التأقلم مع الحرمان من الأطفال
تأملات كاهنة * في مستشفى سويدى
منذ أقدم العصور، مثَّل غياب الأطفال مأساة إنسانية. وقد سعيت لمساعدة الناس على العثور على استراتيجيات إيجابية للتأقلم مع فقد الحمل والحرمان من الأطفال، لكونى كاهنة مستشفى ومحاضرة فى العناية الرعوية** في السويد منذ عام ۱۹۷۰ وكثيرًا ما استعنت على ذلك بنصوص من الكتاب المقدس والأدب الحديث. ففي الأدب الحديث، وصفت أعمال جابرييلا ميسترال, وإمرى كرتسز، وأوريانا فالاسى أوضاع أناس لم يكونوا قادرين على الإنجاب أو لم يرغبوا فيه . وفى إطار دراسة قمت بها أثناء إعدادى لرسالة الدكتوراه في اللاهوت بين عامي ۱۹۸۰ و ١٩٨٢، أجريت مقابلات مع ۷۹ زوج وزوجة مروا بتجربة فقد الحمل في السبعينيات، نتيجة لمشاكل في الحمل، وقد ظل سبعة منهم بلا ذرية، ولم يلق أى منهم الدعم المناسب. وإذا قارننا ذلك بالوضع الحالي في السويد، سنجد أن الأوضاع قد تغيرت للأفضل من ناحية نوعية الرعاية قبل وأثناء وبعد الولادة, وكذلك الاستشارات النفسية. وتشتمل استراتيجيات التأقلم البناءة على الانتقال من حالة اليأس إلى الثقة، والقدرة على التعبير صراحةً عن الغضب وغيره من المشاعر والاهتمام بالآخرين, والعثور على سبل لخلق شئ بناء من الحزن، وقد لعب الإيمان الديني دورًا في ذلك مع العديد من الأفراد .
أنا كاهنة لوثرية مرسومة *** ودكتورة في اللاهوت, أعمل كاهنة مستشفى فى فسبى، بجزيرة جوتلاند في البلطيق. وقد عملت في السابق في مستشفى كارولينسكا في ستوكهولم، وفى المستشفى الجامعى في لنكوبنج بالسويد. كذلك، كنت أقوم بتدريس العناية الرعوية لبضع سنين، فى أوبسالا ، لمن كانوا على وشك الرسامة .
وقد درست سنة ١٩٦٩ التدريس الإكلينيكي الرعوي في الولايات المتحدة وعملت فى مستشفى صغير في منيابوليس. ثم أصبحت كاهنة كنيسة سنة ١٩٧٠ في مستشفى كارولينسكا . لقد مرت بى مشاكل فقد الحمل من قبل، ولكن فى كارولينسكا ، ذلك المستشفى التعليمي الكبير ذى القسم الكبير المخصص للولادة وأمراض النساء، غرقت في هذه المشاكل.
أول طقوس جنزية قمت بها فى كنيسة المستشفى في ظروف غير مواتية لأى أحد . فقد كانت هناك تسع جثث صغيرة مجثاة معًا في الفورمالين داخل صندوق، ومغطاة بقماش أخضر. وكان اثنان من الأهل حاضرين. وقيل لى قبل بداية المراسم إنى لا ينبغى أن أشير ولو مجرد إشارة إلى وجود عدد من الجثث في الصندوق. وأضيف إلى هذا الرياء صلاةٌ محددة كانت تستخدم في هذا الوقت لغة وصورًا قديمة لا تلائم مجتمعًا حضريًا . لم أكن راغبة فى مثل هذا الظرف أن تجرى صلاتي على نحو: “الأصدقاء الأعزاء، إننا نودع هنا في حقل الرب حبة حنطة، رفاة رضيع صغير انتهت حياته مبكرًا . هكذا يرينا الرب أن هذه الأفكار ليست أفكارنا ….. ولكن كان من الصعب تغيير العبارات فى اللحظة الأخيرة. عندها, بدأ اهتمامى بوفاة الأطفال قبل الولادة، ويا لها من بداية شديدة الإيلام.
وقد عملت جاهدة على تغيير نظام الخدمة الجنزية للأطفال الذين يولدون ميتين أو يموتون بعد الولادة مباشرة، وحاولت أن ألتقى بالأهل الثكالى لأتعرف على رغباتهم ومشاعرهم وما يدور بخلدهم. ورغم أن بعض الأمهات اللائى فقدن رضيعًا أو أكثر قبل الولادة قد رزقن فيما بعد بأطفال أصحاء، إلا أن هناك آخريات لم يتمكن من الإنجاب. على أنى لم أبدأ في إدراك مدى قرب مشكلة ميلاد طفل ميت من مشكلة الحياة بدون أطفال إلا بعد ذلك بفترة . فقد كان اهتمامي بفقد الأجنة قبل الولادة، ثم جاءت الجوانب الأخرى فيما بعد.
عندما تركت مستشفى كاولينسكا آليت على نفسى أن أسعى للتعرف على ما حدث للأسر التي فقدت أطفالها قبل أن يولدوا ، أثناء سنوات خدمتى هناك، ۱۹۷۰ – ۱۹۷۷ . لهذا السبب بدأت دراستي، فأجريت بين عامى ۱۹۸۰ و ۱۹۸۲ مقابلات مع عينة من تلك الأسر.
لقد تأخرت أنا نفسى فى الزواج، حيث كنت قد بلغت الثامنة والثلاثين عندما تزوجت, ولم يدر بخلدى أنى يمكن أن أكون أمًا . بيد أنى حملت في الثانية والأربعين وأنجبت إبنتى . وبينما رأت بعض صديقاتي اللائى لم يتزوجن. فى زواجى وأمومتي نوعًا من الخيانة، فإن أخريات، ومن بينهن نسويات، لم يكن لهن أدنى اهتمام بمشاكل الحمل أو سقوطه أو وفاة الجنين. وكان حملي سببًا في تعقد أبحاثى، إذ أننى شعرت أنه ليس من اللائق أن أجرى مقابلة تدور حول فقد الطفل، مع أهل ثكالي، وأنا حامل وسعيدة بحملى، فتوقفت مؤقتًا عن إجراء مقابلات.
لقد حاضرت خلال الأعوام الخمسة والعشرين الماضية حول موضوع فقد الجنين والحزن الذى يصاحبه . وفى وقت مبكر من تلك المحاضرات جاءتني امرأة من المستمعين فى الخامسة والثلاثين أو الأربعين من عمرها وانتحت بي جانبًا وقالت لى أنها قد صعب عليها الإصغاء إلىَّ, لأن حديثى لم يتطرق إلى وضعها . فهي بلا شريك حياة، وشبه متأكدة من أن فرصة الإنجاب لن تواتيها أبدًا . لقد أرادت أن تعبر عن بؤسها وأن يُعترف به كمشكلة قائمة بذاتها .
جعلتنى تلك المرأة أعى أن هناك, وسط كل جمهور من السامعين, من لا يستطيعون أن يكون لهم أطفال لأسباب مختلفة. منذ ذلك الحين عمدت، في كل مرة أحاضر فيها حول وفاة الجنين, إلى التطرق إلى الأسى الناجم عن العيش بدون أطفال سواء كان ذلك بسبب العقم أو للافتقار إلى شريك الحياة الذى لا يتم الإنجاب إلا به. وعادة ما أقتبس أبياتًا من شعر جابرييلا ميسترال، أو بعض مقاطع من الكتاب المقدس متعلقة بالرغبة في الأبناء. وفى فترة متآخرة، بدأت أضيف إلى محاضراتي بعض الأفكار حول فكرة اختيار العيش بدون أطفال.
هناك فرق بالتأكيد، بين عدم القدرة على الحمل, وبين حدوث الحمل ثم فقد الجنين أثناء الحمل كما في حالات السقط والإجهاض، أو فقد الطفل عند الولادة ثم عدم القدرة تمامًا بعد ذلك على الحمل مرة أخرى.
اختار البعض، أو شعروا أنهم يجب أن يختاروا ألا يكونوا آباءً وأمهات، بالرغم من عدم وجود مشاكل متعلقة بالخصوبة؛ فقد تعتقد امرأة في الأربعين من عمرها أن نسبة المخاطرة مرتفعة أن حملت، خاصة لو كان شريكها أكبر منها سنًا . وقد يكون لدى بعض الأزواج مشاكل وراثية فيقررون عدم المجازفة. كذلك قد تدفع الأمراض المزمنة البعض للإحجام عن الإنجاب، أو قد ينجم ذلك عن مشاكل اجتماعية كأن يكونوا قد مروا بتجارب فاشلة مع الأطفال على سبيل المثال، فيريدون تحاشى المزيد من الإحباط. كذلك فقد يرون أن الأوضاع في العالم والمجتمع ليست بالمواتية تمامًا للأطفال فيترددون لهذا السبب. وبعض الأزواج من المثليين ينجحون في أن يكون لهم أطفال بينما قد يحرم آخرون, ممن لا يمكنهم لهم الإنجاب لأى سبب, من فرصة التبنى، وهو ما قد يكون جزءًا من الاستنكار الاجتماعى للمثلية الجنسية.
قد تؤدى أسباب البقاء بلا أطفال هذه إلى حزن شديد, فاليأس من إمكانية الإنجاب قد يكون شديد الإيلام, من النساء وأولئك الذين قرروا أن يبقوا بلا أطفال ليسوا بالضرورة أناسًا لا يحبون الأطفال . لقد سمعت بعضًا يقلن: “لو أنى حتى حملت وسقطت …” هذه الكلمات التلقائية تحمل إحباطًا كثيفًا . فالحمل بهذا المعنى ينظر إليه باعتباره مؤشرًا لكون المرأة امرأة حقيقية.
هناك بعد شديد الخصوصية فى مسألة الحرمان من الأطفال، قلما يأتى ذكره. معظم الناس يمكنهم أن يدركوا بسهولة أحزان من يريدون أن يصبحوا آباء وأمهات, ولكن ماذا عن آباء هؤلاء وأمهاتهم، الذين قد يحزنهم ألا يصبحوا أجدادًا ؟ حول كل فرد أو زوجين بلا أطفال هناك آخرون قد يشعرون بالحزن لهذا الوضع.
منذ العصور القديمة تعانى النساء اللاتى لا يمكنهن الإنجاب من ضغوط نفسية شديدة الوطأة، وكثيرًا ما استخدم العقم كسبب للطلاق، فالتوق للأطفال عادة ما يكون شديدًا وعميقًا ، ولذلك كان من الموضوعات التي شاع تناولها فى الشعر والأدب بوجه عام. وفي سياق الأفكار الحديثة وتخطيط الأسرة. توجد أيضًا في الأدب الحديث نماذج لرفض الحمل. الشُقة واسعة.
ويستطيع المرء أن يجد قصصًا قوية حول موضوع الحرمان من الأطفال فى الكتاب المقدس، خاصة في التوراة، حيث نجد لوم النساء لأنهن لم يصبحن أمهات حتى لو كان العقم من نصيب الرجل.
كانت الأفكار المهيمنة في ذلك الوقت مهتمة بالحفاظ على الأسرة، حيث كانت وظيفة الزوجة متمثلة في أن تنجب لزوجها الأطفال، والأهم أن تنجب له الذكور منهم؛ إذ يحفظ الأبناء الذكور استمرار اسم الأسرة، بينما تحافظ البنات على اسم أسر أزواجهن حتى أنه قد ورد في التوراة أن الرجل المتزوج حديثًا ليس عليه من حرج في عدم الخروج للحرب لأن عليه مهمة أهم، وهي انجاب الولد(1).
ومن أشهر القصص, قصة إبراهيم وزوجته سارة التي كانت عجوزًا لا تستطيع الإنجاب، واقترحت سارة على إبراهيم أن يدخل بجاريتها المصرية هاجر لتحمل له الولد، وقالت له: “هو ذا الرب قد أمسكني عن الولادة, أدخل على جاريتى لعلى أرزق منها بنين“(2) وحملت هاجر وأنجبت له ابنا . ثم ازدرت سارة. والقصة تستحق القراءة. وما يسعنا ونحن نقرؤها إلا أن نلاحظ أن سارة زوج إبراهيم، كانت امرأة ذات تصميم، شديدة الرغبة في أن يكون لزوجها ولد ذكر فيكون ذلك لها عوضًا ، وفى الوقت نفسه لا يجعل زوجها يطلقها بسبب عقمها .
وكان على المرأة التى يطلقها زوجها لعقمها أن تعود في معظم الأحيان إلى أهلها, ما لم تجد زوجًا آخر. فإن لم يكن هذا ولا ذاك، فقد يتعين عليها أن تكسب قوت يومها ببيع جسدها.
كان المجتمع آنذاك مجتمعًا أبويًا تمامًا ، حيث كان على الرجال واجبات دينية، وعلى النساء واجبات داخل محيط الأسرة، بما فى ذلك الإنجاب أيضًا. كان الإنجاب هو الوسيلة الوحيدة المتاحة لدعم الأسرة وتأمينها اجتماعيًا . وكان الموت عن غير ولد مساويًا للفشل في الحياة ومجلبة للعار. وعندما قالت راحيل بعد ذلك لزوجها يعقوب، كما ورد في سفر التكوين: “… هب لى بنين وإلا فأنا أموت“(3) . كانت تشير إلى ضرورة استمرار القبيلة والشعب. وفى النهاية حملت راحيل وانجبت لزوجها ابنين ولكنها فارقت الحياة وهى تضع مولودها الثانى.
وكانت “حنَّة إحدى زوجتى “ألقانة” . وكانت زوجته الأخرى تسخر منها وتذلها لعدم قدرتها عن الانجاب. ويا لها من تجربة إذلال تبدو مألوفة على مسامع كثيرات من نساء اليوم. وكان “ألقانة” متميزًا ، إذ كان على حب شديد لحنة. فبكت ولم تأكل . فقال لها ألقانة “رجلها يا حنة لماذا تبكين ولماذا لا تأكلين ولماذا يكتئب قلبك. أما أنا خير لك من عشرة بنين!”(4) ، أن التأقلم على الحرمان من الولد يصبح أيسر منالاً عندما يقيم الرجل على حبه وحنانه.
وكما حدث مع سارة، ها هي أيضًا، إليصابات* التي ورد ذكرها فى العهد الجديد وكانت عجوزًا وبعلها شيخًا، ها هي بفضل التدخل الإلهى، تحمل فترزق كما رزقت سارة بالولد، ثم يكون لابنيهما أدوار مهمة في مسار تاريخ بني إسرائيل.
ما مدى التغيير الذى حدث منذ زمن الكتاب المقدس؟ لقد أجريت لأغراض رسالة الدكتوراه التي أعددتها في اللاهوت, مقابلات مع ۷۹ امرأة (في وجود أو عدم وجود الزوج)، فقدن ۸۰ جنينًا، ومررن بتلك التجربة في مستشفى كارولينسكا خلال الفترة بين عامي ۱۹۷۰ و ۱۹۷۹(*) . وقد أجريت المقابلات بين عامی ۱۹۸۰ و ۱۹۸۲ ، أي بعد ما يتراوح بين ٣ سنوات و ١١ سنة بعد فقدان الجنين، ويقصد بـ “فقدان الجنين” موته في الرحم أو أثناء أو بعد الولادة في الفترة بين الأسبوع الثامن والعشرين للحمل والأسبوع الأول بعد الولادة.
ولم يرزق الزوجان بأطفال قبل أو بعد تجربة فقدان الجنين في سبع حالات. وتمثلت مقابلاتي في تلك الحالات السبع فى خمس نساء وزوجان وزوجتان. وقد عانين كلهن، عدا واحدة مشاكل أثناء الحمل، ومن صدمة نفسية ولم يلقين إلا دعمًا محدودًا.
-
إحداهن كانت مصابة بالصرع، وحدث لها إجهاض ثلاث مرات قبل أن يولد جنينها ميتًا في المرة الأخيرة. وبعد ذلك أصيبت بسرطان الرحم واضطرت لاستئصاله .
-
امرأة أخرى كانت مصابة بداء السكرى ووضعت جنينًا ميتًا في الشهر السابع. وبعد ذلك أخذت أجازة مرضية لمدة عام ونصف بسبب ما كانت تعانيه من مشاكل السكرى ومن الإحباط.
-
ووضعت امرأة طفلاً مات بعد ذلك بفترة في اليوم نفسه، ولكنه سُجِّل خطأ كمولود ميت. ولم تعان تلك المرأة من مشاكل في الحمل.
-
كذلك فقد أصيبت امرأة, فى حملين متتاليين بتسمم الحمل وإعياء شديد. وولد طفلها الأول مينًا، بينما لم يعش الثاني سوى يومين بعد الولادة.
-
وفقدت امرأة حملها الأول والوحيد في الشهر السابع، حيث كانت تعانى من تسمم الحمل وظلت فى المستشفى لمدة شهر لخطورة حالتها .
-
وكانت امرأة تعانى من مرض السكرى، ونظرًا لإصابتها بتسمم الحمل، ومعاناتها من بعض مشاكل في الكلى، كان عليها أن تظل في المستشفى نحو سبعة أشهر من حملها. وجرت مناقشة إنهاء الحمل، وكانت تعلم قبل الولادة أن الجنين قد مات. وقد عانت بعدها من الاكتئاب لعدة أشهر، وتعين عليها اللجوء للمتخصصين لمساعدتها نفسيًا .
-
اضطرت امرأة أن تجرى عملية إجهاض قبل عدة سنوات، وكان الجنين ميتًا. وقد تم حجزها في المستشفى لعدة أسابيع أثناء الحمل ولكنها لم تكن تدرى سبب بقائها فى المستشفى على وجه الدقة. كل ما تتذكره هو أنهم أخذوا منها عدة عينات من البول، وان بعض نتائج التحليل لم تكن جيدة. وكانت هذه المرأة رقيقة الحال وصغيرة السن قليلة الحظ من التعليم مفتقرة للمهارات اللغوية المناسبة.
معظم الأهل لم يتم إبلاغهم بجنس الطفل. وكان هناك زوج واحد فقط (زوج السيدة التي فقدت حملها مرتين) سبق له رؤية جنين ميت، حيث رأى أول مولود ميت لبرهة قصيرة وعلق قائلاً : “شئ مخضب بالدم في حوض“. ثم رأى ولمس الطفل الثانى الذى ولد حيًا في الحضانة كما حضر الطقوس الجنزية لهذا الطفل الثاني . ولم ير أي من الأهل الآخرين الأطفال. وفى حالة واحدة كان الزوج حاضرًا أثناء الوضع، ولكن لم يسمح له ولا لزوجته برؤية الطفل، إذ طلب منه أن ينظر فى الاتجاه الآخر, وحمل الطفل بعيدًا . وفى حالة أخرى لم تر المرأة الطفل وقيل لها : “ليس هناك ما يستحق الرؤية على أية حال” .
وقد استطاع الأهل، فى حالات قليلة، أن يدفنوا الطفل ويقيموا له الخدمة الجنزية، ولكن ذلك لم يحدث في كل الحالات. وقد شعرت امرأة واحدة أن رؤية الطفل أو حضور المراسم الجنزية لم يكن ليساعدهم في التغلب على الحزن. بينما ودت أخرى لو أنها استطاعت أن تحصل على مزيد من المعلومات حول الطقوس الجنزية وموضع قبره – ماذا حدث بالفعل ؟ هل تم حرق جثته أم ألقى بها مع المهملات؟ وشعرت المرأة الصغيرة السن نها عوملت كشخص لا يؤبه له ، إذ “اختفت” الأوراق الخاصة بتشريح جثة طفلها، ولم يعثر عليها أبدًا . وقد علقت على ذلك بقولها : “ربما لم يقوموا أصلاً بالتشريح وربما لم تكن هناك أيضًا أى طقوس جنزية“.
لم ينظر الزوج والزوجة اللذان فقدا الطفل مرتين, للطفل الأول على أنه كان طفلاً حقيقيًا . وقد طلب الزوج من العاملين بالمستشفى ألا يذكروا نوع الطفل للأم، ولكنها عرفته على أية حال. أما الطفل الثاني، فقد تم تعميده, وأقيمت له خدمة جنزية منفردة، ولكن لم يحضرها سوى الأب. وتم حرق جثة الطفل ووضعت الجرة التي تحوی رماده فى الكولمباريوم* داخل كنيسة، وكثيرًا ما يزوره الأبوان. ولم تعرف امرأة أخرى نوع المولود وقالت إنها قد لا تريد أبدًا أن تعرفه.
قالت كثير من الأمهات إنهن كن يعانين من كوابيس تدور حول الطفل المفقود أو الظروف المحيطة بفقده . فكانت إحداهن ترى حلمًا متكررا يسألها فيه الطبيب لماذا تبكى. والمرأة التي علمت بوفاة الجنين قبل ولادته عطاها الطبيب نوعين من المهدئات قبل أن يخبرها بوفاة الطفل، وكانت تنتابها كوابيس ترى فيها الطفل وقد اتخذ شكل دبور، وفى أحيان أخرى كانت ترى في منامها أنها تمر بمصاعب جمة فى الولادة وأنها هجرت الطفل فوجه إليها اتهام بذلك. وكانت امرأة ثالثة ترى نفسها في كوابيسها وحيدة على جبل ولا تعرف كيف تنزل منه . وقد تأخر رد فعل هذه المرأة على مصابها فلم يبدأ إلا بعد بضعة أشهر انخرطت بعدها في البكاء لفترات طويلة. وكان الحزن يعاودها، والعديد من الأخريات أيضًا، بشكل دورى، خاصة عند حلول ذكرى المولود الفقيد .
وقد انفصل الزوج والزوجة بعد فقد الجنين في حالتين ووقع الانفصال فى الشهر الثالث من الحمل، في حالة منهما، وهو الشهر الذي فقد فيه الحمل؛ بينما وقع في الحالة الأخرى بعد أربع سنوات من فقد الحمل ثم أنجب الزوج بعد ذلك طفلاً من امرأة أخرى.
كانت مشاعر المرارة التى لم يتم تجاوزها بعد بادية الوضوح في ثلاث حالات وعبر العديد من النساء عن مشاعر سلبية للغاية بخصوص الرعاية التي تلقينها قبل وأثناء الوضع. وكانت إحدى النساء عدوانية للغاية عندما اتصلت بها في البداية، رغم انقضاء عشر سنوات على فقد جنينها . ولم توافق على إجراء المقابلة إلا بعد ثلاث اتصالات تليفونية، ولم يرغب زوجها في أن تحضر المقابلة.
وقالت إحدى النساء – وكانت قد أصيبت باكتئاب بعد فقد الجنين – أنها لا تلوم طاقم العاملين بالمستشفى على الخطأ الذى حدث، ولكنها تشعر أن من كانوا يتولون رعايتها أثناء الحمل فى بلدتها، لم يكونوا على ما يلزم من دقة في ملاحظة حالتها . كانت تعتقد أنه كان ينبغى أن يقال لها بماذا ستشعر، وأين تستطيع أن تجد من يمكن أن تتحدث إليه. كذلك لم تكن المعلومات التي أعطيت لها حول ما سيحدث للطفل كافية. ولم تشعر بحزن حقیقی آنذاك، بل أن الوضع جلب لها نوعًا من الإحساس بالتخلص من عبء. ومع ذلك، فما زالت تشعر بالغضب والمرارة، وقالت إنها لن تدخل أبواب المستشفى المحلى أبدًا.
أما المرأة التي فقدت الجنين مرتين وكانت مريضة خلالهما فقد قالت أنها وزوجها قد قررا ألا يعيدا محاولة الحمل مرة أخرى. وفكرا في تبنى طفل ولكنهما ترددا، واشتريا كلبًا بدلاً من ذلك. وناقش زوجان آخران فكرة التبنى أيضًا، ولكنهما عدلا عنها نظرًا لمرض الزوجة المزمن، وكفلا طفلاً في بيتهما. كان قد ولد فى نفس العام ونفس الفترة التي ولد فيها طفلهما الذي فقداه.
وذكرت إحدى النساء أن شخصًا في المستشفى ذكر لها فكرة التبني فى مرحلة مبكرة، فراعها ذلك. وقد عانت الاكتئاب لعدة أشهر بعد مصابها، وكان عليها أن تلجأ إلى مساعدة المتخصصين. وقد شعرت أن الدعم الذي لقيته فى المستشفى لم يكن مناسبًا. وهي تعتقد أن رد فعلها ربما كان قد اختلف لو أنها لم تعط المعلومات وهي في حالة الصدمة.
لعب الدين دورًا حيويًا، كاستراتيجية تأقلم, في أربع من الحالات السبع؛ بيد أن الإيمان لم يمنع الشعور بالمرارة لدى واحدة من النساء، والتي قالت أن الطفل كان في يد الرب. وقالت إحداهن أن الإحباط أصابها عندما لم يبد على أيٍ من صديقاتها من الكنيسة أى اكتراث أو اهتمام عندما فقدت طفليها .
وعبرت امرأة منهن بوضوح شديد, عن أن الرب قد ساعدها عندما مات طفلها، إذ شعرت أن إيمانها ازداد قوة بعد مصابها. ووصفت عدة نساء أنفسهن وأزواجهن أيضًا في بعض الحالات، بأنهم من غير المؤمنين، وقالت إحداهن أنها لو كانت تؤمن بشئ فهو القدر. وقام أحد الأزواج بوضع الشموع على القبر، ولكن دون أن يخبر زوجته، فيما يبدو أنها كانت استراتيجيته في التأقلم. ولم تزر زوجته القبر أبدًا، ولكنها احتفظت ببعض الملابس التي كانت قد أعدتها للطفل.
وبعض النساء اللاتى أجرين عمليات إجهاض, شرعية كانت أم لا، وبقين بلا أطفال كان عليهن أن يتعاملن مع ألم إضافي . فربما ندمن على الإجهاض، ولكن ندمهن كان أكبر على عدم القدرة على الحمل بعد ذلك. فمن الشائع بينهن، بما في ذلك من لسن على أى إيمان ديني, الاعتقاد بأن حرمانهن من الأطفال في هذه الحالة أن هو إلا عقاب على الإجهاض. وبعض النساء الراسخات الإيمان اللائى يعتقدن فى صورة رب قاس شديد العقاب, يجدن عنتًا شديدا فى القبول بفكرة الإجهاض كحل لوضع معقد في الحياة، وهو ما ينطبق على واحدة من النساء اللاتي أجريت معهن مقابلات.
كانت معظم النساء على حنق شديد من أناس ومؤسسات مختلفة، بل ومنى أنا لدفعى لهن للتفكير والحديث عن هذا المصاب مرة أخرى. ولم تستطع أى منهن أن تعبر عن رد فعلها المباشر على فقد الطفل، وهو ما كان من شأنه ربما ، أن يكون عونًا كبيرًا لهن أن حدث. كان غضبهن من إرادة الرب، على الأرجح، متخفيًا وراء بعض مظاهر غضبهن، حتى وإن كان موجهًا في أغلبه للطبيب والممرضة.
في الملحمة التي كتبها فيلهلم موبرج Vilhelm Moberg عن السويديين الذين هاجروا إلى الولايات المتحدة الأمريكية خلال القرن التاسع عشر(6)، نرى امرأة تدعى كريستينا ، يخبرونها بعد سقوط حملها أنها لا يمكن أن تلد مرة أخرى فتحارب هذا الإحساس بمعونة الرب، إذ تقف وحدها تحت نجوم السماء وبكلمات قوية تقول:
“يجب أن تكون موجودًا ، يجب أن تكون كذلك. فأنا
أعيش حياتي من خلالك. بدونك ما أنا إلا هبأة
على صفحة بحر ظلام عاتٍ. يجب أن تكون موجودًا,
يجب ذلك … أنا لا شئ أن لم توجد “(7).
لقد استخدمت حقها الإنسانى فى الحوار مع الرب وهو حق قديم قدم الجنس البشرى، أعلن التمسك به بوضوح في العديد من آيات العهد القديم خاصة سفر أيوب. وقد يُطرح هذا الحق البشرى كاستراتيجية تأقلم، في إطار أسلوب رعوى مع الآباء والأمهات الثكالى بوجه عام، وكذلك مع أولئك الذين قد يبقوا بلا أبناء.
ويمكن أن تمثل الرعاية التي تقدم للآخرين استراتيجية تأقلم أخرى للتعامل مع الحزن الناجم عن فقد الجنين. فقد كان هناك شعور لدى كل النساء اللائي قابلتهن بأن كونهن بلا أبناء يمثل جزءًا مهمًا من هويتهن. وقد أفصح هذا الشعور عن نفسه بشكل مختلف عند كل منهن، إذ شعرت بعضهن أن قدرتهن على إظهار الأمومة بأشكال أخرى كان فيه بعض التعويض على الأقل. فقد كفل زوج وزوجة طفلاً في بيتهما، وآخران كانا آباء بالتعميد لطفلين، واشتريا كلبًا وكانا يلتقيان مع كثير من الأصدقاء الذين رزقوا بأطفال. وإحدى النساء دأبت على إطعام الطيور التى تحط بجوار بيتها . كذلك كانت المرأة التى رزق زوجها السابق بطفل من امرأة أخرى تشعر أن هذا الطفل فيه بعض العزاء عن فقدها لجنينها.
ان من يستطيعون تقديم الرعاية للآخرين يكونون أقل عرضةً لملازمة الحزن لهم. وعلى العكس يتباطأ الحزن في الرحيل فى الحالات التى لا يمكن للمحزونين أن يطوروا قدراتهم على تقديم الرعاية للآخرين. على أنه من الصعوبة بمكان أن نصل إلى أى استنتاجات عامة.
يبدو أن هذه الحالات السبع قد حرمت من إمكانية الإحساس بمعجزة الحياة من خلال الاتصال مع الطفل الذي مات . فليس من بينهم سوى أب واحد رأى الطفلين اللذين فقدا. وقد أظهرت التجارب الأحدث أن الآباء الذين استطاعوا أن يروا أو يلمسوا أو يحملوا الطفل الميت كانوا أكثر قدرة على الشعور بمعجزة وجمال الحياة، بالرغم من مصابهم.
وقد استخدمت الكنيسة الكاثوليكية السويدية. هذا العام، في شعيرة جديدة يجرى إعدادها للأطفال الذين قضوا نحبهم, آيات من المزامير (۱۳۹ : ۱۳–١٦) تصف جمال الحياة الإنسانية وهى تتكون في الرحم أبدع تصوير:
“إلهي أنت الذي شكلت أعضائي، ونسجتني في بطن أمى . أسبح بحمدك وتملؤنى الرهبة من فنك المبدع، وعملك الرائع، تعرف كل دخائلي“
“لأنك أنت اقتنيت كُليتى ونسجتني في بطن أمي. أحمدك من أجل أنى قد امتزت عجبًا ، عجيبة هي أعمالك ونفسى تعرف ذلك يقينًا. لم تختف عنك عظامي حينما صنعت في الخفاء ورقدت في أعماق الأرض.
التوق للأبناء في الأدب الحديث
إن التحليل الأوسع نطاقًا لاستراتيجيات التأقلم مع الحرمان من الأطفال يجعل من دراسة الأدب الحديث ضرورة لا مناص منها. فعندما ينشأ الحرمان من الإنجاب عن افتقاد الشريك الذي يصبح الإنجاب معه ممكنًا, لا نجد عزاء عن ذلك في الكتاب المقدس. ومن أكثر الصور تكثيفًا لحزن المرأة في القرن العشرين ما صورته جابرييلا ميسترال الحائزة على جائزة نوبل في الأدب عام ١٩٤٥ عن قصيدتها (أغنية ابن). فقد مات حبيبها؛ لقد خدعها بموته ، فلن تستطيع أبدًا أن ترزق بطفل منه . وتعتبر هذه القصيدة واحدة من أكثر الاعترافات التي قالتها المرأة صراحة فى قالب شعرى, كما أنها أسلوب جميل لتحويل فقد عظيم إلى إبداع:
“ابن, ابن, ابن!
كنت أريد ابنًا منك ومنى
في أيام النعيم المحتدم البعيدة تلك
عندما ترتعد عظامى مع همهمتك الأخيرة
ويلمع حاجبي بنديً مشرق.
أنا الآن في الثلاثين من عمرى
وقد خط حاجبي رماد الموت المبكر.
مالحة، ومرة, وباردة, تنساب عبر سنيني
دموع بطيئة مثل مطر أزلي عند القطبين“.
وفي قصيدة أخرى* للشاعرة نفسها، نشرت بعد عامين من القصيدة الأولى، نجد تغيرًا فى موقفها ؛ فعلى العكس من القصيدة الأولى التى تعبر عن انقطاع الرجاء, نجد القصيدة الثانية تصف قبولاً ناضجًا بما تمنح الحياة أو تمنع. أنها تهدهد بها الطفل الذي لم تنجبه أبدًا : “الرب أبانا يهدهد آلاف العوالم التى خلقها, بلا صوت. شعرت بيده في الظلام، فهدهدت الطفل الذى وجدته“(8).
كان الاهتمام بالآخرين حلاً لجابرييلا ميسترال. فالحب الذي لم تستطع أن تمنحه لابن من رحمها ، منحته لأطفال الآخرين، سواء أولئك الذين التقت بهم كمدرسة, أو الأطفال الذين يعانون في بقاع أخرى من العالم. وقصيدتها “الطفل الوحيد” فى الديوان نفسه، تشى بذلك بوضوح؛ وحنان عظيم أسكرني كالخمر ! “(9) . وقد أبدت جابرييلا تضامنًا وتعاطفًا عميقين مع غيرها من النساء في قصيدتى “أغانى الأمهات” و “أغانى الأمهات المحزونات” في ديوان “التعاسة” .
كذلك نجد تعبيرًا فى الأدب المكتوب عن أولئك الذين قرروا عدم الإنجاب بمحض إرادتهم, على نحو ما, أو الذين شعروا بأنه قرار ضرورى لأسباب تتعلق بالمعاناة التي مروا بها . فها هو الكاتب المجرى إمرى كرتيسز, على سبيل المثال، يصف كيف أن امرأة أرادت أن تحمل طفله، ولكنه رفض، وذلك في كتابه “قداس** لطفل لم يولد أبدًا” (10). ويتضمن الكتاب أيضًا اقتباسًا من “مقطوعة الموت” لبول سيلان :
” … إنه يضرب الخيوط مهددًا، ومثل الدخان ستتسلق طريقك إلى السماء ، وبين الغمامات سيكون لحدك، ما أرحب الرقاد هناك ….”(13)
ينظر العهد القديم للإنجاب باعتباره واجبًا . أيكون ذلك هو السبب فى النظر إلى منع مولد طفل على أنه تجاوز ؟ لقد مر سيلان وكرستز بتجربة معسكرات الاعتقال في الحرب العالمية الثانية، وخرجا منها أحياء. وقد شعر كرستز, بسبب تجربته فى أوشفتز بأنه لا يستطيع أن يسمح لنفسه بإنجاب طفل. كان رفضه للأبوة قويًا وحاسمًا : “لا يستطيع أحد أن يبرأ من علة أوشفيتز“.
أولئك الذين يرون أن الحياة هبة، يعتقدون أن قبولها أمرًا حتميًا بينما الأمر أكثر تعقيدًا بكثير عند آخرين. وترسم لنا أوريانا فالاسى – فى كتابها “رسالة إلى طفل لم يولد أبدا“(12) – صورة امرأة حامل ولكنها لا تستطيع أن تقبل الحمل كالتزام يجب تحمله، وترفض الأمومة. وقد انتهى الحمل بالسقوط، ولكن وصف التجربة يجعله يبدو وكأنه أشبه ما يكون بالإجهاض، إذ أن المرأة كانت على إهمال كبير أثناء حملها . فأوريانا فالاسى لا ترى الأمومة واجبًا، بل اختيارًا فرديًا مسئولاً . ونجدها في رسالتها إلى الطفل الذى لم يولد أبدًا، تلقى بالمسئولية على الطفل: “لست انا التي قتلتك … كل ما في الأمر أني أرفض أن أساعدك على أن تتجبر علىّ …..”
وتقول في نهاية كتابها :
“الحياة لا تحتاج إلينا. في بقاع أخرى يولد آلاف الأطفال. انت ميت. وربما أموت أنا أيضًا . لا يهم. الحياة لا تموت” .
تجارب فقد الحمل في السويد اليوم
أصبح علاج الأهالى الثكالى مختلفًا في السويد اليوم إذ شهدت السلوكيات والأنظمة المتبعة تغيرًا هائلاً مقارنة بما كان عليه الحال في سبعينيات القرن الماضي؛ إذ أصبح للأهل اليوم الحق في رؤية الطفل الميت, وترتيب طقوس جنزية له ودفنه في قبر يزورونه فيما بعد، ولم يعد أحد يحاول إخفاء المعلومات عن نوع الطفل. كذلك اختلفت الرعاية النفسية التي تلقاها الأم
الحامل والأب اليوم اختلافًا كبيرًا ، وأصبحت – خاصة مع ظهور تقنيات المساعدة على الولادة – أكثر دعمًا لمن يعانين من صعوبات في الولادة.
وفيما يتعلق بمعدلات وفيات الأجنة قبل الولادة في السويد اليوم بسبب المشاكل التي قد تعانيها الأم كتسمم الحمل أو السكرى – مقارنة بما كان عليه الحال منذ ٢٠ سنة مضت – نستطيع أيضًا أن نلاحظ تحسنًا ينعكس فى الانخفاض الكبير في عدد الوفيات (جدول ۱) ففى عام ١٩٧٥ كان المعدل الإجمالي لوفيات الأجنة هو ١١.٥ لكل ۱۰۰۰ مولود انخفض سنة ١٩٩٥ إلى ٥.٥ لكل ۱۰۰۰ مولود . لقد شهدت الأعوام العشرون الماضية أساليب علمية جديدة ومتقدمة وسلوكيات جديدة تجاه الأهل الذين يفقدون الطفل قبل ولادته، أو أولئك المحرومين من الأطفال. وشهدت تلك الفترة أيضًا تقدمًا في الرعاية المقدمة قبل وأثناء وبعد الولادة في السويد. جدول
وفيات الأجنة والمواليد وفقًا لتشخيص حالة الأم أثناء الحمل: ۱۹۷5(۱۳) و ١٩٩٥ (١٤)
تشخيص حالة الأم |
عد المواليد |
الأجنة الميتة |
الوفيات خلال سبعة أيام |
|
1975 |
السكري |
336 |
12 |
10 |
تسمم الحمل |
10219 |
109 |
38 |
|
إجمالي المواليد |
103560 |
621 |
574 |
|
1995 |
السكري |
662 |
11 |
3 |
تسمم الحمل |
3370 |
9 |
18 |
|
إجمالي المواليد |
103137 |
350 |
215 |
من بين من يمرون بتجربة فقد الحمل, عادة ما يتأقلم من عندهم أطفال آخرين مع الفقد على نحو أيسر. فهم يعون أن المرأة قادرة على الحمل، وبالتالي يحدوهم الأمل في حظ أفضل فى المرة التالية، حتى أن بعضهن تحمل من جديد فى غضون أقل من ستة أشهر. أما أولئك الذين لم يرزقوا بأطفال من قبل فيحتاجون إلى دعم مستمر أثناء الحمل خاصة لو كانت هناك مشاكل حادة فيه، بل ويحتاجون للمزيد من الدعم لو انتهى الحمل بفقد الجنين. وقد توصلت في دراستي إلى أن من يفقدن الطفل الأول قبل ميلاده، عادة ما يصاحب حملهن الثاني حالة من التوتر، ويتباطأ تعلقهن بالطفل الجديد بعد ميلاده.
الأهل الذين يستطيعون التعبير عن الغضب بأشكال مختلفة, عادة ما تكون قدرتهم على التأقلم أفضل من أولئك الذين يكبتون هذه المشاعر. فالبقاء في حالة الغضب ليس بناءً فى شئ، لأى إنسان. وبالرغم من تغير المواقف والعادات فى الأوساط الطبية في أيامنا هذه. فإني قد لاحظت مؤخرًا أمثلة عديدة على التحدى الكبير الذي يواجهه العاملون عند تعاملهم مع ثورة الناس. وربما يكون ذلك هو الجانب الأكثر إشكالية في التعامل مع فقد الحمل، خاصة لدى أولئك الذين قد يبقون بلا ولد.
لقد تغير دور الكاهنة أيضًا خلال العقود الأخيرة. فقلة هم من يأتونها للاستشارة، خاصة فيما يتعلق بالحرمان من الإنجاب. على أننى أقابل، بالرغم من ذلك القليل من الناس الذين يرغبون فى التحدث عن ألم الحرمان من فرصة الأبوة والأمومة. وقد تعلمت منهم الكثير عن استراتيجيات التأقلم. تعلمت أن الناس تستطيع أن تنضج أيضًا فى الظروف البائسة. واستطعت تمييز ظلال المعانى. فلى صديق وزميل في نفس الوقت, رضى ببقائه بلا ولد، ولكنه كان يقول أنه يجد صعوبة في تهنئة الناس عندما يرزقون بالأطفال . أما زوجته وهى مدرسة، فقد كان أسلوب تأقلمها مشابهًا لهذا الذي ذهبت إليه جابرييلا ميسترال.
وبعض النساء اللائى فى هذا الوضع، ينظرن لأنفسهن على أنهن أمهات، وبعضهن لا يفعلن ذلك . واعتبار النفس أمًا أو أبًا يمكن النظر إليه على أنه استراتيجية تأقلم .
إن العثور على استراتيجية فاعلة للتأقلم مع العقم، مهمة تقع على عاتق الأهل أنفسهم, بدعم من شبكة علاقاتهم. والانتقال من اليأس إلى الثقة ليس بالطريق اليسير. إحدى الاستراتيجيات المهمة التى ينبغى تشجيعها هي الإبداع بمختلف صوره؛ فكل من يمكنها التعبير بشكل مبدع عن حزنها ستتمكن من التعامل مع الوضع بشكل عملى على نحو أفضل. كتابة يوميات عن الفقد, أو رسائل إلى الطفل الفقيد أو الطفل الذي لم يولد، أو الرسم، أو الموسيقى – هناك طرق كثيرة يمكن الاختيار من بينها . والاطلاع على إبداع الآخرين في التعبير عن مشاعرهم في متناول معظم الناس؛ فهناك الكثير الذي يمكن أن نجده فى الكتب والشعر . ولا تزال للشعراء من أمثال جابرييلا ميسترال رسالة في تعزية المحرومين من الولد المحزونين لذلك، وفتح آفاق جديدة أمامهم.
أتوجه بشكر خاص إلى د. برجيتا وتيردال، ود . برجيتا أولسون في “فيسبى” لوعيهن الشديد بالجوانب السيكولوجية – الاجتماعية للرعاية أثناء الوضع وأمراض النساء.
Astrid Andersson Wretmark , St Klemensgatan 14 , S – 621 55 Visby , Sweden .
(*) كاهنة المستشفى hospital chaplain عند اللوثريين – ولا مقابل لها عند الأرثوذكس – هى كاهنة تتولى القيام بالطقوس ورعاية من يحتاج في مستشفى أو ملجأ أو سجن إلخ، وتقوم بذلك فى كنيسة صغيرة ملحقة بالمكان. (المترجم)
(**) العناية الرعوية هى العناية التى يقدمها كاهن أو قسيس للرعية فى الكنيسة. (المترجم)
(***) مرسومة أى تمت رسامتها . والرسامة هى التعيين في منصب أو وظيفة كنسية. (المترجم)
(*) اليصابات هي زوجة سيدنا زكريا عليه السلام والتي ورد ذكر قصة حملها فى العهد الجديد من الكتاب المقدس, انجيل لوقا، وكذلك في سورة مريم في القرآن الكريم. (المترجم)
(*) الكولمباريوم Columbariumاسم كان يطلق على المقابر الرومانية التى تتخذ شكل أبراج الحمام وبها حنايا ترص فيها أواني الرماد,ثم انسحب في العصر الحديث على المكان ذى التجاويف فى الكنيسة الذى يحوى تلك الأواني (المترجم)
(*) القصيدة بعنوان ” هدهدة Meciendo” من ديوانها “Ternura (حنان) وقد نشرت هذه القصيدة سنة ١٩٢٤، أي بعد عامين من ديوان التعاسة “Desolacion” .
(**) قديش، حسب تعريف قاموس وبسترهى صلاة يهودية تتلى فى الطقوس اليومية التى تقام بالسيناجوج، ويتلوها أيضًا المعزون في الطقوس التى تقام لوفاة أحد الأقرباء، وقد ظهرت هذه الكلمة سنة ١٦۱۳ ، وهي مشتقة عن الكلمة الآرامية “قاديش” بمعنى مقدس (المترجم)logy .
1-Pedersen J , Israel I – II , Branner og Korch . Copenhagen , 3rd edition 1958 ; III – IV 2nd edition
1960 .
2-Genesis 16 .
3-Genesis 30 : 1 .
4-I Samuel 1 : 7,8 .
5-Andersson Wretmark A , 1993. Perinatal Death as a Pastoral Problem . ( Diss . Uppsala University ) Almqvist & Wiksell , Stockholm . ISBN 91-22-01559-0 .
6- Moberg V , 1968. Nybyggarna . Aldus Bonniers . Stockholm .
7-Kristina från Duvemåla , Musical after Moberg , V , song number 13 in the album with the music , text Björn Ulvaeus , music Benny Andersson , 1995 .
8-Nobel Prize Library . Published under the sponsorship of the Nobel Foundation and the Swedish Academy , Martin du Gard , G Mistral , Pasternak . Alexis Gregory , NY and CRM Publishing . Del Mar , California , 1971. Translation from both poems of Mistral is by Langston Hughes .
9-Mistral G , 1945. Dikter i tolkning av Hjalmar Gullberg , Norstedts , Stockholm . Det ensamma barnet , pp 34-35 .
10-Kertész I , 1990. Kaddish för ett ofött barn . Norstedts , Stockholm .
11-Celan P , 1972. Selected Poems . Penguin Books , Harmondsworth . The original German of Celan’s lines is : ‘ … streicht dunkler die Geigen dann steigt ihr als Rauch in die Luft / dann
habt ihr ein Grab in den Wolken da liegt man nicht eng . ‘
12-Fallaci O , 1982. Brev till ett barn som aldrig föddes . Alba , Stockholm .
13-Statistical Reports – HS 1980 : 2 . Medical birth registration in 1975 and 1976. Statistics of
the National Board of Health and Welfare .
14-Statistics – Health and Diseases . Medical birth registration in 1995. The National Board of
Health and Welfare . Centre for Epidemiology .