المجتمع المدنى في مصر..
دور رائد.. وهجمات متتالية
تلعب منظمات المجتمع المدني في بلاد العالم قاطبة – خاصة في البلاد الديمقراطية – دورًا مهمًا في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، سواء كانت نقابات أو أحزابًا أو مراكز وجمعيات أهلية.
ويكاد يقتصر استخدام مصطلح “المجتمع المدني” فى مصر على المراكز والجمعيات الأهلية، وتقطع التطورات الأخيرة في مصر والعالم الثالث بأن تمكين المجتمع المدني من النمو في مناخ صحي يمثل ضرورة في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، سواء كانت جمعيات خدمية (علاج – تعليم – إسكان …) أو جمعيات رعاية إجتماعية، وبيئية أو جمعيات علمية أو ثقافية أو جمعيات تعمل في مجال حقوق المرأة أو حقوق إنسان.
وفى ظل النظام الاستبدادي القائم في مصر, والتعديلات الدستورية عام ٢٠٠٧ (٣٤ تعديلاً) والتي أكدت الطبيعة غير الديمقراطية للدستور المصري الحالي والصادر عام ۱۹۷۱ والذي يخالف المواثيق الدولية ويهدر معايير الدولة القانونية التي لا تتوافر إلا بوجود دستور مدني ضامن للحريات، وبنية تشريعية تحقق مبدأ الفصل بين السلطات وتضمن خضوع الإدارة في عملها للقانون، وتحافظ على تدرج القواعد القانونية أصبح تغول السلطة التنفيذية التي تتركز فى يد رئيس الجمهورية على باقي السلطات أكثر قوة ووضوحًا واستمر العمل بتشريعات صادرة في عهد الاحتلال البريطاني والحماية، وصدرت تشريعات جديدة تنتهك الحريات العامة خاصة حرية الرأي والتعبير والحق فى تداول المعلومات وحق التجمع السلمي وحق التنظيم والحق في المشاركة في إدارة البلاد.
وتخضع مصر منذ عام ۱۹۳۹ لحالة طواريء شبه دائمة، ومنذ الإعلان الأخير لحالة الطوارئ في ٦ أكتوبر ۱۹۸۱ تعيش مصر في ظل الطوارئ ۲۹ عامًا متصلة، ولا يعرف أحد متي تنتهي بكل ما يصاحب الطوارئ من اعتقالات وتعذيب ومصادرة الحقوق الدستورية وشيوع الخوف.
وتخضع منظمات المجتمع المدني في مصر منذ تعديله القانون المدني وإلغاء المادة ٥٤ إلى قوانين تنتهك حرية تأسيسها ونشاطها .. بدءًا بالقانون ۳۲ لسنة ١٩٦٤ الخاص بالجمعيات الأهلية والذي استبدل بالقانون ٨٤ لسنة ٢٠٠٢ بشأن الجمعيات والمؤسسات الأهلية، مرورًا بالقانون ٣٥ لسنة ٧٦ الخاص بالنقابات العمالية والقانون ۱۰۰ لسنة ۱۹۹۳ المتعلق بالنقابات المهنية والقانون ٤٠ لسنة ١٩٧٧ المنظم للأحزاب السياسية.
وتعرضت منظمات المجتمع، وبصفة خاصة منظمات حقوق الإنسان التي تقوم بالرقابة أو المساعدة القانونية أو البحوث والدراسات أو الدفاع عن حقوق المرأة وتحقيق المساواة بين الرجال والنساء، لسلسلة من الانتهاكات والتدخلات الإدارية والأمنية ووضع العراقيل وصعوبات شتي فى مراحل تأسيس الجمعيات, وعرقلة نشاطها بعد التأسيس، وصولاً للإغلاق والحل .
فعقب الاضرابات العمالية خلال عام ٢٠٠٦ وبصفة خاصة إضراب عمال المحلة في ديسمبر ٢٠٠٦ تعرضت دار الخدمات النقابية والعمالية لهجمة شرسة من قبل وزيرة القوي العاملة “عائشة عبدالهادي” والرئيس العام لإتحاد نقابات عمال مصر ، وذلك بحجة مسئولية الدار عن الدار عن إشعال نيران هذه الإضرابات العمالية .. وتوالت الإجراءات ضد الدار, فصدر قرار رئيس مجلس مدينة نجع حمادي “اللواء الشربيني حشيش” بتاریخ ۲۹ مارس ۲۰۰۷ بإغلاق فرع دار الخدمات النقابية والعمالية بالمدينة وفي ٣ أبريل ۲۰۰۷ قام مدير مكتب وزارة التضامن الاجتماعي بالمحلة بتهديد نشطاء الدار في فرعها في مدينة المحلة، وأعقب ذلك صدور قرار محافظ الغربية بإغلاق فرع دار الخدمات بالمحلة وتنفيذه بالقوة الجبرية “الأمن المركزي” في العاشر من أبريل ۲۰۰۷ ، ووصل الأمر ذروته باقتحام قوات الأمن المركزي بصحبة ضباط مباحث أمن الدولة ومأمور قسم حلوان ومفتش فرقة المباحث الجنائية ورئيس حي حلوان للمقر الرئيسي لـ “دار الخدمات في حلوان” وطرد المحامين والعاملين الموجودين بالدار و قطع التيار الكهربائي، وغلق الدار بالشمع الأحمر.
وفي الوقت نفسه رفضت وزارة التضامن الاجتماعي إشهار دار الخدمات النقابية والعمالية وأصدرت قرارًا بذلك في ١٤ أغسطس ٢٠٠٧ مسببة القرار بـ “إعتراض الجهات الأمنية” وهو القرار الذي لغته محكمة القضاء الإداري في ٣٠ مارس 2008.
حل جمعية المساعدة القانونية لحقوق الإنسان بقرار باطل من محافظ القاهرة بتاريخ ٦ سبتمبر ۲۰۰۷ وسبق القرار حملة تشهير بدأت بنشر صحيفة “المصري اليوم” خبرًا في ٣٠ أغسطس ٢٠٠٧ على لسان عبد العظيم وزير محافظ القاهرة يقول إن المحافظ يدرس حل جمعية المساعدة القانونية بسبب تجاوزات مالية، وكان صدور هذا القرار بسبب دور الجمعية في توفير المساعدة القانونية والدعم لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، وحملتها ضد التعذيب المنهجي الذي تمارسه الشرطة في طول البلاد وعرضها ونجاحها في إحالة ضابط بجهاز مباحث أمن الدولة إلى المحاكمة الجنائية بتهمة تعذيب مواطن حتى الموت صعقًا بالكهرباء.
وتتعدد أشكال التدخل الإداري والأمني من استبعاد عضو مجلس إدارة لجمعية أهلية “لأسباب أمنية” وإلغاء ندوة لمؤسسة “المرأة الجديدة” بالحوامدية بقرار من أمين الحزب الوطني وتنفيذ الشرطة للقرار والضغط على إدارة أحد الفنادق بالإسكندرية ليعتذر عن استمرار تأجير إحدي قاعاته للمركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة لثلاثة أيام بعد انتهاء اليوم الثاني، واعتداء شرطة كفر الدوار على أطباء مركز النديم بعد حضورهم جلسة في محكمة كفر الدوار وتقديم أدلة مادية على تعرض أربعة رجال من عائلة واحدة للتعذيب على يد الشرطة، وتدخلات إدارية لإعاقة أنشطة “مؤسسة التنمية الصحية والبيئية بأسوان” وتلفيق قضايا التهديد نشطاء “مؤسسة تنمية الأسرة بأسوان” ومنع المبادرة المصرية للحقوق الشخصية من المشاركة في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن مكافحة الإيدز بعد اعتراض الحكومة المصرية، ورفض إشهار مؤسسة “مصريون في وطن واحد” ضد التمييز التي أسسها د. محمد أبو الغار ود. حسام سعد الدين عبد الله ود. منير مجاهد والمهندس ناجي أرتين والمهندسة دلال وديد … الخ.
ولكن الحملة الرئيسية التي استهدفت مؤسسات المجتمع المدني هي الاتهام بتلقي هذه المؤسسات تمويلاً أجنبيًا مشبوها والعمل نتيجة ذلك طبقًا لأجندات أجنبية.
ولا شك أن نجاح واستمرار النشاط الأهلى ومنظمات المجتمع المدني بجميع أشكالها, والتي تقوم أساسًا على العمل التطوعي والتمويل الذاتي، يتطلب إفساح المجال أمامها قانونًا للحصول علي التبرعات ودعم القادرين في الوطن وعلي الدعم الحكومي أيضًا ، باعتبار أن التمويل الداخلي هو الأساس.
وللأسف فإن نكوص الحكومة والمجتمع المصري وفى المقدمة الأثرياء والقطاع القادر من الطبقة الوسطي عن دعم أنشطة الجمعيات الأهلية خاصة منظمات المجتمع المدني الحديثة في مجال حقوق الإنسان والمرأة والبحوث يشكل عائقًا كبيرًا أمام قيامها بأنشطتها التي يحتاج إليها المجتمع بشدة.
فالحكومة تتخذ موقف العداء من هذه المنظمات ورجال المال والأعمال يمتنعون عن دعم هذه المنظمات التى تتعارض جهودها في الدفاع عن حقوق الطبقات والفئات المختلفة مع مصالحهم واستغلالهم لعمالهم، وفي الوقت نفسه يحرصون على عدم إغضاب الحكم ضمانًا لمصالحهم لدي الدولة.
وكان طبيعيًا فى ظل وجود إمكانات للتمويل الخارجي ووجود مانحين دوليين يتمتعون بالمصداقية والاحترام، ووجود إتفاقات وبروتوكولات موقعة بين الحكومة المصرية ومنظمات دولية وحكومية وأهلية تنص على توجيه نسبة مما تقدمه من منح إلى المنظمات الأهلية العاملة في مصر أن تلجأ جمعيات أهلية ومراكز ومنظمات حقوق الإنسان والمرأة ومراكز البحوث للحصول على تمويل أجنبي لأنشطتها ، ومن أبرز الجمعيات والمراكز الوطنية التى تحصل على تمويل أجنبي “مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف” “المنظمة المصرية لحقوق الإنسان” و“مركز هشام مبارك” للمساعدة القانونية و“جمعية ملتقي تنمية المرأة” و“مركز البحوث والدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام” و“مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان” و“مركز البحوث والدراسات العربية والإفريقية” و“مركز دراسات الدول النامية – كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة” ……..الخ
والتزمت هذه المنظمات جميعًا وغيرها في تعاملها مع التمويل الأجنبي بثلاثة أسس : ۱ – رفض أي تمويل مشروط من أي جهة كانت, يفرض أولويات تغاير ما تقرره الجهة المتلقية، أو يضع قيودًا على تنفيذها لمانحها، أو يلزمها بنشاط وبحوث معينة.
۲ – رفض أي تمويل خارجي تحيط به شبهة الارتباط بسياسات الدولة المانحة أو بمؤسسات خارجية مرتبطة بأجهزة المخابرات أو العمل في خدمتها، أو ارتباط بدول أو جهات أو سياسات معادية لحركات التحرر الوطني أو بإسرائيل أو الهيئات الصهيونية .
3- علانية التمويل وشفافيته، وخضوع نشاط الجمعيات الأهلية جميعًا أيًا كانت مصادر تمويلها داخلي بحت أو يدخل في تكوينه تمويل خارجي – لرقابة محاسبية ومراجعته طبقًا للقوانين القائمة.
وفي الوقت نفسه إتخذ المجتمع المدني المصري – أحزابًا ونقابات وجمعيات – موقف الرفض والإدانة للمنظمات التي تتلقي تمويلاً أجنبيًا مشروطًا من حكومات، أو جهات مرتبطة بأجهزة حكومية أو مخابرات أجنبية.
وفي ظل هذه الظروف والتعقيدات لعبت منظمات المجتمع المدني المصرية – خاصة المنظمات الحقوقية ومنظمات المرأة دورًا مهمًا في تأسيس وعي جديد راق بالميثاق العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق والبروتوكيلات التالية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية والثقافية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والاتفاقيات الخاصة بالمرأة والطفل، وأنتجت أدبيات مهمة وموضوعية حول الحقوق الأساسية للمواطن والجماعات والأحزاب والنقابات، ومارست الرقابة وتوفير المساعدة والوعي القانوني, وخاضت معارك قوية دفاعًا عن الحريات العامة وحقوق الإنسان والديمقراطية.
” رفض أى تمويل يفرض أولويات أو يضع قيود“-رفض تمويل مرتبط بسياسات أو جهات معادية لحركات التحرر الوطني” –علانية التمويل وشفافيته وخضوعه لرقابة محاسبية“