امرأة ما بعد الحرب
في هذه الورقة، حديث عن النساء والتليفزيون. أما لماذا وضع عنوان “امرأة ما بعد الحرب“، الذي فيه الكثير من الإطلاقية، ومن الادعاء؛ فذاك عائد إلى أهمية هذه المرحلة، على مستوى دينامية المرأة اللبنانية، وكلام النساء هنا هو ذاكرة، يجب أن تسجل.
لم يكن هدف هذه الدراسة، معرفة آثار التليفزيون. كانت العلاقة بالصورة وسيلتنا للقاء المرأة، امرأة التسعينيات، وعلاقتها بذاتها وبالآخر. وكلام النساء – هنا – يفقد أسئلة حول المقارنة، بين امرأة السبعينيات وامرأة التسعينيات، فإذا كانت سيمون دي بوفوار والمناضلات الثوريات والنسويات، شكلن نماذج فاعلة في مشروع المرأة التحديثي الفعلي أو المتخيل؛ حيث لقاء مع الآخر وحوار على قاعدة التساوي، فإن نموذج نادية الجندى ومثيلاتها من النجمات الأجنبيات أو “الأنثى الأبوية” يشكل اليوم، وحسب هذه الدراسة مقياس التمثل والتماهي، حيث الغواية هي للدفاع عن الذات والانتصار على الآخر، بالالتفاف عليه. ألا تشكل هذه الآلية العلائقية نكوصًا داخل الكوبل، وفي مستوى الحوار. وتردنا إلى عنوان : “إن كيدهن عظيم“!
في السبعينيات، كان المجتمع مسرحا لرؤى والأفكار. وكان الرجال/ الآباء أسياد اللعبة. وكانت النساء مشاهدات ومفتونات بالرجال/ الأبطال، كن مشاركات فعلاً أو هواما في لعبة التغيير، وفي شغل الدكتوراه، الذى أجريناه عشية الحرب الأهلية كانت المرأة:
١ – مفتونة بالحداثة، إنما مشروعها التحديثي، لا ينفصل عن مشروع الجماعة التي تنتمي إليها، كانت الذات الفردية متصلة بالذات الجمعية، وهذا كان إشكالاً كبيرًا في مجتمع محافظ.
٢ – كان على رأس كل جماعة أب / سيد، ناطق باسم المشروع التغييري مما شجع تمثلها القيم الذكورية.
3 – كانت محاكمة الأسرة والشريك، تخضع لقوانين إيديولوجيا محدثة أي لمقاييس برانية عقلانية، أكثر مما هي فعلية جوانية.
أما اليوم، فإننا نشهد انقطاعات علائقية، في البنية المجتمعية اللبنانية التي تذررت. رب قائل إن هذا التذرر هو سمة نهاية القرن، نضيف إلى هذا الطرح أن التذرر الذي يحصل في بنية تقليدية محافظة، في العالم الثالث، يؤدى إلى نتائج غير تلك التي نشهدها في العالم الأول. لأنه إذا تمت انقطاعات بين أفراد الأسرة الواحدة، دون أن يكون لهؤلاء الأفراد حقوق شخصية مرعية ولا حقوق مواطنية، فإن المستوى العلائقي داخل الأسرة المأسورة، بالحب القسرى سوف يكون محكوماً بدرجة عالية من التنابذ والأنانية؛ حيث تتباين التعبيرات حسب نوعية ومستوى ثقافة الأسرة والبيئة.
ما خصوصية الحرب الأهلية هنا؟
إننا نقارب هذه المسألة من منظور التحليل النفسى، الذي يرى في القوانين والثقافة والمؤسسات والانتظامات الاجتماعية، أشكالاً لتقنين النزوات البشرية الأساسية: الحب والكره، حيث الصلة الجمعية تقوم بواسطة توظيف الطاقة الليبدية (رافعة الايروس) في علاقات الحب والود والتعاون والتآزر بين الأفراد، ويتم إسقاط الكره على الخارج، خارج الدار والوطن والأمة.. الخ. من هنا، فإن الحرب الأهلية (من أهل) تبقي العنف في الداخل، حيث يصير هذا العنف (حامل غريزة الموت) فاعلاً في تفكيك هذه الصلة الجمعية، وهذا ما شهدناه في المراحل الأخيرة من الحرب الأهلية اللبنانية، وإذا لم يتجل هذا الكره فعلاً بين الأفراد، فإنه يعاش هواما بشكل انقطاعات تحمل الكثير من الحذر والشك والعزلة والانكفاء النرجسي على الذات.
من داخل هذا الانقطاع، وبعد ملاحظاتنا اليومية، ومتابعاتنا، سوف نرى، وعبر عينة صغيرة لا تدعى التمثيل، التغيرات في صورة المرأة، وفي تماهياتها قياسًا على امرأة السبعينيات.
لا أدري، لماذا تصورت أنه كي أصف امرأة ما بعد الحرب، يجب أن أبدأ بهذا السؤال؟ كتبته على الورقة، وسجنت تفكيري فيه؛ أفترس العنوان رأس الصفحة البيضاء، وافترسني. أمحوه في محاولة للتخلص من أسره، وبسرعة أعيد تسجيله. أوقعني في الأسر، عانيت مرارته. إنني في الزنزانة المظلمة ذات الطاقة العالية، التي لا يستطيع نظري أن يعبر منها إلى الخارج؛ باب الزنزانة مقفل والحراس أطياف تمر دون أن نتبين لها قامات أو وجوها أو عيونا.
وحيدة في الداخل، تمتنع عنى الكتب والمصادر والمراجع والصحف. فقط الذاكرة والمعاش اليومي. أترك الصور تتداعى. يأتيني التعب كأنه الساكن الوحيد الباقي. أحاول أن أستقوى بالأفكار، تخذلني المحاولة، أحاول أن أمسك ببعض العناصر، تنزلق البقية. من أين أبدأ؟
لست على ود مع قرقعة الخارج، إننى أكثر ألفة مع الوجوه والعيون والحكى الجواني، الذي لا يسمعه أحد ويبقى حبيس الصدور؛ هذا الحكى هو عزف منفرد أكثر الأحيان يسكن في المخيلة منقطعًا عما حوله.
يقول الرجل: “إنني متعب، وأريد أن أعود إلى البيت“.
تقول المرأة: “أريد أن أطلع بمركبة فضائية، وأجوب العالم“.
تلتبس الرؤيا، ويزداد التعب. أشهد انقطاعات في المشهد اللبناني ما بعد الحرب، كأن القذيفة التي انفجرت منذ عشرين عامًا، حفرت عميقًا في الأرض وفي الهواء أيضًا، بعثرت كل ما حولها. قذفت كل واحد إلى جهة، فبقى هناك في منفاه يرافقه تعب خفي يقارعه كل صباح ویلوذ به مساء في نهاية النهار.
خبرت مجددًا هذا التعب أثناء استعادتى ذلك العمر، منذ عام ١٩٧٥ حتى اليوم. خبرت هذا التعب مرة ثانية، وأنا أحاول أن أكتب هذه الورقة. ألا تشبه الكتابة عن الحرب، الحرب نفسها !!، كيف تكتب عن مشهد مقطع الأوصال. وأنت جزء من المشهد؟! لماذا لا نترك للأنثروبولوجيين الأجانب عبء الكتابة عنا؟!
لماذا نتكفل بمهمة وصف أنفسنا ؟!
لماذا نحن عشاق عذاب؟!
هذه المقدمة، حاولت تلافيها مرارًا، لكنها كانت تلح كاللازمة التي لابد منها.
إن أفضل سبيل لمواجهة الواقع القاسي، هو الهرب منه.
الهرب، المداورة، ذلك هو الموضوع الذي وضعت من أجله مادة هذه الدراسة. هرب اللبنانيون بعد الحرب إلى الصورة التليفزيونية.
إدمان المرأة المشاهدة التليفزيونية. لماذا تدمن الصورة؟ لماذا تهرب إليها؟
مم تهرب؟ ماذا تريد؟
تمت مادة هذه الدراسة سنة ۱۹۹٥، مع طلاب صف الدبلوم في قسم علم النفس في الجامعة اللبنانية. وذلك في إطار رصد “حالات نفس اجتماعية“؛ حيث كانت العينة عبارة عن سيدات شابات “مدمنات على التليفزيون“، لنرى لديهن سبب هذا الإدمان، صورة الذات لديهن، تماهياتهن، واقعهن العلائقي مع الآخر. تمت المقابلات ضمن الخطة المرسومة لذلك، لم ينشر البحث بصيغته التي تمت فيها، وفجأة وضعت له عنوانًا آخر: “صورة أنثى ما بعد الحرب“، وابتلع الجزء الثاني من العنوان “ما بعد الحرب“، طاقة نفسية عندى. عجزت عن معالجتها بمادة توثيقية، لضخامة الأدبيات البحثية والصحافية، المؤتمرات، الندوات،… إلخ. بالنسبة إلىَّ، تقع الأسئلة في مكان آخر…
مجتمع ما بعد الحرب، امرأة ما بعد الحرب، هذا الجانب هو الذي تمت تعميته وإغفاله أثناء التعامل مع “المدمنات“. إلا أنه ظل قابعًا في جوانيتي وفي رأسى، لا يريح ولا يستريح، إن إشاراته وعلاماته ماثلة أمام الجميع. إلا أن إرباكه عندى كان عائدًا إلى إيجاد لغته المفاهيمية، أدواته الشرحية، فاللغة النفسانية ليست لغة الوقائع والأرقام والأحداث فقط، إنها لغة المعادلات غير الممسوكة. وكلما كانت الفرضيات ضخمة، كانت برهنتها أصعب، ونتائجها مخيفة. ولأننا لسنا كباحثين خارج اللعبة إنما من داخلها، فهى تمسك بأعناقنا، مما يستدعى جهودًا مضاعفة لوضع مسافة بيننا وبين ما نلاحظه. وما نختبره وما ندرسه.
(مجتمع ما بعد الحرب!.)، (امرأة ما بعد الحرب!.)، لماذا هذان العنوانان متلازمان؟.
أ – الانقطاع
عندما توقفت الانفجارات، وسكنت المدافع، لزم اللبنانى بعض الوقت كي يقترب من المناطق التي تقع خلف خطوط التماس، لزمه وقت كي يتأكد أنه لا يوجد مقنع على حاجز ما يحمل أمر الموت؛ الرعب هناك، على بعد أمتار قليلة من الحي، من البيت. خلف تلك “الحدود“. توجد أعمار شبت وشوارع شقت وأمكنة صارت لها أسماء، أحياء أخرى وناس آخرون، ربما لهم وجوه أخرى، إنهم الآخرون.
يذهب الواحد ليرى؛ ليتفرج على أحياء وشوارع نبتت واستوت، بعد أن تمزق قلب المدينة.
بيروت العاصمة، كان هذا القلب يتدفق دمًا وولعًا وخوفًا. كان مكانًا تتوه فيه الخطى والقامات، الأسرار والخطايا، الحكايا والأحلام، الخضات ومشاريع التحولات، سقط وجه المدينة، فصارت رحما تتصارع فيه الأجنة دون أن تولد منه، أخذت الولادات تتكاثر في الأطراف وفي الزوايا البعيدة، في المهاجر والمنافي. تسور الناس هناك في البعيد.. البعيد خلف طوائفهم وقراهم وأسمائهم وخيباتهم.
يقترب اللبناني اليوم من المنطقة الأخرى يجتاز الحدود، يتفرج بعيون مسافر، تزداد غربته؛ عمر مضى وهو في مكان آخر، حيث تدبر أمره وصنع حياته (عشرون عامًا). خلف أولادًا، لعبوا مع أولاد الأقارب والجيران، ذهبوا إلى مدرسة الحى والجامعة الأقرب، الجامعة التي تنطق بلغتهم. يستمعون إلى “إذاعتهم“، إذاعة الجهة التي ينتمون إليها، يتابعون “تليفزيونهم” بأخباره السياسية وألاعيبه وأكاذيبه، يتواطئون مع مذيعيهم؛ ينتخبون ممثلى طوائفهم، يوالونهم؛ فاللقمة والوظيفة والسكن والمدرسة والمستقبل، كله في يد ممثليهم في “السلطة“.
المجتمع اللبناني مجتمعات، ثقافات، بين جونية وكسروان، والطريق الجديدة والضاحية، الشمال والجنوب، الجبل الدرزى والجبل المسيحى شباب وأعمار، مدارات ودفاعات مستنفرة للدفاع عن الذات، الاسم، الانتماء.
يتفرج اللبناني ويعود إلى البيت، وإلى البيت فقط. انقطعت الحياة اليومية عن مسرحها الفعلى: المدينة / الحلم، الأفكار / الرؤى، الحضن المولد، حيث كان المقهى والنادي، حيث كان الحزب والنقاش. كان الصوت عاليًا، يعترض ويناقش ويقترح. ما قبل الحرب كانت توجد ساحة مشتركة، مسرح حيث كان الخطاب / اللغة. مطرح الدلالة، العام / الدولة. كان يوجد نسق رمزی Ordre Symbolique يشكل مرجعًا للتعامل، الخطاب الوحيد اليوم، هو خطاب “الترويكا” رؤساء الطوائف. فقد الخطاب دلالته، أصبح مباشرًا يقارب الواقع أكثر مما هو يتعامل فعليًا، مع العام، المشترك، الرمزي.
المخيال العام L’imaginaire Collectif تراجع إلى مخيال الطوائف الإثنيات. وما يعرف اليوم بالخطاب الوطنى، هو خطاب فاقد المعنى، فاقد كثافة التعبير، إنه الخطاب المباشر الذي لا علاقة له بالقول والدلالة، إلا فيما يعود بالصدى إلى استحكامات الطوائف، إنه خطاب خارج الترميز، مباشر، فئوى. إنه العجز في النسق الرمزي Ordre Symbolique (مجموع القوانين والأعراف التي تنظم حياة الجماعات في مجتمع، في وطن، في دولة القوانين التي تؤسس للمواطنية).
يقف اللبناني اليوم خارج الترميز، خارج العام؛ يتفرج، يعود مثقلاً إلى البيت، تعبًا، يتكور على ذاته، يأنس إلى بيته، بوصفه ملجأه الوحيد. جدران البيت ليست سميكة، ولكنها مصنوعة من حضن الأم، من عباءتها، من تنورتها، من لقمتها، من الانصهار فيها وعندها وبين يديها.
أثناء الحرب خضع البيت لترتيب خاص، قوامه الأم، تنظم الأمور، تخرج لشراء الحاجيات تتفنن في ابتداع اللقمة، تحمى الشباب عندما يعودون حيث يرتمون في بخار الحمام الساخن الذي تعده. استطالت نراعاها فصارت الجدران التي تضم وتخبئ، عيونها اتسعت لتضئ عتمة السنوات، انتشر حضورها في الداخل فصار السقف الذي يرد الخوف والقلق. ملكت الكلمة وصارت تتخذ القرارات بتوزيع الأدوار وترتيبها. هي، هنا، في هذا الداخل تنسج الحياة قطبة قطبة، كانت امرأة الحرب امرأة ألف ليلة وليلة. شهرزاد لبنان تحول العمر إلى حكاية؛ لم تكن تروى وتحكى في الليل كما في النهار في المطبخ وفي الشارع كما في الملجأ. كانت هي الحكاية والرواية. كانت عباءتها تتسع وتتسع؛ لتلم الجميع.
كان الأب يجلس على كنبة جانبية، يجلس بصمت، كنبة لا تقع وسط الدار ولا قرب النافذة المطلة على الشارع؛ يجلس وحيدًا، خائفًا، يستمع من الترانزستور إلى أخبار البورصة. وفي لحظات الهدوء، يجلس على العتبة، عتبة البيت، ليشرد ويستعيد ماضيه. ربما يلعب الطاولة لينسي، كانت الحرب طويلة امتدت سنين كثيرة من عمره. كل يوم يمضى كان يأخذ معه قسطًا من المعنى، من التاريخ، من القوة، كان يمسك بمفاتيح كثيرة لبوابات كثيرة: الدين، السياسة، التاريخ، الجغرافيا، الأفكار، الوظيفة، المال، كان الأب Le Pere بالمعنى الاجتماعي والتاريخي. فصار الأب الفعلي Le Pere reel (أب الأسرة) (**).
حامل الاسم، إنه من جهة الأم، أى أن الأم هي التي تسميه أمام الولد “الأم لغة الأب“، وبالتالي فهو رجل رغبة، إنه رجل المرأة، يأخذ قوته ومعنى وجوده كأب من صورة الأب المثالية المتخيلة الموجودة في الخارج في العام.
في مجتمع ما بعد الحرب، خسر الأب الفعلى / الوسيط، العصا السحرية التي كان يأتي بها من الخارج. من الآباء / الأسياد أسياد السياسة وأسياد القوانين، الموجودين في الساحة المشتركة، (أسياد الأفكار والطروحات والأحزاب)، صار هذا الأب الفعلي حاضرًا، يتدخل في كل صغيرة وكبيرة، وجد نفسه يشرع للداخل، وهذا ما لا يستطيع الولد تصديقه، فكيف بالبنت! (في فترة ما بعد الحرب، يتم اليوم بناء هذا الخارج بوسائط خفية لشركات متعددة الجنسية، ذات التكنولوجيا المتقدمة، مرجعية فاقدة الوجه والتعبير والحضور ذي الدلالة). خسر الأب، بفعل تدمير الخارج، قوة المعنى، فصار الرجل، الصديق الأخ، رجل الأم/ المرأة فقط.
كان الأب شاهدًا على ذهاب الأبناء إلى الحرب، شاهدًا على هجرتهم إلى المنافي والمهاجر، ومن تبقى منهم ستره حضن الأم. فبقى وليدًا لم يفتح له الأب بابًا للمعرفة، بقى هذا الوليد معلقًا بالثدى المرضع. لا وسيط لديه يساعده على الفطام.
كانت البنت تراقب وتشهد، ترى الأب على الكتبة الجانبية، تعرف عبث ما يفعله الأخوة / الأبناء، دليلها إلى الحياة قنديل الأم، “والوقت ليس للتفضيل والتمييز والتراتب بين البنات والصبيان” ( سالية، ٢٠ عامًا).
فالحرب الأهلية هي التهديد في كل لحظة، الاستنفار عال، وكل لحظة هي لحظة مواجهة، الوقت طويل، والكود المجتمعى غائب، والأب رفيق مشارك، والخارج ليس فاعلاً ليشير إلى المسالك والدروب، مما حرر لدى البنت طاقوية عالية، طاقة نزوية قوية إنما مسورة بالبيت وبالأسرة وبالمدرسة القريبة، وعندما يستبد النزوى بابن البشر فإنه يأكله وينخره توقا للتصريف والإشباع. وإلا وقع الإنسان في القلق القاتل، وهذا أمر أكثر من احتمال البشر، فإما أن يتحول هذا القلق إلى عارض symptiome مرضى، يقول بطريقة ملتوية طلب الإشباع، وإما يتحول إلى طاقة خلاقة مبدعة، حية بواسطة إوالية التسامي Sublimation. مما يحفظ الفرد مؤقتًا من خطر الخراب، متسلحًا بنرجسية narcissisme تحفظ توازن الأنا وتساعدها على التألق.
راحت البنت في الحرب تطرز أيامها بالكتب وبالأمور المنزلية وبالانكفاء النرجسي؛ لصنع الذات وإغنائها وتقويتها بواسطة إوالية التسامي.
انتهت الحرب، ولم تكن الشابة اللبنانية ابنة العشرين عامًا فارغة اليدين، كانت الكف مملوءة خبرة ذاتية، ربما لم تكن معلومة ذهبا، ولكنها كانت تعرف كيف تلتقط الذهب. كانت البنت محمية بالضرورة، والاغتصاب هو لغة الخارج، ترمزت المدينة كلها، الدولة كلها بالجسد، وكل قذيفة من فريق هى انتهاك لحرمة الفريق الآخر. وحماية البنت حماية لجسدها، والبقاء في البيت مع الأسرة، داخل الجدران هو النتيجة الطبيعية، لم يحصل مرة أن الشباب في العصر الحديث كانوا محافظين إلى هذه الدرجة، إنهم يعرفون جيدًا معنى الاغتصاب، لذا كان الحفاظ على الأخوات، الوجه الآخر لعملة الاغتصاب في الخارج. نخلص من هذا الطرح السريع حول الآلية المجتمعية اليوم في لبنان، ما بعد الحرب. إلى أن الانقطاعات التي حصلت تدريجيًا، بفعل الحرب، وصلت إلى أوجها مع السلم. هذه الانقطاعات تعود إلى تراخ أو لنقل إلى عجز في المستوى الرمزي / الدولة، المجتمع، الوطن، القوانين. مما أورث بالضرورة تضخمًا في المخيال الطوائفي L’imaginaire confessionnelle، حيث كل طائفة اليوم مستنفرة لتأكيد ذاتها إزاء الطائفة الأخرى.
– بفعل الحرب ذاتها، حصل انكفاء نحو الداخل الأسروي، حيث الأب ممثل الشرائع والقوانين، أي الوسيط بين الداخل والخارج، قد فقد الكثير من قدرته على التمثيل والتوسط، فبات رجلاً حاملاً للاسم صديقًا وبأحسن الحالات مدبرًا للأسرة.
– بفعل العجز الرمزي والانكفاء الأسروى، وتقهقر الكفاءة التمثيلية للأب تحررت الذات الأنثوية على مستوى المخيال، إنما بقيت مسورة بالواقع المحافظ باسم الأب وانتمائه، وهذا أدى إلى نشوء دينامية خاصة بها. فهى اليوم مشاركة في كل الحقول والمجالات، ذات طموحات عالية، إنما سقف هذه الطموحات محكوم بقيم الجماعة التي تنتمى اسما إليها، لأن قوانين الأحوال الشخصية من كان لبنان وحتى اليوم تربط المرأة بمنطقتها، بطائفتها وتحدد طريقة خروجها إلى العام، ومهما بلغت من قدرات وكفايات ومهارات فهى محكومة بهذه البنية الطوائفية التي تسميها، ولا يمكن أن تصير فردًا مستقلاً بذاته، ذاتا اجتماعية Sujet Social، ألم تعد “لينا” بطلة ليلى بعلبكي في الستينيات “أنا أحيا” بعد أن دمرت كل ما يمنعها من لقاء ذاتها إلى البيت صاغرة، باكية، بعد أن “قتلت” الأب وهزأت من الأم!.
الحرب الأهلية، حررت البنت، كطاقة فعالة وقادرة، وأسرتها داخل دائرة الاسم والانتماء في نفس الوقت. كيف تتعامل امرأة اليوم مع هذا الواقع؟.
هل هي راضخة؟. هل هي متمردة؟. وكيف؟.
إننا لا نستطيع رصد وقياس هذه المسألة على مستوى السلوك الشخصي؛ نظرًا إلى آلية السترة التي يتسم بها المجتمع اللبناني الذى لا يتمتع بالشفافية والصفاء والوضوح، إنما نحن نلمس ديناميته ذات المصادر الخفية والدوافع المستترة. لذا سوف نلجأ إلى دراسة المخيال imaginaire عند الأنثى “المشهد الآخر“، المستتر الذى يقع في خانة السر، في خانة ما لا يرى، ولا يتمثل في الخطاب المتداول (المشهد الرسمي، والرقم الإحصائي).
وإننا نفترض أنه يوجد تواز بين حالة البنية المجتمعية اللبنانية ما بعد الحرب. أي القطيعة بين الرمزى والمخيال، والقطيعة الموجودة داخل البنية الأنثوية. بمعنى: أن الأحلام والطموحات تعاش في المخيال، والأنثى تعرف تمامًا أنها محكومة باسم الأب والطائفة والمذهب والحي والبيت، فيصير الواقع الذي تعيشه لعبة تلصيق منهكة لا تسمح بصياغة تصور واضح للمستقبل.
رب سائل يطرح، لماذا هذا الربط بين الرمزي والمخيال والواقع؟.
لقد اعتمدنا في هذا على مقولة لاكان Lacan الشهيرة في شرحه لوجودنا نحن البشر، حيث يقول إن الرمزى والمخيال والواقع، هي دوائر مشبوكة برباط يجعل أنه إذا انفكت عقدة واحدة في هذا الرباط، لا تفلت دائرة واحدة فقط. إنما تنفك الدوائر الثلاث عن بعضها البعض. وفي هذا خراب نفسى وخراب مجتمعي. فخراب الرمزى هو الفوضى Anomie بالمعنى الدوركهايمى وهو الخلل الكبير بالمعنى السوسيولوجي!. إنما ما هو المخيال L’imaginaire ؟.
يتحدث لاكان عن المخيال انطلاقًا من الصورة التي تتكون في الذهن، وهذه الصورة ترسمها الأنا Le Moi “الأنا هي بناء متخيل، ولا يقلل شيئًا من قيمة هذه الأنا كونها متخيلة. أقول إن هذا أحسن ما فيها، ولو لم تكن متخيلة، لا نصير بشرًا بل نصير أقمارًا، هذا لا يعنى أنه يكفي أن تكون لدينا هذه الأنا المتخيلة لنكون بشرًا، من الممكن أن نصير ذلك الوسيط الذي يسمى مجنونًا، المجنون هو بالتحديد ذلك الذي يتعلق فقط بهذا المخيال” (لاكان ١٩٥٥).
يسوق لاكان هذا التعريف للمخيال كونه حسب لاكان نفسه. مطرح التماهي identification ومطرح الخداع Leurre، يوقع هذا التعريف للمخيال بالإرباك النظري وبارتباك المعنى، المخيال مطرح التماهي، ومطرح الخداع، هل تصير الأنا حامل هذا المخيال قصراً للسراب؟.
إذا كانت العلاقات بين الرمزي والمخيال قد انفكت بفعل غياب الرمزي وصمته وعجزه كيف ننبني، كيف نتدبر أمرنا نحن اللبنانيين؟. كيف نحلم إذا ؟. كيف نبدع ونخلق؟. كيف نرسم ونكتب الشعر؟. كيف نؤسس لمشاريع ونلهث وراء طموحات؟.
استعار علم النفس الاجتماعي مفهوم وظيفة المخيال من التحليل النفسي. ويرى Enriquez. أن هذه الاستعارة تمت ليصار إلى استعمال هذا المفهوم “خارج مصدره الأصلى“، وتعديله باتجاه فهم وظيفته بشكل آخر.
إن العلاقة المتخيلة محكومة دائمًا بالخداع وتدخل في صراع مع مبدأ الواقع. ولكن هذا الأمر ليس ممكنًا إلا إذا كان المخيال هو فقط خداع Leurre. يجب أن ننتبه للوجه الآخر للمخيال، الوجه المحرك الدينامي. وهذه الدينامية للمخيال كان قد أشار إليها باشلار Bachelard وغيره: دون مخيال لا يوجد مشروع، حلم للتحقق، يوتوبيا، عالم لنبنيه. لقد كان التحليل النفسي قد بين أن تكون مثال الأنا L`ideal du moi يعود إلى وجود نموذج ينتج عن العلاقة بين النرجسية (الأنا المثالي Moi ideal) والتماهى بالمثالات Les ideaux بالمعايير. إن مثال الأنا يتدخل كصورة مرأوية Speculaire مع الأنا المثالى في جملة الموديلات التخيلية للأنا، وهو وريث النرجسية؛ وهكذا فإذا كان المخيال هو دائمًا لا واقعى فهو أيضًا وبنفس الوقت ما يخصب الواقع، محاولاً جعل الواقع تعبيرًا عن الحلم. إنه الخديعة الأساسية. لكنه بنفس الوقت يعنى الانفتاح، انفتاح الواقع على الحقيقة.
يقع المخيال في خانة المرجأ، المؤجل، كفئة حاملة لمعان أربعة:
أ – مؤجل Differe كونه يدخل الاختلاف (بعكس التكرار) أى التغيير المتواصل في أشكال التقاط الرغبة، نقل الرغبة إلى موضوعات متعددة، اختراع صور تهدف إلى تعديل الواقع، إنها أحلام محولة للمادة (Bachelard). إنه بداية لدينامية خلاقة بينما التكرار هو مؤشر البنى الراكدة.
ب – مرجأ إلى ما بعد… إنه من جهة المشروع، من جهة ما ينبنى ببطء.
جـ – مرجأ كونه لا يكل ولا ينتهى، إنه خالق المسافة المختلفة دائمًا حاضر، ولا يمكن تقليصه… إنه يستدعى العمل للقطع بين الحلم والواقع.
د – مرجأ كونه يبنى فرقًا بين ما يجرى فعليًا، والصور المتكونة. من هنا وظيفته كقناع لبناء القسمة بين الصلات الفعلية والصلات المتصورة، كونه قناعا، يعني أنه في القلب، من تكوين الإيديولوجيات.
يرى المخيال كونه بنفس الوقت غطاء للعلاقات الفعلية، مخاتلة mystificiation، کرکن للغلط، وكانفتاح على الزمن، على الفعل، وعلى التحول.
– إنه انفتاح لأنه يفاجئ، إنه الكاشف لما يدور في أعماق الواقع المسطح، إنه النسيج؛ حيث تنعقد المتضادات. إنه نسيج لإمكانية الشعر. إنه القطع مع الفعل Rupture avec les actes نراه كتعبير عن العفوية الخلاقة، الاختراع التقني والاجتماعي، إنه قطيعة مع الزمن؛ إذ يسمح بالهرب من الوقت الممل، التكرارى واليومي، وذلك بإعطائه معنى بإيقاظ لحظات مختلفة، يبقى جمالها في هروبيتها. بواسطته نستطيع الذهاب نحو…
في النهاية إنها إحراج aporie وتبعثر Diaspora. إحراج لأنه يطرح قضايا صعبة، ولا يطرح أية صيغة لحلولها، تبعثر Diaspora لأنه يعنى التفجر، التفجر المخصب، شق الطرق الجديدة، المغامرة دائمة الابتداء. ويتميز المخيال بكثافته sa consitance، وكونه – كذلك – فهو لا يستطاع التقاطه، إلا عن طريق الإسقاط Projection.
كيف نلتقط مخيال الأنثى اللبنانية اليوم؟ هل تكفي الروائز الإسقاطية؟
وكيف نلتقط موديلات التماهي عندها؟
كيف نلتقط علاقتها بالعام، بالرمزى، بالقوانين، بالأب؟ ما الواقع الذي تعيشه؟
يقترح علينا Enrico Fulchignoni طريقة إسقاطية أكثر حرية ومداورة من الرائز الإسقاطي النفساني. هذه الطريقة هي ما يسميه “الرائز الفيلمى للشخصية” pour un test filmique de la personnalite أي الوضعية النفسانية، التي يكون فيها المشاهد أمام الفيلم السينمائي.
يتساءل الكاتب: ما الموقف النفسانى للمشاهد أمام فيلم السينما؟. يجيب: أمام الفيلم يختفي الإحساس بالواقع في خدمة حالة تشبه الحالة التنويمية، حيث يلعب الإيحاء suggestion دورًا كبيرًا نظرًا إلى ضعف الضبط النقدى على الطبقات الأكثر عمقًا في الوجدان، أثناء عرض الفيلم، إن الذات التي تتابع تتراءى لها المشاهد وكأنها واقعية وتريد أن تتفاعل معها، وهى في أفضل الشروط؛ لكى تسقط نحو الخارج ميولها العميقة (وكانت مدرسة جانيه Janet السيكولوجية قد رصدت مثل هذه الحالات الخاصة؛ حيث تمت تعديلات في الزخم الوجداني وبلورة لتأويلات فنتازية). وهذا ما يحمل إلينا تسويغًا، حسب Fulchignoni للإسقاط. وهو يرى أننا – هنا – في الوضعية المثلى للإيحاء تتجاوز الوضعية الإسقاطية للرائز النفساني، بثلاث نقاط:
1 – خطورة الصد.
۲ – خطورة تقييم دوافع الإجابات.
3 – الخوف من التقييم الدونى الناتج، عن وضعية الاختبار.
إن الرائز الفيلمي filmique يستطيع تجنب هذه الأخطار الثلاثة: مما يسمح بتخفيض سقف السلطة الناقدة، تاركا للميول العميقة إمكان التعبير؛ حيث لم تستطع مختبرات علم النفس كشفها.
هل الاسترخاء في وضعية المشاهدة في السينما، وما ينتج عنها من هوامات وتخيلات وربما تعديلات في الواقع، تشكل “أريكة الفقير” Le Divan du Pauvre ؟
إذا وضعية المشاهد تشكل مادة إسقاطية لرصد وسبر مكنونات الشخصية المشاهدة. هنا ارتأينا اعتبار المشاهدة التليفزيونية، حقلاً إسقاطيًا في المجتمع اللبناني؛ تحديدًا لدى الإناث اللواتي يشكلن اليوم في لبنان الجمهور الوفي للتليفزيون. خصوصًا أن الصورة التليفزيونية، بخلاف الصورة السينمائية، صورة سريعة هاربة تتطلب مشاركة المخيال في فهمها وتلقيها واستبقائها (جان كازونوف).
II – المداورة النهجية: الصورة حاملة المخيال
للوصول إلى السيناريو الشخصي للمرأة، اخترنا طبيعة المشاهدة التليفزيونية؛ كون التليفزيونات في لبنان ما بعد الحرب هي الظاهرة الأكثر بروزًا. فكل طائفة وكل متمول أو مستثمر في الأطراف البعيدة كما في المركز / بيروت باستطاعته استباحة الهواء الرمزي الذي يتنفسه اللبنانيون، ويفتح تليفزيونا برعاية الإعلانات التجارية، وكان ذلك مؤشرًا لشطارة اللبناني الذي عرف، وفي لمح البصر أن مواطنيه المنقطعي الصلات فيما بينهم، قابعون في البيوت تنهشهم مخاوف من نزواتهم، من إرث الرعب القابع في ذاكرتهم القريبة. فكان لابد من إلهائهم وتخديرهم، إنما على مسافة غير خطرة بواسطة الصورة. أي أننا، بعد سباتنا العميق المنقطع عن الحضارة والمسار الكونى الذى كان يجرى بسرعة جنونية، دخلنا في العصر، في ثورته التكنولوجية عبر الصورة، بعد أن تكفلت الحرب – بمقدرة فائقة – بتهشيم بني ذهنية وصور ماضوية كان يمكن أن تقف بين المشاهد والصورة، وتخفف من شغف التلقي.
التمارين الأولى: المشاهدة التليفزيونية
قلنا في المقدمة، إن هذه الدراسة أجريت سنة ۱۹۹٥، مع طلاب صف الدبلوم. كان عدد الطلاب خمسة وعشرين، اخترنا عينة شبابية بين ٢٠ – ٣٠ سنة (٥٠ ذكرًا، ٥٠ أنثى)، أجرى كل طالب ٤ مقابلات، (ذكران وأنثيان)، من فئات اجتماعية متباينة، إنما كون الأغلبية في الفرع الأول، في الجامعة اللبنانية هم من المسلمين، مما أثر هذا على اختيار العينة التي أتت في مجملها مسلمة، مع بعض الحالات المسيحية، الموجودة في المناطق المسلمة.
قامت المقابلات حول معرفة:
1 – كيفية قضاء وقت الفراغ.
2 – ماذا يقرأ؟
3 – ماذا يشاهد؟. ومتى وعدد ساعات المشاهدة؟
4 – من هو البطل المفضل أو البطلة المفضلة؟
هذه المرحلة الاستطلاعية أسفرت عن النتائج التالية:
الذكور:
– قليل من الذكور، يهتم بالبرامج السياسية أو الثقافية أو الاجتماعية. فقط البعض المنتمى إلى تيارات أصولية إسلامية، يتابع هذه المسائل.
– القراءة مغيبة، ما يقرأه الجامعيون هو المقررات الأكاديمية، أما الأصوليون فيقرأون الكتب الدينية.
– يتابع الذكور بشكل عام كل ما هو Sexy (المذيعة، الممثلة، البرنامج)، وكذلك الرياضة، أفلام الـ Action والعنف.
– تفضيل كلى، بل انحياز للبرامج الأمريكية، والأبطال الأمريكان.
– الممثلون المفضلون هم من نوع عادل إمام، أى البطل الشعبى الذى ينهض لخدمة المظلوم ويستعمل ذكاءه وقدراته الشخصية، لحل قضايا الناس في ظل عجز القانون.
– المجلات التي يشترونها أو يتابعونها هي المجلات الإباحية أو الصور الإباحية في المجلات الاجتماعية، أحدهم قال إنه “يشترى مجلة ألمانية. وهو لا يعرف اللغة الألمانية، فقط ليتفرج على صور البنات“.
– بعض مدمنى المسلسلات العربية والمكسيكية والأمريكية من الذكور، والذين يبقون في البيت، أدت المقابلة معهم إلى معرفة الأسباب، وتبين أنهم يقعون في خانة “الحالات العيادية“، ولا يشكلون حالات نفس اجتماعية، مثلاً منهم من هو:
(necrophyle، Homosexuel، phobique، obsessionnel etc…).
ملخص لعلاقة الذكور بالشاشة الصغيرة:
– لا يشكل الذكور فئة “المدمنين” للمشاهدة. والمدمن هو حالة تدخل في خانة “غير السوى“.
– الانفكاك عن السياسة والثقافة، أي التراجع عن الرمزي.
– إن التنفيس عن النزوات لا يتم بصورة أساسية عبر المخيال – المشاهدة، إنما يوجد تضخم للمخيال النزوى (العنف، الجنس). هذا التضخم يبدو أنه يذهب إلى الإشباع المباشر في السلوك أو في الانكفاء المرضى. من هنا نعتبر أننا يجب فعلاً دراسة “شباب ما بعد الحرب في لبنان” (الذكور)؛ لنفهم كيف يمكن أن يتدبروا أمرهم من دون مرجعيات فكرية أو سياسية مقنعة أم أن المسار نحو الفردوية Individualisme هو سمة المرحلة! وأسئلة كثيرة غيرها لسنا الآن في سياق التوقف عندها.
كانت عينة الخمسين أنثى، متباينة الانتماءات الطوائفية والمناطقية والطبقية، مع غالبية مسلمة، وكانت الملاحظة اللافتة، أن جميع الإناث اللواتي تمت مقابلتهن هن من المشاهدات الوفيات للتليفزيون، من المطلقة إلى الأمية إلى الجامعية إلى المهندسة إلى مديرة المؤسسة؛ واحدة فقط من خمسين وهي تعمل مهندسة في مؤسسة ضخمة وتقبض راتبًا جيدًا، وتخرج تقريبًا كل مساء بعد العمل مع زملائها وأصدقائها، قالت: إنها لا تعرف المحطات التليفزيونية ولا البرامج وأنها “لا تشاهد“.
مواضيع المشاهدة لدى الإناث
– المسلسلات وخصوصًا الأمريكية من نوع : The Bold and The Beautiful – Beverly Hills كذلك المسلسلات المكسيكية، أكثر من العربية، وكل ما يبث حول المواضيع الرومانسية (الحب، الجنس) الاجتماعية (الغنى، الفقر).
– ساعات المشاهدة تكاد تكون كل الوقت، مادامت في المنزل الوقت موزع بين العمل والمشاهدة. الشغل المنزلي يتم والتليفزيون شغال، في المكاتب، التليفزيون شغال خصوصًا السكرتيرات، يقطع هذا التقسيم بعض الزيارات للأقارب.
– الشخصيات الأنثوية المفضلة (البطلات – Stars) : لدينا عدة صور تدخل في تنويعات وتهويمات حسب الأداء النفسي والإطار الاجتماعي للمشاهدة.
1 – المرأة / الأم. نموذج فاتن حمامة، النموذج الأقل تواترًا.
2 – نموذج المرأة القوية، المفضل عند أغلبية المشاهدات: هنا لدينا نوعان:
– المرأة الغاوية، التي تغوى الرجل وتنتصر عليه ولا يقوى على هزيمتها، موديل نادية الجندي، وكل الأمريكيات اللواتي يمارسن السلوك نفسه (القائمة طويلة، وأنا لا أعرفهن شخصيًا).. أى نموذج حواء L’eternel feminin.
– المرأة القادرة، المثقفة التي تفرض نفسها على المجتمع بشخصيتها. “نموذج منى واصف، نضال الأشقر“.
3 – نموذج المرأة الفقيرة الشاطرة، التي تخترق حواجز الغنى والجاه، وتصل إلى حبيبها، بالجرأة والطيبة. نموذج “بروك” في The Bold، و“استرليتا” المسلسل المكسيكي.
في كل هذه الحالات، فإن القوة متأتية من داخل المرأة، ومن قدراتها سواء كانت الأنثوية التقليدية أو المكتسبة بفعل العلم والثقافة، وكأننا في حالة استنهاض الصورة المرأة مطلقة القدرة Femme toute puissante التي تكلمت عنها الميثولوجيا والأنثربولوجيا خصوصًا الآلهات الآسيويات.
– شكل الحب والجنس مطرحًا واسعًا للإسقاط، فهى عاشقة البطل، تحلم به في الليل، وتنتظر لقاءه في اليوم التالي.
– أما القراءة الداعمة لهذه الخيارات فهى قراءة “روايات عبير“، والمجلات التي تشبه الصورة التليفزيونية. كل هذه الأفلام تدور في فلك من العنف المداور: المؤامرات والمكائد.
– ناقشت المشاهدات هذه المسائل بحماسة فائضة، ارتمين بكليتهن، عبر اللغة والكلام، على البطلات الـ Stars، تمثلن بهن، اعتبرنهن صورا مرايا لهن، مع كل الشحنات العاطفية والوجدانية المرافقة لهذا التمثل، وكأننا هنا تمامًا، حسب ما شرح إدجار موران في “روح العصر“. كيف يتم التماهى عبر المخيال المشهدى لقضايا الذات عبر إواليتي التماهي والإسقاط identification et projection.
وكان ملخص هذه التمارين البحثية، الذي توصلنا إليه، بعد ربط مادة المشاهدة بالوضعية الاجتماعية للمشاهدة، هو التالي ( بلغة الطلاب):
كلما ضاقت مساحة الحرية، ازداد التعلق بالمشاهدة التليفزيونية: المقصود بضيق مساحة الحرية (تراجع العام، الرمزي) الأمور التالية:
١ – العزلة، انقطاع الصلات بين المناطق والطوائف، والانكفاء إلى الحى والبيت.
2 – الانقطاع في الرؤيا، بين الأنثى وأهل البيت، الانقطاع النفسي التواصلي.
3 – الانكفاء النرجسي على الذات، بسبب الخيبات المتلاحقة من عجز القوانين المرعية الإجراء (قوانين الأحوال الشخصية). التماشي مع القدرات الناهضة والرغبات المتفتحة للأنثى، وبالتالي إيجاد مطرح للإشباع يقع في المخيال، منقطع عن الواقع اليومى والعلائقي مع الآخر.
4 – الخوف من الخارج، المسكون بكل إرث الحرب.
5 – الخوف على البنت من الخروج، أى طغيان النموذج السلوكى المحافظ، الخوف من حكى الناس بعد أن سقطت المدينة، وأصبح الناس مكشوفين على بعضهم البعض، والحرص على عودة البنت إلى البيت لحظة انتهاء العمل، ومن الآباء والأمهات من يرافق البنت إلى العمل أو إلى الجامعة أو الزيارة ويردها إلى البيت.
٦ – الفقر، لأن المال حرية؛ إذ يقتضى الخروج، ليس فقط صرف المال إنما، وأيضًا اللباس والزينة، خصوصًا أن المجتمع اللبنانى الصغير والمكشوف، هو مجتمع استعراضي تنافسي.
7 – غياب المؤسسات الوسيطة (الحزب، النادي، الأمكنة العامة المشتركة)، التي كانت تشكل مطرحًا للتواصل والتفاعل، عبر الحوار والنقاش.
إن ضيق مساحة الحرية، هذا التعبير الذي ابتدعه الطلاب أنفسهم، يعنى باللغة التحليلية اللاكانية، غياب وعجز الرمزي L’ordre Symbolique ؛ مما جعل من العيش في المخيال L’imaginaire واقعة نفس اجتماعية، قائمة اليوم لدى الإناث، هذا العيش منقطع عن الحياة اليومية / الواقع.
هذا المخيال المنفجر، تجلت تعبيراته عبر العلاقة بالصورة، خلال إدمان التعامل مع الصورة. وهذا الإدمان بالذات هو المؤشر على رغبات الذات وتماهياتها.
هذه اللحظة التاريخية في حياة المجتمع اللبناني، وفي الدينامية الأنثوية تتقاطع بشكل داعم مع ثقافة الميديا (الصورة التليفزيونية)، ومع لعبة الميديا في طرح نماذج عبر النجوم الـ Stars.
إذا كانت الميديا تطرح اليوم مفهوم الراحة الشخصية الفردية Le bien- etre، فإنها تطرح – أيضًا – ثقافة التأنيث feminisation، (حسب إدجار موران)، التأنيث أو السيطرة الأنثوية في ثقافة العامة (Culture de masse) التي تطرح نموذجًا أنثويًا للتماهي.
“إنها امرأة منطلقة حكمًا، إنما هذا الانطلاق لم يقلل من قيمة الوظيفتين الأساسيتين اللتين طرحتهما البورجوازية: الغواية والتدبير المنزلى، بمعنى أن انطلاقة المرأة لا تتم – فقط – عبر الصعود الاجتماعي، (الوصول إلى المهن الذكورية والحقوق الأساسية)، إنما تتم – أيضًا – عبر شبق فائض hypererotisation، والتحرر من عبودية العمل المنزلى باللجوء إلى الآلات الكهربائية المساعدة، فيصبح النموذج المطروح في التداول خاضعًا لضرورات ثلاث:
– الغواية (الأنوثة المنمطة).
– الحب (الرومانسية).
– الراحة (الراحة الشخصية = الفردوية).
هذا النموذج المطروح، يشكل تماهيًا للإناث، وغواية للذكور، وهو حاضر على الشاشة في كل دقيقة، في أى برنامج وفي أى إعلان يتوجه مباشرة، إلى مخيال الأنثى المشاهدة، خصوصًا تلك التي تعانى فراغًا، اليوم في لبنان، من المرجعيات والإيديولوجيات البانية والموجهة. هذا النموذج مغاير لنموذج المرأة النسوية، في الستينيات، التي كانت تتماهى – فقط – بالرجل، مهملة أنوثتها.
عملياً، فإن الصور التي سكنت مخيال الناس والطروحات في كل العصور السابقة، العذراء من جهة، والغاوية من جهة ثانية، واللتين كانتا منفصلتين عن بعضهما، تجمعتا اليوم، في تنويعات متعددة لما يسمى good- bad girl، التي ورثت الشبق من الغاوية، والطهارة من العذراء. هذا الموديل المطروح يرتسم ويفرض نفسه على الشاشة وفي مخيال الأنثى المشاهدة. وهو يشبه آلهات آسيا الصغرى؛ عذراوات ويغايا في الوقت ذاته، أي نموذج الأنثى الأبدية L’eternel feminin الذى تشكله النجمة Star التي تسكن الأذهان.
هذه النجمة توقظ الأحلام، تستدعى التماهيات المتخيلة، هذه الأحلام إذا لم تصل إلى التحقق فهي تطفو على سطح الحيوات، وتقولب السلوكات، هذه التماهيات المتخيلة تشكل باباً للتماهيات الفعلية، وإذا عجزت عن ذلك ففي أقصى الاحتمالات تشجع على التقليد. لأن النجمة، هي في الأساس، Patron- modele تشجع الانسحاب النرجسي نحو الذات، توكيد الذات، الإقدام على الحياة. إذن هي باب كبير للخلاص الشخصي، حتى لو كان ذلك في الأحلام.
هذه الأحلام هي أكثر ما نجدها عند الفئات الاجتماعية الوسيطة: الموظفات الصغيرات الريفيات الحالمات غير الراضيات عن حياتهن، البورجوازيات الصغيرات اللواتي لا يحالفهن الحظ، في الوصول إلى ذات اجتماعية.. مستقلة.. وفاعلة.
وإذا علمنا أن النساء اليوم، في لبنان، يشكلن الجمهور الواسع العريض الذي تتوجه إليه ثقافة التليفزيونات، فإن هذا يدفع إلى السؤال التالي: هل كلهن جاهزات للتقليد، أو للتماهي مع النجمة؟
نعلم، إننا لا ننتبه، لا ندرك ولا نستبقى إلا ما نريد (علم النفس الاجتماعي)، وعيا أو لا وعيا، نستطيع الافتراض أن النساء اللبنانيات، المنقطعات عن الخارج، المنكفئات إلى الداخل، المحصنات بطاقوية عالية، سوف يجدن في البطلة رافعا لأحلامهن، ونستطيع الإضافة رافعا لمشاريعهن الذاتية في الرؤيا… في السلوك؟
بعد التمارين البحثية الأولى، والتي أدت إلى برهنة ظاهرة الإدمان، ذهبنا إلى دراسة حالات معمقة: خمسة وعشرين حالة، كل طالب درس حالة واحدة. مستعملين التقنيات التالية:
– الملاحظة.
– المقابلة (لكشف السيرة الشخصية، والعلاقة بالمشاهدة).
– الرائز الإسقاطي؛ لرصد الدينامية الذاتية لدى المرأة / المشاهدة.
سوف نقدم بعض النماذج فقط:
الأمل
الآنسة: نوال
العمر: ٢٩ سنة
الطائفة : روم كاثوليك
السكن: الفنار / بيروت الشرقية
الدرجة التعليمية: بكالوريا قسم أول
المهنة: سكرتيرة طبيب أسنان
الحالة الاجتماعية: عزباء
الوضع الأسروي : الأب متوفي، الأم مريضة، تعيش مع الأم وأختها الصغرى، والأخ
رواية الآنسة نوال
توفي الوالد – فجأة – بنوبة قلبية منذ خمس سنوات ولم يترك شيئًا، والوالدة مريضة، وفي حاجة إلى أدوية بشكل دائم. كانت مدللة الوالد، واليوم تعمل وتتحمل مسؤولية البيت، والذي زاد الطين بلة هو تخلى الأقارب عنهم بعد موت الوالد، وخاصة والدة حبيبها. وهي قريبة لهم؛ فبعد موت الوالد غيرت موقفها، وبدأت ترفض فكرة أن يتزوج ابنها من نوال؛ لأنه سوف يتحمل مسؤولية أسرة بكاملها، ووقف الحبيب متفرجًا لأنه يخاف على والدته المريضة من أن يحصل لها مكروه، ثم سافر إلى السعودية، وهو غائب منذ سنة ونصف ووالدته تمارس عليها شتى أنواع الإرهاب.
كل ذلك جعلها تعيش داخل علبة مقفلة هى البيت والعمل، عندما تخرج فإلى علبة ثانية، إنما مفتوحة على العالم، تخبئ في داخلها كل ما تتطلبه هذه الفتاة، مشاهد حميمة، علاقات غرامية، قضايا اجتماعية، حلولاً للمشاكل التي تشبه مشاكلها. هذه العلبة هي التليفزيون، المتربع على عرش بيتهم كما هو يحتل زاوية مهمة في العيادة حيث تعمل.
مدمنة تليفزيون، حوالي ۳۰۰ فيلم حتى الآن. تشاهد لتنسى، أكثر فيلم أثر فيها “بائعة الخبز“، الذي يروي قصة كفاح أم من أجل أولادها.
تقرأ “روايات عبير” (قصص حب رائعة)، إنها لا تشترى هذه الروايات، بل تستعيرها من صديقتها المتزوجة، تحب هذه الروايات لأنها مشوقة، حيث “البطلة تناضل وتتعب مع الشخص الذى تحبه، ولكن في النهاية تفوز به ويتزوجان“.
تقول : “التليفزيون يحل لى مشاكلي. إنه المنقذ من تخلى الأقارب والأصدقاء عنا. المنقذ من غياب الحبيب. “إنه فشة الخلق“، لأنه لا يوجد شيء آخر أتسلى به“، “من دون التليفزيون، أشعر باليأس والضياع“. “أنا أصلى ليل نهار، لى وله؛ كى يوفقنا الله، وسترين الله لن يخذلنا.. سوف ننتصر على أمه، ونتزوج في النهاية“.
مشاهدة المحرم
الآنسة: شريفة
العمر: ٢٤ سنة
الطائفة : مسلمة شيعية.
السكن: قرية في قضاء النبطية / لبنان الجنوبي
الدرجة التعليمية: إجازة في الأدب العربي
المهنة: مدرسة
الحالة الاجتماعية: مخطوبة
الوضع الأسروى: الأب متوفي، والأم مسؤولة عن تربية بناتها الأربع
رواية الآنسة شريفة
“توفي الوالد وأنا صغيرة جدًا، وربتنا أمى، فغمرتنا بحنانها وعطفها، عوضت علينا غياب أبي، لدرجة أننى لم أسأل يومًا أين هو أبى؟. عملت ليل نهار لتؤمن لنا الحياة المادية الكريمة، والحمد لله، أوصلتنا أنا وأخواتي إلى درجة تعليمية جيدة. فجميعنا خريجات جامعات، أمي لا يوجد لها مثيل في الدنيا، لو خيرت يومًا بأن أختار أما، فلا أختار غيرها فهي كل شيء في حياتي“.
لم تنقل الأم صورة جيدة عن الأب المتوفي، الذى كان يأتى بعشيقاته إلى البيت، “نقمتي على أبي ازدادت عندما دخلت الجامعة، واحتكيت بالشباب، فإذا بي أجدهم وحوشًا في غابة، وعمالقة في الكذب. شو خطيبي أحسن منهم، فكل الرجال مثل بعض، ولكن حرام سأعفيه؛ لأننى أحبه وهو يحبني كثيرًا ولم يجرح شعورى أبدًا“.
ملاحظة: الخطيب أقل منها درجة تعليمية، موظف بنك، متدين، محافظ جدًا.
“لقد تغيرت حياتى كلها منذ أن خطبني، فأصبحت أعيش روتينا مملاً، في السابق كنت أقضى وقتى في الجامعة، وعند الانتهاء من المحاضرات أجلس مع أصحابي، نخرج معًا، وعندما أعود إلى البيت أجلس مع أمي، وأحكى لها أحداث نهاري بالتفصيل الممل، كانت الجامعة كل حياتي، وصديقتي الوحيدة. أما الآن، بعد التخرج، فأنا مدرسة، أقضى نصف نهاري في المدرسة والنصف الآخر في البيت مع خطيبي وأمى ولا أقوم بالزيارات إلا نادرًا، فأغلب وقتي أقضيه أمام التليفزيون“.
“أنا أحب المرح والحياة والخروج، ولكن الظروف الأمنية المحيطة بنا ونظرة الناس المتخلفة، في هذا المجتمع المتخلف هى التي تجعلني أتجنب الألسن، كأية فتاة شرقية وأبقى في البيت خاصة عندما تصبح البنت على أبواب الزواج، كل من يحيط بي يقول لي: اركزى لا تخرجي كثيرًا، الرجل لا يحب الفتاة الفرفورة، بل الراكزة والرصينة، كأن خروج الفتاة ونزهاتها مناف الرزانة، حتى خطيبي لا يحبنى أن أخرج كثيرًا فبنظره، مكاني هو بيتي“.
“أتابع Beverly Hills، العاصفة تهب مرتين The Bold and the Beautiful، محاضرات السيد حسن نصر الله والسيد محمد حسين فضل الله، الأناشيد الإسلامية، مجالس العزاء، البرامج الثقافية.
“Beverly Hills يصور حياة الشباب في أمريكا، الحرية التي يعيشونها، العلاقات الغرامية المكشوفة.. أحب هذا المسلسل كثيرًا بل أعشقه لدرجة أننى أتشاجر مع خطيبي عندما أحضره، فهو يقول إنه إباحى ومناف للأخلاق وللالتزام الدينى، لكنني لا أرد وأحضره، حتى أثناء المناظر الغرامية فإننى لا أغض النظر بل أتطلع وأستمتع بذلك، ولكن بعد انتهاء الحلقة يؤنبني ضميري؛ لأننى ارتكبت إثمًا بمشاهدتي لتلك المشاهد التي أثارتني. شخصية “برندا” تأسرني، أحبها لأنها فتاة متحررة، متمردة، وشخصيتها قوية، لا تقبل أي شيء بسهولة، أحسب أنها الفتاة التي لا تخيب ظني وتستسلم. إنها فتاتي.
“… ياليت لى شجاعة “كارولين” في The Bold، الشيء الرائع الذي أعطى لشخصيتها القوة، هو اعترافها لريدج بأنها لم تعد قادرة على كتمان حبها له وكبته. فهي تشعر بأن لها الحق في أن تعيش وتعترف بمشاعرها، وترضى رغباتها. أما أنا، ويا للأسف، فتاة شرقية يجب أن لا تظهر مشاعرها، بل عليها أن تخفيها“.
“… شخصية “جمال سالم” في المسلسل المحلى “العاصفة تهب مرتين“، هي شخصية جديرة بالإعجاب، فقوة شخصيتها هي امتداد لشخصيتي وانتقامها من نادر (مطلقها / البطل)، وعدم الاستسلام والرضوخ له، هو انتقام لكل فتاة وامرأة.
“نادية الجندي” شخصيتها قوية ومميزة، ذكية، جذابة، مغرية، تعرف كيف تذل الرجل وتجعله عبدًا لها“.
أحب قراءة “روايات عبير“، الآن لا أقراها فخطيبي منعني من قراءتها؛ لأنها محرمة إسلاميًا، فهى بنظره تثير المشاعر والرغبات الجنسية، ومنافية للأخلاق الإسلامية. عندما كنت في المدرسة الثانوية قرأت حوالي 30۰ قصة“.
دروس يومية
السيدة: ربی
العمر: ٢٠ سنة
الطائفة : مسلمة سنية
السكن : طرابلس / لبنان الشمالي
الدرجة التعليمية : ثان متوسط
المهنة : ربة منزل
الحالة الاجتماعية : متزوجة وأم لولد واحد
الوضع الأسروى : تعيش مع أهل الزوج
السيرة الحياتية للسيدة ربى
“أهلى كان همهم أخى الأكبر، عندما كنا ننجح، أنا وهو، في المدرسة، كانت أمي تعلق علامات أخي على باب البيت، فيأتى أبى ويراها، وتحمل له الهدايا، أما أنا فلا“.
تزوجت صغيرة وكان عمري أربعة عشر عامًا، كنت جاهلة كل شيء، وأهلي لم يعطوني ولا معلومة، ولا حتى كيف أتعامل مع زوجي، لم أكن أعرف. كنت أعتقده، مثل أبي، لم يقل لي أحد ما هي حاجة الزوج، فكانت النتيجة أن أغمى على ليلة الزواج، وفقد زوجي ثقته بي نتيجة لذلك، ولم يمض شهر حتى فوجئت بعدم رغبة زوجي بالاستمرار معى ورغبته بالطلاق. أي أن غرفة النوم هي التي كانت وراء الرغبة في الطلاق. مطلقة يعنى كارثة“.
“أتاني الحل عن طريق التليفزيون، بدأت أتعلم كيف أعامل زوجي؟. كيف أطبخ؟. كيف أتكلم مع الناس؟. كيف أحاور الآخرين؟“.
“لقد كنت محاصرة من قبل أهلي، ممنوع على القراءة، ممنوع التليفزيون، وصرت محاصرة مع زوجي. فهو يقول لى لا أحد يرحم في الخارج. وهذا ما أراه أيضًا عبر الأفلام. فعلاً الناس لا ترحم. فلا أهلي ولا أهل زوجي يرحمونني. من يرحم في الخارج..!”
“اعتمدت على الأفلام الأجنبية. إنها تحتوى على مشاهد كثيرة غير أخلاقية، ولكنها مفيدة جدًا، إنما الأفلام العربية لا تقدم الحلول، وأنا لا أهتم بها. الأجانب يهتمون بالشخص الضعيف الذي يطلب مساعدة. لا أعتمد إلا على حلول الأفلام الأجنبية“.
“تعلمت من جوليا الشجاعة، القوة، إنها تواجه الناس بالحوار وبالتروي. تعلمت منها كيف أحاور، العالم كله يحترمها؛ لقد استطاعت أن تثبت نفسها، كلمتها، موقفها، هي نموذج المرأة التي أحب أن أصل إلى ما وصلت إليه. ولكن طبعًا لن أتمكن من ذلك. أنا لا أعرف أحداً ولا أثق في أحد، زوجي لا يسمح لى بالخروج حتى لا يقول الناس إن زوجته تروح وتجيء (فالته).
“نبيلة عبيد قوية، يحاول الناس أذيتها، ولكنها تحاول الدفاع عن نفسها، أنا أحب المرأة الشجاعة التي تستطيع الدفاع عن نفسها. المرأة ليست عبدة والله أعطاها حقوقها، فلماذا هي عبدة؟!.
“أتمنى لو أن زوجي عنده سلطة أكثر… مثلاً زوجي يمنعني من إقفال باب غرفة النوم” لأن أمه قد ترغب في الخروج إلى الشرفة. يجب أن أتجاوب معه، وإلا فهو يهددني بأنه سوف يتزوج من امرأة أخرى“.
الشبق في الداخل
الآنسة : بثينة
العمر : ٣٢ سنة
الطائفة : مسلمة سنية
السكن : بيروت، الملعب البلدى/ بيروت الغربية
الدرجة العلمية: الثالث متوسط، مدرسة الإنجليز
المهنة : لا تعمل
الحالة الاجتماعية : عزباء
الأب : مريض
الأم : مسيطرة
يعيشون معًا في منزلهم مع الأخوة الشباب الثلاثة، غير المتزوجين.
السيرة الحياتية لبثينة
جاوز الأب السبعين، مصاب بالقلب والسكرى، وهو مقعد بسبب فالج نصفي أصابه سنة ١٩٨٢، يقضي نهاره أمام التليفزيون، وتعنى به ابنته، العلاقة بينهما هادئة جدًا.
الأم عمرها ستون عامًا، تشاهد التليفزيون طوال الوقت، تعاني من وسواس مرضى، وهي قوية جدًا على البيت حتى قبل شلل زوجها، تحب الأم ابنتها كثيرًا وتعتبرها مثالية، البنت تحب الأم ولكنها تعتبرها مسيطرة: “أمي ما بتحب حدا يتزوج“.
هذه الفتاة ليس عندها صديق أو صديقة، “حياتنا منغلقة، ما في عندنا حدا نروح ونجي لعنده“. “ليس عندي أصحاب لى وحدى“. “يا ريت عندي أصحاب، بحب أحكى مع العالم“.
كان عمرها خمسة عشر عامًا، في صف البريفية، أحبت شابًا يقطن في الشارع نفسه، ورأتها أمها مرة معه في الشارع، “فأقامت الدنيا ولم تقعدها وعملت لي مشكل طويل عريض، وأخذتني لعند الحكيم النسائي لأنها شكت في أمرى وأشياء من هذا النوع، ومن يومها خفت من الأمر، وصرت خاف روح على المدرسة“، وباتت لا تخرج وترفض أي عريس يتقدم لها.
“والأن زوجي هو التلفزيون، أراه من الصباح حتى المساء ولا نفترق إلا وقت النوم“. “حياتي كلها ما فيها إلا أكل نوم وشغل بالبيت وتلفزيون.. أكثر شي تلفزيون، أنا أعيش معه، من خلاله“.
“في الأول ما كنت حب أفلام نادية الجندي، لأنها كانت دوما – تموت في نهاية الفيلم، مع أنها كانت دومًا تمثل دور المرأة الثائرة على المجتمع، والآن مازالت تمثل دور المرأة الثائرة والفالتة، ولكنها لم تعد تموت بل تنتصر“.
“أنا معجبه بشارون ستون كممثلة؛ لأنها جميلة وبتلعب على ماية رجل، دون أن يتمكن أحد منها، وهي تفعل ما تريد، على هواها“.
“عادة اللي بحبهم، بحب أكون مثلهم إذا كانوا نساء، أما الرجال فأحب أن أكون متزوجة من واحد منهم“.
“لولا التليفزيون كنت جنيت“. “التليفزيون يعني زوجي، حياتي كلها، هو أهلي“.
“ما بعرف شو كنت عملت لولا التليفزيون“.
“أنا معجبه بـ “آبى” (الهجرة من دالاس): امرأة جميلة وقوية وتنال ما تريد“.
“كذلك الكسيس (داينستى)، امرأة قوية ومثل الرجل، ما في عندها حدود والرجال يعجبون بها وهي تدوخهم“.
“أحب نبيلة عبيد لأنها صاحبة شخصية، ولا ترضى بالرضوخ وتنتصر“.
زوج من دون كرامة
السيدة : صباح
العمر: ٢١ سنة
الطائفة : مسلمة شيعية
السكن : قرية في الجنوب
مستوى التعليم : بكالوريا
المهنة : ربة منزل
الحالة الاجتماعية : متزوجة، أم لولد
الوضع الأسروى : يسكنان في الجنوب، هو يعمل في بيروت، ويعود إلى المنزل، مساء السبت
رواية صباح عن حياتها
يوم تزوجت في سن الـ ۱۷، برغبة من والدها الذي رأى في زواجها سترًا وضمانًا لها في المستقبل، رزقت بولد بعد سنة، واكتشفت أن زوجها ليس الرجل الذي يناسبها، فآراؤه وتفكيره يختلفان عن آرائها وتفكيرها. منعها من متابعة دراستها، فعلمت نفسها من خلال قراءة الكتب الأدبية والشعرية والعلمية، توسعت مداركها، وبقى هو كما هو، كثرت المشاكل وتفاقم الخلاف، وأصبح التفاهم أمرًا صعبًا، إنه يريد فرض رأيه عليها حتى لو اضطره الأمر إلى ضربها، إنها تعانى من فراغ يطغى على حياتها، ومن حرمان عاطفي رهيب، لديها إحساس بأنها بدون قيمة ودون معنى في منزلها ومع زوجها. تصف زوجها بأنه بدون كرامة وبدون مسؤولية، ذلك أن صهره تحرش بها وأخبرته، فقال لها: سوف آتى به ليعتذر لك، دون أن يثور أو يغار. ينهى عمله كل الساعة الثالثة وفي استطاعته العودة إلى منزله بعد الظهر، لكنه يتركها تتدبر شأنها مع ولدها. حاولت الطلاق مرارًا ولكنه لم يوافق، علاقتها مع أهلها سطحية، وكذلك مع إخوتها وأخواتها، فزوجها لا يسمح لها بالخروج سواء في حضوره أو في غيابه. تقضي وقتها مع التليفزيون، فهو خير جليس لها ولابنها، إنه يشعرها بقيمتها: “التليفزيون يعطى ولا يأخذ، يقدم كل شيء دون مقابل“.
“الذي جذبني إلى التليفزيون هو أنني أشعر أنه يحبني، يهتم بي كما أنه يحترمني“.
“تشدني اللحظات الحميمة، كما أهتم بالبرامج الثقافية التي تكسبني معلومات إضافية وأى مشهد يدفع معنوياتي إلى الأمام، أحب مشاهدته أكثر من مرة. مثلاً: خروج البطلة من حالة الظلم التي تعيش فيها وتحررها من جميع القيود المحيطة بها تعطيني دافعًا قويًا بأن وضعي الذي أعيش فيه لابد أن يأتي يوم من الأيام ويتغير إلى الأفضل والأحسن طبعا“.
“أعجب كثيرًا بالمسلسلات وأفلام المشكلات، فمشاكل الأبطال والممثلين هي مشاكلنا. إنه يملأ حياتي ويشغلنى وينسينى همومي والفراغ الذي أعيش فيه. إنه الباب الذي أعبر من خلاله من عالمى الرتيب الذي يسير على وتيرة واحدة إلى عالم التشويق والخيال والفرح، إنه يحل محل كل من حولنا“.
“بالنسبة لى البرامج التي تجسد علاقة الزوج بزوجته تلفتني وتجذبني إليها خصوصًا تلك العلاقة القائمة على الحب والاحترام. فوقوف الرجل بجانب زوجته يمنحها القوة والصبر على الشدائد، أما غيابه فيشعرها بضعفها مهما بلغت هي من قوة. فطلب البطلة الحماية من زوجها وإسراعه لنجدتها يسعدها كثيرًا ويشعرها بقيمتها“.
“أفضل زياد الرحباني وفهمه الأحداث“.
“نضال الأشقر تستحق الإعجاب، شخصيتها تسحرني، إنها امرأة تشعرك بقيمتها وتفرض نفسها أينما وجدت، حرة تفعل ما تشاء، كم أنا راغبة، وكم كنت أحلم أن تكون لي شخصية مشابهة لشخصية نضال الأشقر أو أية امرأة تستطيع أن تتخذ قرارًا وتنفذه هي دون أن يكون عليها ضغط أسرى واجتماعي“.
مسايرة
الآنسة: سميرة
العمر: ٢٦ سنة
السكن: بلدة في قضاء النبطية / لبنان الجنوبي
الدرجة التعليمية : بكالوريا قسم ثان
المهنة : معلمة في مدرسة خاصة
الحالة الاجتماعية : كانت مخطوبة
رواية الآنسة سميرة
“ولدت وتربيت في بيت محافظ، جو بيتنا يهتم كثيرًا بالمجتمع ويحكى الناس، ربتنا أمي على المبادئ والقيم والأخلاق، كانت معنا مثل الضابط الألماني نظامية، مثلاً في سن معينة كان الوقوف أمام المرأة ممنوعًا زيادة عن المعدل، ومن المفروض أن نكون في البيت مع كلمة “الله أكبر“، أي آذان المغرب، التأخير خارج البيت ممنوع، لقد وضعت هي حجر الأساس، أعتبر أمي صديقتي، وكذلك أبى علاقتي به جيدة وهو مثل صديق لي“.
“أنا راضية عن حالي، إنسانة مهذبة، محترمة ومش ناقصني شيء، في عيب واحد أنني لست جريئة كفاية خاصة في الأمور العاطفية. مجتمعنا صعب. إذا لم تكن تصرفاتنا صح، بنتعب كتير، لأن المجتمع لا يتقبل كل شيء، فنضطر للمسايرة في أمور كثيرة، وأنا من النوع الذي يهتم بحكى الناس وأحسب لهم ألف حساب“.
“خطبت وكان عمري ١٩ سنة، بعد الخطبة بأسبوعين سافر خطيبي، بعد أشهر قليلة، اختلفت مع أمه، لقد عارضتها أثناء اختيار غرفة النوم، فكتبت إلى ابنها الذي عاد وأرسل في طلبي لعند الشيخ لإتمام الطلاق. أمه قوية كتير، تتحكم في الجميع، وهو محكوم لها وضعيف الشخصية أمامها. تعلمت من هذه التجربة الكثير“.
“أريد اليوم علاقة مبنية على أساس التفاهم والود والانسجام، أريده أن يكون حرًا، لا يعلى عليه أحد قراراته“.
“أقرأ روايات عبير، إحسان عبد القدوس، يوسف السباعي“.
“أوقات الفراغ موزعة بين القراءة والمشاهدة التليفزيونية والنوم والزيارات العائلية“.
“أتابع The Bold” العاصفة تهب مرتين معجبة بـ “جمال سالم“، بطلة المسلسل: سيدة شارفت الأربعين ومازال قلبها شبابًا، وهي قادرة على الحب من جديد، تعجبني لأنها لم تتأثر ولم تصدم بعد خلافها مع نادر صباغ“.
“أحب المسلسلات التي فيها حب وعنف وجنس“.
“آه شو حلوين، هيدا المطلوب، على الأقل بتشوف شغلات مش عم نعملها، شغلات بتفش الخلق، بس ما حدا بيقدر يعملها نظرًا لارتباطنا بالدين، بالمجتمع، بالمعايير، بالتقاليد، بالحشمة، وكلها أمور بلا طعم وتحرمنا من عيش حياتنا“.
“هذه المشاهد تثيرنی، توقظ مشاعری، فتثير عندى كل شيء، تفتح شهيتى للجنس، على الأقل بنشوف مادمنا نحن غير قادرين على التنفيذ. بشكل عام أشاهد الأجنبي وأفضله على العربي“.
“أعتبر نفسى في حالة مشاهدة دائمة، عندما أقرأ قصة أكون في نفس الوقت عم شوف مسلسل أنا دائمًا أحضر، خاصة في السهرة، بعد أن ينام أهلي، أحس بالملل والفراغ والوحدة، ولا يبقى لي شيء سوى التليفزيون. إنه الحل للملل والضجر“.
اللعب والمقالب
الآنسة : ندى
العمر : ٢٤ سنة
الطائفة : مسلمة سنية
السكن : بيروت الغربية
الدرجة التعليمية : ماجستير تغذية في جامعة أمريكية
المهنة : لا تعمل
الحالة الاجتماعية : عزباء
الوضع الأسروى : جيد، يمتلك الأب مكتب سفن
رواية الآنسة ندى
“القرارات في البيت للوالد، ممنوع أن يتلفن هذا الرفيق أو ذاك، أو أن يأتي آخر إلى البيت، كله مقنن ويجب أن يكون تحت نظر الأب وأنا أرتب الأمور بشكل لا يغضبه، مثلاً في حفلة التخرج هو الذي أرجعني إلى البيت ممنوع السهر خارج البيت“.
“في الجامعة يجب أن تكون الواحدة منا ذكية وقوية؛ لأن البنات هناك شخصياتهن رهيبة وغريبة، وإذا لم تكوني قوية يأكلونك، يجب أن تكون البنت قوية وذكية حتى تعرف تمشي حالها في الجامعة، الناس مودرن بشكل رهيب، توجه عليك انتقادات، وإن كنت ضعيفة لا تستطيعين الاستمرار، من هنا وجدت أنه على أن أتعلم الضروب والمقالب. ولكن لو عرف بابا بيقتلني“.
“الإنسان من دون عائلة ضعيف لا يقدر أن يعيش بدون الأهل يصبح شحاذًا“. ومع هذا، فهي لا تخبر أحدًا بأسرارها ولا تأمن لأحد في حياتها لا لأصدقائها، ولا لأمها ولا لأختها ولا لأخيها. إنها تشاكس الجميع، الأساتذة، الطلاب. اختلفت مع الأستاذ المشرف على رسالتها، لأنها تريد أن تشتغل أطروحة عن الجيش، فرفض، لذا اشتغلت أطروحة عن الجراذين. معظم هذه الأمور تنقلها من التليفزيون، وهى تحب اللعب، والمقالب، التسلية، الأفلام الأجنبية Action suspens، وكل الأفكار الجديدة، كل ما هو جديد. تحب المسلسلات الأمريكية The Bold، شخصية بروك الخبيثة تعجبها، تعمل ما لا تستطيع هي عمله، تكره شخصية كارولين البسيطة الطيبة، العاقلة التي لا تعرف ما تريد.
من الممثلات العربيات، تحب شخصية الممثلة يسرا التي تستطيع أن تلعب أي دور، تتكيف مع أي موقف وتتقن الدور، لا تخاف من أحد، لا تسمح لأحد أن يستخف بها، إنها تكره الأفلام العاطفية القديمة، حيث شخصية البطلة ضعيفة جدًا وتستسلم بسرعة.
ندى تشعر بالوحدة والضجر، ولا تحب مواجهة سلطة الوالد، همها أن تدوخ الآخرين. لم يأت الرجل الذي يستاهلها.
الأمان المفقود
الآنسة : شهيرة
العمر: ٢٨ عامًا
السكن : بيروت الغربية
الدرجة التعليمية : سنة ثانية آثار
المهنة : موظفة في مؤسسة تجارية
الحالة الاجتماعية : عزباء
الوضع الأسروى : تعيش مع أسرتها المفككة؛ حسب رأيها
رواية الآنسة شهيرة
تعيش شهيرة وسط أسرة مكونة من أم وأب، صبيين، وخمس بنات، فقدت هذه العائلة الابن الأكبر في الحرب، لديها أختان متزوجتان، إحداهما مطلقة، خسرت الأسرة أملاكها أثناء الحرب، مما جعلهم في موضع العوز والحاجة.
“وضعي العائلي مفكك، يسوده الاضطراب، لا احترام بين أفراد الأسرة، الكبير لا يحترم الصغير وبالعكس، الأسرة تحكمها شريعة الغاب، القوى يأكل الضعيف، قتل أخي الكبير غدرًا، وكان الوحيد الذي يفهمني الأسرة بالنسبة لي هي الجحيم الذي لا يطاق“.
“تجاربي زرعت الخوف في نفسى، والخوف من الخروج مع الآخرين“.
“لا أريد أن يفرض أحد على سلطته، أريد أن أشعر بالحرية الذاتية، ولكن هذا مستحيل، هناك أسوار كبيرة أكبر من قدرتي على تحطيمها“.
“من صغرى وعيت كلمة عيب.. عيب.. لدرجة عيب أن تقول البنت أنها مريضة“.
“لم أندم على عمل قمت به، الحرية ثمينة، مررت بكل الممنوعات سرًا، ولا أحد من أهلى يعلم بها، عرفت أسوأ الناس وأحسنهم، قمت بأفظع الأمور، شربت الدخان سرًا وأنا لم أتجاوز السادسة عشرة، مارست الجنس سرًا، شربت الخمر سرًا، كل هذا لم يعطني الأمان؛ فقد جعلت منى هذه الظروف إنسانة مدمرة تعيش في فراغ رهيب“.
“بدأت العمل وأنا في سن ١٦ عامًا، حتى لا أكون عبئًا على والدي، كنت أصرف المال على إخوتي لأشعرهم بعاطفتى، والآن أقضى وقتي أمام التليفزيون، أشعر بالخوف من المجهول، والتليفزيون يبعد عنى هذا الخوف، أحيانًا يذكرنى التليفزيون بحياتي الماضية، بالمواقف المؤلمة التي حصلت معى“.
“أشاهد معظم المسلسلات الأجنبية، وخاصة الـ Best Sellers، تعجبني الممثلة الأجنبية بسهولتها وثقتها بنفسها، لا أحب البطلة الضعيفة أمام البطل“.
“لا أستطيع متابعة المسلسلات المصرية لأنها تشبه واقعنا، ليس هناك من تجديد، يعجبنى عادل إمام، إنه يحل المشكلة بشكل عفوي“.
“تعجبني جمال سالم في “العاصفة تهب مرتين“. تعجبنى الممثلة يسرا (ممثلة أنثوية قادرة)، نادية الجندي في بعض أفلامها، منى واصف (صورة المرأة المنافسة لصورة الرجل حتى في الأدوار التاريخية).
“أقرأ لنوال السعداوي، هذه الكاتبة تعطيني الدفع والقوة، فأختي المطلقة عانت الكثير من ظلم زوجها؛ فعلى الرغم من تنازلها له بالسكن مع أهله، فقد عاملها كخادمة، وممنوع عليها أن تتدخل في أي موضوع حتى تربية ابنها، وكان زوجها يطيع أهله ويفرض عليها طاعتهم، ويقول لها مرارًا إنه ينفذ لهم كل ما يريدونه خوفًا من غضبهم، فاستمرت سنوات على هذه الحال، ودون ذنب طلبت والدته طلاقها واتهمتها بأنها لا تناسب ابنها، والآن أبي يعاملها كخادمة في بيتنا ويمنعها من الخروج لأنها مطلقة“.
البحث عن مواطن القوة
الآنسة : مجد
العمر: ٢٢ عامًا
السكن: بيروت
الدرجة التعليمية: إجازة في الفيزياء
الحالة الاجتماعية : عزباء
رواية الآنسة مجد
“أعجب بالبطل الأجنبي، المشاهد الجنسية“.
“أكره البطل العربي“.
“أبحث عن كل المشاهد التي أرى فيها الرجل الضعيف، مرتميًا في أحضان البطلة كطفل صغير“.
“منى واصف عندها عنفوان رهيب، المرأة / الأنثى، صاحبة السلطة، صاحبة ثقافة عالية، أم، لعبت دور الأم ودور الأخت، هند (آكلة كبد حمزة)، إنسانة مهمة، صاحبة ذوق وثقافة، تحترم نفسها“.
“معجبة بمسرحيات زياد الرحباني“.
“جوليا بطرس“.
“كنت أطمح أن أدرس Astronomie وأصير رائدة فضاء“.
“إنو اطلع بمركبة فضائية وأدور العالم“.
1– الانقطاع:
-
انقطاع بين الرمزي والمخيال والواقع يترجم بـ :
– انقطاع عن العالم الخارجي.
– انقطاع في الداخل الأسروى بين الأفراد.
– انقطاع داخل (الكويل).
– انقطاع داخل الذات نفسها، بين المخيال والواقع اليومى والغد.
٢ – تقهقر الصورة المثالية للرجل/ الأب :
خرج الرجل من الإطار المذهب في مخيال الأنثى وواقعها، لأنه غير قادر على تقديم شيء، هذا الأمر أدى إلى ما يلى لدى الأنثى اليوم:
أ – تأكيد الذات: أى الفعالية والحضور المميز، النجاح وطلب الاعتراف، كأننا في اتجاه نشوء الفرد Individual الذي هو بصدد التحول نحو ذات فاعله Sujet Social، قادرة على التدخل، على قاعدة نرجسية واضحة.
ب – دينامية عالية: تتم عبر إوالية التدخل في الواقع باتجاه تحويله نحو سلم مؤقت، على قاعدة التسامي (في المهنة، والخلق والإنتاج)، وحتى داخل الأسرة.
جـ – الرغبة :
– إعطاء قيمة للجسد والرغبة.
– لم تعد البنت أو المرأة تخجل من رغبتها، بل حقها في الجنس.
– لكنها تلعب وتداور لتحمى نفسها من الذهاب إلى الفعل Passage a l’acte، والذهاب إلى ممارسة الرغبة يتم في حال عجز الأسرة عن الضبط، (حالة الأمان المفقود).
د – الرضوخ المفخخ :
إن مطرح التعبير عن الأحلام والطموحات هو المخيال، في واقع معقد ومجهد ومنهوك لا يسمح اليوم بتحويل هذه الطموحات إلى مشاريع فعلية، إنما يعاش بشك عارض Symptome يتجلى في أزمة العلاقة مع الآخر (الكويل)، واستطرادا في أزمة الزواج اليوم في لبنان.
نتائج رائزT. T. P. (***)
وجدنا نفس النتيجة لدى جميع المستجوبات:
۱ – نرجسية الذات المندفعة.
2 – إعطاء قيمة للجسد.
3 – مسافات كبيرة بين الأشخاص، احتكاك سلبي. لا لقاء. لا أهداف مشتركة.
4 – الحدث فقط هو الذى يجمع الأشخاص (الحرب، المرض مثلاً).
5 – دينامية عالية.
٦ – عفوية قليلة، تمثيل التكيف الاجتماعي، اتصال مزيف.
7 – كبت للماضي.
8 – انفتاح على المستقبل: أحلام وطموحات.
9 – غموض المصير.
ننهي هذه الصور، بفقرة استعملتها إحدى السيدات، أمام رائز T. A. T.
“شخص يعيش ضمن جماعة، ولكنه يشعر بالوحدة، إنه متوتر وغاضب، وسيندم إذا ارتكب خطأ ما… عاد إلى المنزل، إنه ينام الآن، تاركًا للقانون أن يحرره من الظلم. سوف يستفيق، تتغير حياته، وتتحسن ظروفه“.
* – أنيسة الأمين مرعى: محاضرة بقسم علم النفس، الجامعة اللبنانية، وعضوة بتجمع الباحثات اللبنانيات.
** – الأب الذي تأسست على سلطته كل مقولة البطريركية Le Patriarcat، أمر يجب أن نتوقف عنده لأهميته في الانتظام النفسي، والمصير السلوكي لدى الأبناء، وخصوصًا البنت.
– ما قبل الأديان: كان معنى الأب في البدء هو معنى السيد Le maitre ؛ لأنه كان سيد السياسة وسيد الدين، حامل الخطاب السياسي والخطاب الدينى، سید البيت dominus.
– مع الأديان: لم يعد الأب هو المشرع، بل هو ممثل للشرائع.
– مع الدولة والقوانين: أصبح ممثل القوانين وليس صاحبها.
– الأب كصورة متخيلة، يأتى من جهة الابن أو البنت، إنه الصورة التي نحن في حاجة إليها، في عمر ٥ أو ٦ سنوات، والتي ليست لها أية علاقة بالأب الفعلى Le Pere reel أو لنقل إنها تمحو الأب الفعلي.
الأب المتخيل الصورة، هي صورة رجل وسيم، قوى، شديد الذكورة، نجده في التليفزيون، في السينما، في الصور المتحركة. أو بكل بساطة في المدرسة بين الأساتذة. يكفي أنه يجسد شيئًا ما من تلك الهيبة التي تعود في جوهرها إلى عالم السياسة أو عالم الدين أكثر ما هي عائلية. هذا هو الأب القوى، إنه صورة متخيلة، إنه يفرض نفسه؛ من حيث كونه قوة لا توجد عند الأبناء على مستويين:
– إنه السيد المشترع، صانع القانون وليس ممثلاً له، إنه الأب الـ mythique الذي يتماشى مع تمنيات الأبناء، وهو الذي يُبحث عنه دائمًا لأنه جدير بالحب، ومعه يخرج الولد من الأوديب، ومعه تتم عملية التماهي أو الإجتياف، إجتياف صوته الذي يملى القانون.
– هذا الأب هو الذي يصنع الابن؛ لأنه هو القادر، ولأنه قدير إلى هذه الدرجة فهو الذي يفتح باب السؤال والإعتراض عند الابن أو الابنة “مادام هو قادراً لماذا صنعني ضعيفًا وعاجزًا إلى هذه الدرجة!”. أى الدخول في النقد والاعتراض يستمر مادام لم ينه الولد حداده على هذا الأب المثالي، لا تتم عملية الحداد إلا بمجازفة قول الاعتراض، كلما عبر الولد، قال كل شيء، حتى الثمالة، إلى قعر الكأس كأس المرارة، لكى يتم الحداد يجب المرور بهذا الكره له.
الأب الفعلي Le Pere reel
الأب الفعلي للولد، هو الذي تسميه المرأة، إنه رجل المرأة، أى إنه خالق للمطرح الذي لا يقال للولد، إنه المحل المستور، الستارة Rideau على معنى المتعة بينه وبين الأم، ما لا يجب معرفته من قبل الولد.
الأب الفعلي هو الذي لا يتماهى كلية مع صورة الأب المطلقة السلطة، السيد المربي الذي يرمى قانونه على كل شيء، أى أنه لا يسقط رغباته على أولاده، ليس أسوأ من الأب الحاضر دائمًا، الذي يرى كل شئ، ويتدخل في كل صغيرة وكبيرة، ويرفع صوته على كل شئ وينصب نفسه ممثلاً للقانون، ويطرح نفسه مشرعًا، متماهيًا مع القانون فإذا كان الأب الفعلى يريد أن ينصب نفسه بديلاً للأب المثالى الضروري لتماهي الولد وهو في حالة: العجز، النقص، الزعل (Lacan; ecrits Parit Seuil 1966. P 579) “demerite، insuffissance” voire en Fraude ينتج عن ذلك تواطؤ متعى مع الواد ساد ومازوشى: سادى من قبل الأب، مازوشي من قبل الابن! إنه اللقاء المنحرف. وهذا اللقاء هو الذى يجب ألا يحصل، ألا يتم، إن وجوده كرجل حامل للرغبة، يساعد الولد على البدء بالحداد على الأب المتخيل، يسمح له بأن لا يبحث عن أب في الخارج: خارج الأسرة، عند القائد الاجتماعي أو السياسي أو الديني.
* * * J= T. T. P. مادلين باكيس توما. Madeleine Backes- Thomas (1969)، رائز مكون من عشرين سؤالاً، عابراً للحضارات، حيث يجب أن يؤلف المستجوب رواية حول العلاقة بين ٣ أشخاص. وقد استعمل في الفترة ۱۹۷٥ –۱۹۸5 في عقد المرأة، لقياس تحولات الدور لدى المرأة في العالم.