ماذا بعد مؤتمر السكان

التصنيفات: أرشيف صحفي, الحركات

اعداد بواسطة:

اكتسبت المنظمات غير الحكومية في مصر خبرةً متميزةً من واقع مشاركتها في الإعداد لمؤتمر السكان المنعقد في القاهرة.. وهذه الخبرة سوف تشكل رصيدًا هامًا لهذه المنظمات، وذلك بقدر إصرارها على الاستفادة منها .. على وجهها الصحيح.. فهذه المشاركةُ التي سُمح لنا بها من قبل الحكومة، تحت ضغوطٍ دولية متنوعة وهو ما سوف يكونُ له أثرٌ في طرح أفق ومستقبل هذه التجربة وضعت المنظمات غير الحكومية في موقعها الصحيح، من حيثُ هي معبرةً عن قضايا مجتمعية مختلفة، ومن حيث حيث هي مدافعةً عن الشعب في مواجهة سياسات رسمية، ومنها السياسة السكانية.. وأن تطرح ما يجب أن تتضمنه هذه السياسات من حقوق وضمانات .. الخ.. وقد وضح للكثير من هذه المنظمات في سياق هذه التجربة أهمية العمل الجماعي، كما طرحت قيمة المفاوضة الجماعية وقُدرتها في التأثير على صناعة القرار من أجل وضع ما صاغته المنظمات غير الحكومية من حلول وآراء محل التطبيق..

وإن كان لم يغب عن بالنا أن هذه التجربة قد سُمح لها بالوجود استجابةً لضغوط وإصرار المجتمع الدولي، مما دفع الحكومة إلى تجميد تجاهلها المزمن، إن لم يكن عداءها للمنظمات غير الحكومية، مدفوعةً بإصرارها على عقد المؤتمر في القاهرة لتأكيد استقرار الأحوال وسيادة الأمن.. الخ.. لإنعاش السياحة مرة أخرى.. فالسؤال المطروح الآن هو: هل سيسمح لهذه المنظمات بالاستمرار في التجربة؟ هل سنتمكن من توسيع أفق التجربة الديمقراطية التي خضناها بمساعدة من انحاز لها وأصر عليها من داخل اللجنة التنفيذية، وذلك بضم آخرين إليها لم يشاركوا في التجربة.. هل ستقدر على العمل معًا من أجل تطوير هذه التجربة فتصبح أكثر فاعلية وتأثير .. أم أن الحفل سينفض بعد انتهاء المؤتمر ويعود الجميع إلى مراكزهم الخاصة، بل وقد يعاقب البعض على الإحراج والإزعاج الذين تسبب فيهما؟؟ ..

نطرح السؤال استشعارًا لبعض المؤشرات التي تشير إلى تضييق هذه المساحة من الديمقراطية وحصارها، ووضع العقبات في طريق عمل المنظمات غير الحكومية التي علا صوتها .. وذلك خوفًا من أن يتحول مناخ انعقاد المؤتمر الاستثنائي والمؤقت.. ذو الطابع السياسي والدعائي.. إلى وضعٍ دائمٍ أو شبه دائم .. وبالرغم أن تطورات المستقبل لا زالت في حكم الغيب، إلا أن هناك مؤشراتٌ تعكس رغبة في التطبيق وإحكام السيطرة على حركة المنظمات غير الحكومية، حيث تتوازي مع انعقاد المؤتمر تجربةٌ جديدة للتنسيق بين المنظمات غير الحكومية. تقوم هذه المرة في إطار الإعداد المؤتمر المرأة الذي سوف يُعقد في بكين، وتبدأ هذه التجربة في حفر مسار لها وسط صيحاتٍ تأتي من خارجها ومن داخلها لاستبعاد المنظمات غير المسجلة في وزارة الشؤون الاجتماعية.. أي تبدأ وهي تؤيد مبدأ تضييق المشاركة أو إخضاعها لمعايير حكومية بحتة!! . والغريب أن الأمر لا يقتصر على الحكومة التي تريد أن تضيق على حركة المنظمات الأهلية – فهي غير قادرةٍ على تصور حركة المنظمات الأهلية خارج إطار سيطرتها ووصايتها .. بل إن بعض المنظمات الغير حكومية ذاتها – رغم ما تعلنه الغالبية من عضواتها من اعتراض على القانون رقم – ۳۲ غير قادرة على أن تصدق أن حرية المشاركة للمنظمات غير الحكومية هي حقٌ أساسي يجب الدفاع عنه، بل يلزم الدفاع عنه، حمايةً لكافة الأهداف الأخرى التي تعمل من أجلها هذه الجمعيات..

إن هذا المناخ بطرح علينا تساؤلاتٍ حول مستقبل تجربة الإطار التنسيقي للمنظمات غير الحكومية التي تمت إعدادًا لمؤتمر السكان.. وهنا يجدر بنا التوقف عند بعض المبادئ التي قد تبدو بديهيةً، وإن كان من الواضح أنها سوف تشكل بعضًا من المحاور الأساسية التي سوف تُخاض حولها معركة المنظمات غير الحكومية في الفترة القادمة.. ومن ثم أصبح من الهام الوصول إلى اتفاقٍ حول بعض المفاهيم والخبرات:

1 – هناك ضرورةٌ للفصل بين التوجه والدور الخاص الذي تقوم به الجهات الحكومية، وبين توجه ودور المنظمات غير الحكومية .. فكلاهما خصمٌ للآخر وليس بالضرورة عدو بحكم موقع كليهما في المجتمع .. ببساطة لا يجوز لكليهما أن يكون الآخر، ويكاد يستحيل أن تتطابق المصالح والرؤى ..

۲ حيث أن الحكومة هي التي تملك السلطة وقدرة اتخاذ القرار.. الخ فإن المنظمات غير الحكومية تحتاج إلى براعة خاصة لمفاوضيها لكي يتمكن هؤلاء الذين يعملوا على توصيل منظورها، ومن ثم التأثير على القرار السياسي.. أن يكونوا أفرادًا ليسوا مقنعين فحسب، وإنما مؤمنين إيمانًا عميقًا بدور المنظمات غير الحكومية في المجتمع، فلا يفاوضون على حقوق هذه المنظمات، ولا ينحازون إلى الطرف الأقوى في العلاقة، فيصبحون وكأنهم ممثلون للحكومة داخل المنظمات وليس العكس .. إن نقاء هذا الدور وفاعليته يتطلبان شفافيةً عاليةً في العلاقة مع المنظمات غير الحكومية وبين بعضها والبعض الآخر، كما يتطلب استعدادًا للمساءلة من قبل المنظمات..

3 – وعلى الصعيد الآخر، فإن مبدأ أن تكون المنظمات غير الحكومية محل مساءلة، ليس أمرًا مرفوضًا من أساسه، ولكن المرفوض هو أن تكون الحكومة (أي السلطة والخصم في ذات الوقت) هي التي تحدد معايير المساءلة بل وتنفذها أيضًا، مما يؤدي حتمًا إلى سوء استخدامٍ لسلطتها وتعطيلٍ لحركة المنظمات الأهلية.. فالمساءلة يجب أن تتم وفقًا لمعايير وقواعد ومبادئ تضعها المنظمات غير الحكومية انطلاقًا من خبراتها ومعتقداتها في جو من الحرية لتنقي من بينها المعايير والقواعد التي تستطيع أن تنتصر لدورها في المجتمع.. ولقد ثبت أن العكس أي ازدياد هيمنةُ الحكومة بدافع حماية المنظمات والهيئات من الفساد لا يحمي هذه المنظمات من استغلال النفوذ والفساد (فهذه الظواهرُ استشرت أكثر ما استشرت في ظل القانون رقم ٣٢)، وعلى النحو الآخر، فإن انعدامَ الحرية يؤدي إلى مزيدٍ من الانغلاق والسرية والتهرب من المساءلة، في سياق المعركة حول الهوية القانونية التي تشنها الحكومة على المنظمات غير الحكومية، وبذلك يكون الضمان الوحيد هو خلق مناخٍ من الحرية تستطيع المنظمات من خلاله فرض قواعدٍ للعمل الأهلي.. غير الحكومي.

وهكذا تكمن أهم معركةٍ بالنسبة للمنظمات غير الحكومية في الفترة القادمة – والتي تُدار حولها وفي علاقة بها كافة المعارك الأخرى ليس في الدفاع عن حق الوجود المستقل. ومن قضية اكتساب هذا الحق تتفرع كافة القضايا الأخرى التي تطرح نفسها على الساحة، في تصور لما يُمكن أن يكون في غياب علاقة الوصاية بين الحكومة والمنظمات غير الحكومية.. ونحن نطرح هنا أن في ظل التمسك بعدم الوصاية .. سنجد لهذه القضايا حلولها، وأن في هذا وحده يكمن نمو حركتنا.

 

(۱) حاشية رد المختار لابن عابدین ج۲ ص 411 وفتح القدير للكمال بن الهمام ج۲ ص ٤٩٥.

(۲) من الأعذار المبيحة للإجهاض شعور العامل بالهزال والضعف عن تحمل أعباء الحمل لا سيما إذا كانت ممن يضعن بغير طريقة الطبيعي (الشق الجانبي) المعروف الآن بعملية القيصرية، فهذا وأمثاله يعتبر عذرًا مبيحًا لإسقاط الحمل قبل نفخ الروح دون إثم أو جزاء جنائي شرعي.

شارك:

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي