والرجال أيضا
النساء لسن وحدهن ضحايا المجتمع الذكوري
ارتكزت الكثير من الدراسات النسوية ودراسات النوع الاجتماعي حول ما خلفه النظام الأبوى في المجتمعات الشرقية من موروثات سلبية وممارسات قمعية وترسيخ متعمد لأشكال من العنف والتمييز ضد النساء على مدار قرون طويلة من القهر الذكورى للإناث، إلا أن بعض هذه الدراسات قد تجاهلت أو أنها لم يكن يعنيها – على الجانب الآخر – تلك الآثار العميقة التي راكمها النسق الذكوري في وجدان الرجال أنفسهم وتحكم بها في مقدراتهم، ذلك النسق الذي حمل الرجال بأعباء ومسئوليات وطالبهم بالتزامات تفوق طاقاتهم وإمكاناتهم الحقيقية وتتناسى طبيعتهم الأولى بكونهم بشرا .
ففي كتابه“أصل العائلة” يؤكد فردريك انجلز أن المجتمعات الأولى على وجه الأرض كانت مجتمعات أمومية (مطريركية) وكانت المرأة وخاصة الأم مصدر السلطات ينتمى إليها الأبناء وهى بهم تتحكم في أكثر الموارد أهمية ألا وهى الموارد البشرية، وبعد اكتشاف الزراعة وظهور الأسرة الأحادية تحولت المجتمعات إلى الأبوية (البطريركية) ومن هذا التحول قررت المجتمعات الأبوية أن تحافظ على هذه السلطة وجاهدت بكل السبل حتى يظل المجتمع الذكورى سائدا.
وقد أدى هذا الهلع بالسلطة الأبوية إلى السعي نحو توجيه الممارسات القمعية ضد النساء والرجال معا، فأما عن النساء فقد ازداد التوحش في قتليهن وإذلالهن وفى مسخ عقولهن وقصر أدوارهن في الرعاية المنزلية والمتعة الجسدية، وأما عن الرجال فقد سعى المجتمع الذكورى إلى ترسيخ رؤى جديدة حول مفهوم الذكورة وما يجب أن تكون عليه الذكورة أو حول مفهوم الذكورة ومفهوم الرجولة، وحدد شروطا قطعية للذكر لكي يصير رجلا فكان عليه أن يحارب ويقاتل وأن يخرج للصحراء ويواجه الوحوش وأن يأخذ بالثأر وينتقم للشرف حتى يدخل إلى عالم الرجال، وكان عليه أن يتعود منذ الصغر على أن يلعب بالمسدس أو البندقية (علشان دى ألعاب الولاد) وأن يشاهد مباريات كرة القدم وأفلام الحركة والعنف وأن ينام وحيدا في غرفته (علشان الولد ما بيخافش) وأن يمتنع عن البكاء (علشان الولد ما بيعيطش) ثم كان عليه أن يتحمل مسئوليات تكاد لا تكون منطقية أو مفهومة فيكون مكلفا إذا خرج مع أخته – حتى وإن كانت تكبره – أن يتولى حمايتها وإذا أخطأت هذه الأخت فإنه يعاقب بدلا منها فقط لأنه هو الولد، ثم يكون مسئولا عن حماية أسرته بالكامل في حالة غياب والده وكثيرا ما نرى هذا المشهد المضحك والأب يستعد للسفر مخاطبا ابنه الذي لم يتجاوز عامه الثامن قائلا“أنا سايبك هنا مكاني وعايزك تبقى راجل البيت في غيابي” رددها الأب وهو يضحك تاركا وراءه طفلا صغيرا حائرا لا يعرف معنى راجل البيت ولا كيف يمكنه أن يكون هذا الرجل، وتوجد في القبائل الهندية والأفريقية أمثلة تفوق الخيال من الاختبارات المميتة التي يضطر لخوضها الذكور – متضمنة القوة العضلية والقدرات الجنسية – حتى يثبتوا أنهم رجال .
“ما المساعدة التي يمكن للثقافة العربية تقديمها للرجال في إطار المعتقدات التي تصف الرجال بأنهم المختارون والمولودون للسيطرة على جنس النساء بينما الواقع اليومى المعاش عبارة عن معركة يائسة من أجل البقاء والحصول على قدر ولو قليل من احترام غيرهم من الرجال وهذا ما يخفقون في الحصول عليه في معظم الأحيان. وعليه يفقد الكثير منهم ثقتهم بالنفس ويعرف هؤلاء الرجال جيدا ما يقال عنهم مثل (الراجل بيسمع كلام مراته، والراجل ماشي ورا مراته) والواقع أن الرجال أنفسهم يرددون ذلك عن غيرهم من الرجال.
الرجال أيضًا ضحايا للسلطة الذكورية التي وجهت طاقتها من أجل صنع الرجل الذي يفترض فيه أن يكون ميت القلب متحجر العقل متجمد المشاعر وينتظر منه أن يتخلى عن طبيعته الإنسانية وعن طفولته الحالمة وأن يتنازل عن قناعاته الداخلية وعن طموحاته الشخصية من أجل أن يحقق الصورة التي يتمناها منه المجتمع والتي شكلتها الموروثات الاجتماعية والمؤسسات العسكرية والأجهزة الإعلامية ومن أجل أن يصبح ذلك الكائن الخارق ويكون جديرا بأن يحصل على الهدية الكبرى والجائزة الذهبية“السلطة الذكورية” !!!!
من كتاب البحث
في أنماط الذكورة
وختان الإناث في مصر
قراءات مقترحة في الموضوع:-
الرجولة المتخيلة: الهوية الذكرية والثقافة في الشرق الأوسط الحديث تألیف: می غصوب
2 – الرجولة وأيديولوجيا الرجولة في الرواية العربية