حمل المراهقات في شيلي اليوم:
من الزواج إلى الإجهاض
إذا ما حملت المراهقات في شيلي، فأمامهن طائفة من الخيارات الممكنة فى ظل المجتمع والثقافة المعاصرين وهي: الزواج أو العيش مع شركائهن بدون زواج، أو أن يصبحن أمهات عزباوات، أو أن يعهدن بالأطفال إلى من يتبناهم، أو الإجهاض(1). وقد حاولت هذه الدراسة، التى أجريت سنة ۱۹۹۱، أن تتوصل إلى نتائج كل من هذه الخيارات على المراهقات المنتميات إلى الطبقة العاملة الحضرية في سانتياجو . وقد توصلنا إلى أن كل خيار يمتلئ بالمخاطر وينطوي على عقبات وتحديات لا يمكن تخطيها إلا بتقديم تضحيات هائلة. وهناك من الأسباب ما يدعو الشابات إلى الخوف من فقدان المستقبل واحترام الذات وعطف شريك الحياة والأهل والأصدقاء. كذلك تخاف الأم من رفض الطفل لها عندما يعلم بسقطتها. كما أن حقوقها تتقلص وتصبح فرصة حصولها على عمل أو التحاقها بمدرسة محدودة أو معدومة.
لقد انخفضت معدلات الخصوبة بين المراهقين في شيلي في العقود الأخيرة نوعاً ما، ولكن ليس بقدر معدلات خصوبة النساء البالغات، والتي انخفضت بشكل كبير منذ إدخال برامج تنظيم الأسرة فى ستينات القرن الماضي. وعلى الرغم من أن معدلات الخصوبة بين المراهقين في شيلي تعتبر معقولة مقارنة ببلدان أخرى في المنطقة، إلا أن استخدام وسائل منع الحمل بين من يمارسون الجنس من المراهقين منخفضة. وتبلغ نسبة إنجاب الأمهات صغيرات السن إلى إجمالى المواليد سنوياً نحو ١٣ بالمائة، وهي لذلك ظاهرة ذات أهمية خاصة (٢، 3). ولم تنجح برامج تنظيم الأسرة فى الوصول إلى الشباب أقل من ٢٠ سنة كما نجحت مع من تتراوح أعمارهم بين ٢٠ – ٣٥ سنة. وفي سنة ۱۹۸۸ كان هناك أقل من واحد من بين كل خمس من الشباب والشابات قد استخدموا أي وسيلة لمنع الحمل فى أول مرة مارسوا فيها الجنس (٤).
وبالرغم من أن المستقبل لا يمكن التنبؤ به، إلا أن حقيقة أن تزايد انخفاض السن الذى تبدأ فيه الممارسة الجنسية تشير إلى أن معدلات المواليد بين المراهقين لن تنخفض إن لم تحظ ببعض التدخل. لقد كان هناك تباين كبير بين المناطق الجغرافية سنة ۱۹۸۹ (۱۰ – ۱۸ بالمائة)، وبين المناطق الريفية والحضرية(5). وفى عام ١٩٩١ كانت تلك المعدلات أعلى في المناطق الريفية عنها فى المناطق الحضرية(6). وكانت تلك المعدلات أعلى بين الشابات من المستويات الاجتماعية – الاقتصادية الأقل، كما كانت معظمهن ممن حصلن على المراحل الأولى من التعليم فقط(۷).
تنجب المراهقات فى شيلى نحو ۳۸۰۰۰ طفل كل سنة(1). وبالرغم من أن الإجهاض غير قانوني، إلا أن الدراسات التي اعتمدت على بيانات المستشفيات وغيرها من الدراسات أشارت إلى أن هناك نحو ۱۳۰,۰۰۰ إلى ١٥٠,٠٠٠ حالة إجهاض سرية تحدث كل عام بين النساء في سن الإنجاب، أي حالة إجهاض واحدة لكل حالتي ولادة. وتؤدي حالة إجهاض من بين كل ثلاث حالات إلى مضاعفات تتطلب الرعاية في المستشفى. والأكثر من ذلك، أن نسبة الرعاية بالمستشفيات بسبب مضاعفات الإجهاض لمن هن أقل من ٢٤ سنة إلى العدد الإجمالي قد ارتفعت من ٣٦ بالمائة سنة ١٩٧٠ إلى نحو ٤٩ بالمائة سنة ١٩٨٥(۸) . ومنذ عام ۱۹۸۹ أصبح غير مسموح بإسقاط الحمل أياً كان السبب، وذلك طبقاً لقرار من الحكومة العسكرية.
هذا هو السياق الذى أجرينا فيه بحثنا بين المراهقات اللاتي تراوحت أعمارهن بين العاشرة والتاسعة عشرة. وكان البحث كيفيًا، واستخدم تقنيات مجموعات النقاش(9) والمقابلات المعمقة(10). وقد أجريت مجموعات النقاش مع 85 فتاة، وشملت أربع مجموعات من الأمهات العزباوات، وأربع مجموعات من الأمهات المتزوجات، ومجموعتين من الأمهات اللائي تعشن مع شركائهن بدون زواج. واستكمل ذلك مقابلات مع شابتين أجريتا عمليات إجهاض، واثنتين تنازلتا عن الأطفال لمن تبناهم.
وقد ركزت الدراسة على الأساليب اللغوية والثقافية التي يتواصل الأطراف بها للتعبير عن أنفسهم فيما يتعلق بالأمور الجنسية. هذه “التعبيرات” تخلق معاني وتُستخدم لتقييم ووصف السلوك، واتخاذ القرارات والتعامل معها. وهي تمثل تعبيراً عن التفكير المشترك داخل مجتمع ما، وتؤثر على قدرة الناس على التعبير والتصرف وفقًا لاختياراتهم، وما إذا كان سيتم قبول أو رفض تلك الاختيارات. وينطبق ذلك أيضًا على محاولات المراهقات لتحاشي الحمل وكيف يؤثر الحمل على حيواتهن عندما يحدث.
بالرغم من الخيارات المختلفة المتاحة أمامهن، إلا أن كل أولئك المراهقات تتجمع بينهن تجارب ومشاعر محددة. وكانت أهم تلك التجارب تجربة الحمل الناجم عن العلاقات الجنسية المبكرة، والتي يعتبرها مجتمعنا خرقًا لقواعده. فأي وعي بأنهن يقمن بعمل خطر أو خطأ لا يصبح واقعاً بالنسبة لهن إلا عندما يكتشفن الحمل. وقد شعرن كلهن بأنهن لم يكن على وعي بإمكانية حدوث الحمل أو عواقبه، وكلهن تحدثن عن اختلاف جذري في حيواتهن “قبل” و“بعد” الحمل.
وهكذا، فقد كان الحمل أمرًا غير متوقع وصدمة، لهن ولأسرهن على حد سواء. شعرن بأنهن لم يكن على استعداد لهذا الحمل، وأنه مثّل، فوق كل شئ، تغييرًا عميقاً وقاسياً في حيواتهن. فقد نظرن إلى الحمل على أنه “سقطتهن“، فأثار مشاعر الذنب وفقدان القوة الأخلاقية والعاطفية. وشعرن بأنهن قد خن معايير المجتمع وثقة الأهل ونظرتهن لأنفسهن.
لقد أجبرهن الحمل على عمل شئ ما – إيجابيًا كان أم سلبيًا، هو ما بدا لهن “الأفضل في تلك الظروف” – قام في بعض الأحيان على أساس تقييم موضوعي للعواقب المستقبلية، وفى أحوال أخرى على ما شعرن بالسليقة أنه “صواب” في ذلك الوقت.، وقد ارتبطت الاختلافات فيما مر بهن بالخيار الذى اختارته كل منهن من بين الخيارات الخمس، وهو ما سنصفه فيما بقى من هذه الدراسة.
نستطيع أن نصف معنى أن تصبح فتاة مراهقة أمًا غير متزوجة كما يلى:
” … تعيش فى حالة انتظار، وغياب مؤقت عن نفسها وعن حياتها تعيش من أجل الآخرين فقط، لطفلتها أو طفلها أولاً، ثم لأبيها وأمها ولشريكها الذي سيظهر يوماً ما، وثانيًا، من أجل بقية المجتمع.”
إن المعضلة الأساسية للأم الصغيرة في هذا الوضع هي: هل هي أُم أم ابنة؟
“لا أشعر بأني أم بالرغم من أنني أريد ذلك … كنت أعتقد دائماً أن حب الأم لطفلها هو أجمل شيء في العالم كله، ولكني لا أشعر به … أحيانًا وأنا أرضعه أقول لنفسي ها أنذا أرضع طفلي ولكني لا أشعر بأني أم وكم أود أن أشعر بذلك.”
وكثيراً ما يشجعهن الآخرون على رفض الزواج: “قال لي أهلي: لو لم تريدي أن تتزوجي فلا بأس، لا تتزوجي. لماذا؟ لأنهم يعلمون أن الزواج لن يستمر شهرًا واحدًا … ولم أكن لأسمح له بأن يضرب طفلي، أو أن يفعل أي شيء آخر لإيذائه. قد أقتله لو فعل ذلك.”
ولا تبدو حياة الفتاة مركزة على ذاتها، ولكن على لعب دور “الأم المراهقة غير المتزوجة“. فمشاعرهن الدفينة هي مشاعر “بين قوسين” – افتقاد استمرارية الماضي وشعور بأن المستقبل لم يأت بعد.
“ما أريده هو أن أخرج من البيت، ما أريد أن أقوم به أولاً هو أن أنهى دراستي. لم أستطع أن أدرس هذا العام بسبب ابنتى. لا أدري. يريد أبي أن التحق بالمرحلة الثانوية، ولكني لو درست فلن أعمل ولو لم أعمل … إن لديها كل شيء والحمد لله، ولكني أشعر بمشاعر سيئة …”
لم يعدن أطفالاً، ولسن من الكبار بعد. ويبدو أن شعور إحداهن بأنها قد أصبحت من الكبار مرتبط بالحمل، ولكنها مع ذلك ليست مستعدة بعد لتكوين “أسرة“، وهو أكبر هدف تتوق إليه أى شابة تتزوج.
“إنه أشبه بالتحول إلى شابة كبيرة، أن تشعري بانك أكبر سنًا مما أنت عليه، أن تكوني أبعد مما ينبغي أن تكونى عليه.”
“كنت سأحصل على وظيفة هذا العام، ولكن جاء الطفل فلم أستطع . لكننى سوف أعمل الآن … تقول لي أمى دائمًا إن عدم عملى يمثل مشكلة، ولكنها لا تدعني أكبر . لا زالا يضرباني ويعاملاني كفتاة صغيرة. أحاول أن أجعل أمي تشعر أني لم أعد طفلة.”
إنه لشيء عظيم أن تصبحي أمًا، أن يكون لك طفل وتحضنيه (ضحكة) ولكن الجزء الصعب هو تربيته.”
أولئك الشابات تُكون فكرة سلبية عن أنفسهن بوصفهن “ساقطات“. إنهن يدفعن للشعور بأنهن لم يعد مرحبًا بهن داخل شبكة العلاقات والمؤسسات الاجتماعية التي اعتدن أن تشكل عالمهن. إن واقع الحمل يؤثر على علاقاتهن العاطفية – مع الأهل والأصدقاء والشركاء – يشعرن بأن عليهن التكفير عن الذنب.
“إنهم ينتقدونك كثيرًا، ليس في البيت فقط ولكن في المجتمع بأسره.”
“عندما كنت صغيرة كان لدى كل ما أريد. لم أفتقد أي شيء أبدًا، وكان أبي دائمًا عطوفًا على … لم يقل شيئًا، ولكني أشعر بما يريد أن يقول …”
“أثناء الحمل تفقدين أصدقاءك في كل الأحيان تقريباً. أكثر ما تفقدين هو الأصدقاء.”
الأهل والشركاء والأصدقاء، كلهم يلمحون إلى أن الإجهاض هو الحل الوحيد. ويشى رفض المراهقات لهذا الخيار (بما في ذلك من أجرينه على مضض و/ أو استخدمن وسيلة غير فعالة) بإحساسهن بالاحتياج للتكفير عن الذنب، وبدلاً من التخلص من الخطأ والعودة لما كانت عليه الأمور، تقرر أولئك الشابات أن “يتحملن مسئولية” العلاقات الجنسية بالاستمرار في الحمل والوصول به إلى نهايته الطبيعية.
“أراد والديّ أن أنهى الحمل، لم يريدا لي أن أتوقف عن الدراسة، وقالا إننى أملهما … وكنت أريد طفلي، ولكن ذلك أشعرني بعدم الأمان بالفعل. لقد تناولت الحبوب ولكن لم يحدث شيء بحمد الله، وولد الطفل في صحة جيدة.”
“صديقي وأمي والكل كانوا يعلمون وسألوني: “ماذا أنت فاعلة؟ فكنت أجيب: لا أدري.” “ماذا أنت فاعلة؟” “لا أدرى.” ماذا أنت فاعلة؟” “لا أدرى.” شعرت بالفعل أني لست متأكدة من أي قرار. لم أكن أدري ماذا سأفعل. كنت أريد الطفل، ولكنهم كانوا دائماً يقولون: “ماذا أنت فاعلة؟“
هناك رؤيتان متضاربتان حول معنى تحمل المسئولية في هذا الظرف: تتمثل الأولى في التخلص من الحمل، لأنه يكشف ما تم من خرق للأعراف التي تحظر العلاقات الجنسية قبل الزواج. وثانيتهما تمنع الإجهاض، وتسعى بدلاً من ذلك للحفاظ على الحمل كتكفير أو تعويض عن العلاقات الجنسية غير المشروعة قبل الزواج، والتي تسببت في هذا الحمل. والواقع أن هنا ارتباطاً وثيقاً بين الرؤيتين من حيث إن إخفاء الجريمة (من الناحية القانونية) أسوأ من تنفيذ الحكم الذي تصدره المحكمة: لم تفعلى شيئًا بسوء نية أو لإيذاء أبويك، ولكن الأمر كان سيزداد إحباطًا لو أنك أجهضت الحمل، لأن ذلك قد يعنى قتل ما صنعته، ولكنك بدلاً من ذلك واجهته …”
من هذه الزاوية، فاختيار الأمومة دون زواج ينظر إليه على أنه وسيلة مشروعة للتعويض عن “الجريمة“. على أن احتياجهن للتطهر من الذنب لا يظهر على مثل هذه الحال فى مناقشات المجموعات، فهو يظهر فقط بشكل غير مباشر كمسألة “تحمل مسئولية“. وعندما ذكرت إحداهن شعورها بالذنب فى إحدى المجموعات قاطعتها أخرى لتؤكد على أنها “لم تفعل شيئًا سيئًا“، وأن سلوكها قد أكسبها جدارة، لأنها أثبتت أنها أم صالحة وإنسانة مسئولة وهو أمر له وزنه فى قطاعات الطبقة العاملة: “ما يحدث هو أن البعض – مثلي على سبيل المثال – قد عانين، لذلك عليك أن تكونى قوية وصلبة، وفي الوقت نفسه حساسة، بسبب كل المشاكل التي عانيتها منذ طفولتك. كما لو أن كل تلك المشاكل قد حملتكه أكثر نضجاً، فتجدين نفسك في سن معينة قادرة على تحمل المزيد من المسئوليات.”
“إن تحمل المسئولية” هذا ينطبق أيضًا بشكل خاص على شركائهن أى آباء أطفالهن، فى مطالبتهن بأن يقوم الآباء بتوفير شروط تربية الأطفال بشكل مناسب. إن أولئك الشابات يعتقدن – فيما يعكس القيم الاجتماعية الأوسع – أن الآباء عليهم أيضًا “دفع” ثمن العلاقات الجنسية التي وقعت قبل الزواج. على أنهن يعتبرن شركاءهن أقل نضجاً وتحملاً للمسئولية منهن:
“أنجبت الطفل، وكنت أدرس، وقلت لنفسي: “يجب أن أنضج“، ونضجت بعض الشيء. لا أقول إنى أصبحت ناضجة تماماً، ولكن لو مرض الطفل وكانت هناك حفلة فسيذهب هو للحفلة وسيكون على أن أمكث لرعاية الطفل“.
“هذا حق. إنه لن ينضج أبدًا إلا عندما يعاني من بعض المشكلات الصعبة ويتحتم عليه التعامل معها، أعتقد أنه عندها فقط سوف ينضج، ولكن هذا ليس حال المرأة فهى عليها أن تنضج في مرحلة أسبق.”
“قلت له: “لو أردت أن ترى الطفل يمكنك أن تراه لن أحرمك من ذلك ولكن أظهر بعض الاهتمام به.” لم يحمل الطفل اسم عائلته لأنه لم يرد ذلك …”
“هذا هو ما يجعلك تشعرين بالمرارة تجاه والد الطفل، لأنك لو احتملت الأوقات الصعبة وحدك تماماً فستعانين كثيراً.”
هؤلاء الشابات يردن أن يقبلهن المجتمع مرة أخرى. وبالتالي، فأي مشروع حياة قد يحلمن به في هذا الوقت مشروط بالضرورة بحسن لعبهن لدور الأم. وسوف ينظرن لأطفالهن باعتبارهم تحقيقًا لرغباتهن التي لم تتحقق. ولكن القلق يملأهن دائماً حول ما إذا كن سيستطعن التكفير عن ذنوبهن، وما إذا كانت الأمور ستتحسن بالنسبة لأطفالهن:
“أريد أن أعمل، وأن تصبح لي مكانة مرموقة، لا أريد أن أبقى هكذا وأن أصبح مثل أمي، لأني أعتقد أنها كانت تستطيع الالتحاق بالكلية ولكنها لم تكمل دراستها الابتدائية.”
“يبدو لي الوضع أشبه بالتفاعلات المتسلسلة. بالرغم من كل شيء فإن ما نتحدث عنه هو أنه ربما أراد أجدادنا الشيء نفسه لآبائنا وآباؤنا لنا، وهكذا.”
أفكر فيما سأفعل. ولكنك لا تعرفين رد فعل طفلك عندما تصارحينه بالحقيقة، لأنى سأقول له كل شئ.”
الأم المراهقة التي تتزوج تنضم مجددًا إلى النظام الاجتماعى بعد خرقه، والذى كان من الممكن أن يعاقب بعقوبات اجتماعية قاسية. بعبارة أخرى، تعترف الشابة الحامل من خلال الزواج، وبشكل رسمي، بمسئوليتها عن إقامة علاقات جنسية وعن الحمل، وبالتالي تتحاشي العقوبات:
“إنني أقبل بأن على أن أتزوج، ولكني لا زلت أصغر من أن أتحمل تلك المسئولية، ودائمًا يخطر ببالي: لو كان لى مستقبل أو مصير مختلف… لا أدرى إن كنت أنا أم القدر السبب فى تغير دوري لو تحول هذا الدور. دائمًا يخطر ببالي: لماذا تزوجت في هذه السن الصغيرة، ولكن ها أنذا …”
لقد انتُهك النظام الاجتماعى، والمجتمع هو القاضي. إن رؤيتهن المباشرة لسبب إصدار المجتمع حكمه عليهن مرتبطة بكونهن صغار السن. فالسن الصغيرة تضعهم في وضع تابع فى التراتب الاجتماعي. ويفترض أن التصرف بوصفهن كباراً يحل المشكلة:
“إن الأمر شديد الاختلاف، فهو كما لو أن المجتمع قد حاكمنا وقال “إنهن صغيرات” … ينظر إلينا كما لو أننا قد أفسدنا الأمر لأننا صغار. وهكذا نفقد شبابنا كله …”
والأسوأ من ذلك، أن الزواج يفسر على أنه نتيجة للحمل ورد فعل عليه . فلو لم يحدث الحمل لما كان هذا الوضع التابع قد بدا ظاهراً للعيان، ولما كان هناك احتمال أو حاجة للقيام بشيء تجاهه.
ولكن هناك علاقة أيضًا بين اختيارهن للزواج وبين الجوانب الأخرى من تاريخهن الشخصي. فالزواج من والد الطفل ينظر إليه على أنه وسيلة للهروب من الوضع التابع للشباب. وفى الوقت نفسه، وسيلة للهروب من الوضع التابع بسبب السن والنوع الاجتماعي داخل الأسرة، بالرغم من أن تلك المحاولة هي محض وهم:
“بالإضافة إلى الحمل، كان هناك سبب آخر دفعني للزواج، فمشكلتي أن طفولتي كانت شديدة القسوة، لأن والدي كان يضربني دائماً، لذلك قلت في نفسي: “سأتزوج حتى لا يضربني مرة أخرى.”
الحمل يبرر الزواج، وهو ما يعطي بدوره معنى للاضطلاع بدور الناضجات والتصرف مثلهن. إن الأمومة هي المظهر الأكثر وضوحاً ومباشرة للمسئوليات الجديدة التي يتحتم على تلك الشابات أن يواجهنها، والتي تبدو متناقضة ومتضاربة. وينطوي ذلك على خسائر ومكاسب، غير أن أولئك النساء سرعان ما يشعرن بوضوح بالثمن: “عندما أصبح لي طفل وأنا في السادسة عشرة أو السابعة عشرة خسرت كل شيء، كل شيء …”
على أن حسن تصرفهن يظهر كمكافئ للمسئوليات التي فرضت عليهن، ولإحساسهن بالخسارة. فبالرغم من خسران الكثير فمن الضروري أن يواجهن الوضع الجديد: “ليس بوسعك أن تستغرقي فى الشعور بالمرارة ولا تفعلي شيئًا. أنا أستكمل الآن السنة الثانية في المرحلة الثانوية، وأخطط للاستمرار فى الدراسة…”
“لا تنظري إليها على أنها ذنب. انظري إليها على أنها شيء رائع. انظري لقد أعطاك الله فرصة لتكوني أماً.”
ومع ذلك، فبعيداً عن وجود الطفل، يبدو زواجهن غير ذي معنى لديهن، وتظهر جوانبه السلبية بقوة في خطابهن، مما يوحي بأن الزواج غير مرض ولو بشكل متواضع، ولكن ينظرن إليه فقط على أنه أهون الشرين. لقد اكتشفن – بالإضافة إلى مشاكل صغر السن – خضوعهن بسبب النوع الاجتماعي، فالعلاقة الزوجية يعوقها على ما يبدو التفرقة بين دور الرجل والمرأة، واحتباسها في المنزل، وافتقاد التواصل.
“يعود زوجي من العمل إلى البيت ويجلس أمام التليفزيون. “كيف الأحوال؟” يشاهد التليفزيون ثم يذهب إلى السرير، وهكذا يمر اليوم. على أن أنظف البيت واعتنى بالطفلين، وأذهب هنا وهناك ثم يأتي هو إلى البيت، حسنًا، لو سأل مجرد سؤال “كيف حالك؟ كيف كان يومك؟” لربما كان ذلك بالفعل شيئاً رائعاً.”
فالنشاط الجنسي يبدو أنه من جانب واحد، ويتم تنظيمه من قبل الزوج ومن أجله وحده:
“كنت أعاشره كزوج، ولكنه انصرف على فجأة. لم يعد يهتم بما إذا كنت أستمتع أم لا، لم يكن يسألني، وكان يقول ببساطة “دعيني أنام …”
يبدو أن هذا الإحباط ينظر إليه على أنه ثمن الزواج. أن تصبح زوجة وأمًا صالحة تطمح في حياة أفضل: أن تدرس وتعمل لتحصل على دخل، وفي إطار أسرة دون اعتماد على الزوج اقتصاديًا أو عاطفيًا. ومع مثل هذه المتطلبات المتناقضة يسود شعور بعدم استقرار العلاقة الزوجية فتصبح محاولة التمسك بالزوج ضرورة تدفعها لفعل أي شيء ممكن لتغيير الزوج حتى يقوم بواجباته كرجل متزوج:
“… كان أصعب شيء هو استنقاذه من أصدقائه …”
ومثل أولئك اللائي لديهن أطفال وغير متزوجات، تعتبر رعاية الأطفال أمر أساسي في خطاب الأمهات المراهقات المتزوجات أيضًا، فمعنى حيواتهن كله تقريباً يتركز حول الأطفال. وفى الوقت نفسه عليهن أن يظهرن التقدير للشريك حتى يستطعن أن يقدرن أنفسهن، وبدون ذلك سيقل لديهن احترام الذات.
“أعلم أني لن أكون غير مخلصة أبدا، لأني أعطيه ما لا تستطيعه امرأة أخرى. أعطيته الولد وأعطيته. كل حبي وأعطيته الأمان، وأعلم أيضًا أني لن أخونه، لأنه هو الشخص الوحيد الذي يعرفني …”
الكثير لم يقل في هذه المجموعات، وتبقى الأمور التي يخشين ذكرها معلقة فى الهواء. هؤلاء الأمهات الشابات المتزوجات يشعرن بأن عليهن أن يكرون لأنفسهن أن وضعهن جيد، وأن الأمر كان يستحق العناء وأن لهن مستقبلاً، فبدون ذلك قد يصبح زواجهن أشبه بمسار تشعر بعد بداية خوضه أنه كان من الأفضل عدم السير فيه. وعلى الإجمال، ليس من الواضح أن ما جنينه من الزواج يرجح ما خسرنه (باكية)… أنا في شدة السعادة. لا ألوم أحداً لأنه كان خطئي على أية حال، أني حملت، بالرغم …”
أن تكون المراهقة أمًا وتعيش مع صديقها يعنى الاستبعاد الدائم من النظام الاجتماعى والتعرض لعقوباته. تبحث أولئك الشابات دائمًا عن وسيلة لإضفاء الشرعية على العيش مع الصديق فيقلن أنه مساو للزواج:
” إن الزواج والعيش معًا بدون زواج هما تقريبًا الشيء نفسه في أيامنا هذه.”
“الفرق الوحيد هو أنك معكِ ورقة تقول إنك متزوجة.”
بيد أنه يستحيل عليهن تجاهل الفروق. ويبقى الأمل في الزواج وفي القبول الرسمي في النظام الاجتماعي رغبة كامنة للمستقبل، وأمرًا مستحيلاً:
“العيش مع الصديق بدون زواج والزواج ليسا الشيء نفسه. فعندما تعيشين معه، يستطيع أن يتركك ويتزوج من فتاة أخرى. ويمكن أن تصبح الفتاة الأخرى زوجته، حتى بعد أن تنجبي منه خمسة أطفال.”
“قال لي: سوف نتزوج فيما بعد” … الوقت سوف يثبت ذلك. عليك أن تعيشي اليوم بيومه ولا تقولي لنفسك” سوف نتزوج فيما بعد.”
هذا التأكيد على شرعية هذا الخيار الحياتي يُعبر عنه بقوة في خطاب المجموعة، فهؤلاء الشابات في احتياج للشعور بأنه اختيار مشروع ومقبول اجتماعياً:
“العيش معًا بدون زواج أمر حسن. هذه هي التجارب التي ستروينها لأطفالك فيما بعد.”
والواقع أن هذا الوضع غير مستقر إلى حد بعيد، ليس فقط من ناحية نوعية العلاقة مع الشريك، والوضع الاقتصادي والاجتماعي والقانوني الذي يُنشأ فيه الطفل ولكن أيضًا بسبب العقوبات الاجتماعية والأخلاقية الدائمة التي تتعرضن لها، بما فيها تلك التي من قبل أهل الطرفين، وفيما يتعلق بمحاولة الرجوع للمدرسة (رغبة حاضرة دائمًا ومحبطة دائماً)، واستحالة الحصول على عمل واكتساب الرزق.
ويشي أسلوب حديثهن عن آباء أطفالهن بمدى عدم استقرار علاقاتهن. فهؤلاء الشبان لا يتحملون نصيبهم من المسئولية عن إحداث الحمل، وكآباء لأطفالهن وكشركاء في العلاقة.
“لقد ذهب شجاري معه إلى حد بعيد، حتى أنه ضرب ابنتنا. وأحيانًا أضطر لاستدعاء الشرطة. فهو يثور عندما تبكى كثيراً.
“عندما التقيت به كان مدمنًا للمخدرات. وتشاجرت معه وقلت: “لو بقيت على التعاطي فسينتهي ما بيننا. ولكني أعلم الآن أنه لن يقلع عن المخدرات أبدًا.”
وبينما تتشكل حياة هؤلاء النساء حول الشريك والطفل، ينتمي الشباب إلى “ثقافة ذكورية” تعطيهم امتيازات خاصة. وتستاء النساء من هذا الوضع بشدة، ولكن ليس أمامهن من خيار سوى القبول بالوضع القائم أو إنهاء العلاقة. يرفض خطابهن، بحدة، التفريق في الأدوار بين الرجال والنساء والتوزيع التمييزى والأحادي الجانب للمسئوليات داخل البيت. وفي هذا الوضع التابع، يمثل الحب والعطف الذى تستطيع المرأة أن تقدمه لطفلها وشريكها، الوسيلة الوحيدة لإضفاء شرعية على الوضع. ورغم كل الأشياء السلبية التى تذكرها الواحدة منهن عن شريكها، تؤكد هؤلاء الشابات على أن الحب هو معنى وسبب اختيارهن للحياة معًا. وتعتقد الشابة أن حياتها انتهت عندما اختارت أن تعيش مع شريكها ، وأي كسر لهذه العلاقة سوف يكون شديد التكلفة.
وتظهر فى تلميحاتهن لارتداء “ثوب الزفاف“، النمط الذي اتخذته الشابات المشاركات في هذه المجموعات تجاه أنفسهن وأوضاعهن، والذي يفصح عن المطالب التي يعتقدن أن المجتمع يطالبهن بها وطموحاتهن الخاصة. فثوب الزفاف الأبيض الذي يعبر عنه كرغبة إيجابية، بسخرية، أو كرغبة ليست في متناول اليد، يبدو أنه نمط لما خسرنه:
“لن أعيش مع أحد بدون زواج، لا أحب هذا التعبير. عندما يقولون إنه والزواج هما الشيء نفسه أقول من الأفضل أن نتزوج. وعندما نتحدث أقول “سوف أذهب إلى المذبح فى الثوب الأبيض، بمشيئة الله.”
ومع ذلك، فهؤلاء الأمهات المراهقات، يعرفن بالحدس أنهن لا يستطعن الاعتماد إلا على أنفسهن، مع كل ما ينطوي عليه ذلك من محدودية. وأفضل ما يمكن أن تصبو الواحدة منهن إليه، لن يكون إلا من خلال أطفالها. والنتيجة أن الطاقة الكاملة لرغبتهن الجماعية في مستقبل أفضل تنصب كلها على الأطفال.
” لأنه واجبى، لأنها ابنتي، لأنها جزء منى. لم تطلب مني أن تأتي إلى هذا العالم … لهذا أنا صابرة على هذا الوضع. ولهذا أقول إن علينا أحياناً أن نقوم بدور الأب والأم معًا بأي ثمن.
يتيح الإجهاض، بوصفه رد فعل على حمل المراهقة، محو العلامات الخارجية على انتهاك قواعد المجتمع، كما يتيح الامتصاص الداخلي لعقوبات هذا الانتهاك. بعبارة أخرى، فإنهاء الحمل يتم على حساب حمل مشاعر عميقة بالذنب والإحساس بعدم قيمة الذات.
“لقد فعلت ذلك حتى لا تتغير حياتي، لأني أحب الخروج كثيرًا، والطفل كان سيغير كل ذلك. أستطيع أن أرى نفسي محبوسة في البيت مع طفل. ولكن الآن تغير كل شيء بالنسبة لي على أي حال، وأشعر أنني أستطيع أن أكون مثل بقية بنات سني …”
“أشعر بالأسف الآن، وربما سأظل آسفة بقية حياتي“.
“يُولِّد الإجهاض خواءً وجودياً يجب ملؤه بشكل ما. تقول تلك الشابات، مراراً وتكراراً، إن الإجهاض كان ذا معنى، لأنه أتاح لهن استعادة العلاقات العاطفية أو الحفاظ عليها، وهي التي كانت مهددة بسبب الحمل، كما أنه سمح لهن باستعادة معنى الحياة. ولكنهن يشعرن أيضًا بحاجة شديدة للطفل كنتيجة لهذا الإحساس بالخواء وما يصاحبه من شعور بالذنب.
“عندما أفكر فى حياتي، أشعر بالأسف مائة بالمائة. عندما أفكر فيها، أشعر بمشاعر سيئة… أعلم أني لو ذهبت للطبيب قد يخبرني بأني لن أستطيع أن أنجب، وسيتسبب ذلك في أعظم حزن في حياتي، حتى ولو كان هذا أمراً واقعاً، ولكنه سيجعلني خائفة إلى الأبد. لقد وصمت بقتل طفلي، لأنني ما كنت سأكون هنا الآن، بل كنت سأكون في بيتي، ألعب معه، أو ربما يثير غضبي. كانت حياتي ستكون مختلفة، ولم أكن لأدور حول نفسى. كانت ستكون حياة ذات مسئوليات، أجلب له الأشياء، اللبن أو المريلة، أحممه، أقلق عليه.”
والتناقض فى الأمر يبدو فى أن شعورهن بالذنب يحدث “تحولاً” شديداً، فتصبح من أقدمت على الإجهاض ابنة صالحة وطالبة مجدة، ومن أنجبت الطفل أمًا صالحة (رد فعل بالتكفير عن الذنب). أشعر الآن بارتياح. أدرس وأشعر بشعور عظيم أستطيع الآن أن أعود للبيت وأقول: “أبي، لقد حصلت على درجات عالية” وسيشعر بالسعادة … وكم أحب شعوره بالسعادة. أشعر بمشاعر أفضل الآن، فلا أريد صديقاً في الوقت الحالي، ربما فيما بعد“.
“عندما أكبر ستكون معى شهادتي، وسوف يكون لي صديق. سوف أنجب وأفعل كل ذلك، أعني أنني لن أكون خائفة حينذاك، سوف أكون قد انتهيت من دراستي بمشيئة الله.
ولكن، لأن الحمل قد حدث وكان له تأثير، فسيُكرس المستقبل لتحاشى أخطاء الماضى، ويقوم، بالتالي، على الخوف من أن يحدث ذلك مرة أخرى، الخوف من الضرر في المستقبل، والحاجة لتحاشى هذا الضرر، والنظر إليه على أنه كان “أمراً سيئًا.”
“سألني أبي: هل ستتخذين لك صديقا جديدًا؟ وقلت لا. أعني أنني أريد ذلك ولكني أخشى أن يحدث ما حدث مرة أخرى. هناك شيء من الخوف من الإقدام على الأمر نفسه مرة أخرى، خوف من أن يكون لك صديق وتفعليها ثانية.
إن الماضي يهدد بمطاردة حياتهن بشكل أبعد مما قد يتصورن.
“لقد قلت إني لن أقوم بعلاقة جنسية إلا عندما أتزوج كان حلمي دائماً أن أتزوج في ثوب أبيض جميل. هذا هو ما قررته ولكنه لم يحدث. أعلم الآن أنني لن أستطيع أن أتزوج على تلك الشاكلة. أشعر أنني لن أجد أحدًا يريد الاستمرار معى والزواج منى الآن لأني ذهبت معه، ولأني لم أعد …”
يتشابه تنازل المرأة عن الطفل لمن يتبناه، كرد فعل على حمل المراهقة، مع الإجهاض من حيث إنه محو لما يشير إلى خرق قواعد المجتمع من حياتها. ولكن لأن الحمل يستكمل لنهايته، فإن التنازل عن الطفل يعني هجر الأمومة أو التخلص منها، وهو ما يؤدي أيضًا إلى شعور عميق بالذنب وبحقارة الذات.
“لن أنسى أبداً ما فعلت. كثيراً ما لا أتذكر، ولكني أشعر أنه سيظل حاضرًا على الدوام، أنى لى طفل وأني كنت أمًا، وما إلى ذلك. أحيانًا عندما أرى أخواتي يتحدثن عن مشاعرهن كأمهات، وأود أن أقول لهم إننى كنت أمًا أيضاً، ولكني لا أستطيع. أعني أن على أن ألزم الصمت لأنهن لا يعلمن شيئًا عن الأمر.”
يخلف التبنى أيضًا إحساساً بالخواء يحتاج إلى ما يملؤه. ولكن على عكس الإجهاض، يستحيل ملء هذا الخواء دون الرجوع للابن الغائب أو الابنة، فتجربة الحمل عيشت بالفعل ويستحيل محوها.
“عندما كانت معى كان … إحساساً غريباً. كان كاللعب بعروسة، كما لو كنت تلعبين وتمثلين أن لديك طفلة، ولكنها كانت طفلة حقيقية … من الصعب شرح ذلك. كنت أشعر بالكآبة والغبطة. غبطة لأنها ولدت في صحة جيدة، وكآبة لأنني في النهاية لن أستطيع أن أراها. كنت أتحسس بطني، ولم تكن هناك، شعرت بالنحافة، لم أشعر بها وهي ترفس، وقد أحزنني ذلك.”
كانت الشابتان اللتان قابلناهما ترغبان في محو ذكريات أبوي الطفلين، والممارسة الجنسية التي لم ترغبا فيها وتسببت فى الحمل (حالتي اغتصاب وزنا محارم).
“من الأفضل أنه ذهب. لو لم يحدث ذلك فأعتقد أنه كان سيظل معنا. لقد اغتصبني، وأشعر بالكره تجاهه. لا أريد تذكر ذلك ولكن هذا هو ما حدث.”
“لو كان قد أحبني بالفعل لما استطاع أن يطلب مني فعل ذلك. أحيانًا أعتقد أن كل ما حدث كان خطؤه هو، لأنه قال إنه يحبني، ولكنه لم يفسر لم طلب منى أن أقيم علاقة معه …”
إن إدراكهن لأنهن قد اقترفن خطأ، ومشاعر الألم الذي يسببه الفراق عن الأطفال، يجري منطقتها من خلال الأمل في أن يكون الأطفال الآن في ظروف أفضل من تلك التي كان بإمكانهن توفيرها لهم، وأن اللجوء إلى التبني قد تم بدافع حب الطفل.
“بالرغم مما فعلت.. لا أشعر بالطبع بالرضا، ولكني أشعر أنني فعلت الصواب، لأني أشعر أنها، أيًا كان المكان الذى هي فيه، فستكون في حال أفضل مما لو كانت معى و … (تصمت برهة طويلة) وآمل .. لا أدري .. آمل ألا تكتشف أبدًا أن أمها قد تخلت عنها، أعني أني آمل ألا تعاني“.
“لم يكن بإمكاني منحها الوقت الذي يحتاجه الطفل. لا يمكنني العمل لأني أذهب إلى المدرسة .. وأمي لم يكن من الممكن أن ترعاها لأنها تعمل. وإذا لم تكن تعمل كنا سنحتاج إلى المال، وهو قليل، فهي الوحيدة التي تعمل …. إنه أفضل للطفلة، لأنها ستحظى بحب أمها وأبيها بالتبني وسيساعدانها ويعطيانها كل ما لم يكن بإمكاني“.
إن تخطي الخواء الذى يخلفه التخلى عن الطفل يتطلب أيضًا الانفتاح على المستقبل. وتختلط الرغبة في النسيان بالرغبة في تحاشي حمل آخر، وبالخوف من أن يعني حمل آخر فقدًا آخر. من الضروري أولاً، أن يملأ الخواء مباشرة بهدف أو مشروع يتيح التفكير في مستقبل يمكن فيه النسيان. يمتزج النسيان والمستقبل في عملية جدلية “تتحقق رويداً رويداً” في الجهود اليومية للعيش بإحساس بوجود هدف ما هو الذي سيجعلها، “يومًا ما“، من الممكن أن تصبح شخصًا آخر غير الذي هي عليه الآن.
“لا أريد أن أفكر فيما سيحدث فيما بعد، لأني سيكون على أن أتزوج وسيأتي الأطفال، وتلك ستكون أكثر فترة سيؤثر على فيها ما فعلته، لأني سأصبح أمًا مرة أخرى، وسوف أعيش مرة أخرى ما حدث.”
“أحاول … عندما أستطيع … أن أستمتع بوقتى، لا أدري… أعني أنني أحاول ألا أتذكر ما حدث لي وأن أمضي في طريقي دون التفكير فيه لأنني أحيانًا … عندما أتذكر، يصيبني الحزن … أتساءل، كيف حالها …”
“اليوم يبدو أنه ينصب على القيام بأشياء من أجل المستقبل، مثل الدراسة، بالرغم من أن النية الظاهرة هي أن تصبح شيئًا مختلفًا عما هي عليه الآن، في مستقبل سوف يملؤه شئ أكبر.”
لقد بدل الحمل، بالنسبة لكل هؤلاء الشابات، نظرتهن لأنفسهن وعلاقاتهن الأسرية والاجتماعية وعلاقاتهن مع شركائهن، وتولد عنه أسلوب جديد “لوجودهن في العالم.” الاختيار بين الإجهاض واستمرار الحمل هو أول اختيار يجب القيام به. بيد أن الإجهاض في الوضع “الشيلي” غير مشروع قانونًا، ويتم بشكل سري، وفى أحيان كثيرة تجريه الفتاة لنفسها، وقد تفشل في المحاولة. ولو قررت المراهقة الحامل أن تستمر في الحمل حتى نهايته، فعليها أن تختار بين الزواج، أو العيش مع شريكها بدون زواج، أو أن تصبح أمًا وحيدة، أو أن تتنازل عن الطفل ليتبناه، آخرون، ما دام أن الخيار كان بيدها.
وسرعان ما تدرك، إبان قيامها بهذا الاختيار، أن الأمر يتعلق بمستقبلها بأسره، وأنه من الآن فصاعدًا “كل شيء سيصبح مختلفاً. ثم هناك الشعور بأنها “طردت من الرحمة“، أنها انتهكت قيم المجتمع وأعرافه، وخذلت ما تتوقعه هى والآخرون منها، وخاطرت بخسارة عطف القريبين منها وحبهم، وكذلك إمكانية أن تدرس وتعمل. والنتيجة أنها تشعر بالذنب، بشكل أو بآخر. وفي محاولتها العثور على “مخرج” تتعلم أنه أيًا كان ما ستفعله فسوف تكون له عواقب قاسية ستؤثر على حياتها بأسرها.
إن السمة الرئيسية لحملها هو أنه موقف لا مكسب فيه، ورد فعلها أن يوصف حملها بأنه “وضع: لم يكسب أحد“. ويظهر رد فعلها في صورة يأس: “أنا في وضع لا أحسد عليه” “لقد أفسدت كل شيء” “لقد فعلتها بالفعل الآن” “لقد انتهيت” “أنا ضائعة“. إن هدفها في مثل هذا الوضع، أولاً وقبل أي شيء هو أن تحافظ على نفسها وعلى استمرارها فى الحياة، أيًا كان تعريفها لذلك. بيد أن “خياراتها” يحددها “الآخرون المهمون” في حياتها وما يعتبرونه أفضل تصرف في ظروفها. وهي تحتاج إلى موافقة أهلها وشريكها وأخوتها وأخواتها وأقاربها وأصدقائها الآخرون، ومساندتهم العاطفية.
وهكذا يصبح من حولها هم ممثلي النظام الاجتماعي بالنسبة لها. فهم يقولون لها ما يعتقدون أن عليها القيام به من خلال منظورهم القيمي لآثار مختلف الخيارات الممكنة على حياتها. وتعبر رؤاهم، بالطبع، عن رؤيتهم الشخصية لتأثير حملها على حياتهم، وليس على حياتها هي فقط.
إن البقاء في الحياة يعني بالنسبة لهؤلاء الشابات ما يبدو بالنسبة لهن بشكل شخصي، أنه ينطوي على أقل المخاطر أو الأضرار، بالنظر إلى ظروفهن الخاصة. وعلى العكس من ذلك، سوف يرفضن أي خيار يبدو أنه يحمل درجة عالية من المخاطر أو يعرضهن لضرر أكبر.
من بين الخيارات الخمسة المتاحة أمام الشابات اللائي تحدثنا معهن، لم يتضح أن الخيار الذي قد يلجأن إليه يرتبط بما إذا كان الحمل مرغوباً فيه أم لا. الأربع اللائي اخترن الإجهاض أو التنازل عن الطفل ليتبناه آخرون مررن بتجربة عنف أو زنا محارم. ونظراً للطبيعة الشديدة الإيلام لهذه التجارب فقد كان هناك خطر شديد يتهدد صورة كل منهن أمام نفسها وقدرتها على الاستمرار في الحياة، مما جعل الاستمرار فى الحمل و/ أو الاحتفاظ بالطفل أمراً مستحيلاً . وبالنسبة للأخريات، فقد كان الزواج أو العيش مع الشريك بدون زواج يتوقف على مدى رغبة الأب والتزامه تجاه الأم وتجاه مجيء طفل للحياة. أن تعيش إحداهن كأم وحيدة أو أن تتنازل عن الطفل ليتبناه آخرون كان هو الخيار الأخير الذي يُلجأ إليه إذا ثبتت استحالة كل الخيارات الأخرى.
ومن ناحية أخرى، فحتى تستطيع إحداهن أن تجري عملية إجهاض، فيجب أن تتوفر تحت يدها الوسائل اللازمة للقيام بذلك، أو أن يكون باستطاعتها التوجه إلى عيادة ما، كما يجب أن تقرر ذلك في مرحلة مبكرة من الحمل حتى يصبح الإجهاض ممكنًا، أضف إلى ذلك أن الإجهاض ينظر إليه في شيلي على أنه أكبر رفض جذري للنظام الاجتماعي، حيث إنه يمثل في آن واحد. أمضى وسيلة لاستعادة المرأة لحياتها، ولمحو علامات انتهاكها لقواعد المجتمع وتصرفها كما لو أنها لم تنتهك النظام الاجتماعي. “لو أردت أن تقومي به فعليك أن تتحملي المسئولية عنه“.
ورد الفعل الآخر المشترك بين هؤلاء الشابات هو أنهن عليهن، بشكل أو بآخر، أن يعوضن ويدفعن ثمن ما فعلنه، لأنهن انتهكن النظام الاجتماعي. وحتى مع تأكيدهن مرارًا وتكرارًا: “لم نفعل شيئًا خطأ” إلا أن احتياجهن الواضح لدفع التعويض يؤكد أنهن يشعرن بالذنب، حتى في حالة الاغتصاب أو زنا المحارم.
إنهن يخشين، ولهن الحق في ذلك، من فقدان المستقبل واحترام الذات وعطف الشريك والأهل والأصدقاء. تخشى الأم أن يرفضها طفلها عندما يعلم “بسقطتها“. وتختزل حقوقهن ويُحد حقهن في العمل والدراسة أو تحرمن منه. في ظل التركيبة الاجتماعية والثقافية الحالية للطبقة العاملة في شيلي، كل الخيارات المتاحة أمام المراهقة التي تحمل مليئة بالمخاطر والتمييز. ولا يمكننا القول أن هناك خياراً أفضل من الآخر، فكل منها ينطوي على عقبات وتحديات لا يمكن تخطيها إلا بتقديم تضحيات هائلة وبذل جهد شخصي كبير.
هذه الورقة ملخص بحث الذي أجرى سنة ۱۹۹۱، كجزء من برنامج أبحاث حقوق الإنجاب بمؤسسة كارلوس شاجاس بساو باولو بالبرازيل، وبدعم من مؤسسة جون دى. و كاثرين تى. مكارثر. ترجمه عن الأسبانية توماس جون كونیلی، وراجعه صمويل بالما.
* EmbarazQ Adoles – cente: Desde el Matrimonio al Aborto -Res- puestas Posibles en Relaci6n al Proyecto de Vida
1 – خيارات مثل الانتحار أو إلقاء الوليد أو وأده لا يتطرق لها المجتمع الحديث لأنها تحمل المخاطرة بالإقصاء الجذري من المجتمع لمن تحاول الإقدام على ذلك.
2-Viel , Benjamin , 1988. La planificación familiar en Chile y sus efectos sobre los índices de salud . Boletín APROFA . 24 ( 7-12 ) .
3-Taucher E , 1986. Fecundidad y salud materno – infantil . Boletín APROFA . December .
4-Valenzuela M S et al , 1988. Encuesta de salud reproductiva en adultos jóvenes . Universidad de Chile , Departamento de Salud Pública . Informe Final . ( Mimeo )
5-Anuario de Demografia , INE , 1989 .
6-Pérez L M , 1991. Adolescente embarazada de sector rural . La Adolescente Embarazada en Chile . Diagnóstico de la Situación . Ramiro Molina ( ed ) .
7-Ruedi N , 1989. Cited in Fecundidad Adolescente : Informativo 2. Instituto de la Mujer , December .
8-Molina R , 1988. Embarazo en la Adolescencia . Taller Nacional sobre Salud del Adolescente en Chile . Ministerio de Salud / Oficina Panamericana de la Salud .
9- حول تحليل لنظرية و منهج و تقنية مناقشة المجموعات انظرJailleblic qui pe à la JJ Ibañez , Jesús . Más allá de la Sociología . EL Grupo de Discusión : Técnica y Crítica . Siglo XXI . Madrid . 1979 .
10-See Piña , Carlos . La construcción del ‘ si mismo ‘ en el relato autobiográfico . Santiago . FLACSO – Chile . 1988. ( Documento de Trabajo 383 ) .