار نشر الصور من عدمه.4 من بين هذه الاسئلة:

هل تحافظ الصورة على الفتاة التي تعرضت للاعتداء وتحفظ كرامتها وسلامتها ؟

هل تتجنب هذه الصورة الإثارة والوصم؟

بحال كانت الصورة قاسية أو صادمة فهل هي في خدمة المصلحة العامة ؟

هل تخدم الصورة الجانب الصادم للموضوع المثار وتوضح الفعل كانتهاك لحقوق الإنسان؟

هل تساعد الصورة الجمهور على فهم الوضع أو الحالة بشكل أفضل ؟

وعن نشر صور/ فيديو الجريمة نفسها أو نشر صور الضحية حال تعرضها للجريمة، يقول الصحفي الألماني سيمون ب. بلاتسرتفي دراسته حول تعامل الصحف الألمانية والإسبانية مع صور العنف“: “أن الأمر يتعلق بالسياق دومًا وأنه لا يوجد حل سحري للتعامل مع تلك الصور، بالإضافة إلى أنه في بعض الأحيان من المهم نشر صور العنف لكي يتم توثيق ويلات الحروب“. في هذا الشأن يقترح الصحفي نفسه مراجعة مجموعة من النصائح قبل اتخاذ قرار نشر صور الاعتداء / الجريمة, أو الضحية بعد تعرضها للاعتداء أهم هذه النصائح هي:5

1 – التحقق من إمكانية نقل المعلومات المتعلقة بالصورة كنص مكتوب، بحيث يمكنه الاستغناء عن نشر الصورة.

2 – أثناء اختيار نشر صور العنف ينبغي على الصحفي أن يبرر اختياره نصًا، وأن يحذر القارئ من قسوة الصورة.

3 – كثرة نشر صور العنف يؤدي إلى استهلاك تأثير صدمتها ووظيفتها في مناشدة الآخرين, ولذا يجب على الصحفي التحقق من أن نشر الصورة في هذه الحالة ضروري ومفيد.

4- ينبغي على الصحفي أن لا يعرض الصورة بأي حال من الأحوال بشكل من أشكال الإثارة، فبدلاً من نشر صورة كبيرة على الصفحة الأولى، يمكن نشرها في داخل الصحيفة كصورة صغيرة، وبدلاً من عرض عدة صور ذات دلالة واحدة, يتعين على الصحفي البحث عن صورة واحدة قوية معبرة.

5- التحقق من إخفاء وجوه الضحايا الظاهرة في الصورة على الأقل. هذا الأمر ينطبق بشكل خاص على صور الموتى مراعاة لحرمة الموتى ومشاعر أقاربهم.

6 – نشر تحذير يوضح للمستخدم أنه على وشك الاطلاع على محتوى مسيء أو مؤلم, ومن ثم على المحرر أن يضيف رابطًا يُمكن المستخدم أن يضغط عليه ليرى الصورة.

7 – يمكن نشر صورة الشخص وهو على قيد الحياة لتعريف الجمهور أن هذه الشخصية هي الضحية، مع إمكانية إضافة إشارة سوداء إلى الصورة.

حاول هذا التقرير حصر المواد الخبرية المنشورة حول جريمة قتل الطالبة نيرة على عينة من المواقع الصحفية شملت: بوابة أخبار اليوم ( ممثلة عن المنصات الصحفية القومية), وجريدة الوطن ( ممثلة عن المنصات الصحفية المملوكة لجهات رسمية أخرى), ومنصة مصراوي (ممثلة عن المنصات الصحفية الخاصة).

خلال فترة الرصد نشرت المنصات الثلاثة 396 مادة خبرية حول الجريمة كانت موزعة كالآتي:

أخبار اليوم

120 خبر

مصراوي

172 خبر

الوطن

104 خبر

الإجمالي

396

وكان توزيع هذه المواد على الفترة الزمنية التي غطاها هذ التقرير كالآتي:

احتوت المواد الخبرية التي حللها هذا التقرير على 320 انتهاكًا للقواعد الأخلاقية والمهنية لتغطية جرائم العنف المبنى على النوع الاجتماعي، تم تصنيف هذه الانتهاكات لسبع أنواع رئيسية كان في مقدمتها نشر عبارات وجمل تدعو للتعاطف مع القاتل وهو الانتهاك الذي تم رصده 62 مرة ليشكل نسبة 19.4% من عدد الانتهاكات الإجمالي. في المرتبة الثانية جاء نشر صور أو فيديو للجريمة بواقع 60 انتهاكًا شكلوا نسبة 18.8% من العدد الإجمالي. ثم جاء استخدام عناوين تستهدف الإثارة في المرتبة الثالثة بواقع 50 انتهاكًا شكلوا نسبة 13.9% من العدد الإجمالي.

الشكل التالي يوضح حجم تكرار الأشكال المختلفة للانتهاكات داخل التغطيات الإخبارية التي تم تحليلها:

شكل الانتهاك

عدد الانتهاكات

اجمالي الانتهاكات

التشكيك في سلوك الضحية

10 انتهاكات

320 انتهاك

نشر بيانات شخصية للضحية أو لأسرتها

42 انتهاك

نشر صور عائلة الضحية

47 انتهاكات

نشر تفاصيل الحياة الخاصة للضحية

49 انتهاك

عناوين تستهدف الإثارة

50 انتهاك

نشر صور أو فيديو للجريمة

60 انتهاك

نشر عبارات وجمل تدعو للتعاطف مع القاتل

62 انتهاك

وعن نصيب كل منصة إعلامية من هذه الانتهاكات فقد حلت منصة مصراوي في المرتبة الأولى في عدد الانتهاكات التي تم رصدها في موادها الإخبارية المنشورة بعد أن سجلت 145 انتهاكًا، تليها منصة أخبار اليوم بـ 92 انتهاكًا، وأخيرًا منصة الوطن, والتي سجلت 83 انتهاكًا.

اسم الجريدة

عدد الانتهاكات

أخبار اليوم

92 انتهاك

مصراوي

145 انتهاك

الوطن

83 انتهاك

ورغم تقارب نسب الانتهاكات داخل الأخبار بالمنصات الصحفية الثلاثة إلا أن موقع مصراوي كان صاحب النسبة الأكبر حيث وصلت نسبة الأخبار التي احتوت على انتهاكات من إجمالي المواد الخبرية المنشورة لديه إلى84.3%

المنصة الصحفية

عدد الأخبار المنشورة

عدد الانتهاكات

نسبة الاخبار التي احتوت على انتهاكات

أخبار اليوم

120

92

76.7%

مصراوي

172

145

84.3%

الوطن

104

83

79.8%

قراءة في أنماط الانتهاكات التي اشتملت عليها

التغطيات الإخبارية لجريمة قتل الطالبة نيرة:

بعيدًا عن الأرقام السابقة والتي ترسم خريطة كمية لمدى مراعاة الأخبار المنشورة على المنصات الصحفية الثلاثة لمعايير التغطية الصحفية الحساسة جندريًا, نحتاج للنظر بشكل متفحص لمحتوى التغطية الصحفية نفسه المقدم في هذه القضية وكيف احترم / خالف معايير مهنية أساسية في تغطيته لهذه الجريمة بالإضافة لمعايير التغطية الحساسية جندريًا بالطبع. تتناول الأجزاء التالية تحليل كيفي لبعض الأنماط المتكررة داخل التغطيات الصحفية التي حللها هذا التقرير.

1- انتهاك خصوصية الضحية وأسرتها:

يمكن جمع معظم أشكال الانتهاكات التي تم رصدها في هذا التقرير تحت عنوان أكبر, هو انتهاك الخصوصية. اتخذ انتهاك الخصوصية داخل هذه التغطيات أشكالاً متعددة أولها نشر الاسم الكامل للضحية ثلاثيًا أو رباعيًا في معظم التغطيات التي شملها هذا التقرير. الغريب هنا أن بعض التغطيات الواردة في جريدة أخبار اليوم على سبيل المثال نشرت اسم الضحية ثلاثيًا، لكنها اكتفت بنشر الأحرف الأولى من اسم المتهم!

من الملاحظ أيضًا في المنصات الصحفية الثلاثة أن بعض الأخبار نشرت الأحرف الأولى من اسم الضحية، وبعضها الآخر داخل نفس المنصة نشر الاسم ثلاثيًا أو رباعيًا، وهو ما يعني بوضوح غياب سياسة تحريرية موحدة للتعامل مع تغطية أخبار الجرائم، وأن الأمر متروك لتقدير كل صحفي.

لا يتوقف الأمر عند نشر اسم الضحية كاملاً بل أن أحد الأخبار في جريدة الوطن قد نشر تفاصيل خاصة لنيرة تشمل سنها والقسم الذي تدرس فيه بكلية الآداب، وعنوانها، وأسماء شقيقاتها، وحالتهن الاجتماعية وما أنجبنه من أطفال. بالإضافة لعدد متابعي نيرة على تطبيق انستجرام, في الخبر نفسه نشر الصحفي صورًا خاصة حصل عليها من الحساب الاليكتروني لنيرة على تطبيق انستجرام.

المثال السابق يوضح كيف انتهك خبر واحد كل معايير الخصوصية, ليس للضحية وحدها، ولكن لأفراد أسرتها. فضلاً عن التساؤل حول ما الذي يدفع صحفي يغطي جريمة قتل بشعة لأن يفتش عن الحسابات الشخصية للضحية على مواقع التواصل الاجتماعي؟

2- أسوء استخدام ممكن للصور المرفقة مع التغطيات:

سبق وتحدثنا عن معضلة نشر الصور المرفقة مع أخبار جرائم العنف المبني على النوع الاجتماعي. معظم الأخبار التي حللها هذا التقرير لم تدخل هذه المعضلة من الأصل وقررت استخدام الصور بأسوأ طريقة ممكنة. من بين المواد الخبرية التي تم تحليلها والتي بلغت 396 مادة, تضمنت 60 مادة منهن صورًا أو مقاطع فيديو للجريمة, غالبيتها لم تحتو تحذيرًا عن مدى بشاعتها. وفي 47 حالة أخرى تم نشر صور أو مقاطع فيديو لأفراد من أسرة الضحية. بل تم نشر بعض الصور لأسرتها وهم يقومون بزيارة قبرها وهو حدث لا يهم القارئ ولا يفيد القضية في شيء، ولكنها لحظة خاصة لأصحابها.

في تغطية أخرى قامت جريدة أخبار اليوم بنشر عنوان منزل أسرة نيرة تفصيليًا وبتصوير المنزل من الخارج بالفيديو مصحوبًا بتعليق صوتي من الصحفي حول الحادث. وهو ما يدعونا للتساؤل حول القيمة الخبرية يقدمها هذا المحتوى بتصوير منزل الأسرة؟

3- استخدام العناوين المثيرة والمسيئة:

في عدد من الأخبار لجئت المنصات الصحفية لصياغة عناوين ( مثيرة) بلغة الصحافة, أي جاذبة للقراء, بغض النظر عن دقة هذه العناوين أو ما تحمله من مخالفات مهنية واضحة. مثلاً نشر موقع مصراوي موضوعًا للتتبع أصل مقولة ومن الحب ما قتكان عنوانه (بعد جريمة المنصورةقصة غريبة وراء مقولة ومن الحب ما قتل“) وهو فضلاً عن عدم مهنيته, يحمل تبريرًا ضمنيًا لفعل المتهم وهو الحب, والذي لا يمكن اعتباره بطبيعة الحال شيئًا سيئًا. على نفس النهج نشر الموقع نفسه خبرًا كان عنوانه (نيرة أشرف جديدة في قنا.. مزارع يقتل فتاة بسبب الحب والغيرةأما جريدة الوطن فقد أطلقت على الطالبة نيرة في عدد من أخبارها فتاة آداب المنصورةبدلاً من أن يتم تسمية نيرة بوصفها طالبة في كلية آداب بجامعة المنصورة اختارت الصحيفة الصيغة الأولى والتي يمكن قراءتها على أكثر من وجه حيث يمكن أن تُقرأ كلمة الآداب على أنها قضايا الآداب“.

4- التشكيك في سلوك الضحية والتبرير للقاتل:

أشتمل عدد من الأخبار محل التحليل على عبارات تبرر للقاتل. معظم هذه العبارات وليس كلها جاء على لسان القاتل في اعترافاته, أو على لسان أقاربه, أي أن الصياغة هنا قد تكون منقولة حرفيًا داخل الخبر عن هؤلاء الأشخاص, لكن نشرها بالطريقة التي وردت في الأخبار ودون إفراد مساحة لنشر رد عليها داخل الخبر يجعل منها آداة لكسب تعاطف مجتمعي مع القاتل.

في عدد من الحالات الأخرى جاءت التغطيات نفسها تحمل هذه التبريرات, ولم تأتِ هذه المرة على لسان القاتل. يمكن هنا الاستشهاد بهذه الفقرة التي نشرتها جريدة أخبار اليوم:

وتبين أن الطالب القاتل كان متفوقًا في دراسته منذ التحاقه بالكلية وكان من بين أوائل دفعته على قسم اللغات الشرقية بكلية الآداب خلال أول عامين، لكنه بات غير منتظم في دراسته هذا العام بعد اضطراب علاقته بزميلته القتيلة وإخبارها له بقدومها على إنهاء العلاقة بينهما، واتجه لتأجيل امتحانات هذا العام في محاولة للحفاظ على تفوقه حتى ارتكب جريمته بعد أن فشل في إعادة العلاقة حيث كان حريصًا على الارتباط بها.”

قدمت الفقرة السابقة بشكل واضح رأي الصحفى محرر الخبر على أنه حقيقة, تحمل هذه (الحقيقة) لومًا للضحية التي تسبب في تعثر القاتل دراسيًا، وهو المتفوق دراسيًا على حد وصف المحرر.

بعض الأخبار اتخذت مسارًا مختلفًا بالتشكيك في شخص الضحية نفسها مثل ما نشرته جريدة الوطن حول عمل نيرة ك موديلفقالت:

واعتادت شقيقتها الكبرى* **6 والتي تعمل في مجال التجميل والعناية بالبشرة أن تتخذ من شقيقتها الأصغر صاحبة الـ20 عامًا موديللبعض أعمالها في الميكب، وتنشر لها العديد من الصور ومقاطع الفيديو أثناء تجربة بعض لوكاتالميكب البسيطة والجريئة.”

قام محرر الخبر بإرفاق عدد من الصور الخاصة لنيرة والتي تظهر ما اعتبره المحرر (لوكات جريئة). في بعض التغطيات الأخرى داخل جريدة الوطن أيضًا، وصفت الجريدة القاتل بأنه صديقالضحية. بشكل تقريري كأنه حقيقة ثابتة دون أن توضح الوقائع / الأدلة التي يقوم عليها استخدام هذا الوصف لتعريف العلاقة بين القاتل والضحية.

1- آمب, آن ماري. الإبلاغ عن العنف ضد النساء والفتيات, منظمة اليونسكو, 2020

https://bit.ly/3z19vGX

2- الهيئة العامة للاستعلامات: مدونة السلوك المهني للأداء الصحفي والإعلامي.

https://bit.ly/3ALBOdC

3 – المرجع السابق

4 – آمب, آن ماري. الإبلاغ عن العنف ضد النساء والفتيات, منظمة اليونسكو, 2020.

https://bit.ly/3z19vGX

5- الانصاري, عمرو, ما بين السبق الصحفي وأخلاقيات المهنة.. 20 نصيحة لنشر صور الجثث, شبكة محرري الشرق الأوسط وشمال افريقيا.

نشرت في 1 أكتوبر 2019 تاريخ الاطلاع 30 يونيو 2022 https://bit.ly/3lzPJoY

6 تم إخفاء اسم الشقيقة داخل التقرير احترامًا لخصوصيتها، لكنه موجود في متن الخبر المنشور على جريدة الوطن.

في نهاية هذا التقرير نُشدد على الدور الهام والمحوري الذي تلعبه المنصات الصحفية والإعلامية في تشكيل الوعي الجمعي للمجتمع، وهو ما يعني بالتبعية أن ما تنشره هذه المنصات يمكن أن يساعد في الحد من التطبيع مع جرائم العنف القائم على النوع الاجتماعي، ويمكن أيضًا أن يقوم بالعكس، فيشجع على استمرار ارتكاب مثل هذه الجرائم. لذلك نقدم التوصيات التالية لمختلف الجهات المعنية بملف الصحافة والاعلام في مصر بهدف إعادة تصحيح مسار التغطيات الصحفية لجرائم العنف المبني على النوع الاجتماعي بما يتوافق مع معايير التغطية الحساسة جندريًا، وقيم المساواة والكرامة الإنسانية. تتخلص هذه التوصيات في:

1- تفعيل مدونة السلوك المهني للأداء الصحفي والإعلامي في مواجهة وسائل الاعلام التي تنتهك حقوق النساء بتقديم تغطيات صحفية لا تراعي معايير الخصوصية والدقة أو تقدم تبريرات للجرائم التي تقع ضدهن.

2- دعوة المؤسسات الصحفية والإعلامية لتبني سياسات تحريرية حساسة جندريًا، تراعي مصلحة الناجيات / الضحايا.

3 – الاهتمام بتدريب الصحفيين / ات والإعلاميين / ات داخل مؤسساتهم النقابية, والصحفية حول المعايير الأخلاقية التغطية قضايا العنف المبنى على النوع الاجتماعي.

4- إطلاق حوار موسع بين كافة الأطراف المعنية (نقابات مؤسسات إعلامية جهات رسمية منظمات ومجموعات نسوية – …) لصياغة مدونة سلوك خاصة بتغطية جرائم العنف المبنى على النوع الاجتماعي.

شارك:

اصدارات متعلقة

أزمات متوازية، ما نصيب النساء منها؟
الانتقام الإباحي.. تهديد رقمي يلاحق النساء ويقتلهن أحيانا
هل يجب علينا الاهتمام بالتغيرات المناخية
نص مليون من العاملين / ات بالخدمات المنزلية منزوعين/ ات الحقوق
التغيرات المناخية تمثل خطر كبير علي صحة الحوامل والأجنية بشكل خاص
“تمكين النساء لمواجهة التغيّرات المناخية”… مبادرة “عالم بالألوان” في مصر
نساء السعودية.. حقوق منقوصة وقمع متواصل
العنف الأسري ضد المرأة