النغمة الثالثة في لحن الحياة
إنقطاع الدورة الشهرية
في بداية هذه السلسلة من المقالات شبهنا حياة المرأة وما يصاحبها من تغيرات هرمونية باللحن أو السيمفونية المكونة من ثلاث حركات ونحن اليوم سنتناول المرحلة الثالثة أو ما يعرف بسن اليأس. وهنا يجدر بنا أن نشير إلي أن هذا الاسم قد يضفي علي هذه المرحلة من العمر معني سلبيًا بلا سبب معقول فليس هناك أي داع لفقدان الأمل في هذه السن!. وإذا كان المقصود هو فقدان الأمل في الإنجاب فلا أظن أن المرأة في هذه السن تتوق حقًا لإنجاب المزيد من الأطفال إذ أن أغلب السيدات يحملن عدة مرات وينجبن العدد الذي يرغبن فيه من الأطفال قبل انقطاع الطمث بسنوات. لذا دعونا نسميه اسمًا آخر مثل انقطاع الدورة مثلاً وهو مصطلح أقرب للتعريف العلمي لهذه المرحلة. وهذا التعريف هو الغياب الدائم لمدة لا تقل عن سنة واحدة للدورة الشهرية وبالتالي فإن هذه المرحلة مؤسسة على الانقطاع الطبيعي لإنتاج الهرمونات من المبايض، والتي تعتبر جزءًا من جهاز الغدد الصماء في الجسم لإنتاج الهرمونات، وهي الهرمونات التي تجعل التناسل ممكنًا وتؤثر في السلوك الجنسي وانخفاض مستويات هرمون الاستروجين في الدم يؤثر علي كل ما له علاقة بالوظيفة الإنجابية للمرأة, من الجلد إلى المخ، وتعتبر هذه الفترة وما يليها تغييرًا طبيعيًا في الحياة أي أنها ليست حالة مرضية أو اضطرابًا.
سمات المرحلة التي تلي انقطاع الدورة:
وفي سنوات فترة ما حول الانقطاع, يحدث للعديد من النساء تغيرات جسدية ناتجة عن التقلبات الهرمونية. وأكثر الآثار المعروفة هي“هبة الحرارة” وهي زيادة مؤقتة مفاجئة في درجة حرارة الجسم: إحساس“الهبة” يحدث لارتفاع درجة حرارة الجسم بشكل مفاجيء لحظي ثم عودتها لطبيعتها ببطء أكثر. ويمكن أن تصبح هبات الحرارة قوية لدرجة أنها يمكن أن ترفع درجة حرارة الجسم عدة درجات في فترة قصيرة جدًا من الزمن, مما يؤدي إلي الشعور بالضعف والتعرق الشديد. ولا تعتبر هبات الحرارة ضارة من قبل الأطباء.
من الآثار الشائعة الأخري تغيرات في المزاج، وقلة النوم، والإجهاد، ومشاكل في الذاكرة، وبعض هذه الشكاوي قد لا تكون ذات صلة بالتقلبات الهرمونية المشاركة في مرحلة انقطاع الطمث ولكن ليست هناك أبحاث علمية كافية لتحديد السبب الذي يجعل بعض النساء تشعر بهذه الآثار.
وتواصل مستويات الهرمونات التناسلية للمرأة انخفاضها وتقلبها لبعض الوقت في فترة ما بعد الانقطاع، لذلك فإن أعراض انسحاب أي هرمون – والتي من الممكن أن تشعر بها المرأة – يمكن أن لا تتوقف علي الفور ولكن قد يستغرق ذلك بعض الوقت، حتي لسنوات عدة، لتختفي تمامًا.
وأي تدفق مشابه للدورة الشهرية، يمكن أن يحدث في فترة ما بعد الانقطاع – حتي ولو كان مجرد بقع دم – يجب أن يبلغ به الطبيب في العادة يكون السبب بسيطًا مثل التهاب موضعي أو غيره لكن احتمال الإصابة بسرطان بطانة الرحم حتي ولو كان ضئيلاً يجب أن يتم الحقن منه ويستبعد تمامًا.
انقطاع الدورة ليست مرضًا أو اضطرابًا ولا تتطلب أى نوع من العلاج الطبي
هي مرحلة تحتاج لبعض الترتيبات ومن حقنا ان نستمتع بها في رحلة الحياة
من المفيد أن نعرف أنه ليس بالضرورة أن تواجه كل امرأة مستويات مزعجة من هذه الآثار، وحتي في تلك النساء اللاتي يواجهن آثارًا قوية، فإن نطاق هذه الآثار ودرجة ظهورها تبدو متباينة جدًا من شخص لآخر.
وتظل تلك الآثار التي ترجع إلي انخفاض مستوى هرمون الاستروجين“مثل ضمور المهبل وجفاف الجلد” موجودة حتي بعض مضي السنوات الانتقالية, ولكن العديد من الآثار التي تنتج عن التقلبات الشديدة في مستويات الهرمون“مثل الهبات الحرارية وتغيرات في المزاج” عادة ما تختفي أو تتحسن تحسنًا ملحوظًا بمجرد اكتمال وقت فترة ما حول الانقطاع الانتقالية. ومن الآثار كذلك الضمور البولي التناسلي كضمور المهبل، وترقق في الأغشية من الفرج والمهبل وعنق الرحم، وكذلك السبيل البولي الخارجي. مع انكماش وفقدان المرونة في جميع المناطق التناسلية: الداخلية والخارجية ويصحب ذلك حكة، جفاف نزيف، تفريغ مائي، تردد بولي، إلحاح بولي، سلس البول وكذلك زيادة القابلية للالتهاب والعدوي المهبلية وعدوي المسالك البولية. ومن الآثار كذلك خطر هشاشة العظام المتزايد تدريجيًا مع مرور الوقت وآلام المفاصل, آلام في العضلات، آلام الظهر.
ومن الآثار علي الجلد والأنسجة اللينة: ضمور الثدي وألمه وتورمه وترقق الجلد وجفافه وانخفاض مرونتنه وتنميل وإحساس مثل وخز الإبر أو مثل زحف النمل. ومن الآثار النفسية: اضطراب المزاج هياج، إحساس بالتعب، فقدان الذاكرة ومشاكل في التركيز اكتئاب وقلق واضطرابات النوم، وسوء نوعية النوم, النوم الخفيف الأزق. ومن الآثار الجنسية: انخفاض الرغبة الجنسية، جفاف المهبل وضمور المهبل، مشاكل الوصول إلي النشوة الجنسية, عسر الجماع أو الجماع – المؤلم.
هل هناك دواعي لتناول علاج؟
كما سبق وذكرنا تعتبر هذه الفترة مرحلة طبيعية في الحياة. أي أنها ليست مرضًا أو اضطرابًا، وبالتالي فإنها لا تتطلب تلقائيًا أي نوع من العلاج الطبي، ومع ذلك ففي الحالات التي تكون فيها الآثار الجسدية والعقلية والعاطفية شديدة، وتعطل الحياة اليومية للمرأة التي تعاني منها، قد يكون من المفيد في بعض الأحيان وصف بعض العلاجات الملطفة.
وينبغي أن تستعرض المرأة مع طبيبها حالتها بدقة، وكذلك شكواها والخطر النسبي المحتمل قبل تحديد ما إذا كانت الفوائد من العلاج الهرموني / العلاج بالهرمونات البديلة أو غيرها العلاجات تفوق هذه المخاطر وحتى النساء اللاتي يتم اختيارهن لاستخدام العلاج بالهرمونات البديلة ينصحن باتخاذ أقل من الهرمونات لأقصر فترة ممكنة، وهناك أشكال معينة قد تحمل نسبة مخاطر أقل من الجلطات أو السرطان أكثر من غيرها.
هل هناك طرق طبيعية لتقليل هذه الأعراض؟
بالطبع وسنتناول هنا العادات الغذائية والرياضية؛ إذ تعتبر العادات الغذائية أحد العوامل التي تفسر الاختلاف في أعراض سن انقطاع الدورة، فالنساء الأقل عرضة للإصابة بكسور الحوض وهشاشة العظام هن من الدول الآسيوية حيث يحتوي الغذاء الأسيوي علي كمية عالية من مادة فيتواستروجين phytoestrogen وتعتبر حبوب الصويا مصدرًا غني بهذه المادة وهي في تركيبها مشابهة لهرمون الاستروجين الموجود في جسم المرأة وبذلك تسهم في التقليل من أعراض انقطاع هذا الهرمون.
وقد أظهرت الدراسات أن وجود كميات كافية من بروتين الصويا في الغذاء تساهم في تقليل الكوليسترول في الدم وتقلل من الإصابة بتصلب الشرايين وتحسن من وظائف الشرايين وبذلك تقلل نسبة الإصابة بأمراض القلب.
وقد وجد الباحثون أيضًا أن تناول أقراص تحتوي علي المعادن والفيتامينات مثل فيتامين E يقلل من الحرارة والتعرق الذي تشعر به كثير من النساء في سن اليأس وتحتاج المرأة في هذه السن إلي أقراص غنية بالكالسيوم وفيتامين D وهي تقلل من نسبة التعرض لكسور الحوض بمقدار ٪۲% أما ممارسة التمارين الرياضية فتعتبر مهمة لسلامة العظام والوقاية من أمراض القلب حيث ترتبط بنقصان الوزن وانخفاض ضغط الدم ومستوي الكوليسترول في الدم حيث وجد أن النساء الأكثر حيوية واللاتي يمارسن الرياضة بصورة منتظمة أقل عرضة للإصابة بارتفاع ضغط الدم والسكري وأقل عرضة للإصابة بأعراض بعد انقطاع الدورة، حيث تسهم الرياضة في التقليل من الكآبة وتحسن حالة النوم، إضافة إلى تقليل العرق والحرارة التي تشعر بها النساء. وأبسط أنواع الرياضة والتي يمكن ممارستها من قبل جميع النساء هي المشي حيث وجد أن المشي لمدة ساعة كل أسبوع تقلل من نسبة الإصابة بأمراض القلب إلي النصف.
وهكذا نصل إلي المرحلة الثالثة من سيمفونية التغير الهرموني وربما نري الآن كيف أن حياتنا تشبه رحلة تحتاج في كل مرحلة لترتيبات مختلفة تتوافق مع ما نحتاج إنجازه أو التمتع به في كل مرحلة فدعونا لا نهمل أو نتنازل عن حقنا في هذه الرحلة المسماة“حياة“.