لماذا لم تتفق الحكومات- قراءة مختلفة في وثيقة المؤتمر

اعداد بواسطة:

فقراتٌ لم يتفق عليها ممثلو الحكومات، وجاءت في مشروع الوثيقة بين قوسين

إن البشرهم أهمُّ وأثمن الموارد التي تملكها أية أمة. وينبغي للبلدان إتاحة الفرصة لجميع الأفراد كي يستغلوا إمكاناتهم إلى أقصى حد . (ص ۱۱)

ضمان حقوق الإنسان بما في ذلك الحق في التنمية كحقٍ عالمي وغير قابلٍ للتصرف، وجزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان الأساسية. وينبغي إيلاءُ اهتمامٍ خاص إلى تحسين الحالة الاجتماعية – الاقتصادية للنساء الفقيرات في البلدان النامية. ولما كانت المرأةُ عمومًا أشدُّ الفقراء فقرًا، والعنصر المؤثر الرئيسي في الوقت نفسه في عملية التنمية، يُصبحُ القضاءُ على التمييز الاجتماعي والثقافي والسياسي والاقتصادي ضد المرأة شرطًا أساسيًا للقضاء على الفقر وتعزيز النمو الاقتصادي المضطرد في سياق التنمية المستدامة، وضمان توفير خدماتٍ مرتفعة النوعية لتنظيم الأسرة والصحة التناسلية، وتحقيق التوازن بين السكان والموارد المتاحة والأنماط المستدامة للاستهلاك والإنتاج. (ص ۱۸)

ينبغي للمجتمع الدولي أن يواصل تهيئة بيئة اقتصادية داعمة، ولا سيما للبلدان النامية. والبلدان ذات الاقتصاد التي تمر بمرحلة انتقالٍ، في جهودها المبذولة للقضاء على الفقر ولتحقيق النمو الاقتصادي المضطرد في سياق التنمية المستدامة. (ص ۹)

ينبغي أن تسعى البلدانُ جاهدةً إلى تقليل معدلات وفيات الرضع والأطفال دون سن الخامسة بمقدار الثلث، أو تقليل معدل وفيات الرُّضع إلى خمسين، ومعدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة إلى سبعين، لكل ألفٍ من المواليد الأحياء أيهما أقل بحلول عام 2000…

وينبغي أن تهدف البلدانُ ذات المستويات المتوسطة في معدل الوفيات إلى إحراز معدل الوفيات الرضع دون خمسين وفاة لكل 1000 من المواليد الأحياء، ومعدل الوفيات الأطفال دون سن الخامسة يكون أدنى من ستين وفاة لكل ألفٍ من المواليد الأحياء…. ينبغي أن تهدف جميع البلدان إلى أن تُحرر بحلول عام ٢٠١٥ معدلا لوفيات الرضع ٣٥ وفاة لكل 1000 من المواليد الأحياء، ومعدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة يكون أدنى من 45 وفاة لكل 1000 من المواليد الأحياء، كما ينبغي للبلدان التي تبلغُ هذه المستويات قبل غيرها إلى زيادة خفضها (ص ٥٨).

ويجب أن تكفل حكومات البلدان المستقبلة حماية المهاجرين وأسرهم، وأن تعترف بالحق في لم شمل الأسرة (ص ٧٦).

كفالة أن يعتمد المجتمع الدولي سياسات اقتصادية كلية مواتية، لتعزيز النمو والتنمية الاقتصادية المضطردين في البلدان النامية (ص ١٠٥).

إن الحاجةَ إلى تدفقات الموارد التكميلية من البلدان المانحة ستبلغ 5.7 بليون دولار في عام ٢٠٠٠، و6.1 بليون دولار في عام ٢٠٠٥ و 6.8 بليون دولار في عام ۲۰۱۰، و7.2 بليون دولار في عام ٢٠١٥. كما أن الوكالات المانحة والحكومات المتلقية المعنية مدعوة كذلك إلى تخصيص ٢٠% على الأقل من أموال المساعدة الإنمائية الرأسمالية للقطاعات الاجتماعية بما في ذلك الاحتياجات المذكورة أعلاه، مع قدر مماثلٍ من الإنفاق المحلي. (ص ۱۰۷).

قراءة مختلفة في وثيقة المؤتمر

لم يثر مؤتمر للأمم المتحدة قدرًا من النقاش والخلاف والاختلافات مثلما آثار مؤتمر السكان والتنمية، وللأسف فإن النقاش في الصحافة المصرية قد هيمن عليه الاتجاه الإسلامي، ليس فقط بما ينشره، بل أيضًا بما استدعاه من ردودٍ ومناظرات، وقعت كلها في بيان الحلال والحرام في جزئيةٍ محدودةٍ هي الصحة الإنجابية، وما يتعلق بها من قضايا الإجهاض والثقافة الجنسية والمعلومات.

وقد أدى ذلك إلى إغفال القضايا الكبرى التي تطرحها وثيقةُ المؤتمر، والتي شهدت جدلاً واسعًا على صعيد العالم كله، وناقشتها العديدُ من المؤتمرات والندوات الوطنية والإقليمية والعالمية. هذا الخلاف هو امتدادٌ للخلاف الذي دار في قمة الأرض في مؤتمر البيئة والتنمية في البرازيل. ١٩٩٢ فالوثيقةُ برغم تعرضها لعقبات ومعوقات التنمية التي تواجه البلدان النامية، التي تعزوها للعقبات المتصلة باستمرار اختلالات التجارة, والبطء الذي يشهده الاقتصاد العالمي، إلا أنها تقللُ من تأثير سياسات التكيف الهيكلي، وضغوط صندوق النقد الدولي والبنك الدولي على الدول النامية التي تُرزح تحت عبء الديون، إذ تحصرُ الوضع في سوء تقييم هذه السياسات، وبالتالي فإن ما تطرحه الوثيقةُ من اتجاهات للعمل تفقد بعضًا من مصداقيتها، فكيف يمكن زيادة إمكانية الوصول إلى خدمات ومرافق الرعاية الصحية، وتوفرها ومقبوليتها، ورخص تكلفتها بالنسبة لجميع الأشخاص ووفقًا للالتزامات الوطنية (ص) 55، بينما النتائج المباشرة لسياسات التكيف الهيكلي.. هي تقليلُ الإنفاق الحكومي على الخدمات؟؟ والوثيقةُ من جانب آخر لا تطرحُ موقفًا واضحًا من قضية استخدام الموارد الطبيعية, فتتحدث عن الاستخدام غير المستديم، والتوزيع غير الناصح للموارد الطبيعية.” دون أن تحدد مسؤولية دول العالم الصناعي عن ذلك، بما يُعتبر تراجعًا حتى عن مؤتمر البيئة والتنمية، خصوصًا وأن هذه قضيةٌ هامة، حيث تحاول الدول الصناعية إلقاء مسؤولية تدمير الموارد الطبيعية والتدهور البيئي على فقراء العالم الثالث, بسبب أعدادهم المتزايدة، بينما أن أنماط الاستهلاك في العالم المتقدمهي المسؤول الأول عن ذلك، وعلى حد تعبير بتسي هارتمان منسق لجنة المرأة والبيئة والسكان، أن امرأةً بسيطةً من فلاحات بني لايس تتعامل مع بيئتها بشكلٍ أفضل بكثير من بعض خبراء البيئة، ولعل ما ينتجه هذا الخبير من موارد غير قابلة لإعادة الاستخدام في أسبوع، يكون أكثر مما تفعله هذه المرأة طوال حياتها“.

وهناك قضايا ينبغي أن تقف أمامها الدول النامية مثلما جاء في الوثيقة من ص12 المبدأ 6، ويؤكدُ المؤتمر الدولي للسكان والتنمية من جديد إلى الحاجة إلى إدماج البلدان ذات الاقتصاديات التي تمر بمرحلة انتقال، فضلاً عن جميع البلدان الأخرى في الاقتصاد العالمي دمجًا كاملاً (التشييد لنا).

ماذا يعنى ذلك بالنسبة الدول النامية في ظل النظام العالمي الجديد؟ في ظل اتفاقية تحرير التجارة الجات؟ هل سيساعدُ ذلك على التنمية المستمرة التي تدعو إليها الوثيقة، أم أن ذلك سيؤيد أوضاع التخلف السائدة حاليًا؟!

من أول القضايا التي أثارت نقاشًا واسعًا أيضًا، موضوع السياسات السكانية ذاتها, حيث ينتقد الطابع السائد للسياسات السكانية في دول العالم الثالث، والتي تنزع إلى فرض سياسات الحكومات بتقليل النمو السكاني، والتي تبدو في أكثر أشكالها فجاجةً في الهند، حيث يعقم ملايين الرجال والنساءبل إن بعض الاتجاهات ترفضُ وجود سياسة سكانيةباعتبار أن السياسات التنموية هي الأصل، وبوجودها تنتفى الحاجة إلى سياساتٍ سكانية و ما زال على الوثيقة أن تتخذ مواقف أكثر تحديدًا من قضية فرض السياسات السكانية على النساء، فرغم أن الوثيقة ترفض بشكلٍ واضح أي إكراه في برامج تنظيم الأسرة، إلا أنها لم تأخذ موقفًا من قضية الحوافزالمقدمة للعاملين الصحيين من أطباءٍ وغيره، بل وللنساء أنفسهن من أجل استخدام أنواعٍ محددةٍ من وسائل منع الحمل، وتكتفى الوثيقةُ بتشجيعالحكومات على عدم القيام بذلك.

من جانب آخر، فقد شهد الإعدادُ للمؤتمر جهودًا شديدة في توسيع مفهوم الصحة الإنجابية للمرأة خاصةً في صفوف المنظمات غير الحكومية النسائية – بحيث لا تقتصر على تقديم خدمات تنظيم الأسرة، وبحيث لا تقتصر على النساء في مرحلة الخصوبة، في الوقت الذي تفتقر فيه النساء الصغيرات السن أو السيدات اللائي تعدين مرحلة الخصوبة إلى أبسط الخدمات الصحية.. ونتيجةً لهذه الجهود، فقد أوصت الوثيقة بتخصيص ميزانيةٍ قدرها 5 بليون دولار لخدمات الصحة الإنجابية مقابل 10.2 بليون دولار لخدمات تنظيم الأسرة، وهو تقدمٌ عما هو سائدٌ الآن من تخصيص 1.2 بليون دولار لخدمات الصحة مقارنة بـ 10.2 بليون دولار لخدمات تنظيم الأسرة.. ومازال النقاش دائرًا حول ربط خدمات الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة بمجمل الخدمات الصحية، بحيث لا تتدفق المنح والمعونات على برامج تنظيم الأسرة، بينما تعاني خدمات الرعاية الصحية من التدهور المستمر في ميزانياتها، وخصوصًا في ظل سياسات التكيف الهيكلي.

هذه بعضٌ من نقاطٍ نراها على درجةٍ من الأهمية كانت تستدعي ما تستحقه من مساحة واهتمام على صفحات الجرائد، نضيف إليها بعضًا من النقاط التي لم تتفق عليها الحكومات حتى لحظة المؤتمر .. والسؤال المطروح هو: إذا كانت الحكومات قد تحفظت على بعضٍ من الحقوق الخاصة بالمرأة تحت دعاوى الخصوصية الثقافية .. فلماذا لم تتفق الحكومات على هذه النقاط والتي – في حدود علمنا – لا تتناقض مع أي خصوصية، ثقافية كانت أو غير ذلك

شارك:

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي