المشاركة السياسية للنساء العرب في مجال العمل الأهلي
مراجعة:
المشاركة السياسية للنساء العرب في مجال العمل الأهلي
كتاب “المرأة في المنظمات الأهلية العربية” هو حلقة في سلسلة اهتمام الشبكة العربية للمنظمات الأهلية بتطوير البحوث في مجال العمل الأهلي العربي. والكتاب يتضمن ست دراسات للمرأة في المنظمات الأهلية في كل من الأردن، المغرب، اليمن، فلسطين، مصر، والكويت قامت بها مجموعة من الباحثات والباحثين المتميزين في العالم العربي. وتتناول هذه الدراسات الستة بالتحليل دور المرأة في المنظمات الأهلية العربية. ولقد ركز الباحثون اهتمامهم على الدور التاريخي الذي لعبته هذه التنظيمات في النضال والكفاح الوطني.
من خلال العرض التاريخي الخاص بكل قطر من الأقطار الستة يلاحظ القارئ أن المنظمات النسائية والعمل الأهلي قد ارتبط بالعمل السياسي والنضال الوطني في كل قطر من الأقطار الستة. ففي الأردن نجد أن الجمعيات النسائية قد اكتسبت طابعًا سياسيًا حين تصاعدت حركة المقاومة الفلسطينية ضد الانتداب والتهويد في فلسطين وقد ساهمت نكبة ١٩٤٨ في تسييس القطاع النسائي فأصبحت مشاكل المخيم بنسائه وأطفاله تمثل جزءًا كبير من نشاط الجمعيات الأهلية. أما في المغرب فقد كان للاستعمار ومشاركة النساء في الحركة الوطنية أثر كبير على العمل الاجتماعي الأهلي فنجد أن الفرع النسائي الذي نشأ في صفوف حزب الاستقلال سنة ١٩٤٤، فضلاً عن مساهمته في نشر الوعي الوطني في صفوف النساء، اتجه بصفة خاصة نحو محاربة الأمية ومساعدة الفتيات الفقيرات اليتيمات. بوجه عام نجد عدداً كبيراً من الجمعيات الخيرية في هذا القطر قد تأسست في أحضان الأحزاب السياسية خاصة مع بداية الأربعينيات من القرن العشرين. في فلسطين نجد أيضًا أن الحركة النسوية منذ انبثاقها كانت ومازالت مرتبطة بشكل أو بآخر بالقيادة السياسية في معظم الجمعيات الخيرية التي بدأ تأسيسها على ضوء النكبة وما تم بالشعب الفلسطيني من تشتيت. وأصبح العمل الإغاثي والتدريب ورفع مستوى تعليم المرأة لإيجاد عمل لكسب القوت وتشجيعها على الخروج من الحياة الخاصة إلى الحياة العامة والمشاركة في العمل السياسي، من أهم أهداف الجمعيات الخيرية التي تأسست في فلسطين بعد النكبة. أما في بلاد اليمن فقد ارتبط العمل النسائي الأهلي بالتطورات السياسية التي شهدتها البلاد في حقبة الستينيات من القرن العشرين حيث أن اليمن عمل بعد الاستقلال على خلق بنية قانونية ملائمة لتغيير نشاط المرأة وإدماجها في العملية الإنمائية اجتماعيًا واقتصاديًا وسياسيًا وقد قدمت الدولة الدعم لظهور عدد من الجمعيات النسائية الأهلية التي لعبت دورًا هامًا في البلاد.
من أكثر البلاد التي ارتبط فيها العمل النسوي بالعمل الوطني والسياسي هي مصر فتعتبر ثورة ۱۹۱۹ أوضح الأمثلة الملموسة لتقاطع الحركتين النسوية والوطنية كما أن الحركة النسوية بوجه عام في مصر تسعى لوضع نفسها في إطار الحركات الاجتماعية الأكثر شمولاً فنضالات المرأة قد مهدت لظهور مشاريع نهضوية تحررية ليبرالية.
ولقد كانت هناك علامات مضيئة على طول طريق الحركة النسائية وتنظيمها فقد قامت هدى شعراوي ونساء الاتحاد النسائي بإعداد جيل ثان من النسويات ليقدن الدرب من بعدهن فظهرت زينب الغزالي في الثلاثينيات وأسست جمعية النساء المسلمات، جمعية نسائية ذات توجه إسلامي، كذلك هناك سيزا نبراوي ودرية شفيق التي أنشأت اتحاد بنت النيل وكانت معنية بشدة بحقوق النساء السياسية. بينما ظهرت في الأربعينيات والخمسينيات من القرن العشرين إنجي إفلاطون ولطيفة الزيات وغيرهما وأسسن تيارًا جديدًا في الحركة النسائية سعيًا لربط مطالب المرأة بتحرر المجتمع من كافة أشكال الاستعمار وتحقيق الاشتراكية. وننتقل بعد ذلك إلى عام ۱۹6۷ التي قالت عنها الباحثات أنها كانت نقطة تحول حيث أن هزيمة ١٩٦٧ كانت بداية صعود التيار الإسلامي الذي استمر في التصاعد في السبعينيات وكان يدعو لعودة المرأة إلى المنزل وتحديد دورها في نطاق الأسرة ولكن على الرغم من هذا المد الرجعي إلا أنه ظهرت أصوات قوية منفردة طرحت قضايا النساء من منظور نسوي مثل نوال السعداوي وأمينة السعيد. إلا أن نهاية عقد السبعينيات وبداية الثمانينيات بدأت تشهد بشائر ميلاد وعي نسائي جديد فالثمانينيات شهدت نوعًا من العودة من قبل بعض النساء المصريات إلى الاهتمام بقضايا المرأة باعتبارها قضايا قائمة بحد ذاتها. فشهدت هذه المرحلة بداية تشكيل بعض المجموعات التي تنظر من منظور خاص إلى المسألة النسائية مثل منظمة تضامن المرأة العربية التي تأسست سنة ۱۹۸۲ وقادتها نوال السعداوي. وقد نشطت مثل هذه المنظمات في فترة التسعينيات وزاد الوعي النسائي فتأسست في بداية عقد التسعينيات مجموعة من المنظمات رفضت الاندراج تحت مظلة الشئون الاجتماعية وسجلت نفسها كشركات مدنية لا تستهدف الربح لتحصل على قدر أكبر من حرية الحركة وتبتعد عن هيمنة الحكومة. وقد ضمنت الباحثات في نهاية الفصل دراسة ميدانية لعشر من المنظمات النسائية النشطة في مصر للتوصل إلى وضع المنظمات الحالي والتعرف على اتجاه مسيرتها والوسائل والتوجهات التي يمكن تبنيها من أجل إعادة الحيوية إلى المجتمع المدني وتحسين وضع المرأة.
وبعد التعرف على تاريخ الجمعيات الأهلية النسائية في مصر ننتقل بعد ذلك إلى الكويت حيث نجد أن الباحثة في هذا الفصل تربط أيضًا بين نشاط الجمعيات النسائية والظروف السياسية التي مرت بها الكويت منذ الاستعمار وحتى وقتنا هذا. وعلى الرغم من أن أول جمعية نسائية في الكويت تأسست عام ١٩٦٢ بعد الاستقلال إلا أن عمل المرأة الاجتماعي والتطوعي سبق ظهور الجمعيات الأهلية المنظمة فقد كانت المرأة الكويتية تتطوع وتهب دومًا مستجيبة لدواعي واجبها القومي والوطني في كل المناسبات والظروف متطوعة بجهدها ومالها. وقد كان هذا جليًا في موقفها من الاستعمار كما أن العدوان العراقي على الكويت كان من أكثر المواقف التي ظهر فيها ارتباط العمل النسائي الأهلي بالمقاومة الوطنية.
نلاحظ مما سبق عرضه أن كلاً من الأبحاث الستة تؤكد على الدور الذي لعبته التنظيمات النسائية في النضال والكفاح الوطني وكيف أن هذه التنظيمات كان لها تأثير على وضع السياسات والقرارات في الأقطار العربية محل البحث. فالعرض التاريخي الذي حرص الباحثون والباحثات على تقديمه في كل من الأبحاث الستة هو من أهم مميزات هذا العمل حيث أن التعرف على تاريخ العمل الأهلي هو أفضل الطرق لفهمه بشكل أفضل وتطويره فالفكرة العامة للعمل تقوم على قراءة الماضي لفهم الحاضر والسياق الذي نبع منه في محاولة لنقل دروس من التاريخ وعنفوانه وحيوية الأفراد وشجاعتهم لتكون دعامة لمن يعملون لتغيير واقع المرأة في مجتمعنا ولتحقيق المطالب التي نادت بها النساء في الماضي.
مراجعة: “المرأة في المنظمات الأهلية العربية” دار المستقبل العربي، 1990.
هدى السعدي مدرسة بجامعة القاهرة – قسم التاريخ – فرع بني سويف. عضوة مؤسسة بملتقى المرأة والذاكرة.