قراءة في كتاب السخاوي: النساء

التصنيفات: غير مصنف

عرض:

قراءة في كتاب السخاوي: النساء

إن ما يقرب من نصف ما يجب على التاريخ نقاشه، أي ما يخص النساء، يترك في الغالب دون إشارة تذكر.

ولذا كان حرياً علينا الانتباه إلى كل ما نجد من نصوص أو مخطوطات ذات علاقة من قريب أو من بعيد بتلك الفئة التي تمثل النصف في أى مجتمع. فعلى الرغم من تزايد الوعي في الحقبة الأخيرة بأهمية دراسة وضع النساء تاريخياً داخل إطار بيئاتهن الاجتماعية والاقتصادية فإن الاهتمام بدراسة الموضوع مازال متأخراً عن الركب إذا ما قيس بموضوعات أخرى ذات أهمية (1).

وفي استطاعتنا تعزية ذلك بشكل عام إلى قلة بل ندرة المصادر المتخصصة الأصلية وصعوبة إعادة تركيب صورة واضحة من خلال الإشارات العرضية المتضمنة في متن ذلك الكم الهائل من النصوص الأدبية التي لا تتعرض للموضوع بصفة خاصة. أما السؤال الذي يفرض علينا طرحه في هذا الصدد فهو: لماذا لم تختص النساء المسلمات بقدر أوفر من المعالجة؟. وهل كان ذلك انعكاسًا للأوضاع الفعلية السائدة آنذاك، بمعنى أن دورهن في المجتمع كان غير ذى بال؟. وعلى افتراض أن ذلك كذلك، فهل بإمكاننا أيضًا تعزية ذلك التجاهل إلى موقف الرجل المسلم؛ ذلك الموقف الذي دعاه في كثير من الأحيان إلى وأد وجود المرأة في الحياة العامة وبالتالي في الآدابالتي كتبها هو؟ (2).

إن قراءة عامة في كتابات الرجال تكشف عن ميل واضح وقوى نحو الحد من مجالات تواجد النساء بهدف تقييد سطوتهن غير المرغوب فيها وحصر خطرهن الاجتماعي المتمثل في الفتنة (۳) في أضيق حيز ممكن.

ومع هذا فإن الافتراض بأن الحدود المسموح بها للمرأة بالتحرك في المجتمع كانت على القدر ذاته من الصرامة طيلة تاريخ المجتمعات الإسلامية يعتبر ضرباً من التضليل (٤)، مثله مثل افتراض أن تلك الحدود كانت مطبقة بالعدل والقسطاس على كل الطبقات.

وسوف يظل الحديث على نحو حاسم ونهائي عن الوضع التاريخي للمرأة المسلمة في المجتمع حديثاً سابقاً لأوانه إلى أن يتسنى لنا قدر أوفي من الدراسات الدقيقة المتفحصة للمصادر الأصلية.

ولكن يظل بإمكاننا على الرغم من هذا التعرف على حياة النساء المسلمات من خلال ما تبقى لنا من الخطابات الخاصة، وعقود الزواج والأوراق القانونية الأخرى (٥)، إلى جانب المعلومات المتفرقة المتباينة التي نجدها في الأجناس الأدبية العربية/ الإسلامية المختلفة (6)، ومنها معاجم السيرة الإسلامية. وقد اخترت أن أؤسس لدراستي القصيرة هذه عن النساء المسلمات من خلال أحد تلك المعاجم وهو معجم السخاوي (۷).

ولكن على طالب التاريخ الإسلامي وهو/ وهى بصدد دراسة معاجم السيرة عليه/ عليها أن يتنبه إلى الحدود التي تخضع لها عملية إدراج المعلومات في ذلك الجنس الأدبي (8)، فعلى الرغم من أن مفهوم السيرة اتسع ليتضمن معلومات إضافية، ظل الضوء يتركز على الأفراد الذين شاركوا في نقل التراث الثقافي الرسمى على نحو خاص دون غيرهم. ولكن ذلك لم يمنع تزايد الاهتمام بين كتاب السيرة المسلمين بالشخصيات السياسية البارزة. وفي مقدورنا على كل حال وعلى نحو عام القول بأن معاجم السيرة كانت لها وظائف عملية وتقنية داخل الإطار القانوني والفكري للمجتمع المسلم الدينى، وكان الهدف الأساسي لكاتب السيرة التقليدي وهو توفير المعلومات الضرورية للعلماء بغرض الحفاظ على الاستقامة والأمانة المطلوبة في نقل الأحكام القانونية والتراثية. ولكى يتحقق الهدف المنشود كان على كاتب السيرة أن يقدم بعض المعلومات عن خاصية وجودة إنجاز المترجم له العلمى ورحلاته أو رحلاتها في سبيل تحصيل العلم إلى جانب معلومات عن حياته أو حياتها الخاصة وسمات شخصيته (۹) أو شخصيتها.

وبذا فإننا نجد أن تدوين مادة السيرة يتم وفقاً لنموذج مسبق يحقق المطلب العملي الذي كان على كتاب ذلك الجنس الأدبي أن يوفروه ومن الجدير بالتأكيد أن التاريخ يحمل بالنسبة إلى المؤرخ المسلم عنصراً أخلاقياً قوياً. ولذا فإن التراجم تعامل موضوعها (أي الشخص المترجم له) على أنه مثل وقدوة للعامة يحتذون بها (۱۰). ومن ناحية أخرى، من المحتمل أن المؤرخ كان يستجيب أحياناً لرغبة الرجال والنساء من ذوى السطوة في أن يذكروا في عمل تاریخي (11).

لقد طور كتاب الترجمات المسلمون قواعد بعينها كان المفترض أن تقام على أساسها حياة الشخص المترجم له. وبالتالي حددت تلك القواعد نوع المعلومات التي نجدها في معجم التراجم بما أنها تطورت عن علم الحديث. إن سؤال التقييم النقدي أصبح عاملاً جوهرياً في تقييم الشخصية وكان يتبع قواعد غاية في الصرامة. كما أن عدم المخاطرة بما يدعو إلى شبهة التشهير من الممكن أن يكون قد مثل رادعاً قوياً ضد النقد السلبي الزائد عن الحد (۱۲).

وبذا أدرك الكثير من كتاب التراجم والمؤرخين المسلمين المبدأ الذي يوصى بعدم الخوض بإسهاب في النقد السلبي إذا كان في مقدور الكاتب التنويه عما يريد بقدر من الإيجاز (۱۳) فإذا أضفنا إلى ذلك أن الشخصية موضوع الترجمة كان من المفترض فيها القدوة والمثال، يصبح بالتالي على المؤرخ اجتناب نشر الملحوظات التي قد تحط من قدرها أو تنتقص منها. وبما أن الشباب كان يعتبر فترة طيش، كان المؤرخ يسقطه من حسابه لدى الترجمة للشخصية، وبذا كانت سني العمر الناضج فقط هى ما يتم التركيز عليه وإبرازه (١٤) أي أن الميل العام هو تأكيد الجوانب الطيبة المستحسنة في الشخصية واجتناب إصدار الأحكام الشخصية على سلوك الشخص المترجم له. وقد يرجع هذا الموقف الذي اتخذه العلماء المسلمون إلى حرصهم على توخى التقوى في عملهم، وهو ما يؤدى بنا إلى الاعتقاد بأن عنصر تنزيه الشخصية يعد عنصراً قوياً في معظم آداب السيرة الإسلامية.

أما مؤرخنا، السخاوي، فكان مشهوراً عنه النقد اللاذع، ولم تأخذه أبداً الشفقة على من كان يزدريه. أما السبب في هذا الموقف النقدي فكان حدبه على حماية الشرع ولأن حق الله ورسوله أولى (١٥). ويبدو أن السخاوي بصفته مؤرخاً ومحدثًا كان من النوع الصارم في التزامه؛ إذ كان يعتبر التاريخ علماً يقتضى الدقة في النقل. فالتاريخ بالنسبة إليه يشكل جزءاً من علوم الحديث، والاشتغال به طبقاً لنهج عاقل وصحيح شرف ومفخرة (١٦).

يحتوى كتاب السخاوي الضوء اللامععلى ثروة من التفاصيل التاريخية. وهو ما يجعله مصدراً لا يمكن الاستغناء عنه في أية دراسة للفترة المتأخرة من حكم المماليك الجراكسة. أما في سياق هذه الدراسة فهو أكثر من ثمين لأنه يؤرخ لـ ١٠٧٥ شخصية نسائية عاشت تلك الحقبة. ويفصل لنا السخاوي في مقدمته الهدف من كتابه والمنهج الذى اتبعه في كتابته. ويتبع السخاوي في الضوء اللامعالمنهج النقدى في تحليل الشخصيات ليتسنى وضعهم في مقامهم الصحيح (۱۷).

وهو في ذلك يخطو خطو ابن حجر، فالمعجم معجم مئوى يعالج حيوات أناس عاشوا خلال القرن الخامس عشر (التاسع الهجري). ويتضمن مجلده عن النساء، كما هي الحال في المجلدات عن الرجال قطاعًا عرضيًا يؤرخ فيه للطبقات الاجتماعية الوسطى والعليا في أماكن مثل القاهرة ومكة والمدينة وأعمال الشام وحتى اليمن. وهو حريص كل الحرص على التعريف بمصادره في كل من المقدمة وكذلك المتن (۱۸). فلو حدث وكان شخص ما قد ذكر في مصدر ترجميآخر فإنه يحدد طول الفقرة المنقولة وإلى جانب استخدامه للمادة المكتوبة، تحمل عبء سؤال أقاربه ممن كان في مقدورهم مده بالمادة المكتوبة أو الشفاهية فيما يخص الحالات التي لم يكن على علم دقيق بها (۱۹)، وهو أحياناً يلجأ إلى المواثيق مثل الوصايا الخاصة للتحقق من صحة تاريخ ما (٢٠)، ويصحح في أحوال كثيرة معلومات اعتقد أنها خاطئة (٢١). وعندما يكون على غير ثقة من حقيقة تاريخ ما فإنه يشير إلى ذلك بوضوح. كما أنه في أغلب الأحوال ينوه إلى اقتباساته وحدودها باستعمال ألفاظ مثل قالأو انتهى (۲۲)، كما أنه يسهل على القارئ بتفسيره الدقيق لنظام ترتيبه للأسماء (23). والملاحظ أن النساء اللواتي يدرجهن السخاوي في معجمه يمثلن نساء القرون الوسطى بصفة عامة. فاهتمامه ينصب على راويات الحديث وهن ينتمين إلى الخلفية الاجتماعية ذاتها، التي ينتمى إليها الكاتب؛ أى أنهن نساء من الطبقات المتوسطة والعليا، وهي الطبقات التي تضم علماء الدين والتجار والإداريين. أما المجموعة التي تلى تلك في الأهمية فتتكون من زوجات وبنات وأمهات وأخوات السلاطين والخلفاء والأمراء ورجال الدولة من الإداريين المرموقين، وهى القطاعات التي تمثل الشريحة الثرية في المجتمع المسلم القروسطى، ولذا فإن مظاهر هذا الثراء كثيراً ما تظهر في الإشارات. أما المجموعة الأخيرة فتلك التي تضم الشاعرات والقابلات والمغنياتو ماشطةواحدة وتاجرة واحدة (انظر القسم المعنون وضع المرأة الاقتصادى“)، هناك أيضًا العديد من سير النساء ممن هن قريبات للمؤرخ أو على صلة وثيقة به مثل أمه، وجدته، وابنته، وخالته، وأولاد خاله وعمومه وأبناء أخواته وكذلك إحدى قريبات زوجته وبعض نساء الجيرة والأصدقاء. وقد يكون إدراج مثل هؤلاء على عدم أهميتهن النسبي، مرجعه رغبتهن في الشعور بالصدارة والأهمية الذي يوفره نكرهن في مثل ذلك المعجم.

أما حجم السيرة فيتراوح في الطول وفقاً لأهمية الشخص المؤرخ له، ويتراوح ما بين سطرين وصفحة تحوى عشرة أسطر في المتوسط. أما محتوى السيرة فيتبع إشارات المترجمين الإسلامية التقليدية عن كثب وهى كالآتى: اسم الشخصية المترجم لها، مع التعريف بأمها وأخوتها وأحياناً أخواتها وأبنائها ويتبعه في كثير من الأحيان تاريخ الميلاد. لو أن المرأة المترجم لها من المحدثات (ناقلات الحديث) يتبع هذا عرض لأسماء معلميها الذين تدربت على أيديهم، كما تدرج تواريخ الإجازات (الشهادات) التي حصلت عليها بالإشارة إلى المواضيع التي كانت مجال الدراسة. يدرج السخاوي أيضًا ذكر العديد من الرحلات التي قام بها من يؤرخ لهن سواء أكانت رحلات لأقاليم أخرى أم للمدن المقدسة، ويذكر عدد الأزواج والأطفال، إلى جانب حقائق أخرى متنوعة عن الإرث والممتلكات والروابط الاجتماعية والأمراض وأسباب الوفاة ومواكب الجنازات والحج وأماكن الدفن وأحياناً إشارات قصيرة لنوادر في مجال ٥٨٥٨٥٨ العلاقات الزوجية أو السلوك العام. كما أنه يوفر لنا في معظم الأحوال مكان وتاريخ الوفاة والعمر حين الوفاة. أما إذا كانت المرأة المؤرخ لها ذات أهمية خاصة وفوق العادة أو كان الكاتب على معرفة شخصية بها، فإنه يقدم وصفاً مختصراً لشخصيتها، وإن كان ذلك يتم على نحو قولبي نمطى. وتبدو تلك المعلومات المتنوعة المتباينة للوهلة الأولى على شيء من الفوضى والإلغاز، ولكن عند التحليل المنظم نجد أنها تؤكد لنا معلومات قيمة عن أوجه مختلفة وعديدة عن وضع المرأة في المجتمع. وسوف نلقى الضوء بشكل خاص على وضع المرأة في الأسرة ووضعها الاقتصادي وموقفها من التعليم، وكذلك إسهامها في الحياة الاجتماعية والسياسية، وسيأتي ذلك بعد أن نكون قد ناقشنا موقف السخاوي من النساء اللواتي يذكرهن في معجمه وصورة الأنوثة المنعكسة على صفحات ذلك الكتاب.

من الملاحظ أن موقف السخاوي من النساء موقف إيجابي مستحسن. ومن المثير للدهشة إن لسانه اللاذع لا يفصح عن نفسه كثيراً في حالة موضوعاته النسائية بعكس الحال فيما يتعلق بالرجال ممن ترجم لهم. وقد يرجع ذلك إلى أن النساء على الرغم من قيامهن بنقل الحديث والاضطلاع بأمور العلم والدراسة، لم ينشطن في منافسة العلماء من الرجال في سوق الوظائف العامة، ولذلك فهن لم يمثلن تهديدًا حقيقيًا لكاتبنا.

إن ما لاحظه روزنتال عن كتابة السيرة العربية ينطبق على تراجم النساء عند السخاوي، فقد لاحظ روزنتال أن السيرة العربية تهتم في عمومها بوصف الخصائص الأخلاقية والفكرية/ الذهنية للمؤرخ لهم (٢٤)، ومن أكثر الخصائص شيوعاً بين السمات العربية التي يعزيها السخاوي إلى النساء هی الخصائص الآتية: التعبد، والقنوت، والإحسان، والحشمة (٢٥)، التودد، والعقل، وحب للعلم، الجمال، والصبر وهى صفات تقدم إلى حد ما، ما كان يكنه السخاوي للنساء من تقدير. لقد تتلمذ كاتبنا على يد العديد من النساء كما تتلمذت على يديه الكثير من النساء سواء من طلاب العلم أو ناقلات الحديث من اللواتي يضمهن معجمه. وكان موقفه في الحالتين إيجابياً.

وكان يشجع طالباته كما كان يعلن عن إعجابه بأولئك اللواتي علمنه. وقد كتب عن إحداهن يقول: وقرأت عليها الكثير من مسموعاتها وأشياء كثيرة بالإجازةونعم الشيخة كانت ديانة وصيانة ومحبة في العلم (26)، كما تظهر الرسائل التي تبادلها مع إحدى معارفه وكانت شاعرة، كمًا كبيرًا من التعاطف والرقة. في إحدى تلك المراسالات تتوجه الشاعرة بسؤال النصيحة من كاتبنا وتمدح علمه الواسع في قصيدة طويلة، فيجيبها إلي طلبها في خطاب يطرى فيه ملكتها الشعرية فيصفها بأنها ملكت المعانى المبهرة والأشعار المميزة وتقدمت الكثير من الرجال والنساء (٢٧). ويعبر السخاوي عن تقديره صداقة النساء في أكثر من موقع فيروي لنا على سبيل المثال أن امرأة مكية تقية كان زوجها يعاملها معاملة خشنة وكيف كانت مفتتنة بحكمة وفضل مؤرخنا وتعجب به إعجاباً بريئاً حتى أن خطاباتها إليه لم تتوقف أبدًا (۲۸). وعلى الرغم من أن السخاوي لم يذكر النساء بسوء إلا فيما ندر جداً فإنه من المفارقة أن نجده لدى مدح الكفاية الذهنية لامرأة بعينها يشير على نحو ساخر إلى بقية النساء، وهو ما قد يكون انعكاساً لموقف ذكورى عام، فيقول مثلاً عن عائشة، إنها نادرة بين النساء (٢٩).

وتظهر في الإشارات كذلك تعليقات تنم عن كراهيته الإسراف، والتبرج وقلة الطاعة في بعض الشخصيات النسائية التي تعرض لها فنرى أزدانتسرف في إنفاق مال زوجها مما يتسبب له في أذى عظيم (30). أما فيما يتعلق بألفالتي شيدت مدرسة من أجل الفقراء والأرامل فينوه السخاوي أن معاملتها للأيتام لم تكن لتستحق الثناء (۳۱). أما هاجر، وعلى الرغم من كبر سنها، فإنه يعتبرها متبرجة لأنها لا ترتدى الحجاب، وكان السخاوي يرفض حضور محاضراتها لهذا السبب (۳۲)، لكنه في الأعم الغالب يحتفظ للنساء بقدر كبير من الاحترام. وهو احترام يمتد ليشمل والدته التي حصلت على إجازات من العديد من العلماء المرموقين بوصفها امرأة ذكية، تقية ومحسنة (۳۳). أما خالته، فكانت عفيفة مصونة، وكانت تجيد فن الحياكة. وكانت تعلم بنات الحى بدافع من طيبة قلبها. أما عن بناته هو فلا نجد ذكرًا إلا لطفلة رضيعة ماتت بعد شهور قليلة من ولادتها (٣٤). ولا يذكر السخاوي زوجته إلا بشكل غير مباشر وهو بصدد الحديث عن إحدى قريباتها؛ حيث يشير إليها بوصفها أم أولادي (35). والواقع إن مثل ذلك التحفظ فيما يخص الزوجة ليس مثاراً للدهشة، وذلك لأن العالم المسلم في القرون الوسطى نادراً ما كان يسجل معلومات عن حياته الخاصة، خصوصًا فيما يتعلق بزوجته أو زوجاته (٣٦). وفي حين تترك نساء الطبقات العليا كما يظهرن في المعاجم الترجمية لدى القارئ أثراً قوياً إذا وضعنا في الاعتبار الزمن الذي عشن فيه، إلا أن الصورة الإيجابية المستحسنة التي ينقلها إلينا السخاوي تشير إلى وجهة نظر السخاوي نفسه وإلى الجنس الأدبي المستخدم أكثر مما تشير إلى الكيفية التي كان عليها الواقع. فمؤرخنا كان على وعى عالٍ ومستمر بمبادئ كتابة السيرة، ومن الممكن أن يكون بالتالي قد خفف من وطأة ما قد يسيء إلى الشخصية المتناولة. أى أن الهدف التثقيفي والتهذيبى لكتابة السيرة حذا به نحو تأكيد الصفات الحميدة لهؤلاء النساء؛ بوصفهن نماذج على الآخرين الاحتذاء بها.

ويمكننا القول إن خصائص الشخصية الأنثوية المثالية التي يرسمها السخاوي هي شخصية تتسم بالتقوى والاحتشام والعلم والكرم. إذا كانت زوجة فهي صبورة، مسالمة وغير مسرفة، إلا أن مؤرخنا يختص بالاحترام والإعجاب من النساء من يسعين إلى طلب العلم ويساهمن في نشره. وأولئك في استطاعته اتخاذهن صديقات (فربما كن أقل منافسة من زملائه من الرجال) (۳۷).

في مقدورنا القول بقدر من الثقة إن وضع المرأة في الأسرة في زمن السخاوي كان يجعلها موضع رقابة وتحكم من قبل أعضاء الأسرة المسئولين من الرجال. وكتاب النساءيزخر بأمثلة عديدة نرى فيها الأب يزوج ابنته لقريب من أقاربه أو غريب يراه لائقاً دون أن يكون للفتاة رأى في ذلك الزواج، والسخاوي لا يذكر السن التي تتزوج فيها الإناث إلا في مناسبة واحدة، وهي الحالة التي زوجت فيها فتاة قبل بلوغها سن التاسعة (۳۸). فإذا كان ذلك مألوفاً، يصبح من الطبيعى أن زواج الفتيات كان أمراً موكولاً تماماً إلى العائلة. وحتى النساء الناضجات، على الرغم من أن مجال الاختيار بالنسبة إليهن كان أوسع بعض الشيء، إلا إنهن أيضًا كن يقعن تحت نطاق مسئولية أعضاء العائلة من الرجال.

وعلى سبيل المثال يخبرنا السخاوي بأمر إبن رفض زواج أمه من رجل كان يكرهه (۳۹) وابنة رجل يدعى الشهاب توفيت عذراء لأن أخاها لم ير في أى من خطابها من يليق بها زوجا (٤٠). ولكن ذلك لا يمنع أن بعض النساء الراشدات كن يخترن أزواجهن بأنفسهن، وبالذات إذا كن مستقلات مادياً، ونراهن في حالات كثيرة يخترن الزواج من الأقارب (أبناء العمومة والخالة أو أزواج أخواتهن المتوفيات) (٤١)، أو أعمام أو أخوال أو أبناء الأخ أو الأخت لزوج المتوفي (42). وبما أن النساء المسلمات لهن الحق في الميراث فمن المحتمل أن زواج النساء من داخل نطاق العائلة كان ذا أسس اقتصادية؛ بهذه الطريقة تظل الملكية لإرث المرأة داخل العائلة لا تخرج عنها. هناك بضع حالات انحرفت فيها النساء عن العرف العام وتزوجن ضد رغبة آبائهن كما هي الحال مع ألفالتي تزوجت من شخص لا وجاهة له (٤٣)، على حد تعبير السخاوي كما يطلعنا على حالة فاطمة وهي حالة غير عادية؛ فقد تزوجت من شخص تعرفت عليه وهى في طريقها إلى مكة للحج (٤٤). أما فرج، وكانت امرأة ثرية، فوقعت في غرام ابن حمزة وأنفقت الكثير من مالها عليه (٤٥). ولكن في الأغلب كان اختيار المرأة لزوجها محدوداً ليس فقط باعتبار عائلتها ولكن كذلك بما يرتضيه مجتمعها، ولم يكن زواج نساء الطبقات العليا من أبناء العوام مسموحاً (٤٦)، ولذلك نجد أن في معظم الأحيان كانت النساء يتزوجن من رجال من طبقتهن الاجتماعية ذاتها. وينطبق ذلك أكثر ما ينطبق على الصفوة من المماليك (٤٧). وعلى الرغم من ذلك، نشهد حالات عديدة من الزيجات بين بنات العلماء والمماليك وكذلك الخلفاء (٤٨)، وإن كان ذلك ينبئنا بالمنزلة الاجتماعية الرفيعة التي كان يحظى بها عالم الدين في المجتمع المسلم.

لو أننا تحولنا عن مجال الزواج وحق النساء في الاختيار إلى وضع المرأة داخل رابطة الزواج ندرك في التو أن وضعها لم يكن سهلاً على الإطلاق. ففي واحدة من النوادر التي يدرجها السخاوي نجد نساء يقذف بهن من زوج إلى زوج على نحو غير مألوف. ومن المرجح أن ذلك يرجع إلى عاملين هما إما وفاة الأزواج (٤٩)، وإما كثرة الطلاق. ومن السهل علينا إثبات امتلاك الزوج لأحادية شبه مطلقة في مسألة الطلاق، وهو ما يظهر بوضوح شديد في الحالات العديدة التي تعكس التقلب المزعج من قبل الأزواج. ففي حالات عديدة نرى زيجات لا تستمر أكثر من شهر كما هى الحال في زيجة أم حسن التي تزوجت من استادار (٥٠). ونرى أن الكثير من الزيجات كانت تنتهى بالطلاق خلال السنة الأولى من الزواج خاصة بعد أن تكون المرأة قد وضعت مولودها الأول (٥١). توجد كذلك حالات طلق فيها الزوج زوجته عندما بلغ قدراً من الثراء، كما حدث في حالة شخص يدعى بقاعى الذى ينقده السخاوي بهدوء (٥٢).

وعلى النقيض من ذلك، كان حق الزوجة في إنهاء الزواج مكبوحًا خصوصًا لو كانت غير قادرة اقتصادياً. فالأحيان القليلة التي نسمع فيها بنساء يسعين إلى الطلاق تعرفنا مدى اختلاف الأوضاع بالنسبة إليهن. وكانت المرأة في الغالب، تشترى حريتها لو أنها كانت تعيسة في زواجها بأن تدفع إلى زوجها قدراً من النقود، أو بأن تتنازل عن بعض حقوقها كما كان الوضع في حالة فاطمة(٥٣).

أما سعادات، فتبرز كحالة خاصة جداً؛ لقد طالبت تلك المرأة بالطلاق في مثابرة وعناد بسبب قسوة زوجها، حتى بعد أن أنجبت منه، ولم يلب الزوج رغبتها إلا بعد أن وافقت أن تدفع له مبلغ خمسمائة دينار (٥٤)، وإلا حرمت من رؤية ابنها أو حضانته. ولكن وضع المرأة المستقلة اقتصادياً أو تلك التي تقف وراءها أسرتها تعضدها، أكثر قوة وحصانة، بلا شك، كما هي الحال مع ابنة أخت { الأصل: Niece، وهى تقبل معنين: ابنة الأخت أو ابنة الأخ (المترجمة)}. السخاوي التي وقف إلى جانبها كل من أخيها وأمها باذلين كل الجهد لتطليقها من زوجها الذي نزل أخيراً على مطلبهم (٥٥). ولأن زينب كانت مستقلة ماديًا، كان أن قررت الطلاق من زوج لا تحبه (٥٦). وعلى النقيض نقابل مثال سعادة، وهو مثال فريد. فسعادة كانت امرأة مكية ثرية كرهت زوجها إلى حد أنها طردته من المنزل. وقد ناشد هذا الأخير شريف مكة التدخل في الأمر حتى تعيده المرأة إليها لكنها رفضت تماماً (٥٧).

ولا يعنى هذا بالطبع أن كثرة حالات الطلاق ونسبة الوفيات العالية بين الأزواج كانت العوامل الوحيدة التي تهدد الزواج؛ فحق الرجل في تعدد الزوجات أضاف مشاكل أخرى إلى العاملين السابقين، منها أن الزوج كان يهمل زوجته الأولى لدى زواجه من أخرى. ولكن كما يبدو من بعض الأمثلة التي أدرجها السخاوي، ومنها حالة أم حسين بين (٥٨)، لم تكن النساء يخضعن دائمًا لحق الزوج في اتخاذ زوجة أخرى. ويحكى لنا السخاوي عن امرأة جنت عندما اتخذ زوجها لنفسه زوجة ثانية (٥٩)، كما نجد أزواجاً يتزوجون ثانية في السر أو يطلقون زوجاتهم خوفاً من غضب الزوجة الأولى التي قد تكون ذات سطوة اقتصادية أو اجتماعية. إن تلك الحالات تشير إلى عدم رضا المرأة الأبية المسلمة في القرون الوسطى أحياناً كثيرة عن مشاركة زوجات أخريات في الزوج.

أضف إلى ذلك أنه على الرغم مما يبدو في الظاهر من قلة حيلة المرأة في الزواج، فإن هناك أمثلة عن زيجات سعيدة كانت تشعر فيها الزوجة بالاحترام والأمان، ومنها على سبيل المثال عمائموكانت محسودة من الأخريات. يروى لنا السخاوي مدى حب واحترام زوجها لها، حتى أنه رفض اتخاذ زوجات أو حتى محظيات يشاركنها فيه (٦٠). والأمر نفسه ينطبق على زينبزوجة السلطان إينال الأجرود الذى يتعجب السخاوي من وفائه التام ورفضه اتخاذ زوجات أخريات أو محظيات فيقول: “بحيث انفرد عن سائر الملوك بذلك كما انفردت هي عن سائر الخوندات (٦١) بالمزيد من نفوذ الكلمة ووفور الحرمة وطواعية السلطان جداً(٦٢).

أما دور المرأة كأم فيحظى بشيء من الاهتمام في معجم السخاوي الترجمي. فعلى الرغم من عدم إفصاحه عن ذلك الاهتمام صراحة فإن ذكره لعدد الأطفال الذين حملتهن المرأة يشير ضمناً إلى قيمة المرأة الأم لديه خصوصاً أم الذكور (63). وإن كانت التفاصيل بهذا الصدد قليلة نسبياً إلا أننا نلمح وسط السطور أمهات يتخذن القرارات بخصوص أولادهن فللأم الحق على سبيل المثال، في اختيار زوج لابنتها ويصبح موقفها أكثر قوة لو أنها كانت ثرية. وفي حالة زينببالذات كان للأم أثر قوى؛ حيث إنها هي التي قامت بتجهيز زينب، وكان جهازها غالياً (٦٤). وقد تكون الأم مؤازرًا قويًا في انتزاع الطلاق لابنتها من زوج لا تحبه كما كانت الحال مع فاطمة (٦٥).

باستطاعتنا القول بصفة عامة، إن قدر الأم لم يكن شيئاً تحسد عليه. فقد كانت نسبة الوفيات بين الأطفال كارثة تصيب الغنى والفقير على حد سواء، وقد فقد السخاوي نفسه عددًا من الأطفال (٦٦)، ونجده كثيراً ما يعبر عن تعاطفه مع الأمهات اللواتي واجهن المأساة نفسها. ويورد السخاوي ذكر امرأة مات كل أطفالها وكان لها عشرة أطفال (67). إن اهتمام السخاوي بالتفاصيل يظهر بوضوح في مثل تلك الأمثلة، فكتاب النساءيزخر بذكر أمهات فقدن أطفالهن مع تحديد العدد على وجه الدقة، كما أنه يدرج ملاحظات عاطفية عن حال الأب والأم (٦٨) المؤسف في تلك الحالات.

أما فيما يخص حضانة الأطفال فإن مرجعنا لا يساعدنا على اشتفاف قاعدة بخصوص حضانة الأطفال في حالات الطلاق أو وفاة الزوج. ينبئنا السخاوي أنه آلت إليه هو ذاته حضانة ابنة أخيه لدى وفاة ذلك الأخ (٦٩)، إلا أنه يوفر لنا أمثلة عدة عن فتيات شبين في حضانة أمهاتهن. فنرى، على سبيل المثال، أن أم الحسينكبرت في حضانة أمها التي كانت قد طلقت من أبيها وهى بعد حامل في أم حسين (۷۰). كما يتضح أن الجد كثيرًا ما كانت ترجع إليه حضانة الأطفال. وهناك أمثلة على آباء لأمهات علموا وربوا بنات بناتهن (۷۱). وهو ما يعكس أهمية العائلة الممتدة في ذلك المجتمع.

ومن الملاحظ أن العلاقة بين الأم الأرمل أو المطلقة أقوى مع ابنها عنها مع الابنة فالابن يمثل مصدراً مادياً للأم، ومن واجبه رعايتها وتوفير الراحة لها في شيخوختها والذود عنها مصاعب الترمل. ويذكر السخاوي العديد من الأمثلة التي تعكس تلك العلاقة الخاصة بين الأم والابن؛ فعلى سبيل المثال، عندما مات زوج خديجةفإنها لم تتزوج ثانية وإنما عاشت في كتف ابنها، ونعمت بسعادة عظيمة في عزوبيتها. فقد كان ابنها غاية في الطيبة وحسن المعاملة وقد صحبته لأداء فريضة الحج (۷۲).

ولكن لم تكن كل النساء على قدر الحظ نفسه الذي نالته خديجة. فالواقع أن خيارات النساء المطلقات أو المترملات كانت محدودة وبالأخص لو أنهن لم يكن على قدر من اليسر يركنن إليه. وكانت النساء كثيراً ما يسعين إلى زواج ثان حتى يضمن كفالة زوج يعولهن. أما الأخريات، ممن لم يستطعن الحوز على أزواج، فكن يعشن مع أبنائهن أو أخواتهن أو حتى أعمامهن أو أخوالهن. وعمة السخاوي نفسها كانت تعيش في بيت أخيها أي أبو المؤرخ (۷۳).

ولا يمنع ذلك أن نشهد العديد من الحالات التي كانت المرأة فيها بلا زوج وليس لها من الأقارب من هو على استعداد لإعالتها. في مثل تلك الحالات، لو لم يكن للمرأة دخل خاص تعول به نفسها كانت تقع فريسة للعوز على نحو مستمر. وقد كانت مثل تلك الحالات من الكثرة حتى أن الرباطات والزوايا التي كانت تقيمها النساء الموسرات لإيواء مثل هؤلاء لم تكن كافية لأعدادهن. ولدينا مثال في امرأة اسمها هاجر“. فعلى الرغم من صيتها كأشهر محدثة في زمانها إلا أنها في قول السخاوي: كانت فقيرة، ولم تكن ترفض العون الذي يقدمه لها البعض على العيش، بل كانت تطلب المزيد(٧٤). ويعلق السخاوي فيما يخص تلك الأمثلة بقوله إنه أرحم للمرأة العجوز أن تموت قبل أن ينتهى بها الأمر إلى الفقر المدقع (٧٥).

 

 

 

إن القراءة الوافية الدقيقة لكتاب النساءتنحو بنا إلى الاعتقاد بأن نساء الطبقات العليا في المجتمع المسلم المدينى لم يكن يعملن لكسب عيشهن، والحالات التي كانت تقوم فيها النساء بمهنة ما لكسب العيش ضئيلة للغاية. فعلى سبيل المثال تطالعنا في كتاب النساءمغنيات (٧٦)، وشيخات عوالم (۷۷)، ودايات وماشطات (۷۸)، كما نلقى امرأة تاجرة من اليمن كانت تتاجر في مكة (۷۹). وللسخاوى فضل إطلاعنا في إشارات عديدة على ممتلكات أو ثروات آلت إلى النساء وخصوصًا ممن ينتمين إلى الصفوة من المماليك. كانت أم هاني واحدة من أشهر المحدثات وقد ورثت عن جدها لأمها ثروة طائلة قررت أن تنفقها في شراء بناية عظيمة (۸۰)، وعلى الرغم من تسلط زوج أم هانى وتحكمه التام في ثروتها عندما كان حياً، فإن أمثلة أخرى تدلنا على نساء كانت لهن قدرة أكبر على التحكم في ممتلكاتهن. زينب على سبيل المثال، كانت على علاقة غير طيبة مع زوجها ومنعت عنه إرثها (۸۱).

نرى كذلك عديدًا من الحالات كانت النساء فيها يدرن وقف أو مدارس آبائهن أو جدودهن. وكانت زينبتتولى ممتلكات أمها (۸۲)، في حين كانت ألفتدير مدرسة جدها وتعين العلماء لتدريس الحديث والتفسير (۸۳).

ولكن ظلت الثروات الحقيقية حكراً على زوجات ومحظيات وبنات وأمهات السلاطين المماليك والأمراء اللواتى نلن سطوة اقتصادية كبيرة فيما يبدو حتى إنه يقال: “إن محظية الظاهر جقماق خلفت من الحلى والحلل ما لا يوصف کنزه، بل مبلغ خمسين ألف دينار وهي صاحبة السبيل وما يعلوه ببولاق.. والحمامين وما يعلوهما من الربع وغير ذلك بقناطر السباع(٨٤).

وكانت زوجة إينال الأجرود امرأة ذات فاعلية وأثر عظيمين إلى جانب ثروتها الطائلة. يقول السخاوي عن ثروتها إنها زادت عن قدرة المرء على الرصد، وإنها بنت العديد من البيوت. وبعد أن ذهبت أيامها حملت إلى الظاهر قشقدق أكثر من ٥۰۰۰۰ دينار وهو مبلغ لا يقارن بما ادخرته (٨٥).

وفي مقدورنا استخلاص أن النساء كان بهن ميل إلى استثمار أموالهن في العقار وأن يدخرنها إما في صورة مال سائل، وإما على هيئة مجوهرات، ولم يكن في وسعهن الانخراط في الاستثمار على نحو أكبر من المغامرة التي كانت قد تدر عائداً أعلى بسبب ضيق حيز حركتهن. ولذا فقد كان اختيارهن يقع على أكثر أنواع الاستثمار ثباتاً وأقلها مشقة. ويبدو أن النساء المملوكيات كن يبذلن الكثير على مناسبات الحج والجنازات والاحتفالات الأخرى. ويتواتر في كتاب السخاوي ذكر الاحتفالات المسرفة المتباهية التي كانت تتضارب فيها العائلات الثرية باعتبارها مناسبات يستعرضون فيها ثرواتهم ويعززون فيها وضعهم الاجتماعي. فيذكر، على سبيل المثال، أن حجة إحدى زوجات السلاطين إلى مكة كانت شيئاً أبعد من حدود الخيال(٨٦).

كما يصف لنا السخاوي جنازة خديجة (وكانت ابنة أمير من أمراء المماليك) كحدث اجتماعي وكانت هناك أوقات طيبة ومشاهد حسنة(۸۷). عندما ماتت عمته يفخر السخاوي بعظمة جنازتها بقوله: “وكان مشهد حافل (۸۸)، وأما ما هو أكثر تشويقاً فإسهام النساء الثريات في أعمال البر والخير. كان بناء الرباطات (۸۹)، شكلاً متعارفاً عليه كعمل للإحسان والبر في القرون الوسطى، فربما نظر ذلك المجتمع إلى فقر وشقاء هؤلاء النساء على أنه مظهر من مظاهر الشر الاجتماعي يستوجب التعامل معه على نحو ما، حتى لو تم ذلك بشكل عشوائي. فيقال عن زوجة أحد السلاطين، إنها بنت رباط جيد للأرامل.. أضيفت إليه أبنية أخرى عدة(۹۰). وهناك فاطمة المعروفة بكرمها والتي سميت الشيخةلأنها كانت تعطف على الأرامل، حتى إنها أنشأت زاوية تستطيع هي نفسها أن تسكنها مع أخريات (91). أما الموسرات ممن لم يكن في مقدورهن بناء الرباطات للأرامل فكن يفتحن بيوتهن لهن. ويحكى لنا السخاوي عن كرم جدته وطيبة قلبها في معاملة الأرامل بالذات (۹۲). أما فيما يخص قريبته أم القاسم، فيقول إن بيتها كان مكان لقاء الأرامل والعازبات (93). هذه الرباطات كانت أماكن تجمع تخص النساء فقط وقد تكون ساعدت على خلق مناخ اجتماعي متكامل؛ حيث كانت النساء تساعد بعضهن البعض في أوقات الشدة وكن يستمتعن بصحبة بعضهن البعض بعيداً عن عالم الرجال.

المرأة والتعليم

إن النساء المنتميات إلى طبقة العلماء، وكن صفوة، يبدون أكثر انخراطاً في التعليم، ويسعين إلى خلفية علمية وتربية وتثقيف دينى متميز. ويمكننا في هذا الصدد طرح السؤال التالي: ماذا يقول كتاب النساء عن نوع التعليم الذى كانت تتلقاه المرأة؟. وهل باستطاعتنا، على قلة المعلومات المصدرية، أن نعمم القول فيما يخص إنجازات النساء التعليمية إذا ما قارناها بتلك التي كانت من نصيب الرجال؟. هناك مواضع في الكتاب تشير إلى أن الفتيات الصغيرات كن يتدربن على نحو غير رسمى على القراءة والكتابة، وأنهن كن يتعرضن لبعض الأعمال الدينية على أيدى آبائهن أو أمهاتهن أو جدودهن وحتى خالاتهن وعماتهن.

يقول السخاوي، مثلاً، إن حفصة تعلمت القراءة والكتابة بسبب تدريب خالتها لها (٩٤). وتعلمت زينب القراءة والكتابة ودرست بعض الكتب الدينية على يد أبيها الذي أقرأها القرآن (٩٥). وفي حالات أخرى، كان الزوج هو الذى يتولى تعليم زوجته كما هي الحال في مثال قاضى الحنابلة (٩٦). وإلى جانب ذلك النوع من التعليم المبدئي غير الرسمي، في استطاعتنا تمييز نوعين آخرين كانت تضطلع بهما النساء وهما:

1 – التدرب على شئون المنزل وإدارته.

2 – العلوم الدينية والفنون الأدبية.

وعلى الرغم من أن مصدرنا يعدد الكثير من المدارس التي كانت تديرها النساء، فإنه لا يكشف لنا عن مدى مسئولية تلك المدارس عن تعليم البنات على مدى طويل (۹۷). أما في حالة ما إذا أرادت المرأة أن تتبع نظامًا من التدريب أكثر كثافة، فكن فيما يبدو يحضرن محاضرات العلماء من الرجال والنساء التي كان يلقيها هؤلاء في بيوتهم.

يقدم لنا السخاوي مثال بيرمالتي نشأت في كنف أب كان يقرأ القرآن ويخالط علماء الدين على اختلافهم فشربت منهوعندما ذهبت مع أبيها إلى بيت المقدس قرأت على علماء عديدين هناك (۹۸). وفي حين يخرج المرء بالانطباع أن تعليم النساء الديني كان يجرى في تجمعات المنازل والبيوت الخاصة، يقول لنا السخاوي إن زينب، وبتشجيع من والدها، كانت تحضر محاضرات البخارى في مدرسة الأظهرية الشهيرة بالقاهرة (۹۹).

أما فيما يخص التدريب على المهارات المنزلية وإدارة شئون الأسرة، فغالباً ما كان ذلك يتم على نحو غير رسمى وكانت تقوم عليه ربات البيوت النشيطات. وكما ذكرنا من قبل كانت خالة السخاوي تعلم بنات الحى في بيتها فنون الحياكة والتطريز (١٠٠). وكانت أم قاسم مشهورة هى الأخرى بقدرتها وذكائها في تعليم الفتيات (۱۰۱). وكانت النساء كذلك يحضرن مجالس تزورها نساء عالمات يجئن لإرشادهن في نواحى تعليم الأسرة على نحو عام، وفي أمور النساء على وجه خاص (۱۰۲).

وأغلب الظن أن تدريب الفتيات على إدارة شئون المنزل وأمور الأسرة، كان بهدف تحضيرهن لدورهن كزوجات، ولكن ماذا عن تعليمهن العلوم الدينية المختلفة؟.

لقد كان التدين والتقوى صفتين تمدح بهما المرأة كما رأينا من عرض تقييم السخاوي الشخصية النسائية، ومن المعقول أن نستنتج أن الأسر كانت تهتم على نحو خاص بتعليم الفتاة الديني لتضمن لها فرصاً أفضل في الزواج؛ وحتى يعززوا من وضعها الاجتماعي في الأوساط الثقافية الدينية. أضف إلى ذلك أن التعليم الدينى كان يسهل قبول الفتيات الأعراف الدينية التي تنظم سلوكهن الاجتماعي والأخلاقى الذى يعتبر ركيزة لدور المرأة في الأسرة.

وعندما نقارن إنجازات النساء العلمية بالرجال نلاحظ فجوة واسعة بينهما. فعلى الرغم من أن كتاب النساءيزخر بأمثلة عن نساء اشتهرن في التدريس، لم يعرف عن إحداهن أنها أصبحت مرجع وثقة في مجال الكتابة (۱۰۳). وحتى عندما كانت النساء يجذبن عدداً كبيراً من الطلاب، كن يعددن في مرتبة أقل من العلماء من الرجال عمومًا، بالرغم من الاعتراف بخبرتهن وصبرهن على التعليم فلم تكتب عائشة مثلاً، عائشة ابنة على بن محمد، التي يعتبرها السخاوي أستاذة بارزة، كتاباً واحداً يحمل اسمها (١٠٤). والأمر نفسه ينطبق على مريم، وهي معلمة شهيرة كتلك التي يضمنها السخاوي في معج معجمه (١٠٥). وقد يكون السبب وراء استمرار النساء في وضع الهواة أنهن لم يكن في استطاعتهن تبوء الوظائف مدفوعة الأجر في مؤسسات التعليم غير الرسمية في ذلك الوقت. وبينما يمكن القول إن إسهام المرأة في مجال التعليم غير الرسمى كان مهماً، يبدو أن وجودها في المدرسة، وهي المؤسسة التعليمية الرسمية، كان هامشياً.

إن دور النساء في مجال العمل الاجتماعي والتعليم لا يمكن إنكاره على الرغم من أن اشتراك النساء في النشاط الاجتماعي عامة كان محدوداً بتقاليد المجتمع وأعرافه الدينية. يوفر لنا السخاوي أمثلة على نساء أفدن كلا من الرجال والنساء في مجال العلم؛ فيصف فاطمة مثلاً بحسن المنطق والتفكير وهو ما أدى، على حد قوله، إلى نتائج طيبة وأبحاث عمت فائدتها النساء والرجال على حد سواء (106). وكانت زوجات العلماء العظام يفتحن بيوتهن التي كانت بمثابة مراكز للمجالس العلمية، لمن يهتممن بالعلوم الدينية. كانت باى خاتون تحدث في كل من الشام ومصر. ويصفها السخاوي بأنها امرأة أحبت الحديث وأهله، ولم يأخذها تعب في نقل الحديث، وكانت دائمة الكرم والتبجيل لأهل الحديث (۱۰۷).

كانت الكثيرات ممن ينتمين إلى طبقة الصفوة من العلماء على علاقات وطيدة بزوجات المماليك والأمراء والسلاطين (۱۰۸). ومن خلال مثل تلك الصداقات مع ذوات النفوذ حازت بعض النساء على امتيازات سياسية لأزواجهن؛ فاستطاعت خديجة على سبيل المثال، أن تبقى زوجها في مكانة ذات هيبة واحترام من خلال صداقتها الحميمة بزوجة السلطان (۱۰۹). وكانت زوجات الأمراء والسلاطين على قدر كبير من النفوذ السياسي والاقتصادي بفضل مكانة أزواجهن الرفيعة. فجليان على سبيل المثال، وهي زوجة أحد السلاطين، كانت من النفوذ حتى أنها أقنعت زوجها أن يجيء لها بعشرة من أقاربها من جركاس؛ وقد أقطعوا الإقطاعيات ومنحوا الرواتب والوظائف في دواوين الحكومة (١١٠). وكان لزوجات السلاطين موظفون رسميون من ذوى الشأن معينين لخدمتهن، وعندما كن يذهبن إلى الحج أو يطلعن في المواكب كان على هؤلاء المماليك صحبتهن. ويصف لنا السخاوي أحد تلك المواكب وهو موكب زينب بنت السلطان إينال الأجرود، طلعت زينب بمناسبة شفائها من المرض من بيتها في بولاق حتى القلعة، وصفه السخاوي بأنه كان مشهداً للناظرين صحبها فيه أبناؤها وأقاربها ومماليك ذوو شأن وخدمهم. كما صحبتها زوجات الأمراء (۱۱۱). وعلى الرغم من أن زوجات السلاطين والأمراء ذوات النفوذ كن يكتفين، في معظم الأحيان بالسلطة السياسية التي كن يمارسنها من وراء الكواليس والتي كانت تؤول إليهن من خلال أزواجهن أو أبنائهن أو آبائهن، فإن كتاب النساء“. يقدم لنا حالة فريدة لامرأة حاولت أن تحصل على السلطة السياسية من خلال دور واضح على المسرح السياسي. كانت تلك هي تاندو الأميرة الفارسية أو المغولية التي تزوجها الظاهر برقوق، لكنه طلقها بعد وقت قصير فرجعت إلى بغداد وتزوجت ابن عم لها هو شاه وزاده بن شاه زاده بن أويس، والذي أصبح سلطاناً فيما بعد. ونجحت تاندو في الإيعاز بقتل زوجها ونصبت نفسها سلطانة، إلا أنها قوبلت بالمقاومة المسلحة التي قادها الذكور من العائلة الملكية. في النهاية، ومن خلال سلسلة من التحايلات، استطاعت تاندو أن تحصل على السلطنة لنفسها ولكنها لم تنجح سوى في حكم الجزيرة والواسط من 819 هـ، حتى 832 (۱۱۲). وخلال حكمها نودي باسمها من على المنابر، وصكت باسمها النقود. ولكن السخاوي يعلق على فترة حكمها بقوله إن العرب كانوا عاطلى الذرية في البصرة (۱۱۳). وكما هي الحال في مجتمعات يكون النسب فيها إلى الأب، كانت سلطة النساء خارج نطاق المنزل تعد خطراً، كما كانت تتضمن المناورة وتتخذ أشكالاً غير رسمية، وكان ما تحصل عليه المرأة من نفوذ أو من سلطة سياسية تحصل عليه في الغالب من خلال علاقتها بأقاربها من الرجال. أما حالة تاندو، فمن الواضح أن المجتمع المسلم الأبوى كان صعباً عليه الاعتراف بمشروعية سلطتها على أرض الواقع؛ لقد كان وضعها شاذاً وسريعاً ما وضعت له نهاية.

ختاماً

ما من شك أن استخدام القاموس المعجمى لدراسة وضع النساء المسلمات في مجتمع مديني يحد من طبيعة البحث بدرجة كبيرة. وعلى الرغم من ذلك، يوفر لنا كتاب النساءالسخاوي العديد من الاستبصارات في حياة النساء الاجتماعية. فالسخاوی، بوصفه عالمًا مسلمًا تقليديا، يعتبر قدرات النساء الفكرية والذهنية من الأمور التي تستحق الإعجاب، إلا أنه يرى وجود المرأة الفيزيقي عنصراً لا بد من كبحه.

ولذا نلحظ أن خضوع المرأة لسلطة الرجل داخل الأسرة تنعكس في الكثير مما يصفه السخاوي. وأوضح دليل على قدر الهيمنة الذي يتمتع به الرجال هو نمط انفرادهم التام بحق التطليق، كما تتضح تلك الهيمنة من الاتفاق والترتيبات التي يقرر فيها رجال الأسرة اختيار زوج لقريباتهم من النساء، ولكن هذا لا يمنع وجود حالات عدة لنساء مستقلات مادياً نراهن يقمن باختيار أزواجهن بأنفسهن، ومما يتضح كذلك، من خلال السير التي يتناولها المعجم أن تعدد الزوجات كان واسع الانتشار، لكنا نشهد حالات كانت ترفض فيها المرأة الخضوع لهذا الوضع. إن حق المرأة المسلمة في المدن في الملكية كان فيما يبدو أمراً مفروغاً منه، ولكنه وكما لاحظنا كانت معظم النساء يعتمدن إما جزئياً وإما كلياً على أزواجهن أو أبنائهن وأقاربهن من الذكور. وكان عدم الاستقلال المادى والاعتماد على الرجال في العيش، إضافة إلى التراث الأبوى القوى الموجود، يسهم في مزيد من التبعية للرجال في المجتمع القروسطي المديني. ومن الممكن القول دون إجحاف، إنه في مجالى التعليم والدراسة والبحث، كان إسهام النساء ومشاركتهن هامشياً بالمقارنة إلى إسهام الرجال، ولكن يبدو أن النساء قد نجحن في تشكيل نشاط اجتماعي خاص بهن بعيداً عن الرجال. فنرى، على سبيل المثال، رباطات وزوايا تقتصر عضويتها على النساء، كما نرى مجالس اجتماعية تنظمها نساء موسرات حيث كان يتسنى للنساء تبادل الخبرات والمشاركة في المشكلات. وفي أحيان ليست بقليلة ترى مدرسات يلقين الدروس على مجموعة تقتصر على النساء في أمور إدارة المنزل والفنونإلخ. ولكن هذا لا يمنع ظهور مواضع يشترك فيها كل من النساء والرجال في نشاطات تعليمية وثقافية. في المجتمع الأبوى، حيث لا يعترف بسلطة سياسية للمرأة تلعب أشكال التحايل السياسي غير الرسمى دوراً مهماً، وكما رأينا كانت النساء يستقين قوتهن السياسية والاجتماعية من خلال قرنائهن من الرجال. وعلى سبيل المثال، كانت الخدمات العطايا ذات الطابع السياسي يسعى إليها من خلال زوجات أو أمهات السلاطين والأمراء؛ ولكن يظل الأمر أن استيلاء زوجة السلطان على السلطة، إن استطاعت يعد خارج نطاق المشروعية، ولذا لم يكن مثل ذلك الوضع يسود طويلاً.

*هدى لطفي: أستاذة مساعدة بقسم الدراسات التاريخية في الجامعة الأمريكية بالقاهرة.

1 – باستطاعتنا القول (في العموم) إن عدد الأعمال التاريخية التي كتبت عن النساء ممن عاصرن الرسول (انظر الهامش رقم ٨ فيما يلى) أكثر من الأعمال التي اختصت النساء في القرون الوسطى. أما عن الفترة المملوكية مجال اهتمامنا هنا، فراجع أ. عبد الرازق:

La Femme au temps des Mamlouks en Egypt.

من منشورات المعهد الفرنسى للآثار الشرقية، القاهرة: (۱۹۷۳) وهو المرجع الذي سوف نشير إليه اختصاراً بـ La femme.

انظر أيضًا والكاتب نفسه

“Un document concernant le mariage des esclaves au temps des Mamluks”

العدد الثالث عشر من JESHO ۱۹۷۰ الصفحات من ۳۰۹ ۳۱4 والمشار إليه اختصاراً بـ: “Un document” وفيما يخص ملابس النساء، انظر:

L. Mayer، Mamluk Costume (Geneve:Albert Kurrdig، 1952)، pp. 69 – 74.

في موضوع النساء والعائلة انظر:

S. D. Goitein، A Medi tteranean Society، The Family III (Berkeley

وكذلك:

University of California Press، 1978). P. Kahle “A gypsy Woman in Thirteenth Century. A. D. ” Journal of Gypsy Lore Society، xxix (1959)، 11 – 15.

2 – إن الآداب الإسلامية التي تخص النساء على حد علمى كتبت جميعها بيد رجال. وإن كانت النساء قد أفصحن عن أنفسهن في الشعر إلا أن الذى جمع هذا الشعر هم علماء من الرجال. انظر على سبيل المثال: جلال الدين السيوطى: نزهة الجلساء في أشعار النساء، الذى حققه ص. المنجد، وصدر عن دار المكشوف، بيروت : ١٩٥٨. وربما كان من الشائق الإشارة هنا إلى معجم الاسنوى طبقات الشافعية. الجزء الأول الذى حققه أ. الجبور في بغداد، وصدر عن مطبعة الإرشاد، عام ١٣٩٠ هـ في صفحة ٤٤ يقول لنا الكاتب إنه لم يستطع إدراج اسم محدثة بعينها؛ لأن أخاها رأى من المستحسن ألا تذكر بالاسم.

3 – انظر مقالة شيقة لسميث وحداد بعنوان:

“Woman in the Afterlife: The Islamic View as seen from Quran and Tradition” Journal of the American Academy of Religion XLIII (1975)، 39 – 50.

وعلى الرغم من توفر المادة في موضوع النساء في الآداب القانونية والدينية، فإن تحليل صورة المسلمات، كما يتضح في تلك الكتابات، لم يحظ بالاهتمام الكافي. علينا التفرقة ما بين وضع النساء النظري والقانونى كما تعرفه الكتابات المذكورة عاليه، ووضع المرأة الفعلى في المجتمع.

4 – من المرجح أن يكون عزل النساء قد بدأ يتخد منحنى أكثر صرامة في العصر العباسي المتأخر نتيجة لتعزيز سلطة الدولة. انظر دراسة م. رحمة الله The Women of Baghdad in the Ninth and Tenth Centuries as Revealed by the History of al- Hatib من منشورات جامعة بغداد ولا يحمل تاريخا. انظر أيضًا:

M. Winter، “The Writings of Abdel Wahab ash-Sha’ rani: A Sufi Source for the Social and Intellectual Life od Sixteenth Century Egypt”.

رسالة دكتوراة مقدمة إلى جامعة كاليفورنيا عام ١٩٧٢، ص ٤١٦.

وكذلك R. Misra، Women in Moghul India (Allahabad: Munshiram Manoharial، 1967) PP. 5- 6.

5 – انظر الجزء المعنون كتاب النساء في عيون الأخبار“. لابن قتيبة (القاهرة، طبعة دار الكتب ١٩٦٣) وراجع أيضًا نساء الخلفاء لتاج الدين بن أنجب (٦٧٤هـ) حققه م. جواد. والمستظرف من أخبار الجواري للسيوطى (بيروت: دار الكتاب الجديد، ۱۹6۳).

6 – تتنوع ما بين الحوليات وأدب الرحلات وأدبيات أخرى مثل العقد الفريد لابن عبد ربه وكتاب الأغاني للأصفهاني ورسالة القيان للجاحظ.

7 – واسمه الكامل محمد شمس الدين السخاوي (٨٣١/ 1428 – ٩٠٢/ 1497) ولد بالقاهرة إبان حقبة اضمحلال اقتصادي وانحطاط اجتماعي عام. من أجل مزيد من التفاصيل انظر سيرته الذاتية في معجمه المكون من اثنى عشر مجلداً: الضوء اللامع لأهل القرن الساطع (بيروت: مكتبة الحياة للطباعة والنشر بدون تاريخ) والمشار إليه في المتن باختصار: الضوء. لقد كان من التقليدي المألوف من يختص كتاب السيرة النساء بمجلد على حدة. وكانت تلك النساء في الغالب هن زوجات الرسول والصحابيات ممن نقلن الحديث، ومن المرجح أن يكون ابن سعد هو أول من وضع هذا التقليد في كتابه: الطبقات الكبرى. ويتضمن الكاتب جزءًا قصيرًا من نساء بغداد في كتابه تاريخ بغداد. وقد اختص التراث القرطبي الشهيد ابن عبد البر النساء بمجلد ضخم أوقفه على الصحابيات وناقلات الحديث في كتاب الاستيعاب في معرفة الأصحاب. وفي أحد معاجمه المتعددة للتراجم أوقف ابن حجر العسقلاني، جزءًا على النساء ممن نقلن الحديث في حياة النبي. أما في الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة أدرجت تراجم النساء جنباً إلى جنب تراجم الرجال. وبذا فإن إيقاف السخاوي مجلدًا بأسره لنساء عصره يعد غير مألوف بما أن العادة جرت كما رأينا مما سبق أن الوحيدات اللواتي كن يدرجن في أمثال تلك المعاجم من نساء الرسول والصحابيات.

8 – يفهم العلماء المسلمون السيرة على نحو مرادف لكلمة تاريخ“. انظر

F. Rosenthal، A History of Muslim Historiography. 2 nd ed. (Leiden: Brill، 1968)، p. 101.

وانظر شمس الدين السخاوي في الإعلان بالتوبيخ لمن ذم أهل التاريخ وهو ما سوف يشار إليه اختصاراً بالإعلان، وقد حققه وترجمه روزنتال في تاريخ كتابة التاريخ الاسلامي (A History of Muslim Historiography))

9 – من أجل المزيد من المعلومات عن أدب السيرة الاسلامي انظر:

B. Lewis & H.A. R.G. Islamic Biographical Literature Historians of the Middle East (London: Oxford University Press، 1962) PP. 54 – 58.تحقيق P. M. Holt

أنظر ت. خالدی

Islamic Biographical Dictionaries: A Preliminary Assessment The D. P. Little، An Intorduction to Mamluk وكذلك Muslim World، LXIII (1973)، 53- 65. Historiography (Weisbaden: Stiener، 1975)، pp. 100- 35.

من الجدير بالذكر أن هناك ميلاً في صفوف المؤرخين المحدثين نحو استعمال معجم السيرة على شكل كمي: انظر على سبيل المثال:

R. Bullier، “A Quantitative Approach to Muslim Biographical Dictionaries، JESSH، XIII (1970)، 195- 211

وكذلك

J. Escovitz، “Vocational Patterns of the Scribes of the Mamluk Chancery “Arabic XXIII (1976)، 42- 62.

١٠ الإعلان في History، p. 293

١١ الضوء، الجزء الأول، ص ٦، انظر أيضًا ما يقوله مؤرخون مسلمون آخرون في الإعلان في Histor، ص 285، ۲۸۹، ۹۰.

١٢ لقد كانت مسألة نقد الشخصية تلك (الجرح والتعديل) نقطة خلاف ونقاش ما بين السيوطي والسخاوي من أجل مزيد من التفاصيل انظر:

E. M. Sartain، Jalal alDin alSuyuti (Cambridge: University Press، 1975)، 1، 79- 77.

١٣ الإعلان في History، p. 366

١٤ نفسه، ص ٣٦٦.

١٥ نفسه، ص ٣٤٢.

16 – نفسه، ص ٣٢٩.

١٧ الضوء اللامع، الجزء الأول، ص ٤.

۱۸ نفسه، ص ٥.

١٩ نفسه، الجزء الثانى عشر، ص 24، 35، 36، 49.

20 – نفسه، الجزء الثاني.

۲۱ نفسه، ص ۸۹، ۹۳.

۲۲ نفسه، ص ٧٢، ٧٦.

۲۳ نفسه، الجزء الأول، ص ٤.

24 – Rosenthal، History، p. 103.

٢٥ لقد كان موضوع ثياب الإناث سبباً في كثير من المراسيم (جمع مرسوم) التي صدرت لدرء التبرج الذي ساد ثياب النساء المسلمات في مصر في القرون الوسطى من أجل مزيد من التفاصيل انظر: La Femme، وكذلك عبد الرازق Mayer، Mamluk Costume. pp. 69- 74 انظر pp. 232- 52 وهو يقدم أهم السمات والألقاب التي اختصت النساء، انظر نفسه، ص 8۹ – 120.

٢٦ الضوء اللامع. الجزء الثاني عشر، ص 7٨، 124.

۲۷ الضوء اللامع، نفسه، ص ۱۰۹.

۲۸ نفسه، ص ۱۳، انظر كذلك الصفحات، ۱۹، ۲۲ حيث يذكر صداقات بأخريات.

۲۹ نفسه، ص ۷۸.

30 – نفسه ص 6، من أجل أمثلة أخرى، انظر الصفحات 15، ۱۳۸.

31 – نفسه، ص ۸.

32 – نفسه، ص ۱۳۱.

33 – نفسه، ص ٤.

34 – نفسه، ص ۱۰۲.

٣٥ نفسه، ص ٣٤.

36 – Sartain، Jalal-alDin-alSuyuti I، 137

٣٧ من المؤكد أن النتيجة تكون جد مثيرة لو أننا عقدنا مقارنة بين صور الأنوثة المختلفة.

38 – الضوء اللامع. الجزء الثاني عشر، ص ١٦٣.

39 – نفسه، ص ٤٩٠.

40 – نفسه، ص ۱۳۸.

41 – نفسه، ص ٧، ويورد أمثلة أخرى في الصفحات ١٣، ٢٤، 37، 52.

٤٢ نفسه، ص ٦، ٧٦.

٤٣ نفسه ص ٨.

٤٤ نفسه، ص ٩١.

٤٥ نفسه، ص ۱۱۷.

٤٦ يعلق السخاوي على زواج زينب وهى ابنة أحد العلماء من شخص ينتمى إلى الطبقات الدنيا بأنها تزوجت من العاميونانظر نفسه ص ٤١. والشيء ذاته يقوله عن ابنة أحد الخلفاء التي تزوجت بمن لا يناسب مقامهاعلى حسب قول السخاوي نفسه، الجزء الأول.

47 – نفسه صفحات ۱۲، 40، ۱۳۰.

٤٨ نفسه، ص ۷، 107.

٤٩ يزخر مرجعنا بحالات عاشت فيها النساء أطول من حياة ثلاثة أو أربعة أزواج.

٥٠ نفسه، ص ۱۳۸، انظر كذلك حالات أخرى صفحات، ٤١، ٤٤.

٥١ نفسه الصفحات ٣٢، ٤٦ و، 47، 155.

٥٢ نفسه، ٩، 105.

٥٣ نفسه، ص ١٠٤.

54 – نفسه، ص ٦٢.

٥٥ نفسه، ص ١١٦ وانظر كذلك ص ٩٢.

٥٦ نفسه، ص ٤٩.

57 – نفسه، ص ٦٤.

58 – نفسه، ص ١٤١.

٥٩ نفسه، ص ۱۹ و ۸۲.

٦٠ نفسه، ص ٨٥، وانظر كذلك من ٦٨.

٦١ خواند لقب ينم عن رفعة الشأن، انظر Abd al – Raziq. La Femme pp. 97- 98.

٦٢ الضوء اللامع، الجزء الثاني عشر، ص ٤٥.

63 – نفسه، ص ٢٧.

64 – نفسه، ص ٤٦.

٦٥ نفسه، ص ٩٢.

66 – نفسه، ص ١٩.

٦٧ نفسه، ص ١٤٤.

68 – نفسه، ص ۸۳ و ١٠٥ و ١١٤ يتضح حب السخاوي للتفاصيل عندما يذكر أسباب وفاة النساء المختلفة، ويعطينا دأبه على ذكر النساء ممن متن بسبب الطاعون، والحرص على إدراج تاريخ الوفاة، فكرة عن دقته. وفي العموم، تمثل تلك التفاصيل معلومات ثرية ذات قيمة للمؤرخ الاجتماعي.

69 – نفسه، ص ۲۹.

70 – نفسه، ص ٩٨ و ١٤.

۷۱ نفسه، ص ٥٢ و ٥٦ و ١٠٤.

72 – نفسه، ص ٢٦، وانظر أيضًا ص ٤٥، ٤٩، ٧٠ و ١٥٧.

73 – نفسه، ص ۱۰۲.

٧٤ نفسه، ص ۱۳۱.

٧٥ نفسه، ص ۱۹.

76 – نفسه، ص ۲۲ ۲۲.

77 – نفسه، ص ۷ و ۸9.

۷۸ نفسه، ص ١٦٣.

79 – نفسه، ص ٨٢ من أجل مزيد عن مهن النساء، انظر Abd al-Raziq. La Femme، pp. 16- 19.

80 – الضوء اللامع. الجزء الثانى عشر، صفحات 37، ٤٥، 46 ٩٠ و ١٣٤.

81 – نفسه، ص ٤٧.

82 – نفسه، ص ٤٦.

۸۳ نفسه، ص ٨ وانظر أيضًا ص ٧.

84 – نفسه، ص ٦٦.

85 – نفسه، ص ٤٥ يذكر مرجعنا حالات عدة حيث ثروة زوجات السلاطين العظيمة، كان يستولى عليها السلطان الحاكم باستحقاق. انظر نفسه، ص ٩٠، 134 و ١٧٦ من أجل مزيد من التفاصيل، عن ممتلكات النساء وارثهن، انظر Abd al Raziq. La Femme. pp. 16- 19.

86 – الضوء اللامع، الجزء الثاني عشر، ص ٤٥، وانظر أيضًا ص ١٧.

۸۷ نفسه، ص ٢٦، وانظر أيضًا ١٧ و ٢٧ و 99 و ١٦٢ و ١٦٤.

88 – نفسه، ص ۱۰۲.

89 – من أجل تعريف أوسع للفظة رباط، انظر المقريزى في الخطط (بيروت: دار الصادر بدون تاریخ)، الجزء الثاني، ص ٤١٦، وهو ما سيجيء ذكره فيما بعد باسم الخطط.

90 – الضوء اللامع، الجزء الثاني عشر، ص ٤٥.

۹۱ نفسه، ص ۱۱۳، لقد كانت النساء الموسرات يبنين الزوايا والرباطات في مكة أيضاً، انظر نفسه، ص 77، 102، 114.

٩٢ نفسه، ص ۱۳۱.

93 – نفسه، ص ١٤٨.

٩٤ نفسه، ص ۲۱ من أجل مزيد من التفاصيل عن تعليم البنات، انظر

A.S. Tritton، Materials on Muslim Education in The Middle East (Lvndr: Luzac، 1957) pp. 140- 43.

95 – الضوء اللامع، الجزء الثاني عشر، ص ٤٥.

96 – نفسه، ص ٤٤.

٩٧ نفسه، ص ۹۸.

98 – نفسه، ص ۱۲۱.

۹۹ نفسه، ص ۳۱ كانت المدرسة الأظهرية واحدة من أشهر المدارس التي بناها الظاهر بيبرس البندقداري في ٦٦٢ هـ. إلا أن المستوى التعليمى بها انخفض كثيراً؛ بحلول زمن المقريزي أي القرن التاسع الهجري، الخامس عشر الميلادى. من أجل مزيد من التفاصيل انظر الخطط الجزء الثاني الصفحات من ۳۷۸ – ۷۹.

۱۰۰ انظر عاليه، ص ۲۷، هامش ٣٥.

۱۰۱ – الضوء اللامع، الجزء الثاني عشر ص ١٤٨.

۱۰۲ نفسه، ص 1٥، 28 و ١١٤.

۱۰۳ انظر كذلك، Sarain، Jalal al- Din al- Suyuti. IP. 126

١٠٤ الضوء اللامع، الجزء الثانى عشر، ص ۷۸.

١٠٥ نفسه، ص ١٢٤.

١٠٦ نفسه، ص ١٠٦.

۱۰۷ نفسه، ص ۲۱، وانظر أيضًا الجزء الثاني.

۱۰۸ نفسه، ص 26، 130.

١٠٩ نفسه، ص 35.

۱۱۰ نفسه، ص ۱7.

۱۱۱ نفسه، ص ۲5.

۱۱۲ نفسه، ١٦.

١١٣ نفسه. يقول السخاوي إن مصدره لحكاية تاندو هو كتاب ابن حجر أبناء الغمر في أبناء الصحر في التاريخ. ولم أستطع التأكد من الكيفية التي نقل بها السخاوي عن شيخه؛ لأن هذا الجزء من کتاب ابن حجر لم ينشر بعد.

شارك:

اصدارات متعلقة

استفحال المنظومة الأبوية المصرية في انتهاك أجساد القاصرات / القصر
دور قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في تمكين المرأة في مصر
ملك حفنى ناصف
غياب السلام في “دار السلام”.. نحو واقع جديد للعلاقات الزوجية
مطبوعات
نبوية موسى
من قضايا العمل والتعليم
قائمة المصطلحات Glossary
مطبوعات
مطبوعات