“فاصل للدهشة“
التحرش في الرواية المصرية “محمد الفخراني”
تنتمي“فاصل للدهشة” إلى ما اصطلح على تسميته“بالكتابة الجديدة” ، رصدت الرواية صورًا كثيرة للقهر والعنف والتحرش الموجه ضد المرأة، والذي افتقدته الكثير من الروايات الجديدة نتيجة لذاتيتها المفرطة، لكننا نحب أن نقف أمام الكيفية التي رُصدت بها هذه الظواهر.
يبحر محمد الفخراني من خلال روايته المثيرة للجدل الصادرة عن دار ( الدار) في ۲۰۰۷ عن عالم المهمشين من سكان العشش، ذلك العالم الذي يخفي علي الكثير منا، يأخذنا الكاتب من أيدينا ويفتح لنا أبواب هذه العشش غير المحكمة الإغلاق، لتطالعنا مشاهد صادمة من الفقر، العنف والجنس.
تعكس هذه المشاهد موازين القوي الموجودة في المكان، فالرجال بشكل عام يقهرون النساء، والرجال والنساء يتعرضون لقهر الدولة وأجهزتها وخاصة جهاز الشرطة عدوهم الأول.
نبحث في هذا المقال عن صور التحرش التي تعرضت لها الرواية وهي حافلة بصور التحرش والاغتصاب وزنى المحارم.
النماذج النساء في الرواية
النساء في الرواية تمثلهن أربعة نماذج أساسية وهي“فراولة” ،“نعيمة روبابيكيا“، و“جنات” ، و“سماح الصحفية“. كل منهن أخذت نصيبها من القهر والتحرش،“فراولة” الفتاة الأكثر جمالاً ، يغتصبها عمها وهي مراهقة ويبدأ العمل كقواد لها، حتى بدأت الفتاة تمتلك القوة للقبول والرفض فمنعت عمها من مضاجعتها، ورفضت النوم مع المخبر باعتباره ممثل لآلة القهر التي تسحقهم رجالاً ونساءً، ولكنها مع ذلك لا تملك القوة الكافية لرفض الضابط بالرغم من عدم رغبتها، إذ سلطته أقوي من رفضها.
نعيمة روبابيكيا ابنة بائع الروبابيكيا التي تعمل في مقهي بلدي في باب الحديد، تتعرض لنوع مختلف من التحرش (التحرش في أماكن العمل)، فالمتحرش هنا هو صاحب العمل وابنه وهذا التحرش يتم قبوله أو التغاضي عنه من أجل لقمة العيش أو كضريبة للعمل“يرسل المعلم صبي الشيشة في عشر دقائق لا يحتاج منهم المعلم غير عشر ثوان يقضيها مع مؤخرة روبابيكيا خلف البوفيه” ، ابن صاحب القهوة ينهي ورديته في الخامسة صباحاً بنفس طريقة أبيه إلا أنه يرسل صبي الشيشه مشوارًا يستغرق عشرين دقيقة يحتاج منها عشرين ثانية تعانى نعيمة نوعًا آخر من التحرش الذي يسمي عادة“بالرشاوي الجنسية” فلكي تتمكن من تأمين عمل لحبيبها كسائق ميكروباص تضطر لرشوة الكثير من السائقين والوسطاء، هذا الحبيب نفسه يغتصبها بعد أن تسكر ويتركها فريسة لأعين الناس في العشش ويخطب ابنة صاحب الميكروباص.
وجنات ترتبط بعلاقة حب عارمة بهلال تاجر المخدرات بالعشش، تعمل كخادمة فيتعامل معها أصحاب المنزل بمختلف أعمارهم كحق تلقائي لهم وتمنحهم هي هذا الحق في سبيل الجنيهات الزيادة.” تترك نفسها لأزواج يفضلونها خادمة والمراهقون يفضلونها من فوق الهدوم، ترمي روحها لعضات لن تؤذيها بشكل حقيقي وتؤمن لها بعض الجنيهات الزيادة“.
سماح الصحفية ابنة الطبقة الوسطي التي تحتك بعالم المهمشين من خلال تحقيق صحفي تريد إجراءه عنهم وهي في الرواية إحدى الصحفيات اللاتي تم التحرش بهن يوم الاستفتاء علي تعديل المادة ٧٦ من الدستور ويعتدي عليها واحد من أهل العشش الذين استعانت بهم الحكومة يومها لفض المظاهرات وقمع المعارضين فيأتي التحرش هنا كحالة من التزاوج بين رجال العشش ممثلين“القوة الجسدية للذكر” والحكومة ممثلة“للقوة الرمزية ورأس النظام البطريركي“.
هناك صور أخري من التحرش في الرواية مثل بائع شرائط الفيديو الذي ينام مع زبوناته كثمن لإيجار الشريط، أو الطبيب الذي يضاجع المريضات الفقيرات مقابل علاجهن، كما يرد الاغتصاب الزوجي كأحد أنواع العنف في الرواية، فنجد“بدري” القواد يضاجع زوجته وهي حائض أمام أعين أطفاله المفتوحة، ويصعد للأتوبيسات وهدفه الأساسي الالتصاق بمؤخرات الفتيات للحظات قليلة تمنحه نشوة زائفة وانتصارًا بائسًا.
لغة متحرشة
اللغة في الرواية صادمة وفجة، ولبعض النقاد رأي في هذا الشأن أن هذه اللغة الفجة هي السبيل الوحيد للتعبير عن واقع أكثر فجاجة، لكني لا أري أن اللغة هنا تمثل احتجاجًا علي الواقع، ولست بمعرض تحليل شاعريتها من عدمها، ولكن هذه اللغة ممكن أن نطلق عليها لغة متحرشة لما بها من نعرة ذكورية عالية، ليس فقط في حياة أبطالها إنما في لغة الكاتب / السارد، فنجد في الرواية لم تكن بجمال نرجس ولا فيلم سكس يمشي على الأرض كفراولة“.
هذه اللغة التي تشرح كل بطلة من البطلات وتقيسها بحجم نهديها ومؤخرتها وامتلاء شفتيها ثم تتعرض لجوانب شخصيتها.
الجنس كمتنفس
الشحنة الجنسية في الرواية عالية جدًا وربما رأي الكاتب أن متنفس هؤلاء المنسحقين إنما يكمن في الجنس كصرخة تعلن حقهم في الحياة، لذا فهم ينتزعون هذا الحق بعنف وقسوة، وتأتي معظم مشاهد الجنس في الرواية من وجهة نظر البطل الذكر، وبوصفه فاعلاً ومتسيدًا.
التحرش والاستقواء
في الرواية ألوان مختلفة من التحرش ( اللفظي – الجسدي – أو من خلال النظرات) ونماذج مختلفة من المتحرشين، تكرس جميعها لتفوق الذكر البيولوجي، المهني، الأسري، إلا أن الرواية لم تتعرض لمشاعر أي من النساء اللاتي تم التحرش بهن، وكذلك لم يجعل الكاتب إحدى بطلاته تحرك ساكنًا إزاء عمليات التحرش المتكررة إلا في حالة الصحفية التي استدرجت المتحرش بها وضربته علقة ساخنة بمعاونة زميلها.
ولا أعلم لماذا يري الكاتب أن هذه الصحفية هي الوحيدة القادرة على المواجهة ربما بحكم انتمائها الطبقي. الطبقة الدنيا أكثر قدرة في العديد من الأحوال على الرد بحسم وقوة، مثل نعيمة التي يمكن أن تنتقم لنفسها من خطيبها.
وبالرغم من الانحياز الظاهر للمهمشين، إلا أن الروائي يظهر ميلاً لأبناء الطبقة الوسطى (سماح ، حسين المنتمي لهذه الطبقة في زمن غابر)
تنتهي الرواية بخضوع معظم النماذج النسائية للذكر ، فراولة تترك العمل بالدعارة وتهيم في الموالد مع أحد المتصوفين ممسكة بطرف جلبابه، نعيمة روبابيكيا تنسى ما فات وتبقى مع عم سيد ليصبح لها أبًا وحبيبًا في الوقت ذاته، أما سماح فتتصالح مع المتحرش بها وتعقد معه صداقة.
في النهاية نحن أمام عمل يستحق القراءة ويكفيه أنه اجترأ على طرح موضوعات مسكوت عنها يخشى الكثيرون طرحها.