مؤتمر: فلنتذكر نبوية موسى
( 1886 – 1951)
في إطار اهتمام ملتقى المرأة والذاكرة بالبحث في التاريخ الثقافي العربي والكشف عن الدور الفعال للنساء في صنع التاريخ رغم تعرضهن عادة إلى الاستبعاد والتهميش في عمليات التأريخ الرسمي، قام الملتقى بعقد مؤتمر على مدى يومي ۲۲ – ۲۳ يونيو ١٩٩٩ بمكتبة القاهرة الكبرى عن نبوية موسى،بوصفها إحدى النساء اللاتي قمن بأدوار بارزة في تاريخ مصر الحديث ثم سقطت أسماؤهن من ذاكرة الأمة. ونبوية موسى هي أول فتاة مصرية تحصل على شهادة البكالوريا عام ۱۹۰۷، وهي أول امرأة مصرية تتخذ من تعليم الفتيات قضية وطنية. وقد قدم المؤتمر أبحاثاً متنوعة الموضوعات والمناهج تناولت نبوية موسى وإنجازاتها في الإطار العام للأوضاع الثقافية والسياسية في مصر آنذاك، رابطة أوائل القرن بأواخره، منوهة إلى بعض القضايا الثقافية والاجتماعية منها ما قد حسم ومنها مازال مطروحًا على ساحتنا اليوم، فارضة بذلك مناهج مستحدثة ومستجدة للتعامل مع بعض قضايانا المزمنة. وقد دار المؤتمر حول محاور ثلاثة عامة هي المرأة والتعليم والعمل، مركزاً على التشابكات بينهما، طارحًا قضايا سياسية واجتماعية وثقافية وسياسية شتى.
وبمناسبة المؤتمر قام ملتقى المرأة والذاكرة بإعادة نشر إحدى مؤلفات نبوية موسى: كتاب تاریخي بقلمي،الذي تدون فيه الكاتبة سيرتها الذاتية، وهو كتاب جدير بالنشر حيث أنه كتاب “نادر” لكونه من السير الذاتية المعدودة التي تركتها لنا الرائدات المصريات في العصر الحديث، وهو أيضا “نادر” من حيث عدد النسخ التي مازالت موجودة منه خاصة في المكتبات العامة. ولقد كانت هذه الندوة أحد الأسباب التي حفزت الملتقى على إعادة نشر الكتاب حفاظًا على “تاريخ” النساء و“أقلامهن” من الاستبعاد والإنكار. كما سيصدر قريبًا عن الملتقى كتاب يضم وقائع المؤتمر والأوراق التي قدمت.
أوراق الذاكرة
صدر عن الملتقى في صيف ۱۹۹۹ أول بحث في سلسلة الدراسات غير الدورية أوراق الذاكرة. وهو بحث مشترك للدكتورة أميمة أبو بكر والدكتورة هدى السعدي، بعنوان النساء ومهنة الطب في المجتمعات الإسلامية (ق ۸ م – ق ۱۷ م). يقدم البحث مسحًا تاريخيًا للنساء اللاتي مارسن الطب بكافة أشكاله في المجتمعات المسلمة المبكرة، مع تحليل للدور الذي لعبنه في الحياة العامة،ولأسباب تناقصهن التدريجي عبر السنوات والقرون، ولقضية التأريخ لهن في المصادر الرسمية. وتضم الدراسة حصرًا مفيدًا للأسماء والتواريخ والبلاد والمصادر التاريخية. وتهدف سلسلة أوراق الذاكرة بصفة عامة إلى إنتاج مادة ثقافية وتاريخية من شأنها إضافة معلومات هامة عن تاريخ النساء والذاكرة الثقافية والشعبية في المجتمع.
وسوف يدخل في نطاق هذه السلسلة الأبحاث المختلفة التي تقوم بها عضوات الملتقى من دراسات تاريخية أو تحليلية أو نقدية،وكذلك نشر نتاج بعض الأنشطة الأخرى حتى يسهل طرحها على الساحة الثقافية وإتاحتها أو توصيلها للقارئ العام.
قالت الراوية
قام ملتقى المرأة والذاكرة بإصدار كتاب قالت الراوية الذي تضمن مجموعة من الحكايات التي نتجت عن حلقات عمل مشروع كتابة الحكايات من وجهة نظر المرأة. كما تضمن الكتاب نماذج من الحكايات الشعبية وحكايات ألف ليلة وليلة. وقد قامت هالة كمال منسقة المشروع بتحرير الكتاب وألقت الضوء على طبيعة الحكايات الشعبية بوصفها نوعًا من نماذج التراث الشفهي التي يتمتع بالمرونة والتعددية، وذلك في مقدمة تحليلية ونقدية تناولت فيها دراسة لأساليب توظيف اللغة والكتابة وصوت المرأة.
وفي إطار اللقاءات الشهرية عقد ملتقى المرأة والذاكرة ندوة شهر فبراير ۲۰۰۰ بعنوان “قالت الراوية” ودعي إليها الدكتورة نبيلة إبراهيم أستاذة الأدب الشعبي بجامعة القاهرة والأستاذ حلمي النمنم الناقد المعروف والدكتورة نهاد صليحة أستاذة المسرح والنقد بأكاديمية الفنون. ودارت الندوة حول مناقشة الكتاب من عدة جوانب، فتناولت الدكتورة نبيلة إبراهيم البعد الفوكلوري وتناول الأستاذ حلمي النمنم فكرة إعادة كتابة التاريخ والمستوى الفني للحكايات، واستفاضت الدكتورة نهاد صليحة في الحديث عن دور أمسيات الحكي والشكل المسرحي للحكايات الشعبية المعاد صياغتها من وجهة نظر المرأة.
ضمن نشاط مشروع إعادة كتابة الحكايات من وجهة نظر المرأة أقام ملتقى المرأة والذاكرة أمسيتي حكي. جاءت إحداهما في إطار احتفالية المجلس الأعلى للثقافة بمرور مائة عام على صدور کتاب قاسم أمین تحرير المرأة أكتوبر (۱۹۹۹)، وجاءت الثانية ضمن نشاط وحدة دراسات “النوع” بالجامعة الأمريكية ( فبراير ۲۰۰۰). وقد ركزت مجموعة الحكاءات على تطوير الشكل المسرحي لأمسيات الحكي فتم استخدام موتيفات شعبية تمثلت في الموسيقى المصاحبة للعرض والتي اعتمدت على آلة العود وكذلك استخدام الملابس ذات الطابع الشعبي.
حرب أهلية ثقافية
نُشر لمجموعة الملتقى مقال طويل في عدد فبراير ۲۰۰۰ من مجلة وجهات نظر الشهرية المصرية بعنوان: “حرب أهلية ثقافية ساحتها قضايا المرأة” تم فيها رصد وتحليل ردود الأفعال الصحفية لمؤتمر احتفالية “قاسم أمين: مائة عام على تحرير المرأة العربية” الذي عقده المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة في أكتوبر ۱۹۹۹، حيث اتسمت معظم التعليقات الصحفية بالتحيز وغياب الموضوعية. عبرت مجموعة الملتقى عن أسفها للظواهر التالية: (۱) استغلال كافة التيارات الفكرية المتناحرة والأحزاب المعارضة موضوع قضايا المرأة في الهجوم المتبادل والتراشق بالاتهامات، أو في الاعتراض على المؤسسات الرسمية وتسفيه نشاطاتها؛(۲) التعبير عن مزيد من الاستهانة بالمرأة وتنميطها والسخرية من شخصيتها ومطالبها ؛ (۳) الترسيخ للاستقطاب الحاد بين التيار الديني والتيار العلماني وما يقال عن الاتجاه “الماضوي” في مقابل الاتجاه العصري الحديث، رغم ثبوت بالتحليل والتفسير أن معظم هذه الاتجاهات هي في الحقيقة تنويعات على لحن واحد من “المحافظة” “المتشددة” و“التقليدية” المعاصرة. كما أثارت المقالة نقاطًا أخرى مهمة مثل الرد على مزاعم الأولويات الاقتصادية ومن تكون له أحقية تمثيل “المرأة الحقيقية” والعلاقة مع الغرب، كعناصر مستخدمة في خطاب الاعتراض على أي شكل من أشكال النشاط النسائي / النسوي.
المرأة في الخطاب الدينى المعاصر الإسلامي والمسيحي
كان عنوان ندوة شهر مارس “المرأة في الخطاب الديني المعاصر الإسلامي والمسيحي: قراءة مقارنة أولية“، وألقت المحاضرة الباحثتان د. فيفيان فؤاد (مديرة المركز القبطي للدراسات الاجتماعية) والأستاذة نادية رفعت (المديرة المساعدة بمركز الفسطاط للدراسات والاستشارات). وهو بحث مشترك للباحثتين يهدف إلى تحليل الخطابات الرسمية للمؤسسات الدينية في مصر: الإسلامية والمسيحية القبطية فيما يخص تحديد شخصية المرأة ودورها في الأسرة والجماعة الدينية والمجتمع. لا تناقش الدراسة عناصر الديانتين أو مصادرهما الرئيسية أو مبادئ العقيدة الإسلامية والمسيحية، بل تقوم بتحليل مقارن للمنهج الذي اتبع في صياغة خطابات العلماء الإسلاميين ورجال الدين بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية بالتحديد حول المرأة، وبرصد للخطوات المماثلة في كلا الخطابين. يتكون البحث من جزأين: الأول يتعرض لهذه الآليات المشتركة، مثل الاستشهاد بآيات من النص الديني لإقرار المساواة المبدئية بين الرجل والمرأة على المستوى الإنساني العام والروحي، ثم التأكيد على دور المرأة في مطلع المسيحية والإسلام في تركيز دعائم الكنيسة أو في مجال الدعوة والهجرة ورواية الحديث إلى آخره، كذلك المقارنة بالحالة الاجتماعية المتدنية للمرأة في العصور التي تسبق ظهور المسيحية أو الإسلام،ثم وصولاً إلى الاتفاق على التفاوت الفطري الخلقي بين طبيعة المرأة والرجل وتقسيم الأدوار وتحديدها بين الخاص والعام أو بين الأسرة والجماعة الدينية والمجتمع، وأخيرًا خلوصاً إلى التأكيد على طبيعة المرأة المغايرة المستندة إلى وظيفتها البيولوجية من حمل وولادة والتي تؤهلها في الأساس لخدمة الأسرة ورعاية الأطفال، وبالتالي استخدام هذا كتبرير لرئاسة الرجل داخل الأسرة وخارجها. أي أن نفس الخطوات اتبعت للوصول إلى نتيجة واحدة وهي تحديد الأدوار تحديداً قطعياً وتثبيتها بدعوى أنها أدوار وظيفية تكاملية واستنادًا مرة أخرى إلى المصادر الدينية الرئيسية دون الاجتهاد في تطبيق قيم المساواة والعدالة المؤسسة للديانتين على المرأة. والجزء الثاني يعرض للعوامل التاريخية والسياسية والاجتماعية المؤثرة على الخطابين والمنهج سالف ذكره، مثل تأثير المنطق الدفاعي تجاه الآخر الغربي والآخر الديني والدافع الملح في التبرير وتثبيت الموقف على ما هو عليه حماية للهوية، مما أدى إلى الجمود والعزوف عن التطور حتى ولو في داخل الإطار الأساسي للعقيدة نفسها. وتختم الورقة بالدعوة إلى بلورة خطاب ديني / فقهي نسائي يوظف العقيدة أو البعد الإيماني كما يفعل قيم المساواة والعدالة والكرامة الإنسانية التي هي جزء من الدين.