ليس ذات قيمة في مجتمع تبدلت قيمه وأخلاقه أن ينص الدستور على قيام الدولة المصرية على أسس المواطنة، وليس ذات قيمة أن نكون نحن النساء عاملات ومبدعات فى المعمل والمصنع والغيط والبيت ، فنحن وفقًا لثقافة الصحراء التى سرت كالسرطان في مجتمعنا لسنا سوى أجساد مثيرة للفتنة ونحن مصدر الشرور التي تصيب المجتمع
سموم صباحية
تحاصرنا السموم الثقافية التي أصبحت تشكل وعى المجتمع ، تلك الثقافة التي هبت علينا مع الرياح القادمة من الصحراء وتسللت في جسد المجتمع كالسرطان ، وتلك الثقافة التي شكلت عقول أطفالنا الذين سيصبحون رجالاً وشكلت عقول جزء كبير من النساء أنفسهن حتى أصبحن عدوات أو كارهات لذواتهن . ثقافة تبدأ إطلاق أسلحتها مع الساعات الأولى من الصباح ونحن نحشر أجسادنا داخل المواصلات العامة في رحلتنا اليومية للعمل والمدرسة والجامعة ، فأول ما تقع عليه عيون الركاب هو ملصقات فخمة وملونة ومكتوبة بخط عربي جميل وهي بالمناسبة ملصقات مكلفة وليست رخيصة الثمن .
تغطي تلك الملصقات جدران وسائل المواصلات العامة المملوكة للدولة ، أي المملوكة لنا بصفتنا دافعي الضرائب، في المترو وفي الأتوبيسات نقرأ : “سیستمر الغلاء وسيحل البلاء إن لم تتحجب النساء” ، “لن ينصلح حال البلاد والعباد ما دامت النساء تخرجن من بيوتهن” ، “إذا استعطرت المرأة فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية” .
إذا يبدأ اليوم بإطلاق أسلحة الاستنفاز ضد النساء في ظل ظروف اقتصادية طاحنة ، وفي ظل ظروف سياسية قاهرة لحد الإهانة ، يفسرها الملصق ومن حملوا أفكاره ويحملها للنساء ولخروجهن من بيوتهن ، وهو تفسير سهل لا يحتاج معه لبذل الجهد لتغيير الوضع إلا جهد محاربة النساء وليس مقاومة أسباب القهر الصحف السياسي والمعاناة الاقتصادية.
ولأن الدولة أو المسئولين تغاضوا عن هذه الملصقات رغم المطالبة عبر والفضائيات بإزالتها ، فقد أعطى هذا التغاضي ضوءًا أخضر لمواصلة الحرب باستخدام أدوات أخرى مثل شرائط الكاسيت الذي كان انتشارها مقصورًا على الميكروباصات ، ولكنها بدأت تتسلل الآن إلى الأتوبيسات العامة وعربات النساء في مترو الأنفاق ، ليقضي الذاهبيون إلى أعمالهم نساءً ورجالاً من مختلف الأعمار رحلتهم الصباحية مع صوت شيخ يعلو ويهبط بأداء تمثيلي مؤكدًا الرسول صلى الله عليه وسلم مر على النار فوجد حطبها ونارها من النساء ، وأنه وجد أكثر أهل النار من النساء ، وقصة النار والنساء هي الفصل الأخير في المسرحية الهزلية يسبقه فصول التحريض والتحقير والتعريض ، حتما يرسخ ويغذي حالة من العدوانية ضد النساء ، حتى من النساء أنفسهن ضد أنفسهن وضد بنات جنسهن .
فتاوى تبرر التحرش
ولأن الثقافة البدوية المسلحة بمفاهيم رئيسية خاطئة والتي نصب مروجوها من أنفسهم حياة للدين والفضيلة والأخلاق لم تنشغل إلا بالمرأة وجسد المرأة باعتبارها عورة لابد من سترها فقد أطلقت من الفتاوى ما يسقط عن النساء إنسانيتهن وليس مواطنتهن فحسب ، فنحن لم ننس تلك الفتوى التي أطلقها مفتي استراليا في تبريره للتحرش الجنسى بالنساء
ملصقات المواصلات تحمل النساء مسئولية الغلا
تتهم النساء بالزنى إن وضعن عطوراً
تحريم الإنترنت على النساء لمكرهن وعهرهن
رغم فتاوى التخلف فالنساء يعملن ويتظاهرن ويعتصمن دفاعًا عن حقوقهن
واغتصابهن فقال ومن فوق منبر المسجد: “وهل نلوم الذباب عندما يقف على اللحم العاري أم نلوم اللحم العاري” ، وهو هنا لم يهن النساء فحسب بل أهان الرجال أيضًا ، ولكن وقد تحقق الهدف من هذه الفتوى ورأينا بأعيننا تحققه، فبعد كل حادثة تحرش أو اغتصاب يلقى اللوم على الضحايا وعلى مظهرهن ويتصاعد الموقف إلى إدانتهن مع تبرير أن الشباب محبط ومحروم جنسيًا دون الوقوف عند حجم الإهانة للشباب داخل هذا التبرير ، ودون الوقوف عند أنه حتى المحجبات والمنتقبات لم تسلمن من التحرش الجنسي .
ولم تسلم امرأة حامل في شهرها التاسع هي وحماتها من الإختطاف والاغتصاب في العام الماضي وهما مع الزوج عائدين من القاهرة إلى الإسماعيلية ، تلك القضية التي تناولتها الصحف في وقتها ، ومؤخرًا تم تأييد الحكم على الجناة بالإعدام .
حرام .. حرام .. حرام
القضية إذًا ليست في زي النساء ولا مظهرهن ولكن ثقافة ترسخ لكون النساء مستباحات وتبرر العدوان عليهن ، من زاوية ومن زاوبة أخرى تضع المرأة في سجن الجسد فهي محض جسد مثير لغرائز الرجال بدليل اعتبارها زانية إن وضعت عطرًا كما كتبوا على الملصقات لأن العطر يثير الرجال وتؤكد هذه الرؤية فتوى صدرت عن أحد شيوخ السعودية وهي تحريم النقاب الذي يظهر عيني المرأة ، لأن ظهورهما يثير شهوة الرجال ، وأفتى بأن يكون النقاب “أعور” أي بعين واحدة حتى لا تظهر سوى عين واحدة لترى بها المرأة الطريق إن اضطرت للخروج من بيتها.
والكارثة أن هذه الفتاوى والثقافة المتخلفة تنتشر بتسخير أرقى ما وصلت إليه التكنولوجيا من تطور ، وهنا المأساة أن يتم تسخير التكنولوجيا لنقل أفكار ضد العقل والعلم والإنسانية .
تلك التكنولوجيا التي يحرمون استخدامها على النساء فقد طارت فى السماوات المفتوحة فتوى تحرم على النساء استخدام الإنترنت إلا في حضور محرم، ونص الفتوى لدلالتها الكارثية على المجتمع يقول : “فإن النساء مخلوقات كسائر مخلوقات الله، لكن فيهن ضعفًا بينًا وهوى يأخذهن صوب الحرام إن لم تجعل الضوابط الشرعية قائمة في المجتمعات التي يقمن فيها ، وحكم دخول المرأة للإنترنت حرام حرام حرام، ففي هذه الشبكة من مواضع الفتنة ما قد لا تتمكن المرأة بضعف نفسها على مقاومته ، ولا يجوز الدخول لها على مواقع الشبكة مالم يكن برفقتها أحد المحارم الشرعيين ممن يعرفون بواطن النساء ومكرهن وضعفهن وعهرهن أمام الجنس والهوى“.
وقد يتساءل البعض وما علاقتنا نحن بفتوى أفتى بها سعودي ، الحقيقة أن الفتوى السعودية تدعم منظومة فكرية سلفية كاملة تغلغلت في الثقافة المصرية لحد الإزاحة ، إزاحة الثقافة المصرية التي أسست لقيم المواطنة والاستنارة في بلد خرجت النساء فيه للعمل منذ سبعة آلاف عام وصنعن مع الرجال فجر ضمير البشرية .
ولكن ولأن هذا ما حدث ، فالقضية خطيرة ليس لأنها تنسف قيم وحقوق المواطنة فحسب بل تنسف وجود المرأة الإنساني كله وفقًا لثقافة تربت على قيم وئد النساء .
فأمامنا معركة شرسة الطرف الآخر فيها يستخدم في أسلحته القيم الذكورية المسلحة أيضًا بخطاب ديني متخلف لم نجده اهتم مرة بمشكلاتنا الاقتصادية والسياسية بينما انصبت عقدهم على النساء في الوقت الذي تعول فيه النساء أسرًا بكاملها ، وفي الوقت الذي يفرض الواقع ليس خروج النساء للعمل فحسب بل للخروج في مظاهرات والمشاركة في اعتصامات للمطالبة بحقوقهن وحقوق زملائهن في العمل .