من صور المرأة في القصص والروايات العربية

ينقسمُ الكتاب إلى قسمين: القسم الأول من صور المرأة في القصص والروايات العربيةالذي ينقسمُ إلى مقدمةٍ وخمسة فصول وخاتمة.

في المقدمة تحدد الكاتبة موضوعها:

  • فهي استبعدت إمكانية الرصد الشامل لمجمل القصص والروايات العربية بالنسبة لباحثٍ واحد.

  • ثم استبعدت الكاتبات العربيات، لاعتقادها في عدم إمكانية تصالح كاتبة مع قيم مجتمعٍ طبقى ذكورى (وإن كانت قد تراجعت عن هذا الاعتقاد مع مضيها في الدراسة).

  • لغرض الدراسة، تم اختيار قصص تنحو منحى الواقعية التقليدية لإمكانية التعامل مع صورة امرأةٍ من لحمٍ ودم، واستنتاج أبعادها ومفهوماتها، مما أدى إلى استبعاد أعمالٍ رغم ما لها من أهميةٍ وقيمةٍ فنية.

  • وكما تقول الكاتبة، فإنه مع امتدادها بالدراسة قُطريًا، تناولت مفهومات أكثر شمولاً تتجاوز في كل الأحيان الانتماء القُطري وفي بعض الأحيان الإنتماء الطبقي، وتمس كيان المرأة في الصميم. حيث أن الارتباط بين مستوى التطور الاقتصادي والأيديولوجي ليس بالارتباط الحتمي الآلي.

وتشرحُ الكاتبة أفكارها الخمس كالتالي:

1 – المرأة ملكية فردية وأداة إنتاج.

في رواية الرباط المقدسيُقرر توفيق الحكيم على لسان البطل أن الزواج عقدٌ بين الرجل والمرأة بمقتضاه يعلوها، لقاء أن تصون جسدها حتى يضمن ذريةً من نسله وبذلك يحتفظ بملكيته بانتقالها إلى أبناء من صُلبه. وبالتالي قله حق التصرف في جسده (أي الخيانة) دون زوجته. وهكذا فإن ما يعنيه بالرباط المقدس هو علاقةُ الرجل بأبنائه، ومصدرُ القداسة هو التحكم في مسار الملكية الفردية والحفاظ عليها .

ورغم إقرار عبد الحميد بن هدوجة في رواية روح الجنوببأن المجتمع الطبقي يفرضُ على المرأة وضع الأداة للحفاظ على الملكية الفردية، غير أنه يرى أن هذا الوضع غير أزلي. وهو إذ يُقر باستحالة الخلاص الكامل للفرد دون الخلاص الجماعي. فإنه يترك مساحةً لفعل الإرادة الحرة والتمسك بحرية الفكر والفعل.

2 – المرأة الشئ:

يصبحُ الإنسان شيئًا عندما تصبح تصرفاته وأفكاره وأفعاله عبارةً عن إرادة وفكر ومشاعر آخر. وإن المجتمع الطبقي يفرض وعيًا زائفًا على الإنسان ويحوله رجلاً كان أو امرأة إلى شئ. فإن عملية التشيؤ تُمارس ضد المرأة مرتين، وينعكس ذلك في العالم القصصي الذي نجدُ فيه أكليشيه مكرر وهو الصورة المثالية للمرأة التي تنفى ذاتها في ذات الرجل، ووجودها في وجوده. وهو الدور الذي ينبغي أن تلعبه دائمًا وأبدًا ، وذلك كما يبدو في قصص إحسان عبد القدوس التي فحصتها الكاتبة، والتي تختزل فيها المرأة إلى عضو أنوثة غير موجودةٍ جسديًا أو معنويًا إلا بمدى علاقاتها برجل، سواء خيرة تفني لهنائه أو مدمرة تفنى لتدميره.

في القسم الثاني من الدراسة تقدمُ الكاتبة مقالين متتالين:

1 – المرأة في روايات نجيب محفوظ: (١٩٤٥ – ۱۹۷۳)

تبدأ الكاتبة من الثلاثية، حيث شخصية الأم أمينةهي صورةُ المرأة الدائمة التكرار في عالم نجيب محفوظ، فأمينة تتمتعُ بحاسة عملية تُتيح لها المصالحة بين الواقع والمثال، واستيعاب كل المتناقضات في شخصية متكاملة يتفقُ مظهرها من مخبرها . وهي تُسلم بالكثير مع الإبقاء على النواة الصلبة التي تُبقى عليها مقومات شخصيتها. فهي لا تُسلم أبدًا بعقلها ومُثلها، وتقف أحيانًا مع السيد موقف النقد.

وهذه الصورة لأمينة تتكررُ في صورة الأم في السمان والخريفوالأم بداية ونهايةهي مزيج لأمينة وابنتها خديجة، والأم في خان الخليليمزيج من أمينة وابنتها عائشة، وزهرة في ميرامارتمثلُ طبقة صاعدة (الفلاحين) مثلما تمثلُ سوسن حماد ( العمال) فهي الوحيدة التي تتجاوزُ السقوط في الماضي إلى المستقبل، لا لأنها تمثلُ طبقةً صاعدة فحسب؛ بل لأنها ترمزُ إلى مصر.

وفي ظل تصورٍ فلسفي مثالي يفترضُ وحدة الوجود كامتدادٍ للحقيقة الكلية، وبالتالي فإن الحق والباطل وجهان لعملة واحدة. لا أبيض ولا أسود، حيث تتصالحُ النقائض وتصبح واحدًا. وهكذا تكتسبُ الشخصيات تقييمًا غير التقييم الأخلاقي المتعارف عليه, ويحدث تبادلٌ للمواقع.

فزنوبة العوادة تصبح أمًا وزوجة صالحة، ومريم الجارة الجميلة تنحدرُ إلى الساقطات، وتصبحُ الأصالة والزيف هما المعياران اللذان يقيمُ بهما الكاتب المرأة. الزوجة في اللص والكلابمزيفة، ونور المومس هي التي لها ملامح من أمينة، وفي السمان والخريففإن ريري أكثر الشخصيات أصالة.

وتدخل المرأةُ المتعلمة في أدب نجيب محفوظ في 1945 مع القاهرة الجديدةوإحسان الطالبة. وهي لا تختلفُ عن غيرها من غير المتعلمات، لا في المظهر ولا الجوهر، مثلها مثل عايدة شديد وعلوية صبري في الثلاثية اللتان يَسمهمَا الكاتبُ بالزيف مثل باقي أفراد الطبقتين المنتميين لهما. أما النمط الثاني للمرأة المتعلمة فهو في الثلاثية في سوسن حماد التي تخرجُ عن الإطار، الذي انحبست فيه المرأةُ في أدب نجيب محفوظ مثبتةً أن المرأة تستطيعُ أن تهتم بالكليات وبما هو خارجٌ عنها، وإن لم يشكل هذا اهتمامًا بماهية الكون وغيره من الاهتمامات الفلسفية التي تخصه.

2 – المنظور المثال للشخصية الروائية والمرأة في روايات نجيب محفوظ (۱۹۳۹ ١٩٦٧) ترى الكاتبة أنه في عالم نجيب محفوظ الروائي ينقسمُ الإنسانُ على نفسه كجوهر وماهية من ناحية وكائن طبيعي من ناحيةٍ أخرى. وذلك يجعله موضعًا لسلسلةٍ من الثنائيات الازدواجية التي لا تقبلُ التصالح. ووفقًا لمنظور الكاتب المثالي فالإنسانُ لا يكون أبدًا تصالحًا ووحدة للمتناقضات التي هي صفة للذات العليا وحدها. فأين المرأة في هذا الإطار المثالي للشخصية؟

عندما يقدم نجيب محفوظ عالمًا بطوليًا ومثاليًا مفصولاً إلى حد كبير عن الواقع، تلعب المرأة دورًا هامشيًا نتيجة لطبيعة المادة، ونتيجة لمنظور الكاتب إلى المرأة التي يصنعها. وعى أم لم يعي. خارج المنظور المثالي للشخصية. فلا تتجسدُ أطراف الثنائية السماوية الأرضية في أي من شخصيات الكاتب النسائية محورية كانت أم ثانوية.

لقد جعل كل من حميدة وزهرة (زقاق المدق، ميرامار) الصراع بين الإيمان الحدس والإيمان العقلي. فافتقادهما الصراع بين الجسد والروح، أو بالأحرى قدرتهما على المصالحة، هي من بين ملكات المرأة. التي تستوقفُ النظر وتخرجُ بها عن المنظور المثالي للشخصية الذي يتجسدُ في تناول الكاتب للشخصية الروائية من الرجال.

3 – الازدواجية في مفهوم المرأة والحب والزواج

تُصور المرأة في القصص العربية في سلسلة من الثنائيات. تخرج من ثنائيةٍ أساسيةٍ وهي المرأة السوبرمان المرتبطة بالأم (منيعة، وبالغة من النمو ما لا تستطيع بلوغه، فهي الروح والقديسة والمعبود) وتتدرج في تلك المحركات الأخت والابنة والزوجة والحبيبة المؤهلة اجتماعيًا وأخلاقيًا للزواج. وفي مقابل ذلك المرأة المباحة (امرأة الآخرين، فهي الجسد والفانية والخطيئة). وبينما الجنس خطيئة، فالزوجة المحترمة مُدرجة في دائرة المحرمات، فهي أداةُ إنجابٍ للحفاظ على الملكية الفردية من الصلب، ومن دائرة غير المحرمات تأتي المرأة الممتعة غير المحترمة.

ويحتفظ الزوجُ الميسور بكلتاهما في الغالب، وحتى تسترد المرأة الزوج الضائع، فعلى الفتاة الملاك صارمة التربية أن تتحول في ليلةٍ واحدة ليلة الزفاف إلى امرأةٍ متجاوبةٍ ينطق جسدها بالشهوة والرغبة.

4 – المرأة كبش الفداء

تزيد الهيمنة الاستعمارية هرم السلطة في المجتمع الطبقي أحكامًا على أحكام المرأة، مثلما تتدرجُ كفردٍ من الأفراد في كل طبقة من طبقات هذا الهرم، فهي تندرجُ كامرأةٍ على إطلاقها خارج هذا التراتب، وفي موقعها هذا تكون كبش فداء وصمام التنفيث لسلسلة القهر الممتدة من القمة إلى القاعدة. وكلما تردت الأوضاعُ الاجتماعيةُ وتزايد الإحباطُ والقهر، كلما ساء وضعُ المرأة في المجتمع.

تتضحُ صورة المرأة كبش الفداء عندما يُقدِّمُ الرجل جسد المرأة للسيد دليلاً على الخضوع، وعندما يشعرُ الرجل بخضوع الطبقة بامتلاك جسد امرأة منها، بل وبخضوع المستعمر مع خضوع نساءه في الفراش، والرجال المقهورون المسلوبو الوعي والإرادة بعد أن يُنكلوا بالفتاة التي خلعت الملاءة وواجهتهم بكل ثقةٍ في ذاتها، يستطيعوا الاصطفاف بخضوعٍ وراء شيخ الحارة أو أي سلطةٍ دون قلق.

5 – صورة مشرقة للمرأة

أکثر صور المرأة إشراقًا في الأدب العربي عمومًا هي صورة الأم. ولكن في رواية شرق المتوسطينجح عبد الرحمن منيف في خلق صورةٍ نادرة للأم. فهي المرأة الفاعلة التي تنبعُ أحكامها الأخلاقية عن اقتناع عميقٍ لإنسانٍ متكامل، وقيمها تشكل الحياة الحقة، ولا تهبط من السماء، فقد خلقتها لنفسها من خلال النضال الصلب والصراع لإعالة أبناءها بمفردها. وهي وإن اعترضت على مشاركة ابنها في العمل السياسي أول الأمر، إلا أنها بقيت الرمز الذي يدفعه إلى الصلابة ورفض الخيانه أثناء سجنه. فقد زرعت في حديقة المنزل شجرة حور وقالت عندما يخرج رجب من السجن سيكون كبيرًا شامخًا مثلها، وبموت الأم يسقطُ الابن معنويًا، ولكنه عبر معاناته ينضج ويتخلصُ من الحبل السري الذي كان ما يزال يربطه بها. ويخوضُ صراع تطهره بنفسه. ويموت شامخًا كشجرة الحور.

وصورةٌ مشرقةٌ أخرى للمرأة في قصة الزنجية والضابط لطاهر وطار، فالمرأةُ هنا شابةٌ مسؤولةٌ سياسية، وجميلة ومعتزة بجمالها، تعلم أن المحيطين بها لا يرون من هذا الجمال سوى صدرٍ وخصرٍ وعجز، وهذه هي هويتها عندهم. وتتجاهلهم محتقرةً إلى أن تجد من يرى فيها أكثر من ذلك لتتفاعل وتحتضن وتتوجد وتُولد من جديد خلال قصيدة شعر.

 

تستخلصُ الكاتبة أن جزئية المرأة شديدة الخصوصية في الكشف والتعليق عن سمات كليتها التاريخية الاجتماعية. وبذلك فإن ما يُفصحُ عنه الكاتب من موقف من هذه الجزئية؛ يكشفُ موقفه ورؤيته الشاملة لمجملِ العلاقاتِ الاجتماعية القائمة.

وتُفسرُ الكاتبة ذلك بأن المساحة الفاصلة بين ما يستهدفه الكاتبُ وبين ما يُجسده العمل الفنى متسعة. فالكاتبُ سواء وعى أم لم يعي، يُدرجُ المرأة والرجل كامتداد للذات العليا، أي كانسان. ويقصرُ منظوره المثالي للشخصية على الرجل دون المرأة. وما يجدرُ في النص الروائي كانتقاصٍ لوضعية المرأة يتحول في التجسيد الروائي كميزة لها، مُضيفًا عليها أبعادًا إنسانيةً متعددة، ونائيًا بها عن حالة التشيئ التي تترتبُ على حبس الشخصية في بُعدٍ أحادي واحد، أيًا بلغ سمو هذا البعد .

 

شارك:

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي