أشكال تنميط صور النساء والرجال في الدراما التليفزيونية المقدمة خلال شهر رمضان ١٤٣٤ هـ (٢٠٠٢).
يعتبر هذا العمل امتدادًا للعمل الذي بدأناه في العام الماضي: وتم نشره بعنوان “معًا يمكننا مواجهة ثقافة العنف ضد النساء” وبعد أن قمنا في العام السابق بتحليل صور العنف ضد النساء في الدراما التليفزيونية المقدمة خلال شهر رمضان ١٤٢٣ هـ (۲۰۰۲م) من خلال دراسة ١٢ مسلسلاً وستة أفلام، رأينا هذا العام أن نعير اهتمامًا أكبر بالمستوى الكيفي؛ ولذا اكتفينا بالبحث في خمسة مسلسلات فقط، كما رأينا أن هناك أهمية لإلقاء الضوء على القهر الذي يمارسه التنميط على البشر، سواء كانوا نساءً أم رجالاً، مع محاولة لتبيان مدى عمق وإنتشار أشكال هذه القولبة.
لقد استغرق هذا العمل ستة شهور أيضًا. كما حدث بالنسبة للعمل السابق / ما بين إعداد للمادة المبحوثة، وتطوير استمارة الرصد، وتدريب الراصدين والراصدات، وإدخال البيانات الإحصائية وإعداد المقدمة النظرية، والقيام بتحليل المضمون، وإعداد التقرير النهائي.
هذا، وقد قامت بعملية الرصد، وتعبئة الاستمارة هذا العام عشر راصدات، هن بالترتيب الأبجدي كل من: أريج إبراهيم عراق – إنجي محمد رجب بدران – راندا حمد أبو الدهب – ريم رفعت شاهين – سمر محمد نور – لمياء لطفي هادي – لمياء محمود إبراهيم – نهي منصور خليل – نوارة سد محمود – ياسمين حسام الدین محمود.
وكما كان الحال بالنسبة للمرة السابقة، تم التعاون في إنجاز هذا العمل بين جهات متعددة، تكاملت جهودها بناء على تخصصاتها المتنوعة، وقد ضمت هذه الأطراف كلاً من: ميديا هاوس، ومؤسسة المرأة الجديدة، ومركز نظم ووسائل الاتصالات التقنية من أجل التنمية (أكت).
الإعلام والتنميط
يلجأ الإعلام – على مستوى العالم – بطريقة واسعة إلى التنميط، فهو يقوم بدور الرمز الذي يقدم للجمهور المتلقي مفهومًا ما، أو مفتاحًا سريعًا ومشتركًا لشخص أو مجموعة من الأشخاص، وهذا الأمر ينطبق بصورة خاصة على الإعلام المرئي، سواء كان على هيئة مشهد درامي، أو برنامج تليفزيوني، أو صورة في جريدة، أو كاريكاتير…. غير أن قولية البشر في قوالب محددة سلفًا تتضمن عددًا من الإشكاليات ذات الأثر البعيد في تشكيل وعي وإدراك الناس، فالتنميط يختصر الفروق المتنوعة الموجودة بين الناس على تبسيط مخل، قد يصل إلى حبس فئات معينة في شكل أو شكلين، دون الانتباه إلى الكم الهائل من التفاوتات الإنسانية. كما يحول الافتراضات التي نحملها حول مجموعات معينة من البشر إلى مرتبة الحقائق والبديهيات، وبالتالي يضعنا في وضع التوقع لردود أفعال قد تكون متطابقة مع توقعاتنا، فتؤكد داخلنا فكرة القوالب الجامدة، أو تختلف عن توقعاتنا فتجعلنا نعتبر الظاهرة التي أمامنا شاذة، خارجة عن الحدود الموضوعة لها اجتماعيًا وثقافيًا، وبناء على ذلك يتم اعتبارها مرفوضة ويساهم التنميط في دفع مجموعات من الناس إلى التوافق مع الصورة المتوقعة منهم لاكتساب الاعتراف العام، من خلال عدم الابتعاد عن الحدود المرسومة، وهو ما يؤدي في أحيان كثيرة إلى تشويه صورة الإنسان لذاته.
كما يساهم التنميط في تكريس الظلم الاجتماعي، وغياب المساواة، وصولاً إلى ممارسة التمييز سواء على أساس العرق، أو اللون، أو الدين، أو النوع، أو العقيدة أو حتى المهنة والتخصص، وهو ما يمكن أن يترتب عليه حدوث أشكال من العنف الفردي أو الجماعي ضد مجموعات بعينها، ومن أمثلة التنميط التي تؤدي إلى إشكال التمييز المختلفة المذكورة أعلاه، نذكر على سبيل المثال لا الحصر، تنميط المسلمين لدى الإعلام الغربي باعتبارهم إرهابين، وتتميط الناس على أساس انتمائهم لبعض المناطق الجغرافية مثل أهل الصعيد، وتتميط الرجال وقولبتهم في صورة الرجل القوي المسئول عن توفير كل المتطلبات المالية لأسرته، وتقديم الفتيات باعتبارهن تجسيدًا للرومانسية، وأشكال أخرى متعددة ومتنوعة من حبس الناس في القوالب ووراء قضبان توقعاتنا، ويختلف التنميط عن النموذج، فالنموذج قد يستهدف تقديم شكل، أو سلوك أو مفهوم يحمل سمة الريادة، أما التنميط، فهو يؤثر سلبيًا على الصور التي تتشكل في أذهاننا وتجعلنا ننظر إلى البشر باعتبارهم كتلاً متجانسةً متطابقة، كأنها نسخ من مستندات مصورة، والواقع أن النساء لسن جميعهن محافظات، أو متحررات، أو ناقمات على أوضاع معينة، وليس بالتوازي كل الرجال كبعضهم البعض، فهناك من ينتمي البشر إلى مدارس مختلفة في تناول أمور الحياة بصفة عامة وبالتالي حينما نتطرق إلى بعض أساليب التنميط، علينا التطرق بالضرورة إلى بعض مظاهر الإقصاء العنصري.
مشكلة الدراسة وأهميتها:
تساؤلات الدراسة وأهميتها:
تسعى هذه الدراسة للإجابة عن التساؤلات الآتية:
1 – ما مظاهر ومضامين وتوجهات المسلسلات التليفزيونية أثناء شهر رمضان المقدمة على قنوات التليفزيون المصري، وما انعكاس هذه المضامين والتوجهات على الرجال والنساء في المجتمع؟
٢ – ما أشكال التمييز ضد المرأة التي تقدم من خلال المسلسلات التليفزيونية؟ وما هي القيم المرتبطة بهذا التمييز؟ وهل يوجد فروق في نوعية القيم التي يتبناها كل من الرجل والمرأة؟
3 – ما النماذج والأدوار النمطية التي تقدم عن المرأة والرجل خلال هذه المسلسلات؟
وما علاقة هذه النماذج النمطية بالثقافة والأيديولوجيا السائدة؟
٤ – هل تكرس المسلسلات التليفزيونية ممارسات للعنف ضد النساء؟ وما مظاهر وأشكال هذا العنف؟
وتكمن أهمية الدراسة في الاعتبارات التالية:
يتميز التليفزيون عن غيره من وسائل الاتصال المرئي والمسموع بكثير من الخصائص، فالتليفزيون أصبح في متناول كثير من المشاهدين، وأصبح ملازمًا لهم وانتقل إلى بيوتهم واقتحم غرفهم الخاصة، بالإضافة إلى أن التليفزيون يساعد على استغراق المتلقي في الدراما المعروضة ومشاركته في الحدث مما يؤدي إلى تعاطف المتلقى مع الشخصيات بغض النظر عما تؤديه من مضامين.
أثبتت نتائج البحوث والمشاهدة لإتحاد الإذاعة والتليفزيون أن 95% من مشاهدي التليفزيون يتابعون الدراما وبخاصة المسلسلات (۱).
تشير الدراسات والبحوث الإعلامية إلى أن الدراما بجميع أنواعها وأشكالها تعد أكثر الأشكال والقوالب الفنية التي تساهم في بناء صورة الواقع لدى الجمهور، ويرجع ذلك إلى الخصائص التي تتميز بها ، ومن ضمنها اعتماد الدراما على النمط غير المباشر في تقديم الخبرات والنصائح للمشاهدين، تثير الأعمال الدرامية التساؤلات والنقاش بين الأفراد أثناء وبعد عرضها مما يعكس أهميتها، ويلجأ الأفراد إلى تقليد ما يقدم في الأعمال الدرامية في حدود الظروف التي تسمح بذلك.(۲)
يقدم التليفزيون المصري كمًا كبيرًا من الأعمال الدرامية خلال شهر رمضان وترتفع للمشاهدة للدراما التليفزيونية خلال شهر رمضان على مستوى مصر والعالم العربي، بالإضافة لجدية وإثارة الموضوعات والقضايا التي تطرحها الأعمال الدرامية التي قدمها التليفزيون خلال شهر رمضان، واعتماد معظم الأعمال الدرامية على شخصيات فنية محببة لدى الجمهور، مما يؤكد قدرة هذه الأعمال على التأثير في بناء صورة الواقع الاجتماعي لدى المشاهدين (۳).
إن وسائل الإعلام تكرس الصورة النمطية للرجل والمرأة، ويبدو هذا واضحًا في الأعمال الدرامية وعلى رأسها المسلسلات والأفلام، ودائمًا ما نجد تقليلاً من شأن المرأة وتقديم صورة غير صحيحة عبر وسائل إعلام لا تتفق مع الواقع المعيش للنساء ويقدم قيم اجتماعية وثقافية ذكورية تساهم في إعادة إنتاج أفكار وعلاقات غير متكافئة بين الرجال والنساء ويخلق وعيًا زائفًا لدى أفراد المجتمع يجعلهم يتقبلون النماذج النمطية ويعملون على ترويج الأيديولوجيات السائدة.