هن قوة أساسية في سوق العمل ويتعرضن للتمييز والاستغلال

شروط العمل تدفعهن للترحيب بالمعاش المبكر

هذا ما كشفت عنه الدراسة التي أعدتها د. هالة شكر الله للمؤتمر الأولى للمرأة الجديدة والمعنونة تأثير علاقات النوع على شروط عمل النساءوفيها أشارت إلى توزيع قوة العمل النسائية والتي قدرت في الدراسات المسحية الأخيرة بنحو ٢١% سنة ٢٠٠٢ على قطاعات مختلفة سواء في سوق العمل الرسمية أو غير الرسمية، وثمة تفرقة واضحة في العمل على أساس النوع يشمل القطاع الرسمي، والوظائف الحكومية والوظائف في القطاع الخاص على حد سواء إضافة الى ما يضمه القطاع غير الرسمي من أشكال غير رسمية للعمل الباعة الجائلين وخدم البيوتوالعمالة الزراعية واستمرت الحكومة نظرًا الميراث توظيف الجميع – أكبر صاحب عمل للنساء خاصة الخريجات واللاتي يمثلن ٣٢% من العاملات. واستوعب قطاع الخدمات48.6% من العمالة النسائية، وتعمل هؤلاء عادة في المجالات التجارية والسياحة وخادمات في البيوت أما العمالة الزراعية النسائية فتبلغ نسبتها 30.4% بينما تبلغ ٢١% في الصناعة.

نعرض في السطور القادمة لأوضاع النساء في قطاع الصناعة نظرًا لما تتعرض له النساء من ظروف عمل بالغة الصعوبة والقسوة، وهي مرشحة لمزيد من السوء بفعل سياسات الرأسمالية التي يدفع العمال والعاملات ثمن أزماتها ويجنى أصحاب العمل ثرواتها.

التمييز والاستغلال

علينا المطالبة بقانون يجرم التحرش الجنسي في العمل أسوة بجنوب أفريقيا

خرجت النساء إلى سوق العمل مكبلة بهيمنة السلطة الأبوية المدعومة من الخطاب المحافظ، والتي سمحت له الدولة بالنفوذ داخل مؤسسات المجتمع، كما سمحت أيضًا لآليات السوق الحرالتي تفتقر لجميع الأشكال الحمائية لتكثيف استغلالها النساء مستفيدة من الخطاب السائد والقوانين التي انتزعت حقوق العمال لصالح صاحب العمل. أصبحت النساء بين شقي رحى أعباء الأسرة والعمل خارج المنزل في ظروف غير مواتية. وفيما يتعلق بتشريعات العمل فقد تدهورت بشكل عام، وبعمل النساء على وجه الخصوص بشكل كبير خلال العقدين الأخرين كما ذكرت د. هالة شكر الله في دراستها فمع استيلاء القطاع الخاص على معظم الأنشطة الاقتصادية من القطاع العام، تم تعديل قانون العمل السابق (القانون ٤٨) الذي كان يضمن عددًا من الحقوق المهمة للعمال. وبموجب هذا القانون الجديد الذي يعرف باسم قانون العمل الموحدتم الحد كثيرًا من الحقوق السابقة التي كانت تحمى حقوق النساء الإنجابية، في حين ظلت فترة إجازة الوضع على 90 يومًا ثم قصر فترة إجازة الوضع على طفلين فقط وأنه لا يحق لها الحصول على إجازة وضع إلا بعد عشرة شهور من العمل. فبموجب هذا القانون تعاقب النساء على دورها الإنجابي الذي تفرضه قيم المجتمع الاجتماعية والثقافية. كذلك تدخلت تشريعات العمل في نوعية العمل الذي يسمح النساء القيام به، فمنع النساء من العمل في ورديات ليلية أو القيام بأعمال شاقة فتستبعد النساء من الصناعة الثقيلة وتتركز في صناعة المنسوجات (خاصة الملابس) والمنتجات الغذائية والصيدلية، وتمثل النساء في صناعة المنسوجات ٣٥% من قوة العمل بينما تشكل نسبة 8.5% العقاقير الطبية 6.5% في الإنتاج الغذائي. شروط العمل غير عادلة، ففي كثير من المصانع وتحديدًا في المدن الجديدة تصل ساعات العمل إلى ١٢ ساعة يوميًا وتتدني الأجور ويجبر العامل والعاملة على التوقيع على استمارة 6 مسبقًا، إلى جانب التوقيع على إيصال أمانة يستخدمه صاحب العمل وقت اللزوم، ناهيك عن غياب التأمين الاجتماعي والصحي والتنظيم النقابي، الى جانب هذه الظروف التي يتعرض لها العامل والعاملة معًا فثمة أشكال أخرى من التمييز والاستغلال تعانى منها العمالة بسبب النوع منها انعكاس الرؤية الاجتماعية تجاه المرأة على علاقات العمل، فهي عمالة رخيصة وقابلة لتنفيذ الأوامر والطاعة، فضلاً عن أن الثقافة السائدة تمنعها من الحديث عما تتعرض له من تحرش جنسي في موقع العمل فضلاً عن خوفها من أن تفصل من عملها فلا يوجد قانون يتعامل مع التحرش الجنسي الذي تتعرض له النساء داخل موقع العمل. بالإضافة إلى ما سبق فإن معظم المصانع تفضل تشغيل الفتيات من سن ١٨٢٤ سنة خاصة غير المتزوجات، خلصت هالة شكر الله في دراستها إلى عدد من النتائج أظهرتها المقابلات والبيانات: أن النساء لازالت تعمل لساعات طويلة ونسبة تغيبها عن العمل منخفضة للغاية بالرغم من التزاماتها الاجتماعية، مع ذلك فهي تعي أن التزامات العمل تتزايد ثقلاً والمكاسب تزداد انخفاضًا وهو واقع كان له تأثيرة السلبي على علاقتها بموقع العمل، وقد دفع هذا الواقع العديد من النساء إلى الترحيب بالمعاش المبكر لشعورهن بأنه قد يقلل من أعبائهن. كما أظهرت المقابلات مع عاملات القطاع العام وعيهن ببعض حقوقهن بالرغم من أنهن لم يكن يشعرن أن بإمكانهن المطالبة بتحسين أوضاعهن، في حين كان واضحًا أن عاملات القطاع الخاص لم يكن لديهن وعي في الأغلب الأعم بأي من حقوقهن ولا يدركن شيئًا عن أوضاعهن، القانونية داخل مصانعهن، وكان عدم الاستقرار في العمل أكثر ملازمة لعاملات القطاع الخاص رأت د. هاله شكر الله أن كلاً من بيئة العمل المتغيرة وتدهور ظروف العمل يعكس شدة استغلال العاملة من قبل رأس المال. هذا التوجه العام والذي يتضح أكثر ما يتضح في الشركات التي تم تأجيرها الى مستثمرين من القطاع الخاص أدى إلى استغلال النساء باعتبارها أحد موارد العمالة الشديدة الرخص والمرونة ووضع النساء خارج موقع العمل يدفعها إلى القبول بهذه الظروف. أوضحت الباحثة أن هناك عاملين رئيسيين يكرسان هذا الوضع أولهما الافتقار إلى التشريعات، وبالتالي أصبحت النساء ضحية سهلة الاستغلال، وثانيًا غياب آليات المقاومة أو الدعم من قبل النقابات أو العمال الذكور والذي من شأنه لو وجد أن يدعم قدرة النساء على تحسين بيئة عملها.

 

التنظيم

وضع العاملات على أجندة الحركة النسائية ضرورة ملحة.

ما طرحته د. هالة شكر الله حول غياب آليات المقاومة والدعم هو سؤال مطروح بقوة الآن على عدد من المنظمات النسائية والتي تسعى إلى تأسيس حركة نسائية تتضمن في مقدمة برنامجها مطالب العاملات في جميع القطاعات، وتسعى أيضًا للارتباط مع هؤلاء العاملات ومساعدتهن على تنظيم أنفسهن. وكان هذا ضمن التوصيات التي خرجت من المؤتمر الأول للمرأة الجديدة حركة نسائية ديمقراطية من أجل وطن حر“.

لكن الطريق إلى تحقيق ذلك ليس سهلاً: فثمة عوائق يجب الالتفات إليها، ففيما يتعلق بالتنظيم النقابي نجد كما ورد في بحث معنون حقوق المرأة العاملة ومبادرات الإصلاح السياسيللباحث النقابي صابر بركات أن التنظيم العمالي النقابي يعاني من سيطرة الدولة عليه، ومصادرتها حق تكوين النقابات وفرضها الوصاية عليه واحتكار إرادته بواسطة زمرة نقابية تابعة للسلطة فاقدة لشرعية مواقعها بأحكام قضائية نهائية، إلا أن النساء العاملات فوق كل هذا يعانين من التهميش والتجاهل: حيث لم تحصل على مواقع في مجالس إدارة اللجان النقابية (المستوى الأدنى) في آخر انتخابات نقابية في نوفمبر ۲۰۰۱ (دورة ٢٠٠٦/٢٠٠١) إلا على 759 مقعدًا من حوالي ٢٠ ألف مقعد في هذا المستوى بنسبة لا تصل الى 40% من بين هذه المقاعد ٢٦ رئيسة لجنة نقابية من بين 1745 رئيسًا، أي بنسبة لا تصل الی 5.1% بينما لم تحصل في المستوى الأعلى (النقابات العامة) إلا على 10 مقاعد من بين 480 مقعدًا في هذا المستوى أي بنسبة ٢%، أما في المستوى القيادي لنقابات العمال والاتحاد العام فلم يزد العدد أبدًا على نقابة واحدة ترتبط بوجودها بأسباب خارج التنظيم النقابي.

تحدث خالد على المحامي بمركز هشام مبارك لحقوق الإنسان وعضو اللجنة التنسيقية للحقوق والحريات النقابية والعمالية من الأوضاع الاجتماعية والأسرية التي تحد من مشاركة المرأة في الفعاليات والأنشطة المرتبطة بقضاياها داخل العمل، فلا يجب إغفال الأعباء المنزلية والتزاماتها داخل الأسرة. فعلى سبيل المثال تعقد اللجنة التنسيقية اجتماعها يوم الجمعة باعتباره إجازة فيناسب العمال الرجال أما العاملات فهو مثل أي يوم عمل ولكن داخل المنزل، وكذلك فمن الصعب عقب يوم عمل شاق أن تأتي لحضور اجتماعات: فهي تسرع إلى المنزل. ولكن هذا لا يعنى الغياب التام للنساء فعلى سبيل المثال لدينا عضوات عاملات في اللجنة. أما فيما يتعلق بتبني اللجنة التنسيقية لمطالب العاملات أشار خالد على إلى أن هذا الأمر ليس مطروحًا، أي لا توجد بنود محددة ومهام عمل على أجندة اللجنة تتعلق بقضايا العاملات ولكن في ذات الوقت تتشابك مع القضايا المثارة. في السياق ذاته تحدثت رحمة رفعت المحامية بدار الخدمات النقابية والعمالية، عن أن النساء العاملات لا يحتللّن وزنًا داخل الدار بحكم النشأة التاريخية للدار وسط مناطق عمالية من الرجال، كما أن العاملات كن دائمًا ذوات دور مساعد في جميع الحركات الاحتجاجية. ولكن الآن مع تزايد أعداد العاملات وتفاقم أوضاعهن أصبح هناك ضرورة ملحة لارتباط النساء العاملات بالحركة النسائية والعكس بمعنى أن تضع الحركة النسائية حقوق النساء العاملات على أجندتها إذا أرادت أن تتسع لجميع الفئات النسائية المهمشة والمضطهدة. أشارت رحمة رفعت الى أن الخطوة الأولى تبدأ من التوجه الى العاملات في مواقعهن والاشتباك مع قضاياهن بداية من الأجور وتقسيم العمل على أساس النوع مرورًا بعدم وجود الحضانات في مواقع العمل والرعاية الاجتماعية والصحية، ثم قضية التحرش الجنسي المسكوت عنها، فعلى سبيل المثال يمكن للحركة النسائية أن تتبنى مطلب إصدار قانون لمنع التحرش الجنسي في العمل على غرار ما تحقق في جنوب أفريقيا على أيدي الحركة النسائية هناك، فهذا سوف يجعل المجتمع يعترف بالمشكلة وأيضًا يحفز العاملة على الكشف عن الانتهاكات التي تتعرض لها لأنها سوف تدرك أن هناك نوعًا من الحماية وأن المجتمع سوف يقبل كلامها ويدافع عنها. نضع في اعتبارنا أن معظم النساء اللائي خرجن للعمل ليس لتحقيق الذات ولكن بسبب الفقر، وأنهن تعرضن لضغوط شديدة بسبب أعباء الأسرة والعمل وبالتالي أصبح غير كاف المطالبة بخروج النساء للعمل فحسب بل أيضًا يجب أن نساعدهن على الانخراط في حركة للدفاع عن مصالحهن؛ لأن هذا ويأتي نظام المعاش المبكر الذي طبق عام 1996 ليقضى علي طموح النساء العاملات ويدفع بهن إلى البطالة، فالنساء هن الضحية الأولى لهذا النظام الذي يفرق بين الرجل والمرأة عند حساب التعويض: حيث حدد النظام سن الإحالة للمعاش المبكر للسيدات 45 سنة وللرجال 50 سنة، ويتم حساب المكافأة التعويضية لمن هم تحت السن على أساس: أول، السنوات المتبقية على سن ٤٥ سنة للنساء و50 سنة للرجال وبالتالي تحصل النساء على مكافأة تقل عن الرجال، وثانيًا لا تحصل النساء على المكافأة التعويضية للمعاش المبكر كاملة، فلا تحصل غالبية النساء على المبلغ وإنما تحصل علي جزء منه بفارق خمس سنوات بينما يحصل الرجل علية كاملاً، هذه التفرقة ليس لها أي مبرر، فمن يرفع الظلم عن السيدات العاملات في الوقت الذي ينضممن فيه إلى صفوف العاطلين؟

شارك:

اصدارات متعلقة

استفحال المنظومة الأبوية المصرية في انتهاك أجساد القاصرات / القصر
دور قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في تمكين المرأة في مصر
ملك حفنى ناصف
غياب السلام في “دار السلام”.. نحو واقع جديد للعلاقات الزوجية
مطبوعات
نبوية موسى
من قضايا العمل والتعليم
قائمة المصطلحات Glossary
مطبوعات
مطبوعات