موضوعات الذات والموضوعات الأوديبية والاعتراف المتبادل

تاريخ النشر:

2016

اعداد بواسطة:

موضوعات الذات والموضوعات الأوديبية والاعتراف المتبادل:

إعادة تقييم للظافر الأوديبيالأنثوي

من منظور علم نفس الذات*

كريستين كيفر

لم يكتب سوى القليل حول العلاقة بين الأب والابنة، سواء في أدبيات التحليل النفسي أو في الأدبيات النفسية عمومًا، خاصة بالمقارنة بما كتب حول العلاقة بين الأم والابنة أو الأم والابن أو الأب والابن. أثناء التحضير لكتابة هذا المقال قمت بعمل بحث إليكتروني عما نشر من كتابات، ووجدت أن حوالي 80% من الكتب والمقالات القليلة التي وجدتها تركز على علاقة سفاح القربى ما بين الأب والابنة. بل إن دليل شيكاغو لأدبيات التحليل النفسي لم يكن حتى يتضمن أي مراجع عن علاقة الأب بالابنة حتى عام ١٩٨٣، رغم أن الدليل ذاته تضمن صفحات من المراجع التي تتناول علاقات الأب بالابن والأب بالطفل. وحين بحثت مع بعض الزملاء في كيفية تفسير ذلك، بدا وكأن جميع الآراء تلتقي في مسارين: إما أن ذلك يعكس التركيز النسبي على المرضية النفسية أكثر منه على التطور الطبيعي الذي تتناوله الأدبيات النفسية عمومًا، أو أنه قد يعكس أيضًا ندرة نسبية للعلاقات الوثيقة بين الأب والابنة. لكنني أعتقد أن ذلك قد يعكس أيضًا تركيزًا حديثًا على مراحل الارتقاء السابقة على المرحلة الأوديبية التي تهتم أساسًا بدراسة تأثير الأم (التي عادة ما تكون أول من يرتبط به الطفل/ة من الوالدين).

إن هذه ظاهرة مذهلة بشكل خاص، حيث أن أولى حالات فرويد ونظرياته كانت تدور حول خبرته هو شخصيًا كممثل لشخصية الأب في علاقته بمريضاته اللاتي كن في العادة شابات صغيرات، وحيث أنه حتى وقت قريب كانت ثنائيات التحليل النفسي في الأغلب مكونة من ذكر يقوم بالتحليل وأنثى تخضع للتحليل. وقد خضعت تلك الظاهرة بالطبع في الفترة الأخيرة لإعادة البحث الدقيق من قبل الباحثات النسويات. لذلك فإن العامل الآخر المتسبب في ندرة الأدبيات حول العلاقة بين الأب والابنة، على الأقل في الثلاثين عامًا الأخيرة، قد يعود إلى تأثير الحركة النسوية ومراجعتها لأفكارفرويد حول الارتقاء النفسي للإناث. كذلك قد يكون التقليل الانتقامي من شأن تأثير الأب في الحياة النفسية للابنة هو أحد ردود الفعل لتلك المركزية التي احتلها القضيب في نظريات فرويد، وذلك التطبيق المنحاز جنسيًا في بعض الأحوال لتلك النظريات من قبل ورثة نظريته.

التماهي ما قبل الأوديبي والتناسلي

لم يكن فرويد بالتأكيد يعتقد أن الأب يلعب أي دور ذي أهمية في حياة الابنة حتى بلوغها المرحلة الأوديبية. يقول برنستاين: “ما قبل الأوديبي وما قبل التناسلي يبدوان وكأنهما محالان إلى فترة غامضة، حيث الأمر الوحيد المفهوم في الأب هو قضيبهودور هذا القضيب في العلاقة مع الأم هو الموضوع الشهواني الحقيقي الوحيـد” Bernstein 1993, 132)).

واعتبر ماهلر وباين وبرجمان (Mahler, Pine & Bergmann 1975) الأب فارسًا يرتدي درعًا لامعًايأتي إلى الطفل من الفضاء الخارجي، لينقذ الطفل من الرابطة التكافلية مع الأم. ومع انتقال الطفل من الطفولة المبكرة إلى مرحلة الحبو يبدأ تمييز الأب عن الأم باعتباره آخر مثير وغامض، على حين يكون الرجوع إلى الأم بحثًا عن الراحة في أوقات الأزمة أو الإجهاد ( Abelin 1971). فيما بعد، في مرحلة استعادة العلاقات الودية، يحدث تحول حيث يتم النظر إلى الأب باعتباره الجزيرة الراسخةالتي تسمح بالتعامل مع الوجد المتأرجح للأم. أي أن الأب لا تشوبه شائبة الصراعات حول الاعتمادية. ويعتقد أبلين أن مهمة الانفصالالتفرد قد يستحيل التعامل معها لكل من الأم والطفل/ة دون أن يكون هناك أب يلجئون إليـه” (ص٢٤٣). بالتـالي، فإن هؤلاء المنظرين حول الارتقاء يجدون للأب دورًا نافعًا قبل الفترة الأوديبية بوقت طويل.

دور الأب في مساعدة الصبي على فك التماهي مع الأم معروفة منذ وقت طويل؛ لكن المهمة ذاتها ضرورية للفتيات أيضًا لتحقيق تفردهن. على حين أن مهمة تكوين هوية جندرية مستقرة هي عملية أسهل بالنسبة للفتيات، حيث بيسرها التشابه الجسدي بينهن وبين الأم، إلا أن التماهي مع الأب أكثر صعوبة بسبب الاختلاف الجسدي. وبالتالي، فإنه من الصعب بالنسبة للفتيات أن ينجزن مرحلة الانفصالالتفرد من خلال التماهي مع الأب. كذلك فإن الفتاة تحتاج إلى الاحتفاظ بالإحساس بأنوثتها من خلال التماهي مع الأم في نفس الوقت الذي تسعى فيه إلى الاستقلال عنها.

التماهي والاعتراف

حسب مفهوم فرويد عن تمني القضيب، فإن الفتاة ترغب في أن تصبح صبيًا حين تكتشف الفروق التشريحية بينهما. إن ذلك يدفع الفتـاة إلى أن تتخـذ والدها كموضوع شهواني، مما ينتج عقدة أوديب. الإتمام الناجح لهذه المرحلة يحدث حين تستبدل الفتاة رغبتها في القضيب برغبتها في طفل/ة، وتتماهى مع أمها كامرأة. كانت كارين هورني من بين النساء اللاتي اشتبكن مع تلك الفكرة في الأيام الأولى لحركة التحليل النفسي، فلـم تقبـل كـاريـن هـورني (Horney 1924, 1926) بتمنـي القضيب كمعطـى ثـابـت أي كمرحلـة طبيعية وكونيـة مـن الارتقاء، وإنما اعتبرته هروبًا مرضيًا من الأنوثة“. لقد رأت كارين هورني أن تمني القضيب ليس حتميًا وإنما يحدث فقط حين تبقى الحالة الأوديبية بدون حل، فتهرب الفتاة من الاستثمار الشهواني في الأب، وتخشي التنافس مع الأم، فتتماهي مع الأب من منطلق دفاعي. بالتالي، تنبأت کارین هورني بمراجعات علم نفس الذات للمرحلة الأوديبيةالتي يتناولها هذا المقال في موضع لاحق.

إن المراجعات الحالية لإعادة صياغة تمني القضيب تؤكد على الدور الذي يلعبه الأب في مساعدة الفتاة على الانفصال عن الأم في المرحلة ما قبل الأوديبية. كما تؤكد المحللات الفرنسيات مـن أمثـال شاسـجيهسميرجل (Chasseguet-Smirgel 1970) وتوروك (Torok 1970) وماكدوجال (McDougall 1980) على أن هذا التماهي مع الأب هو رد فعل للسلطة المطلقة المبكرة للأم وتمرد ضد الأم المتحكمـة شـرجيًا والمحبطة جنسيًا. وفي أمريكا، تشير أعمال كل من تتشودورو (Chodorow 1978) ودینرستاین (Dinnerstein 1976 ) وفاست (Fast 1984) إلى أن هذا الأب الآخرالمثير يمثل سلطة مستقلة عن الأم، يسعى الطفل (من كلا الجنسين) إلى الحصول عليها. بالتالي فان الذكر (القضيب) يمثل الاستقلال عن الاحتواء من قبل أم نافذة السلطة في المرحلة ما قبل التناسلية.

وتضيف جيسيكا بنجامين (Benjamin 1991) إلى فهمنا للحاجة إلى تماهي الابنة مع الأب حين تلفت الانتباه إلى أن التماهيليس مجرد بنية داخلية، بل هو علاقة يتعرف بها الشخص على نفسه في الآخر” (ص٢٧٥)، (ومثلها مثل النظريات التي أشرنا إليهـا مـن قبـل تحدد جيسيكا بنجامين فترة التماهي هذه بالفترة التي يتم فيهـا استعادة العلاقات الودية والمصالحة). لكن جيسيكا بنجـامين تشير أيضًا إلى أن حب الفتاة المتماهي لوالدها كثيرًا ما يحبط بسبب غياب الأب أو عدم قدرته على الاعتراف بالابنة. وترى جيسيكا بنجامين أنه لا يستبدل هذا الحب المتماهي في المرحلة ما قبل الأوديبية بالعملية الأوديبية، بل هو جزء منها. يحدث التعارف المتبادل (ذلك المفهوم الذي تناولته جيسيكا بنجامين بالتفصيل في كتابها الرائع روابط الحب Benjamin 1981)) حين تعجب الابنة بالأب وتعبر عن رغبة في أن تصبح مثله، وحين يستجيب الأب لذلك من خلال الاعتراف المتبادل، أي أن الأب يصادق على ذلك التماهي ويعبر بتعاطف عن تفهمه للخبرة التي تمر بها ابنته.

إن العرض السابق لأدبيات التحليل النفسي حول دور الأب في الارتقاء النفسي للفتاة يعكس انتقالاً عامًا من الجوانب التناسلية إلى ما قبل التناسلية في الارتقاء النفسي، ومن علم نفس الشخص الواحـد إلـى علـم نفس الشخصين. وتلتقي أعمـال جيسيكا بنجامين في كثير من الجوانب مع علم نفس الذات، خاصة فيما يتعلق بمراجعة علم نفس الذات الكلاسيكية للأزمة الأوديبية وتجاوزها. ومن أهداف هذا المقال هو طرح تصور يدمج ما بين أفكـار جيسيكا بنجـامين حول الاعتراف المتبادل وبين نظرية موضوع الذات. كذلك فإن هذه المراجعات لنظرية التحليل النفسي الكلاسيكية تطرح رؤية مختلفة لمأزق الظافر الأوديبي، ذلك الموضوع الذي شهد تأرجحًا في تناوله من قبل المحللين النفسيين، بمن فيهم فرويد ذاته.

من هنا، فإن النقطة المحورية في بحثي هي الظافر الأوديبيالأنثوي –أي الفتـاة التي تبدو وكأنها انتصرت في الصراع الأوديبيالتي فضلها الأب على الأم. إنها تلك الفتاة التي يفضل الأب صحبتها والتي تحصل على إعجابه أكثر مما تفعل الأم. لن أتناول سفاح القربى في هذا المقال، حيث أنني أود أن أركز على المشكلات الأكثر دقة التي تواجه الفتاة التي كان انتصارهارمزيًا في طبيعته.

برونهيلد و ووتان: “صورة إكلينيكية”

كنت لأول مرة أقرأ مقال جيسيكا بنجـامين حول التماهي حين حضرت عرضًا لأوبرا دي فالكورا” (Die Walkuere) وهي الأوبرا الثانية في دورة الطوق لفاجنر (Wagner)، ومـن ثـم أثـار اهتمـامي العلاقـة بـين ووتـان Wotan)) وبرونهيلد Brunhilde)) كنموذج لفشل الاعتراف المتبادل“. وسوف أقدم هنا ملخصًـا سريعًا للقصة التي تدور حولها الأوبرا. ووتان هو ملك السماوات وبرونهيلد، ابنته المفضلة، هي قائدة الفالكيريز (Valkyries) أي العذارى المحاربات (عادة ما يصورن في الأفلام الهزليـة وقـد ارتدين الدروع المعدنيـة فـوق نـهـودهن وعلى رؤوسهن خـوذات ذات قرون). برونهيلد ليست ابنه ووتان المفضلة فحسب، بل إنه يفضلها أيضًا على فريكا Fricka))، زوجـة ووتـان الرسمية وزوجة الأب لبرونهيلد. والدة برونهيلد هي إردا (Erda)، أم الأرض التـي رقـدت لسنوات عديـدة فـي جـوف الأرض. برونهيلد، المكروهة من قبل زوجة أبيها، هي أيضًا أمينة سر ووتان. إن علاقتهما وثيقة بالدرجة التي تجعل برونهيلد قادرة على قراءة أفكاره. الفالكيريز يدخلن المعارك ويرافقن القتلى إلى السماء. ومصير الأبطال يقرره ووتان، أما الفالكيريز فهن الخادمات اللاتي ينفذن قراراته. أحد هؤلاء المقاتلين، سيجموند (Siegmund) يحكم عليه بالموت تلبيـة لرغبة فريكا، حيث أنها تكرهه لأنه ابن ووتان وأحد المقربين من قلبه. فريكا هي أيضًا إلـهـة الاخلاص الجنسي، وسيجموند كان قد سرق سيجليندا (Sieglinde) من زوجها، هاندنج Hunding. كذلك، وحيث أن سيجموند وسيجليندا كانا توأمين وانفصلا بعد الميلاد مباشرة، فان لقاءهما من جديد يمثل خرقًا لتابو المحارم، الذي يقع هو الآخر ضمن مهام فريكا الإلهية. برونهيلد تعصي أوامر ووتـان وتحاول أن تساعد سيجموند على أن ينجو بحياته لأنها شعرت برغبة ووتان الدفينة وتعلم أن أباها لا يريد لسيجموند أن يموت. لكن ووتان يعاقب برونهيلد على عصيانها أوامره بحرمانها من الخلود وجعلها تذهب في نوم عميق، كما يحكم عليها أن تتزوج بأول رجل يطلبها زوجة له. هنا تطلب برونهيلد أن يسمح لها على الأقل بالزواج من رجل بطل، إذا كان ولابد أن تلقى ذلك المصير الشائن. إنها تطلب أن تحاط بحلقة من النيران أثناء نومها، بحيث تضمن أن يكون الرجل الذي يسعى عليهـا (عبر تلك النيران) رجـلاً عنيدًا وشجاعًا وبطـلاً قويًا. (كـان منقذها هو سيجفريدSiegfried في الحلقة التاليـة مـن الأوبرا). هذا وقد كتب فرويند عن تلك العلاقة في عام ١٩٩٧ (Freund 1997).

لقد تأثرت كثيرًا بالأوبرا لأنها صورت أزمة المرأة التي تنجح أكثر من اللازم مع أبيها، وقد وجدت في هذه القصة صدى لروايات بعض النساء اللاتي قمت بعلاجهن. كذلك لفت انتباهي الطريقة التي صورت بها الأوبرا بعضًا من أشكال الإخفاق في التماهي مع الاختلافالذي وصفته جيسيكا بنجامين. كما أنها ساعدتني في توضيح بعض سمات مراجعة تلك المرحلة من الارتقاء النفسي من منظور علم نفس الذات.

الظافر الأوديبي الأنثوي

الكثير من الأدبيات الإكلينيكية التي تتناول الآباء والبنات تركز على الصعوبات الارتقائية التي يولدها الأب الغائـب سـواء جسديًا أو عاطفيًـا ( 1992 Benjamin 1991, Secunda). لكن ماذا عن الفتاة التي يكون لأبيها حضور واضح، هل تلك حالة تستحق الفتاة أن تحسد عليها لكونها خالية من المرضية النفسية، ومن ثم لا يكتب عنها أحد (العديد من زملائي علقوا على ذلك ما بين الجد والهزل)؟ أم أن الانتصار يأتي معه بالفقدان والصراعات الفريدة والأقل وضوحا؟

لقد قال فرويد أن الرجل الذي كان الابن المفضل بلا منازع لدى أمه، يظل طوال حياته محتفظًا بشعور البطل المغوار، ذلك الشعور بالثقة في النجاح الذي كثيرًا ما يؤدي إلى النجاح الفعلي” (1982,5 Jones). تقول سيكوندا (Secumda 1992) “حين يختار الأب ابنة لتصبح المفضلة لديه فإن ذلك أمر مختلف تمامًا. أنها هدية يمكن في نفس الوقت أن تصبح دينا” (ص٢٤٣). إن ما تشير إليه هنا هو أنه لا يمكن الاحتفاظ بمكانة الابنة المفضلة إلا من خلال الاعتماد المستمر على الأب كمصدر لقيمة الذات. أما الأبناء المفضلون، فالأرجح أنهم سوف يستبطنون ذلك الشعور بالتميز، رغم أن الرأي الكلاسيكي بشأن الانتصار الأوديبي في الذكر يقول بأنه يؤدي إلى مضاعفات تتضمن الفشل لاحقًا بسبب الشعور غير الواعي بالذنب (1900 Freud).

علم النفس الاجتماعي والأدبيات النسوية يؤكدان على أن الاختلاف في المآل يكمن في اختلاف طـرق التربية بين الإناث والذكور، حيث يتم تشجيع الذكور على الاستقلال، على حين يتم تشجيع الإناث على إعلاء قيمة العلاقات على حساب الإنجاز (Chodorow 1978, Gilligan 1983). الفتيات لا يتلقين تشجيعًا لكي يصبحن بطلات مغوارات، ذلك أن انتصار طرف يعني هزيمة أخر، مما يولد صراعها داخل الفتـاة التي تربت على أن تسعد الجميع. الابنة المفضلة تترك إذًا مع شعور بالذنب بـأن نجاحها جاء على حساب طرف آخر.

أدبيات علم نفس الاجتماع تدعم هذه الأفكار. لقد ركزت أبحاث موضع التحكمأو الملكية ( Diener 1989) على الاختلاف في خصائص النجاح بين الرجال والنساء. فالرجال يشجعون على أن يحصدوا فضل إنجازاتهم كاملاً، على حين تدرب النساء على اقتسام المجد. النساء يفضلن أن يتقاسمن ملكية نجاحهن على أن يخاطرن بالعزلة التي قد تحدث لو أنهن نسبن فضل ذلك النجاح إلى قدراتهن الخاصة. المرأة التي تجرؤ على التعبير عن استحقاقها للنجاح تخاطر بالتعرض للاستهجان واللوم أكثر من زملائها الرجال. ان استعدادها لاقتسام الملكية هو بمثابة استرضاء لإلهة الحسد ذات العيون الخضراء، كما يحميها (أو هكذا تتمنى) من الهجوم والعزلة من خلال الاستعداد للاعتذار مقدمًا (عن ذلك الانتصار). لكن هذا الاسترضاء يأتي، للأسف، على حساب شعورها بذاتها كفاعلة وعلى حساب حقوقها.

الظافر الأوديبي الأنثوي يخاطر بالتعرض للعزلة والعقاب (أحيانًا يتخذ العقاب شكل العزلة) من قبل الأم، التي قد تجد صعوبة في أن تأتي في المرتبة الثانية إضافة إلى الشعور بعدم الارتياح تجاه الانتصار الذي يترتب على ذلك الدور. إنها تشعر بعدم الارتياح تجـاه ذلك الانتصار لأنـه يـأتي مصحوبًا بالعزلة التي لم تعتـد احتمالها، وإذا ما تسبب هذا الانتصار في تعاسة آخر (خاصة الأم) فإنها قد تخشى العقاب الخارجي والشعور بالذنب الداخلي. في سبيل التعامل مع هذا الصراع قد تلجأ الفتاة، في اللاشعور، إلى اختيار عقوبتها بنفسها – وغالبًا ما يحدث ذلك في حياتها العاطفية. (يعتقد فرويد فيما يخص نتائج الانتصار الأوديبي للذكور أن الشعور بالذنب الذي يتولد عن ذلك الانتصار يدفعهم إلى عقاب أنفسهم لا شعوريًا من خلال إنتاج فشلهم هم ذاتهم وإهانة ذواتهم في مختلف المجالات.)

لماذا يحدث ذلك العقاب عادة في مجال الحب وليس في مجال العمل بالنسبة للظافر الأوديبي الأنثوي؟ للأسف، لازال الظافر الأوديبي يحتاج إلى التماهي مع الأم التي يقل شأنها بسبب الدور الذي تلعبـه فـي ديناميـات الأسرة. إذا قبلت القـاة هذا التماهي، أمكنها، على سبيل المثال، أن تضع نفسها لا شعوريًا في مواقف تقلل من قيمتها وقدرها – كنوع من التماهي مع الأم وكعقاب لنفسها على نجاحها السابق مع الأب. أو بدلاً من ذلك، قد تجزع وترفض الدور الأمومي قليل الشأن، ومن ثم تصبح غير قادرة على النجاح في الزواج وممارسة الأمومة – وفي حال نجحت في ذلك، فإنها قد تشعر بالإهانة من القيام بتلك الأدوار ومن ثم لا تستمتع بها. بل أنهـا، باعتبارها الظـافر الأوديبي، قد تشعر بالإهانة من أنوثتها ذاتها.

من الصعب أن نناقش ديناميات العلاقة بين الأب والابنة دون أن نتناول بقدر من التفصيل النقطة الثالثة في المثلث الأوديبي. كما أشرنا سابقًا، فإن دور الأم في هذا النوع من التكوين الأسري هو دور قليل الشأن، وعادة ما يعكس النظرة الاجتماعية والثقافية الأوسع، التي تقلل من شأن النساء والدور الأمومي. هؤلاء الأمهات كثيرًا ما يعانين من الاكتئاب والسلبية، كما أنهن في العادة مفرطات في إبراز أنوثتهن. لهذا السبب فإن الظافر الأوديبي الأنثى قد تشعر بالمهانة من أنوثتها، خاصة حين تصبح هي نفسها أمًا. في كثير من الأحوال تشعر أم الظافر الأوديبي بالضيق بسبب نجـاح ابنتها المهني، وأيضًا بسبب المودة العاطفية مع والدها. فالأب قد يسر لابنته بـأمور يحجبها عن الام، حيث يعتقد أن ابنته أكثر قدرة على فهمه نظرًا لاتساع إدراكها. لكن السبب الحقيقي وراء ذلك هو إدراكه أنها أقرب شبهًا له – امرأة نموذجية خلقها بنفسه.

في روايات الظـافر الأوديبي الأنثوي هناك أيضًا دليل على أن افتقاد أمهاتهن للصفات المثالية مثل الشعور بالعجز الاكتئابي وعدم الحضور العاطفي، يدفع الابنة إلى اللجوء لأبيها طلبًا للمحاكاة والدعم. مع ذلك فإنني أرغب في العودة إلى التركيز على ديناميات ثنائية الأبالابنة، وهو موضوع هذا المقال.

وأعود الآن إلى ووتان وبرونهيلد والطريقة التي تتجلى بها نظرية جيسيكا بنجامين في علاقتهما من حيث المظاهر ما قبل الأوديبية لتماهي الابنة مع الأب، والدور الذي يلعبه هذا التماهي في بلورة شعور مستقل بالقدرة والتقدير المستقر للذات. تصـف سيكوندا (Secunda 1992) نوعين من بنـات أبـيهم“: “الأميرةالمليئة بالشغف، المفرطة الأنوثة وأحيانًا مفرطـة الجنسانية (sexuality)، التي تبقـى مـع ذلـك الفتـاة الصغيرة قليلة الحيلة؛ والبطلةالتي تحقق الكفاءة على حساب الجنسانية. لا شك أن برونهيلد من فئة البطلة“: المحاربة العذراء، والذراع اليمنيلووتان. إنها مقاتلة لا تعرف الاستسلام، خالدة، ذات قوة هائلة، بل إنها قائدة الفالكيريز. لكنها قوة استمدتها برونهيلد من ووتان وتستخدمها كلما أراد هو ذلك. برونهيلد، المفضلة لدى أبيها، قريبة منه بالدرجة التي تجعلها قادرة على قراءة أفكاره واستشعار أعمق رغباته. إنها تعصي أوامره المعلنة (قتل سيجموند)، وبدلاً من ذلك تستجيب لرغبته اللاشعورية في إنقاذ سيجموند، لكن ووتان لا يستطيع أن يعترف بوجود هذه الرغبة التي تخرق وعدًا قطعه على نفسه لزوجته. إن موت سيجموند هو طريقه لمصالحة زوجته، التي شعرت بالإهانة من خيانة سيجموند. لكن سيجموند يمكن أيضًا أن يكون تجسيدًا للمشاعر الجنسية غير المسئولة بين ووتان وبرونهيلد.

إن التفسير الأوديبي لعقاب ووتان لبرونهيلد على عصيانها سوف يركز بلا شك على تابو ( taboo ) العلاقة المحرمة بين الأب وابنته والطريقة التي تعامل بها كل من ووتان وبرونهيلد مع تلك الدوافع. إن سلوك برونهيلد كمحاربة عذراء يمكن أن يعرب كتجسيد لإنكار رغبتها الأوديبية. كذلك فإن عقـاب ووتـان يرمز إلى الطريقة التي يتعامل بها الكثير من الرجال مع مشاعرهم الحسية تجاه بناتهم المفضلات لديهم، حيث يجب القضاء على الرغبات الجنسية المستقلة للابنة، التي يرمز لها تعاطف برونهيلد مع الحب المحرم بين سيجموند وسیجليندا. إن عقاب ووتـان يجمع ما بين عناصر الانسحاب والإسقاط وإزاحة الطابع الجنسي وكلها سمات شائعة في الطرق المرضية التي يتعامل بها الرجال مع جنسانية بناتهم خاصة البنات المفضلات لديهم. كذلك، فان ذعر برونهيلد من أن تصبح الزوجة الفانية لرجل عادي هو مزيد من الكثير من أعراض الابنة المفضلةفي سبيل حلها للصراع الأوديبي: فالابنة البطلة هي خادمة الأب، وما من رجل يستطيع أبدًا أن يصل إلى صورة أبيها المثالية.

صلات موضوع الذات والظافر الاوديبي

لماذا تعرض برونهيلد نفسها لمصير أسوأ من الموت بعصيانها لوالدها الذي تعبده؟ ولماذا تؤدي الكثير من ثنائيات الأبالابنة إلى خيبة أمل الابنة، حتى ولو كانت الابنة المفضلة؟ أعتقد، مثل جيسيكا بنجـامين، أن الإجابة تكمن في إحباط احتياج الابنة في المرحلة ما قبل الأوديبية إلى التماهي والحصول على مباركة فارسها ذي الدرع اللامع، فقد لاحظت جيسيكا بنجامين (Benjamin 1991, 277) أن حـب الابنـة المتمـاهي يحبطـه إمـا غيـاب الأب أو عجزه عن الاعتراف بها. إن أزمـة الظـافر الأوديبي (مثل برونهيلد) هي من ذلك النوع الأخير. لقد كسب الظافر الأوديبي الحظوة على حساب الاستقلال. فالابنة المفضلة عند أبيها تبحث عن الحب المتماهي كمقدمة لحب الموضوع. لكن ما هي العقبات التي تقف في طرق الاعتراف بعد السماح لذلك الحب المتماهي (بالتعبير عن نفسه) مثلما هو الحال مع الظافر الأوديبي؟ قد نجـد الإجابة على هذا السؤال في علم نفس الذات.

كما رأينا سابقًا في حالة الظافر الأوديبـي فـان حـب الأب متوقف على انصهار توأمي معه (Kohut 1975). أي أن والد الابنة المفضلة، خاصة من نوع البطلة التي تجسدها برونهيلد، قد لا يسمح بالحب المتماهي وإعجاب ابنته به فحسب، بل قد يكون أيضًا في حاجة إليه. إنه يحتاج إلى هذا الاستمثال والانعكاس الذي تعبر عنه الابنة من خلال محاولتها المثابرة أن تصبح مثله. في كثير من الأحيان تضمن الابنة المفضلة مكانها إلى جانب أبيها من خلال نجاحها في القيام بأدوار الموضوع الذاتي لـه. بالتالي، فإن العلاقة في مرحلة التماهي هذه قد تكون مشبعة للطرفين. لكن، حين تبدأ الابنة في المطالبة بالاعتراف بها كشخص شبيه بأبيها ولكن مستقل، قد يستجيب الأب سريع التأثر بنرجسيته بالاندهاش ثم الغضب. هذا الشرخ في علاقة التعاطف قد يؤدي إلى فشل في عقد صلات موضوع الذات مع النفس فيما بعد في مرحلة الرشد. إن الأب النرجسي قد يتدخل فعليًا ليحبط الطموحات المستقلة للابنة (مثلما فعل ووتـان) أو ببساطة، قد ينسحب من حياتها. لكن، في كلا الحالتين، قد تؤدي صدمة خيبة الأمل في هذه الصلة الهامة جدًا للذات وصدمة فصل موضوع الذات إلى أن تتجنب الابنة في المستقبل الدخول في علاقات رومانسية أو أنها قد تنجذب لا شعوريًا إلى رجال تكرر معهم تلك الخبرة الصادمة أملاً في أن تتمكن من الإمساك بزمام الأمور.

تقول جيسيكا بنجامين إن الفتاة في مرحلة ما قبل الأوديبية ترغب في أن تكون رجل أبيهـا الصغير، وأن يستطيع الأب أن يصبح موضوعًا للحب الجنسي المثلي للفتاة“. وترى بنجامين أن إحباط رغبة الفتاة في الحصول على الاعتراف بها قد يؤدي فيما بعد إلى تخليها عن مردود نجاحاتها لصالح استثمار مفرط في رجال يمثلون مثلها الأعلى: “إن الإحباط المبكر للإمكانيات والقوة الكامنة في الفتياتيدفع بهؤلاء الفنيـات إلـى الإعجـاب بالرجـال الـذين أفلتـوا دون المساس بشعورهم بالعظمـة” (1991, 288 Benjamin)، أو يصبح إعجابهن مشوبًا بدور الخادمة أو الخضوع، وأحيانًا بالمازوخية الجنسية” (ص٢۸۹). لكن إعادة قراءة الأمر من منظور علم نفس الذات تزيل الجوانب النفسية لاحتياجات موضـوع الـذات، حيث لا يصبح التماهي الجنسي ضروريًا لتفسير الرغبة في الاعتراف من خلال التماهي.

لا شك أن تلك كانت هي حالة مريضتنابرونهيلد التي تعكس ورطتها ورطة الكثيرات من مرضانا، كما كان الحال في حياة أنّا فرويد (Young-Bruehl 1988). كذلك فإن قصة إلكترا (Elektra) تعبر عن نفس هذا الموضوع: قصة الابنة الخادمة المتيمة الواهبة نفسها لرعاية أبيها (وفي هذه الحالة لرعاية ذكراه). إن الرفض الجنسي المكون للنمط العلائقي لتلك الشخصيات الأسطورية يعكس حب الابنة المفضلة المتماهي ما قبل الجنسي أكثر مما يعكس الاخلاص الجنسي لأبيها. أي أن عذرية تلك البطلات قد تخفي تماهيًا جنسيًا مع الأب أكثر منه تجنبًا للمخاطر المصاحبة لحب الموضوع غيري الجنسية، وهو الرأي الذي تعبر عنه الرؤية الكلاسيكية للتحليل النفسي. لكن المراجعة من منظور علم نفس الذات تطرح أن التثبيت أو الانسحاب ينبع من الفشل في انعكاس الآخر والاعتراف المتبادل.

لماذا يجد الرجال صعوبة في السماح لبناتهم بالتماهي معهم؟ قد يكون ذلك لأن بعض الرجال يجدون صعوبة في تحمل، ناهيك عن تشجيع، تماهي بناتهم لأن ذلك يهدد شعورهم بالرجولة (Leonard 1966). أي أن الطرق الدفاعية التي استخدمها بعض الرجال لتعزيز التمايز عن أمهاتهم أي التقليل من شأن النساء، والمسافة العاطفيةيتم استخدامها مع الابنة التي تسعى إلى التماهي مع الأب والحصول على الاعتراف منه. هذه الظاهرة قد تساهم في إنتاج الظاهرة التي رصدتها جيليجان(Gilligan 1983) وسادكرز (Sadkers 1994) حيث يبدأ تكوين تقدير الذات لدى الفتاة في بداية المراهقة. إن ملاحظات هؤلاء الباحثين في الفصول الدراسية يكشف انحيازًا جنسيًا مؤسسيًا، انحيازًا يعكس الرسالة التي تتلقاها الابنة من أبيها في المنزل.

لكنني أود أن أركز على أزمة الفتاة التي كان أبوها قريبًا منها بشكل واضح. إن الأدبيات التي تتناول سفاح القربى بين الأب وابنته (على سبيل المثال:1194 Levine 1990, Davis & Frawley) تشير إلى أن هؤلاء الآباء كثيرًا ما يلجأون إلى بناتهم كبديلات عن الزوجة أو الأم، ثم يعيدون تمثل صراعات الانفصالالتفرد التي مروا بها في طفولتهم. إنني أعتقد أن الأمر نفسه يحدث مع الأب الذي يمارس الإغواء النفسي، والذي يضع لنفسه حدودًا أكثر صرامة من الآباء الذين يرتكبون سفاح القربى. الابنة المفضلة التي كثيرًا ما تتميز بكونها ظافر أوديبي“- قد تحصل على قدر كبير مما قد يشبه الاعترافبالمعنى الذي تقصده جيسيكا بنجامين، لكن ذلك يحدث في الواقع يتم في سياق شبهموضوع، ففي إطار علم نفس الذات يحدث هذا الاعتراف المزيف في إطار سياق موضوع ذاتي قديم، أي أن الابنة لا تنال اعترافًا بكونها شخصًا مستقلاً، وإنما تستخدم كامتداد لأبيها. ومثلما هو الحال في مرحلة استعادة العلاقات الودية لا يكون تماهي الفتاة مع أبيها أوديبيًاولا هو غيري جنسيتمامًا، وينطبق الأمر نفسه على تماهي الأب مع الابنة.

قد يضفي الأب على العلاقة طابعًا جنسيًا – وقد يكون ذلك على نحو خفي حين تكون الابنة طفلة صغيرة، ثم أكثر صراحة حين تصل إلى المراهقة. إن قلق الآباء من التعامل مع دوافعهم الشبقية تجاه بناتهم هو ظاهرة معروفة جيدًا، وتؤدي في كثير من الأحوال إلى انسحاب مفاجئ للأب الحنون عند بلوغ ابنته سن المراهقة. على العكس من ذلك قد يقوم الأب المغوي بتشجيع مشاعر ابنته الجنسية تجاهه، سواء ضمنيًا أو حتى علانية، وفي كثير من الأحوال يسعى إلى السيطرة على جوانب أخرى من حياتها أيضًا. أغلب الآباء المغويين يعتبرون أن بدايات اهتمام بناتهم جنسيًا بذكور آخرين هو بمثابة تهديد لمكانتهم المتميزة لديهن، والكثيرون يسقطون مشاعرهم الجنسية غير المسئولة على طالبي القرب من بناتهم، واصفين اياهم جميعًا بأنهم فاسدون وأن بناتهم في حاجة للحماية منهم. إنه سيناريو شائع، ويمكن أن يحدث سواء كانت الابنة أميرةأو بطلةباستخدام تقسيم سيكوندا (Secunda 1992).

ومع ذلك، فإن جانبًا آخر من محاولات الأب المغوي في السيطرة قد نجدها في مجال الإنجاز المهني. فالنجاح المهني قد يؤدي إلى الاستقلال عن التحكم الوالدي، ومن ثم فإن نزوع ورغبات الابنة في هذا المجال قد تواجه بنفس القدر من الاعتراض تقريبًا مثل رغباتها الجنسية المستقلة. حتى الاهتمامات والآراء المستقلة للابنة قد تمثل خطوة خطيرة في اتجاه الانفصالالتفرد. فالأب الذي يشعر بالتهديد من استقلالية ابنته قد يثبط همتها وطموحها في الإنجاز بواسطة مزيج من التقليل من شأنها والإعراض عنها.

إعادة تقييم من منظور علم نفس الذات

إذا، بالنسبة للظافر الأوديبيالأنثى قد يكون الاعتراف من قبل الأب غير حقيقي وقد تحصل عليه على حساب ارتقائها المستقل. أي أن الإعجاب والاستمثال الذي تحصل عليه مشروط بقدرتها على أن تقوم بدور المرأة لأبيها وأن تخدم موضوع ذاته. إن أي تحرك في اتجاه علاقة جنسية راشدة مع شريك ملائم، أو في اتجاه مستقبل مهني قد يتفوق على تفانيها كإبنة، قد يقابل بالغضب والتهديد بفقدان علاقتها المثالية مع أبيها.

ما الذي تضيفه نظرية علم نفس الذات في الارتقاء إلى فهمنا لعلاقات الأبالابنة ولأزمة الظافر الأوديبي؟ إن أعمال كل من كوهوت ( Kohut 1977, 1996) وتولبين (1978 (Tolpin وتيرمان (1985/Terman 1984) تتحدث عن دور الاستجابة الملائمة لكل مرحلة في بناء حس الأنوثة والتقدير العام للذات لدى الفتاة في المرحلة الأوديبية أو عمر ما قبل الدراسة. في مقاله استعادة الذاتيؤكد كوهوت أن انتشار اضطراب ما لا يجعله أمرًا طبيعيًا، ويشكك في فكرة وجود مرحلة عامة تتضمن بالضرورة أزمة أوديبية (1977 220 Kohut). وفي مقال لاحق يضيف تولبين أنه في هذه المرحلة يجب أن يكون الوالدان قابلين للاستمثال، وقادرين على أن يعكسا تطلعات هذه السن. وبشكل أكثر تحديدًا، يجب على الآباء أن يستجيبوا بدفء لمحاولات الفتاة الصغيرة في الإغراء دون أن يصبحوا بدورهم مغويين، أو دون أن يقابلوا ذلـك بـالصـد بسـبب شعورهما بالقلق. كذلك يجب على الأمهات القدرة على التعاطف مع تنافسية وعدوانية بناتهن، دون انتقام أو استسلام. في كتاب لمحاضرات کوهوت نشر بعد وفاته يقول إن النرجسية يمكن أحيانًا أن تكون غطاء للصراع الأوديبي أو تجنبًا له، وفي هذه الحالات يكـون الشعور بالعظمـة دفاعيًـا فـي مواجـهـة المعرفـة بزيـف الانتصـار الأوديبي” (1996, 318 Kohut). وبمعنى آخر، إن الشعور بالعظمة نتيجة الانتصار هو إجراء للدفاع عن النفس، يتم اللجوء إليه للتغطية على ضعف أو انقسام الذات التي لم تحصل على التجاوب اللازم في المرحلة الأوديبية. كذلك، فإن محاولة استخدام ما تطرحه هذه النظرية في فهم ظاهرة الابنة المفضلة التي وصفت في الأدبيات السابقة، قد تجعل الانتصـار يبدو واهيًا حيـث أن الانعكاس المقـدم مـن قبـل الأب المغـوي والاعتمادي كان مشروطًا بنجـاح الابنـة في تقديم الخدمات القديمة لموضوع ذاته. بالتالي فإن الابنة المفضلة لا تحصل على الاعترافباعتبارها جوهر مبادراتها الخاصة المستقل، حيث أن الاتجاه نحو مزيد من الاستقلال، بالقدر الملائم للمرحلة، يؤدي إلى حجب الموافقة أو أشكال أخرى من الانتقام.

إنني أعتقد أن كتابات جيسيكا بنجامين تطـرح نقطة التقاء هامة بين النظرية الكلاسيكية ونظرية علم نفس الذات فيما يتعلق بتلك المرحلة الهامة من الارتقاء. إن كتاباتها التي تعود بجذورها إلى المرحلة الأوديبية السلبية، تطرح بعض المحددات الخاصة ببعض أشكال الانعكاس المطلوبة، والتي لم يتناولها علماء نفس الذات بالقدر الكافي. إن بنجامين بما تطرحه حول الاعتراف المتبادلوالتوأمة بين الذاتيةفي مجال الجندر، تمدنا بمزيد من الفهم لخبرات موضوعات الذات ذات الأهمية الخاصة في المرحلة الأوديبية. إنني أعتقد ـن طرحهـا لمسألة الاعتراف يحمل فكرة أداء موضوع الذات الناضج حيث يمكن لشخصين أن يستمثل ويعكس أحدهما الآخر، في نفس الوقت الذي يحتفظ كل منهمـا فيـه برابطـة موضـوع ذاتـي، تتضمن اعتمادية متبادلة، جوهرية وغير مرضية. إن الاعتراف المتبادل يتضمن فكرة الذات والآخر، حيث كلاهما مدمج في الآخر، ومستقل في نفس الوقت. لكن المأخذ على نظرية جيسيكا بنجامين الحالية أنها تستمر في محاولة الحفاظ على المجاز الكلاسيكي، ومن ثم تضـفـي بـدون داع صبغة جنسية على احتياجات موضـوع الـذات، كمـا تصـر على مرضية الاعتمادية. إنها مدينة لكوهوت وزملائه بأكثر مما تعترف به. ومن ناحية أخرى، يمكن إثراء علم نفس الذات من خلال دمج مفاهيم التبادلية والاعتراف بالآخر في نظريته الخاصة بالارتقاء الذاتي الملائم.

الهوامش

*Christine C. Kieffer. “Selfobjects, Oedipal Objects, and Mutual Recognition: A Self- Psychological Rappraisal of the Female Oedipal Victor”, The Annual of Psychoanalysis: Psychoanalysis and Women, ed. Jerome A. Winer, James William Anderson, and Christine C. Kieffer, Vol. XXXII, 69-80.

المراجع

Abelin, E.L. (1971). The Role of the Father. Separation-Individuation: Essays in Honor of Margaret S. Mahler, ed. J.B. Devitt and C.G. Settlage. New York: International Universities Press, 229-252.

Benjamin, J. (1988). The Bonds of Love: Psychoanalysis, Feminism and the Problem of Domination. New York: Pantheon Books.

..(1991). Fathers and Daughters: Identification with Difference. Psychoanal. Dial., 1:277-300.

…… (1995). What Angel Would Hear Me? The Erotics of Transference. Psychoanal. Inq., 12:535-557.

Bernstein, D. (1993). Female Identity Conflict in Clinical Practice. Northvale, MJ: Aronson.

Chasseguet-Smirgel, J. (1970). Female Guilt and the Oedipus Complex. Female Sexuality: New Psychoanalytic Views, ed. J. Chasseguet-Smirgel. Ann Arbor: University of Michigan Press.

Chodorow, N. (1978). The Reproduction of Mothering. Berkeley: University of California Press.

Davies, J.M. & Frawley, M.G. (1994). Treating the Adult Survivor of Childhood Sexual Abuse: A Psychoanalytic Perspective. New York: Basic Books.

Diener, E. (1989). Happiness is the Frequency, not the Intensity of Positive Versus Negative Affect. Subjective Well-Being: An Interdisciplinary Perspective, ed. F. Strack, M. Argyle & N. Schwartz. New York: Pergamon Press.

Dinnerstein, D. (1976). The Mermaid and the Minotaur. New York: Harper & Row.

Fast, I. (1984). Gender Identity. Hillsdale, NJ: The Analytic Press.

Freud, S. (1900). The Interpretation of Dreams. Standard Edition, 4&5:1-625. London: Hogarth Press, 1953.

Freund, L. (1997). Brunnhilde on the Couch. Unpublished manuscript. Presented at Division 10, American Psychological Association Convention, August 18, Chicago.

Gilligan, C. (1983). In a Different Voice. Cambridge, MA: Harvard University Press.

Horney, K. (1924). On the Genesis of the Castration Complex in Women. Internat. J. Psycho-Anal., 54-70.

..(1926). The Flight from Womanhood. Feminine Psychology. New York: W.W. Norton, pp. 54-70.

Jones, E. (1982). The Life and Work of Sigmund Freud: The Formative Years and The Great Discoveries. New York: Basic Books.

Kohut, H. (1977). The Restoration of the Self. New York: International Universities Press.

..(1996). The Chicago Institute Lectures, ed. M. Tolpin & P. Tolpin. Hillsdale, NJ: The Analytic Press.

Leonard, M. (1966). Fathers and Daughters. Internat. J. Psychoanal., 47:325-334.

Levine, H.B. (1990). Adult Analysis and Childhood Sexual Abuse. Hillsdale, NJ: the Analytic Press.

Mahler, M.M., Pine, F. & Bergmann, A. (1975). The Psychological Birth of the Human Infant. New York: International Universities Press.

Mc.Dougall, J. (1980). A Plea for a Measure of Abnormality. New York: International Universities Press.

Sadker, M. & Sadker, D. (1994). Failing at Fairness: How America’s Schools Cheat Girls. New York: Scribner’s Press.

Secunda, V. (1992). Women and Their Fathers. New York: Delacorte Press.

Terman, D. (1984/85). The Self and the Oedipus Complex. The Annual of Psychoanalysis 12/13:87-104. New York: International Universities Press.

Tolpin, M. (1978). Oedipal Objects and Selfobjects. The Psychoanalytic Study of the Child, 33: 167-184. New Haven, CT: Yale University Press.

Torok, M. (1970). The Significance of Penis Envy in Women. Female Sexuality: New Psychoanalytic Views, ed. J. Chasseguet-Smirgel. Ann Arbor: University of Michigan Press, pp. 135-170.

Young-Bruehl, E. (1988). Anna Freud. New York: Summit Books.

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي