قضية رأى عام
النعامة التي تدفن رأسها في الرمال!
اجتاحتني الفرحة وانهمرت دموعي وأنا أستمع إلى ما استقرت عليه هيئة المحكمة بتوقيع عقوبة الإعدام شنقا على المغتصبين الثلاثة. كنت أنتظر هذا الحكم لكى يوقف النزيف الذي سال بداخلنا جميعا من جراء تلك الفعلة المنحطة التي أصبحت واقعا مريرا في مجتمعنا. جاء هذا الحكم بالقصاص العادل والنهاية المرجوة لمسلسل قضية رأى عام الذي عرض في شهر رمضان الماضي.
ومثله مثل غيره من الأعمال الدرامية الواقعية التي تقدم لنا الحقيقة التي لا نريد أن نسمعها أو نراها أو نتذكرها، فقد انتقد المسلسل كثيرا، ولكن بعض هذه الانتقادات قد صدمتني حقا، منها نقد المجلس القومى للأمومة والطفولة للمسلسل اعتراضا على عرض مشهد الاغتصاب كاملا على قناة دبي، وقد اعتمدت المتحدثة باسم المجلس في نقدها على الأسس التالية:
– أن مشهد الاغتصاب قد تمت إطالته وعرضه كاملا دون حذف مما صدم المشاهدين وأثار فرعهم وخاصة النساء العاملات حيث إن الضحايا الثلاث في المسلسل قد اغتصبن بينما هن في طريقهن لتأدية عملهن؛
– أن المسلسل يسيء إلى سمعة مصر وعرض القضية بهذه الصورة الفجة من شأنه أن يؤثر على السياحة فى بلدنا (مع ملاحظة أن مخرج المسلسل أردني الجنسية)
– أن المسلسل يبالغ كثيرا في النماذج التي قدمها وأن شبابنا ما زالوا بخير والصورة ليست معتمة كما صورها المسلسل.
والسؤال هنا: هل المشكلة في عرض المشهد أو حذفه أم فى أن هذا المشهد يعبر عن حادثة واقعية تحدث كل يوم وتتحول فيها الضحية إلى جان ومتهم؟ وما هي بشاعة مشاهدة تلك اللقطات إذا ما قورنت بمشاعر إنسانة تتعرض لمثل هذه الجريمة وأيضا لكل هذا الظلم المترتب عليها ؟!!! وهل لنا أن ننكر أن شبابنا ليسوا جميعا بخير وأن مشكلة البطالة لدى الشباب وما يصحبها من مظاهر كالمخدرات، إضافة إلى تقييد الحريات السياسية وضعف الاقتصاد قد أدت إلى ارتفاع معدل الجريمة والعنف بشتى صورهما إذ لا يجد الرجال متنفسا لما يشعرون به من قمع في العمل والحياة إلا في استهداف النساء بالعنف والإساءة. ودعونا نطرح سؤالا آخر ألم نطالب الإعلام دوما بأن يلعب دورا في قضايا المرأة وأن يعكس مشاكل المجتمع، فلماذا يكون هذا الاعتراض؟
لا يمكن إنكار صعوبة مشهد الاغتصاب الذي عرضه المسلسل، ولكن لماذا نعترض وننكر ونهاجم إذا ما تعرض الإعلام لمشكلة واقعية في مجتمعنا ولا نرى سوى أنها صدمت المشاهد، وننسی أو نتناسى أن مثل هذه الجرائم تدمر حياة بشر مثلنا وأننا لا ينبغى أن نهرب من الحقيقة مهما كانت مؤلمة لأن هروبنا لا يقدم لها حلولا جذرية بل يسهم في تقشيها في المجتمع .
وفي اعتقادي أن الهدف من هذه المشاهد لم يكن صدم المشاهد بقدر ما كان استثارة مشاعره وتعاطفه مع هؤلاء الضحايا، ولكي يشعر كل رجل قبل أن يقدم على مثل هذا الفعل أو غيره من أشكال العنف ضد المرأة أن هذه المرأة قد تكون أمه أو أخته أو زوجته أو ابنته أو حتى هو نفسه لأن الاغتصاب فكرة أكثر من كونه فعلا. إنه محاولة لحثنا على أن نضع أنفسنا مكان الآخر وأن نتخيل الآلام التي سنعانيها إذا ما كنا نحن الضحية لكي نفكر ألف مرة قبل الإقدام على هذا الفعل المشين للإنسانية جمعاء.
تعرض المسلسل لمسألة خطيرة وهي تغيير النمط التقليدى للتعامل مع تلك القضايا مركزا على أن شجاعة الضحية ورعاية المحيطين بها وثقتهم فيها وفي العدالة هما السبيل الحقيقى، حتى نستطيع الحد من تلك الظواهر التي تتعرض لها النساء بشكل واضح بدءا من التحرش وهتك العرض وحتى الاغتصاب.
فهل آن الأوان لأن تنفض عن عقولنا تلك الأفكار الخاطئة التى تعتبر الضحية هى الجاني؟ لقد انتقد المسلسل من قبل نشر الغسيل“غير النظيف” أمام الناس وفات منتقدوه أن المسلسل يدعو إلى مواجهة الواقع بداية من إعلان الضحية عما تعرضت له بدلا من التستر على المجرمين خوفا من الفضيحة؟ فهلا رفعنا رءوسنا من الرمال أم سنظل مثل النعامة التي تدفن رأسها في الرمال؟