الأستاذ يوسف درويش… في سطور
رجل قال عنه القائد العمالي“يوسف المدرك” لزميله“طه سعد عثمان” عندما حدثه عن قلقه إزاء تردد“يوسف درويش” على دار النقابة العامة لعمال النسيج في أواخر ثلاثينيات القرن العشرين“ده محامى من نوع خاص تخلص من صفته ووضعه الطبقي كواحد من الموسرين وتبنى فكر الطبقة العاملة والاشتراكية وسوف تثبت لك الأيام أنه لا يقل إخلاصًا وتضحية عني وعنك” ، نعم كان“يوسف درويش” محامي من نوع خاص ، يترافع عن الفقراء بلا مقابل ، بل ويعلمهم ويساعدهم ، فكان يترافع عن العمال أمام المحاكم المختلطة ضد أصحاب المصانع الخواجات مقابل أجر رمزي تقدمه له نقابة العمال دون مناقشة وكثيرًا ما كان يقوم بذلك بدون أجر على الإطلاق.
محامي متميز أمام المحاكم المختلطة حيث حصل علي شهادته من فرنسا، ولاقتناعه والتزامه بالدفاع عن الفقراء عمل دراسات مصرية معادلة ليقف أمام المحاكم الوطنية أيضًا.
عندما قررت“نقابة عمال النسيج بالقاهرة وضواحيها” إنشاء مدرسة بدارها بشبرا البلد ، ساهم“يوسف درويش” في إنشاء هذه المدرسة بأفكاره وخبراته التي اكتسبها من إنشاء مدارس تعليم العمال في حي“السبتية” الذي كان يسكن فيه ، وساعد على نجاح تلك المدرسة ولم يكتفي بهذا بل وكان أيضًا يقوم بالتدريس فيها بلا مقابل ، بل وقدم لها بعض الخرائط ووسائل الأيضاح وحتى المقاعد التي يجلس عليها الدارسون.
استطاع“يوسف درويش” المحامي أن يكون مستشاراً لحوالي ٨٠ نقابة في أواسط أربعينيات القرن العشرين ، وأن يكسب ثقة آلاف العمال ويرتبط بهم ويؤثر فيهم. وقد ترافع خلال ذلك عن آلاف العمال البسطاء أمام المحاكم الوطنية والمحاكم المختلطة التي كانت قائمة وقتئذ.
قدم“يوسف درويش” مشروع اللائحة الداخلية لصندوق الخدمة الاجتماعية للعمال عندما أرادت نقابتهم أن تقدم لهم بعض الخدمات الاجتماعية الداعمة لحياتهم الفقيرة ، وساعدهم في اتخاذ إجراءات تسجيل الصندوق في وزارة الشئون الاجتماعية باعتباره إحدى الجمعيات الخيرية.
عرض مشروع برنامج” لجنة العمال للتحرير القومي” كبرنامج سياسي للطبقة العاملة المصرية على زملائه ، وعندما احتجت الحلقة الضيقة من الزملاء علي أن تتم مناقشة وإقرار هذا البرنامج في مناقشات الاجتماعات الضيقة التي كانت تتم في الأماكن العامة أو دور النقابات أو منازل الأعضاء ولأوقات قصيرة ، عرض“يوسف درويش” شقته التي كانت بشارع“جلالة الملك” بالسبتية لعمل اجتماع واسع وطويل، وتحمل المخاطرة لإنجاح هذا العمل الكبير في سنة ١٩٤٥ وقد بلغ أول اجتماع لمناقشة هذا البرنامج في شقة يوسف درويش أكثر من ٨ ساعات.
شارك“يوسف درويش” في إصدار مجلة“الضمير الصحيفة” السياسية العلمية الاجتماعية التي كانت تصدر أسبوعيًا في أربعينيات القرن العشرين لتدافع عن حقوق العمال الاقتصادية والسياسية حتى أغلقتها حكومة النقراشى صباح أول يناير ١٩٤٦، وبجوار اشتراكه في مناقشة كل ما يتعلق بالمجلة ، فقد كتب فيها عدة مقالات نشرت باسم“خيري محمود” وعندما قبض على” يوسف المدرك و محمود العسكري وطه سعد عثمان” لسؤالهم عما نشر بالمجلة والذي اعتبرته النيابة تحريضًا على قلب نظام الحكم وتحريضًا للفلاحين على ملاك الأرض وتحريضًا للعمال على الرأسماليين ، أقر“محمود العسكري” في التحقيق أنه محرر المقالات الموقعة باسم“خيري محمود” ، وتم حبس“المدرك والعسكري وطه سعد” فبادر“يوسف درويش” وزملاؤه بتقديم عرائض للسجن بطلب معاملتهم مع من يتلقون الغذاء (الملكي) والملابس من خارج السجن وبهذا لم يتعرضوا لحلق الشعر وخلع الملابس المدنية ولا لبس ملابس السجن وكان الطعام يصلهم في الوجبات الثلاثة ، ولم يكتفي“يوسف درويش” بذلك ، بل قام هو وزملاؤه بتوكيل أثنين من كبار المحاميين الوطنيين هم“عبد الرحمن الرفاعى بك والدكتور زهير جرانة“.
أما عن حالات القبض على“يوسف درويش” فنذكر منها أن أول حبس له كان في أكتوبر ١٩٤٨ ، وعندما حقق معه قاضى المعارضة قرر الإفراج عنه ولكن تم تحويله إلى معتقل“هايكستب” لمدة نصف سنة بتهمة أنه شيوعي ، لكنه لم يستسلم وقام بالإضراب عن الطعام هو وبعض زملاؤه في المعتقل من أجل تحسين الأوضاع حتى تم تحويلهم إلى معتقل“عيون موسى“.
قبض عليه للمرة الثانية عام ۱۹٥٠ وتم حبسه لمدة ٣ سنوات وخرج بربع المدة وتحددت إقامته ، وعند عودة“عبد الناصر” من“يوغسلافيا” وحدوث ثورة العراق ، قرر“يوسف درويش” وأصحابه استقبال“عبد الناصر” فتم القبض على“يوسف درویش” من منزله ، وعندما تم التحقيق معه أتهم بمحاولة اغتيال“عبد الناصر” وعندما حاول الرد على تلك التهمة قام بالرد بدلاً منه رجل شيوعي قائلا:
-
يوسف درويش مش بتاع سلاح.
-
الشيوعيون لا يستعملون السلاح إلا في حالة الثورة
-
إن العلاقة بين عبد الناصر والشيوعيين كويسة جدا.
ولم يفرج عن“يوسف درويش” إلا بعد عودة“عبد الناصر” ووصوله إلى بيته الساعة ٣ صباحًا.
وقبض عليه مرة أخرى سنة ۱۹5۹ وحبس في سجن“أبو زعبل” ولم يفرج عنه إلا سنة ١٩٦٤. وآخر مرة قبض عليه كان سنة ١٩٧٣ أيام“السادات“
ولازال عطاء“يوسف درويش” ممتداً حتى الآن رغم ما تعرض له طوال حياته وهو يدافع عن الحقوق العمالية والنقابية.
وقد قام منتدى الشابات بزيارته في منزلة وكان ترحيبه بنا رقيقًا وحميمًا وسمع لنا وعن مشاكلنا المختلفة في العمل واقترح علينا طرق للتخلص من المشاكل التي تواجهنا.. تقدم العمر.. ولا يزال يصغي ويفكر ويحاول المساعدة أنه الجد العزيز الأستاذ المعلم يوسف درويش.