من أجل الخلود بنى جاكوب يعقوبيان عمارة يعقوبيان على الطراز الأوروبي لكى يخلد اسمه الذي حفره داخل العمارة وأحاطه بالنور ليبرز اسمه.
عمارة في وسط القاهرة تجمع أحداث البلد تجمع الماضى والحاضر وعلاء الأسواني الفارس على البساط يجمع الأحداث لمعرفة يعقوبيان.
عمارة يعقوبيان أو عمارة الأسرار بها عشرة أدوار وتحتوى على عشرات الأسرار وعلى شقق يسكنها كبار المجتمع المصرى في هذا الوقت.
كما تتدرج من الدور الأول للأخير ثم السطح يتدرج السكان فيها فسكنها كبار الدولة ثم الضباط الأحرار ثم أناس عاديين يمتلكون المال ، أما السطح فكان يسكنه الطبقة الهامشية بالمجتمع. فكان يسكن العمارة فى بداية إنشائها الكثير من الأجانب واليهود وكبار المصريين وبعد ثورة ١٩٥٢ ترك الكثير من الأجانب العمارة خوفًا من طردهم كما طرد عبد الناصر من قبلهم اليهود، فأصبحت العمارة يسكنها الضباط الأحرار ، وبعد الانفتاح في الثمانينات ترك الضباط الأحرار العمارة واتجهوا إلى المدن الجديدة كالمهندسين ومصر الجديدة ، ولكنهم تركوا وراءهم بعض الملامح بالعمارة بالأخص على السطح ، حيث فتحوا الغرف الحديدية الضيقة الذي كانت مبنية من قبل بغرض التخزين فقد فتحوها لإقامة السفرجى والشغالة واستخدمت نساء أخرى الغرف لتربية الدواجن. هذه هي العمارة كمبنى ولكن الأسرار والخفايا التي أدت إلى نجاح الرواية هي سكان يعقوبيان تحديدًا.
ومن الشخصيات الأساسية والمحورية فى الرواية التي ارتكز عليها الأسوانى هي شخصية ذكى بك الدسوقى ، وذكى الدسوقى من أروع الشخصيات ذلك الشيخ العجوز زير النساء الذي تجاوز من العمر ٦٥ عامًا وهو مازال بقلب شاب في الــ ٢٥ من عمره.
ذلك الشخص المحبوب من الجميع الذي يحمل صفات شيخ كبير في العمر وشاب يلهث وراء النساء وهذا ما كان يجعله مميز بين أقرانه فالجميع فى هذا السن يلجأ إلى الهدوء والراحة ولكنه يمتاز بالنشاط والحيوية والعيون الزائغة على النساء ، فهذه شقراء ينبض قلبه لها، ويرى السمراء فيعود عشرة أعوام للوراء ، فيرى تلك ويرى هذه فيتذكر ما كان يفعله وهو مازال صغير ولكنه لم يقف عند الحد وإنما كان يلهث وراء النساء ناسيًا أو متناسيًا كم عمره الآن.
ولكنه يصطدم ببثينة السيد الفتاة التي تعد من دور أحفاده ولكنه يشعر معها بشعور غريب يجعله يتزوجها تلك الفتاة التي تعد من سكان سطوح يعقوبيان ، فهى فتاة جميلة ذات قوام ممشوق مما جعل زكى بك الدسوقى يقع في حبها.
وتتعرض بثينة قبل معرفتها بذكى على طه الشاذلي ابن بواب يعقوبيان فكان يسكن معها على السطح ، نشأ الحب بينهما ولكنه انقضى بسبب ظروف بثينة وموت أبيها ولجؤها إلى العمل فتغيرت بثينة وتغيرت طبيعتها الرقيقة وأصبحت قاسية القلب ، ترى طه الشاذلي لازال يعيش في عالم الأوهام والأحلام وأنها نضجت لدرجة أنها أصبحت تفهم الدنيا وما يدور فيها.
أما طه الشاذلي فكان طالب بالثانوية العامة وكان يحلم أن يكون ضباط شرطة ولكن ظروفه الاجتماعية ومهنة والدها كحارس للعقار كانت تحول بينه وبين المستقبل ، فتغيرت أحلام طه ودخل كلية الاقتصاد وتغير مستقبله فأصبح عضو في جماعة إسلامية ، ترى أن الدولة كافرة لا يصح أن يكون الإسلام مهمش أو حتى قانونها فرنسى ، وكانت ترفع راية إسلامية إسلامية، فكان هذا النظام السبب في موت طه الشاذلي.
وعلى الجانب الآخر من الأحداث ، تظهر شخصية الحج محمد عزام شخص متقدم في العمر ولكنه ذو مظهر جذاب يظهر وكأنه نجم سينمائى وكان صاحب مكتبة ومعرض للسيارات هذه الشخصية شخصية واقعية فعلاً تحكى عن شخص موجود بالمجتمع بالفعل فالحج عزام ماسح الأحذية بسليمان باشا يعود بعد ۲۰ سنة ليكون الحج عزام صاحب المال والجاه وعضو بمجلس الشعب ذلك الشخص الذي يتزوج من سعاد جابر لحماية نفسه من الفتن هذا هو نفس الشخص الذي يتاجر في البودرة والممنوع.
في الدور الرابع تسكن أسرة رشيد الدكتور فى القانون والمتزوج من فرنسية وكان لديه ولدًا واحدًا هو حاتم رشيد كان صحفى وهو الآن فى الأربعين من عمره ، يعيش وحيدًا بعد وفاة أبويه. رغم الرقى والثقافة والغنى فإن حاتم رشيد يصاب بمرض نفسي وأخلاقى وجسدى وهو لواط (شاذ جنسيًا).
رئيسًا لصحيفة لوكير الفرنسية فى مصر هكذا كان حاتم رشيد صحفى مرموق معروف بتفوقه في العمل رغم ذلك كان يعلم الجميع بشذوذ حاتم ، إلا أن هذا لم يجعل حاتم يخسر مكانته ، في كان حاد وصارم في عمله ، يقضى أكثر ساعته فى العمل دون أن يشعر من حوله بشذوذه، وتنقضى حياة حاتم رشيد على يد عبده عسكرى الأمن المركزى الذي كان يشاركه شذوذه لأنه اعتقد أن سبب وفاة ابنه هو غضب من الله سبحانه وتعالى نتيجة لارتكبه هذه الفاحشة مع حاتم.
هذه هي الشخصيات الأساسية التي يعتمد عليها النص الروائى فى يعقوبيان لأنها كانت تحتوى على شخصيات ثانوية لها دور ملحوظ مثل ملاك خلة وأخوه أبخسروف الذي كان يعمل لدى زكى بك الدسوقى والسبب فى معرفة زكى بك الدسوقى ببثينة هو طمع ملاك خلة في الاستيلاء على شقة ذكى لأنه كان يعيش وحيدًا فأراد الاستيلاء على شقته عن طريق بثينة بأن تأخذ بثينة خمسة آلاف جنيه وتساعد ملاك على سرقة توقيع زكى على عقد شراكة بينهما.
ومن الشخصيات المهمشة بالرواية حامد حواس وعلي السواق من سكان السطح ، وكمال الفولي وفكري عبد الشهيد الذي كان كلاً منهما يبيع ضميره من أجل حفنة أموال ، فقد كان كمال الفولى واسطة بين الرجل الكبير ومحمد عزام.. وكان مصدر ضغط على محمد عزام لرغبته في الاستيلاء على ربع أرباح التوكيل الياباني للسيارات فى مصر ، أما فكرى عبد الشهيد فكان محامى عائلة يعقوبيان وكان يبيع ويستأجر الغرف الحديدية للعامة وكان سببًا في انتشار المهمشين على السطح.
ودولت هائم الدسوقى شقيقة زكى بك الدسوقى التي كانت مصدر إزعاج لزكي حيث حاولت أكثر من مرة الاستيلاء شقة زكى وعلى مكتبه الخاص وتسببت فى حدوث إحراج بينه وبين بثينة.
-
نقطة عبور: هكذا أطلق جمال الغيطانى على رواية يعقوبيان وهكذا شهدت فريدة النقاش وأحمد زكى عبد الحليم وجلال أمين إلا أن الرواية كان بها بعض التساؤلات في شخصية طه الشاذلي الشخصية المقهورة والمظلومة من المجتمع لمجرد أن والده حارس عقار لم تنته كما يتمنى الجميع نهاية سعيدة بنجاحه فى كلية الاقتصاد وإثبات ذاته في المجتمع بل أصبحت نهايته الموت ، وهكذا لم يكن فقط ظلمه المجتمع إنما أيضًا ظُلم من الكاتب ، حيث أن طه الشاذلى هو الوحيد في الرواية الذي يحارب الفساد ، فلا ينبغي أن تكون نهايته بهذه البشاعة دون أن يتعاطف معه أحد.
والجدير بالذكر، أن نعترف ببراعة الكاتب في عرضه لشخصية زكي الدسوقي ؛ إلا أنه قد بالغ فى حبه وشغفه بالنساء ووصف أجسادهم وملامحهم، فكان من الممكن عرض الشخصية دون مبالغة ، أما بالنسبة للألفاظ التي كانت موجودة بالرواية على الرغم من بذاءتها إلا أنها فى سياق الرواية فهى مطلوبة إلى حد ما للحفاظ على النص الدرامي.
وفى رأى الخاص فقد برع الأسواني في إبراز المشاعر والأحاسيس بكل دقة لبثينة الفتاة التي حباها الله بالجمال فقد رسم الأسوانى أحاسيس ومشاعر كامنة داخلها شعور بالندم والإحساس بالذل وهى بين أحضان طلال السورى صاحب العمل ، وهي تشعر بالقرف معه ومشاعرها وهى مع زكى وهى تشعر لأول وهلة أنها إنسان له مشاعر وأحاسيس.
وقد برع المؤلف في وصف أحاسيس سعاد جابر زوجة الحج محمد عزام وهي تشعر بأنها جسد يباع من أجل المال.
وبالنسبة لحاتم رشيد الشخص الذي يجمع بين الثقافة وانعدام الأخلاق والحزم والصرامة في العمل والميوعة والميل للأنوثة مع رفيقه عبده فهذه الصفات من الصعب جمعها في شخص واحد ولكنك عندما تقرأ الرواية فتشعر بوجود تلك الصفات في شخص موجود أمامك وتراه وتتحدث معه.
الحب والسياسة والجنس في إطار واحد
لحن علاء الأسوانى نوتة موسيقية من تأليفه تجمع قواعد الموسيقى المصرية في عشرة أدوار وسمى النوتة (عمارة يعقوبيان)