كانت استر فهمي ويصا (۱۸۹5 – ۱۹۹۰) امرأة تدافع عن حقوق الوطن وحقوق النساء، ويمكن وصفها بأنها واحدة ضمن سلسلة طويلة من “النساء المناضلات“ {ورد هذا المصطلح في بحث قدمته نادية الخولي في مؤتمر “العرب وبريطانيا” الذي عقد في القاهرة في مارس ۱۹۹۸، وعنوان البحث “إعادة التفكير في الماضي: نساء مناضلات في السير الشعبية العربية والخيال الغربي}. المصريات ممن تعرضت سيرتهن للنسيان إن لم يكن الطمس والاستبعاد التام. وقد كانت إجادتها لثلاث لغات تمثل سلاحًا فعالاً في مواجهة القهر، حيث مكنها ذلك من استخدام القلم للتعبير عن رفضها الشديد للوضع القائم. وقد كان لفصاحتها – التلقائية أحيانًا والمندفعة أحيانًا أخرى – أن حولت نبرة الانفعال في خطبها ومحاضراتها إلى خطاب نسوي راديكالي.
وقد ناضلت إستر فهمي ويصا بضراوة وتحد وإخلاص في سبيل بلوغ هدفين وتحقيق الحرية على مستويين اثنين لا يمكن فصلهما من وجهة نظرها، وهما: التحرر من الاستعمار الأجنبي والتحرر من القيود المفروضة على المرأة. ونجد أنه في عام ١٩٣٦ صدر في إحدى المجلات الأمريكية في عمود بقلم إليانور روزفلت تعليق على إستر ويصا نصه: “أعتقد أن النساء في كل مكان تشعرن بوجود علاقة وطيدة تربطهن بها من حيث الاهتمامات والمثل العليا المشتركة“.
وقد ولدت إستر في أسيوط لأسرة قبطية غنية من ملاك الأرض، وانضمت إلى الحركة السياسية عام ۱۹۱۹ من خلال علاقة أسرتها بمكرم عبيد. وهكذا وجدت نفسها وهي بعد في الرابعة والعشرين من عمرها تحتل موقعًا محوريًا على الساحة السياسية والاجتماعية، وهو موقع لم تتركه طوال عمرها. وقد بدأ نشاط إستر في الحركة السياسية ودورها في العمل الاجتماعي عندما شاركت مشاركة فعالة مع خالتها ريجينا خياط في مسيرة النساء الشهيرة عام ۱۹۱۹، وأعقب ذلك مباشرة تعرفها على هدى شعراوي. وهكذا تم وضع حجر الأساس للجنة سيدات الوفد المركزية، وهي لجنة أسستها مجموعة من النساء الرائدات لتعمل مع حزب الوفد من أجل استقلال مصر وتحرير المرأة في آن.
ولقد قامت مجموعة من النساء يبلغ عددهن ثلاثة آلاف امرأة بعقد اجتماعهن التأسيسي التاريخي الأول في يناير ۱۹۲۰، رغم قيام الحكومة بحظر كافة الاجتماعات السياسية. وقد تم عقد الاجتماع في مقر الكنيســــــة المرقصية حيث تم انتخاب إستر ويصا لتشغل منصب سكرتيرة الجمعية تحت رئاسة هدى شعراوي (ثم انتخبت إستر فيما بعد في منصب نائبة الرئيسة). وقد كانت الكنيسة المرقصية هي المكان الذي انطلقت منه “نساء مصر” في هجمتهن ضد لجنة ملنر في ديسمبر ۱۹۱۹. وفي احتفال بذكرى “حركة تحرير المرأة” في عام ۱۹6۹، حيث تم تكريم إستر لدورها البارز في حركة ۱۹۱۹ النضالية، ألفت إستر كلمة قالت فيها:
لقد بدأنا بإرسال بيانات احتجاج وكتابة المقالات في الصحف اليومية، وقد كان لعملنا هذا قيمة كبيرة.
وبعد عودة زغلول باشا من منفاه في مالطه عقدنا اجتماعًا موسعًا احتفالاً به وبزملائه. وعندما تقدمت الآنسة فكرية حسني لإلقاء كلمتها – وهي مرتدية الحجاب – نهض سعد زغلول من مكانه وأزاح عنها الحجاب، ومنذ ذلك الحين مضت النساء بلا حجاب.
وانخرطت إستر في نشاط مكثف في سبيل إنشاء جمعيات لتحسين وضع المرأة الاجتماعي، وقامت بكتابة مقالات في هذا المجال للصحف المختلفة، بصفتها الشخصية وكذلك بصفتها عضوة في الحركة النسائية. وقد قامت لجنة سيدات الوفد المركزية بنشر مقال – بتحريض من إستر – ينتقد ويرد على مقال بقلم فالنتين شيرول نشرته في صحيفة التايمز بعنوان “نساء مصر” بتاريخ ٢ يناير ۱۹۲۰ وردًا على مقولة شيرول حول “النتائج المستقبلية للانحطاط الاجتماعي” ذكرت لجنة السيدات الآتي:وقامت إستر في الفترة ما بين عامي ۱۹۲2 – ۱۹۲5 بمراسلات طويلة وجريئة ومتواصلة مع اللورد اللنبي – المندوب السامي البريطاني في مصر حينذاك. وقد حددت في مراسلاتها تلك بدقة شديدة القضايا الملحة في تلك الفترة وهي: الإفراج عن سعد زغلول من منفاه، واستقلال مصر عن بريطانيا، والإفراج عن المعتقلين المصريين في سجون مصر. وفي عام ۱۹۲۸ كان تولي مصطفى النحاس باشا زمام الوفد خلفًا لسعد زغلول مخيبًا لآمال إستر، حيث أن النحاس باشا لم يكن مرحبًا بـــ “تدخل النساء في السياسة“. وهكذا وعلى الرغم من أن إستر كانت مشعلاً من مشاعل الحركة النسائية، إلا أنها ما لبثت أن أخذت في التراجع عن العمل السياسي ووجهت اهتمامها نحو تحسين أوضاع النساء والبنات. ومما هو جدير بالذكر أن عمل إستر في مجال التنمية الاجتماعية كان يرتكز على قضيتين اثنتين شغلتاها طوال عملها السياسي وحياتها كلها. وهكذا قامت في عام ١٩٢٤ بتأسيس “جمعية العمل من أجل مصر” التي كان من ضمن أهدافها العديدة مساعدة النساء الفقيرات لتمكينهن من الاعتماد على أنفسهن. وقد واصلت الجمعية عملها منذ إنشائها وحتى عام ١٩٦٢ عندما انتقلت تبعيتها إلى وزارة الشئون الاجتماعية وقد لعبت إستر دورًا هامًا في مؤسسة اجتماعية أخرى – منذ العشرينات وحتى الثمانينات من هذا القرن – وهي جمعية الشابات المسيحيات التي أخذت على عاتقها النهوض بالمرأة والفتاة وتعزيز دورها بصرف النظر عن عوامل الدين والطبقة الاجتماعية. وبذلك تكون إستر هي إحدى الرائدات الأوليات لمفهوم الجمعيات الأهلية والمنظمات غير الحكومية. وسواء نظرنا إلى مجال السياسة أو العمل الاجتماعي، فإننا نجد أن إستر قد ناضلت بإخلاص من أجل تحقيق شكلين من الحرية: التحرر من سلطة الاستعمار والتحرر من سيادة الرجل.إننا نحتل صفحة بالغة الأهمية في تاريخ مصر، وكلنا آمال عريضة أن تتقدم المرأة عندنا لتحتل موقعًا متقدمًا وتصبح مثالاً للمرأة النبيلة وهي تقود البشرية نحو مستقبل أكثر إشراقًا، مثلما فعلت النساء في مصر القديمة.
شارك: