النسوية الإسلامية والربيع العربي: نهوض أم سقوط

الشركاء: اختيار

تأليف:

تعد النسوية الإسلامية مدرسة تعيد قراءة النصوص الإسلامية، وتنتقد الفقه الإسلامي، التقليدي وتصنع معارف دينية تنتقد الفقه الذكوري؛ وهي ظهرت كرد فعل للهيمنة الذكورية للمنتجات الدينية والاستخدام الأبوي للدين للتحكم في حياة المرأة في المجتمعات الإسلامية.

النسوية الإسلامية: نوبة الربيع العربي

لقد أدى ما يسمى بالربيع العربي إلى تغيير ديناميات السلطة في المنطقة؛ فقد جلب عديد من العناصر الفاعلة الرئيسية الجديدة إلى تلك الديناميات كما أطاح بالكثير منها مثل رموز نظم الحكم في كثير من دول المنطقة. وتهدف هذه الورقة إلى تتبع وتحليل نتائج الربيع العربي وعواقبه المتعلقة بالسياسة وأوجه التفاعل وكيف أدى إلى تغيير وضع النسوية الإسلامية كمدرسة للفكر والنشاط. وسوف تبحث هذه الورقة في أمر النسوية الإسلامية، ما إذا كانت حصلت على مزيد من المؤيدين وتمكنت من حل بعض المشكلات أم أنها لم تحقق أي تغيير ولا وجود فعلي لها في المنطقة.

ومن الجدير بالملاحظة أن نذكر أن هذه المقالة قد تم كتابتها قبل 30 يونيو 2013, باعتبارها الموجة الثانية من الثورة في مصر، حيث أطاحت بالحزب الإسلامي الحاكم في مصر وعرضت غيرهم من الإسلاميين في المنطقة للخطر. وعلى الرغم من ذلك، أود أن أضيف أن هناك تغيير في الساحة السياسية، ولكن التغيير لم يحدث بنفس الحجم فيما يتعلق بالساحة الاجتماعية، حيث يوجد رموز أخرى حلت محل الإخوان المسلمين مثل حزب النور السلفي، والذي يتقلد نفس الحكم البوليسي في إطار السياسة المصرية، باعتباره ممثلاً للإسلام الحقيقيكما يلعب دوراً سياسياً واجتماعياً لخلق حلقة الوصل بين ما هو ملائم وما هو غير ملائم وفقاً لوجهة نظرهم الوحدوية.

النسوية الإسلامية: البداية

تعد النسوية الإسلامية مدرسة تعيد قراءة النصوص الإسلامية، وتنتقد الفقه الإسلامي التقليدي، وتصنع معارف دينية تنتقد الفقه الذكوري؛ وهي ظهرت كرد فعل للهيمنة الذكورية للمنتجات الدينية والاستخدام الأبوي للدين للتحكم في حياة المرأة في المجتمعات الإسلامية.

تحارب النسوية الإسلامية من أجل تحقيق المساواة حيث تطورت حينما تحول الإسلام من كونه نظام ديني وأخلاقي إلى أيديولوجية، وتمثلت الذروة في الثورة الإيرانية في 1979 وتبعها انتشار الأنظمة النظرية أو مجرد محاولات لتواجد حكم نظري مثل الجزائر في التسعينات, حينما برزت الإسلاموية (أو بمعنى آخر الأصولية أو التطرف)، وكان الادعاء أنها الطريق الوحيد للخلاص في الدول المسلمة، حيث لا يمكن إقرار أو قبول أي طرق أخرى, وكانت هذه هي اللحظة المؤدية إلى كثير من ردود الأفعال, أحدها هو ظهور النسوية الإسلامية باعتبارها نضال للمرأة المسلمة لإنهاء قرون من التجانس الذكوري لإنتاج معارف دينية وخلق تمييز ضد المرأة ولاستحضار تراث عائشة كما أوضحت أمنة ودودفي مقال إحياء تراث عائشة، وهي من أعلام مدرسة النسوية الإسلامية وقد اشتهرت بإمامتها لصلاة مختلطة عام 2005 في الولايات المتحدة، والتي أثارت الكثير من الجدل، وقد تم صك المفهوم في التسعينات في القرن السابق وسط أعلى انتشار للاتجاهات الأصولية وأنصارها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

النسوية الإسلامية قبل الربيع العربي

تعد النسوية الإسلامية أحد مدارس ما يعرف بنساء الإيمان أي النسويات يعملن من داخل انساق دينية؛ حيث يهدفن إلى تغيير وضع المرأة في الأديان. ويقمن بتفسير النصوص المقدسة والتشكيك في التفسيرات التي وضعها الإنسان، ومن ثم إدانة جدال وأحاديث الأصوليين عن المرأة، والتي يدعمها القيم والتقاليد الموروثة.

وعلى الرغم من ذلك، لم تكن النسوية الإسلامية مدرسة مرحب بها في المنطقة، فقد أثار بعض مؤيدي النسوية العلمانيين الجدل والنقد بأن النسوية الإسلامية فكرة غربية، كما أنها نتاج الشتات الأكاديمي وتلعب دوراً فعالاً في التعامل مع تزايد الإسلاميين ولكنها لن تقضي على التمييز عميق الجذور من خلال استخدام التفسيرات الدينية والقواعد والتقاليد الاجتماعية. وتصف إحدى الانتقادات الشهيرة أدبيات النسوية الإسلامية المؤلفة بواسطة مؤيدي النسوية من العرب أنها محررة بالإنجليزية ويرى النقاد أن هذا دليل على أن هذه المدرسة تخاطب الغرب وليس مجتمعاتهم وأنها ليست نتاج الحراك الفكري في الإقليم بل محاولات مسلمي المهجر لتوفيق بين الإسلام والغرب.

إلا أنه مع الوقت حدث تغير في الآراء ناتج عن الجهود المتراكمة لمؤيدي النسوية الإسلامية لتحقيق هدفهم ألا وهو تقديم معارف ومعلومات بديلة عن وضع المرأة في الإسلام، وانتقاد الحركات الإسلامية السياسية والأنظمة النظرية التي تطبق القواعد الأبوية على المرأة.

الإسلاميين ومؤيدي النسوية الإسلامية

من الأهمية بمكان إلقاء الضوء على العلاقة بين النسوية الإسلامية والإسلاميين. وقد يحدث خلط بين النسوية الإسلامية والإسلاميين ويظنون أن هناك تشابه بينهم لأن كل منهما ينتمي إلى النموذج الإسلامي، وهذا الأمر مضلل. فإن النسوية الإسلامية ترفض الإسلام السياسي بكل تجلياته مثل التطرف أو الأصولية كما ترفض موقفه المتشدد من المرأة.

وإحدى المشكلات التي يواجهها مؤيدو النسوية الإسلامية تتمثل في أن كثير من المحللين والمفكرين ظنوا أنها محاولة من مؤيدي النسوية في البلاد التي يحكمها النظام الإسلامي لخلق جدال ومناقشات توافقية كما لو أنها من النسوية الإسلامية، وأشهر مثال لذلك هو المثال الإيراني، حيث يحكم نظام إسلامي حاول إنتاج نسوية دولة، حيث ترى النسويات العلمائيات أن النسوية الإسلامية تعد من جهود الدولة لخلق نسختها الخاصة من النسوية وتدعي أنها تمثل النسوية الإسلامية. ولكنها لا تعكس الجهود الحقيقية ومنظور مؤيدي النسوية في هذه البلاد, وغني عن القول أن نسوية الدولة تعمل لخلق تفسيرات للحالات لترسيخ النظام الأبوي. ويدعي بعض مؤيدي نسوية الدولةأن هذه هي النسخة الإسلامية من حقوق المرأة ويعرضون مصطلحات مثل العدل وليس المساواة . وأخيرًا فهم يقومون أيضًا بخلق جبهات/ مجموعات في الأمم المتحدة وغيرها من المنتديات للترويج لمفاهيم حقوق المرأة تحت ذريعة النسبية الثقافية

وفي الشرق الأوسط، تعد اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل مثالاً على ذلك، فهي اللسان الناطق باسم الإخوان المسلمين وتمثلهم في المنتديات الدولية. وهي تضم الأكاديميين والنشطاء الإسلاميين الذين يهدفون إلى خلق مناقشات وأحاديث معارضة للمناقشات الدولية عن حقوق المرأة. وهم يصدرون المواثيق الخاصة بهم وينتقدون النشاط العلماني بشأن حقوق المرأة كما يدعون أنهم يمثلون الرؤية الوحيدة لتفسير الإسلام من أجل حقوق المرأة.

من هو مؤيد النسوية الإسلامية؟

يتعلق هذا الجزء بالجزء السابق والسياسات المتعلقة بهذا المصطلح، فهو يلقي الضوء على كارثة هوية النسوية الإسلامية. وفي كثير من الحالات, يعمل العديد من العلماء والنشطاء في إطار اختصاصات النسوية الإسلامية والالتزام بأفكارها ومفاهيمها. ولكنهم يرفضون أن يتم تصنيفهم إما لأنهم يرفضون النسوية باعتبارها مفهوم غربي أو لأنهم يرون مساهمتهم كجزء من العمل من أجل تقدم الأمة الإسلامية ولأن المساواة تعد جزء من نظام القيم الإسلامي وليس لخدمة المرأة المسلمة فقط بل الأمة بأكملها. فهناك مشكلة سياسية مع استخدام المصطلح ومشكلة إدراكية لمن يستخدمون الإسلام لأنه النظام الحاكم في المنطقة بينما لا ينتمون أيدلوجيا للمدرسة.

النسوية الإسلامية بعد الربيع العربي

بعد النجاح في الإطاحة ببعض الديكتاتوريين في 2011 كما هو الحال في مصر وتونس, بدأ كثير من المحللين في التعبير بتفاؤل أن هذا هو الوقت المناسب لنهوض النسوية الإسلامية واستخدام الدراسات والأدبيات الراسخة لمحاربة النظام الأبوي، ويفترض البعض أن النسوية الإسلامية سوف تنتشر وتنشر المناقشات والأحاديث المتعلقة بها وستؤدي إلى استمرار النشاطات الأكاديمية ذات الصلة. وكإحدى مؤيدي النسوية الإسلامية, أرى أن الطريق لا زال طويلاً. وأختلف مع نوبات الاحتفاء والتفاؤل التي قام بها الإعلام الغربي والمراكز البحثية للذين يرون أن النسوية الإسلامية تمتلك جميعأسباب الازدهار الفوري“. حيث اعتقد الكثيرون أن هذا هو أفضل وقت لانتشار مفاهيم النسوية الإسلامية لمحاربة ومواجهة الدعوات المتزايدة للأحزاب الإسلامية الحاكمة الجديدة والحركات الأصولية في المجتمع لإبعاد المرأة من الساحة العامة. ويتم الترويج للنسوية الإسلامية باعتبارها الحل المنطقي الوحيد النابع من نفس النسق، ومن ثم فهي تجيب عن أسئلة خاصة بدور المرأة ووضعها في المجالين العام والخاص. وهي تعتبر مناقشات بديلة تستخدم الأدوات البسيطة ويمكنها أن تجذب مجموعة كبيرة من الوسطيين.

وحتى الآن لم يتمكن مؤيدو النسوية الإسلامية من مواجهة النقد والنقاد، وربما يحاول البعض ترسيخ النسوية الإسلامية ليس فقط كفكر ولكن كنشاط. وأحد السبل الرئيسية التي أراها لتعزيز دور النسوية الإسلامية هو كسب مزيد من التابعين من مختلف المجالات مثل الأئمة والداعيات وأساتذة الفقه وسائر العلوم الشرعية وخاصة من النساء وبالإضافة إلى ذلك، يجب علينا أن نظفر بعديد من الحلفاء الذين يشاركوننا الهدف الرئيسي حتى إن كانوا في وضع مخالف، وأعني بذلك مؤيدي النسوية العلمانيين وبعضالناشطات والعالمات الإسلاميين. فأعتقد أنك إذا ظللت كامناً في خندقك فإن هذا لا يعني المساعدة في معركة عامة، وإضافة المزيد إلى تاريخ الاستقطاب بينما أرى أن الشك يمكن إنهاؤه عن طريق الحوار وليس بانتقاد الغير. نحن في حاجة إلى الاتحاد في مواجهة الاتجاهات التي تكبح حقوق المرأة, نحن مختلفون ولكن عدونا واحد.

وبالإضافة إلى ذلك، يعد من الأهمية بمكان تقديم المعارف باللغة العربية، حيث يمنح هذا التعريب الفرصة لمجموعة أكبر من الناس للتفاعل مع وجهة نظرنا كما ستخلق نقاش وحوار عام ينفي الأفكار الخاطئة والمغالطات التي يروجها الإسلاميون والتي تفيد بأنهم لديهم الحل الوحيد، وهذا ما يحدث حالياً ولكن خلق المعارف ونشر المعلومات يعد عملية بطيئة ومثال لذلك عقد مؤتمر عن النسوية والمنظور الإسلامي الذي نظمته مؤسسة المرأة والذاكرة في مصر، كنوع من المعلومات البديلة ورغبة المنظمين في نشر الوثائق العربية قدر الإمكان في مارس 2012.

وأخيراً سأختتم قائلة أن التكهنات يجب أن تكون مبنية على حقائق وعلى الاعتبارات البيئية. وبقدر ما أتمنى أن يستمع الجميع إلى النسوية الإسلامية إلا أنني أرى أننا نحتاج إلى العمل أكثر لتحقيق هذا الهدف وللتأمل في خلق استراتيجيات مشتركة مع حلفائنا. وعلى الرغم من ذلك، أنا أؤمن بأن الجهاد من أجل النوع الاجتماعي يتزايد ويزداد قوة لإبطال كل ما صاحب الإسلام من اتجاهات أبوية.

ويجب أن نكون مطلعين على آخر المستجدات والتطورات وأن نتمكن من تشكيل المناقشات والجدل للتعامل مع الوضع الحالي وأن نأخذ في اعتبارنا أننا في حاجة إلى أن نكون راسخين ومنغمسين في مجتمعنا. كما يجب أن يكون لدينا حس مرهف بالأحداث المحلية وأن نقوم بتشكيل تحالفات مع اللاتي قد يشاركننا خط الأساس حتى وإن كان لديهن أدوات مختلفة أو يعشن في خنادق مختلفة.

شارك:

اصدارات متعلقة

استفحال المنظومة الأبوية المصرية في انتهاك أجساد القاصرات / القصر
دور قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في تمكين المرأة في مصر
ملك حفنى ناصف
غياب السلام في “دار السلام”.. نحو واقع جديد للعلاقات الزوجية
مطبوعات
نبوية موسى
من قضايا العمل والتعليم
قائمة المصطلحات Glossary
مطبوعات
مطبوعات