نحو تضمين مطالب النساء في دستور مصر الثورة

تاريخ النشر:

2013

تأليف:

نحو تضمين مطالب النساء في دستور مصر الثورة

إن قراءة تاريخ الحركة النسوية المصرية من منظور الثورات والدساتير المصرية تتيح في رأيي تقسيم الحركة إلى أربع موجات: الموجة الأولى واكبت ثورة 1919 حين تم دمج مطالب النساء ضمن برنامج الحركة الوطنية المصرية في إطار مشروع الدولة الحديثة وإن لم تنعكس لاحقا على دستور 1923، مما دفع الحركة النسائية المصرية إلى المزيد من التنظيم والاستقلال والتركيز على المطالب النسوية. ويمكن تحديد الموجة الثانية في إطار منح المصريات حقوقهن السياسية في دستور 1956 في سياق مشروع بناء جمهورية العدالة الاجتماعية على أساس المواطنة. ولكنها مرحلة اتسمت بتأميم النشاط السياسي والعمل الاجتماعي وتأسيس «نسوية الدولة» أي استئثار الدولة بقضايا النساء. أما الموجة الثالثة فيمكن إرجاعها إلى سبعينيات، وبدايات ثمانينيات القرن العشرين مع التحولات السياسية المؤدية إلى والناجمة عن دستور 1971 بما انعكس تحديدًا على التشريعات وقوانين الأحوال الشخصية، ثم جاء تصديق مصر على اتفاقية السيداو في 1981 ومساعي مبارك الإصلاحية في بداية حكمه، وما ترتب عليها من فتح مجال حرية التنظيم وبالتالي نشأة الجمعيات والمنظمات النسوية غير الحكومية منذ الثمانينيات وصاعدًا. ومع تزايد نشاط المنظمات النسوية وتعبيرها عن مطالب النساء المصريات محليًا وعالميًا، أسست الدولة المجلس القومي للمرأة معبرًا عن سياسات الدولة وتوجهاتها حيال حقوق النساء.

ومنذ انطلاق الثورة المصرية الشعبية في يناير 2011، يمكننا رؤية موجة جديدة وهي تتشكل في سياق الحركة النسوية المصرية بما تتضمنه من منظمات غير حكومية والمجلس القومي للمرأة ولجان المرأة في بعض الأحزاب ومجموعات نسائية مستقلة متحالفة في هذه اللحظة التاريخية من أجل تضمين مطالب النساء وحقوقهن في دستور مصر الثورة. فمع انطلاق ثورة يناير 2011 ومشاركة النساء فيها ضمن جماهير الشعب المصرى الثائر، كانت قناعة النسويات المصريات بإسقاط النظام مدعاة للعمل من أجل بناء الجمهورية الجديدة على أساس مطالب الثورة في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية. ومن هنا جاءت دعوة تحالف المنظمات النسوية إلى إسقاط دستور 1971 والعمل على دستور جديد يعبر عن روح الثورة ويضمن تحقيق أهدافها. فالدستور كما تعرفه نهاد أبو القمصان، في كتابها المرأة في الدستور بين المبادئ والأحكام، هو العقد الاجتماعي والوثيقة القانونية العليا التي تضم «مجموعة القواعد التي تنظم تأسيس السلطة وانتقالها وممارستها، أي تلك التي تتعلق بالتنظيم السياسي وتنظيم شئون الحكم وعلاقته مع المواطنين. وهو أيضًا القانون الأسمى بالبلاد وهو يحدد نظام الحكم في الدولة واختصاصات سلطاتها الثلاثة، وتلتزم به كل القوانين” (1) كما يؤكد محمد نور فرحات وعمر فرحات، في كتابهما التاريخ الدستوري المصري: قراءة من منظور ثورة يناير 2011، أنه من المتعارف عليه أن النص الدستوري يجب أن يأتي «انعكاسًا للحد الأدنى المشترك بين الجماعات والمصالح والأفكار والطموحات المختلفة لأبناء الشعب» بما يؤدى إلى التزام الشعب به واستقرار المجتمع (2).

وأمام تجاهل مطالب النساء في المشاركة في صنع القرار السياسي، واستبعاد القانونيات والحقوقيات من المساهمة في صياغة التعديلات الدستورية المؤقتة التي تضمنها الإعلان الدستوري الصادر عن المجلس العسكرى بناء على استفتاء مارس 2011، ثم ظهور بوادر استثثار التيار الإسلامي بصياغة الدستور الجديد، اتجهت النسويات المصريات في تحالف المنظمات النسوية (الذي تشكل في مارس 2011 من عدد من المنظمات النسوية المصرية المستقلة) إلى السعى إلى تضمين مطالبهن في دستور مصر الجديد بالعمل على ثلاثة مستويات، والتي يمكن إيجازها فيها يلي: أولاً، طرح معايير اختيار لجنة كتابة دستور مصر الثورة والتنسيق مع القوى الوطنية والثورية. حيث قادت «مؤسسة المرأة الجديدة الجهود الساعية إلى وضع معايير لضمان تمثيل عادل للنساء في الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور، ثم الكشف عن دلائل عدم تبنى عضوات وأعضاء الجمعية التأسيسية حقوق النساء في دستور 2012. کما نجحت الحركة النسائية المصرية في خلق تحالفات بناءة مع القوى الوطنية في إطار جبهة دستور لكل المصريين، (3) التي ضمت مجموعة واسعة من الحركات الوطنية والشبابية كالجمعية الوطنية للتغيير وحركة كفاية وحركة شباب 6 أبريل (الجبهة الديمقراطية) والأحزاب السياسية الليبرالية والقومية واليسارية والاتحادات المهنية وغيرها من الائتلافات الوطنية والثورية، اشتركت في معارضتها لما شاب تشكيل وأداء اللجنة التأسيسية من إقصاء، کما قدمت مشاريع دستورية بديلة تضمن حقوق وحريات كل المواطنين والمواطنات دون تمييز. ثانيًا: تم استطلاع آراء النساء المصريات بشأن مطالبهن في الدستور، حيث قام كل من مركز قضايا المرأة المصرية ومركز الوسائل الملائمة من أجل التنمية – آكت باستطلاعي رأى شملا حوالى 20 ألف امرأة من مختلف محافظات مصر،(4) تفاوتت مناهج البحث فيهما ما بين الاستعانة بعينة منضبطة وأخرى عشوائية، بما حقق قدرًا من التنوع في مجمل العينتين وإن تقاطعت مطالب النساء فيما بينهما. (5) ثالثًا: صياغة مواد دستورية تضمن حقوق النساء في الدستور، وهو جانب بادرت «مؤسسة المرأة والذاكرة» بالالتفات إليه فتم تشكيل مجموعة عمل النساء والدستور في مايو 2011، ضمت باحثات وناشطات من مؤسسة المرأة والذاكرة، و «مؤسسة نظرة للدراسات النسوية»، وبرنامج المرأة في مركز النديم، بالإضافة إلى قانونيات مستقلات. وصدرت عن المجموعة «وثيقة النساء والدستور» التي قامت الأستاذة صفاء زكي مراد بمراجعتها وصياغتها صياغة قانونية دستورية، فتبناها تحالف المنظمات النسوية ودعمتها الحركة النسائية المصرية.

وقد تم تقديم تلك الوثيقة إلى أعضاء الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور في مارس 2012، لينتهى مصير تلك الوثيقة كغيرها من الوثائق التي تقدمت بها القوى السياسية والأحزاب والمنظمات الحقوقية المستبعدة من كتابة الدستور، ليأتى دستور 2012 معيبا نتاج الخلل في معايير تشكيل المجموعة القائمة على كتابته وبالتالي جاء غير ممثل لمصالح غالبية الشعب المصري. وهكذا بدلاً من أن تبدأ مرحلة بناء مجتمعنا المصرى على قاعدة من التعددية والتنوع، جاء الدستور معبرًا عن مصالح فئة واحدة هي التي قامت بكتابته، وتم تجاهل مطالب النساء تمامًا إلى الدرجة التي خلت فيها النصوص الدستورية من الإشارة إلى المساواة بين الجنسين والتي نصت عليها دساتير مصر منذ دستور 1956. فجاءت المادة 33 من دستور 2012 كالآتي: «المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك». وهو نص جاء هنا موجزًا دون تفصيل، بما يتنافى مع أساليب كتابة الدساتير الحديثة «فلم تعد تكتفى بتقرير الحقوق ولكن ضمان تطبيقها ووضع عدم تطبيقها»،(6) وبالتالي تحمل تلك الصيغة الدستورية الموجزة إمكانات التلاعب بحقوق النساء. بل من المفترض ألا يتم قصر ذكر النساء في الدستور مرتبطًا بأدوار الأمومة والطفولة فحسب، لما في ذلك من إقصاء للنساء عن مجال العمل العام من ناحية، واستبعاد للنساء من غير المنتميات إلى تلك الفئة: «فمن المفترض أن يتم ذكر المرأة في كل بند ينظم جوانب الحياة المختلفة سواء العامة أو الخاصة مثل الديباجة وأحكام المساواة والحقوق الاجتماعية والاقتصادية وكذلك المشاركة السياسية». (7)

 

لقد جاءت وثيقة «النساء والدستور» نتاج جهد بحثی قامت به مجموعة من الباحثات النسويات والحقوقيات، ومعبرة عن مفاهيم الدساتير الحديثة من حيث التفصيل لا الإيجاز، وتضمين حقوق النساء ضمن البنود المنظمة لجميع مناحي الحياة. وقد رأينا في الوثيقة أن يتم الربط بين مطالب الثورة ومطالب النساء، وذلك بدءًا من النص في ديباجة الدستور على العدالة والمساواة دون أي تمييز على أساس الجنس أو الدين أو الانتهاء الطبقي أو الجغرافي، مع التزام الدولة بتوجيه عناية خاصة للفئات المحرومة من الخدمات الاجتماعية والاقتصادية والصحية والتعليمية والثقافية. وفيما يتصل بالنصوص الخاصة بالمساواة وتكافؤ الفرص وعدم التمييز فقد رأينا أن يتم النص على الآتي: «المواطنون والمواطنات لدى القانون سواء في الحقوق والحريات والواجبات العامة، وتكفل الدولة تكافؤ الفرص بينهم جميعًا في جميع المجالات، كما يجوز اتخاذ تدابير تشريعية أو غيرها لحماية أشخاص أو فئات معينة للنهوض بأوضاعهم «مع تجريم التمييز» بسبب الجنس أو العرق أو اللون أو اللغة أو الدين الاعتقاد أو الحالة الاجتماعية أو الحمل، ويعتبر التمييز بجميع أشكاله جريمة لا تسقط بالتقادم». ” (8)

وفيما يتعلق بالعمل، فقد رأينا الحفاظ على مكتسبات العمالة المصرية في دستور1956 و1971 بحق العمل مقابل أجر عادل ومتساو مع حماية حقوق العمل لجميع أشكال العمالة على تنوعها واختلافها: الرسمية وغير الرسمية، والموسمية وغير الدائمة. مع ضمان خدمات التأمين الاجتماعي والصحي والمعاشات المختلفة للجميع على قدر المساواة. وبالنسبة للتعليم، أكدنا على مجانية التعليم في جميع مراحله وكونه إلزاميًا للبنين والبنات في التعليم الأساسي، مع التزام الدولة بمد الإلزام إلى مراحل أخرى وضمان تكافؤ الفرص وعدم التمييز في المؤسسات التعليمية. أما فيما يتعلق بحقوق الأطفال، فقد طالبنا بأن تلتزم الدولة باتفاقية حقوق الطفل، وأن تراعى مصلحة الطفل الفضلي، مع اعتبار تنشئة الأطفال مسئولية مشتركة بين الوالدين أو من يحل محلهما. وكذلك طالبنا بضمان توفير خدمات الرعاية الصحية المجانية بمختلف أنواعها، مع التزام الدولة برعاية الفئات التي تحتاج إلى خدمات صحية معينة. وفي باب الحريات رأينا أن يتم التأكيد على الحريات السياسية والشخصية، مع الإشارة إلى التزام الدولة بالحق في الخصوصية والحرية الشخصية والسلامة الجسدية والنفسية، مع حماية حرمة الجسد وتجريم العنف والتعذيب في المجالين العام والخاص.

وفيما يتصل بباب المشاركة السياسية، فقد رأينا أن «تضمن الدولة الالتزام بتمثيل كل فئات وطوائف المجتمع في مجالسها على أن تكفل حق المناصفة في تمثيل النساء». الدولة أيضًا «بضمان المساواة بين الجنسين في تولى الوظائف والمناصب العامة والقيادية». كذلك تضمنت الوثيقة مقترحًا من رابطة المرأة العربية بإضافة مادة تلتزم فيها الدولة بخلق آلية لضمان وتعزيز المساواة تتبع البرلمان وتختص بإعمال مبدأ تكافؤ الفرص بين النساء والرجال وحل النزاعات القائمة على التمييز، والنظر في مختلف الانتهاكات التي تتعرض مع التزام ها المرأة على أساس انتمائها إلى جنس النساء.

تقتصر الإشارة إلى النساء عامة في دستور 2012 (المعطل حاليًا) على موضعين لا تضمنها مواد الدستور نفسها بما فيها من نص على حقوق وحريات وواجبات، بل يرد الحديث عن النساء في الديباجة ضمن المبدأ الثالث من المبادئ السبعة الواردة فيها، والذي ر على الآتي: «ثالثًا: كرامة الفرد من كرامة الوطن.. ولا كرامة لوطن لا تكرم فيه المرأة؛ فالنساء شقائق الرجال، وشريكات في المكتسبات والمسئوليات الوطنية».(9) والمشكلة الأساسية في هذا النص في رأيي تكمن في الطريقة التي تقوم بها هذه الجملة بتكرار الخطابات التي تحدد النساء في إطار القيم الثقافية والاجتماعية ممثلة في مفهوم «الكرامة» بدلاً من وضع حقوق النساء في إطار حقوق الإنسان. واقتصر النص على المساواة في الديباجة: «خامسًا: المساواة وتكافؤ الفرص بين الجميع: مواطنين ومواطنات؛ فلا تمييز، ولا وساطة، ولا محاباة، في الحقوق والواجبات». فالصيغة هنا بلاغية أكثر من كونها حقوقية، لا إلزام فيها للدولة ولا لأي طرف محدد، ولا ضمانات لتحقيقها. كما أن وجودها ضمن الديباجة باعتبارها مبدأ لا يرتقى بها إلى مستوى المادة الدستورية المحكمة. هذا من ناحية الشكل، أما من حيث المضمون، فالنص هنا يأتي في صيغة عامة لا تحمل أي ضمانات لتحقيق المساواة وتكافؤ الفرص، خاصة أنها نقطة لا يتم تناولها لاحقًا بالتفصيل ضمن مواد الدستور. بل وهنالك من المواد الأخرى ما يتعارض معها، وبالتالي تعلو مادة مثل المادة 219 على سبيل المثال بسلطة الأحكام الفقهية فتفرغ تلك العبارة من قيمتها ولا تلزم أحدًا بضمانات تحقيقها. هذا علما بأن القوى الوطنية والثورية، التي تتحدث وثيقة الدستور باسمهم، لم تقتصر مطالبها على إلزام الدولة بضمان عدم التمييز على أي أساس، وإنما تتجاوز ذلك إلى المطالبة بتجريم التمييز.

أما الإشارة الأخرى للنساء في نصوص الدستور، فتمثلت في المادة 68 من مسودة دستور 2012 والتي تضمنت جانبين مهددين لحقوق النساء: «تكفل الدولة التوفيق بين واجبات المرأة نحو الأسرة وعملها في المجتمع، ومساواتها بالرجل في ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، دون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية». فالمادة بصيغتها تلك تشير إلى النساء في سياق أسرى يعلى الدور الأسرى باعتباره واجبًا. وهو ما يتم ترسيخه لاحقا في المادة نفسها بإلزام الدولة «بتوفير خدمات الطفولة والأمومة.. فضلاً عن إلزامها بعناية خاصة للمرأة المعيلة والمطلقة والأرملة». أما وجه الخطورة في هذه المادة فيتمثل في شرط عدم الإخلال بأحكام الشريعة إذا أخذنا في الاعتبار المادة 219 بما تقدمه من تفسير لمفهوم الشريعة يفتح المجال لولاية الفقيه. وقد رأت الحركة النسائية أنه يتعين النص على حقوق النساء بشكل مطلق وأن لا تقتصر صورة النساء في الدستور على النساء ربات الأسر البائسات، وإنما باعتبارهن مواطنات يتمتعن بحقوق المواطنة وحقوق الإنسان. وقد نجح الاحتجاج والضغط النسوي في تراجع الجمعية التأسيسية عن تضمين تلك المادة في دستور 2012، ولكن انتهى الأمر إلى إلغاء المادة بدلا من تعديلها بما ينص على المساواة بين الجنسين والنص صراحة على حقوق النساء في الدستور.

وجدير بالذكر أن الاعتراض على مواد الدستور وأسلوب كتابته لم يقتصر على النساء بأی حال من الأحوال، فقد كان إجماع القوى الوطنية والثورية على رفضه. وبالفعل قامت القوى الإسلامية بتمرير الدستور بدعوى ضرورة الانتهاء من المرحلة الانتقالية في أسرع وقت مع التعهد بمراجعة اعتراضات القوى الوطنية وإضفاء التعديلات عليه بعد إقراره! والقارئ في التاريخ الدستورى المصرى يجد فيه العبرة لمن يعتبر، إذ سبق للشعب المصري الخروج عن دساتيره عندما عجزت عن التعبير عن آماله وطموحاته لأنه إذا لم يكن الدستور معبرًا إلا عن فئة بعينها من الشعب فلن يجبر ذلك بقية الشعب على الامتثال والانصياع له، وإنما سيستمر المد الثوري في مواجهة الاستبداد الجديد دون أن تتحول الطاقة الثورية إلى طاقة تنموية خلاقة.” (10) وهكذا تتحقق نبوءة الخبراء الدستوريين ممن حذرونا من تداعيات إصدار دستور استأثرت فئة بكتابته فجاء غير معبر عن المجتمع المصرى بتنوعه وغير محترم للخصوصية القائمة على أساس الجنس أو العقيدة أو الانتهاء الطبقي أو الجغرافي، ودون تقديم أي ضمانات للنهوض بالفئات والأقاليم المهمشة والمستضعفة والمحرومة.

لقد خرجت جماهير الشعب المصرى يوم 30 يونيو 2013 في موجة جديدة من موجات ثورة يناير، ومع إعلان عزل الرئيس مرسى يوم 3 يوليو، وما صاحبه من طرح خارطة طريق لتصحيح مسار الثورة، تمثلت الخطوة الأولى في تعطيل العمل بدستور 2012، ومراجعته في سبيل إقرار دستور يرسم مسار الدولة في أعقاب إنهاء حكم الإخوان. وقد أعادتنا تلك اللحظة التاريخية (من حيث مكانة الدستور في حياتنا) إلى ما يشبه لحظة إنهاء حكم مبارك. فقد صاحب ذلك تعطيل لدستور 1971 والعمل حثيثًا على بعض التعديلات الدستورية التي ترسم خارطة الطريق في ظل حكم المجلس العسكري، إلا أن المسار بدأ حينها بالانتخابات لا كتابة الدستور، مما أدخلنا في متاحة بناء دولة جديدة دون قواعد قانونية. وبينما تم تعطيل دستور 2012 هذه المرة لم يتم الدخول في متاهة الانتخابات، وإنما حدث توافق بين القوى الوطنية على معايير اختيار لجنة للنظر في دستور 2012، مع وجود توجه عام بالانطلاق منه لا الخروج عنه.

وقد جاء تشكيل اللجنتين المنوط بهما مراجعة الدستور جامعًا بين الانتخاب والتعيين. فقد قامت رئاسة الجمهورية بتحديد معايير اختيار لجنة الخبراء من عشرة قضاة وأساتذة قانون دستوري، وذلك بحكم مناصبهم لا أشخاصهم وبترشيح من المحاكم المصرية والمجلس الأعلى للجامعات. أما اللجنة المجتمعية (لجنة الخمسين) فقد جاء تشكيلها بناء على تمثيل لمؤسسات سياسية ودينية ومجتمعية متنوعة يقوم كل منها بترشيح شخصين أحدهما يكون عضوا أساسيًا والآخر احتياطيًا، بينما يقوم مجلس الوزراء بترشيح عشر شخصيات عامة. وقد جاء التمثيل النسائي منعدمًا في لجنة الخبراء، بما يمثل انعكاسًا للضعف الشديد في تمثيل النساء في الهيئة القضائية المصرية. أما لجنة الخمسين فلا تضم سوى خمس نساء بنسبة 10%: ثلاث منهن ممثلات عن مجالس قومية متخصصة، ومرشحة عن الغرفة الصناعية، ومرشحة واحدة من الحكومة. ومع ضعف التمثيل النسائي إلا أن الأمر المشجع هو وجود شخصيات نسائية قضت حياتها دفاعًا عن حقوق النساء وعلى رأسهن الأستاذة الجامعية د.هدى الصدة الأستاذة الجامعية وهي واحدة من مؤسسات المرأة والذاكرة، والأستاذة منى ذو الفقار المحامية التي اشتهرت من خلال تبنيها قضية حقوق النساء وعدم التمييز وتكافؤ الفرص، ذلك إلى جانب رئيستي المجلس القومي للمرأة والمجلس القومى للأمومة والطفولة. وبالإضافة إلى تواجدهن الفاعل في اللجنة، فإن اللجنة ذاتها تضم من الشخصيات المعروفة بدعم قضايا المساواة وعدم التمييز، بما يملؤنا أملا في تضمين حقوق النساء في دستور مصر الثورة.

ومع وضوح معايير اختيار اللجنتين وانتهاء لجنة الخبراء من تعديل دستور 2012، ليس من الواضح (وقت كتابة هذه الورقة) ما إذا كانت ستقوم بدور جوهري في الصياغة النهائية للدستور، أم أن لجنة الخمسين هي التي ستتحكم في الصيغة النهائية من الدستور والتي سيتم استفتاء الشعب عليها. كما يوجد تفاوت في التصريحات ما إذا كانت الصيغة النهائية ستصدر باعتبارها دستورا جديدا أو دستور 2012 المعدل. وهو أمر سينعكس في أغلب الأمر على ديباجه الدستور، سواء بالحفاظ على الدستور باعتباره «وثيقة ثورة الخامس والعشرين من يناير» كما يرد في مفتتح دستور 2012 المعطل، وكيفية الإشارة إلى 30 يونيو، باعتبارها موجة تستتبع تعديل الدستور أو ثورة تتطلب إسقاط دستور 2012 وإصدار دستور جديد؟! وهي إشارات تم تلافيها تمامًا في ديباجة النص المعدل الصادر عن لجنة الخبراء، كما لم يحسمها النقاش المجتمعي حتى لحظة كتابة هذه الورقة. أما الأمر الواضح حتى الآن فهو أن لجنة الخمسين تتناول مراجعة دستور 2012 مادة مادة، من خلال اللجان الفرعية المتخصصة في كل باب من أبواب الدستور، كما تعقد جلسات استماع لممثلين عن كل فئات المجتمع المصرى والمهتمين بحقوق المواطنة في دستور مصر الثورة.

هذا ويحفل تاريخنا الدستوري بمسميات متنوعة للدستور المصري. فقد صدر دستور 1923 باعتباره منحة ملكية من الملك فؤاد الأول للأمة المصرية في لحظة تكوين الدولة المصرية الحديثة، وبالتالي قامت بكتابة الدستور لجنة ثلاثينية معينة من الملك للقيام بتلك المهمة، ثم صدر به «أمر ملكي». وتشير ميرفت حاتم إلى التفاوت بين البلاط الملكي والقوى الوطنية ورجال القانون في رؤيتهم بشأن دستور 1923، حيث صدر باعتباره منحة بينما رأت القوى الوطنية المؤمنة بسلطة الأمة أن الدستور هو عقد بين الملك والأمة، في حين تعامل القانونيون مع الدستور باعتباره اتفاقًا أو «عهدًا».(11) أما دستور 1956، الذي قامت بكتابته لجنة (الخمسين) المعينة بقرار جمهوري (بعد حل اللجنة السابقة التي كانت قد أعدت مسودة دستور 1954)، فقد صدر معبرًا عن مطالب ثورة يوليو وجاء باعتباره دستور الجمهورية صادراً عن جماهير الشعب المصري، واستمرت تلك الصيغة في دستور 1971. أما دستور 2012، فقد حافظ في ديباجته على تحديد أصحاب الدستور صادرًا بلسان «جماهير شعب مصر، ولكنه جاء باعتباره «وثيقة» تخلط بين المنحة والعقد والعهد، إذ يستهل الجمهورية الدستور دیباجته كالآتي: «هذا هو دستورنا.. وثيقة ثورة الخامس والعشرين من يناير، التي فجرها شبابنا، والتف حولها شعبنا، وانحازت إليها قواتنا المسلحة»، بينما تنتهى الديباجة بالفقرة الآتية: «نحن جماهير شعب مصر، إيمانًا بالله ورسالاته، وعرفانًا بحق الوطن والأمة علينا، واستشعارًا لمسئوليتنا الوطنية والإنسانية، نقتدى ونلتزم بالثوابت الواردة بهذا الدستور، الذي نقبله ونمنحه لأنفسنا، مؤكدين عزمنا الأكيد على العمل به والدفاع عنه، وعلى حمايته واحترامه من قبل جميع سلطات الدولة والكافة».

وهكذا يثير هذا النص تساؤلات مهمة حول أهمية الديباجة في أي نص دستوري، ودورها في تحديد مفهوم ودور الدستور إلى جانب السياق السياسي والاجتماعي والثقافي الأشمل. ونظرًا إلى أن الأعراف الدستورية ترى في الديباجة نصًا يعبر عن المبادئ العامة الحاكمة للدستور نفسه، فقد جاءت مطالب الحركة النسوية بأن تتضمن الديباجة النص على شكل الدولة كدولة مدنية ديمقراطية حديثة، وعلى المساواة بين الجنسين وعدم التمييز، وعلى التزام الدولة بالمواثيق الدولية بما يضمن التمسك والالتزام باتفاقية السيداو وحقوق الطفل باعتبارهما تتمتعان بقوة القانون. أما فيما يتصل بمواد الدستور، فقد رأت النسويات المصريات عدم إفراد باب منفصل لحقوق النساء، وإنما قمن بصياغة مطالب النساء وحقوقهن ضمن مختلف مواد الدستور مع الميل إلى التفصيل لا التعميم وصياغة المادة بضماناتها.

ويرجع ذلك إلى وعى النسويات بأن التشريعات هي من أدوات تمكين النساء وتغيير ويرجع الأعراف والممارسات التي تميز ضد النساء، فركزت النسويات في نضالهن على ترسيخ مبدأ المواطنة والعمل على تحقيق المساواة وتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، نساًء ورجالاً، دون تمييز بسبب الجنس، أو الأصل، أو اللغة، أو الدين، أو العقيدة، أو الثروة، أو المكانة الاجتماعية، أو الآراء السياسية، أو الإعاقة، أو أي سبب آخر، وذلك في جميع نصوص الدستور والقوانين، مع ضمان تطبيقها على أرض الواقع، من خلال النص على الآليات التي تراقب تطبيق القوانين، وترصد الانتهاكات وتتصدى لها. وقد جمعت جهود النساء خلال العامين الماضيين، أي منذ انطلاق ثورة يناير 2011، بين مطالب الثورة ومطالب النساء سعيا إلى تأمين الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لجميع المواطنات والمواطنين بما يكفل تحقيق العدالة الاجتماعية، والكرامة الإنسانية، بما في ذلك الحق في العمل، وفي خدمة تعليمية ورعاية صحية جيدة، وفي التأمين الاجتماعي، وفي بيئة صحية نظيفة، جنبًا إلى جنب حقوق النساء في المساواة وتكافؤ الفرص، مع وضع آليات لضمان الحصول على تلك الحقوق وتجريم كل أشكال التمييز. ويملؤنا أمل في أن تستجيب اللجنتان القائمتان على صياغة دستور مصر الثورة بمطالب النساء باعتبارهن شريكات في الثورة وشريكات في الوطن، وذلك ضمن منظومة دستورية متكاملة معبرة عن مطالب الثورة وحقوق الإنسان.

ولا أجد هنا خاتمة أدق تعبيرًا عن مطالب النسويات المصريات من الخطاب الذي وجهه تحالف المنظمات النسوية إلى كل أعضاء لجنة الخمسين التي تعكف حاليًا على دستور مصر الثورة، وهو خطاب تم إرساله إلى اللجنة بتاريخ أول أيام انعقادها (8 سبتمبر 2013)، يتم فيه التعقيب على التعديلات التي أدخلتها لجنة الخبراء على دستور 2012، (12) كما يتم طرح بعض المقترحات على لجنة الخمسين. وفيما يلي نصه:

السادة والسيدات الأفاضل أعضاء وعضوات لجنة إعداد الدستور

تحية طيبة،

يتقدم إليكم تحالف المنظمات النسوية المصرية بخالص التهنئة على المشاركة في صياغة الدستور المصري، على أمل بأن يأتى دستور مصر في شكله النهائي معبرًا عن روح ثورة يناير ومطالب الشعب المصرى في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية والاستقلال الوطني. ونود فيما يلى إشراككم في رؤيتنا بشأن حقوق النساء المصريات في الدستور.

لقد شاركت النساء المصريات في الحراك الوطني والثوري المصاحب لثورة 25 يناير منذ إرهاصاتها المبكرة وفي موجاتها المتتابعة، ومع ذلك توالى تهميش النساء من المسار السياسي بدءا من إقصائهن عن لجنة التعديلات الدستورية على دستور 1971، ثم إلغاء حصة المرأة في البرلمان (كوتة المرأة) في الإعلان الدستوري الصادر عن المجلس العسكري، وكذلك ضعف تمثيل النساء في الجمعية التأسيسية الأولى لكتابة الدستور، ثم في لجنة إعداد الدستور الحالية، ذلك إلى جانب جميع محاولات إلغاء حقوق ومكتسبات النساء وإقصاء النساء عن مواقع صنع القرار. وقد جاءت الطامة الكبرى في دستور 2012 الذي لم يكتف بتهميش تمثيل الناشطات النسويات في مسار كتابته وإنما خرج في ديسمبر 2012 وقد تجاهل حقوق النساء بما يؤسس لجمهورية لا صوت ولا تمثيل ولا حق فيها لجموع النساء المصريات.

ومع إعلان تصحيح مسار ثورة يناير في أعقاب موجة 30 يونيو، وعند طرح خارطة الطريق التي تتضمن الاستجابة لأهم مطالب الثورة في دستور يعلى قيم العدالة والمساواة والحرية، لاحت بوادر أمل جديد في دستور ينصف النساء وينص على عدم التمييز وتكافؤ الفرص، إلا أن بوادر الأمل ما لبثت أن أخذت في الأفول مع صدور النسخة المعدلة من دستور 2012 المعطل.

واستمرارًا لنهجنا في طرح رؤيتنا بشأن مسار كتابة دستور مصر الثورة، فإننا نتقدم فيما يلي بعرض لموقفنا من المواد التي تضمنتها تعديلات لجنة الخبراء على دستور 2012، وكلنا أمل أن تؤخذ رؤيتنا في الاعتبار وأن يتاح لنا مجال المشاركة في إدراج حقوقنا في الدستور

المصري.

أولاً: جاءت المادة (11) في التعديلات الأخيرة تنص على الآتي: «تكفل الدولة حماية الأمومة والطفولة، ورعايتها، والتوفيق بين واجبات المرأة نحو أسرتها وعملها في المجتمع، ومساواتها بالرجال في ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، دون إخلال بمبادئ الشريعة الإسلامية، وتولى الدولة عناية وحماية خاصة للمرأة المعيلة والمطلقة والأرملة». وإننا هنا نعترض على نقطتين جوهريتين. فالصيغة «مساواتها بالرجال» لا تشير إلى حق النساء في المساواة باعتباره مبدأ عامًا، وهو يتم ترسيخه لاحقا في عبارة «دون إخلال بمبادئ الشريعة الإسلامية» بما يوحي بأن المساواة تتعارض مع الشريعة الإسلامية، ومن هنا يجب حذف تلك العبارة من هذه المادة خاصة في ظل وجود المادة (2) في الدستور والتي تنطبق على كل ما يليها من مواد، وإلا كان لزامًا إضافة عبارة «دون إخلال بميادي الشريعة الإسلامية» في متن كل مادة من مواد الدستور.

ثانيًا: جاءت المادة (38) لتنص على الآتي: «المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات، لا تمييز بينهم بسبب الجنس أو النوع أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة أو لأى سبب آخر». وتأتي تلك المادة لتنص على المساواة وعدم التمييز دون ضمانات لتنفيذها، ودون تأكيد على تكافؤ الفرص ودون تجريم للتمييز. ومن هنا فإننا نقترح أن يتم تعديل هذه المادة كالآتي: «المواطنون والمواطنات لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، وتكفل الدولة تكافؤ الفرص بينهم جميعًا في جميع المجالات، كما يجوز اتخاذ تدابير تشريعية أو غيرها لحماية أشخاص أو فئات معينة للنهوض بأوضاعهم. ويجرم التمييز ضد أي مواطن أو مواطنة بسبب الجنس أو النوع أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة أو لأى سبب آخر».

ثالثا: جاءت المادة (60) تنص على الآتي: «لكل طفل فور الولادة الحق في اسم مناسب، ورعاية أسرية، وتغذية أساسية، ومأوى، وخدمات صحية، وتنمية دينية ووجدانية ومعرفية. وتلتزم الدولة برعايته وحمايته عند فقدانه أسرته، وتكفل حقوق الطفل المعاق وتأهيله واندماجه في المجتمع. ويحظر تشغيل الطفـل في أعمال لا تناسب عمره، أو تمنع استمراره في التعليم. ولا يجوز احتجاز الطفل إلا لمدة محددة، وتوفر له المساعدة القانونية، ويكون احتجازه في مكان مناسب؛ بعيدًا عن أماكن احتجاز البالغين». ويعيب تلك المادة عدم النص صراحة على سن الطفولة، ومن هنا يجب تحديد سن الطفولة وفقا للمعايير الدولية ومواثيق حقوق الطفل التي تحدد سن الطفولة من الميلاد وحتى 18 عامًا. كذلك لا تضمن تلك المادة أدنى حماية للأطفال مخاطر عمالة الأطفال، ما يجب تجريمه في الدستور. وأخيرًا لا تضمن المادة حق الأطفال في عدم التمييز على أساس الجنس، وحماية جسدية ونفسية.

رابعا: جاءت المادة ( 66 ) تنص على الآتي: «تحظر كل صور القهر، والاستغلال القسري للإنسان، وتجارة الجنس، وغيرها من أشكال الاتجار بالبشر، ويجرم القانون هذه الأفعال، ويحدد العقوبات التي توقع على ارتكاب أي منها». ونظرًا إلى أنه تمت الإشارة إلى تجريم الاتجار بالبشر في المادة 45 فلا داع لتكرار الإشارة إليها هنا بربطها بتجارة الجنس بما يوحى بقصر الاتجار بالبشر على تجارة الجنس. وبالتالى فإننا نطالب بإلغاء عبارة «تجارة الجنس» بحيث يصبح النص كالآتي: «تحظر كل صور القهر، والاستغلال القسري للإنسان، أشكال الاتجار بالبشر. ويجرم القانون هذه الأفعال ويحدد العقوبات التي توقع على ارتكاب أي منها».

خامسا: جاءت المادة (191) لتحدد نظام الانتخابات فيما يلي: «تكون انتخابات مجلس الشعب والمجالس المحلية التالية لتاريخ العمل بالدستور بنظام الانتخاب الفردي»، إن قصر الانتخابات البرلمانية والمحلية على النظام الفردي يعيدنا إلى سيطرة الأموال وسيادة العصبية والقبلية على الانتخابات والحياة السياسية، كما يؤدي إلى إضعاف الحياة الحزبية الناشئة بدلا من دعمها وبنائها في الساحة السياسية المصرية بما يهدد المسار الديمقراطي المأمول. كما يساهم النظام الفردي في إبعاد وتهميش النساء في الانتخابات نظرا إلى الثقافة السائدة في المجتمع وعدم سيطرة النساء على الموارد المالية اللازمة بما يؤدى إلى عدم ضمان وجود تمثيل نسائی عادل في المجالس النيابية والمحلية. ومن هنا يجب أن ينص الدستور على الجمع بين النظام الفردي ونظام القوائم، مع تحديد حصة عادلة (كوتة) للنساء في المجالس المنتخبة لضمان قدر من تكافؤ الفرص في البرلمان والمحليات.

وأخيرًا، يتقدم تحالف المنظمات النسوية بالمطالب التالية:

أولا: بشأن مسار إعداد الدستور

1- أن تقوم لجنتكم الموقرة بتوسيع دائرة لجنة إعداد الدستور بحيث تتضمن كل الأعضاء الاحتياطيين ممن تم طرح أسمائهم للجنة إعداد الدستور، ودمجهم في مسار إعداد الدستور بحضور الاجتماعات والمشاركة في مناقشات اللجنة وطرح الرؤى المختلفة دون التمتع بحق التصويت.

2 – ندعو لجنتكم الموقرة إلى الإعلان عن اللجان الفرعية، والحرص على أن تتضمن لجانا مجتمعية ممثلة بحق للمجتمع المصرى وفئاته المختلفة ونقاباته وأحزابه ومجتمعه المدني، مع مراعاة ضمان مشاركة عادلة للنساء والشباب والقوى الوطنية والثورية.

3 – أن تقوم لجنتكم الموقرة بتشكيل لجان مجتمعية متخصصة تعمل كحلقة وصل بين لجنة الخمسين واللجنة الفرعية من ناحية وبين المجتمع، على أن تضم في عضويتها شخصيات تعبر فعلا عن المجتمع المصرى ومطالب الشعب المصري. وبذلك يتم إفساح المجال لوجود تمثيل جغرافي ومهنى وثقافى وعمرى واسع يتيح مشاركة قطاعات كبيرة من المجتمع المصري في كتابة دستوره.

4- أن تقوم لجنتكم الموقرة بتشكيل لجنة مجتمعية متخصصة في قضايا النساء لجنة حقوق النساء» تتضمن في عضويتها عددًا من النساء من منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال حقوق النساء والحركات النسائية والمبادرات الجديدة جنبًا إلى جنب مع ممثلات من لجان المرأة بالأحزاب السياسية.

ثانيا: بشأن مواد الدستور

1- يجب أن ينص الدستور على احترام مصر للاتفاقيات والمواثيق الدولية التي وقعت عليها مصر.

2 – تحديد حصة للنساء (كوتة المرأة) في المجالس المنتخبة، بنسبة لا تقل عن 35% من تشكيلها.

3 – النص الواضح في الدستور على المساواة وتكافؤ الفرص وعدم التمييز بين الجنسين، مع تجريم أشكال التمييز كافة.

4- إدماج النوع الاجتماعي ضمن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتنمية البشرية، مع إلزام الدولة بتخصيص الموارد اللازمة (الرعاية الصحية، التعليم والبحث العلمي، المسكن، العمل، المعاشات والتأمين الاجتماعي، إلخ)، وذلك وفقا لمعايير وأهداف محددة.

وختامًا، يسعدنا أن نرفق بهذه الرسالة كتيب «المرأة والدستور»(13) يتضمن لمحة من الجهود التي بذلها تحالف المنظمات النسوية على مدار العامين الماضيين لصياغة مقترحات وحقوقهن في دستور مصر الجديد، وذلك بناء على جهد بحثى، ودراسات ميدانية واستطلاعات رأي النساء من مختلف المحافظات ومن فئات وشرائح المجتمع على تنوعها، وصولا إلى 14 مادة مقترحة بمطالب النساء في الدستور.

وختامًا، فلقد مرت عدة أسابيع منذ كتابة هذه الورقة إلى حين إعدادها النهائي للنشر، وقد شهدت تلك الفترة قيام لجنة تعديل الدستور بعقد ثلاث جلسات استماع لمجموعات نسائية مختلفة: جلسة قام بتنسيقها المجلس القومي للمرأة، وأخرى تمت للاستماع إلى وجهات نظر المنظمات الحقوقية، وثالثة للجان المرأة في الأحزاب السياسية والمجموعات النسائية داخل الحركات السياسية. وقد حرص تحالف المنظمات النسوية على الوجود في كل من تلك الاجتماعات، وعرض مطالب الحركة النسوية المصرية في دستور مصر القادم. وتبدو المؤشرات الأولى مبشرة من حيث استجابة لجنة تعديل الدستور إلى مطالب النساء بالنص على المساواة وتجريم التمييز وإنشاء آلية وطنية لمكافحة جميع أشكال التمييز، وهو ما تواتر إلينا المادة 38 المقترحة على الآتي: «المواطنون لدى القانون سواء وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين أو العقيدة أو الجنس أو الأصل، أو العرق أو اللون أو اللغة أو الإعاقة أو الموقع الجغرافي أو المستوى الاجتماعي أو الانتهاء السياسي أو لأى سبب آخر. التمييز والحض على الكراهية جريمة يعاقب عليها القانون. تلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على جميع أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض». كذلك يرد في صفحة «لجنة الخمسين» على موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك، وهي «الصفحة الرسمية للجنة الخمسين لإعداد المشروع النهائي للتعديلات الدستورية»، نص المادة 11 باعتبارها من المواد التي تم بالفعل إقرارها في النقاشات الدائرة حاليا على مستوى لجنة الخمسين والتي تنص على ما يلي: «تلتزم الدولة بتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وتعمل الدولة على اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل المرأة تمثيلاً مناسبًا ومتوازنًا في المجالس النيابية والمحلية على النحو الذي يحدده القانون. وتلتزم الدولة بحماية المرأة ضد كل أشكال العنف. وتكفل الدولة تمكين المرأة من التوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل، كما تلتزم بتوفير الرعاية والحماية للأمومة والطفولة والمرأة المعيلة شرط والمسنة والنساء الأشد فقرًا واحتياجًا». وفي الوقت نفسه تتسرب إلينا من آن إلى آخر أخبار مقلقة بشأن محاولات التيار الإسلامي داخل اللجنة فرض شرط عدم التعارض مع الشريعة الإسلامية على مادة المساواة، وكذلك تضمين المادة 219 من دستور 2012 المعطل داخل ديباجه الدستور المعدل. وأيا ما كانت الصيغة النهائية التي سيرد عليها دستور مصر القادم، فإننا كنسويات نعلم جيدا أن نضالنا مستمر، فكل حق نكتسبه في الدستور سيتطلب منا مزيدا من الجهد والعمل كي يتجسد في التشريعات والقوانين وينعكس على حياة النساء المصريات.

هالة كمال: أستاذة مساعدة بقسم اللغة الإنجليزية بجامعة القاهرة.

( 1) نهاد أبو القمصان، المرأة في الدستور ما بين المبادئ والأحكام، القاهرة: دار نهضة مصر، 2013، ص 1.

(2) محمد نور فرحات وعمر فرحات، التاريخ الدستوري المصري: قراءة من منظور ثورة يناير 2011، الدار العربية للعلوم ومركز الجزيرة للدراسات، 2011، ص 10.

(3) للمزيد عن حركة دستور لكل المصريين يمكن قراءة البيان التأسيسي «بيان من جبهة دستور لكل المصريين للشعب المصرى» المنشور يوم 2 أبريل 2012 على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، وكذلك الخبر المنشور في صحيفة المصرى اليوم بتاريخ 2 أبريل 2012 بعنوان «31 حزبًا وحركة سياسية تؤسس جبهة دستور لكل المصريين»: https://www.almasryalyoum.com/node

(4) تحالف المنظمات النسوية، المرأة والدستور، (القاهرة: مركز قضايا المرأة المصرية، 2012)، ص 19 -.46

(5) للمزيد حول مناهج البحث الاستطلاعي يمكن الرجوع إلى: شارلين ناجي هيسي بايبر وباتريشا لينا ليفي، مناهج البحث النسوي: نظرية وممارسة، ترجمة هالة كمال (القاهرة: المركز القومى للترجمة، قيد النشر).

(6) نهاد أبو القمصان، المرأة في الدستور، ص11.

(7) نهاد أبو القمصان، المرأة في الدستور، ص92.

(8) كل الاقتباسات هنا والتالية مصدرها تحالف المنظمات النسوية المصرية، المرأة والدستور، القاهرة: مركز قضايا المرأة المصرية، سبتمبر 2012، ص 47 -48.

(9) «دستور جمهورية مصر العربية المعطل»، موقع المحكمة الدستورية العليا: https://hccourt.gov.eg/Constitutions/Egypt Constitution 1.asp

(10) محمد نور فرحات وعمر فرحات، التاريخ الدستوري المصري، ص 10.

(11) Mervat Hatem, “The Pitfalls of the Nationalist Discourses on Citizenship” in Gender and Citizenship in the Middle East, ed. Suad Joseph (Syracuse University Press. 2000), p. 38.

(12) مشروع تعديل دستور جمهورية مصر العربية 2013، الموقع الإلكتروني للمحكمة الدستورية العليا. جمهورية مصر العربية: https://hecourt.gov.eg/Constitutions/EgyptConstitution 2.asp

(13) تحالف المنظمات النسوية، المرأة والدستور، (القاهرة: مركز قضايا المرأة المصرية، 2012).

  • آمال السبكي، الحركة النسائية في مصر ما بين الثورتين 1919 و 1952 (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1986).

  • إجلال خليفة، الحركة النسائية في مصر، القاهرة 1974

  • تحالف المنظمات النسوية، المرأة والدستور، (القاهرة: مركز قضايا المرأة المصرية،.(2012)

  • ريان سميث، النسوية والمواطنة، ترجمة أيمن بكر وسمر الشيشكلي، مراجعة وتقديم

فريدة النقاش (القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، 2004).

  • سیمون دي بوفوار، «المرأة باعتبارها الآخر، في كتاب النوع: الذكر والأنثى بين التميز والاختلاف، تحرير إيفلين آشتون، جونز جاري، أ. أولسون، ترجمة محمد قدري عمارة، تقديم هالة كمال (القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، 2005)،

  • محمد نور فرحات وعمر فرحات، التاريخ الدستورى المصري: قراءة من منظور ثورة يناير 2011، الدار العربية للعلوم ومركز الجزيرة للدراسات، 2011.

  • ميرفت حاتم،

  • Mervat Hatem, The Pitfalls of the Nationalist Discourses on Citizenship” in Gender and Citizenship in the Middle East, ed. Suad Joseph (Syracuse University Press, 2000).

  • نهاد أبو القمصان، المرأة في الدستور ما بين المبادئ والأحكام، القاهرة: دار نهضة مصر،.2013

الوثائق:

  • «إتفاقية إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة»، الأمم المتحدة: https://www.un.org/womenwatch/daw/cedaw/text/0360793A.pdf

  • دستور 1923: أمر ملكي رقم 42 لسنة 1923 بوضع نظام دستوري للدولة المصرية – 19 أبريل 1923، الموقع الإلكتروني للمحكمة الدستورية العليا، جمهورية مصر

العربية:

https://hecourt.gov.eg/Constitutions/Constitution23.asp

  • دستور 1956: دستور الجمهورية المصرية الصادر في 16 يناير 1956، الموقع الإلكتروني للمحكمة الدستورية العليا، جمهورية مصر العربية: https://hccourt.gov.eg/Constitutions/Constitution56.asp

  • دستور 1971: دستور جمهورية مصر العربية، الموقع الإلكتروني للمحكمة الدستورية العليا، جمهورية مصر العربية: https://hccourt.gov.eg/Constitutions/Constitutio71.asp

  • دستور 2012: دستور جمهورية مصر العربية المعطل، الموقع الإلكتروني للمحكمة الدستورية العليا، جمهورية مصر العربية: https://hccourt.gov.eg/Constitutions/EgyptConstitutionl.asp

  • دستور جمهورية مصر العربية المعطل: مشروع تعديل دستور جمهورية مصر العربية 2013، الموقع الإلكتروني للمحكمة الدستورية العليا، جمهورية مصر العربية: https://hccourt.gov.eg/Constitutions/EgyptConstitution2.asp

  • صفاء زكي مراد، «المرأة والدستور في مصر»، منتدى البدائل العربي، مارس 2012.

  • فاطمة خفاجي، «حقوق النساء والمساواة بين الجنسين في الدستور المصري»، منتدى البدائل العربي، مارس 2012.

  • مجموعة عمل النساء والدستور، «وثيقة النساء والدستور: المسار والمقترحات»، وثيقة غير مطبوعة، مؤسسة المرأة والذاكرة، مايو 2012.

  • مرکز قضايا المرأة المصرية، «مطالب النساء من الدستور – اللجنة التأسيسية النسوية»، مخرجات ورشة عمل، القاهرة: أبريل 2012.

  • مركز الوسائل الملائمة من أجل التنمية – آكت، «المساواة والمواطنة الكاملة للنساء: حملة دستور لكل المصريين والمصريات».

  • مؤسسة المرأة الجديدة، «ملاحظات مقارنة في وثائق المبادئ الدستورية، ومعايير تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور الجديد للبلاد»، مارس 2012.

  • «وثيقة موقف تحالف المنظمات النسوية في مسألة الدستور المصري»، 28 يوليو 2012: https://nazra.org/sites/nazra/files/attachments/position_paper_egypt_constitut ion.pdf

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي