عن قضية ختان الإناث
التقديم:
يعد ختان الإناث في مصر واحدة من أهم القضايا الاجتماعية والثقافية التي تحاصر المرأة والطفلة المصرية باسم الدين، وظلت هذه الجريمة ترتكب بحقهن دون أن تكون هناك مقاومة اجتماعية أو سياسية ترقى إلى خطورة هذه الجريمة حتى جاء عقد التسعينات الذي مثل نقلة نوعية في شأن مناقشة هذه القضية واستطاعت الحركة النسائية المصرية بدعم من ومساندة العديد من منظمات المجتمع المدني وبعض الأحزاب السياسية أن تفتح وتفصح ممارسات هذه الجريمة، وتحولت إلى قضية رأي عام تحطمت حولها دائرة التحريمات التي طوقتها طوال العقود الماضية1 وساعد في ذلك التغطية الإعلامية الواسعة للقاءات التحضيرية لمؤتمرات الأمم المتحدة حول حقوق الإنسان 1993، والسكان والتنمية،1994 والمرأة 1995، وقد أثمر نضال المرأة المصرية طوال هذه السنوات عن صدور قرار لوزير الصحة برقم 271 لسنة 2007 بحظر ختان الإناث2، كما صدر تعديل بقانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937 3 بإضافة المادة 242 مكرر بموجب التعديل 127 لسنة 2008. 4
جرى نص المادة (242 مكررًا) من قانون العقوبات على:
“مع مراعاة حكم المادة (61) من قانون العقوبات، ودون الإخلال بأى عقوبة أشد ينص عليها قانون آخر، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاث أشهر ولا تجاوز سنتين أو بغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تجاوز خمسة آلاف جنيه كل من أحدث الجرح المعاقب عليه في المادتين 241، 242 من قانون العقوبات عن طريق إجراء ختان لأنثى“.
وجاء قرار وزير الصحة والسكان رقم 271 لسنة 2007 على النحو الآتي:-
مادة (1): يحظر على الأطباء وأعضاء هيئة التمريض وغيرهم إجراء أي قطع أو تسوية أو تعديل لأى جزء طبيعي من الجهاز التناسلي لأنثى (الختان) سواء تم ذلك في المستشفيات الحكومية أو غير الحكومية أو غيرها من الأماكن الأخرى.
ويعتبر قيام أي من هؤلاء بإجراء هذه العملية مخالفًا للقوانين واللوائح المنظمة لمزاولة مهنة الطب.
مادة (3): ينشر هذا القرار في الوقائع المصرية، ويعمل به اعتبارًا من اليوم التالي لتاريخ نشره، ويلغى كل ما يخالفه من قرارات.
وهو ما دفع بعض مؤيدي ختان الإناث لرفع دعوتين أمام القضاء الإداري طعنًا على قرار وزير الصحة وحملتا رقم في 13677 و 32850 لسنة 61 قضائية، وأثناء نظرها تدخل السيد/ محمد صلاح الدين محمد، انضماميًا للمدعي في طلباته، وظلب قبول تدخله وهجوميًا بإضافة طلب جديد توقف تنفيذ وإلغاء قرار رئيس الجمهورية بإصدار القانون رقم 126 لسنه 2008 فيما تضمنه من إضافة مادة جديدة إلى قانون العقوبات برقم 242 مكررًا، كما تدخل الأستاذ/ عبد المجيد العناني – انضماميًا للمدعي في طلباته بإلغاء قرار حظر وتجريم الختان، وأثناء نظر القضية 32850 لسنة 61 قضائية تدخل في القضية كلاً من د. حمدى السيد نقيب الأطباء أن ذلك، والمحامي خالد على تدخلا إنضماميًا لوزير الصحة وطالبوا برفض الدعوى مؤيدين حظر وتجريم ختان الإناث، وبتاريخ16 /12/2008 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها بإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في مدى دستورية المادة (242 مكررًا) من قانون العقوبات وقرار وزير الصحة رقم 271 لسنة 2007.
وحيث رأت محكمة القضاء الإداري أن فصلها في القضايا المنظورة أمامها يستلزم أولاً الفصل في مدى دستورية المادة 242 مكررًا من قانون العقوبات المضافة بالقانون رقم 126 لسنه 2008 فيما تضمنته من تجريم عمليات الختان على وجه العموم، وقرار وزير الصحة رقم 271 لسنة 2007 القاضي بحظر قيام أيًا من الأطباء وهيئه التمريض بالعمليات المذكورة على نحو مطلق، لذا أحالت الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا وأسست قضائها على ما يلي:
بدأ التأسيس بتعريف الختان وجاء بالحكم أن الختان لغة هو موضع القطع من الذكر والأنثى5 ومسالة ختان الإناث وسعها الخلاف بين الفقهاء الأولين وكان خلافهم دائر حول ما إذا كان ختان الإناث – ويسمى الخفاض – واجبًا أو مندوبًا أم أنه محمول على السنية والاستحباب. وعلى نحو ما اختلف الأقدمون من الفقهاء، جرى الخلاف بين العلماء المحدثين حول حكم هذا المسألة، حيث اتسع الخلاف ليشمل آراء – وإن كانت قليلة – ترى أن ختان الإناث ليس سنة تتبع وأنها عادة عرفتها الأمم لا بأس بها. ثم وفي الوقت المعاصر صدرت الفتوى على نحو يجعل من ختان الإناث عادة سيئة، وهى محمولة على ما جرت به الممارسات من تجاوز حدود القطع المعروفة شرعًا في خفاض الإناث إلى استئصال أجزاء أخرى حساسة.
وقد أورد حكم الإحالة رأي عدد الفقهاء المعاصرين حول الختان، فمنهم من رأى أنه من شعائر الإسلام مع اختلاف حول سنيته، وكونه سنة أو مستحب أو مكرمة. ومن هؤلاء فضيلة الشيخ / علام نصار مفتي الديار المصرية في فتوى بتاريخ 11/ 11/ 1950 والشيخ جاد الحق على جاد في فتوى بتاريخ 31 /5/ 1992 والشيخ د. سيد طنطاوي في فتوى بتاريخ 28 /12/ 1993.
كما أورد أراء لبعض الفقهاء ممن يرون أن الختان ليس فيه حكم شرعي يرجع إليه ولا سنه تتبع، ومن بين هؤلاء فضيلة الشيخ محمود شلتوت وفضيلة الشيخ نصر فريد واصل وفضيلة الشيخ د. سيد طنطاوي شيخ الأزهر عدولاً عن فتواه السابقة.
واستطرد حكم الإحالة إن ما حدث من ليس في تحديد حكم الختان مرجعه إلى إن الختان المقرر شرعًا يختلف عن الختان الذي تجرى به الممارسات الخاطئة، فالختان المباح هو خفض بمعنى استئصال قلفه البظر لدى الأنثى وهى تلك الجلدة الناتئة عن البظر في أعلى الفرج، في حين أن الممارسات الخاطئة تستأصل فيه أجزاء حساسة لدى الأنثى تتمثل في قطع البظر أو جزء من الشفرين.
واستطرد حكم محكمة الموضوع إلى أنه ومن حيث إنه ولما كان الدستور قد صدر ناصاً في المادة الثانية منه على أن مبادىء الشريعة الإسلامية في المصدر الرئيسي للتشريع، ومقررًا في المادة الحادية عشرة منه إلتزام المجتمع برعاية الأخلاق وحمايتها ومراعاة المستوى الرفيع للتربية الدينية والقيم الخلقية والتراث التاريخي للشعب، ومؤكدًا في المادة الحادية والأربعين منه على أن الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مصونه لا تمس، وفي المادة السادسة والأربعين منه على أن تكفل الدولة حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر بل تنظمها، ولا توجدها القوانين بل توفق بين شتى مناحيها ومختلف توجيهاتها تحقيقًا للخير المشترك للجماعة ورعاية الصالح العام، فهي لا تقبل إلا ما كان هادفًا إلى هذه الغاية مستوجب تلك الأغراض، وهذه الحرية الشخصية أصل يهيمن على الحياة بكل أقطارها، لا قوام لها بدونها، إذ هي محورها وقاعدة بنيانها، ويندرج تحتها بالضرورة تلك الحقوق التي لا تكتمل الحرية الشخصية في غيبتها، ومنها مما لا شك فيه حق الشخص في أن يفعل شيئًا مباحًا يرى فيه نفعه وتحقيق صالحه دون أن يطال حق الغير أو الافتئات عليه.
ومن حيث أنه وترتيبًا على ذلك وهديًا به فإنه وإذا حظر المشروع بمقتضى أحكام المادة 242 م كورا من قانون العقوبات المضافة بالقانون رقم 126 لسنة 2008 ختان الإناث، وجعل من إجرائه جريمة يعاقب من أحدثه بالحبسن مده لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تجاوز سنتين أو بغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تجاوز خمسة آلاف جنية، كما أنه صدر قرار وزير الصحة رقم 271 لسنة 2007 مكورا حظر قيام أي من الأطباء أو العاملين في المجال الطبي بإجراء أي قطع أو تسوية لأي جزء طبيعي في الجهاز التناسلي للأنثى (ختان الإنات)، فإن ذلك تراه المحكمة مخالفًا لأحكام الدستور من الوجوه الآتية:
أولاً: أنه طالما أن خفض الإناث (ختانهن) بالحدود المقررة شرعًا على الوجه السالف بيانه هو أمر مباح – فكان الشأن فيه أن يناوله المشرع تنظيمًا أو تقييدًا بما يحقق صالح الفرد والجماعة، وليس شأنه الحظر والتجريم. وإذ كان ذلك الأمر مباحًا يستوي فيه الفعل والترك، فإن شأن المشرع التجريم على نحو تضمنته المادة 242 مكررًا من قانون العقوبات المشار إليه، هذا المسلك يدفع الراغبين فيه المنتصفين لرأى القائلين باستحسانه أو إباحته الملتمسين لما فيه من فوائد يقررها بعض ذوي الذكر من الأطباء، يدفع أولئك نزولاً عندما يرونه حقًا لهم إلى اللجوء إلى ذوي الاختصاص العارفين لإجراء هذا الخفض أو الختن، ومن هنا يأتي المحظور وتترتب مفاسد أعظم من تلك التي يراد جلبها من منافع، إن كانت ذلك أن غير العارفين لن يقتصرا على إجراء هذه العملية الحدود المنضبطة، وستستمر تلك الممارسات الجائرة المتجاوزة لحدود ما هو مباح أو مستحسن، وما أعظمها مفسدة، لاسيما وأن هذا الأمر بطبعة محوط بالخفاء والكتمان خاصة لدى الكثير من غير ذوي الثقافة والمعرفة التي تمكنهم من معرفة ما ينبغي فعله وما يقتضي إليه عنه من ممارسات جائزة تقترن بعملية الخفاض.
ثانيًا :- أما ثاني هذه المناعي، فيتمثل في أن حظر ختان الإناث – بكافة مراتبه – وبأي صورة كان، وتأثيم هذا العمل وتجريمه بنص عقابي، يؤدي إلى عزوف الأطباء وامتناعهم عن إجراء أيه عمليات جراحية في هذا الموضع نأيًا بأنفسهم عن الدخول في دائرة التجريم إزاء عموم التصريح بالحظر والتأثيم، حتى ولو كانت الجراحات أو بعضها تستوجبها ضروره طبية، ومن ثم فإن الحظر والتأثيم على هذا الإطلاق يحول دون استعمال النساء حقهن في التطبيب، وهو حق يتصل بحقهن في الحياة لصيق بالشخصية منذ ولادتها، وهو ما يعد معه ذلك الحظر والتجريم افتأتًا على هذا الحق، بما يناهض أحكام الدستور المقررة الحقوق لأفراد وحرياتهم.
أ– تقرير المفوضين.
ب– محاور الصراع القانوني والدستوري بجلسات المحكمة الدستورية العليا.
أولاً، هيئة مفوضين المحكمة الدستورية وقضية ختان الإناث
بعد إحالة القضية للمحكمة الدستورية العليا تحدد لها رقم 289 لسنة 31 قضائية دستورية، تسلمت هيئة المفوضين بها ملف القضية لإعداد تقرير بالرأي حول النزاع، وبتاريخ 4/ 7/ 2012 انتهت هيئة المفوضين بالمحكمة الدستورية العليا من إعداد تقريرها والذي أعده المستشار الدكتور / عبد العزيز محمد سالمان رئيس هيئة المفوضين بالمحكمة جاء التقرير في 124 صفحة، وتناول النزاع في ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: في الوقائع والإجراءات.
المبحث الثاني: شكل الدعوى والمصلحة فيها ونطاقها.
المبحث الثالث: في موضوع الدعوى، وتناول فيه خمسة عناصر هي:
أولاً: عرض النصوص التشريعية الطعينة وما يرتبط بها في ضوء الأعمال التحضيرية لمشروع القانون 126 لسنة 2008.
ثانيًا: النصوص الدستورية ذات الصلة.
ثالثًا :المفاهيم اﻷساسية حول ختان الإناث وما يتعلق بها من أحكام: (1) تعريف ختان الإناث، (2) ختان الإناث في الشريعة اﻹسلامية، (3) ختان اﻹناث من منظور طبي، (4) حظر ختان اﻹناث وفقا لقرار وزير الصحة، (5) تجريم ختان اﻹناث وفقا لقانون العقوبات(النص الطعين)، (6) إباحة ختان اﻹناث في حالةرالضرورة (مادة61 عقوبات– مفهوم الضرورة– حدودها– الضرورة الطبية)، (7) الضرورة الاجتماعية كأساس للتجريم والعقاب بوجه عام.
رابعًا : رقابة دستورية القوانين في ضوء اﻹعلان الدستوري 30 مارس 2011.
خامسًا : النصوص محل الطعن في ضوء أحكام الدستور.
وانتهت هيئة المفوضين في تقرريها إلى التوصية بالحكم:
1- اصليا: بعدم قبول الدعوى.
2- احتياطيا: برفضها.
نظرت المحكمة الدستورية العليا القضية في ثلاث جلسات 2012/9/30 و 2012/11/14 ثم 2013/1/15 واستمعت خلالها لمرافعة الدكتور حامد صديق (رافع القضية الاولى)، ومحامي الشيخ يوسف البدري (رافع القضية الثانية)، والأستاذ / محمد صلح الدين ( خصم منضم مع رافع القضية) وطلبا الحكم بعدم الدستورية وصولا إلى إباحة ختان اﻹناث، ثم استمعت المحكمة إلى مرافعة خالد على الذي طلب الحكم بدستورية النصوص وصولا إلى استمرار حظر وتجريم ختان اﻹناث.
وكان الصراع بين المحامين في الجلسة اﻷخيرة بالدستورية يقوم على محورين :
المحور اﻷول :المطالبة بإعادة القضية الى المفوضين ﻹعداد تقرير جديد بعد صدور دستور 2019
حيث طالب كلا من الدكتور حامد صديق ومحامي الشيخ يوسف البدري ومحمد صلاح الدين بعدم الاعتداد بالتقرير الصادر من هيئة المفوضين لكونه يستند فى تأسيس رأيه إلى اﻹعلانات الدستورية التي صدرت بعد قيام الثورة، وأنه بعد إنتهاء التقرير وإيداعه بالمحكمة صدر دستور جديد للبلاد في ديسمبر 2013 وهو تغير جوهري يستدعي إعادة التقرير للمفوضين لتأسيس رأيها إستنادا للدستور الجديد، وعرض القضية على هيئة كبار العلماء باﻷزهر الشريف.
فى حين طالب خالد علي بحجز القضية للحكم وعدم إعادتها للمفوضين مرة أخرى، مستندا في ذلك إلى أن البحث في القضية يقوم حول العلاقة بين النصوص المطعون بعدم دستوريتها ( مادة 242 مككررا من قانون العقوبات وقرار وزير الصحة 271لسنة 2007 ) وبين نص المادة 2 من دستور 1971 ( اﻹسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة اﻹسلامية المصدر الرئيسي للتشريع ) وفي ذلك تناول خالد علي مجموعة عناصر :
العنصر اﻷول : أن اﻹحالة من القضاء اﻹداري إلى المحكمة الدستورية العليا كانت لبحث مدى دستورية تلك النصوص مع المادة الثانية من دستور 1971.
العنصر الثاني: أن مضمون المادة الثانية من دستور 1971 ورد كما هو – دون أى حذف أو إضافة – بالإعلانات الدستورية، وكذلك بدستور 2013 المستفتى عليه، لذا فليس هناك أي تغيير يستوجب إعادة القضية للمفوضين مرة أخرى.
العنصر الثالث: أن تقرير المفوضين توسع في شرح وعرض موقف الشريعة الإسلامية من هذه القضية، وتناول كل الاتجاهات الفقهية المؤيدة والمعارضة لختان الإناث سواء في القرآن الكريم أو السنة النبوية أو الإجماع أو القياس، وليس هناك أي جديد لدى هيئة المفوضين يمكن إضافته في هذا الشأن.
العنصر الرابع: أن الخصوم لم يقدموا أية إعتراضات على مضمون ما ورد بالتقرير، ولم يذكروا أى أسانيد فقهية تؤيد وجهة نظرهم لم يتناولها تقرير المفوضين بالشرح والتوضيح، ومن ثم فلا مطعن حقيقي على مضمون التقرير يستوجب إعادته لهيئة المفوضين.
العنصر الخامس: أن الطلب الجوهري في دفاع الخصوم هو طلبهم بأخذ رأي هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف في شأن موقف الشريعة الإسلامية من ختان الإناث استنادًا لنص المادة الرابعة من دستور 2013، وهو قرار تنفيذى لا تملكه هيئة المفوضين ولكن تملكه المحكمة فقط، ولها وحدها أن تقرر إحالة القضية لهيئة كبار العلماء من عدمه، ولها وحدها أن تقرر الأخذ بهذا الرأي أو تجاهله، وأن يتحقق ذلك بإعادة القضية للمفوضين ولكن بحجز القضية للحكم لتقرير المحكمة ما تراه بشأنها.
فانتهت المحكمة الدستورية العليا إلى رفض إعادة القضية للمفوضين، وحجزها للحكم جلسة 3 / 2/ 2013
المحور الثاني: حول موقف الشريعة الإسلامية من ختان الإناث
انحصرت مرافعات أطراف القضية وصراعهما القانوني والدستوري بجلسات المحكمة الدستورية حول موقف الشريعة الإسلامية من ختان الإناث وصولاً إلى مدى دستورية تحريمه من عدمه، وبالطبع انقسم طرفا القضية إلى فريقين:
الفريق المؤيد لختان الإناث:
في هذا ذهب كلاً من الدكتور حامد صديق ومحامي الشيخ يوسف البدري إلى أن حظر ختان الإناث يخالف الشريعة الإسلامية والدستور كما تخالف العادات والأعراف المستقرة، ويخالف التقاليد المصرية التي استترت على أن الختان من أمور الدين لا فرق في ذلك بين الرجل والأنثى وهو ما يخالف الدستور فيما ذهب من ضرورة التمكين للتقاليد المصرية الأصيلة، وأكدوا على ورود أحاديث نبوية صحيحة، وتبين طريقته وحكمته، فضلاً عن انعقاد الإجماع على شريعته لكونه من خصال الفطرة وشعائر الإسلام.
فالشافعية يرون وجوب الختان للذكور والإناث معًا، والحنفية والمالكية يرون أنه سنة للذكور مندوب للإناث، والحنابلة يرون وجوبه على الذكور مكرمة للإناث، لكل وجهه هو موليها حسبما يرى استخلاصه مما ورد من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وما صح لديه منها حسب القواعد الأصولية التي يسير عليها كل مذهب.
ختان الإناث واجب6:
يتأسس هذا الرأي على ذات الأدلة التي توجب ختان الذكور فهي تنطبق على الإناث لعموم الأدله، ومن هذه الأدلة قوله تعالى(ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين).
وما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (اختتن إبراهيم خليل الرحمن بعد أن أتت عليه ثمانون سنة واختتن بالقدوم) ومن ثم وجب اتباع ذلك دون تفرقه بين الذكر والأنثى.
كذلك ما روي عن جريج أنه قال (أخبرت عن عثيم بن كليب عن أبيه عن جده أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال قد أسلمت قال ألق عنك شعر الكفر واختتن) ووجه الدلالة في هذا الحديث إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أمر بالختان إلى من أسلم، والأمر يفيد الوجوب ما لم يصرفه صارف، وليس في عموم الوجوب على كل من يسلم مخصص فيكون واجبًا على النساء كالرجال.
كذلك ما رواه أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : “من أسلم فليختتن” فالحديث هنا قد أمر بالختان إلى من أسلم دون تفرقة بين رجل وامرأة أو ذكر أو أنثى.
ومن الفقهاء المعاصرين من يؤيد ويؤكد القول بأن ختان الإناث واجب، وفى مقدمتهم الإمام الأكبر الشيخ جاد الحق على جاد الحق شيخ الأزهر الأسبق حيث يقرر:7 “الروايات الواردة في شان ختان الإناث تحمل دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم على إجرائه ونهيه عن الاستئصال وقد علل ذلك في إيجاز وعمق حيث أوتى جوامع الكلم فقال “أشمى ولا تنهكى فإنه أشرق للوجه وأحظى للزوج” وهذا التوجيه النبوي إنها لضبط ميزان الحس الجنسي عند الفتاة فأمر بخفض الجزء الذي يعلو مجرى البول لضبط الاشتهاء مع الإبقاء على لذات النساء واستمتاعهن مع أزواجهن ونهى عن إباده مصدر هذا الحس واستئصاله، وبذلك يتحقق الاعتدال.
ختان الإناث سنة8:
ذهب إلى ذلك بعض الحنفية، وجمهور المالكية، وقول عند الشافعية، ورواية عند الحنابلة.
ويستدل أصحاب هذا الرأي على سنيه الختان بالآتي:
أ– ما روي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “الفطرة خمسًا: الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط“
وقد اختلف الفقهاء في تفسير معنى “الفطرة” فقال النووي معنى الفطرة هنا السنة مما يعزي أن هذه الأشياء إن فعلت اتصف فاعلها بالفطرة التي فطر الله العباد عليها واستحبها لهم ليكونوا على أكمل الصفات وأشرفها صورة. وقال بذلك البيضاوي وأضاف أن الحصر غير مراد. والبعض قال أنها “الدين” لقوله تعالى “فطرة الله التي فطر الناس عليها “9.
ب – ما رواه الإمام أحمد بسنده عن شداد بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال “الختان سنة للرجال ومكرمة للنساء“.
ويستدل من هذا الحديث أن الختان سبة للرجال وليس واجبًا عليهم، وقد جاءت المكرمة معطوفة على نية الختان فيكون لها حكمه.
– ويؤيد سنية الختان من الفقهاء المعاصرين :
(أ) فصيلة الشيخ/ علام نصار مفتي الديار المصرية، إذ ذهب في فتواه رقم 280 / 63 بتاريخ 11 / 9/ 1950 – إلى أن :
“ختان الإناث من شعائر الإسلام وردت به السنة النبوية الشريفة واتفقت كلمة فقهاء المسلمين وأئمتهم على مشروعيته اختلافهم في كونه واجبًا أو سنة فإننا نختار للفتوى القول بسنته لترجيح سنده ووضوح وجهته والحكمة من مشروعيته مع ما فيه من تلطيف الميل الجنسي للمرأة…..”.
(2) وذهب فضيلة المرحوم الشيخ د. طنطاوي شيخ الأزهر، في إفتاء سابق لفضيلته وقت توليه دار الإفتاء المصرية. مؤرخ 28 /12/ 1993 إلى أن “الفقهاء اتفقوا على أن الختان في حق الرجال، والخفاض في حق النساء مشروع، ثم اختلفوا على وجوبه: فقال الإمام أبو حنيفة ومالك هو مسنون في حقهما وليس بواجب وجوب فرض ولكن يأثم تاركه، قال الشافعي هو فرض على الذكور والإناث، وقال الإمام أحمد هو واجب في حق الرجال، وفى النساء عنه روايتان: أظهرهما الوجوب، وهو في شأن النساء قطع الجلدة التي فوق مخرج البول دون مبالغة في قطعها ودون استئصالها ويسمى هذا خفاضًا.. ومن أقوال الفقهاء على النحو المبين والثابت في كتب السنة والفقه أن الختان للرجال والنساء من صفات الفطرة التي دعا إليها الإسلام وحث على الالتزام به.
ختان الإناث مكرمة:
وهو رأي جمهور الفقهاء الحنفية، وبعض المالكية والمشهور عند الحنابلة.
ويستدل أنصار هذا الرأى على أن الختان مكرمة بالآتي:-
– ما رواه أحمد والبيهيقي عن حجاج بن طارة عن أبي المليح بن أسامة عن أبيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” الختان سنة في الرجال مكرمة في النساء“.
وقد استدل أصحاب ذلك الرأي على حكم المكرمة بحكمة الختان من أنه يحافظ على الحسن الجنسي للمرأة وأن ما رود من أحاديث عدة تدل على وجوده وممارسته لا تدل على وجوبه أو سنيته.
– ويؤيد هذا الاتجاه من الفقه الحديث: 10
أ– الأستاذ الشيخ عبد الوهاب خلاف إذ أنه أورد أن ختان الصبيان سنة، أما ختان الإناث فقيل أنه ليس سنة وإنما هو مكرمة لأنه يريد متعة الرجل بالمرأة واذا كان ختان البنت ضارًا بها ورأى الأطباء منعه فهذا المنع لا يعارض نصاً في الدين ولا إجماعًا من فقهاء المسلمين.
ب– فضيلة الإمام الشيخ حسن مأمون الذي يرى أنه لكثرة الأحاديث التي وردت في شأن ختان الاناث رغم وصفها بالضعف إلا أن کثرتها وتضافرها قد قوى بعضها بعضاً لذلك يمكن القول بأن ختان الإناث مكرمة.
ج – فضيلة الشيخ محمد متولى الشعراوى، يرى أن ختان الإناث مكرمة لها لأن القدر الزائد يكون خارجًا عن الشفرين، فإن كان مرتفعًا وجاء الثوب عليه أو مر به أهاج شهوة المرأة، وإذا أهاج شهوة المرأة جعلها تطلب الرجل فتكون هلوكا.
في موضوع القضية طلب خالد علي المحامى والخصم المتدخل إنضاميًا للجهة الإدارية القضاء بدستورية النصوص التي تحظر وتحرم ختان الإناث باعتبار أنه مجرد عادة إفريقية لا تمت للشريعة الإسلامية بصلة واصفًا إياها بجريمة إنسانية نرتكبها في حق بناتنا باسم الدين، واستهل مرافعته بأنه ينضم إلى تقرير المفوضين فيما ذهب إليه من عدم وجود ضرورة طبية لختان الإناث وقدم بحث صادر عن مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بعنوان موقف الأطباء من ختان الإناث، موضحًا أن التبريرات الطبية لختان الإناث بدأت في بريطانيا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، إبان العصر الفيكتيوري والذي اتسمت بالتزمت الشديد عمومًا. ومن المعروف أن ذلك الوقت لم تكن العلوم الطبية قد تطورت بالقدر الذي يوفر فهمًا علميًا لمسببات العديد من الأمراض خاصة العصبية منها والنفسية وهذا التخلف الطبي تفاعل مع تزمت هذا العصر فخرجت بعض التفسيرات الطبية التي تربط بين الأمراض العقلية والعصبية عند النساء وبين أعضائهن التناسلية، وتضافرت بعض العوامل التي أتاحت لبعض الأطباء مثل د. اسحق براون الذي أدخل ختان الإناث إلى بريطانيا سنة 1858 واستخدم هذه الجراحة كوسيلة علاجية للأمراض البدنية والعقلية التي يعتقد أنها تصيب النساء بسبب تعرضهن للإثارة الجنسية.. ولكن سرعان ما أدت التجاوزات المهنية للدكتور براون – خاصة مع حجم الوفيات الكبير – إلى تجريده من ألقابه العلمية وفصله من عضوية الجمعيات الطبية التي ينتمي إليها، وفي مصر هناك من يحاول أن يختلق تفسيرات طبية للختان فالأمر لا يتعلق بالضرورة الطبية ولكن يتعلق بقناعات البعض وبما يتوهمه من أن الختان من شعائر الإسلام فيحاول الانتصار لنفسه ولمعتقداته باختلاق ضرورة طبيه في عالم لا تختفى فيه الحقائق فعلوم طب النساء وعلم التشريح لا يوجد بها عمليات جراحية تحت مسمى “عملية ختان الإناث” ومن المعروف طبيًا أن أي تدخل جراحي بعمليات جراحية لابد أن يكون له من الأسباب الطبية التي تستدعى إجرائها، واختتم حديثه في هذا الشق بطلبه أن تراجع المحكمة الصفحة 79 من تقرير هيئة المفوضين والتى جاء بها المبدأ الذي أرسته المحكمة الإدارية العليا11 في هذا الشأن ” إن الثابت طبيًا لا سيما في علوم طب النساء وعلم التشريع أن الجهاز التناسلي للأنثى في شكله الذي خلقه الله تعالى ليس مرضًا ولا هو سبب لمرض، ولا يسبب ألمًا من أى نوع مما يقتضى تدخلاً جراحيًا، ومن ثم فإن المساس بهذا الجهاز الفطري بالغ الحساسية مع أي صورة كان الختان عليها لا يعد في صحيح حكم القانون علاجًا لمرض أو كشف عن داء أو تخقيفًا لألم قائم أو منعًا لألم متوقع مما تتاح الجراحة بسببه، ويعتبر هذا التدخل إذا كان لغير ضرورة حتمية تقتضيه أو لغير قصد العلاج من تشوه خلقي أو من حالة مرضية، عملاً غير مشروع إذ يفتقد عدئذ أحد شروط إباحة الأعمال الطبية التي يقوم عليها حق الطبيب أو الجراح في عله المرض“.
كما انضم خالد علي إلى ما ذهب إليه تقرير المفوضين في شأن الضرورة الاجتماعية لتجريم ختان الإناث وتقرير عقاب عليه وأحال المحكمة لصفحة 95 من تقرير المفوضين والذي جاء بها “والدولة بحكم وظيفتها تحمى جميع المصالح القانونية سواء كانت حقوقًا أو حريات أو مصالح اجتماعية، ويتعين عليها من خلال التشريع التوفيق بين جميع أنواع المصالح. ويتولى المشروع الجنائي – بالتجريم – حماية الحقوق والحريات عند المساس بها وذلك عندما يكون التجريم والعقاب هما الوسيلة الضرورية لتقرير هذه الحماية” وأكد خالد على أن هناك ضرورة اجتماعية لحماية أطفالنا ونسائنا من هذه الجريمة التي ترتكب بحقهن.
وقال خالد لن أتحدث عن الحق أو القانون أو الدستور أو المواثيق الدولية في هذه القضية ولن أفند للمحكمة آراء القانونيين أو الحقوقيين من الليبراليين أو اليساريين أو المستقلين لكن سأكتفي فقط بعرض آراء المنتمين للتيار الإسلامي في هذه القضية:
1 – أطالب الهيئة الموقرة أن تطالع الصفحة 70 من تقرير المفوضين التي اشتملت على بيان مجمع البحوث الإسلامية، والصفحة 71 من ذات التقرير والتي اشتملت على بيان دار الإفتاء المصرية، ثم الصفحة 74 من تقرير المفوضين والتي تضمن توصيات مؤتمر العلماء العالمي بالأزهر الشريف بتاريخ 23 /11/ 2006 وجميعها وثائق تؤكد أن الختان ليس من الشريعة الإسلامية.
2 –وأقدم للمحكمة كتاب الدكتور سليم العوا “ختان الإناث فى منظور الإسلام” وأرجو من المحكمة تطالع في البداية الصفحة 25 من الكتاب وستجد فيها خريطة أعدها الدكتور سليم العوا توضح نسب انتشار ممارسة ختان الإناث في الدول العربية والإفريقية لنكتشف أن السعودية التي تطبق الشريعة الإسلامية لا يوجد بها ختان الإناث وكذالك إيران ومعهما جميع دول الخليج العربي والشام، وفى إفريقيا نجد أن كل دول شمال أفريقيا (ليبيا – تونس – الجزائر – المغرب) لا تعرف ختان الإناث ولكنه موجود بكثافة في دول حوص النيل وبعض البلدان الإفريقية مثل (مصر – السودان – أثيوبيا – كينيا – أوغندا – الصومال – جيبوتي – تنزانيا – أفريقيا الوسطى – جمهورية الكنغو الديمقراطية – تشاد – الكاميرون – نيجيريا – مالي – بوركينا فاسو – نيجيريا – بنين – غانا – بنين – غينيا – السنغال – توجو – ساحل العاج) وربما تساعد هذه الخريطة في كشف الجذور الحقيقية لنشأة عادة الختان ليتضح لنا أنها مجرد عادة إفريقية عرفتها مصر ولم تعرفها العديد من الدول العربية والإسلامية على السالف بيانه.
وفي شأن موقف الدكتور سليم العوا من ختان الإناث ذهب إلى 12 “القرآن الكريم خلا من أی نص يتضمن إشارة من قريب أو بعيد إلى ختان الإناث. وليس هناك إجماع على حكم شرعي ولا قياس يمكن أن يقبل في شأنه“.
أما السنة النبوية فإنها مصدر ظن المشروعية، لما ورد في بعض مدوناتها من مرويات منسوبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن. والحق أنه ليس في هذه المرويات دليل واحد صحيح السند يجوز أن يستفاد منه حكم شرعي في مسألة بالغة الخطورة على حياة الإنسانية كهذه المسألة.
ولا حجة – عند أهل العلم – في الأحاديث التي لم يصبح نقلها إذ الحجة فيما صح سنده دون سواه“
وعن الحديث المنسوب للرسول عليه الصلاة والسلام أنه قال لأم عطية “أشمي ولا تنهكي فغنه أسر للوجه وأحظى للزوج” ذهب الدكتور سليم العوا 13إلى “إن بعض الفضليات نبهتني إلى أن حديث أم عطية سالف الذكر يناقض آخره أوله. ففي أوله أم بالختان “أشمى ولا تنهكى” وفى أخره بيان أن بقاء بعض ذلك الجزء المأمور إزالته “أسرى للوجه وأحظى للزوج” فلماذا لا يبقى أصل الخلقة كما خلقه الله تعالى فتكتمل نضارة الوجه والحظوة عن الزوج…..”
واختتم تعليقه على باقى الأحاديث المنسوبة للرسول عليه الصلاة والسلام في شأن الختان 14 “وهكذا يتبين أن السنة الصحيحة لا حجة فيها على مشروعية ختان الأنثى وأن ما يحتج به من أحاديث الختان للإناث كلها ضعيفة لا يستفاد منها حكم شرعي. وأن الأمر لا يعدو أن يكون عادة من العادات، ترك الإسلام للزمن ولتقدم العلم الطبي أمر تهذيبها وإبطالها“
3- الشيخ الدكتور / يوسف القرضاوي، أفتى15 بتحريم ختان الإناث وقال عنه محظور شرعًا – فقد ذهب في بحثه المقدم عن الحكم الشرعي في ختان الإناث : “وبناء على هذا الأصل المقرر المتفق عليه “يقصد إبقاء خلق الله تعالى ما خلقه وعدم تغييره) يكون ختان المرأة أو خفاضها بقطع جزء من جسمها بغير مسوغ يوجبه: أمرًا غير مأذون به أو محظورًا شرعًا“.
ويقول أيضًا الدكتور / يوسف القرضاوي: “والمباحات يمكن أن تمنع إذا ترتب على استعمالها ضرر، بناء على قاعدة لا ضرر ولا ضرار، ويمنع هذا المباح سندًا للذريعة والفساد“.
وعلى الذين يعاندون في هذا أن يتقوا الله سبحانه وتعالى، وأن يعلمو أن الفتوى تتصل بحقيقة الواقع وأن موضوع الختان قد تغير وأصبحت له مضارة كثيرة: جسدية – نفسية، مما سيتوجب القول بحرمته والاتفاق على ذلك، دون تفرقة للكلمة واختلاف لا مبرر له.
4 – ويقول شمس الحق العظيم آبادي في “عون المعبود” (14/ 126): “وحديث ختان المرأة روى من أوجه وكلها ضعيفة معلولة مخدوشة لا يصح الاحتجاج بها كما عرفت 16.
5- وقال ابن المنذر : ليس فى الختان (أي للإناث) خبر يرجع إليه ولا سنة تتبع17.
6- وفي فتوى له يقول فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الأستاذ الدكتور / محمد سيد طنطاوى: “أما بالنسبة للنساء فلا يوجد نص شرعى صحيح يحتج إليه على ختانهن والذي أراه أنه عادة انتشرت في مصر من جيل إلى آخر، وتوشك أن تنقرض وتزول بين كافة الطبقات ولا سيما طبقات المثقفين“.
ثم يقول ” فإننا نجد معظم الدول الإسلامية الزاخرة بالفقهاء قد تركت ختان النساء، ومن هذه الدول السعودية، ومنها دول الخليج، وكذلك دول اليمن – وسوريا – ولبنان – وشرق الأردن – وفلسطين – وليبيا – والجزائر – والمغرب – وتونس“.
7- الشيخ محمد عرفة، عضو جماعة كبار العلماء في مقال له في الأزهر رقم 24 لسنة 1952 في صفحة (1242)، حيث قال: “فإذا ثبت كل ذلك فليس على من لم تختن من النساء من بأس” ثم استطرد فقال: “وإذا منع في مصر كما منع في بعض البلاد الإسلامية كتركيا وبلاد المغرب فلا بأس، والله الموفق للصواب“.
8 – الشيخ محمود شلتوت مفتى الديار المصرية في الخمسينيات أفتى في عام 1959 “وقد خرجنا من استعراض المرويات في مسألة الختان على أنه ليس فيها ما يصح أن يكون دليلاً على “السنة الفقهية“، فضلاً “عن الوجود الفقهي” وهي النتيجة التي وصل اليها بعض السابقين، وعبر عنها بقوله ليس فى الختان خير يرجع إليه ولا سنة تتبع ” وأن كلمة “سنة” التي جاءت في بعض المرويات معناها، إذا صحت، الطريقة المألوفة عند القوم في ذلك الوقت، ولم ترد الكلمة على لسان الرسول بمعناها الفقهي الذي عرفت به فيما بعد.
والذي أراه أن حكم الشرع لا يخضع لنص منقول، وإنما يخضع في الذكر والأنثى لقاعدة شرعية عامة: وهي أن إيلام الحي لا يجوز شرعًا إلا لمصالح تعود عليه، وتربو على الألم الذي يلحقه.
ولعلي لا أكون مسرفًا أيضًا إذا ما قلت ما أشبه إسراف الأطباء في وجهات نظرهم إسراف الفقهاء في أدلة مذاهبهم، فإن الغريزة الجنسية لا تتبع في قوتها أو ضعفها ختان الأنثى أو عدمه، وإنما تتبع البنية والغدد قوةً وضعفًا، ونشاطًا وخمولاً، والانزلاق إلى ما لا ينبغي كثيرًا ما يحدث للمختونات كما هو مشاهد ومقروء من حوادث الجنايات العرضية، والمستور عنها أكثر مما يعلمه الناس.
9 – الشيخ سيد سابق واحد من أهم علماء الفقه الإسلامي في القرن العشرين ومؤلف كتاب “فقه السنة“ وهي موسوعة بدأ في كتابتها في منتصف الأربعينيات، واستمر في البحث واستكمال تأليف وتصنيف هذه الموسوعة أكثر من عشرين عامًا، وقال فيها 18 “أحاديث الأمر بختان المرأة ضعيفة لم يصبح منها شيء“
وكل هذا العرض يؤكد أنه لا يوجد حكم شرعي في ختان الإناث، كما يؤكد أنه لا يوجد إجماع في هذه القضية.
أما عن القياس فقد يخطر هذا في بال بعضهم، فيقيس ختان الإناث على ختان الذكور، متجاهلاً أن للقياس أركانًا وشروطًا يجب أن تراعي: منها أن تكون هناك علة جامعة مشتركة بين المقيس والمقيس عليه، فأين هي العلة هنا 19؟
واختتم خالد مرافعته بقول المولى عز وجل في كتابه الكريم “لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم“20، كما نهى الرسول عليه والسلام تغيير خلق الله وصح عنه “لعن المغيرات خلق الله” لذا فإن القول بأن ختان الإناث هو تجميل للأنثى وكأن الله قد خلق جسد المرأة بعيب وخطأ وهم يقومون بتعديله وتجميله (حاشا لله).
بعد أن حجزت المحكمة الدستورية القضية للحكم بجلسة 3 فبراير 2013 فهناك أربع احتمالات:
الاحتمال الأول: إذا رأت المحكمة الدستورية أن نص المادة الرابعة من دستور 2013 يخاطبها، وأنها ملزمة بتنفيذه فسوف تحيل أوراق القضية – في أول تطبيق عملي لهذا النص – إلى هيئة كبار العلماء بالأزهر لإستطلاع رأيها بشأن موقف الشريعة الإسلامية من ختان الإناث وبعد تمامه، ستعيد القضية للمرافعة مرة أخرى بين الخصوم لإبداء دفاعهم بشأن رأي هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف.
الاحتمال الثاني: أن تحكم في الجلسة القادمة بقبول القضية من حيث الشكل، وتقضي بدستورية النصوص المطعون عليها، ومن ثم استمرار حظر وتجريم ختان الإناث.
الاحتمال الثالث: أن ترفض المحكمة القضية من حيث الشكل، دون أن تفصل في موضوعها، وهو ما يعزي أن الفصل في مدى دستورية النصوص المتعلقة بتجريم ختان الإناث لم يتم، ويستمر العمل بهذه النصوص إلى أن يتم إلغائها أو تعديلها، أو يحال الأمر إلى المحكمة الدستورية العليا مرة من إحدى المحاكم المصرية.
الاحتمال الرابع: أن تقبل المحكمة القضية من حيث الشكل، وتقضي بعدم دستورية النصوص المطعون عليها وبالتالي يرفع الحظر عن ختان الإناث ويضحى أمرًا مباحًا.
1 آمال عبد الهادي و د. سهام عبد السلام موقف الأطباءمن ختان الإناث– مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان.
2 نشر في العدد رقم 158 من الوقائع المصرية بتاريخ 12/ 7/ 2007
3 نشر في العدد 71 من الوقائع المصرية بتاريخ 5/ 8/ 1937
4 نشر في العدد 24 مكرر من الجريدة الرسمية بتاريخ 15/ 6 /2008 ويعمل به من اليوم التالي لتاريخ نشره.
5 أشار الحكم الى :المعجم الوسيط باب ختن ص 2018 طبعة الإسلامية في تركيا
6 مراجع تقرير مفوضي المحكمة الدستورية العليا في القضية 289 لسنة 31 قضائية دستورية
7 مراجع كتيب الختان الملحق بمجلة الأزهر لفضيلة الإمام الشيخ جاد الحق سابق الإشارة إليه وفتوى فضيلته بتاريخ 31/ 5/ 1992
ويرجع رأي الفقهاء المعاصرين القائلين بوجوب الختان في مؤلف ختان الإناث بين الشريعة والتشريع– سابق الإشارة إليه ص 29، 30
8 تقرير هيئة المفوضين 289 لسنة 31 قضائية دستورية.
9 سورة الروم آية 30
10 راجع ختان الإناث بين الشرع والتشريع – المرجع السابق ص 33.
11 راجع حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم5257 لسنة 43 قضائية عليا بجلسة 28/ 12/ 1997 وختان الإناث بين الشريعة والتشريع المرجع السابق ص 60، 61
12 كتاب ختان الإناث من منظور الإسلام – الدكتور محمد سليم العوا
13 الدكتور محمد سليم العوا – مرجع سابع
14 الدكتور محمد سليم العوا– مرجع سابق
15 د/ يوسف القرضاوي– أدلة الحكم الشرعي في ختان الإناث – بحث منشور على الإنترنت
16 مضمون فتوى دار الإفتاء المصرية وارد تقرير مفوضي الدستورية العليا بالقضية 289 لسنة 31 قضائية دستورية ص 71
17 مضمون فتوى دار الإفتاء المصرية وارد تقرير المفوضين – مرجع سابق.
18 الشيخ سيد سابق– كتاب فقة السنة– المجلد الأول– دار الفتح للإعلام العربي ص 43
19 تقرير هيئة المفوضين في القضية – مرجع سابق.
20 الآية الرابعة من سورة التين